شمس الرائدية
03-09-2011, 03:29 AM
هل أصبح المعاق ثمرة فاسدة
عندما نرى طفلاً معاقاً نردد كلمة (مسكين.. يا حرام) دون شعور منا.. والجميل أن هذا المسكين المشفق عليه بيده الصفقة الرابحة في معترك الحياة لأنه ببساطة إنسان يملك العالم السحري، فالعبرة بمن عاش أفضل بتقدمه ونجاحه وما يقدمه لوطنه ومجتمعه.. فالشفقة.. هل هي من صالح الطفل المعاق؟.. وكلمة «مسكين.. يا حرام» التي نرددها في وجه المعاق هل تدمره وتؤثر على معنوياته، وما الطريقة المثلى في جعل المعاق وتحويله إلى فرد سليم.. وما دور الأسرة والمجتمع في ذلك؟! والأسر الخليجية هل تعد وجود الطفل المعاق مشكلة أو عائقاً تتحرج منه أمام المجتمع؟! هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنحاول الإجابة عليها من خلال هذا التحقيق واستضافتنا لأصحاب القضية.. أفراد المجتمع.. والاختصاصيين..
أنا فخورة بإبني
في البدء التقينا أصحاب القضية.. رأيناهم.. حاورناهم وأسرهم.. الطفل فهد الشهري ووالدته أم فهد كانا أول من جلسنا إليهما.. تقول أم فهد: أحمد الله على كل شيء.. وأنا فخورة بابني فهد وبوالده الذي كان لي نعم المعين بعد الله في رعاية طفلنا.. ولا أنكر أننا نعاني كثيراً من المجتمع ونظراته الخاطئة، بل تأتينا المعاناة أحياناً من أقرب الأقربين غير أنني لا أعير ذلك إهتماماً.. ومن جانبنا لا نبخل بشيء على ابننا ونسعى لتوفير كل ما يسعده، وندعه يرافقنا في كل المناسبات مما جعل منه طفلاً واثقاً بنفسه.. ولكن يجب أن نعلم أن رعاية الطفل المعاق تتطلب وضعاً مالياً مناسباً وهذا ما يفتقده الكثيرون ونعاني منه أحياناً.. ومن هنا أدعو المجتمع وأطالبه بأن يكون عوناً للمعاق في كل شيء يكون فيه راحته وانسجامه مع المجتمع.
- في هذه الأثناء حاولنا مداعبة فهد.. وعندما اقتربنا منه فاجأنا بأجمل مما كنا نتوقعه.. حيث خطف منا مجلة فواصل وقال: «أنا بحب فواصل.. وعايز أبقى صديق».. لم نبخل عليه وقبلنا صداقته.
لا أتحرج من المجتمع
- ودعنا فهد.. ووالدته.. والتقينا الطفل عبدالرحمن بن محمد الماجد ووالدته أم عبدالرحمن.. تقول أم عبدالرحمن: أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره وأحمد الله على ذلك.. ولا أخفيك فطفلي الذي يكبر عبدالرحمن يعاني من الإعاقة ذاتها (فقدان البصر) وهو الآن في المرحلة الثانوية.. وأنا من جانبي لا أرى ثمة أمراً نتحرج منه أمام المجتمع وإن حدث ذلك لا أعيره انتباهاً، ويكفي أن تعلموا أن تعاملي مع ابني رائد وعبدالرحمن طبيعية للغاية فهما كأي فرد آخر من أفراد أسرتي ويرافقاننا في كل زياراتنا ولا نجد أية صعوبة في التعامل معهما لأنهما يتمتعان بذكاء شديد وأنا جد فخورة بهما، وأقول للمجتمع خافوا الله في المعاقين ولا تنظروا إليهم بازدراء فهم أبناؤكم.
- هنا اقتربنا من الطفل عبدالرحمن وقلنا له: بابا تحب مين أكثر من أصحابك؟! قال: أنا بحب كل إخواني.. بس أحب محمد مووت.. وبعد بحب أختي الجوهرة.. قلنا له: تحفظ قرآن يا عبدالرحمن؟ قال: إيه.. أحفظ كثير.. وبحب أقرأ المصحف.. قلنا له: طيب إيش ممكن تسمعنا؟ قال: آية الكرسي «وقد قرأها بطريقة جميلة».
أهل الفن
- ودعنا أصحاب القضية.. وانتقلنا لأهل الفن لنقف على ما قدموه للطفل المعاق.. ولنرى ما فاضت به مشاعرهم تجاه هذه القضية.. يقول عبدالهادي حسين: للوالدين دور كبير في تربية طفلهما المعاق، فهما اللذان يمنحانه الحب ويمدانه بالحنان ويزرعان فيه الثقة ويبثان فيه أولى تجاربه في الحياة ولذا يجب أن يكونا واثقين من نفسهما وفي قدراتهما على مساعدة طفلهما المعاق، وعلى المجتمع أن يعين الأسرة باحتضان طفلهما ومنحه الإحساس بأنه لا يختلف عن أي من أفراده.. ونحن كفنانين نعترف بتقصيرنا تجاه الأطفال المعاقين ولكننا عقدنا العزم على تقديم كل ما يرسم البسمة على شفاههم ويبعث بالأمل في نفوسهم.
- وتلتقط الفنانة أريام طرف الحديث وتضيف: لا أحسب أن وجود طفل معاق في الأسرة يشكل عائقاً أو يسبب مشكلة لها، فمن الممكن ومن خلال التعامل الجيد معه منحه الإحساس بأنه سوي ولا فارق بينه وبين بقية أفراد الأسرة.. كما لا أعتقد أن وجود طفل معاق يسبب للأسرة حرجاً أمام المجتمع، وأرى أن تقييده ومنعه من التواجد ومرافقتهم في المناسبات أمر خاطئ من شأنه أن يترك أثراً سلبياً على نفسيته ويجعل منه إنساناً عدوانياً، وعلى الأم أن تكون الأقرب لطفلها المعاق والأقدر على تفهم مشاعره وجعله فعالاً في المجتمع.. وعلى الأسرة معاملة طفلها المعاق كطفل سوي وعلى المجتمع والمسؤولين توفير كافة سبل الراحة والعلاج، وتهيئة كل السبل له أسوة بغيره من أفراد المجتمع. وقد سبق وأن قمت بإحياء عدد من الحفلات بعدد من العواصم العربية لدعم الطفل المعاق، وأطالب كل الفنانين بدعم المعاقين، وأنا من جانبي أعد كل طفل معاق بعمل فني يخصه.
أهمية التأهيل والتدريب
- بحثاً عن المزيد.. حملنا هموم أصحاب القضية.. ومشاعر الفنانين وآرائهم وتوجهنا صوب المسؤولين والاختصاصيين.. بدر بن عبدالرحمن البهلال المدير التنفيذي لمركزالرياض التخصصي للتأهيل حدثنا بأسى شديد إذ يقول: الأسر الخليجية ورغم تفاوت مراحل الإعاقة لدى الأطفال لا تعي أهمية التأهيل والتدريب والتعليم، والمحزن أنهم يرون في عزله أفضل خيار لدرجة عزله عن المجتمع برمته.. والأدهى من ذلك عزله عن الأسرة وهنا يكمن الخلل الحقيقي، ومرد ذلك هو اعتقادهم أن في وجوده تقليلاً من قيمة العائلة، أو أنه سيكون سبباً في ابتعاد المجتمع عنهم وعدم الزواج أو التعامل معهم.. ونحن هنا لا نعمم فهناك أسر راقية في تعاملها مع طفلها المعاق فيما هناك أسر يحزن المرء عند رؤيتها ورؤية واقع تعاملها مع طفلها المعاق. فبعض الأسر تحرم خروج طفلها المعاق بصحبتها في المناسبات أو الزيارات، مع العلم أن هناك أطفالاً معاقين وجدوا الرعاية فأصبحت لهم مكانة مرموقة وتفتخر بها أسرهم والمجتمع، غير أن المشكلة هي قلة وعي الأسر وعدم تجاوبها لما فيه صالح طفلهم المعاق لدرجة أن بعض الأسر رفضت سياسة دمج المعاقين مع غيرهم في المدارس وتركوا أبناءهم حبيسي المنازل أو مراكز المعاقين، وعلى الرغم من أن المراكز الحكومية والخاصة تقوم بدورها كما يجب إلا أن ما يفعله الاختصاصيون يُهدم في الأسر بسبب عدم الرعاية السليمة من قبل الأسر،.. وحتى المعاق حركياً تلازمه المشكلة ذاتها لأن أسرته ترى أن إعاقته واضحة وتفضل عزله كي لا يروا الشفقة ونظرات الرحمة من المجتمع وهذا بالطبع خطأ فادح ترتكبه الأسرة.
ويضيف بدر: يجب على المجتمع تقبل المعاق ومعاملته كأي من أفراده، خاصة وأن بإمكان المعاق أن يبدع وينتج ويتفوق على الأسوياء بخدمته لمجتمعه.. وما يؤلم أكثر ويحز في النفس أن هناك أسراً بالرغم مما يتمتع به القائمون على أمرها من مستوى عال من التعليم والثقافة، تتبرأ من أطفالها المعاقين وتدفع بهم إلى الخادمة أو تبعث بهم لمراكز طبية في الخارج، خوفاً من أن يراهم المجتمع، ويجب ألا ننسى أن هناك أسراً عكس ذلك تفخر بطفلها المعاق وتحرص على رعايته حتى يتقدم ويشفى تماماً ويغدو مميزاً في كل شيء والأمثلة على ذلك كثيرة.
الخطأ الأكبر
- أنهينا لقاءنا مع بدر.. وانتقلنا نبحث عن المزيد.. فالتقينا الأستاذة نورة بنت محمد النصبان المديرة الإدارية لمركز الرياض التخصصي للتأهيل.. كان طرحها صادقاً يحمل واقع الطفل المعاق في مجتمعنا إذ تقول: المؤسف أن صورة الإعاقة وأنواعها غير واضحة لدى العديد من الأسر.. والأدهى من ذلك هو محاولة بعض الأمهات الإجهاض حال علمهن بأن طفلاً معاقاً سيأتيهن فتتملكهن الصدمة ويلمن أنفسهن ويعترضن على القدر وأمر الله.. ومن ثم تأخذ الأم بعد ذلك منحى آخر، وهو بكل تأكيد مغلوط في مجمله إذ تبدأ في الالتفات لنظرات المجتمع لطفلها المعاق وتقدم على الخطأ الأكبر والخطوة الأكثر خطورة حين تقوم بعزله عن المجتمع بأكمله مما يجلب أثراً نفسياً سيئاً ونتيجة عكسية لطفلها المعاق الذي ربما يكون أفضل ذهنياً من أبنائها الآخرين.
وتضيف نورة وتؤكد: لا بد أن نعلم أن المجتمع سيتقبل الطفل المعاق متى ما تقبلته أسرته، ويتعامل معه بكل أريحية بناءً على تقبل الأسرة له، ولذلك يجب على الأم أن تتجه لتوعية نفسها كي تفهم نوع إعاقة طفلها وتتعامل معه كما ينبغي.. وعلى الأسر الخليجية ألا تعطي الأمور أكبر من حجمها والاهتمام بأطفالها المعاقين والحرص على توعية أنفسهم من خلال التعامل معهم ومع نوع إعاقتهم حتى نخرج أشخاصاً ناجحين نافعين لوطنهم ومجتمعهم وأسرهم وأنفسهم أيضاً.
البحث عن مواطن القوة
- قمنا بتوديع نورة.. واتجهنا للقاء مسؤول آخر.. الأستاذ الحسن عبدالرحيم يعلق قائلاً: أخي مشاري.. من المهم السعي الدائم والجاد لتدريب الطفل المعاق وتعليمه بدلاً عن إضاعة الوقت في التحسر والتألم.. وهناك أمور يجب أن تتذكرها الأسر التي رزقها الله طفلاً معاقاً، فعليها الاعتماد على الله والرضا بما قسمه له، والتعرف أكثر على طفلها المعاق واكتشاف أساليبه الفريدة في التعامل والبحث عن مواطن القوة وتعزيزها ومواطن الضعف وتقويتها، كما يجب عدم عزله، والمبادرة بإخطار كل الأصدقاء والمعارف بحالة طفلها الصحية مبكراً، وعدم إخفاء الحقائق الخاصة بالطفل المعاق عن بقية أطفال الأسرة ومحاولة شرح حالته لهم بأسلوب بسيط ومفهوم حتى يستطيع الأطفال التعامل واللعب معه.
ويضيف منوهاً لنقطة هامة ويقول: على الأمهات والآباء اصطحاب الطفل المعاق ومرافقته في كل زياراتهم ورحلاتهم، والتعامل مع حالة طفلهم بشكل علمي وتقديم كل المساعدات التي تعين على تحسين حالته وغرس الثقة في نفسه، وإتاحة الفرصة له للعب الجماعي لما يحمله من فوائد فهو يساعده على الاتصال بأقرانه والتعبير عن نفسه وإكسابه الخبرة، وتعليمه كيفية المشاركة وتبادل الأدوار.. وهناك أمر ما يحزنني وهو أن بعض الأسر تنسى أطفالها المعاقين أو تقوم بإلحاقهم بمراكز الإيواء ولا تهتم بهم مطلقاً لدرجة أن البعض يتجاهلهم حتى عند الوفاة.
وبشر الصابرين
في نهاية جولتنا.. حملنا كل ما جمعناه من آراء وجلسنا به إلى فضيلة الشيخ محمد الدريعي لنقف على رأي الدين في هذه القضية إذ يقول: يجب أن نعلم علم اليقين أن ما يصيبنا من خير أوشر، أو صحة أو مرض إنما هو قضاء من الله وقدره وعلينا كمؤمنين أن نرضى به ونقبله.. ولنعلم أيضاً أن المصائب لا تنزل علينا جزافاً إنما في حدود الابتلاء والامتحان.. أما بالنسبة للمعاق فقد حث الإسلام أولياء الأمور بإيوائهم وإكرامهم وحسن معاملتهم، وقد مدح الإسلام الصابرين على المعاق والذين لا يسيئون إليهم ولا يلجؤون لعزلهم إذ يقول المولى عز وجل في حق أولئك: {وبشر الصابرين} فيما أولئك الذين لا يصبرون ويلجؤون إلى عزلهم سيتعرضون لعقاب الله إما في الدنيا أو الآخرة.
خاتمـة
أعزاءنا القراء.. بعد أن حاولنا الاقتراب من الطفل المعاق.. وأبحرنا بكم مع هموم أصحاب القضية، وأفراد المجتمع وآراء الاختصاصيين.. ها نحن ننتظر دعمكم.. فوقفتكم هي الدعم الحقيقي لهم، لأن معاملتكم الطيبة لهم ومنحهم الإحساس بأنهم لا يعانون من شيء ولا يختلفون عن بقية أفراد المجتمع وعدم التلفظ أو رميهم بنظرات الشفقة هو الدواء والطريق الأمثل لشفائهم.. آملين أن تمتد أيدي الجميع وقلوبهم لدعمهم والأخذ بأيديهم
عندما نرى طفلاً معاقاً نردد كلمة (مسكين.. يا حرام) دون شعور منا.. والجميل أن هذا المسكين المشفق عليه بيده الصفقة الرابحة في معترك الحياة لأنه ببساطة إنسان يملك العالم السحري، فالعبرة بمن عاش أفضل بتقدمه ونجاحه وما يقدمه لوطنه ومجتمعه.. فالشفقة.. هل هي من صالح الطفل المعاق؟.. وكلمة «مسكين.. يا حرام» التي نرددها في وجه المعاق هل تدمره وتؤثر على معنوياته، وما الطريقة المثلى في جعل المعاق وتحويله إلى فرد سليم.. وما دور الأسرة والمجتمع في ذلك؟! والأسر الخليجية هل تعد وجود الطفل المعاق مشكلة أو عائقاً تتحرج منه أمام المجتمع؟! هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنحاول الإجابة عليها من خلال هذا التحقيق واستضافتنا لأصحاب القضية.. أفراد المجتمع.. والاختصاصيين..
أنا فخورة بإبني
في البدء التقينا أصحاب القضية.. رأيناهم.. حاورناهم وأسرهم.. الطفل فهد الشهري ووالدته أم فهد كانا أول من جلسنا إليهما.. تقول أم فهد: أحمد الله على كل شيء.. وأنا فخورة بابني فهد وبوالده الذي كان لي نعم المعين بعد الله في رعاية طفلنا.. ولا أنكر أننا نعاني كثيراً من المجتمع ونظراته الخاطئة، بل تأتينا المعاناة أحياناً من أقرب الأقربين غير أنني لا أعير ذلك إهتماماً.. ومن جانبنا لا نبخل بشيء على ابننا ونسعى لتوفير كل ما يسعده، وندعه يرافقنا في كل المناسبات مما جعل منه طفلاً واثقاً بنفسه.. ولكن يجب أن نعلم أن رعاية الطفل المعاق تتطلب وضعاً مالياً مناسباً وهذا ما يفتقده الكثيرون ونعاني منه أحياناً.. ومن هنا أدعو المجتمع وأطالبه بأن يكون عوناً للمعاق في كل شيء يكون فيه راحته وانسجامه مع المجتمع.
- في هذه الأثناء حاولنا مداعبة فهد.. وعندما اقتربنا منه فاجأنا بأجمل مما كنا نتوقعه.. حيث خطف منا مجلة فواصل وقال: «أنا بحب فواصل.. وعايز أبقى صديق».. لم نبخل عليه وقبلنا صداقته.
لا أتحرج من المجتمع
- ودعنا فهد.. ووالدته.. والتقينا الطفل عبدالرحمن بن محمد الماجد ووالدته أم عبدالرحمن.. تقول أم عبدالرحمن: أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره وأحمد الله على ذلك.. ولا أخفيك فطفلي الذي يكبر عبدالرحمن يعاني من الإعاقة ذاتها (فقدان البصر) وهو الآن في المرحلة الثانوية.. وأنا من جانبي لا أرى ثمة أمراً نتحرج منه أمام المجتمع وإن حدث ذلك لا أعيره انتباهاً، ويكفي أن تعلموا أن تعاملي مع ابني رائد وعبدالرحمن طبيعية للغاية فهما كأي فرد آخر من أفراد أسرتي ويرافقاننا في كل زياراتنا ولا نجد أية صعوبة في التعامل معهما لأنهما يتمتعان بذكاء شديد وأنا جد فخورة بهما، وأقول للمجتمع خافوا الله في المعاقين ولا تنظروا إليهم بازدراء فهم أبناؤكم.
- هنا اقتربنا من الطفل عبدالرحمن وقلنا له: بابا تحب مين أكثر من أصحابك؟! قال: أنا بحب كل إخواني.. بس أحب محمد مووت.. وبعد بحب أختي الجوهرة.. قلنا له: تحفظ قرآن يا عبدالرحمن؟ قال: إيه.. أحفظ كثير.. وبحب أقرأ المصحف.. قلنا له: طيب إيش ممكن تسمعنا؟ قال: آية الكرسي «وقد قرأها بطريقة جميلة».
أهل الفن
- ودعنا أصحاب القضية.. وانتقلنا لأهل الفن لنقف على ما قدموه للطفل المعاق.. ولنرى ما فاضت به مشاعرهم تجاه هذه القضية.. يقول عبدالهادي حسين: للوالدين دور كبير في تربية طفلهما المعاق، فهما اللذان يمنحانه الحب ويمدانه بالحنان ويزرعان فيه الثقة ويبثان فيه أولى تجاربه في الحياة ولذا يجب أن يكونا واثقين من نفسهما وفي قدراتهما على مساعدة طفلهما المعاق، وعلى المجتمع أن يعين الأسرة باحتضان طفلهما ومنحه الإحساس بأنه لا يختلف عن أي من أفراده.. ونحن كفنانين نعترف بتقصيرنا تجاه الأطفال المعاقين ولكننا عقدنا العزم على تقديم كل ما يرسم البسمة على شفاههم ويبعث بالأمل في نفوسهم.
- وتلتقط الفنانة أريام طرف الحديث وتضيف: لا أحسب أن وجود طفل معاق في الأسرة يشكل عائقاً أو يسبب مشكلة لها، فمن الممكن ومن خلال التعامل الجيد معه منحه الإحساس بأنه سوي ولا فارق بينه وبين بقية أفراد الأسرة.. كما لا أعتقد أن وجود طفل معاق يسبب للأسرة حرجاً أمام المجتمع، وأرى أن تقييده ومنعه من التواجد ومرافقتهم في المناسبات أمر خاطئ من شأنه أن يترك أثراً سلبياً على نفسيته ويجعل منه إنساناً عدوانياً، وعلى الأم أن تكون الأقرب لطفلها المعاق والأقدر على تفهم مشاعره وجعله فعالاً في المجتمع.. وعلى الأسرة معاملة طفلها المعاق كطفل سوي وعلى المجتمع والمسؤولين توفير كافة سبل الراحة والعلاج، وتهيئة كل السبل له أسوة بغيره من أفراد المجتمع. وقد سبق وأن قمت بإحياء عدد من الحفلات بعدد من العواصم العربية لدعم الطفل المعاق، وأطالب كل الفنانين بدعم المعاقين، وأنا من جانبي أعد كل طفل معاق بعمل فني يخصه.
أهمية التأهيل والتدريب
- بحثاً عن المزيد.. حملنا هموم أصحاب القضية.. ومشاعر الفنانين وآرائهم وتوجهنا صوب المسؤولين والاختصاصيين.. بدر بن عبدالرحمن البهلال المدير التنفيذي لمركزالرياض التخصصي للتأهيل حدثنا بأسى شديد إذ يقول: الأسر الخليجية ورغم تفاوت مراحل الإعاقة لدى الأطفال لا تعي أهمية التأهيل والتدريب والتعليم، والمحزن أنهم يرون في عزله أفضل خيار لدرجة عزله عن المجتمع برمته.. والأدهى من ذلك عزله عن الأسرة وهنا يكمن الخلل الحقيقي، ومرد ذلك هو اعتقادهم أن في وجوده تقليلاً من قيمة العائلة، أو أنه سيكون سبباً في ابتعاد المجتمع عنهم وعدم الزواج أو التعامل معهم.. ونحن هنا لا نعمم فهناك أسر راقية في تعاملها مع طفلها المعاق فيما هناك أسر يحزن المرء عند رؤيتها ورؤية واقع تعاملها مع طفلها المعاق. فبعض الأسر تحرم خروج طفلها المعاق بصحبتها في المناسبات أو الزيارات، مع العلم أن هناك أطفالاً معاقين وجدوا الرعاية فأصبحت لهم مكانة مرموقة وتفتخر بها أسرهم والمجتمع، غير أن المشكلة هي قلة وعي الأسر وعدم تجاوبها لما فيه صالح طفلهم المعاق لدرجة أن بعض الأسر رفضت سياسة دمج المعاقين مع غيرهم في المدارس وتركوا أبناءهم حبيسي المنازل أو مراكز المعاقين، وعلى الرغم من أن المراكز الحكومية والخاصة تقوم بدورها كما يجب إلا أن ما يفعله الاختصاصيون يُهدم في الأسر بسبب عدم الرعاية السليمة من قبل الأسر،.. وحتى المعاق حركياً تلازمه المشكلة ذاتها لأن أسرته ترى أن إعاقته واضحة وتفضل عزله كي لا يروا الشفقة ونظرات الرحمة من المجتمع وهذا بالطبع خطأ فادح ترتكبه الأسرة.
ويضيف بدر: يجب على المجتمع تقبل المعاق ومعاملته كأي من أفراده، خاصة وأن بإمكان المعاق أن يبدع وينتج ويتفوق على الأسوياء بخدمته لمجتمعه.. وما يؤلم أكثر ويحز في النفس أن هناك أسراً بالرغم مما يتمتع به القائمون على أمرها من مستوى عال من التعليم والثقافة، تتبرأ من أطفالها المعاقين وتدفع بهم إلى الخادمة أو تبعث بهم لمراكز طبية في الخارج، خوفاً من أن يراهم المجتمع، ويجب ألا ننسى أن هناك أسراً عكس ذلك تفخر بطفلها المعاق وتحرص على رعايته حتى يتقدم ويشفى تماماً ويغدو مميزاً في كل شيء والأمثلة على ذلك كثيرة.
الخطأ الأكبر
- أنهينا لقاءنا مع بدر.. وانتقلنا نبحث عن المزيد.. فالتقينا الأستاذة نورة بنت محمد النصبان المديرة الإدارية لمركز الرياض التخصصي للتأهيل.. كان طرحها صادقاً يحمل واقع الطفل المعاق في مجتمعنا إذ تقول: المؤسف أن صورة الإعاقة وأنواعها غير واضحة لدى العديد من الأسر.. والأدهى من ذلك هو محاولة بعض الأمهات الإجهاض حال علمهن بأن طفلاً معاقاً سيأتيهن فتتملكهن الصدمة ويلمن أنفسهن ويعترضن على القدر وأمر الله.. ومن ثم تأخذ الأم بعد ذلك منحى آخر، وهو بكل تأكيد مغلوط في مجمله إذ تبدأ في الالتفات لنظرات المجتمع لطفلها المعاق وتقدم على الخطأ الأكبر والخطوة الأكثر خطورة حين تقوم بعزله عن المجتمع بأكمله مما يجلب أثراً نفسياً سيئاً ونتيجة عكسية لطفلها المعاق الذي ربما يكون أفضل ذهنياً من أبنائها الآخرين.
وتضيف نورة وتؤكد: لا بد أن نعلم أن المجتمع سيتقبل الطفل المعاق متى ما تقبلته أسرته، ويتعامل معه بكل أريحية بناءً على تقبل الأسرة له، ولذلك يجب على الأم أن تتجه لتوعية نفسها كي تفهم نوع إعاقة طفلها وتتعامل معه كما ينبغي.. وعلى الأسر الخليجية ألا تعطي الأمور أكبر من حجمها والاهتمام بأطفالها المعاقين والحرص على توعية أنفسهم من خلال التعامل معهم ومع نوع إعاقتهم حتى نخرج أشخاصاً ناجحين نافعين لوطنهم ومجتمعهم وأسرهم وأنفسهم أيضاً.
البحث عن مواطن القوة
- قمنا بتوديع نورة.. واتجهنا للقاء مسؤول آخر.. الأستاذ الحسن عبدالرحيم يعلق قائلاً: أخي مشاري.. من المهم السعي الدائم والجاد لتدريب الطفل المعاق وتعليمه بدلاً عن إضاعة الوقت في التحسر والتألم.. وهناك أمور يجب أن تتذكرها الأسر التي رزقها الله طفلاً معاقاً، فعليها الاعتماد على الله والرضا بما قسمه له، والتعرف أكثر على طفلها المعاق واكتشاف أساليبه الفريدة في التعامل والبحث عن مواطن القوة وتعزيزها ومواطن الضعف وتقويتها، كما يجب عدم عزله، والمبادرة بإخطار كل الأصدقاء والمعارف بحالة طفلها الصحية مبكراً، وعدم إخفاء الحقائق الخاصة بالطفل المعاق عن بقية أطفال الأسرة ومحاولة شرح حالته لهم بأسلوب بسيط ومفهوم حتى يستطيع الأطفال التعامل واللعب معه.
ويضيف منوهاً لنقطة هامة ويقول: على الأمهات والآباء اصطحاب الطفل المعاق ومرافقته في كل زياراتهم ورحلاتهم، والتعامل مع حالة طفلهم بشكل علمي وتقديم كل المساعدات التي تعين على تحسين حالته وغرس الثقة في نفسه، وإتاحة الفرصة له للعب الجماعي لما يحمله من فوائد فهو يساعده على الاتصال بأقرانه والتعبير عن نفسه وإكسابه الخبرة، وتعليمه كيفية المشاركة وتبادل الأدوار.. وهناك أمر ما يحزنني وهو أن بعض الأسر تنسى أطفالها المعاقين أو تقوم بإلحاقهم بمراكز الإيواء ولا تهتم بهم مطلقاً لدرجة أن البعض يتجاهلهم حتى عند الوفاة.
وبشر الصابرين
في نهاية جولتنا.. حملنا كل ما جمعناه من آراء وجلسنا به إلى فضيلة الشيخ محمد الدريعي لنقف على رأي الدين في هذه القضية إذ يقول: يجب أن نعلم علم اليقين أن ما يصيبنا من خير أوشر، أو صحة أو مرض إنما هو قضاء من الله وقدره وعلينا كمؤمنين أن نرضى به ونقبله.. ولنعلم أيضاً أن المصائب لا تنزل علينا جزافاً إنما في حدود الابتلاء والامتحان.. أما بالنسبة للمعاق فقد حث الإسلام أولياء الأمور بإيوائهم وإكرامهم وحسن معاملتهم، وقد مدح الإسلام الصابرين على المعاق والذين لا يسيئون إليهم ولا يلجؤون لعزلهم إذ يقول المولى عز وجل في حق أولئك: {وبشر الصابرين} فيما أولئك الذين لا يصبرون ويلجؤون إلى عزلهم سيتعرضون لعقاب الله إما في الدنيا أو الآخرة.
خاتمـة
أعزاءنا القراء.. بعد أن حاولنا الاقتراب من الطفل المعاق.. وأبحرنا بكم مع هموم أصحاب القضية، وأفراد المجتمع وآراء الاختصاصيين.. ها نحن ننتظر دعمكم.. فوقفتكم هي الدعم الحقيقي لهم، لأن معاملتكم الطيبة لهم ومنحهم الإحساس بأنهم لا يعانون من شيء ولا يختلفون عن بقية أفراد المجتمع وعدم التلفظ أو رميهم بنظرات الشفقة هو الدواء والطريق الأمثل لشفائهم.. آملين أن تمتد أيدي الجميع وقلوبهم لدعمهم والأخذ بأيديهم