غازي1
20-11-2011, 06:16 PM
في الماضي ومنذ ما يزيد على عشرين عاماً حينما كنتُ أعيش في تلك القرية الرملية المعزولة ... يحد منزلنا من جهة الشمال المقبرة ... حيث ذكريات الأموات ... هنا قبر جدي ألأكبر غازي التاسع رحمه الله و هناك قبر جدتي هيله ...و خلف تلك الشجرة قبر جارتنا نوير ...و من جهة الجنوب سور أغنام جارنا حيث أتسلق الجدار الفاصل عصراً و أبدأ ب رمي الجمار أقصد رمي الأحجار على رؤوس الغنمات الضعيفات التي لا تقدر على الصراخ و لا الشكوى ...كنت أشعر بالقوة حيث لا مصادر أخرى لها ... و من جهة الغرب مدرستي و التي يتساوى سورها و الرمال ... فلا حاجة للتوجه للباب ... فقط أرتقي للطعس الذهبي الجميل لأجد نفسي على الجدار ثم أقفز على الخزان و أجد نفسي في فناء السجن الذي أذهب إليه يومياً بقدمي... فأجد أدوات التعذيب الأسواط و خراطيم الماء و الحجارة الصغيرة لقذفها على الطالب النائم آخر الصف ... هذه كانت مدرستنا ... و في جهة الشرق ... الشمس و رواق رملي يفصلنا عن جدار منزل جارتنا التي تجيد التنصت ...هذا الجدار الذي يعتبر هاتف المواعيد بين جارتنا و أمي ... حيث ترمي احداهن على نافذة الأخرى حجراً ...فتخرج رأسها للتحية و بعض الأحاديث ثم التواعد لزيارة بعضهن البعض أو الجارات الأخريات ..
طبعاً لم يكن هناك هاتف مزعج يرن لتجد قريب أو قريبة يسألك : كيف حالك عشرون مرة و في كل مرة تجيبه ب إجابة مختلفة : بخير الله يسلمك ... الحمدلله ...تمام ...ماشي الحال ... و أمي تسلم عليك ... ثم تعيد الإجابات ذاتها لتتساوى و العشرون سؤال ..!
هذا الهاتف الذي عندما أراه الآن أمشي بجوار الحائط و أتعثر و أحاول الفرار منه قبل أن يرن فأكون الأقرب إليه فأضطر للرد و في بعض الأحوال أقوم برفع السماعة و إرخاءها في لمح البصر لأتخلص من سلسلة " كيف الحال " الشهيرة ..!
لا يهم....المهم هو حال هذه القرية البسيطة الهادئة التي تخلو من وسائل الاتصال بالعالم الخارجي آن ذاك حتى عشرين كيلومتراً جهة الغرب ... حيث محطات البنزين و البقالات الكبيرة و الأسواق البسيطة و مجلة ماجد التي أقطع من أجلها المسافة كل أربعاء للحصول عليها ... كنت أقرأها في جلسة واحدة و أشاهد صور أقراني الصغار الذين يعيشون في المدن ... و لديهم صناديق بريد و فاكس يتواصلون عبرهما ل لعالم ب سهولة و يسر ..!
امتلأ صندوق ورقي كبير بالأعداد المتتابعة من المجلة التي أشتريها بـ أربعة ريالات أدخرها من مصروفي كل إسبوع ...و كل يوم أربعاء أقطع عشرين كيلومتراً من أجلها ... أقطع لأجلها الصحراء و الطعوس و أتجاوز الكلاب الشريدة المغلوثه و الحمير و قطعان الماشية حتى غضبت ذات يوم ... و قررت تمزيق صفحة أصدقاء المجلة و هواة التعارف ...ف الجميع يتواصلون مع العالم سواي ... لا ذنب لي أن خلقت في قرية رملية منفية ..!
و في هذه الأثناء خطرت لي فكرة !
ف بعد أن تحولت المجلة أشلاء أمامي ... بقيت منها الصفحات الوردية المختصة ب كتابة المشاركات و إرسالها للمجلة ... كتبت اسمي و ألصقت صورتي الكبيرة التي غطت على جزء كبير من الخانات ... فليس لدي صورة بمقاس 4*6 ...و اختلقت هوايات لم يسبق لي أن مارستها فكتبت " السفر و لعب الغولف " و اخترعت نكتة سخيفة لكتابتها في خانة النكت ... فلم يسبق لي أن سمعت نكتة .. ووضعت مشكلة من رأسي فلم يسبق لي أن عاصرت مشكلة و ذلك ل وضعها في الصفحة التي تحمل عنوان " أنا عندي مشكلة ".. وكتبت لهم معلومة نقلتها من عدد سابق من المجلة فلا يوجد لدي كتب لأضع منها المعلومات غير كتب المدرسة ثمّ وضعتها في مغلف كتبت عليه عنوانهم ... و كان هناك خانة طابع البريد الذي لم أره في حياتي ..!
ثمّ قررت مواجهة مضاوي ..!
سألت أمي عن صندوق بريد أرسل منه رسالتي الهامة للمجلة ف ضحكت و ضحكت عمتي ...و ضحكت جدتي .. و عقب أن أنهوا حفلة الضحك التي كنت أقف بها مشاهداً أخبرتني أمي أن في البقالة القريبة صندوق بريد يرسل منه البنغال و الهنود رسائلهم لأهلهم و طلبت مني أن أعطيها الرسالة لتأخذها أليهم ..!
جلبت رسالتي و كلي أمل ...س أرى صورتي في المجلة س أخرج من قريتي المعزولة و لو بصورة... تكفيني أن تخرج صورتي بدلاً مني
س تخرج مشاركاتي و س أرى اسمي " غازي1 " و س يراسلني أصدقائي عبر صفحة التعارف وس أذهب للبقالة كلّ مرة و س يراني البنغالي ل يخبرني أن هناك الكثير من الرسائل تنتظرني و أنا أنظر أليه ب شموخ ف ليس لديه سوى أهله في بنغلاديش و لا يعرفه أحد ..!
و مضت سنتان , و أنا أمخر عباب العشرون كيلومتراً ذهاباً و أياباً ... أفتش عن صورتي و مشاركاتي .. أذهب للبقالة و أسأل أن وصلتني رسائل أم لا ..! لكن لا مجيب ..!
ثم جاء ذلك اليوم .. الذي دخلت به ل مخزن المنزل لأبحث عن شيء ... عادة ما أدخل المنزل و أبحث عن أي شيء مفيد أو قديم .. فهذا نوع من التسلية لدي أن أدفن رأسي في المخزن الأثري ... و أبحث ف أنا قروي بسيط لا ملاهي و لا سبيس تون و لا ام بي سي و لا نوادي رياضية و لا شيء ... فقط أتأمل الجهات الأربع المحيطة بمنزلنا و أقرر أن أمضي إلى ما يطمئن إليه قلبي ..!
نبشت و نبشت : ساعة قديمة ..جهاز تسجيل قديم ..كتب قديمة ..سجادة مصنوعة من الخوص أقلام مغبرة حتى وجدت بين الكتب رسالة تغير لونها و مزق الزمن أطرافها ...عقب قراءة العنوان المدون كانت رسالتي التي كنت أنتظر نشرها سنتين كاملتين و أشهر ..!
واجهت مضاوي ... و اعترفت بضحكة أخرى ورضيت انا ب الواقع المرير وصببت جام غضبي على البعارصه وأغنام جارنا المسكين ...
اليوم ب أمكاني أن اضع صورتي وأرسل رسائل الحب والسلام عبر هذا الجهاز وأنا متكيء اكل الشيبس المروح وأشرب ببس
شكراً
المخلص/غازي
طبعاً لم يكن هناك هاتف مزعج يرن لتجد قريب أو قريبة يسألك : كيف حالك عشرون مرة و في كل مرة تجيبه ب إجابة مختلفة : بخير الله يسلمك ... الحمدلله ...تمام ...ماشي الحال ... و أمي تسلم عليك ... ثم تعيد الإجابات ذاتها لتتساوى و العشرون سؤال ..!
هذا الهاتف الذي عندما أراه الآن أمشي بجوار الحائط و أتعثر و أحاول الفرار منه قبل أن يرن فأكون الأقرب إليه فأضطر للرد و في بعض الأحوال أقوم برفع السماعة و إرخاءها في لمح البصر لأتخلص من سلسلة " كيف الحال " الشهيرة ..!
لا يهم....المهم هو حال هذه القرية البسيطة الهادئة التي تخلو من وسائل الاتصال بالعالم الخارجي آن ذاك حتى عشرين كيلومتراً جهة الغرب ... حيث محطات البنزين و البقالات الكبيرة و الأسواق البسيطة و مجلة ماجد التي أقطع من أجلها المسافة كل أربعاء للحصول عليها ... كنت أقرأها في جلسة واحدة و أشاهد صور أقراني الصغار الذين يعيشون في المدن ... و لديهم صناديق بريد و فاكس يتواصلون عبرهما ل لعالم ب سهولة و يسر ..!
امتلأ صندوق ورقي كبير بالأعداد المتتابعة من المجلة التي أشتريها بـ أربعة ريالات أدخرها من مصروفي كل إسبوع ...و كل يوم أربعاء أقطع عشرين كيلومتراً من أجلها ... أقطع لأجلها الصحراء و الطعوس و أتجاوز الكلاب الشريدة المغلوثه و الحمير و قطعان الماشية حتى غضبت ذات يوم ... و قررت تمزيق صفحة أصدقاء المجلة و هواة التعارف ...ف الجميع يتواصلون مع العالم سواي ... لا ذنب لي أن خلقت في قرية رملية منفية ..!
و في هذه الأثناء خطرت لي فكرة !
ف بعد أن تحولت المجلة أشلاء أمامي ... بقيت منها الصفحات الوردية المختصة ب كتابة المشاركات و إرسالها للمجلة ... كتبت اسمي و ألصقت صورتي الكبيرة التي غطت على جزء كبير من الخانات ... فليس لدي صورة بمقاس 4*6 ...و اختلقت هوايات لم يسبق لي أن مارستها فكتبت " السفر و لعب الغولف " و اخترعت نكتة سخيفة لكتابتها في خانة النكت ... فلم يسبق لي أن سمعت نكتة .. ووضعت مشكلة من رأسي فلم يسبق لي أن عاصرت مشكلة و ذلك ل وضعها في الصفحة التي تحمل عنوان " أنا عندي مشكلة ".. وكتبت لهم معلومة نقلتها من عدد سابق من المجلة فلا يوجد لدي كتب لأضع منها المعلومات غير كتب المدرسة ثمّ وضعتها في مغلف كتبت عليه عنوانهم ... و كان هناك خانة طابع البريد الذي لم أره في حياتي ..!
ثمّ قررت مواجهة مضاوي ..!
سألت أمي عن صندوق بريد أرسل منه رسالتي الهامة للمجلة ف ضحكت و ضحكت عمتي ...و ضحكت جدتي .. و عقب أن أنهوا حفلة الضحك التي كنت أقف بها مشاهداً أخبرتني أمي أن في البقالة القريبة صندوق بريد يرسل منه البنغال و الهنود رسائلهم لأهلهم و طلبت مني أن أعطيها الرسالة لتأخذها أليهم ..!
جلبت رسالتي و كلي أمل ...س أرى صورتي في المجلة س أخرج من قريتي المعزولة و لو بصورة... تكفيني أن تخرج صورتي بدلاً مني
س تخرج مشاركاتي و س أرى اسمي " غازي1 " و س يراسلني أصدقائي عبر صفحة التعارف وس أذهب للبقالة كلّ مرة و س يراني البنغالي ل يخبرني أن هناك الكثير من الرسائل تنتظرني و أنا أنظر أليه ب شموخ ف ليس لديه سوى أهله في بنغلاديش و لا يعرفه أحد ..!
و مضت سنتان , و أنا أمخر عباب العشرون كيلومتراً ذهاباً و أياباً ... أفتش عن صورتي و مشاركاتي .. أذهب للبقالة و أسأل أن وصلتني رسائل أم لا ..! لكن لا مجيب ..!
ثم جاء ذلك اليوم .. الذي دخلت به ل مخزن المنزل لأبحث عن شيء ... عادة ما أدخل المنزل و أبحث عن أي شيء مفيد أو قديم .. فهذا نوع من التسلية لدي أن أدفن رأسي في المخزن الأثري ... و أبحث ف أنا قروي بسيط لا ملاهي و لا سبيس تون و لا ام بي سي و لا نوادي رياضية و لا شيء ... فقط أتأمل الجهات الأربع المحيطة بمنزلنا و أقرر أن أمضي إلى ما يطمئن إليه قلبي ..!
نبشت و نبشت : ساعة قديمة ..جهاز تسجيل قديم ..كتب قديمة ..سجادة مصنوعة من الخوص أقلام مغبرة حتى وجدت بين الكتب رسالة تغير لونها و مزق الزمن أطرافها ...عقب قراءة العنوان المدون كانت رسالتي التي كنت أنتظر نشرها سنتين كاملتين و أشهر ..!
واجهت مضاوي ... و اعترفت بضحكة أخرى ورضيت انا ب الواقع المرير وصببت جام غضبي على البعارصه وأغنام جارنا المسكين ...
اليوم ب أمكاني أن اضع صورتي وأرسل رسائل الحب والسلام عبر هذا الجهاز وأنا متكيء اكل الشيبس المروح وأشرب ببس
شكراً
المخلص/غازي