شذاالنرجس
07-03-2011, 06:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
المخرج من الفتنة
http://www.monsterup.com/upload/1222637946.gif
إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [ الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
عباد الله:
حينما نتكلم, نتكلمُ عن همٍ عظيم, وكربٍ جسيم, نتكلمُ عن حالِ الأمة, عن حالها قبل الإسلام, وعند الإسلام, وبعد الإسلام.
حينما نتكل م, نتكلمُ عن جنس العرب, جنسٌ غريب, فريد, فقد جمع بين جميعِ المتناقضات, جنسُ العرب, كان أحدهم يقتلُ ولده خشية أن يُطعم معه, إن كانت هناك لقمة, استأثر بها نفسه, فإن غالبه الولد من الجوع قتله.
جنسُ العرب, كان أحدهم يَئِدُ ابنته خشية العار, جنسُ العرب, كانوا يُقاتلون على أتفه الأسباب, ربما وقع قتال من أجل فرسين داحس والغبراء، ظل ما يزيد على ثمانين عاما من إطاحةٍ للرؤوس إلى أن سكنت الفتنة.
جنسُ العرب غريب, القليلُ يستثيره, والتَّافهُ من الأمرِ يُحركه, وعلى الرغم من هذا فى نفس الجنس متناقضات, فترى أن فى الجنسِ العربى الوفاء والرجولة، وعدمُ الكذب, حتى لما وقف أبو سفيان العدو اللدود للنبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمام هرقل, قال هرقل لأصحابه "فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ", قال أبوسفيان "وَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا" أى أصحابه "لَكَذَبْتُ عَلَيهْ".
الوفاء, لما خرج امرؤ القيس أراد أن يثأر لأبيه, ضاق به المُقام فوضع أدرعه عند رجلٌ عربى يُسمى السموئل, فوضع أدرعه وانطلق إلى هرقل يطلبُ المعونة فى الثأر لأبيه, فاجتمع بعضُ أحياء العرب وحاصروا قصر السموئل وقالوا أعطنا أدرع امرؤ القيس، فأبى وسد أبواب القصر, كان غلامه خارج الباب فرفعوا إليه الغلام وأشاروا بالسكين, إن لم تفتح الأبواب وتُخرج الأدرع-أدرع عبارة عن مجن يُتحامى بها من السيوف- وتُخرج الأدرع لقتلنا الولد, قال: لا أفعل, فذبحوا أمامه الولد أمام الباب.
العربى جمع بين متناقضات, ترى العجب العجاب, فى حرب داحس والغبراء, قتل المهلهل شابًا يافعًا كان وحيد أبويه, فالتقى المهلهل ووالدِ هذا الشاب, فأقبل عليه هذا الأب وقال: كأنى أعرفك ما تحقق منه بعد, كأنك شبيهًا بالمهلهل, قال ما رأيك لو دللتك على المهلهل تُطلقُ سراحى, قال نعم, قال أنا المهلهل.
رجلٌ يبحثُ عن دم ولده والقاتلُ بين يديه, ولكنه نطق بكلمه قال: أفعل, قال أنا المهلهل, فلم يدرِ ما يفعل.
فقال انزل على الأرض, فنزل على الأرض وجاء بسكين وما فعل إلا أن قص جُمته, قص بعض الشعر, ثم قال انطلق.
هؤلاء العرب جمعوا بين المُتناقضات, بين أعلى الأشياء وبين أدناها, يقولُ العربى الأول قبل الإسلام "وأَغُضُّ طَرْفِي عَنْ جَارَتِي إنْ بدَتْ حتى تُواري جَارَتِي مَثْواهَا ".
تقولُ المرأةُ العربية لما بُويعت على الإسلام "وَلَا يَزْنِينَ", قالت واسوءتاه أتزنى الحرة؟!
هذه المُتناقضات التى جُمعت عند العرب, لما أراد الله-عز وجل- للبشرية قاطبة الخير, أرسل رسوله منهم, وجعله خاتم الرسل, وجعل رسالته باقية إلى قيام الساعة, وأنزل عليه تشريع فيه خبرُ من مضى، وأحكامُ من بقى, ولا تزالُ الأحكامُ باقية إلى قيام الساعة.
هذا الجنسُ عجيب, كيف تعامل معه النبى-صلى الله عليه وعلى وسلم- وهو منهم, لما بدأ دعوته رفضوه ونبذوه، وتدرجوا معه فى السوء، من تضييق, إلى قبيحٍ فى القول, إلى إن حاصروه فى الشِعبْ ومنعوا عنه الطعام والشراب، بل منعوا أى أحدٍ يتعامل مع هؤلاء المحاصرون، فى شعب أبى طالب.
وما كان منه وأصحابه منهم المسلمون ومنهم الكافرون من كان على دينه، إلا أن سكتوا, لأن هذه البيئة لا تحتمل التهييج, العربىُ لا يُصلحهُ إلا دين فقط, أما إن تُرك بلا دين فكما قُلت قد يجمعُ أعلى الدرجات فى الأخلاق وفى بعضِ أمور الوفاء, ثم يجمعُ معها أخس الدركات، ليس له ضابط.
بعد أن خرج من الشعب, الدعوةُ تمضى, والنبي-صلى الله عليه وسلم- لا يلتفتُ إلى إيذاء قريش, رأت قريش أن الأمر يزيد وأن محمدًا-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صابرًا ثابتًا على أمره, عندها أجمعوا أمرهم.
إن محمدًا فيه خصال الحمد, هو الصادق, هو الأمين, ما رأيكم لو عرضنا عليه خُطة, إن أراد الملك فهو أحقُ من يكونُ علينا ملكا, وإن أراد مالًا لعوزه وفقره أعطيناه, وإن أردا زيجة نظرنا أو نظر هو إلى أجمل النساء فزوجناه, فانطلقوا بهذه الخُطة وهم لا يشكون إطلاقًا فى رفضها, فلما قعدوا بين يديه وبدأ الكلام أبى, أبى, إنهم يُعرضون عليه ملك مغشوش, يُعرضون عليه منزلة مغشوشة, لأنه أراد النبى-صلى الله عليه وسلم- أن يُعَبِّدَ الخلق لله، لا له ولا لغيره, فإن عبد هؤلاء العرب الله استقام أمرهم وعلا شأنهم.
الجنسُ العربى لا يصلحُ إلا للقيادة فقط, ما كان تابعًا قط, الأعاجم, الفرس, كل هؤلاء كانوا تبعًا لهذه الأمة, الجنسُ العربى يختلفُ تمامًا عن باقى الأجناس, ومن ثم, اصطفاه الله-عز وجل- بهذا الدين, أن يكون رأس, ولذلك ما رُوى عن ابن عمر كما فى الصحيحين {لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ} أى الخلافة والملك {فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ}.
العربىُ لا يعرفُ الضيم, لما أرسل سعدُ بن أبى وقاص المغيرةَ بن شعبة إلى رستم قائد الفرس ليُفاوضه, كان رستم القائد على كرسيه قاعد, فلما دخل المغيرة, قعد بجواره على كرسيه فانتفض من حول رستم وسحبوا المغيرة وسحلوه فى الأرض, كيف تجرأت أن تقعدَ مع القائد الأمير, ظلوا يُمرغوه, فالتفت إلى رستم وقال له ما أجهلكم كنت أظن أنكم عندكم أحلام، وعندكم خلاف هذا, نحن معاشر العرب تساوينا فى الرؤوس, ومن ثم نال أعلانا المكانة اختيارًا لا اضطرارًا, أما أنتم فتُسرعون إلى زوالِ مُلْكِكُمْ, وفعلا زال ملكهم.
أيها الأحباب:
إن العرب لا يصلحهم إلا الدين, ولذلك نرى أن الفتن تحصد, وأن أهل الفتن يدورون، وينتقلون من مرتعٍ إلى مرتع دون الوقوف على لب القضية, ما الذي تحتاجه الأمة؟ ما الذى يحتاجه أهل الإسلام فى هذا الزمان وقبل هذا الزمان وبعد هذا الزمان؟ لا يصلحهم إلا الدين الإسلام, أن نُصلح من أنفسنا, وأن نُيهئ هذه النفس لقبول أمر الله –عز وجل-.
الكبار فى زمن الفتن القريبة من النبي-صلى الله عليه وسلم- وقفوا وحارت عقولهم, لما خرج طلحةُ والزبير، على على بن أبى طالب-رضى الله عنهم جميعًا- هم من العشرةِ المبشرين بالجنة، ولكن الفتن حصدت بعد مقتل عمر, لما جلس عمر-رضى الله عنه- مع أصحابه قال {أيكم يُحدثنا عن الفتن فتكلم الكل قالوا فتنة الرجل فى أهله وجاره} مشاكل داخلية أُسرية, قال {لا بل أعني الفتن التى تموجُ كموج البحر فأسكت القوم} إن الفتن قد تُوقف العالم النحرير لا يستطيعُ أن يتكلم ولا يدرى ما يقول, فكيف بالجاهل؟! كيف بالأحمق؟! كيف بالغوى؟! فى وقت الفتن رأس.
أسكت القوم فتكلم حُذيفةُ-رضى الله عنه- وقال {مالكَ ولها ياأمير المؤمنين ؟ إن بينك وبينها بابًا مُغْلَقا، سكت عمر ثم قال لحذيفة: أيُفتحُ الباب} هذا الباب المغلق {أيُفتحُ أم يُكْسَرُ؟ قال: بل يُكْسَرُ، فقال عمر كسرًا إذًا لن يُغْلَق أبدا}، وفعلًا بعد مقتل عمر, صُبت الفتنُ على الأمة صبا.
بعد عمر, فُتحت الدنيا فى زمنِ عثمان, ثم بدأت المناوشات, مايزيدُ أو ما يقارب ست سنوات ظل المسلمون فى هدئة وفى رخاءٍ من العيش, ثم بدأ النقد والتأليب على عثمان إلى أن حاصروه.
بدأت الفتنُ رقيقة بكلامٍ هادئ بانتقادٍ حُلو مضمونة صواب, ثم تعاظم القول وعَلا إلى أن حُوصر, وكان فى موسم حج, خرج غالبُ الصحابة وما ظن أحدهم أن يُصاب عثمان بأذى أبدًا, هم فى الحج وبعضُ الصحابةِ مع هؤلاء الذين يُحاصرون عثمان لإنزاله عن أمر, شروط وضعوها له ليس منها الخلع, وضعوا له شروط, ففجأة خرج عليهم عثمان وقال: علامَ تحاصرونى؟ إنى مسلم وإنى أقولُ أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله, والله ما زنيتُ فى جاهلية ولا إسلام, ولا مسستُ بيدى اليمنى ذكرى منذُ بايعت بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, أراد أن يحرك فيهم نخوة الأخوة, ولكنهم قتلوه, قبل أن يُقتل عثمان قال لهم والله لن تجتمعوا على أحدٍ بعدى قط, ثم قُتل.
جاء علىُ بن أبى طالب, خرج عليه طلحةُ والزبير, وقع قتال, فى الفتنة لايدرى القاتل فيما يقتل ولا المقتول فيما قُتل, نادى الزبير على على, أو على على الزبير, كفانا فتنة فليقاتل أحدنا الآخر ومن غلب يملك, خرج الزبير بفرسه وعلىُ بفرسه وارتفعت السيوف حتى أشاح علىُ بسيفه إلى سيف الزبير فأوقفه وقال يا زبير أتذكرُ يوم أن كنت أنا وأنت مع النبى-صلى الله عليه وسلم- وأنت شقشقت علىَّ أى تكلم بكلامٍ أمام النبى-صلى الله عليه وسلم- على على, فقال لك كيف بك وأنت تُقاتل على وأنت ظالمٌ له, أنست الفتنة الزبير هذه القصة, فسقط السيف من يده, رجع الزبير وترك عليًا, قال قومه وأصحابه مالك؟ قال لن أُقاتل, قيل لما؟ قال لن أُشارك, وفر الزبير البطل المغوار, فر إلى البادية حتى قتله القاتل, ثم ذهب-رضى الله عنه-, ثم تتابعت الفتن.
أيها الأحباب:
إن الفتنة تعمى البصر, وتُشتت القلب, ويرى العبدُ نفسه حائرًا, بما يتكلم, وكيف يتحرك, وإلى أين يسير, وقد بين النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الفتن بأُصولها وفروعها, إن أصول الفتن المعصية, البُعدُ عن الله-عزوجل-, ما نادى أحدٌ قط فى فتنة بنداء الله-عزوجل- أن كُفوا عن الذنوب, أن أقبلوا وأملئوا بيوت الله-عزوجل- بالدعاء والاستغاثة.
ترى الخطيب قبل الصلاةِ يضحك ويمرح, ثم عند الصلاةِ يقنتُ بقنوتٍ فاتر بارد تهييج, ثم يخرج ك أن شيئًا لم يكن, جمع النبى-صلى الله عليه وسلم- جماعةً من المهاجرين, والحديثُ رواه الحاكم فى مستدركه وابن ماجة من طريق ابن عمر قال{يا معشر المهاجرين خمسٌ إن إبتليتم بهن ونزلن فيكم وأعوذ بالله أن تدركوهن} خمس أشياء مُهلكات ما اجتمعت فى أمة إلا تلفت {ما ظهرت الفاحشة في قوم قط وعملوا بها إلا سلط الله عليهم الأوجاع والأسقام والأوبئة التي لم تكن مضت في أسلافهم, وما نقص قومٌ المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم, وما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء} وأعنى بالقطر الماء النافع, قد يُمطر القوم ولكن بلا فائدة فى غير الوقت وغير الإحتياج {وما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا, وما نقض قومٌ عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم أخذ بعض ما كان في أيديهم, وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ولا بسنةِ رسوله إلا جعل الله بأسهم بينهم}, أُصولُ الفتن هو الانحراف, بدايات الفتن هى الخروج عن طاعة الله-عزوجل-.
أيها الأحباب:
الأمةُ لا تحتاجُ إلى مزيدِ طعام, ولا مزيدِ رخاء ولا رفاهية, الأمةُ تحتاجُ إلى دين يحكمُ القلب ويسيطرُ على الجوارح فلا يتحركُ أحدهم إلا بدين بأمرٍ من الله-عزوجل- وأمرٍ من رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, ولذلك بين النبى-صلى الله عليه وسلم- الفروع.
فقد روى الإمامُ أحمد وأبو داوود عن ثوبان-رضى الله عنه- قال النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{يُوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها} ترى هذه الأمة الفتية القوية تراها صاحبة الدين, لما تخلت عن الدين صارت كالعصور الأُول, ترى فيها بعض المحاسن وبعض المساوئ, جمعت بين المتناقضات, جاء الإسلام ليرفع هذه الأمة عن كل متناقض, ليرفعها إلى أوج العز فى الدنيا والآخرة.
{يُوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها, قالوا أو من قلة نحن يا رسول الله, قال لا بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءُ كغثاء السيل} لا وزن ولا ريح ولا آثر {ولكنكم غثاءُ كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت}.
أيها الأحباب:
إن هذه الأمة فتية, قوية, لا يصلحها إلا دين, حينما تمسكت بكتاب ربها وبسنة نبيها, خدمها الأعاجم, أمةٌ ليس لها هم ولا عمل ولا تُجيدُ شيئًا إلا أن تسوس أهل الأرض فقط بالدين ليس بغيره.
لما خرج سعدُ بن أبى وقاص إلى أين؟ إلى أرض فارس حتى أن الفرس تعجبوا من هؤلاء الأعراب البدو الذى يقتلُ أحدهم صاحبه على التافه من الشئ, كيف يُفكرون مجرد التفكير, ما تخيله كسرى أن يغزوا بلاد فارس, خرج سعد, سعدٌ راكب وعمرٌ ماشى ليضع الهيبةَ فى جنودِ سعد أن أمير المؤمنين يمشى ويمسك بركاب سعد, أراد أن ينزل قال لا أنت القائد, انطلق الجيش وعمر يسير بجوار سعد, ثم ختم المسير بكلمة بموعظة قال يا سعد لا نُقاتل هؤلاء القوم بعددٍ أو عُدة, العدد قليل والعُدة أقل, لا بعددٍ ولا بعُدة إنما نُقاتلهم بالإسلام بهذا الدين, فإن عصينا الله تساوينا معهم فى المعصية فغلبونا بعددهم وعُدتهم, بلا دين لن يُقام لهذه الأمة قائمة أبدًا, الدين هو الذى يضعها فى محمى وحماية.
سعدُ بن أبى وقاص فتح فارس وكسرها وأراهم معنى الذل, لما كان فى فتنةِ على أبى أن يُشارك وأبى أن يخرج, يدخلُ عليه ولده عمر ويقول أنت جالسٌ فى مكانك والناسُ يُقاتلون على الملك فقال اسكت يا بنى قاتلتُ حينما كان القتالُ لإعلاء كلمة الله-عزوجل-, فإن أردتَ أن أُقاتل فأعطنى سيفًا له لسانًا يتكلم يقولُ لى أقتل هذا ودع هذا, فتركه عمر وانصرف.
أيها الأحباب:
إن العربى يغار, ولكن مع الامتزاج والاختلاط قد تضعفُ الغيرة، مع رقة الدين, فترى العربى هزيل ضعيف.
ولذلك يذكرُ أهلُ السير فى أخبار العربِ قبل الإسلام أن عمرو بن هند ملك الحيرة جلس مع نُدمائه وأصحابه, ملك الحيرة, ثم قال لهم أترون أن أحدً من العرب يأنف أن تخدم أمه أمى, ملك, فأجابه الحاضرون قالوا نعم عمرو بن كلثوم الصعلوك الشاعر يأنف, فأرسل إليه ودعاه هو وأمه ليزور أمه هند أم عمرو, فجلس عمرو بن هند مع عمرو بن أم كلثوم, فإذا بأم عمرو بن هند تقول لأم عمرو بن كلثوم ناولينى الصحن, فسكتت فقالت ناولينى الصحن, قالت هو صحنك فخُذيه أنت فكررت فى المرةِ الثالثة فصرخت أمُ عمرو بن كلثوم، وقالت واخذياه, سمع الصراخ عمرو ابنها رأى سيفًا على رأس عمرو بن هند فأنزله وأطاح برأسه وخرج فارًا مسرعًا ومعه أمه.
وأنشأ قصيدة من المعلقات السبع عُلقت فى الكعبة, إن العربى لا يرضى بالضيم قط, ولكن عند امتزاج واختلاط النفوس بالأعاجم يحدثُ التغيير.
آيها الأحباب:
إن الفتن يُستحبُ فيها السكوت وعدم الكلام, ولكن ربما الإنسان لا يجدُ بُد من الكلام.
عودوا إلى ربك واستغفروه..........................
الخطبة الثانية
http://www.monsterup.com/upload/1222637946.gif
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله..
عباد الله:
وقع الصحابةُ فى الفتن وأنكروا قلوبهم, فكيف بغيرهم, يقولُ طلحةُ بن عبيد لما رأى جيش على ورأى جيشه بكى وقعد يبكى, فقيل له قم ما الذى يُبكيك, قال أرى أنَّا كنا كجبلٍ واحد نهجمُ على عدونا, فانقسمنا إلى جبلين كلٌ يزحف على صاحبه, فمالى لا أبكى, يُريدُ قتله.
الفتنُ تحصد,{إن بين يدى الساعة سنواتٌ خداعة, يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق, ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين} تنقلبُ الأمور, هذا بلا فتن, فكيف فى الفتن, حينما ترى أصواتًا عالية تنادى بالفتنة.
{إن بين يدى الساعة سنواتٌ خداعة, يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق, ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطقُ فيها الرويبضة, قيل وما الرويبضة يا رسول الله, قال الرجلُ التافة يتكلمُ فى أمر العامة}, الكلُ يُجيد الكلام فى الفتن, رغم أن أصحاب النبى-صلى الله عليه وسلم- سكتوا بحضرة عمر لما سألهم أيكم يحدثنا عن الفتن؟ فلما قالوها على غير مجراها أسكتهم, بينما نرى العامة والغوغاء يتكلمون فى الفتنة.
يُحذر النبى-صلى الله عليه وسلم- {فِتَنٌ كَقِطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ} بمعنى أنك لا ترى حقًا ولا صوابًا, كلٌ مُغبَّش لا ترى شئ يدلك على الصواب, هذا يُنادى وهذا يُنادى وهذا يصرخ إلى الفتنة, لا تعرفُ أين السبيل؟ أين الصواب؟ من المحق؟ من المبطل؟ لا تدرى, {فِتَنٌ كَقِطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا} وفى نفس اليوم {وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرً يَبِيعُ َدِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ}, لا يدرى أين السبيل, يتقلب لا أقولُ بين طاعةٍ ومعصية بل بين كفرٍ وإيمان.
فتنٌ عظيمة, ولذلك حذرنا نبينا-صلى الله عليه وسلم- من المشاركة فى أى فتنة تحت أى راية,{مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةِ عَمِيَّةٍ} ليس لها وجهة ولا هدف, ليست راية شرعية إسلامية مائة بالمائة {تَحْتَ رَايَةِ عَمِيَّةٍ فَماتَ فميتته جَاهِلِيَّةٌ}.
ومن قرأ أبواب الفتن يرى العجب العجاب، ويرى التحذير الواضح البيِّن من الخوضِ حتى بالكلام, فيقولُ النبى-صلى الله عليه وسلم- {اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ السَّيْفِ}, لا يدرى بما يقول وبما يقف.
ولذلك نبينا-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أوقفنا {تَحْتَ رَايَةِ عَمِيَّةٍ فَماتَ فميتته جَاهِلِيَّةٌ}, فى آخر الزمان يحدثُ هرج قيل وما الهرج قال القتل، حينما لا يدرى القاتل فيما قَتل ولا المقتولُ فيما قُتل.
جاء أبو ذر إلى النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال {يا أبا ذر أرأيت إن رأيت الموت بالوصيف} أى الموت مع القبر يُقتل أو يموت فى مكانه {ورأيت أحجار الزيت قد ملأت, فقال أبو ذر أحملُ سيفى وأُقاتل, قال شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا, قال ماذا أفعل يا رسول الله, قَالَ كن حلس بَيْتَكَ} الحلس هو عبارة عن الفراش الثقيل الذى اسودَ من طول المكث أى لازم البيت حتى تنكشف الفتنة, من الذى يقولُ هذا النبى-صلى الله عليه وسلم- لمن لأبى ذر كن حلس بيتك.
تكون فتن الماشى خيرٌ من المسرع, والقائمُ خيرٌ من الماشى, والقاعدُ خيرٌ من القائم, والمضجع خيرٌ من القاعد.
فتنٌ تحارُ فيها القلوب وتتغيرُ فيها النفوس, وحينما ترى أن أمتك تُأكل من أطرافها, ولا ترى سبيل بما تقول, من صاحبُ هذه الفتنة, ماذا وراءها, يحارُ العقل أن يقولَ شيئًا قط أبدًا, حينما تسمع عن رجلٍ شيخٍ جليل يُنادى على الشاشات بالخروجِ للمظاهرات وغيرها من البليات ويقولُ بأنها شرعية, وقبل سنوات أفتى فتوة أرسل نعيًا لبابا الفاتيكان الكافر المشرك النصرانى ينعيه فيه ويقولُ كان علمًا من الأعلام ورجلٌ من رجال الإنسانية.
العقلُ يحار ماذا نقول, حينما يتكلم الكل بلا دليلٍ أو نص ما رفع أحدهم راية إسلامية بدليلٍ شرعى, متى يكون الخروج على الحاكم, متى يكون, أللغلاء, ألضيق العيش, أللتعذيب, ألهتك الأعراض, الجوابُ كما فى حديث النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعبادة بن الصامت {سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً وأمورً تنكرونها} ترون ظلمًا وبغيًا وتعسفًا وجورًا {وأمورً تنكرونها قال له عبادة أفنقاتلهم قال لا} الشرعُ أوقف الحد بالنسبةِ للحاكم وإن كان من أظلم الظلمة, والله الذى لا إله غيره لا أقولُ هذا دفاعًا عنه أو عن غيره, إنما أقول هذا لدينى ولدين كل مسلم مهما بلغ الظلم, فى آخر أيام النبى-صلى الله عليه وسلم- خرج على الأنصار وقال يا معشر الأنصار {سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً} ستُحرمون الحق ويقع عليكم من الظلم {فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَي الْحَوْضِ}, نعم لو لم يكن هناك يومٌ آخر لكان لنا مع الناسِ شأنُ آخر, ولكن الخلق جميعًا سيقفون بين يدى الملك, ترى الظالم مُنكس الرأس ذليل.
أيها الأحباب:
فتنٌ عظيمة, فى لحظات بعد شمسٍ صافية وبعد سطوع, ترى ظلام بل ترى ظلامًا دامس, ولذلك المخرج السبيل, السبيل أن تقرع باب الملك, أن تلوذ بجنابة, أخذوا جميعًا أسباب الغير شرعية وما نرى أحدًا أقبل على السبب الشرعى الذي يرفع به الله الغمة، ويزيل به هذه البلية والرزية التى وقعت فيها الأمة, التضرع بين يدى الملك, الدعاء, الوقوفُ وقوف عتاب للنفس, لو أن كل منا فكر أن ما يحدث الآن ويدور بذنوبنا وتقصيرنا, بل إن شئت قل بذنبى وتفريطى فى حق الله-عزوجل-.
لما عاتب أقوامٌ أمام شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- حاكم الزمان, فقال نحن فى زمانٍ لا يصلح أن يُولى علينا معاوية فضلًا عن أبى بكرٍ وعمر, من تُريدون أن يكون عليكم ملكا فى هذا الزمان أبا بكر, عمر, عثمان, معاوية, الرشيد, نتمنى ولكن إن أصلحنا انفسنا, الحاكمُ قدر الأمة, إن انصلح الناس أصلح الله أميرهم, الحاكمُ عقاب الأمة, إن فسد الناس سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب.
لما قتل الحجاج من قتل وعاث فى الأرضِ فسادًا, ذهبوا إلى الحسن وقالوا له ما تقولُ فى الحجاج قال مبير ظالم, قالوا ألا نخرجُ عليه, قال لا, لا يُخرج عليه, إنما هو بذنوبكم وغضب الله-عزوجل- عليكم, فإن رجعتم إلى الله-عز وجل- رفع عنكم الغضب.
أيها الأحباب:
المخرجُ من الفتنة أن نُفتش عن طاعتنا المدخولة، وعن قرباتنا التى فيها من الرياء, نُفتش عن معاصينا وعن ذنوبنا, ربما لو وقفنا على موطن وموضع الخلل, غيَّر الله ما عندنا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.[الرعد,11], سواءٍ كان هذا فى خيرٍ أو شر.
أسألُ الله الملك الكريم المنان أن يرفع الكرب عن هذه الأمة
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين
وأهدم بفضلك أعداءك أعداء الدين اللهم أرحم
ضعفنا وأجبر كسرنا اللهم أجمع هذه الأمة
على أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك
ويُذل فيه أهل معصيتك يُؤمر فيه
بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر
واجعلنا ربنا هداةً راشدين
وأقم الصلاة .. أهـ
http://www.gamr15.org/up//uploads/images/gamr15.com-0dc50dd079.gif
(( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))
المخرج من الفتنة
http://www.monsterup.com/upload/1222637946.gif
إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [ الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
عباد الله:
حينما نتكلم, نتكلمُ عن همٍ عظيم, وكربٍ جسيم, نتكلمُ عن حالِ الأمة, عن حالها قبل الإسلام, وعند الإسلام, وبعد الإسلام.
حينما نتكل م, نتكلمُ عن جنس العرب, جنسٌ غريب, فريد, فقد جمع بين جميعِ المتناقضات, جنسُ العرب, كان أحدهم يقتلُ ولده خشية أن يُطعم معه, إن كانت هناك لقمة, استأثر بها نفسه, فإن غالبه الولد من الجوع قتله.
جنسُ العرب, كان أحدهم يَئِدُ ابنته خشية العار, جنسُ العرب, كانوا يُقاتلون على أتفه الأسباب, ربما وقع قتال من أجل فرسين داحس والغبراء، ظل ما يزيد على ثمانين عاما من إطاحةٍ للرؤوس إلى أن سكنت الفتنة.
جنسُ العرب غريب, القليلُ يستثيره, والتَّافهُ من الأمرِ يُحركه, وعلى الرغم من هذا فى نفس الجنس متناقضات, فترى أن فى الجنسِ العربى الوفاء والرجولة، وعدمُ الكذب, حتى لما وقف أبو سفيان العدو اللدود للنبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمام هرقل, قال هرقل لأصحابه "فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ", قال أبوسفيان "وَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا" أى أصحابه "لَكَذَبْتُ عَلَيهْ".
الوفاء, لما خرج امرؤ القيس أراد أن يثأر لأبيه, ضاق به المُقام فوضع أدرعه عند رجلٌ عربى يُسمى السموئل, فوضع أدرعه وانطلق إلى هرقل يطلبُ المعونة فى الثأر لأبيه, فاجتمع بعضُ أحياء العرب وحاصروا قصر السموئل وقالوا أعطنا أدرع امرؤ القيس، فأبى وسد أبواب القصر, كان غلامه خارج الباب فرفعوا إليه الغلام وأشاروا بالسكين, إن لم تفتح الأبواب وتُخرج الأدرع-أدرع عبارة عن مجن يُتحامى بها من السيوف- وتُخرج الأدرع لقتلنا الولد, قال: لا أفعل, فذبحوا أمامه الولد أمام الباب.
العربى جمع بين متناقضات, ترى العجب العجاب, فى حرب داحس والغبراء, قتل المهلهل شابًا يافعًا كان وحيد أبويه, فالتقى المهلهل ووالدِ هذا الشاب, فأقبل عليه هذا الأب وقال: كأنى أعرفك ما تحقق منه بعد, كأنك شبيهًا بالمهلهل, قال ما رأيك لو دللتك على المهلهل تُطلقُ سراحى, قال نعم, قال أنا المهلهل.
رجلٌ يبحثُ عن دم ولده والقاتلُ بين يديه, ولكنه نطق بكلمه قال: أفعل, قال أنا المهلهل, فلم يدرِ ما يفعل.
فقال انزل على الأرض, فنزل على الأرض وجاء بسكين وما فعل إلا أن قص جُمته, قص بعض الشعر, ثم قال انطلق.
هؤلاء العرب جمعوا بين المُتناقضات, بين أعلى الأشياء وبين أدناها, يقولُ العربى الأول قبل الإسلام "وأَغُضُّ طَرْفِي عَنْ جَارَتِي إنْ بدَتْ حتى تُواري جَارَتِي مَثْواهَا ".
تقولُ المرأةُ العربية لما بُويعت على الإسلام "وَلَا يَزْنِينَ", قالت واسوءتاه أتزنى الحرة؟!
هذه المُتناقضات التى جُمعت عند العرب, لما أراد الله-عز وجل- للبشرية قاطبة الخير, أرسل رسوله منهم, وجعله خاتم الرسل, وجعل رسالته باقية إلى قيام الساعة, وأنزل عليه تشريع فيه خبرُ من مضى، وأحكامُ من بقى, ولا تزالُ الأحكامُ باقية إلى قيام الساعة.
هذا الجنسُ عجيب, كيف تعامل معه النبى-صلى الله عليه وعلى وسلم- وهو منهم, لما بدأ دعوته رفضوه ونبذوه، وتدرجوا معه فى السوء، من تضييق, إلى قبيحٍ فى القول, إلى إن حاصروه فى الشِعبْ ومنعوا عنه الطعام والشراب، بل منعوا أى أحدٍ يتعامل مع هؤلاء المحاصرون، فى شعب أبى طالب.
وما كان منه وأصحابه منهم المسلمون ومنهم الكافرون من كان على دينه، إلا أن سكتوا, لأن هذه البيئة لا تحتمل التهييج, العربىُ لا يُصلحهُ إلا دين فقط, أما إن تُرك بلا دين فكما قُلت قد يجمعُ أعلى الدرجات فى الأخلاق وفى بعضِ أمور الوفاء, ثم يجمعُ معها أخس الدركات، ليس له ضابط.
بعد أن خرج من الشعب, الدعوةُ تمضى, والنبي-صلى الله عليه وسلم- لا يلتفتُ إلى إيذاء قريش, رأت قريش أن الأمر يزيد وأن محمدًا-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صابرًا ثابتًا على أمره, عندها أجمعوا أمرهم.
إن محمدًا فيه خصال الحمد, هو الصادق, هو الأمين, ما رأيكم لو عرضنا عليه خُطة, إن أراد الملك فهو أحقُ من يكونُ علينا ملكا, وإن أراد مالًا لعوزه وفقره أعطيناه, وإن أردا زيجة نظرنا أو نظر هو إلى أجمل النساء فزوجناه, فانطلقوا بهذه الخُطة وهم لا يشكون إطلاقًا فى رفضها, فلما قعدوا بين يديه وبدأ الكلام أبى, أبى, إنهم يُعرضون عليه ملك مغشوش, يُعرضون عليه منزلة مغشوشة, لأنه أراد النبى-صلى الله عليه وسلم- أن يُعَبِّدَ الخلق لله، لا له ولا لغيره, فإن عبد هؤلاء العرب الله استقام أمرهم وعلا شأنهم.
الجنسُ العربى لا يصلحُ إلا للقيادة فقط, ما كان تابعًا قط, الأعاجم, الفرس, كل هؤلاء كانوا تبعًا لهذه الأمة, الجنسُ العربى يختلفُ تمامًا عن باقى الأجناس, ومن ثم, اصطفاه الله-عز وجل- بهذا الدين, أن يكون رأس, ولذلك ما رُوى عن ابن عمر كما فى الصحيحين {لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ} أى الخلافة والملك {فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ}.
العربىُ لا يعرفُ الضيم, لما أرسل سعدُ بن أبى وقاص المغيرةَ بن شعبة إلى رستم قائد الفرس ليُفاوضه, كان رستم القائد على كرسيه قاعد, فلما دخل المغيرة, قعد بجواره على كرسيه فانتفض من حول رستم وسحبوا المغيرة وسحلوه فى الأرض, كيف تجرأت أن تقعدَ مع القائد الأمير, ظلوا يُمرغوه, فالتفت إلى رستم وقال له ما أجهلكم كنت أظن أنكم عندكم أحلام، وعندكم خلاف هذا, نحن معاشر العرب تساوينا فى الرؤوس, ومن ثم نال أعلانا المكانة اختيارًا لا اضطرارًا, أما أنتم فتُسرعون إلى زوالِ مُلْكِكُمْ, وفعلا زال ملكهم.
أيها الأحباب:
إن العرب لا يصلحهم إلا الدين, ولذلك نرى أن الفتن تحصد, وأن أهل الفتن يدورون، وينتقلون من مرتعٍ إلى مرتع دون الوقوف على لب القضية, ما الذي تحتاجه الأمة؟ ما الذى يحتاجه أهل الإسلام فى هذا الزمان وقبل هذا الزمان وبعد هذا الزمان؟ لا يصلحهم إلا الدين الإسلام, أن نُصلح من أنفسنا, وأن نُيهئ هذه النفس لقبول أمر الله –عز وجل-.
الكبار فى زمن الفتن القريبة من النبي-صلى الله عليه وسلم- وقفوا وحارت عقولهم, لما خرج طلحةُ والزبير، على على بن أبى طالب-رضى الله عنهم جميعًا- هم من العشرةِ المبشرين بالجنة، ولكن الفتن حصدت بعد مقتل عمر, لما جلس عمر-رضى الله عنه- مع أصحابه قال {أيكم يُحدثنا عن الفتن فتكلم الكل قالوا فتنة الرجل فى أهله وجاره} مشاكل داخلية أُسرية, قال {لا بل أعني الفتن التى تموجُ كموج البحر فأسكت القوم} إن الفتن قد تُوقف العالم النحرير لا يستطيعُ أن يتكلم ولا يدرى ما يقول, فكيف بالجاهل؟! كيف بالأحمق؟! كيف بالغوى؟! فى وقت الفتن رأس.
أسكت القوم فتكلم حُذيفةُ-رضى الله عنه- وقال {مالكَ ولها ياأمير المؤمنين ؟ إن بينك وبينها بابًا مُغْلَقا، سكت عمر ثم قال لحذيفة: أيُفتحُ الباب} هذا الباب المغلق {أيُفتحُ أم يُكْسَرُ؟ قال: بل يُكْسَرُ، فقال عمر كسرًا إذًا لن يُغْلَق أبدا}، وفعلًا بعد مقتل عمر, صُبت الفتنُ على الأمة صبا.
بعد عمر, فُتحت الدنيا فى زمنِ عثمان, ثم بدأت المناوشات, مايزيدُ أو ما يقارب ست سنوات ظل المسلمون فى هدئة وفى رخاءٍ من العيش, ثم بدأ النقد والتأليب على عثمان إلى أن حاصروه.
بدأت الفتنُ رقيقة بكلامٍ هادئ بانتقادٍ حُلو مضمونة صواب, ثم تعاظم القول وعَلا إلى أن حُوصر, وكان فى موسم حج, خرج غالبُ الصحابة وما ظن أحدهم أن يُصاب عثمان بأذى أبدًا, هم فى الحج وبعضُ الصحابةِ مع هؤلاء الذين يُحاصرون عثمان لإنزاله عن أمر, شروط وضعوها له ليس منها الخلع, وضعوا له شروط, ففجأة خرج عليهم عثمان وقال: علامَ تحاصرونى؟ إنى مسلم وإنى أقولُ أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله, والله ما زنيتُ فى جاهلية ولا إسلام, ولا مسستُ بيدى اليمنى ذكرى منذُ بايعت بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, أراد أن يحرك فيهم نخوة الأخوة, ولكنهم قتلوه, قبل أن يُقتل عثمان قال لهم والله لن تجتمعوا على أحدٍ بعدى قط, ثم قُتل.
جاء علىُ بن أبى طالب, خرج عليه طلحةُ والزبير, وقع قتال, فى الفتنة لايدرى القاتل فيما يقتل ولا المقتول فيما قُتل, نادى الزبير على على, أو على على الزبير, كفانا فتنة فليقاتل أحدنا الآخر ومن غلب يملك, خرج الزبير بفرسه وعلىُ بفرسه وارتفعت السيوف حتى أشاح علىُ بسيفه إلى سيف الزبير فأوقفه وقال يا زبير أتذكرُ يوم أن كنت أنا وأنت مع النبى-صلى الله عليه وسلم- وأنت شقشقت علىَّ أى تكلم بكلامٍ أمام النبى-صلى الله عليه وسلم- على على, فقال لك كيف بك وأنت تُقاتل على وأنت ظالمٌ له, أنست الفتنة الزبير هذه القصة, فسقط السيف من يده, رجع الزبير وترك عليًا, قال قومه وأصحابه مالك؟ قال لن أُقاتل, قيل لما؟ قال لن أُشارك, وفر الزبير البطل المغوار, فر إلى البادية حتى قتله القاتل, ثم ذهب-رضى الله عنه-, ثم تتابعت الفتن.
أيها الأحباب:
إن الفتنة تعمى البصر, وتُشتت القلب, ويرى العبدُ نفسه حائرًا, بما يتكلم, وكيف يتحرك, وإلى أين يسير, وقد بين النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الفتن بأُصولها وفروعها, إن أصول الفتن المعصية, البُعدُ عن الله-عزوجل-, ما نادى أحدٌ قط فى فتنة بنداء الله-عزوجل- أن كُفوا عن الذنوب, أن أقبلوا وأملئوا بيوت الله-عزوجل- بالدعاء والاستغاثة.
ترى الخطيب قبل الصلاةِ يضحك ويمرح, ثم عند الصلاةِ يقنتُ بقنوتٍ فاتر بارد تهييج, ثم يخرج ك أن شيئًا لم يكن, جمع النبى-صلى الله عليه وسلم- جماعةً من المهاجرين, والحديثُ رواه الحاكم فى مستدركه وابن ماجة من طريق ابن عمر قال{يا معشر المهاجرين خمسٌ إن إبتليتم بهن ونزلن فيكم وأعوذ بالله أن تدركوهن} خمس أشياء مُهلكات ما اجتمعت فى أمة إلا تلفت {ما ظهرت الفاحشة في قوم قط وعملوا بها إلا سلط الله عليهم الأوجاع والأسقام والأوبئة التي لم تكن مضت في أسلافهم, وما نقص قومٌ المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم, وما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء} وأعنى بالقطر الماء النافع, قد يُمطر القوم ولكن بلا فائدة فى غير الوقت وغير الإحتياج {وما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا, وما نقض قومٌ عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم أخذ بعض ما كان في أيديهم, وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ولا بسنةِ رسوله إلا جعل الله بأسهم بينهم}, أُصولُ الفتن هو الانحراف, بدايات الفتن هى الخروج عن طاعة الله-عزوجل-.
أيها الأحباب:
الأمةُ لا تحتاجُ إلى مزيدِ طعام, ولا مزيدِ رخاء ولا رفاهية, الأمةُ تحتاجُ إلى دين يحكمُ القلب ويسيطرُ على الجوارح فلا يتحركُ أحدهم إلا بدين بأمرٍ من الله-عزوجل- وأمرٍ من رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, ولذلك بين النبى-صلى الله عليه وسلم- الفروع.
فقد روى الإمامُ أحمد وأبو داوود عن ثوبان-رضى الله عنه- قال النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{يُوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها} ترى هذه الأمة الفتية القوية تراها صاحبة الدين, لما تخلت عن الدين صارت كالعصور الأُول, ترى فيها بعض المحاسن وبعض المساوئ, جمعت بين المتناقضات, جاء الإسلام ليرفع هذه الأمة عن كل متناقض, ليرفعها إلى أوج العز فى الدنيا والآخرة.
{يُوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها, قالوا أو من قلة نحن يا رسول الله, قال لا بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءُ كغثاء السيل} لا وزن ولا ريح ولا آثر {ولكنكم غثاءُ كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت}.
أيها الأحباب:
إن هذه الأمة فتية, قوية, لا يصلحها إلا دين, حينما تمسكت بكتاب ربها وبسنة نبيها, خدمها الأعاجم, أمةٌ ليس لها هم ولا عمل ولا تُجيدُ شيئًا إلا أن تسوس أهل الأرض فقط بالدين ليس بغيره.
لما خرج سعدُ بن أبى وقاص إلى أين؟ إلى أرض فارس حتى أن الفرس تعجبوا من هؤلاء الأعراب البدو الذى يقتلُ أحدهم صاحبه على التافه من الشئ, كيف يُفكرون مجرد التفكير, ما تخيله كسرى أن يغزوا بلاد فارس, خرج سعد, سعدٌ راكب وعمرٌ ماشى ليضع الهيبةَ فى جنودِ سعد أن أمير المؤمنين يمشى ويمسك بركاب سعد, أراد أن ينزل قال لا أنت القائد, انطلق الجيش وعمر يسير بجوار سعد, ثم ختم المسير بكلمة بموعظة قال يا سعد لا نُقاتل هؤلاء القوم بعددٍ أو عُدة, العدد قليل والعُدة أقل, لا بعددٍ ولا بعُدة إنما نُقاتلهم بالإسلام بهذا الدين, فإن عصينا الله تساوينا معهم فى المعصية فغلبونا بعددهم وعُدتهم, بلا دين لن يُقام لهذه الأمة قائمة أبدًا, الدين هو الذى يضعها فى محمى وحماية.
سعدُ بن أبى وقاص فتح فارس وكسرها وأراهم معنى الذل, لما كان فى فتنةِ على أبى أن يُشارك وأبى أن يخرج, يدخلُ عليه ولده عمر ويقول أنت جالسٌ فى مكانك والناسُ يُقاتلون على الملك فقال اسكت يا بنى قاتلتُ حينما كان القتالُ لإعلاء كلمة الله-عزوجل-, فإن أردتَ أن أُقاتل فأعطنى سيفًا له لسانًا يتكلم يقولُ لى أقتل هذا ودع هذا, فتركه عمر وانصرف.
أيها الأحباب:
إن العربى يغار, ولكن مع الامتزاج والاختلاط قد تضعفُ الغيرة، مع رقة الدين, فترى العربى هزيل ضعيف.
ولذلك يذكرُ أهلُ السير فى أخبار العربِ قبل الإسلام أن عمرو بن هند ملك الحيرة جلس مع نُدمائه وأصحابه, ملك الحيرة, ثم قال لهم أترون أن أحدً من العرب يأنف أن تخدم أمه أمى, ملك, فأجابه الحاضرون قالوا نعم عمرو بن كلثوم الصعلوك الشاعر يأنف, فأرسل إليه ودعاه هو وأمه ليزور أمه هند أم عمرو, فجلس عمرو بن هند مع عمرو بن أم كلثوم, فإذا بأم عمرو بن هند تقول لأم عمرو بن كلثوم ناولينى الصحن, فسكتت فقالت ناولينى الصحن, قالت هو صحنك فخُذيه أنت فكررت فى المرةِ الثالثة فصرخت أمُ عمرو بن كلثوم، وقالت واخذياه, سمع الصراخ عمرو ابنها رأى سيفًا على رأس عمرو بن هند فأنزله وأطاح برأسه وخرج فارًا مسرعًا ومعه أمه.
وأنشأ قصيدة من المعلقات السبع عُلقت فى الكعبة, إن العربى لا يرضى بالضيم قط, ولكن عند امتزاج واختلاط النفوس بالأعاجم يحدثُ التغيير.
آيها الأحباب:
إن الفتن يُستحبُ فيها السكوت وعدم الكلام, ولكن ربما الإنسان لا يجدُ بُد من الكلام.
عودوا إلى ربك واستغفروه..........................
الخطبة الثانية
http://www.monsterup.com/upload/1222637946.gif
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله..
عباد الله:
وقع الصحابةُ فى الفتن وأنكروا قلوبهم, فكيف بغيرهم, يقولُ طلحةُ بن عبيد لما رأى جيش على ورأى جيشه بكى وقعد يبكى, فقيل له قم ما الذى يُبكيك, قال أرى أنَّا كنا كجبلٍ واحد نهجمُ على عدونا, فانقسمنا إلى جبلين كلٌ يزحف على صاحبه, فمالى لا أبكى, يُريدُ قتله.
الفتنُ تحصد,{إن بين يدى الساعة سنواتٌ خداعة, يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق, ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين} تنقلبُ الأمور, هذا بلا فتن, فكيف فى الفتن, حينما ترى أصواتًا عالية تنادى بالفتنة.
{إن بين يدى الساعة سنواتٌ خداعة, يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق, ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطقُ فيها الرويبضة, قيل وما الرويبضة يا رسول الله, قال الرجلُ التافة يتكلمُ فى أمر العامة}, الكلُ يُجيد الكلام فى الفتن, رغم أن أصحاب النبى-صلى الله عليه وسلم- سكتوا بحضرة عمر لما سألهم أيكم يحدثنا عن الفتن؟ فلما قالوها على غير مجراها أسكتهم, بينما نرى العامة والغوغاء يتكلمون فى الفتنة.
يُحذر النبى-صلى الله عليه وسلم- {فِتَنٌ كَقِطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ} بمعنى أنك لا ترى حقًا ولا صوابًا, كلٌ مُغبَّش لا ترى شئ يدلك على الصواب, هذا يُنادى وهذا يُنادى وهذا يصرخ إلى الفتنة, لا تعرفُ أين السبيل؟ أين الصواب؟ من المحق؟ من المبطل؟ لا تدرى, {فِتَنٌ كَقِطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا} وفى نفس اليوم {وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرً يَبِيعُ َدِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ}, لا يدرى أين السبيل, يتقلب لا أقولُ بين طاعةٍ ومعصية بل بين كفرٍ وإيمان.
فتنٌ عظيمة, ولذلك حذرنا نبينا-صلى الله عليه وسلم- من المشاركة فى أى فتنة تحت أى راية,{مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةِ عَمِيَّةٍ} ليس لها وجهة ولا هدف, ليست راية شرعية إسلامية مائة بالمائة {تَحْتَ رَايَةِ عَمِيَّةٍ فَماتَ فميتته جَاهِلِيَّةٌ}.
ومن قرأ أبواب الفتن يرى العجب العجاب، ويرى التحذير الواضح البيِّن من الخوضِ حتى بالكلام, فيقولُ النبى-صلى الله عليه وسلم- {اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ السَّيْفِ}, لا يدرى بما يقول وبما يقف.
ولذلك نبينا-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أوقفنا {تَحْتَ رَايَةِ عَمِيَّةٍ فَماتَ فميتته جَاهِلِيَّةٌ}, فى آخر الزمان يحدثُ هرج قيل وما الهرج قال القتل، حينما لا يدرى القاتل فيما قَتل ولا المقتولُ فيما قُتل.
جاء أبو ذر إلى النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال {يا أبا ذر أرأيت إن رأيت الموت بالوصيف} أى الموت مع القبر يُقتل أو يموت فى مكانه {ورأيت أحجار الزيت قد ملأت, فقال أبو ذر أحملُ سيفى وأُقاتل, قال شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا, قال ماذا أفعل يا رسول الله, قَالَ كن حلس بَيْتَكَ} الحلس هو عبارة عن الفراش الثقيل الذى اسودَ من طول المكث أى لازم البيت حتى تنكشف الفتنة, من الذى يقولُ هذا النبى-صلى الله عليه وسلم- لمن لأبى ذر كن حلس بيتك.
تكون فتن الماشى خيرٌ من المسرع, والقائمُ خيرٌ من الماشى, والقاعدُ خيرٌ من القائم, والمضجع خيرٌ من القاعد.
فتنٌ تحارُ فيها القلوب وتتغيرُ فيها النفوس, وحينما ترى أن أمتك تُأكل من أطرافها, ولا ترى سبيل بما تقول, من صاحبُ هذه الفتنة, ماذا وراءها, يحارُ العقل أن يقولَ شيئًا قط أبدًا, حينما تسمع عن رجلٍ شيخٍ جليل يُنادى على الشاشات بالخروجِ للمظاهرات وغيرها من البليات ويقولُ بأنها شرعية, وقبل سنوات أفتى فتوة أرسل نعيًا لبابا الفاتيكان الكافر المشرك النصرانى ينعيه فيه ويقولُ كان علمًا من الأعلام ورجلٌ من رجال الإنسانية.
العقلُ يحار ماذا نقول, حينما يتكلم الكل بلا دليلٍ أو نص ما رفع أحدهم راية إسلامية بدليلٍ شرعى, متى يكون الخروج على الحاكم, متى يكون, أللغلاء, ألضيق العيش, أللتعذيب, ألهتك الأعراض, الجوابُ كما فى حديث النبى-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعبادة بن الصامت {سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً وأمورً تنكرونها} ترون ظلمًا وبغيًا وتعسفًا وجورًا {وأمورً تنكرونها قال له عبادة أفنقاتلهم قال لا} الشرعُ أوقف الحد بالنسبةِ للحاكم وإن كان من أظلم الظلمة, والله الذى لا إله غيره لا أقولُ هذا دفاعًا عنه أو عن غيره, إنما أقول هذا لدينى ولدين كل مسلم مهما بلغ الظلم, فى آخر أيام النبى-صلى الله عليه وسلم- خرج على الأنصار وقال يا معشر الأنصار {سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً} ستُحرمون الحق ويقع عليكم من الظلم {فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَي الْحَوْضِ}, نعم لو لم يكن هناك يومٌ آخر لكان لنا مع الناسِ شأنُ آخر, ولكن الخلق جميعًا سيقفون بين يدى الملك, ترى الظالم مُنكس الرأس ذليل.
أيها الأحباب:
فتنٌ عظيمة, فى لحظات بعد شمسٍ صافية وبعد سطوع, ترى ظلام بل ترى ظلامًا دامس, ولذلك المخرج السبيل, السبيل أن تقرع باب الملك, أن تلوذ بجنابة, أخذوا جميعًا أسباب الغير شرعية وما نرى أحدًا أقبل على السبب الشرعى الذي يرفع به الله الغمة، ويزيل به هذه البلية والرزية التى وقعت فيها الأمة, التضرع بين يدى الملك, الدعاء, الوقوفُ وقوف عتاب للنفس, لو أن كل منا فكر أن ما يحدث الآن ويدور بذنوبنا وتقصيرنا, بل إن شئت قل بذنبى وتفريطى فى حق الله-عزوجل-.
لما عاتب أقوامٌ أمام شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- حاكم الزمان, فقال نحن فى زمانٍ لا يصلح أن يُولى علينا معاوية فضلًا عن أبى بكرٍ وعمر, من تُريدون أن يكون عليكم ملكا فى هذا الزمان أبا بكر, عمر, عثمان, معاوية, الرشيد, نتمنى ولكن إن أصلحنا انفسنا, الحاكمُ قدر الأمة, إن انصلح الناس أصلح الله أميرهم, الحاكمُ عقاب الأمة, إن فسد الناس سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب.
لما قتل الحجاج من قتل وعاث فى الأرضِ فسادًا, ذهبوا إلى الحسن وقالوا له ما تقولُ فى الحجاج قال مبير ظالم, قالوا ألا نخرجُ عليه, قال لا, لا يُخرج عليه, إنما هو بذنوبكم وغضب الله-عزوجل- عليكم, فإن رجعتم إلى الله-عز وجل- رفع عنكم الغضب.
أيها الأحباب:
المخرجُ من الفتنة أن نُفتش عن طاعتنا المدخولة، وعن قرباتنا التى فيها من الرياء, نُفتش عن معاصينا وعن ذنوبنا, ربما لو وقفنا على موطن وموضع الخلل, غيَّر الله ما عندنا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.[الرعد,11], سواءٍ كان هذا فى خيرٍ أو شر.
أسألُ الله الملك الكريم المنان أن يرفع الكرب عن هذه الأمة
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين
وأهدم بفضلك أعداءك أعداء الدين اللهم أرحم
ضعفنا وأجبر كسرنا اللهم أجمع هذه الأمة
على أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك
ويُذل فيه أهل معصيتك يُؤمر فيه
بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر
واجعلنا ربنا هداةً راشدين
وأقم الصلاة .. أهـ
http://www.gamr15.org/up//uploads/images/gamr15.com-0dc50dd079.gif
(( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))