محمد المهنا
15-11-2011, 11:41 AM
http://www.alraidiah.org/up/up/31329105820110814.jpg (http://www.alraidiah.org/up/up/31329105820110814.jpg)
بقلم : محمد بن سليمان المهنا
مقال نُشر في مجلة الشقائق ، وهو يُنشر على الشبكة لأول مرة
بسم الله الرحمن الرحيم
لم أكد أبلغ بيتي إثر صلاة المغرب مساء السبت 22/6/1420هـ حتى صاح صائح الهاتف فإذا بزوجي تعزيني في وفاة محدث العصر ناصر السنة حامل لواء الاتباع ، الإمام الهمام محمد ناصر الدين الألباني
فزعتُ من هول الخبر ثم فزعت بآمالي إلى الكذب وقلت لامرأتي : لعلها شائعة كاذبة ؟ فقالت : بهذا تكاثرت الأخبار على شبكة الانترنت
نعم .. جاءت الأخبار بموت الشيخ فشق عليّ وعلى إخواني من محبي العلم والعلماء ألا نشهد الصلاة عليه ودفنه وألا نؤم بيته فنعزي فيه ، وعاد ذلك علي أنفسنا بالحزن والمرارة فبقينا ههنا يُعزي بعضنا بعضاً .
ووالله لئن شطّ المزار ونأت الديار فلن يزداد المؤمنون لإخوانهم إلا قُرباً وولاءً وحُباً .
ولقد صدق الإمام الحافظ محدث واسط خميس بن علي الحوزي المتوفى سنة 510هـ إذ
قال :
فلا تحسبو أن الحبيب إذا نأى
........................ وغاب عن العينين غاب عن القلب
أما أنا فقد ذهب بي التفكير كل مذهب وصار بين ناظري ذلك المشهد الذي شهدت فيه محدّث الأمة حين أكرمني الله بزيارته - رحمه الله - في بيته بعَّمان .
نعم .. زرته في آخر فصول حياته في وقت عزّت فيه زيارته حتى لقد تعجب بعض طلبة العلم في عمان وقالوا : كيف استطعت إليه سبيلاً ؟ فوالله لم نره منذ سنتين !!
وأنا الآن أقف عن الكتابة وأكتفي بأن أنقل لك ما كتبته بُعيد لقائي به فذاك أصدق تعبيراً وأدق وصفاً ،
فإن وجدتَ قصوراً في أسلوب أو وهناً في عبارة فتذكر أنها مذكرات شخصية لم يدر في خلدي أن أحداً سيقرؤها ..
( نحن الآن في عصر اليوم الأخير من يوميْ بقائنا في عمَّان وسنكون بعد العشاء - إن شاء الله - في مقر حفل الزواج الذي قدمنا من أجله ؛ وبعد الفجر في الطريق إلى القريات حيث موعد سفرنا إلى الرياض في الساعة 9.45 صباحاً
إذن .. لم يبق لنا من وقت نستطيع فيه زيارة الشيخ الألباني إلا هذا عصر هذا اليوم وبعد المغرب إلى العشاء ..
قلت لصاحبي في رحلتي : لم يبق لنا من وقت رحلتنا إلا كذا وكذا ، وإخواننا لم يستطيعوا أن يُدخلونا على الشيخ فلا بد أن نحاول بأنفسنا قبل فوات الوقت .
اتصلت بمضيِّفنا وسألته عن حي الشيخ فقال : أنا آتٍ إليكم الآن فحلفت عليه حلفاً معلقاً بالمشيئة ألا يفعل ولكنه أصر وجاء وحملنا بسيارته إلى حي (ماركا الجنوبية) حيث يسكن الشيخ .
ولما بلغنا مكاناً قريباً من بيته سألنا رجلاً مُسناً يبيع في دكان : أين بيت الشيخ الألباني ؟ فأشار إليه .
بلغْنا منزل الشيخ فإذا هو في مرتفع ، في طريق صغير مسدود لا يكاد يتسع إلا لسيارة واحدة تقف فيه.
وبيت الشيخ في أيمن هذا الطريق الصغير بابه حديدي قديم أزرق إذا دخله الداخل ترقّى في درج أشبه ما يكون بـ(الروشن) تحته أرض فيها شجر . وهو بيت قديم متواضع
وصلتُ أنا وصاحبي إلى الباب ورأيت لوحة بابه وقد كُتب عليها اسم الشيخ بنفس خط اسمه في كتبه
محمد ناصر الدين الألباني
فلما رأيت اسمه خفق قلبي جداً فرحاً ببلوغي بيته ولهفة وشوقاً إلى رؤيته ، ثم طرقت الباب فأجابت امرأة أظنها ابنته عن طريق جهاز الجرس فقلت بعد السلام : إننا نرغب في السلام على الشيخ
فقالت : لا ؛ الشيخ نائم وهو لا يستقبل أحداً ولن تستطيعوا الدخول عليه ، فقلت : إننا شابان قادمان من الرياض نريد السلام على الشيخ ورحلتنا إلى بلدنا غداً وليس لنا من وقت سوى هذا الوقت ونحن بأشد الشوق إلى لقائه ولن نُطيل عليه ولن نشق عليه فأذنوا لنا فندخل ، ولكنها قابلت ما قلته بأسلوب واضح وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً
فلما رأيت أنها تتكلم بجد وخشيت ألا نخلُص إلى الشيخ تحمّستُ في الكلام وزدت في الرجاء
وقلت : إننا نسكن في مكان بعيد وجئنا بعد سؤال وعناء ونحن في أشد الشوق إلى رؤية الشيخ ولن نغادر بلده إلا بعد رؤيته وأطلت الكلام وفصَّلت فيه وحاولت بكل أسلوب ، وصاحبي يضحك من إصراري ويغمز بعينيه كي لا ألحّ في الطلب ، لكنّي –على غير عادتي- لم أزدد إلا إلحاحاً ..
فلمّا رأت المرأة شدة حرصي قالت : لا أستطيع إدخالكم عليه الآن أبداً ، وكل ما أستطيع أن أصنعه أن أحاول أن أدخلكم عليه بعد المغرب ، ولا أضمن لكم ذلك بل المرجح إلا تستطيعوه !!
عند ذلك قلت : سننصرف ، ولكن اعلمي أننا نسكن في وسط البلد وبيننا وبينكم وقت وجهد وسنستأجر سيارة ونتكلف مالاً فلا تردونا جزاكم الله خيراً ، ثم انصرفنا إلى منزلنا
وقبل أذان المغرب بثلث ساعة نزلنا إلى الشارع وركبنا سيارة أجرة وقلنا للسائق : (ماركا الجنوبية)
وصلنا (ماركا جنوبية) وصيلنا المغرب في مسجد قديم من مساجد الحي المتواضع ، ثم جئنا إلى بيت الشيخ وطرقنا الباب فأجابت المرأة وقالت : أننا آسفون .. لن نستطيع إدخالكم !!
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون .. أبعد هذا الجهد وهذا الترجي تقولين هذا ؟ لن ننصرف حتى نرى الشيخ .
فقالت : إنه لا يستطيع مقابلة الناس ويتعبه ذلك . فقلت : لن نجلس معه ولن نتحدث إليه ولن نسأله سؤالاً واحداً .
فرفضتْ فزاد إلحاحي ، فذهبتْ ورجعتْ بعدم الموافقة فزدتُ إلحاحاً –وما أنا بملحاح- فاحضرتْ المرأة امرأةً أخرى (لعلها أمها) فكلّمتها بمثل ما كلمت الأولى فقالت : إنه يتعبه الكلام فقلت : لئن نتكلم معه بكلمة ولن نسأله سؤالاً إنما هو سلام وقبلة رأس والسلام . فقالت : ستقولون له : كيف صحتك !! فقلت : ولا هذه أيضاً .. فقالت : كم أنتم ؟ قلت : اثنان فقط ، قالت: أدخلا ، ولكن على شرطنا ..
ثم فتحت الباب بالجهاز الكهربائي فأسرعنا الدخول حتى صعدنا الدرج ودخلنا الباب فإذا بمدخل صغير فيه باب مفتوح على حجرة أمام الداخل من باب البيت وإذا في الحجرة رفوف عليها كتب قليلة ومنضدة عليها كتب أيضاً وحولها كراسٍ أربعة،
وإذا بنا نفاجأ بأن على أحد هذه الكراسي الأربعة يجلس شخص قد جعل ظهره إلى الداخل إلى الحجرة .
نظرتُ .. فإذا به الشيخ الألباني ذو التسعين عاماً جالساً على كرسي وإذا هو قد نشر كتاباً من الكتب القديمة الصفراء يقرأ فيه وعليه نظارة ذات إطار أسود وإذا هو يلبس طاقية بيضاء وقد نحل جسمه الطوال وخفّت لحيته وطالت من تعاقب السنين .
فلما رأيته دق قلبي وسرت في جسمي نشوة فرح شديدة حتى كاد ينعقد لساني :
وتمنيت أن أرا ** كَ فلما رأيتكا
غلبت دهشة السرو ** ر فلم أملك البُكا
كنت أظن أن سندخل عليه وهو على فراشه أو في حال قريبة من ذلك ، ولكنها الهمة. لكنها الهمة !
تقدمتُ إليه وأتيت عن يساره وقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فمد يده إلى نظارته ببطء وخلعها وقال : وعليكم السلام ، وأطبق الكتاب الذي بين يديه فنظرت إليه فإذا هو مسند الإمام أحمد ( الطبعة الميمنية ) ثم صافحتُه وقبلتُ رأسه وفعل صاحبي مثل ذلك وسألناه عن حاله - نسياناً للشرط - وهو يجيب أحسن جواب ويرحب بهدوء وبطء ثم قبضتُ يده وذكرتُ له حبنا له في ذات الله ورفعتُ يده لأُقّبلها فشدّها وقبضها بقوة وأبى علي أن أقبّلها .
ثم تذكرتُ شرط امرأته فقبّلت رأسه وودعتُه وودعه صاحبي وخرجنا ..
خرجنا وبنا من السرور والاغتباط ما لا يوصف ولا يُحصى بهذا اللقاء القصير لا سيما وقد رأينا بالشيخ من علامات الهرم والتعب ما ظننا معه أننا لو تأخرنا بضعة أشهر فلن نلقاه والعلم عند الله ، ونسأله سبحانه أن يجعله ممن طال عمره وحسن عمله )
هنا انتهى وصف الزيارة ثم صدق حدسنا فقد بقي الشيخ بضعة أشهر ثم قُبض فإنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها . اللهم
صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
** مواضيع سابقة للكاتب /
* الدمعـــة الألبانيـــــــــة (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=115406)
* بمناسبة 11 سبتمبر : مشاهدات داعية شهد تلك الحقبة في الولايات المتحدة الأمريكية (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=116773)
* قصة إسلام الشيخ يوسف استس الأمريكي (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=115172)
بقلم : محمد بن سليمان المهنا
مقال نُشر في مجلة الشقائق ، وهو يُنشر على الشبكة لأول مرة
بسم الله الرحمن الرحيم
لم أكد أبلغ بيتي إثر صلاة المغرب مساء السبت 22/6/1420هـ حتى صاح صائح الهاتف فإذا بزوجي تعزيني في وفاة محدث العصر ناصر السنة حامل لواء الاتباع ، الإمام الهمام محمد ناصر الدين الألباني
فزعتُ من هول الخبر ثم فزعت بآمالي إلى الكذب وقلت لامرأتي : لعلها شائعة كاذبة ؟ فقالت : بهذا تكاثرت الأخبار على شبكة الانترنت
نعم .. جاءت الأخبار بموت الشيخ فشق عليّ وعلى إخواني من محبي العلم والعلماء ألا نشهد الصلاة عليه ودفنه وألا نؤم بيته فنعزي فيه ، وعاد ذلك علي أنفسنا بالحزن والمرارة فبقينا ههنا يُعزي بعضنا بعضاً .
ووالله لئن شطّ المزار ونأت الديار فلن يزداد المؤمنون لإخوانهم إلا قُرباً وولاءً وحُباً .
ولقد صدق الإمام الحافظ محدث واسط خميس بن علي الحوزي المتوفى سنة 510هـ إذ
قال :
فلا تحسبو أن الحبيب إذا نأى
........................ وغاب عن العينين غاب عن القلب
أما أنا فقد ذهب بي التفكير كل مذهب وصار بين ناظري ذلك المشهد الذي شهدت فيه محدّث الأمة حين أكرمني الله بزيارته - رحمه الله - في بيته بعَّمان .
نعم .. زرته في آخر فصول حياته في وقت عزّت فيه زيارته حتى لقد تعجب بعض طلبة العلم في عمان وقالوا : كيف استطعت إليه سبيلاً ؟ فوالله لم نره منذ سنتين !!
وأنا الآن أقف عن الكتابة وأكتفي بأن أنقل لك ما كتبته بُعيد لقائي به فذاك أصدق تعبيراً وأدق وصفاً ،
فإن وجدتَ قصوراً في أسلوب أو وهناً في عبارة فتذكر أنها مذكرات شخصية لم يدر في خلدي أن أحداً سيقرؤها ..
( نحن الآن في عصر اليوم الأخير من يوميْ بقائنا في عمَّان وسنكون بعد العشاء - إن شاء الله - في مقر حفل الزواج الذي قدمنا من أجله ؛ وبعد الفجر في الطريق إلى القريات حيث موعد سفرنا إلى الرياض في الساعة 9.45 صباحاً
إذن .. لم يبق لنا من وقت نستطيع فيه زيارة الشيخ الألباني إلا هذا عصر هذا اليوم وبعد المغرب إلى العشاء ..
قلت لصاحبي في رحلتي : لم يبق لنا من وقت رحلتنا إلا كذا وكذا ، وإخواننا لم يستطيعوا أن يُدخلونا على الشيخ فلا بد أن نحاول بأنفسنا قبل فوات الوقت .
اتصلت بمضيِّفنا وسألته عن حي الشيخ فقال : أنا آتٍ إليكم الآن فحلفت عليه حلفاً معلقاً بالمشيئة ألا يفعل ولكنه أصر وجاء وحملنا بسيارته إلى حي (ماركا الجنوبية) حيث يسكن الشيخ .
ولما بلغنا مكاناً قريباً من بيته سألنا رجلاً مُسناً يبيع في دكان : أين بيت الشيخ الألباني ؟ فأشار إليه .
بلغْنا منزل الشيخ فإذا هو في مرتفع ، في طريق صغير مسدود لا يكاد يتسع إلا لسيارة واحدة تقف فيه.
وبيت الشيخ في أيمن هذا الطريق الصغير بابه حديدي قديم أزرق إذا دخله الداخل ترقّى في درج أشبه ما يكون بـ(الروشن) تحته أرض فيها شجر . وهو بيت قديم متواضع
وصلتُ أنا وصاحبي إلى الباب ورأيت لوحة بابه وقد كُتب عليها اسم الشيخ بنفس خط اسمه في كتبه
محمد ناصر الدين الألباني
فلما رأيت اسمه خفق قلبي جداً فرحاً ببلوغي بيته ولهفة وشوقاً إلى رؤيته ، ثم طرقت الباب فأجابت امرأة أظنها ابنته عن طريق جهاز الجرس فقلت بعد السلام : إننا نرغب في السلام على الشيخ
فقالت : لا ؛ الشيخ نائم وهو لا يستقبل أحداً ولن تستطيعوا الدخول عليه ، فقلت : إننا شابان قادمان من الرياض نريد السلام على الشيخ ورحلتنا إلى بلدنا غداً وليس لنا من وقت سوى هذا الوقت ونحن بأشد الشوق إلى لقائه ولن نُطيل عليه ولن نشق عليه فأذنوا لنا فندخل ، ولكنها قابلت ما قلته بأسلوب واضح وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً
فلما رأيت أنها تتكلم بجد وخشيت ألا نخلُص إلى الشيخ تحمّستُ في الكلام وزدت في الرجاء
وقلت : إننا نسكن في مكان بعيد وجئنا بعد سؤال وعناء ونحن في أشد الشوق إلى رؤية الشيخ ولن نغادر بلده إلا بعد رؤيته وأطلت الكلام وفصَّلت فيه وحاولت بكل أسلوب ، وصاحبي يضحك من إصراري ويغمز بعينيه كي لا ألحّ في الطلب ، لكنّي –على غير عادتي- لم أزدد إلا إلحاحاً ..
فلمّا رأت المرأة شدة حرصي قالت : لا أستطيع إدخالكم عليه الآن أبداً ، وكل ما أستطيع أن أصنعه أن أحاول أن أدخلكم عليه بعد المغرب ، ولا أضمن لكم ذلك بل المرجح إلا تستطيعوه !!
عند ذلك قلت : سننصرف ، ولكن اعلمي أننا نسكن في وسط البلد وبيننا وبينكم وقت وجهد وسنستأجر سيارة ونتكلف مالاً فلا تردونا جزاكم الله خيراً ، ثم انصرفنا إلى منزلنا
وقبل أذان المغرب بثلث ساعة نزلنا إلى الشارع وركبنا سيارة أجرة وقلنا للسائق : (ماركا الجنوبية)
وصلنا (ماركا جنوبية) وصيلنا المغرب في مسجد قديم من مساجد الحي المتواضع ، ثم جئنا إلى بيت الشيخ وطرقنا الباب فأجابت المرأة وقالت : أننا آسفون .. لن نستطيع إدخالكم !!
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون .. أبعد هذا الجهد وهذا الترجي تقولين هذا ؟ لن ننصرف حتى نرى الشيخ .
فقالت : إنه لا يستطيع مقابلة الناس ويتعبه ذلك . فقلت : لن نجلس معه ولن نتحدث إليه ولن نسأله سؤالاً واحداً .
فرفضتْ فزاد إلحاحي ، فذهبتْ ورجعتْ بعدم الموافقة فزدتُ إلحاحاً –وما أنا بملحاح- فاحضرتْ المرأة امرأةً أخرى (لعلها أمها) فكلّمتها بمثل ما كلمت الأولى فقالت : إنه يتعبه الكلام فقلت : لئن نتكلم معه بكلمة ولن نسأله سؤالاً إنما هو سلام وقبلة رأس والسلام . فقالت : ستقولون له : كيف صحتك !! فقلت : ولا هذه أيضاً .. فقالت : كم أنتم ؟ قلت : اثنان فقط ، قالت: أدخلا ، ولكن على شرطنا ..
ثم فتحت الباب بالجهاز الكهربائي فأسرعنا الدخول حتى صعدنا الدرج ودخلنا الباب فإذا بمدخل صغير فيه باب مفتوح على حجرة أمام الداخل من باب البيت وإذا في الحجرة رفوف عليها كتب قليلة ومنضدة عليها كتب أيضاً وحولها كراسٍ أربعة،
وإذا بنا نفاجأ بأن على أحد هذه الكراسي الأربعة يجلس شخص قد جعل ظهره إلى الداخل إلى الحجرة .
نظرتُ .. فإذا به الشيخ الألباني ذو التسعين عاماً جالساً على كرسي وإذا هو قد نشر كتاباً من الكتب القديمة الصفراء يقرأ فيه وعليه نظارة ذات إطار أسود وإذا هو يلبس طاقية بيضاء وقد نحل جسمه الطوال وخفّت لحيته وطالت من تعاقب السنين .
فلما رأيته دق قلبي وسرت في جسمي نشوة فرح شديدة حتى كاد ينعقد لساني :
وتمنيت أن أرا ** كَ فلما رأيتكا
غلبت دهشة السرو ** ر فلم أملك البُكا
كنت أظن أن سندخل عليه وهو على فراشه أو في حال قريبة من ذلك ، ولكنها الهمة. لكنها الهمة !
تقدمتُ إليه وأتيت عن يساره وقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فمد يده إلى نظارته ببطء وخلعها وقال : وعليكم السلام ، وأطبق الكتاب الذي بين يديه فنظرت إليه فإذا هو مسند الإمام أحمد ( الطبعة الميمنية ) ثم صافحتُه وقبلتُ رأسه وفعل صاحبي مثل ذلك وسألناه عن حاله - نسياناً للشرط - وهو يجيب أحسن جواب ويرحب بهدوء وبطء ثم قبضتُ يده وذكرتُ له حبنا له في ذات الله ورفعتُ يده لأُقّبلها فشدّها وقبضها بقوة وأبى علي أن أقبّلها .
ثم تذكرتُ شرط امرأته فقبّلت رأسه وودعتُه وودعه صاحبي وخرجنا ..
خرجنا وبنا من السرور والاغتباط ما لا يوصف ولا يُحصى بهذا اللقاء القصير لا سيما وقد رأينا بالشيخ من علامات الهرم والتعب ما ظننا معه أننا لو تأخرنا بضعة أشهر فلن نلقاه والعلم عند الله ، ونسأله سبحانه أن يجعله ممن طال عمره وحسن عمله )
هنا انتهى وصف الزيارة ثم صدق حدسنا فقد بقي الشيخ بضعة أشهر ثم قُبض فإنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها . اللهم
صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
** مواضيع سابقة للكاتب /
* الدمعـــة الألبانيـــــــــة (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=115406)
* بمناسبة 11 سبتمبر : مشاهدات داعية شهد تلك الحقبة في الولايات المتحدة الأمريكية (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=116773)
* قصة إسلام الشيخ يوسف استس الأمريكي (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=115172)