المنتهي زمانه
20-10-2011, 01:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين نظارات العيون و نظارات العقول
...
كان شابا طويل القامة نحيفا، وضع على عينيه نظارة سوداء ضخمة أحاطت بعينيه إحاطة كاملة، وكانت علامات القلق بادية على محياه، وحين دعوته لدخول مكتبي لاحظت برود مصافحته، ولم يخطر في بالي للحظة أنه يبصر، فقد أوحت لي النظارة السوداء على عينيه بأنه كفيف، ولم يبدد هذه الصورة سوى ما قاله بعد أن جلس: ديكور المكان جميل جدا، ولكن إضاءته ضعيفة للغاية، تبسمت، وقلت هل إضاءة المكان هي السبب أم نظارتك السوداء، عندها انتبه فخلعها، وملامح الخجل والإحراج كانت بادية على وجهه، داعبته في محاولة مني لتقليل حرجه فقلت: كلنا نقع فيما وقعت فيه، وكثيرون هم الذين ينسون نظاراتهم على عيونهم ويسألون عنها، وكثيرون غيرهم الذين يمسكون أقلامهم بأيديهم ويبحثون عنها، وكل هذا دليل على أننا نعاني من الضغوط، التقط الكلمة ورد سريعا، صدقت فما أكثر الضغوط التي أعاني منها،
كان هذا يوم الخميس.
وفي اليوم التالي حدثني إمام المسجد عن قصة رجل قرع بابه الليلة السابقة وهو يبكي، وصاحبنا الإمام ليس من عادته السهر لأكثر من العاشرة والنصف، وجميع أقاربه وأصحابه يعرفون ذلك، فتوقع أن يكون طارق الباب غريبا، وحين فتح الباب وجد رجلا في أواسط الأربعين يبكي، رحب به وأدخله وهو لا يزال يبكي إلى حد النحيب، فبادره الإمام مخففا عنه ما به، ولكن الرجل ازداد نحيبا، ربت على كتفه وأحضر له كأس ماء بارد عله يهدئ ما به، شرب الرجل ومسح وجهه بالماء، وعندها فقط استطاع أن يقول لمضيفه، يا سيدي لقد طلقت زوجتي أم أولادي، قال الإمام: وما الذي دفعك لهذا؟
قال: جئت من عملي قبل قليل فوجدتها قد نامت، سألتها أين عشائي؟ فقالت: لقد وجدت نفسي متعبة فنمت ومنك العذر، سأقوم الآن وأجهز لك عشاءك، عندها لم أدري ماذا أصنع فخرجت من الغرفة لأعود وبيدي حبل من البلاستيك، وكانت لا تزال هي في فراشها، فضربتها ضربا مبرحا أسال دمها ثم طلقتها، وطردتها خارج المنزل، وأبنائي وبناتي يضاغون ويبكون، وبعد أن هدأ غضبي بكيت ولا زلت أبكي على ما فعلت، فبماذا تنصحني،
قلت لصاحبي الإمام: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقصصت عليه قصة الشاب الذي زارني بالأمس وقد اتهم إضاءة المكان بأنها ضعيفة، تبسم كلانا، من منطلق شر البلية ما يضحك.
ولا زلت أسأل نفسي منذ أمس أليست مشكلة الاثنين لابس النظارة، والزوج الغاضب، واحدة، الأول نظارته المصنوعة من الزجاج جعلته يرى النور ظلاما أو شبه ظلام، والثاني لبس على عقله نظارة سوداء أيضا جعلته يرى زوجته مقصرة مع أنها من منظور شرعي ليست ملزمة بإعداد الطعام له، والأدهى من ذلك والأمر أن نظارة عقله القاتمة سمحت له برؤيتها عبدة لا يحق لها أن تتعب، أو تمرض، أو حتى أن تنام، ولا أدري هل أمثاله سمعوا ما قاله المصطفى عليه الصلاة والسلام حين ذكر النساء، فوعظ فيهن، وقال: علام يضرب أحدكم امرأته ولعله أن يضاجعها من آخر النهار أو آخر الليل، أليس هذا مثالا على من وضع على عقله نظارة شديدة السواد فمنعته من رؤية هذه القواعد الإنسانية للتعامل مع المرأة تماما مثلما منعت الأول نظارته الشمسية من رؤية نور المصابيح؟
لو علم أحدنا أن هذا الشرع الحنيف ألزم الزوجة بإجابة زوجها إن طلبها للفراش، ولم يلزمها أن تطبخ وتغسل وتكوي، وإن فعلت كل هذا فذلك فضل منها، ومن لا يقنعه هذا الكلام فليعد للنصوص الشرعية وما أكثرها،
إن أعظم أمنية أتمنى أن تتحقق لي قبل أن أغادر هذه الدنيا أن يتحول الدين من ألفاظ إلى سلوك لدى الشريحة العظمى من أبناء الأمة عندها فقط يحق لنا أن نشعر بالكرامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين نظارات العيون و نظارات العقول
...
كان شابا طويل القامة نحيفا، وضع على عينيه نظارة سوداء ضخمة أحاطت بعينيه إحاطة كاملة، وكانت علامات القلق بادية على محياه، وحين دعوته لدخول مكتبي لاحظت برود مصافحته، ولم يخطر في بالي للحظة أنه يبصر، فقد أوحت لي النظارة السوداء على عينيه بأنه كفيف، ولم يبدد هذه الصورة سوى ما قاله بعد أن جلس: ديكور المكان جميل جدا، ولكن إضاءته ضعيفة للغاية، تبسمت، وقلت هل إضاءة المكان هي السبب أم نظارتك السوداء، عندها انتبه فخلعها، وملامح الخجل والإحراج كانت بادية على وجهه، داعبته في محاولة مني لتقليل حرجه فقلت: كلنا نقع فيما وقعت فيه، وكثيرون هم الذين ينسون نظاراتهم على عيونهم ويسألون عنها، وكثيرون غيرهم الذين يمسكون أقلامهم بأيديهم ويبحثون عنها، وكل هذا دليل على أننا نعاني من الضغوط، التقط الكلمة ورد سريعا، صدقت فما أكثر الضغوط التي أعاني منها،
كان هذا يوم الخميس.
وفي اليوم التالي حدثني إمام المسجد عن قصة رجل قرع بابه الليلة السابقة وهو يبكي، وصاحبنا الإمام ليس من عادته السهر لأكثر من العاشرة والنصف، وجميع أقاربه وأصحابه يعرفون ذلك، فتوقع أن يكون طارق الباب غريبا، وحين فتح الباب وجد رجلا في أواسط الأربعين يبكي، رحب به وأدخله وهو لا يزال يبكي إلى حد النحيب، فبادره الإمام مخففا عنه ما به، ولكن الرجل ازداد نحيبا، ربت على كتفه وأحضر له كأس ماء بارد عله يهدئ ما به، شرب الرجل ومسح وجهه بالماء، وعندها فقط استطاع أن يقول لمضيفه، يا سيدي لقد طلقت زوجتي أم أولادي، قال الإمام: وما الذي دفعك لهذا؟
قال: جئت من عملي قبل قليل فوجدتها قد نامت، سألتها أين عشائي؟ فقالت: لقد وجدت نفسي متعبة فنمت ومنك العذر، سأقوم الآن وأجهز لك عشاءك، عندها لم أدري ماذا أصنع فخرجت من الغرفة لأعود وبيدي حبل من البلاستيك، وكانت لا تزال هي في فراشها، فضربتها ضربا مبرحا أسال دمها ثم طلقتها، وطردتها خارج المنزل، وأبنائي وبناتي يضاغون ويبكون، وبعد أن هدأ غضبي بكيت ولا زلت أبكي على ما فعلت، فبماذا تنصحني،
قلت لصاحبي الإمام: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقصصت عليه قصة الشاب الذي زارني بالأمس وقد اتهم إضاءة المكان بأنها ضعيفة، تبسم كلانا، من منطلق شر البلية ما يضحك.
ولا زلت أسأل نفسي منذ أمس أليست مشكلة الاثنين لابس النظارة، والزوج الغاضب، واحدة، الأول نظارته المصنوعة من الزجاج جعلته يرى النور ظلاما أو شبه ظلام، والثاني لبس على عقله نظارة سوداء أيضا جعلته يرى زوجته مقصرة مع أنها من منظور شرعي ليست ملزمة بإعداد الطعام له، والأدهى من ذلك والأمر أن نظارة عقله القاتمة سمحت له برؤيتها عبدة لا يحق لها أن تتعب، أو تمرض، أو حتى أن تنام، ولا أدري هل أمثاله سمعوا ما قاله المصطفى عليه الصلاة والسلام حين ذكر النساء، فوعظ فيهن، وقال: علام يضرب أحدكم امرأته ولعله أن يضاجعها من آخر النهار أو آخر الليل، أليس هذا مثالا على من وضع على عقله نظارة شديدة السواد فمنعته من رؤية هذه القواعد الإنسانية للتعامل مع المرأة تماما مثلما منعت الأول نظارته الشمسية من رؤية نور المصابيح؟
لو علم أحدنا أن هذا الشرع الحنيف ألزم الزوجة بإجابة زوجها إن طلبها للفراش، ولم يلزمها أن تطبخ وتغسل وتكوي، وإن فعلت كل هذا فذلك فضل منها، ومن لا يقنعه هذا الكلام فليعد للنصوص الشرعية وما أكثرها،
إن أعظم أمنية أتمنى أن تتحقق لي قبل أن أغادر هذه الدنيا أن يتحول الدين من ألفاظ إلى سلوك لدى الشريحة العظمى من أبناء الأمة عندها فقط يحق لنا أن نشعر بالكرامة