دانة الكون
01-02-2012, 04:23 AM
السؤال : هل يجوز قول الرجل : ( بعذر الله بي يوم أنه سوى بي كذا وكذا ) ؟
الجواب :
الحمد لله
إن الإسلام عظَّم شأن الكلمة التي يتكلم بها المرء , ولذلك جاء التحذير من إلقاء الكلام على عواهنه ، قال تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
قال النووي رحمه الله :
إذا أراد أن يتكلم : فإن كان ما يتكلم به خيراً محقّقاً يثاب عليه ،واجباً ، أو مندوباً : فليتكلم , وإن لم يظهر له أنه خيرٌ يثاب عليه : فليمسك عن الكلام ، سواء ظهر له أنه حرام ، أو مكروه ، أو مباح مستوي الطرفين ، فعلى هذا : يكون الكلام المباح مأموراً بتركه ، مندوباً إلى الإمساك عنه ، مخافة من انجراره إلى المحرم ، أو المكروه , وهذا يقع في العادة كثيراً ، أو غالباً ، وقد قال الله تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
"شرح مسلم" (2/19) .
وهذه الجملة الوارد ذِكرها في السؤال : قبيحة اللفظ ، سيئة المعنى ، وهي تحتمل في طياتها معنى لا يليق بالله سبحانه , وكأن العبد له أن يعذر الله ، أو لا يعذره ! أو ربما لا يعذره في بعض الأمور ؛ لأن الله – في ظنه – يظلمه - والعياذ بالله- , والله تعالى يقول : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23 ، وذلك لكمال حكمته وعلمه وعدله ومشيئته ، ويقول : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/44 .
قال ابن كثير رحمه الله في بيان حكمة الله فيما يشرع :
فهو الحاكم ، المتصرف في ملكه بما يشاء ، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون ؛ لعلمه ، وحكمته ، وعدله ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/ 44 ، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ربه عز وجل : (يَا عِبَادي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمُ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا) – رواه مسلم -
"تفسير ابن كثير" (4/271) .
ومن اعتقد في ربه تعالى أن له كمال العلم ، وكمال العدل ، وكمال الحكمة : لم تصدر منه هذه الكلمة ، ولا مثيلاتها ، وليعلم كل عبدٍ أن الله تعالى لا يؤاخذه على كل ما يعمل ، وأنه لو آخذ تعالى الناس بكل ما عملوا ما ترك على ظهر الأرض أحداً ، ولذا فإنه تعالى يعفو عن كثير ، وما يؤاخذ به فهو القليل من أفعال العباد ، قال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61 ، وقال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) فاطر/ 45 .
والصحيح في هذه الآيات ومثيلاتها أنها عامة في الكفار والمسلمين ، كما حققه العلاَّمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (2/390 – 393) .
وبه يعلم المسلم أن ما أصابه من مصائب وعقوبات إنما هو بسبب ذنوبه ، وما اكتسبته يداه ، ولم يظلمه ربه تعالى ، بل قد عفا عن كثيرٍ من زلاته ، كما قال تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30 .
قال ابن كثير رحمه الله :
وقوله : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي : مهما أصابكم أيها الناس من المصائب : فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم ، (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي : من السيئات ، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها ، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) فاطر/ 45 .
"تفسير ابن كثير" (4/433) .
فالله تعالى لا يحتاج أن يعذره عباده ، فهم الظالمون لأنفسهم ، والمقصرون في شكر نعمه ، والقيام بحقه .
فعلى المسلم ألا يتلفظ بهذه الكلمة ، ومن تلفظ بها فعليه أن يتوب منها ويستغفر ، ويندم على قولها، ويعزم على عدم العود لها .
وهذا الذي قلناه إنما هو بحسب ما ظهر لنا من معنى الكلمة ، فإن كان المتكلم بها يريد معنىً آخر ، فالله أعلم .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الجواب :
الحمد لله
إن الإسلام عظَّم شأن الكلمة التي يتكلم بها المرء , ولذلك جاء التحذير من إلقاء الكلام على عواهنه ، قال تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
قال النووي رحمه الله :
إذا أراد أن يتكلم : فإن كان ما يتكلم به خيراً محقّقاً يثاب عليه ،واجباً ، أو مندوباً : فليتكلم , وإن لم يظهر له أنه خيرٌ يثاب عليه : فليمسك عن الكلام ، سواء ظهر له أنه حرام ، أو مكروه ، أو مباح مستوي الطرفين ، فعلى هذا : يكون الكلام المباح مأموراً بتركه ، مندوباً إلى الإمساك عنه ، مخافة من انجراره إلى المحرم ، أو المكروه , وهذا يقع في العادة كثيراً ، أو غالباً ، وقد قال الله تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
"شرح مسلم" (2/19) .
وهذه الجملة الوارد ذِكرها في السؤال : قبيحة اللفظ ، سيئة المعنى ، وهي تحتمل في طياتها معنى لا يليق بالله سبحانه , وكأن العبد له أن يعذر الله ، أو لا يعذره ! أو ربما لا يعذره في بعض الأمور ؛ لأن الله – في ظنه – يظلمه - والعياذ بالله- , والله تعالى يقول : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23 ، وذلك لكمال حكمته وعلمه وعدله ومشيئته ، ويقول : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/44 .
قال ابن كثير رحمه الله في بيان حكمة الله فيما يشرع :
فهو الحاكم ، المتصرف في ملكه بما يشاء ، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون ؛ لعلمه ، وحكمته ، وعدله ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/ 44 ، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ربه عز وجل : (يَا عِبَادي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمُ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا) – رواه مسلم -
"تفسير ابن كثير" (4/271) .
ومن اعتقد في ربه تعالى أن له كمال العلم ، وكمال العدل ، وكمال الحكمة : لم تصدر منه هذه الكلمة ، ولا مثيلاتها ، وليعلم كل عبدٍ أن الله تعالى لا يؤاخذه على كل ما يعمل ، وأنه لو آخذ تعالى الناس بكل ما عملوا ما ترك على ظهر الأرض أحداً ، ولذا فإنه تعالى يعفو عن كثير ، وما يؤاخذ به فهو القليل من أفعال العباد ، قال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61 ، وقال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) فاطر/ 45 .
والصحيح في هذه الآيات ومثيلاتها أنها عامة في الكفار والمسلمين ، كما حققه العلاَّمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (2/390 – 393) .
وبه يعلم المسلم أن ما أصابه من مصائب وعقوبات إنما هو بسبب ذنوبه ، وما اكتسبته يداه ، ولم يظلمه ربه تعالى ، بل قد عفا عن كثيرٍ من زلاته ، كما قال تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30 .
قال ابن كثير رحمه الله :
وقوله : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي : مهما أصابكم أيها الناس من المصائب : فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم ، (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي : من السيئات ، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها ، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) فاطر/ 45 .
"تفسير ابن كثير" (4/433) .
فالله تعالى لا يحتاج أن يعذره عباده ، فهم الظالمون لأنفسهم ، والمقصرون في شكر نعمه ، والقيام بحقه .
فعلى المسلم ألا يتلفظ بهذه الكلمة ، ومن تلفظ بها فعليه أن يتوب منها ويستغفر ، ويندم على قولها، ويعزم على عدم العود لها .
وهذا الذي قلناه إنما هو بحسب ما ظهر لنا من معنى الكلمة ، فإن كان المتكلم بها يريد معنىً آخر ، فالله أعلم .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب