المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوسطية في الاقتصاد الإسلامي


علاء الدين
08-09-2011, 06:42 PM
http://www11.0zz0.com/2011/09/08/15/180877772.jpg (http://www.0zz0.com)

لا تنشغل الأوساط العالمية على مختلف صعدها السياسية والثقافية والاجتماعية بشيء في اللحظة الراهنة كانشغالها بالأزمة المالية والاقتصادية التي تهدد الميزانيات المالية للبنوك والدول في الوقت الحالي، ومازالت الندوات تقام والمؤتمرات تعقد في مشارق الأرض ومغاربها من أجل دراسة المشكلة والوقوف على اسبابها وتداعياتها، وبالتالي محاولة التعامل معها بصورة صحيحة وشكل ايجابي.
الملاحظ في العقود الأخيرة أنه كلما ظهرت أزمة مالية او اقتصادية تهدد البشرية في مستوى رفاهيتها أو في استقرارها المالي تتعالى بعض الاصوات الغربية - ولا نقول العربية - مطالبة بوجوب التعاطي مع النظرية الاقتصادية في الاسلام بصورة محايدة وشكل ايجابي من اجل فهمها والانتفاع بأطروحاتها اذا كان الى ذلك من سبيل، ويكفي ان نشير في هذا السياق الى ان روسيا عندما مرت بأزمة مالية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ارسلت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي محافظ بنك الدولة ومحافظ موسكو مع مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الى مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف للتعرف على النظرية الاقتصادية في الإسلام، فشرح لهم أساتذة الاقتصاد فلسفة النظام الاقتصادي الإسلامي، وموقف الإسلام من الملكية وحركة الأسواق، والسياسات النقدية ، ونظام مالية الدولية.. وبعد هذا اللقاء قال محافظ بنك الدولة الروسي لعلماء الاقتصاد بالازهر الشريف: كيف تكونون على هذه الحالة من التخلف ولديكم هذا النظام التنموي الفاعل؟! ومع ظهور بوادر الأزمة المالية الراهنة عقد مجلس الشيوخ الفرنسي في مايو 2008م ندوة خاصة لدراسة «التمويل الإسلامي» وانتهوا الى أنه من الضروري أن تنظر المصارف الأوروبية والأميركية نظرة إيجابية الى ما جاء من حديث عن الاقتصاد في القرآن الكريم وتحترمه.
والحق أن ما يلفت نظر الغربيين والشرقيين على السواء في الاقتصاد الإسلامي هي الروح الوسطية التي يتمتع بها وتسود مختلف جنباته، فهو نظام يحقق الوسطية في بعديه الاقتصادي والمصرفي بصورة لا تتوافر لغيره من المذاهب الاقتصادية والنظم المصرفية المغايرة له، والحق انه يمكن ان نضع ايدينا على وسطية الاقتصاد الاسلامي من خلال الوقوف على النقاط التالية:
الروح الوسطية في بناء المجتمع الإسلامي
معروف ان هناك العديد من المجتمعات التي تقام وتبني على أسس مادية صرفة فقوامها المادة وعمادها الاقتصاد، الأمر الذي جعل الفلسفة الماركسية ترى أنه يمكن تفسير كل مظاهر تطور وارتقاء الوجود الانساني، وكذلك حركة التاريخ البشري في ضوء المادة والاقتصاد، وهذا ما يسمى بالتفسير المادي للتاريخ.. في حين نجد النظام الاقتصادي الاسلامي يسعى الى تأكيد أن «الهدف من بناء هذا المجتمع الإسلامي لم يكن مادياً، اي انه لم يكن اقتصادياً، بالرغم من ان الاقتصاد عصب الحياة، ولكنه كان هدفاً شمولياً، هو تكوين الأمة الإسلامية، ولو بني المجتمع على أساس اقتصادي صرف لكان في الإمكان إيجاد مجتمعات ووحدات اقتصادية متفرقة لا تخدم الفكرة الاسلامية، كان من الممكن مثلا ألا تجد بعض القبائل العربية مصلحتها في وحدة عربية، فالذين يتاجرون - مثلا - مع الفرس قد يجدون مصلحتهم في تدعيم الوحدة الاقتصادية الفارسية العربية، والذين يتاجرون مع الروم أو مع الأحباش قد يجدون مصلحتهم في إقامة وحدة اقتصادية عربية رومية أو عربية حبشية» (1).
وهكذا ندرك ان المجتمع الاسلامي لم يكن ليقام على اسس مادية صرفة ولا اسس روحية صرفة، بل لقد اخذ من المادة بنصيب باعتبارها من اساسيات الحياة، وعني بالجانب الروحي الذي تفقد الحياة قيمتها ومعناها من دونه، وتلك وسطية تضمن وتكفل للمجتمع البقاء والنجاح والازدهار.
بين الملكية الفردية والملكية العامة
معلوم أن المذاهب الاقتصادية المادية التي تتنازع الساحة العالمية الآن تنقسم الى مذهبين، أحدهما رأسمالي يسمح للإنسان أن يمتلك من الثروة ما يشاء، ولا يعنى بردم الهوة بين الفقراء والأغنياء الا في حدود ضيقة، والمذهب الثاني شيوعي أو اشتراكي يؤكد ملكية الدولة للمؤسسات الصناعية والمالية والتجارية، بمعنى ان الدولة هي المسيطرة على السلطة والثروة والسلاح، وفيه يتم -تقريبا - تجريد الانسان الفرد من الملكية الخاصة.http://www.alwaei.com/photos_and_files/53.bmp
غير ان للإسلام موقفه الوسطي الخاص في هذا السياق، وللإلمام به يقتضي الأمر أن ندرك ان «المنهج الاسلامي وسط لأنه لم يصادر حرية الانسان في الملكية او في اختيار العمل الذي يلائمه، بل أباح الملكية لكنه وضع حدوداً وتشريعات للمالك في ملكيته، وجعل للمجتمع حقوقاً في ملك الأفراد، وأمر بالعمل وجعله حقا وواجبا، وأباحه وأمر به زراعة وتجارة وصناعة وحرفاً في الوقت نفسه، وحدد له حدوداً، فكل عمل من زراعة او تجارة أو صناعة حرام ما أضر بالمجتمع، فزراعة المخدرات او التجارة في الخمر حرام... وهكذا» (2).
فالإسلام أحل الملكية الفردية وجعل لها حرمة، مادام طريق كسبها مشروعاً ولا يتعارض مع مصلحة المجتمع ولا تضره حسبما يرى التشريع الحنيف.. غير ان حرمة الملكية الخاصة في الاسلام مشروطة بأن يتوفر لكل فرد حد الكفاف، أي الحد الأدنى اللازم لمعيشته، بمعنى انه ان وجد في المجتمع الاسلامي جائع واحد او عار واحد، فان حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يجب احترامه ولا تجوز حمايته، ومؤدى ذلك ان هذا الجائع الواحد، او المضيع الواحد يسقط شرعية حدود الملكية الى ان يشبع.. وهذا يفسر لنا قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «...ايما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى» (رواه أحمد)،
وسطية توزيع الثروة
وتقتضي الوسطية في الملكية الفردية والعامة أن يعتمد الإسلام الوسطية كمنهج وأسلوب في توزيع الثروة، و«من هنا يختلف الاقتصاد الاسلامي عن الاقتصادات الوضعية السائدة، فهو لا يقر التفاوت الشديد أو تسلط أقلية على مقدرات الجماعة كما هو شأن المذهب الفردي والنظم المتفرعة عنه كالرأسمالية، كما لا يقر إذابة أو إزالة الفوارق واقامة المساواة الفعلية أو المطلقة كما هو شأن المذهب الجماعي والنظم المتفرعة عنه كالاشتراكية والشيوعية، وإنما هو يحترم التباين والتفاوت تبعاً لاختلاف المواهب والقدرات، مع تقريب الفوارق أو الفجوة بين افراد المجتمع أو دول العالم، بما يحقق لها التعاون والتكامل لا السيطرة والاستغلال» (3).
هكذا يدرك المرء أن الإسلام لا يرفض التفاوت في الحصول على الثروة لكن يرفض ان يجتمع المال - كله أو أغلبه - في يد فئة قليلة من المجتمع، «فالتفاوت في توزيع الثروات والدخول هو أمر طبيعي يقره الإسلام تبعاً لاختلاف المواهب والقدرات، بل يعتبره ضرورة لخلق الحوافز وتحقيق التعاون والتكامل سواء على المستوى المحلي أو العالمي، ولكن الذي رفضه الإسلام بشدة هو التفاوت الفاحش في توزيع الثروات والدخول، والذي تستأثر من خلاله فئة معينة من الأفراد أو دول معينة بالخير كله، مما يؤدي الى تهميش marginilijation الأغلبية أو اغترابها alienation وإثارة حقدها وثورتها» (4) لذا نرى الدول الإسلامية النفطية تمد يد العون والمساعدة للشعوب الاسلامية غير النفطية عندما تتعرض الاخيرة الى ازمات أو عندما يكون لديها طلبات ملحة وعاجلة.
واذا كان الاسلام يبيح امتلاك المال فان منهجه يتميز عن الرأسمالية بكونه يرفض اتساع الشقة بين الاغنياء والفقراء، ففي مجتمع المدينة «كانت مهمة ولي أمر المسلمين - النبي (صلى الله عليه وسلم) - ان يحاول بسياسته المالية تقريب الشقة بين الفقراء (وهم المهاجرون في الغالب) والاغنياء (وهم الانصار في الغالب)، وكان ذلك متيسراً بما أفاء الله عليه من أموال بني النضير وبني قينقاع وبني قريظة وخيبر بعد ذلك»(5).. وتلك هي سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا السياق واتبعها الخلفاء الراشدون من بعده.
وسطية النظام المصرفي الاسلامي
معلوم أن لكل مذهب من مذاهب الاقتصاد نظامه المصرفي الذي يتحرك وفقاً لخدمة الايديولوجية السائدة في المجتمع، فهناك بعض الاختلافات والفروق بين النظم المصرفية المعمول بها في الدول التي يسود فيها الفكر الاشتراكي وبين النظم السائدة في الدول ذات التوجه الرأسمالي، وهنا نتوقف لنوضح ان النظام المصرفي الاسلامي يتباين في العديد من النقاط عن النظم الاقتصادية الوضعية، سواء كانت رأسمالية ام اشتراكية، فاذا امعنا النظر في النظام المصرفي الوضعي فإننا نجده تجارة بالمال «أخذاً وعطاءً واستخداماً للمال في المصلحة الشخصية لاصحابه دون إعمال للمصلحة العامة ونتيجة ذلك ان يزداد الفقير فقراً، وهنا يظهر جلياً مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» والغاية هنا هي تحقيق اكبر نسبة عائد بغض النظر عن الوسيلة الى تحقيق هذا العائد. تلك هي طبيعة النظام المصرفي الوضعي وتلك هي النتائج التي انتهى اليها، أما النظام المصرفي الاسلامي فنجده ينطلق من «الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد الإسلامي وهو «أن المال مال الله» استخلف عليه الإنسان لاشباع حاجاته المشروعة دون اسراف او تبذير، وعليه استخدامه في إعمار الأرض والالتزام بعدم الإضرار بالآخرين عند تنميته لهذا المال والانتفاع به، فهو وسيلة لا غاية في حد ذاته.


الهوامش
1- عبدالكريم غلاب، الفكر العربي بين الاستلاب وتأكيد الذات، الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس. 1397هـ - 1977م. ص 81.
2- طاهر عبدالمحسن سليمان، علاج المشكلة الاقتصادية في الإسلام، دار البيان، القاهرة، 1401هـ -1981م، ص41، بتصرف.
3- المصدر نفسه، ص19، 02.
4- المصدر نفسه، ص02.
5- طاهر عبدالمحسن سليمان مرجع سابق، 342.
6- د. رضا أحمد مغاوري، النظم المصرفية في الإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ذو القعدة 7241 هـ، نوفمبر 2006م، ص11.

علاء الدين
08-09-2011, 06:48 PM
http://www11.0zz0.com/2011/09/08/15/298344535.jpg (http://www.0zz0.com)



شاءت إرادة الباري عز وجل أن يرضى الإسلام ديناً للبشر كافة، وأن ينزل عليهم كتاباً هادياً منيراً يبين لهم الحقائق، ويرشدهم إلى طريق النور والهدى، ويهديهم إلى جادة الحق والصواب، ويحذرهم من السير في دروب المعاصي والفساد، وأنزل سبحانه وتعالى فيه جملة من المعاملات التي تنظم للناس أمور حياتهم، وشؤون معيشتهم، ودعمها بالأوامر التي تحضهم على التحلي بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، وبين لهم فيه ما يهمهم من أمور دينهم وعقيدتهم، حتى يصبح ارتباطهم بهذه العقيدة ارتباطاً قوياً متيناً لا تزول أواصره ولا تفك عراه.
والقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، وتربية وتعليم ودعوة إلى الطريق القويم، لكننا لا نعدم وجود إشارات مهمة في البيان الإلهي تناولت جوانب إعلامية مختلفة، وأدت وظائف وغايات ذات أهمية بالغة، وعلى الرغم من أنه اتفق مع وسائل الإعلام في التوجيه للإنسان واتخاذه ميداناً للعمل، فإنه يختلف عنها في سعة مساحة العمل، ودائرة التوجيه، وهي قبل ذلك لا تدانيه في الغاية والنتيجة، كما يختلف عنها في المصدر والمضمون (1).

ويعد الخبر الصحافي حجر الأساس في الصحافة، ومنه تتفرع جميع الفنون الصحافية الأخرى، كالتحليل الإخباري، والتقرير الإخباري، والمقال، كما يعد الأساس الذي قام عليه كل من الخبر الإذاعي والخبر التلفزيوني.
والخبر قديم قدم البشرية، فمنذ أن وجد البشر على ظهر البسيطة وهم يتناقلون الأخبار فيما بينهم، ويتداولون في لقاءاتهم واجتماعاتهم أخبار كل منهم، عن صيده، ورزقه، وعمله، وأسرته، وشؤونه، وقد تطور هذا الشكل البسيط من الأخبار شيئاً فشيئاً، فصار الإنسان ينقل أخبار الآخرين إلى مجتمعه، كما ينقل أخبار مجتمعه إلى من يلتقيهم خارج إطار هذا المجتمع، وبذلك انتقلت الأخبار من المحيط المحلي إلى المحيط الإقليمي وهكذا بدأت الأخبار تنتشر شيئاً فشيئاً، وتتسع دائرة الناقلين لها، والمستمعين إليها.
وعرف العرب قبل الإسلام الكتابة ودونوا بها، وكان أهم ما دونوه، لحسن الحظ، هو ذلك الذي يحمل مضموناً إعلامياً أرادوا بتدوينه أن يكون بذلك شبه وثيقة، وهي هنا وثيقة سياسية أو عسكرية تعني وقف العدوان أو الحرب، أو التعهد بالحماية، أو إبرام حلف بين قبيلة وأخرى.
ولم تكن الدولة الإسلامية عندما قامت في المدينة المنورة في أوائل القرن السابع الميلادي بعيدة عن استخدام الأخبار المطبوعة، فقد استخدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكتابة الخطية، وما الدستور الذي وضعه بعد هجرته إلى المدينة، والمعروف تاريخياً باسم الصحيفة، بالإضافة إلى رسائله الشريفة إلى ملوك وأمراء عصره إلا نماذج تاريخية لذلك الاستخدام.
وكما كانت هذه الصحيفة دستور مؤاخاة ونظام حياة للدولة الإسلامية الجديدة فإنها أيضاً كانت بمنزلة الإعلام المكتوب عن هذه الدولة، والذي يقوي جبهتها ضد أي خروج عليها (2) كما كان للرسائل المرسلة إلى الأفراد والملوك وزعماء القبائل رجع الصدى المناسب، مما يؤكد نجاحها في الإعلام عن الدين الإسلامي (3).
ومع توسع رقعة الدولة الإسلامية وانتشار الفتوحات ازدادت الرسائل بين الخلفاء المسلمين والملوك والرؤساء، وتم في العصر الأموي إنشاء ديوان الرسائل، وديوان الجند، وكان هذا الأخير يتولى ختم الرسالة المرسلة من الخليفة حتى لا يطلع أحد عليها غير المستقبل لضمان أن الرسالة تسير في اتجاه واحد من المرسل إلى المستقبل دون تغييرات، أو تحريفات، أو تشويش (4).
بين الخبر والنبأ في الكتاب الكريم
وردت مادة خبر ومشتقاتها في سبعة مواضع من القرآن الكريم، في حين وردت مادة (نبأ) ومشتقاتها في 79 موضوعاً.
من ذلك قوله تعالى {إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ إِنّيَ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لّعَلّكُمْ تَصْطَلونَ} (النمل: 7).
وتتحدث الآية الكريمة عن رحلة موسى عليه السلام مع زوجته من مدين إلى مصر في ليلة ظلماء، حيث رأى من بعيد ناراً تتأجج وتضطرم فقال لأهله مستبشراً بمعرفة الطريق والاصطلاء بالنار: إني أبصرت ناراً سآتيكم منها بخبر عن الطريق أو آتيكم منها بشعلة نار، تستدفئون بها في هذه الليلة الباردة، وكان الأمر كما قال، فإنه رجع منها بخبر عظيم هو النبوة، واقتبس منها نوراً عظيماً لا ناراً، هو نور الرسالة (5).
ومن أمثلة النبأ قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (الأعراف: 175).
وهذه الآية نزلت في عالم من علماء بني إسرائيل، وقيل من الكنعانيين، وروي عن ابن عباس أنه رجل من اليمن اسمه بلعم بن باعوراء، أوتي علم بعض كتب الله، فانسلخ منها، وكفر بآيات الله ونبذها وراء ظهره.
والخطاب الإلهي موجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن اقرأ على المسلمين خبر الذي علمناه آياتنا، ولكنه لم يعمل بها، وتركها وراءه، وتجرد منها إلى الأبد، فلحقه الشيطان وأدركه وصار له قريناً، وتمكن من الوسوسة له، فأصغى إليه، فصار من الضالين الكافرين، لميله إلى الدنيا واتباع الهوى والشيطان (8).
وهذا المثال أخبر به الباري عز وجل عن حدث وقع في الماضي، وهو حدث معروف لدى اليهود، ليتذكر اليهود ما حدث لذلك الرجل، ويعتبروا بنهايته، ويعلموا أن من أوتي علماً من الكتاب وجب عليه تطبيقه، والالتزام به والعمل بأحكامه، وعدم نبذه وراء الظهور، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة.
إن الأمثلة التي وردت تبين اهتمام البيان الإلهي بالقصة الإخبارية، وإعطاءها مساحات كبيرة في مواطن شتى من القرآن الكريم. وقد أتت هذه القصص بصيغ متعددة، حاملة أساليب الإعجاز القرآني الخالد، مخبرة تارة عن الأقوام والأمم السابقة، وأخرى عن أحداث آنية تقع في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأحياناً عن أخبار مستقبلية تعد من الغيبيات التي استأثر الباري عز وجل بعلمها، أو أخبر بعضها رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.
ويرى أحد الباحثين (10) ضرورة عدم إدخال الأخبار الغيبية مثل يوم القيامة وما شابهها في سياق المقارنة بالمصطلح الإعلامي للخبر للأسباب التالية:
1- الغيبيات التي يؤمن بها المسلم هي حقائق ربانية المصدر، ولا تحتمل الخطأ بتاتاً للمسلم، أما الأخبار التي يجمعها البشر فهي تحتمل الخطأ من حيث صدق الخبر كله أو بعض تفاصيله.
2 - في مجال الاتصال البشري ما يعنينا هو الأخبار البشرية المصدر، أما الأخبار الغيبية عند المسلمين فهي خاصة بالمسلمين، ويقابلها في الديانات الأخرى غيبيات مثلها.
3 - إن دراسة الأخبار في الإعلام الإسلامي تهدف إلى تصور عالمي السمة، رغم كونها مستنتجة من المصادر الإسلامية التي يؤمن بمصداقيتها المسلمون فقط.
وكما اهتم القرآن الكريم بالخبر الإعلامي لفظاً وأسلوباً ومعنى وتحريراً وصياغة اهتم النبي (صلى الله عليه وسلم) أيضاً بالخبر الإعلامي، ومارسه بطريقة يجب أن يتعلم منها رجال الإعلام الإسلامي إلى يوم القيامة، فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أشياء وصفات لبعض الناس، كما أخبر عن أشياء ستحدث فيما بعد وصدقها الواقع، هذا فضلاً عن اهتمامه بالأسلوب الإخباري، الذي يبرز في حسن اختياره للألفاظ المناسبة للمستمع أو المستقبل (10).
وقد استفاد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) من وسائل الإعلام المتاحة في عصره فقام باقتباس بعضها أو تعديل مسارها وتطويرها وتوظيفها لخدمة الدعوة الإسلامية، بعد أن كانت موظفة لبث الخلافات وإثارة القلاقل والفتن بين القبائل العربية.
ومارس الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) العملية الإخبارية بنفسه فكان يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج، ويذهب إلى المناطق المجاورة لمكة ليعرض على أهلها رسالة السماء، ويجمع الناس ويخطب فيهم، ويرسل الرسائل إلى الملوك والزعماء، ويبعث أصحابه إلى القبائل والمدن ليأتوه بالأخبار الصادقة عن سكانها وأحوالهم.
إن ما ذكر عن الأساليب الخبرية في كتاب الله عز وجل، وممارسة النبي (صلى الله عليه وسلم) للعملية الإخبارية، وما ورد عنه من أحاديث نبوية شريفة، يدل على تمتع الخبر في الإعلام الإسلامي بالأسس الفنية المتعارف عليها في الخبر الصحافي حالياً، كالدقة، والصدق، والموضوعية، والمرونة، والشمولية.
وفي ضوء ذلك فإنه يمكن تعريف الخبر في الإعلام الإسلامي بأنه تزويد الجماهير بالحقائق الموضوعية المتعلقة بالأمور الهامة وغير المعروفة مسبقاً بهدف الإفادة الدينية والدنيوية، وذلك باستعمال مختلف الوسائل الحديثة المتطورة والمناسبة (12).
أو هو من وجهة نظر أخرى المعلومات الدقيقة والصادقة التي تصف أو تشرح واقعة جرت وتهم فئة من الفئات أو جماعة من الجماعات التي تعرفها للمرة الأولى (12)

الهوامش
1- سيد محمد ساداتي الشنقيطي: مفاهيم إعلامية من القرآن الكريم، عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1406 هـ ـ 1986م، ص43.
2- مرعي مدكور: الإعلام الإسلامي الطباعي في الدول غير الإسلامية في إفريقية، دار المعارف، القاهرة، مصر، د.ت دار الشروق، جدة، ط1408 هـ ـ 1988م ص 37.
3- المرجع نفسه، ص 37.
4- المرجع نفسه، ص 43.
5- وهبة الزحيلي: التفسير المنير، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق،ـ ط1، 1411 هـ ـ 1991، ج19، ص263.
6- الزحيلي، ج11، ص 9.
7-- سيد محمد ساداتي الشنقيطي: أصول الإعلام الإسلامي وأسسه، عالم الكتب، الرياض، 1405 هـ ـ 1986م ، ص 7.
8- الزحيلي: ج 9، ص 162.
9- سعيد إسماعيل صيني: مدخل إلى الإعلام الإسلامي، المفهوم والخصائص، دار المسلم، الرياض، 1416 هـ ـ 1991م، ص 205.
10- صيني: ص 205.
11- عبدالوهاب كحيل، الأسس العملية والتطبيقية للإعلام الإسلامي، مكتبة القدسي، 1406 هـ ـ 1986م ص 113.
12- كحيل: ص 117.
13- كرم شلبي: الخبر الصحافي وضوابطه الإسلامية، دار الشروق، جدة، ط1408 هـ ـ 1988م ص 51.

شمس الرائدية
08-09-2011, 09:57 PM
.



الحمدلله على نعمة الآسلام ..
بارك الله فيك ..

عاشق القمم
09-09-2011, 10:15 PM
* جزاك الرحمن الجنآن ..!!
:101:

الدووووخي
10-09-2011, 02:53 PM
الله يجزآآك خير على النقل الطيب ..

d7oomey
10-09-2011, 03:00 PM
سلمت على موضوعك
وجزاك الله خير

الدر المنثور
10-09-2011, 08:49 PM
الله يعطيك العافية
لك الشكر
:101: