مشاهدة النسخة كاملة : بشائر الفضل الإلهي[يوم القيامة والدار الآخرة]
اهل الصفاء
01-03-2012, 04:18 AM
البشرى الرابعة والستون بشرى الهناء تحت اللواء
أول البشريات هى أمر يتعلق بأول ما يخطر على البال أو تتفكر فيه العقول أين نذهب إذا خرجنا من القبور وكيف نستدل على حبيبنا وسط هذه الجموع من خلق الله من آدم إلى ما شاء الله والإجابة يا إخوانى أن حبيبنا هو الواحد الأوحد يوم القيامة الذى سيسمح له بحمل اللواء لواء واحد فقط يسلم يوم القيامة لنبى واحد فقط واحد من الخلق يسمح له الحق ويلهمه الخالق الرحمن بأقوال ومحامد فوق العقل والإمكان فيحمل لواء حمد الرحمن نائباً عن خلق جميع الأكوان وهو لواء يراه الكل على بعد المكان فترى اللواء حيثما كنت من أرض المحشر فتعلم أنه لواء الحمد بيد الحبيب وكل فرد من أمته هو منه قريب ولو كنت فى أبعد بقعة من أرض المحشر فليس أحد من أتباعه عنه ببعيدفتفرح وتهنأ وتسعد .. وبيد نبيك وحبيبك لواء الحمد عن كافة الخلق أنظر بعين قلبك أنظر الحبيب يحمل اللواء وهو الأوحد الذى يسمح له بالحمد والإلقاء بين يدى خالق أرض المحشر ودار البقاء وأنت يا أخى من أتباعه فيا للسعادة والهناء وأنت واقف معه تحت اللواء فكما كنت فى الدنيا تحت لواء سنته فأنت فى الآخرة تحت لواء حمده وشكره ومنته فيثبت للخلق أجمعين أنه خير البرية ولا أحداً فوقه فى المزية فأعظمت من بشرى وعطية للأمة المحمدية وهى البشرى التى قال فى حديثه عنها بياناً لهذه الخصوصية عندما خرج على أصحابه الكرام وهم يتعجبون من فضل الله على أنبيائه ورسله وقد سمع حديثهم فقال {قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إنَّ إِبْرَاهِيمَ خَليلُ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلاَ فَخْرَ، وأنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ وَلاَ فَخْرَ }[1] { أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجاً إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا، لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبي وَلاَ فَخْرَ}[2] فكان عطاء الله تعالى لأمة النبى الخاتم أمة النبى الشفيع المُشفع حبيب الله! أول من تنشق عنه الأرض وصاحب لواء الحمد وخطيب الخلق الذى يسمح له بالكلام بين يدى الحق! وأول من يشفع ويشفع! وأول من يدخل الجنة ويحرك حلقها لفتح أبوابها! وهل يحرك حلق الأبواب ويأمر بفتحها غير صاحبها أو من هو حقيق بها! صاحب الحوض المورود والكوثر المشهود فى هذا اليوم الموعود فله عطاءٌ غير محدود فوالله لو سجدنا لله شكرا طول عمرنا ما وفَّينا شكر لمحة واحدة من تلك البشرى فهذا الرسول الأعظم صاحب كل ما ذكر وتقدم حبيبنا ونبينا يعرف كل واحد فينا باسمه ونسبه ووصفه ورسمه فممَ نخاف إذاً! وقد أعد الله لنا يوم لقاءه من الفضل الكبير والأجر العظيم والتكريم الذي ليس له شبيه ولا نظير تحت لواء البشير النذير وباقى الخلق فى شر مستطير أو خوف وهلع كبير ونحن الأحباب تحت اللواء فى الرحاب نطالع وجه بعضنا ونبصر حبيبنا ونبينا وهو يخطب فى الخلق أجمعين إنه قائدنا وزعيمنا قال الشيخ عبد الرحيم الطباطبائى:
وَأَعلى لَهُ بَينَ الخَلائِقِ مَنصِباً رَفيعَ الذَرى مِن دونِهِ الرُسُل تَمتَد
أَلَيسَ لَهُ بِدءُ الشَفاعَةِ في غَد وَقَد حارَت الأَلبابُ وَالكُربُ مُشتَد
أَلَيسَ مَلاذُ الخَلقِ في ظِلِّ عِزِّهِ أَلَيسَ لِواءَ الحَمدِ يَنثُرُهُ الحَمدُ
أَلَيسَ جِنانَ الخُلدِ يَفتَحَها لَهُ وَلَولاهُ ما كانَت جِنانٌ وَلا خُلدُ
فَيا خَيرُ خَلقِ اللّهِ مَجداً وَمُحتَداً وَنَفساً وَأَخلاقاً بِها عرف المَجد
وَيا خيرَة الرَحمنِ مِن كُلِّ خَلقِهِ وَيا سَبَبَ الايجادِ لِلخَلقِ إِذ أَبدوا
وَيا مُرتَجى العاني إذا ضاقَ ذَرعُهُ وَيا مُلتَجى الجاني إِذا راعَهُ الصَد
وَأَنتَ لَكَ الجاهَ العَريضَ لَكَ الثَنا لَكَ المَنصِبُ العالي مِنَ اللّهَ وَالمَجد
فكُن لي شَفيعاً إِذ أُقَدِّم حافِياً وَمالي مِنَ الأَعمالِ سَعد وَلا مَعد
البشرى الخامسة والستون من القبور إلى الحور والسرور
أما هذه البشرى فيا بشرى من كانوا من أهلها بشرى تطير لها العقول وتهفو لها الأرواح والأفئدة أناس إذا انشقت عنهم القبور بعد النفخ فى الصور ونزلت الأرواح فى الأجساد فاستنشقوا نسيم الآخرة بقدرة المنعم الجواد أنبت الله لهم ريشاً وأجنحة فطاروا من قبورهم لايوقفهم أحد لأنه تحملهم قدرة الواحد الأحد فوق رؤوس الخلق وليس كمثلهم أحد! .. قال فيهم الفرد المعتمد من الله الصمد{ إذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَنْبَتَ اللَّه تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنْ أُمَّتِي أَجْنِحَةً فَيَطِيرُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى الجِنَانِ يَسْرَحُونَ فِيها وَيَتَنَعَمُونَ فِيها كَيْفَ شَاؤُوا، فَتَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةَ: هَلْ رَأَيْتُمُ الحِسَابَ؟ فَيَقُولُون: ما رَأَيْنَا حِسَاباً، فَتَقُولُ لَهُمْ: هَلْ جُزْتُمُ الصِّرَاطَ؟ فَيَقُولُونَ: ما رَأَيْنَا صِرَاطاً، فَتَقُولُ لَهُمْ: هَلْ رَأَيْتُمْ جَهَنَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: ما رَأَيْنَا فَتَقُولُ المَلائِكَة: مِنْ أُمَّةِ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ }[3] { فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمْ أَجنِحَةً مِنْ ذَهَبٍ مَخُوَّصَةً بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ فَيَطِيرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَهُمْ بِمَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ أَعْرَفُ مِنْهُمْ بِمَنَازِلِهِمْ فِي الدُّنْيَا }[4] ويؤيد تلك البشرى قول الله
[إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ] بعيدون عن الموقف وجهنم وغير ذلك[لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا] لا يسمعون صوتها الذى يسمع على مسيرة خمسمائة عام! إذاً أين هم؟[وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ] فتسألهم الملائكة أمام الخلائق وهم يطيرون إلى قصورهم{ نَاشَدْنَاكُمْ اللَّهَ حَدِّثُونا ما كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ: خَصْلَتَانِ كَانَتَا فِينا فَبَلَغْنَا هذِهِ المَنْزِلَةَ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ فَيَقُولُونَ: وَما هُمَا؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا إذا خَلَوْنَا نَسْتَحِي أَنْ نَعْصِيه وَنَرْضَى بِاليَسِيرِ مِمَّا قُسِمَ لَنَا، فَتَقُولَ المَلائِكَةُ: يَحِقُّ لَكُمْ هذا }[5] هؤلاء يدخلون قصورهم ويجلسون فى شرفاتها ويشهدون ما يحدث فى العرض والحساب من الله لأهل الموقف وهم فى الجنة، يقول الله u فيهم وفي شأنهم[عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ] فهؤلاء لهم تلك البشرى بماذا؟ عسانا نكون منهم أو نفعل مثلهم؟ هم الذين كانوا يخشون الله فى السر والعلن وفى الخلأ والملأ ويرضون بالقليل من الرزق المقدر لهم، ومنهم قوم تعرضوا للمحن والبلاء والفتن فصبروا على أمر الله ولم يشكوا الله، وهم مع ذلك يسعون فى إزالة أسباب البلاء ويرضون بما قسم الله لهم من الخير والعطاء أو النتيجة مع السعى والإجتهاد ... قال القائل فى مقام هؤلاء:
يترقبون النفخة الـأولى وأخرى ثانية
آها لـها من نفخة جمعت جسوما باليه
وبها لقد كشفت لـها منها سرائر خافيه
وتطايرت فيها الخطوط أيامنا وشماليه
فاز السعيد بها فطار الى القصور العاليه
بجناح نبت بقدرة الله العظيم الوافيه
سهاما تطير فوق الرؤوس الشاخصات الرانيه
فتعجبت منها الملائك فاستوفقتهم راجيه
من أنتمو وما عملــتم فى الأيام الماضيه
نبينا محمد والحياء سبيلــنا فى الأوقات الخافيه
كما رضينا بفعــلـه فى الأقدار القاسيه
وقال أحد الصالحين يسأل الله تعالى أن يكرمه بتلك المقامات الراقية من الحفظ من الحساب يوم الحساب:
يا إلهي هبنا عطاياك تترى من علوم والخير والإيقان
وعلى منهج القران أمتني واجعل القبر روضة من جنان
واحفظني من الحساب امنحني يوم ألقاك واسع الإحسان
البشرى السادسة والستون بشرى خطاب الأحباب فى السنة والكتاب
وتتوالى البشريات ولكى تتفتح عيون القلوب شيئاً فشيئاً على أفنان البشريات وتجليات الكرامات التى أعدت لسيد السادات سآتى لكم وأعرض عليكم نص خطاب الله العزيز الوهاب للأحباب كما ورد فى السنة والكتاب هل تدرون ما بشرى خطاب الأحباب يا أحباب؟ ونبدأ لكم ببشرى خطاب الله لأهل الإيمان يوم لقاء الملك الديان فى القرآن ففى القرآن خاطب الله أهل الإيمان وأنزل عليهم البشريات المتواليات من سحب الرحمة والحنان إذ قال {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}فخاطبهم بنداء القريب للقريب ونسبهم لذاته ليشعرهم بقربهم منه وقربه منهم فألبسهم ثوب الأمن والأمان وخلع عنهم جميع ثياب الخوف وكساهم ثياب الخير والإحسان والسعادة والهناء والحنان فيا بشرى من سمع النداء وكما قال الكثير من العلماء أنه أمنهم من الخوف والحزن فبشرى تأمينهم من الخوف أن أمنوا على أنفسهم أما بشرى تأمينهم من الحزن أن أمنوا على أهلهم وأحبابهم من قبلهم وبعدهمً وذلك مذكور فى بشريات أخرى فى كتابنا أما البشرى التى ساقها الحبيب المصطفى فهو تتجلى فى أول خطاب يدور بين الله وبين عباده المؤمنين من الذى يعرف هذه الأسرار ؟ من تظنون إنه النبى المختار يقول منبئاً عن العزيز الغفار بأول ما سيدور من الحديث بين الربِّ وعباده المؤمنين{إنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوّلُ مَا يَقُولُ الله تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا أَوّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبّنَا. فَيَقُولُ: لِمَ؟ فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ عَفْوِي وَمَغْفِرَتِي }[6] ولذا أكد الحبيب هذه الحقيقة العلية بوصف الرحمة الربانية التى أعدت للأمة المحمدية فأعظم أبواب الرحمة قد أدخرها الله لعباده يوم لقائة كما قال{إِنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ، قَسَمَ مِنْهَا رَحْمَةً بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا فَوَسِعَتْهُمْ إِلى آجالِهِمْ، وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لأَوْلِيَائِهِ، وَإِنَّ الله قابضٌ تِلْكَ الرَّحْمَةَ الَّتي قَسَمَها بَيْنَ أَهْلِ الدُّنْيَا إلى تِسْعٍ وَتِسْعِينَ فَكَملَها مائةَ رَحْمَةٍ لأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[7]
قال سيدنا الإمام على فى أحداث يوم القيامة:
إِذا قَرُبَتْ سَاعَةٌ يا لَها وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَها
تَسِيرُ الجبالُ على سُرْعَةٍ كَمَرِّ السِّحَابِ تَرَى حَالَها
وَتَنْفَطِرُ الأَرْضُ مِنْ نَفْخةٍ هُنَالِكَ تُخْرِجُ أَثْقَالَها
وَلا بُدَّ مِنْ سائلٍ قائِلٍ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئذٍ ما لـها
يُحَدِّثُ أَخْبارَها رَبُّها وَرَبُّكَ لا شَكَّ أَوْحَى لـها
تَرَى النَّفْسُ ما عَمِلَتْ مُحْضَرا ولو ذَرَّةً كان مِثْقَالَها
يحاسِبُها مَلَكٌ قادِرٌ فإِمّا عَلَيها وإمّا لـها
تَرَى النَّاسَ سَكرى بلا خَمْرةٍ وَلَكِنْ تَرَى العَيْنُ ما هَالَها
[1] عن ابن عباس سنن الترمذى قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
[2] سنن الترمذي عن أنس.
[3] الإحياء، وفى تخريج الإحياء للحافظ العراقى: رواه ابن حبان في الضعفاء وأبو عبد الرحمن السلمي من حديث أنس مع اختلاف
[4] جامع الأحاديث والمراسيل عن صهيب
[5] إحياء علوم الدين، وطبقات الشافعية الكبرى، وتخريج أحاديث الإحياء للعراقى
[6] رواه وأحمد والطبراني عن معاذ بن جبل
[7] صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنما اتفقا فيه على حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وسليمان التيمي عن أبي عثمان، عن سلمان مختصراً.
الدووووخي
01-03-2012, 01:56 PM
الله يجزاااااااااك خير .
اهل الصفاء
02-03-2012, 11:15 AM
شكرا أخى الكريم الدوووخى وبارك الله فيك
اهل الصفاء
02-03-2012, 11:16 AM
البشرى السابعة والستون الحشر فى جماعات
وبعد أن رأينا البشرى العظيمة بالرحمة العظمى من الله لأهل الإيمان نتجول معاً بين أفنان و أزاهير البشريات العظيمة التى لا منتهى لها ولا حد مما أعد الله تعالى لأحبابه يوم السعد والوعد ومن أوائل تلك البشريات أننا سنكون معا فى الحشر كما نحن معاً فى الدنيا فكل جماعة كانوا مع بعض فى الدنيا سيذهبون مع بعض في البرزخ ويكونوا مع بعض فى الآخرة وهذا هو كلام الله [وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً] سيدخلون الجنة مع بعض وكذلك فى الآخرة والحشر فهى بشرى عظيمة تجعل الإنسان يسارع إلى أهل الإيمان ويندس فى صفوفهم ويجعل نفسه دائماً فى وسطهم وبينهم حيث أشار الله إشارة صريحة فى القرآن بأن أهل الجنان لن يدخلون فرادى وإنما زمراً أى جماعات كل جماعة مع بعض وكذلك الذين يحشرون إلى الله الذين يحشرون إلى الجنة جماعات والذين يحشرون إلى فضل الله وكرم الله والنظر إلى جميل طلعة الله وحسن جماله وبهاه جماعات إذاً سيذهبون إلى الآخرة مع بعض ويدخلون الجنة مع بعض فسندخل معاً وسنخرج من هنا معاً وندخل هناك معاً ولذلك سأل الرجل رسول الله {متى الساعة يارسولَ الله؟ قال: ما أعدَدتَ لها؟ قال: ما أعدَدتُ لها من كثير صلاة ولا صَوم ولا صدَقة ولكني أُحبُّ الله ورسوله قال: أنتَ معَ من أحبَبْتَ}[1]وقال الله {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً }ولذلك فلتختر لنفسك الجماعة التى تريد أن تنتسب إليها فى الدنيا ودقق الإختيار فهى من ستحشر معها فى الآخرة ولذا لما مدح رسول الله إجتماع أهل الإيمان مدحه أنه إجتماع وَحَّدَهم حتى صاروا كجسد واحد فقال{مَثَلُ المؤمنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذَا اشْتَكَىَ منهُ عُضْوٌ تَدَاعَى سائرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى}[2] مثلهم فى فى أى مكان فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد المجتمع كأنه رجل واحد فإذا اشتكى منه عضو هبَّ له باقى الأعضاء بالمعونة لأنه هكذا الجسد إذا اشتكى سنك أو مرضت عينك؟ هل لا يهتم باقى جسدك؟ بل كلنا يعرف ماذا يحدث لكل الجسم فينقلب حاله كله لشوكة شاكته فهكذا حال اجتماع المؤمنين وتآلفهم فى الدنيا وهكذا يكونوا معا يوم الدين فيمنًّ الله عليهم بدوام حالهم هذا فى الآخرة فأى أذى يصيب أحدهم لا يسكتون عنه كما كانوا يفعلون فى الدنيا فيحشرهم سبحانه فى الجماعات التى كانوا عليها فى الدنيا وهذه من أعظم البشريات فحمداً لله على بشراه قال أمية بن أبى الصلت :
ويوم موعدهم أن يُحشروا زُمراً يومُ التغابن إذْ لا ينفع الحذرُ
مستوسقين مع الداعي كأنّهم رجْلُ الجراد زفته الريح تنتشر
وأُبرزوا بصعيد مستوٍ جُرزٍ وأُنزل العرشُ والميزان والزّبُرُ
وحوسبوا بالذي لم يحصه أحد منهم وفي مثل ذاك اليوم معتبر
فمنهم فرحٌ راضٍ بمبعثه وآخرون عَصَوْا مأواهمُ السَّقرُ
فذاك عيشهُمُ لا يبرحون به طول المقام وإن ضجَّوا وإن ضجروا
وآخرون على الأعراف قد طمعوا بجنةٍ حفَّها الرُّمانُ والخَضِرُ
البشرى الثامنة والستون إجتماع الأهل والخلان معاً فى الجنان
وما أعلى وأحلى تلك البشرى فما يزال الواحد وهو يجلس بين أهله وأبنائه يسأل نفسه أين يكون كل واحد يوم الحشر وماذا نفعل وكلنا يعمل عمله على قدره فتأتى البشرى ويالها من بشرى واسمع للحبيب المصطفى والنبى المجتبى وهو يبشِّر بجمع الشمل على الشمل بعد أن بشرنا بجمع الزمر والجماعات يدخل داخل تلك الزمر ويجمع الأفراد مع أهلهم والأبناء مع آبائهم فالله أكبر على المنحة والفضل ولذلك سيدنا رسول الله طمئننا وأشار فقال{إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ سأَلَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَزَوْجِتِهِ وَلَدِهِ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا دَرَجَتَكَ وَعَمَلَكَ فَيَقُولُ: يَا رَب قَدْ عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ فَيُؤْمَرُ بِالْحَاقِهِمْ بِهِ ِ}[3]هل سمعتم يسأل الرجل عن أبويه وزوجته وولده ولنفكر قليلاً كل واحد فينا له والدان وله أبناء وزوجة؟ وكذلك إن كنت أباً فأنت أيضاً إبن لأب سيسأل عنك كما تسأل عن أبنائك وابنائك سيسألون عنك وكذا الزوجة فهى إبنة لأب سيسأل عنها وأبنائها سيسألون عن أمهم فلو تفكر عاقل فى تلك السلاسل المترابطة أين ستقف ؟هل تستشعرون معنى البشرى يا إخوانى ألا تحسُّون أنه لو نجا حتى واحدٌ فقط! فكم يمكن أن يأخذ معه ببركة تلك البشرى صدق الله{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} كل واحد يأخذ زوجته فى يده ويدخلا معاً الجنة كالعُرس الأولاد {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وإنما نحن مع بعض وننفع بعضنا ولا أحد منا يفرّ من أخيه بل سنبحث عن بعضنا ولا تتوقف تلك البشرى عند حدود الأهل وفقط لا بل تأخذ معها الأحباب فى الله والخلان الذين اجتمعوا على الله وافترقوا عليه! ولذا ورد {إنّ أحد الأخوين في اللّه إذا مات قبل صاحبه وقيل له: ادخل الجنة سأل عن منزل أخيه فإن كان دونه لم يدخل الجنة حتى يعطي أخوه مثل منازله قال: ولا يزال يسأل له من كذا وكذا فيقال إنه لم يكن يعمل مثل عملك فيقول: إني كنت أعمل لي وله قال: فيعطي جميع ما سأل له ويرفع أخوه إلى درجته معه }[4]
ولله در القائل الحكيم فى تلك البشرى العظيمة:
وسيق المفردون لجناتهم ومعهم تدخل أرحامهم
والفضل يترى ولا ينتهى وبالبشرى ترفعُ آبائُهم
وأزواجهم تمضى فى سربهم ولا يحرم الفضل أبناءُهم
تصديق ربى فى قوله ادخلوا الجنان وأزواجكم
فلا يرضون وأحدٌ لهم فى النار تكوى أبشارهم
ويسعد بالفضل أخوانهم ومن فى الله اجتمعوا بهم
فإن خفَّت بهم موازينهم أو نأى بالقوم تقصيرهم
قالوا دعوهم واعلوا شأنهم فإنَّ اعملنا لنا ولهم
وقال أحد الصالحين داعياً لأهله من بعده أن يجمعهم الله معه جميعاً فى أعلى المقامات يوم الميقات :
أسبلت سترك فاسترني بغفران أنت الغفور فهب لي فضل رحمن
كبران سني وأنت الحب والمولى عمم عطاياك من توب وإحسان
ولي عيال تولَّ ربي أمرهمو أنت الولي فهب لي خير رضوان
جسمي سقيم وأنت الرب تشفيه من السقام وتعطي فضل حنان
أنت القريب سقيما جئت مبتهلا أرجو الشفاء بأسماء وقرآن
أدعوك يا من يجيب السؤل ملتمسا شفاء شاف قريب غوث لهفان
بالذل ناديت رب العرش معتقدا نيل الإجابة من معط وديان
يا رب أهلي وأولادي وكل أخ يسر لنا الخير من روح وريحان
البشرى التاسعة والستون شفاعات الحنان فى أهل النيران
وأول الشفاعات وأعظمها هى شفاعة المصطفى العدنان فيمن استحقوا النيران وهى معلومة لكل الإسلام ويؤمن بها وينتظرها كل أهل الإسلام والإيمان ولا تخفى على أحد من أهل الملة من قاص ولادان وقد تناولنا شيئاً منها فى البشرى الأولى "بشرى الهناء تحت اللواء" ولن نتوسع فيها لشهرتها وغنائها عن التعريف ولكننا سنذكر هنا فيها بعضاً من قول الصالحين المنظوم فيقول أحدهم فى فى مدح صاحب الشفاعة وصاحب الحوض واللواء:
مَمدوح مَولانا وَمادحه لنا أَكرم به من مادح ممدوح
مشتق جاء الحمد من أَسمائه وَصَريح جوهر أَصل كل صريح
وَلـه لواء الحمد وَالحوض الروي وَلـه الشَفاعة عند كظم الروح
فَلَنا الـهَناء بكوننا من أُمة نسبت إِلَيهِ مغطياً لفضوح
وقال أحمد بن على بن مشرف :
وأن لخير الأنبياء شفاعة لدى اللَه في فصل القضاء فيصل
ويشفع للعاصين من أهل دينه فيخرجهم من ناره وهي تشعل
فيلقون في نهر الحياة فينبتوا كما في حميل السيل ينبت سنبل
وسنستكمل هنا بشرى الإحسان بشفاعات الحنان من الحنان المنان التى وزَّع بطاقات صرفها النبى العدنان على فئات وفئات من أمة الإسلام فصارت عندهم بطاقات يخرجون بها ما قدَّر الله لهم من أهل النيران من غير المشركين والكفار وإنما من أهل الإسلام اللذين استحق عليهم عذاب النيران فشفاعات تلحقهم من هنا وهناك حتى تنشلهم من النيران وتدخلهم الجنان وتنجيهم من العذاب والهوان فمن لم ينجو به إبنه ولا أبوه ولا زوجه ولا أخوه ولاالذين يعرفون أو من كانوا معه يأنسون فتأتي بشريات الشفاعة التى يشفع فيها الكثيرون من الشافعين للمسلمين والمسلمات شفاعات لا حد لها ولا حصر ومن نماذج تلك البشريات التى تزف أخبار الشفاعات فى جماعات وجماعات فتلحق بالعشرات والألوف بعد المئات شفاعة العلماء وشفاعة الشهداء وشفاعة حفاظ كتاب الله والقراء وغيرهم وكل على قدره فيقول الله اشفع فيهم فهم من أهل النار وسأدخلهم الجنة من أجلك تصديقاً لقول الله تعالى فى محكم الكتاب
[وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ] {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ} ليس أجراً وإنما فضلاً فمن المؤمنين من ينعم الله عليه فيعطيهم نصيباً من مقام الشفاعة فيعطيه شفاعة عامة ينزل بها إلى أرض الموقف ولذلك ينبهنا النبى ويقول لكل مسلم استعد وأنت هنا فى الدنيا وجهز لنفسك{استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة}[5]كل واحد له شفاعة فيذهب أحدنا ويقول: يا رب أنا كنت صاحب فلان فيسأله الله عنه؟ فيقول : يارب نعم أعف عنه لأجلى فنحن لنا شفاعة هناك والمؤمنون يشفعون لبعضهم ويعينون بعضهم بعضاً ولذلك يجب أن نتعرف على مؤمنين كثيرين فلكل شفاعة قالَ النَّبِيُّ {إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَشْفَعُ لِلرَّجُلِ وَلأَهْلِ بَيْتِه فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ } [6] { إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَشْفَعُ لِلفِئَامِ مِنَ النَّاسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلقَبِيلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلعُصْبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلرَّجُلِ حَتَّى يَدْخُلُوا الجَنَّةَ } [7] ومنهم العلماء وهى من الشفاعات العظيمة الجليلة فللعلماء شفاعة خاصة ولذا تنفع معرفتهم فى الدنيا وما انفعها فى الآخرة فحتى لو حضرت درساً واحداً لعالم فلربما نلت بحضورك شفاعته يوم القيامة ويا هناء من أسدى معروفا لأحد من العلماء فربما كان رد العالم لجميله إنقاذه من النار وشفاعته فيه قال أحدهم فى العلماء وأهل التقوى ومن لهم الشفاعة يوم الزحام:
سَاداتنا وهداتنا شفعاؤنا إنْ آدمٌ ترك الشفاعة في غَدِ
يدعوهم عِندَ الشدائد كُلَّما ضاقت وفيهم نجدةُ المُستنجدِ
وقد ورد الحديث عن المصطفى{إذا اجتمع العالم و العابد على الصراط قيل للعابد ادخل الجنة وتنعم بعبادتك وقيل للعالم قف هنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لأحد إلا شفعت}[8] ففى من يشفع العالم إذاً؟هل يشفع فى الرجل الصالح؟ لا فالصالح سبق به عمله ولكن يشفع فى من استحق العذاب ومن يشفعون الفقراء فشفاعتهم متحققة وقد وردت فى حديث سيد الأمناء{إِنَّهُ لَيُنَادِي الْمُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْنَ فُقَرَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ؟ قُومُوا فَتَصَفَّحُوا صُفُوفَ الْقِيَامَةِ أَلاَ مَنْ أَطْعَمَكُمْ فِيَّ أَكْلَةً أَوْ سَقَاكُمْ فِيَّ شُرْبَةً، أَوْ كَسَاكُمْ فِيَّ خَلْقاً جَدِيداً، خُذُوا بِيَدِهِ فَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ ُ}[9]ومنهم الشهداء والشهيد كذلك يشفع في سبعين من أهله كلهم وهو أيضاً يشفع لمن استحقوا العذاب قَالَ النَّبِيُّ{الشَّهِيدُ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ}[10] فهكذا أهل الإيمان ينفعون بعضاً ويرفعنا بعضاً لأن هذا وعد الله الذى لا يتخلف فأنعم بهم من أهل وأنعم بها من مكانة تعلو وتعلو مع بشريات الشفاعة .. قال القائل:
واجبر لخاطر مرتج في رفع هذا الإختصام
فلقد تجاسر بالرجا وقبولـه عين المرام
إن الشفاعة قد أتى في فضلـها خير الكلام
في الحلم قد أطمعتني والحلم يطمع والسلام
وقال الآخر في أهل الشفاعة من الأولياء ونفعهم فى الدنيا ويوم اللقاء:
مُوثقٌ بالـهوَى فقيرٌ ضعيفٌ فتَوارى بالحُبِّ للأَقوِياءِ
راجِياً جاهَهُمْ إذا دهَمَ الأَمــرُ بيومِ القيامةِ الغَمَّاءِ
ولـهم في غدٍ شَفاعةُ وجهٍ صحَّ هذا عن سيِّدِ الأَنبِياءِ
فالْزَمِ الأَولِياءَ قلباً وحقِّقْ وُدَّهم في سَريرةٍ خَلْصاءِ
واستقِمْ عاشقاً وحاذِرْ تُبارِحْ بابهُمْ حالَ شدَّةٍ أو رَخاءِ
وتمَلْمَلْ برَحبِهِمْ وارْوِ عنهم حالَهُمْ واحَفَظْنَ حُقوقَ الثَّناءِ
وللصالحين أيضاً فى شفاعة مولانا رسول الله المئات من القصائد العالية والمواجيد الراقية وهاكم نذراً منها:
يا سيدي يا رسول الله عاطفة أنال منها الرضا من نور إيقان
مولاي أنت شفيع المذنبين إذا ضاق الخناق على مضنى وحيران
أنت الشفيع المرجي إن عرا كرب يوم القيامة من هول ونيران
وأنت حجتنا المرجو لحاجتنا قد نبأتنا الضحى من نص فرقان
[1] عن أنس بن مالك صحيح البخارى.
[2] عن النعمانِ بنِ بشيرٍ سنن الكبرى للبيهقي أخرجاه في الصحيح من حديث زكريا
[3] للطبرانى فى الكبير عن ابن عباس رضيَ اللَّهُ عنهما جامع المسانيد والمراسيل
[4] قوت القلوب لأبى طالب المكى، وكذا فى الإحياء للغزالى.
[5] أنس بن مالك رضى الله عنه، الجامع الكبير.
[6] عن أبي سعيد، مصنف ابن أبي شيبة
[7] عن أبى سعيد الخدري،سنن الترمذي، و(لأهل بيته)
[8] عن عبدالله بن عباس الجامع الكبير
[9] حديث العلماء فى الترغيب في فضائل الأعمال عن ابن عباس، وحديث الفقراء: ابنُ عساكر عن أنسٍ
[10] لابن حبان فى صحيحه عن أَبي الدَّرداءِ رضيَ اللَّهُ عنهُ.
اهل الصفاء
03-03-2012, 04:57 AM
البشرى السبعون بشرى الصابرين على البلاءات وعلى الطاعات والمحاسبين أنفسهم قبل الحسابات
وأما هذه البشرى يا إخوانى فمن بشريات الكرامات التى تظهر فضل الأمة المحمدية بل إنها ربما تكاد تكون البشرى التى تكاد تشمل بفضل الله ومنته الأمة بأكملها أولاً دعونا نسمع البشرى ثم نتعرف على أنوارها فالبشرى تنبع من قول الله متحدثاً عن الصابرين{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} يوفيهم الله تعالى أجورهم ولا شأن لهم بالحساب الذى ينشغل به كل الناس لماذا؟ لأنهم هم الصابرون والصابرون من هم؟ هم على ثلاث أصناف الصنف الأول للصابرين هم الذين صبروا فى الدنيا على البلاء كما أخبر سيد الرسل والأنبياء عن أهل السعادة يوم اللقاء بعد أن وصموا فى الدنيا بأنهم من أهل التعب والشقاء والإبتلاء وهم من قال فيهم الله{ يُؤْتَى اهْلِ البَلاءِ فَلا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، ولا يُنْصَبُ لَهُمْ دِيوَانٌ فَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ أَلاجْرُ صَبّاً حتَّى إِنَّ أَهْلَ العَافِيَةِ لَيَتَمَنَّوْنَ في المَوَاقِفِ أَنَّ أَجْسَادَهُم قُرِضَتْ بالمَقَارِيضِ مِنْ حُسْنِ ثَوابِ الله لَهُمْ }[1] فعموما أهل البلاء ما داموا لم يخرجهم البلاء إلى غضب الله وعصيان الله فهم أول من يدخلون الجنة بغير حساب ولذلك فمن أجمل بشريات بركة الإبتلاء والإختبار على المسلم أنه لما نزلت قول الله تعالى{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ }قال سيدنا أبوبكر { يا رسول الله إنا لنجازى بكل سوء نعمله؟ فقال رسول الله: يرحمك الله يا أبا بكر ألست تنصَب (تتعب)؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فهذا ما تجزون به }[2]وقد ورد أن النبى ذهب يزور مسلماً يحتضر فبكى الرجل فسأله قال الرجل أنه يخاف النار فقال :ألم تشكو الحُمّى قط؟ قال: بلى أصابتنى مرة واحدة، قال له : أبشر{الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ جَهَنَّمَ وَهِيَ نَصِيبُ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ}[3] فمن بشريات الصنف الأول من الصابرين أن من أصابته الحُمّى ولو مرةً واحدة فقد أخذ نصيبه من جهنّم فهو ممن يدخلون الجنة بغير حساب والأمر تفصيله أكثر من أن يحدَّ لأنه يشمل أصحاب العاهات والأمراض فهذا له مثلاً فقط واستكمالاً لوصف هذا الصنف الأول فقد روي أيضاً حديث جامع مطول فى وصف موكب وموقف أهل البلاء فى الآخرة نسوق منه سطوراً قليلة فقط {ثُمَّ تَأْخُذُهُمُ الملائِكَةُ على النَّجَائِبِ وَالرَّايَاتُ بَيْنَ أيْدِيهِمُ وَهُمْ سَائِرُونَ إلى الجَنَّةِ فَيَنْظُرُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ أَهٰؤلاءِ شُهداءٌ أوْ أنْبِياءٌ؟ فَتَقُولُ المَلائِكَةُ هٰؤلاَءِ قَوْمٌ صَبَرُوا عَلَى الشَّدَائِدِ فِي الدُّنْيَا بِصَبْرِهِمْ نَالُوا فإذا وَصَلُوا إلى بَابِ الجَنَّةِ قالَ لَهُمْ رُضْوَانُ مَنْ هٰؤلاء القَوْمُ الَّذِينَ لَمْ يُنْصَبْ لَهُمْ مِيزانٌ؟فَتَقُولُ المَلائِكَةُ :هؤلاءِ الصَّابِرُونَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ، فافْتَحْ لَهُمُ الجَنَّةَ لِيَقْعُدُوا في قُصُورِهِمْ آمِنِينَ، فَيَدْخُلُونَ فَتَتَلَقَّاهُمُ الملائِكَةُ وَالوِلْدانُ بِالفَرَحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَيَجْلِسُونَ على شَرَائِفِ الجَنَّةِ خَمسمائَةِ عامٍ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى حِسَابِ الخَلْقِ فَطُوبَى لِلصَّابِرينَ}[4] فهؤلاء هم الصنف الأول من أهل تلك الفضل العظيم والبشرى الكريمةأمَّا الصنفان الثانى والثالث وهو ما أريد أن أشدَّ إليه عقولكم وأفئدتكم أكثر هنا فى تلك البشرى هما فئتان من الصابرين لا يعلمهما أغلب الناس كيف؟ الفئة الأولى: من صبروا على الطاعات وهم بفضل الله أغلب الأمة المحمدية وقد كان أحد الصالحين يقول لى فى تلك البشرى أنه ليس الصابرون على البلاء فقط هم من يدخلون الجنة بغير حساب ولكن الله تعالى بفضله يدخل فى تلك البشرى كل الصابرين على أداء الطاعات والمحافظين على الصلوات وكان يدلل على ذلك ويقول : ألم يقل الله{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا} والأصطبار هو أشد أنواع الصبر وورد أن الأشعث بن قيس قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونهاراً فقلت: يا أمير المؤمنين إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة؟ فما راعني إلا أن قال[5]
اصبر على مضض الإدلاج في السحر وفي الروح إلى الطاعات في البكر
إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جدَّ في أمر يؤملـه واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
والفئة الثانية هم من حاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا فهؤلاء لا يجتمع لهم حسابان أبداً ولا خوفان خافوا الله فى الدنيا وعملوا بذلك فأمنهم فى الآخرة فيصير أحدهم قد أتمّ الحساب فعلاً فى الدنيا فعلام يحاسب فى الآخرة وقد أعطاه النبى الأمان{حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحَسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنْيَا}[6]فصاروا ممن مشى على صراط الشرع المستقيم فى الدنيا فلن يمشى على صراط الآخرة لأن الله أمن عباده من أن يجمع عليهم خوفين قال الله فى الحديث القدسى{ وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ إذا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا أَمِنَنِي في الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ }[7] وفى الصبر قال الصالحون كثيرا وكثيرا ومن ذلك قول أسامة الشيزارى :
مَثُوبَةُ الفَاقِدِ عَن فقدِهِ بِصَبْره أنْفَعُ من وَجْدِهِ
يَبْكِيهِ من حُزنٍ عليه فهلْ يطمعُ في التّخليدِ مِن بعدِهِ
ما حيلةُ النّاسِ وهلْ مِن يدٍ لـهمْ بدفعِ الموتِ أو صَدِّهِ
وُرُودُهُ لا بدَّ منهُ فلِمْ تُنْكِرُ ما لا بدَّ مِن وِرْدِهِ
سِهامُهُ لم يَستطِعْ ردَّهَا داودُ بالمُحَكمِ من سَرْدِهِ
ولا سليمانُ ابنُهُ ردَّهَا بمُلْكِهِ والحشدِ من جُنْدِهِ
عدلٌ تساوَى الخلقُ فيهِ فما يُمَيِّزُ المالكُ عن عبدِهِ
كلٌّ لـهُ حَدٌّ إذا ما انتهَى إليهِ وافَاهُ على حَدِّهِ
تَجمَعُنا الأرضُ فكلُّ امرِئٍ في لَحْدِهِ كالطّفْلِ في مَهْدِهِ
لو نطقُوا قالُوا التُّقَى خيرُ ما تزوَّدَ المرءُ إلى لَحْدِهِ
فارجعْ إلى اللـهِ وثِقْ بالذِي وَافاكَ في الصّادِقِ من وَعْدِهِ
للصّابرينَ الأجرُ والأمنُ مِن عَذابِهِ والفوزُ في خُلْدِهِ
البشرى الحادية والسبعون بشرى فضلُ المحبة على الأحبة
وهذه البشرى بشرى الحبِّ والمحبَّة والأحبة فكما تفعل المحبة فى قلوب الأحبة فتربطهم معاً فى الدنيا! ففى الآخرة يعلو مقام المحبة حتى ترفع المحبَّ لمقام حبيبه وإن لم يعمل بعمله الله أكبر على فضل المحبَّة على الأحبَّة هدية من الله للمحبين الذى تحابوا بروحه واجتمعوا عليه وفيه وافترقوا فى الدنيا عليه ثم التقوا فى الآخرة عليه يروى أن مندوب أهل الصفة سيدنا أنس ذهب إلى رسول الله يتحدث بالنيابة عنهم وهم المقربون ممن كانوا يسكنون المسجد فَقَالَ{ يَا رَسُولَ اللّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ وَلاَ صَدَقَةٍ؛ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ}[8] { جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله الرجل يحبُّ الرجل ولا يستطيع أن يعمل كعمله فقال رسول الله: المرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ فقال أنس: فما رأيت أصحاب رسول الله فرحوا بشيء قط إلا أن يكون الإسلام ما فرحوا بهذا من قول رسول الله وزاد أنس: فنحن نحب رسول الله ولا نستطيع أن نعمل كعمله فإذا كنا معه فحسبنا }[9] وللشيخين { فَأَنَا أُحِبُّ النَّبيَّ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بُحَبِّي إيَّاهُمْ}[10] فأغلب المحبين ومن عندهم عقيدة فى الصالحين لكن ليس عندهم قدرة أو همة أو إرادة أو عزيمة على متابعة الصالحين ستنفعهم المحبة فى الآخرة، فيحشرون مع الصالحين لكنهم لا ينالون فتوحهم ولا مواهبهم ولا أنوارهم ولا أحوالهم العليَّة التى يُحْدِثها الله لهم لأنها تستلزم مجاهدة النفس والسير على منهاج القرب الذى بيَّنه الله ووضحه بصفاته وسلوكه وأحواله رسول الله وعلى هذا الدرب سار الصالحون بجدٍ وعزم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أما من جهدوا أنفسهم وجاهدوا وعملوا بقوة ليكونوا مع من أحبوهم! فهؤلاء ملأوا قلوبهم ليس بحبِّ الدنيا وزينتها وشهواتها وولدانها ونسائها وقصورها ورياشها ولكنهم ملأوا القلوب بحبِّ الحبيب المحبوب وفيهم يقول{ والله لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[11] حققوا العمل بهذا الحديث فكان رسول الله أغلى عندهم من أنفسهم ومن آبائهم ومن أمهاتهم، فأين هم يوم القيامة؟ {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} يمنٌ عظيم وكرمٌ عميم لا يحتاج إلى مؤهلات ولا إلى تعليم وإنما يحتاج إلى قلبً يمتلىء بحبِّ النَّبىِّ الكريم وكتاب الله العظيم وحب كل مؤمن على شرع الله مستقيم فى الله ولله لا يرجو من هذه المحبة سواه واسمع إلى بشرى الحبيب لهؤلاء عسى أن يجعلنا الله مع ركب السعداء الأنقياء الأوفياء فيقول {إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَعِباداً لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الأَنْبِيَاءَ وَالشُّهَدَاءَ، هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَمْوَالِ وَلاَ أَنْسَابٍ، وُجُوهُهُمْ نُورٌ، وَهُمْ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ قَرَأَ{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[12] من أراد أن يكون مع النبى وصحبه الكرام والأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين ما سبيله إلى ذلك؟ من أراد أن يفوز ببشريات المحبة والأحبة ما طريقه الموصل إلى ذلك والإجابة أمرٌ سهلٌ ويسير يقول فيه الحبيب البشير{مَنْ أحَبَّ لله وَأبْغَضَ لله وأعْطَى لله، وَمَنَعَ لله فَقَدْ اسْتَكْمَلَ ولاية الله}[13] يكفينا أن الله بشَّرنا بالبشرى العظيمة وقال لنا فى فى القرآن لنفرح بالحبيب المصطفى فى كل وقت وآن فقال له{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} لما نزلت هذه الآية جلس أصحاب رسول الله المباركون فى مسجده المبارك فرحين بالبشرى العظيمة فى تلك الآية لأنها دليل على عناية الله بنا ولنا أجمعبن ومنهم من أثنى على الله فى خطبة عصماء بهذه المناسبة السعيدة لكل الأمة المجيدة ومنهم سيدنا حسان بن ثابت شاعر الرسول تغنى بمناسبة هذه الآية وقال:
سمعنا فى الضحى (ولسوف) يعطى فسرَّ قلوبنا ذاك العطــاءُ
وكيف يا رســول الله ترضـى ومنا من يعذب أو يســاءُّ
رسول اللـه فضلك ليس يحصى وليس لقدرك السـامي فناءُ
ســمعنا فيك مدحـاً فابتهجنا وصـار لنـا بمعناه إكتفاءُ
وللصالحين قصائد يردُّوا فيها على من لاموا أهل المحبة الذين اجتمعوا على حبِّ الله ورسوله ويورد الحجج من الكتاب والسنة فيقول أحدهم
ولو نفسا خالفته في صغيرة حكمت بأني كافر يا أحبتي
ولكن طه قد يحب اجتماعكم وَلو بمباحٍ رغبة في الجماعة
ولو أن ما في القلب من نار حبه يفاض على جبل لدكَّ بسرعة
وها هو رب العرش ثبَّت عبده بقول تلقاه بعين البصيرة
يخالقكم بعقولكم ولو أنه أفاض علوم الغيب مُتم بنظرة
نعم يشهد الأسرار من كان قلبه عليماً ووافاني بصدق العزيمة
وأما قلوب أمْرَضَتْهَا ضلالةُ تزيد عمىً مهما رأت نور شرعة
وفي الذكر آيات القلوب توضحت (((())[[وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ) فحجب غشاوة
البشرى الثانية والسبعون بشرى الكوْثر المشهود والحوض المورود
وهى البشرى التى تذهب كل أوجاع الدنيا ومتاعبها وتذيل كل ما علق بالمؤمن من شدائدها ومكابدها إنه الكوثر المشهود والحوض المورود بالرى والهنا والسعود ..
أيَّها الـهاربون من تعب الأرضِ استريحوا بجنَّة الرَّضوان
إِنَّ في الكوثر الأمانَ لمن عزَّ عليه في الدنيا شَطُّ الأمان
هِىَ شَرْبَةٌ من يَمِينِ الحَبِيبِ تَنَالُوا بِهَا الرِّى والسَّعد بِلا حُسْبَان
بشرى قول الله تعالى لحبيبه ومصطفاه مقرراً له العطاء! و مبشِّراً لنا به{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فلكى نستلهم شيئا من نور تلك البشرى وسرها المبهر العظيم نسمع لكلام البشير الأعظم روى سيدنا أنس بن مالك عن النبي قال{ دَخَلْتُ الجَنَّةَ فإذا أنا بِنَهْرٍ يَجْرِي حافَّتاهُ خِيَامُ اللؤلؤ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إلى ما يَجْرِي فيهِ، فإذا هُوَ مِسْكٌ أذْفَرُ، قلتُ: يا جبريلُ، ما هٰذا؟ قال: هٰذا الكَوْثَرُ الذِي أعْطَاكَ الله }[14] وقال { الكوثر نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي في الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ}[15] وقال أيضاً{ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَىٰ الْحَوْض}[16] أى أنى أنا سبقتكم إليه وأطماننت على كل تجهيزاته الربانية وأوانيه التى أعدت لكرامة أمتى وسقيا وتشريف أهل أمتى أهل محبتى، فسألوه { مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا أَلاَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ. آنِيَةُ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ}[17] وقال أيضا فى وصف تلك البشرى العظيمة{حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ. وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ. وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ. وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ. وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلاَ يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَداً}[18] وقوله فى صفة الورود{ وَتَرِدُونَ عَلَيَّ مَعًا أَوْ أَشْتَاتًا}[19]وقوله{ لا يَتَنَاوَلُ مُؤْمِنٌ مِنْهَا فَيَضَعُهُ مِنْ يَدِهِ حَتّى يَتَنَاوَلُهُ آخَرُ }[20] فمن يمكن أن يلمَّ يا إخوانى بوصف تلك البشرى أو بإدراك معانيها لا أحد إلا من منحه إياها وشرفنا معه بها وقال آخر فى وصف بعص أحداث القيامة ومشيراً للحوض
بها الميزان منصوب وَفيها الحَوضُ مَورودُ
بمسك أذفر يجرى ووعد الرب مكتوبُ
من الجنات قد نبعت مزاريب[21] ومسجوم
وحِبُّ الله يلقانا فتشريف وتعظيم
بأكواب مترَّعة كـواكيبٌ مصـابيــح
وكيزان مذهبة برسم الإسم معلوم
وخلق الله إذ عطشوا فمقبولٌ ومحرومُ
فمسعودٌ تناوله ومردود تحاريم
فمن ذاق الهنا ذهبت مخاوف عنه وهموم
فلا ظمأٌ ولا نَصَبٌ ومهـما الخـلد مقـــسومُ
وأشار بعضهم إلى معنى الكوثر أنه آل بيت النبى وعترته فقال:
يا آل طه لكم أياد يقصر عن فضلـها المزيد
بسورة الكوثر افتخرتم وفيكم إنما يريد
فصرتم لنا جميعا حصنا وحوض علم إليه الورود
[1]المستطرف في كل فن مستظرف
[2] رواه الطبراني في الكبير، وفيه مُجَّاعة بن الزبير، وثقه أحمد وضعفه الدارقطني، مجمع الزوائد
[3] عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي مسند الإمام أحمد
[4] الطبرانى عن أَبي ريحانَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ.، جامع المسانيد والمراسيل
[5] تنقيح القول الحثيث بشرح لباب الحديث للنووى الحاوى،و في الجواهر للشيخ أبي الليث السمرقندي
[6] سنن الترمذي عن عمر بن الخطاب.
[7] صحيح بن حبان عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم
[8] صحيح البخارى ومسلم عن أنس بن مالك.
[9] عن أنس بن مالك، مسند الإمام أحمد وغيره
[10] الترغيب والترهيب.
[11] صحيح ابن حبان عن أنس.
[12] رواه مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل.
[13] سنن أبى داوود عن أبى أمامة.
[14] رواه الإمام أحمد.
[15] أورده المتقى الهندى فى كنز العمال.
[16] صحيح البخارى ومسلم عن سهل بن سعد، وفرطكم: أى متقدمكم إليه ومهيئه لكم وساقيكم منه..
[17] أخرجه أحمد ومسلم عن بن الصامت عن أبى ذر، ويشخب :أى يصب، ميزابان: أى مصبان، وأيلة أول الشام.
[18] صحيح مسلم عن عمرو بن العاص، وأبيض من الورق: أى أبيض أو ألمع من الفضة.
[19] مصنف ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب
[20] مجمع الزوائد عن جابر بن عبد الله رواه البزار
[21] مسجوم: ماء منهمر كالمطر المسجوم من السحاب إذا أمطرته صباً.
اهل الصفاء
03-03-2012, 11:29 PM
البشرى الثالثة والسبعون بشرى أصحاب المنابر قدَّام العرش
أما تلك البشرى فحدث ولا حرج قوم يجعل الله لهم منابر من نور قدام عرش الرحمن يحزن الناس ولا يحزنون ويفزع الناس وهم الآمنون يرفعهم الله على منابر من نور قدام عرشه وبعد أن يجتمعوا كلهم خاطبهم رب العزة و يقول لهم {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}هؤلاء القوم يقول فيهم سيد القيامة وسيد الدنيا وسيد الأنام{لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَاماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ في وُجُوهِهِمُ النُّورُ عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ قالَ : فَجَثَى أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفهُمْ، قالَ: هُمُ المُتَحَابُّونَ في اللَّهِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَبِلاَدٍ شَتَّى يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ}[1]{يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ الله فَـيَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الْكَلاَمِ كَمَا يَنْتَقِي آكِلُ التَّمْرِ أَطَايِبَهُ} الذين يكونون على منابر اللؤلؤ و النور قدام العرش ولا يصيبهم فزعٌ ولا هلع ويسمعون خطاب البشرى والأمان من الرحمن ونور وجوهم يأخذ بالأبصار! من هم؟هم الذين يتحابون فى الله لا لدنيا فيما بينهم ولا لأنساب يتعارفون بها فيما بينهم ولا لتجارات يتداولونها فيما بينهم وإنما كان حبهم لإخوانهم المؤمنين فى الله ولله ومنهم الذين كانوا يجتمعون فى الله لذكر الله بأحب ما يحب الله وينتقون أطايب الذكر والحديث والكلام فتكون ألسنتهم وقلوبهم عامرة بمحبة الله وذكره على الدوام ومنهم أيضاً من يحببون العباد إلى الله ويجمعونهم بالحب على مولاهم فهم أيضاً من أرقى أهل بشرى المحبة فهؤلاء من ينشرون محبة الخالق فى قلوب خلقه لا من يخوفونهم منه ولا من يرهبون الخلق من مولاهم ...
حبِّبوا الله إلى عباده أيها الدعاة ... بل وحبِّبوا الخلق إلى مولاهم
فليكن الحب والمحبة والتحبيب رائدكم يسعدكم الله وتكونوا من أهل تلك البشرى بإذن الله! بل وكل من جمعتموهم معاً على محبة الله دخلوا فى تلك البشرى بفضله وهداه فصار الجامعون والمجموعون فى محبة الله، قالَ الحبيب {أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَقْوَامٍ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ لِمَنَازِلِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يُعْرَفُونَ اللَّذِينَ يُحِببُونَ عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَيُحَببُونَ اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ، وَيَمْشُونَ فِي الأَرْضِ نُصَحَاءَ، قِيلَ: كَيْفَ يُحَببُونَ عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: يَأْمُرُونَهُمْ بِمَا يُحبُّ اللَّهُ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، فَإذَا أَطَاعُوهُمْ أَحَبَّهُمُ اللَّهُ }[2]
البشرى الرابعة والسبعون بشرى المستظلـُّين بظل العرش
أمَّا هذه البشرى فبشرى تنال أهل الإيمان والإسلام جميعهم تقريباً وقد جاءت فيها أحاديث نبويَّة جمة وقد آثرنا أن نستخرج جزءا منها وليس كلها والأحاديث موجودة لمن أراد الإطلاع فى المراجع وقد أوصل أهل العلم أصنافهم إلى ما يقارب سبعة وسبعين صنفاً يكونون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله فما صفات هؤلاء أو بعض صفاتهم لكي نستبشر بالبشرى ونتروح نسيم الذكرى والعبرة فالبشرى عظيمة ويكاد لا يخلو مسلم أو مؤمن من صفة من الصفات التى تؤهله للوقوف تحت ظل العرش اللهم اجعلنا منهم فإليكم بعضها 1. الإمام العادل 2. أيما شَابٌ نَشَأَ فى طاعة الله 3 - من تعلَّق قلبه بالمَسْجِدِ 4. متَحَابَّان اجْتَمعَا وافترقا علي الله 5 . من ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ 6. ومن دعته إمرأة فخاف الله 7. ومن تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا 8. المتحابون فى جلال الله تعالى 9 .من أنظر معسراً أو وضع عنه 10المتصدقون 11. من فرج الكربة . 12 من أحيا السنة 13. من أكثر الصلاة على النبى 14. أهل الخوف من الله 15.واصل الرحم 16 والمرأة تأيمت تربى أولادها .17 وطاعم اليتيم والمسكين لله 18.أهل الجوع الأخفياء فى الدنيا 19. من لا يبخسون الحقوق 20. أهل الخلق الحسن . 12 أهل الوضوء على المكاره 22.من مشي إلى المساجد فى الظلم
23.أهل إطعام الجائع 24. حملة القرآن الكريم 25.التاجر الأمين . 26 وأهل الأمانة فى كل مهنة 27.والمحافظ على الصلاة فى وقتها 28.المؤذِّنون وقال أحد الصالحين فى بشرى تلك المعانى ذاكراً بعضاً الأصناف الموعودة بظل العرش المجيد يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه فقال رضى الله عنه:
شَهِدْتَ ألاَ حجاب على المراقى لمن جاهدوا والله يفعلٌ ما يُرِيدُ
فكن مِنَ الأولى بذلوا نالوا الأمانى بظلِّ العرش إذ جاءنا القول السديد
سَبعْةٌ فـِ عَشْرةٍ[3] قد أتت من فعلة فاختر لنفسك ظُلْةً من الحرِّ الشَّديد
تحت شمس أحرقت بلهيبها من فرَّطوا والبعدُ ميلاً لا يزيدُ
فَكن منْ قام فى جوف اللَّيالِي تجافى الجنبُ باتَ حلساً فى سجودُ
أو كن فَتىً طلبْنَ زُلْفَتَهُ الغوانى خلعوا الحيا فصار خشباً أو حديد
إنى أخاف الله طالباً نيل العوالى فحماه ظلُّ العرش فى نور الشهود
أو من نشا من يومه فى طهرة فى طاعة قد صار عنها لا يَحِيدُ
أو من أكَبَّ صادقاً بالمال كان منفقاً وشماله ليمينه لا تخبرن من يستفيدُ
أو إماماً عادلاً بالحق قام حاكماً قرَّت به عيونُ المُوَالِي وَالعَبيدُ
أو من بمسجد ربه علق الفؤادُ بحبِّه فغدوه ورواحه وصلاته الركن الشديد
أو حافظاً لكتابه جاء الكلام بسعده أوصادقا وعده موفيَّاً لعهده يراه عيد
أو من تحابا بربهم فى جمعهم وفراقهم بدايةً ونهايةً وكُلُّ الأمر لله المعيد
أو من تحلَّى بذكره متخلِّياً عن شغله فعيون قلب قبل وجه قد تفيضُ
هذه صنوف قولها بالنقل جاء مثالها صدق الحبيبُ وعند الله خيراً بالمزيد
البشرى الخامسة والسبعون بشرى الغرفات النيرات لأهل الطيبات
وهذه بشرى العجائب الهائلة بشرى فوق العقل والخيال ولكى نتفهم معانى البشرى يقول ربُّ العزة لنا أجمعين{ أنا الله لا إله إلا أنا رضائى كلام وغضبى كلام ورحمتى كلام، وعذابى كلام}[4] مَن الذى يثيبك على الكلام فى الدنيا بأى شئ مادى أو معنوى؟ لا يوجد ولكن الله جعل درجاتنا عنده فى الجنة بكلام أمرنا به فى كتابه قد لا ندرى من قريب أو بعيد سرَّ هذا الكلام كالذى نردده فى الصلاة بين يدى الملك العلام لكن ما زال العلم يكشف لنا على مدى الإيام إعجاز الله سبحانه وتعالى فى كلامه القرآنى{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً}يبين النبى درجات الجنة ويبين أعلى هذه الدرجات فيقول{إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا لِمَنْ أَلاَنَ الْكَلاَمَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لَيْلَةً قَائِمَاً وَالنَّاسُ نِيَامٌ ٌ}[5] ففى هذه الغرف الشفافة يترآون لأهل الجنة كما تترآى الكواكب لأهل الأرض فهم فى غرف عالية يقول الله فيها}{غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ} فأهل الجنة سيرون هؤلاء من داخل غرفهم فى الجنة يتلألؤن ويلمعون وتسطع أنوارهم وتضيىء من حولهم لأهل الجنة كما نرى الشمس أو الكواكب الدرية فى كبد السماء فى الدنيا كما ورد فى الأحاديث كل هذه البشرى النيرة الراقية والجزاء العالى بماذا؟
بطلب سهل يسير له أجر كبير! وثواب عظيم من العلى الكبير وهو أن تلين الكلام مع إخوانك المؤمنين ومع أهل بيتك وجيرانك وزملائك فى العمل فبها تستوجب الشرط بفضل الملك العلام ولين الكلام يعنى أنهم يتحدثون بالكلام اللين أى الذي لا يجرح ولا يؤذي أحداً! كلام ليس فيه سب ولا شتم ولا لعن ولا تعريض ولا غمز ولا لمز ولا همز لأن كلمة واحدة قد ترفع الإنسان إلى أعلى الدرجات وكلمة أخرى قد تحطه إلى أسفل الدركات قال{إِنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ الله لا يُلْقِى لَهَا بالاً، يَرْفَعُ الله بِهَا لَهُ درجاتٍ، وإِنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ من سَخَطِ الله لا يُلْقِي لَهَا بالاً، يَهْوَى بِهَا فـي جَهَنَّمَ}[6] إذاً ما الذي يرفع وما الذي يُنَزِّل؟ إنه الكلام فإذا كان كلام يحبُّه الملك العلام ويشيع السلام ويفشى المحبة والوئام ويريح قلوب الأنام فهو يرفع المرء إلى أعلى مقام فى درجات الله فى دار السلام أما إذا كان الكلام يجرح أو يشوه أو يؤذي الأنام فإنه يهوى بصاحبه إلى أسفل الدركات فى النيران والعياذ بالله وكونك تطعم الطعام ولو مرة واحدة فى الشهر يجعلك مؤهلاً أعظم لهذه الدرجة العالية وفى ذلك يقول الله{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}قالت السيدة عائشة{ كانتْ لَنَا شاةٌ أَرَادَتْ أن تموتَ فَذَبَحْنَاهَا فَقَسَمْنَاهَا فجاءَ النبيُّ فقالَ: يا عائشةُ ما فَعَلَتْ شَاتُكُمْ؟، قالتْ: أَرَادَتْ أَنْ تموتَ فَذَبَحْنَاهَا فَقَسَمْنَاهَا، ولم يَبْقَ عِنْدَنَا مِنْهَا إلا كتفٌ، قال: الشاةُ كُلُّهَا لَكُمْ، إِلاَّ الكَتِفَ }[7] قال تعالى{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ }والأمر الثالث لو قمت الليل أو صليت بالليل والناس نيام، ويعطى الله تلك البشرى العظيمة من صلي فرضى العشاء والصبح فى جماعة فقد قال النبى{ مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِى جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ}[8] أمر يسير تنال به هذه الدرجة الرفيعة، فاصنع لنفسك يا أخى ما تحب ان تكون عليه غداً وفى الرواية الأخرى زيادة أن هذا الأجر لمن {قال: لِمَنْ أَفْشَى السَّلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نِيامٌ ِ}[9] فأضاف هنا خصلتين لأصحاب الغرف النيرات وزاد سببين لنوال تلك البشريات العظيمات وهما الصيام وإفشاء السلام وإفشاء السلام يشمل المعنى الشائع من إلقاء السلام على معرفة وغير معرفة ويشمل أيضاً نشر السلام والمحبة والوئام بين الأنام فتكون ممن يحبون أن يشيع السلام والتفاهم والمحبة والترابط بين الناس ومن يحرصون على سلامة قلوب إخوانهم والعيش فى سلام وتصالح وودٍّ ورباط يلمهم فإفشاء السلام سرٌ لأصحاب الغرف وهو فى الحقيقة مرتبط بشدة باللسان لأن الكلمة هى أشد ما يقطع أو يصل بين الناس بلينها أو بقسوتها وإفشاء السلام من أحب وأعلى وأغلى مقامات لين الكلام وأما الصيام فيكفيك ثلاثة أيام كل شهر على مدار العام – غير شهر الصيام- فتكون بذلك قد أدمت الصيام وهنا أنتهز الفرصة لأيسر لكم البشرى بحديث هو من أعظم البشريات حيث قال رسول الله مجيباً على من سأله لمن هذه الغرف؟قال الصادق المصدوق{لِمَنْ أَفْشَى السَّلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نِيامٌ ِ قال: قلنا يا رسول اللـه ومن يطيق ذلك؟قال: أُمَّتِي تُطِيقُ ذلِكَ وَسَأخْبِركُمْ عَنْ ذلِكَ مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ أَفْشَى السَّلامَ، وَمَنْ أَطْعَمَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى يُشْبعَهُمْ فَقَدْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَمنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَقَدْ أَدَامَ الصِّيَامَ وَمَنْ صَلِّى العِشَاءَ الآخِرَةَ وَصَلِّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ صَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيامٌ }[10]فيا من تُهيئ شُقتك التى ستتركها إن عاجلاً أو آجلاً بأنواع الديكور وأصناف الأثاث والستور ماذا صنعت لدار ستدخلها وليس لك فيها إلا ما قدمت من الأعمال الصالحات وقد بينا لك سهولة ويسر التجهيزات لو صدقت النوايا والطوايا هل اخترت المكان الذى ستسكنه يوم الدين؟ فى أى حى من أحياء الجنة؟ والإعلانات تملأ كتاب رب العالمين! جنة الخلد وجنة الفردوس وجنة عدن وجنة المأوى أين تريد أن تحجز لنفسك بيتاً أو فيلا أو قصراً؟ وكل حى من تلك الأحياء أو درجة من هذه الدرجات لها أهلها ولها ملفها الذى يجهزه فى الدنيا الذى يريد دخولها هل جهزت ملفك الذى ستنال به الحظوة من درجات الجنة؟ أو القصر فى ربوعها؟ هل اشتريت سندات الملكية أوحولت الدفعة الأولية؟ وجهزت المبلغ المطلوب بالعملة المقبولة هناك إياك أن تقول ما زال أمامى منحة أى فرصة من الوقت لا تُسَوِّف فإنك لا تعلم متى تلقى الله هؤلاء المنعمون والمكرمون أتعرف ماذا يفعلون بينما الخلق جميعاً يحاسبون يجلسون فى غرفهم يشاهدون أهل الموقف ولا ينزلون للموقف إلا إذا كان لهم شفاعة وهؤلاء يجلسون فإلى ماذا ينظرون؟وبما يستمتعون؟ينظرون إلى بهاء الله وجمال الله وكمال الله ونور الله وتنزلات الله جل فى علاه فهذا نظرهم فيريد الله أن يُلفت النظر إلى مقامهم ويعرف الملائكة بحالهم فيطلب أن تجهز لهم الطعام والشراب والحور العين فيقولون: يارب لا قد تركنا هذه النعم أحوج ما نكون إليها فى الدنيا فيسألهم ربهم وهو اعلم بهم فماذا تريدون؟فيقولون: وحقك لا نريد إلا جمال وجهك{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } قال الرجل الصالح مشيراً إلى تلك البشريات وجزائها واسمع لقوله:
من أطعم الخلق الطعام وأذاقهم حلو المدام
بذل الصداق عن السُّلام وأعان فقرا وذى السقام
صدقوا العهـود ملكوا الزمـام
صلى الجماعة واستدام وقهر جوعاً بالصيام
أو قام فى جنح الظلام وأحيا ليلاً باستهام
صدقوا العهـود ملكوا الزمـام
من لان للناس الكلام وجبر كسراً بالتئام
من جمع أرحام الأنام وحمى الغرير من اللئام
صدقوا العهـود ملكوا الزمـام
من أفشى فى القوم السلام وأضاء بشراً حيث قام
ودَّاً أشاعّ مع الوئام بالرفق واللين استقام
صدقوا العهـود ملكوا الزمـام
فجزاه ربى بالتمام والخلق فى وحل الزحام
لمَّا غشى الناس الضرام وصار عرقاً كالسجام
فأسكنوا الغرف العظام غرفاً أضاءت لا لثام
تحتها سحب الغمام فوقها غرف الوسام
فهنؤا بالحور الكرام مع النعيم المستدام
فهاهمو بلغوا المرام شَمِّر ودع عنك الملام
[1] وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رواه الطبراني بإسناد حسن ورواية "التمر" الطبرانى فى الكبير عن عمرو بن عنبسة الفتح الكبير
[2] البيهقى فى شعب الايمان وأَبُو سعيد النقَّاش في مُعجمِهِ وابنُ النَّجَّار عن أَنَسٍ جامع المسانيد والمراسيل
[3] يريد سبعين من الفعال التى وردت فى السنة وجزاؤها أن يستظل أهلها بظل العرش.
[5] رواه أبو الشيخ فى العظمة عن سلمان ورواه الطبرانى فى الكبير والأوسط عن أبى موسى
[6] لأحمد فى مسنده عن ابن عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جامع المسانيد والمراسيل
[7] رواه البخارى فى الصحيح عن عبدالله بن منير.
[8] سنن الكبرى للبيهقي عن عائشة
[9] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، المسند الجامع
[10] أخرجه أبو نعيم عن جابر وفى تخريج الإحياء، البعث والنشور للبيهقى والأمالى الشجريةونهاية الفتن والملاحم
اهل الصفاء
04-03-2012, 08:43 AM
البشرى السادسة والسبعون بشري من اشتاقت إليهم الجنة
وهى بشرى خاصة لقوم مخصوصين قوم تشتاق لرؤياهم الجنة إذا تجهزت أعدت وهى لفرط شوقها لهم تسعى للقائهم فهل فيكم من سمع بذلك قومٌ إذا وقفوا فى أرض الموقف العظيم سا رعت الجنة بجمالها وقصورها وحورها وحللها إليهم وتقربت منهم وفتحت لهم قصورها واستقبلتهم حورها وتقربت وازدلفت إليهم وفيهم يقول الله{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قال فى بعضهم صلوات ربي وتسليماته عليه فى تأكيد ذلك المعنى بأمثلة {اشْتَاقَتِ الْجَنَّةُ إِلَى أَرْبَعَةٍ؛ عَلِيَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرَ وَعَمَّارَ بْنِ يَاسِرٍ}[1] وهنا اسوق لكم بشرى خاصة لمن أراد أن يكون ممن تشتاق إليهم الجنان بما فى فى حديث النبى العدنان كاشفاً السر لماذا اشتاقت الجنة إلى أبى ذر إذ روى على فقال كما أورد الْحكيم الترمذي فِي نَوَادِرِ الأُصُولِ{ أَنَّهُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو ذَرَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: هُوَ أَبُو ذَرَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَمِينَ اللَّهِ وَتَعْرِفُونَ أَنْتُمْ أَبَا ذَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَق إِنَّ أَبَا ذَرَ أَعْرَفُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ مِنْهُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ وَإِنَّما ذٰلِكَ لِدُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَقَدْ تَعَجَّبَتِ المَلاَئِكَةُ مِنْهُ، فَادْعُ بِهِ فَاسْأَلْهُ عَنْ دُعَائِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا أَبَا ذَرَ دُعَاءُ تَدْعُو بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ فِداكَ أَبي وَأُمي مَا سَمِعْتُهُ مِنْ بَشَرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَشَرَةُ أَحْرُفٍ أَلْهَمَني رَبي إِلْهَاماً، وَأَنَا أَدْعُو بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، فَأُسَبِّحُهُ مَلِيًّا، وَأُهَللُهُ مَلِيًّا، وَأَحْمَدُهُ وَأُكَبرُهُ مَلِيًّا ثُمَّ أَدْعُو بِتِلْكَ عَشْرِ كَلِمَاتٍ: اللَّهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ إِيماناً دَائِماً، وَأَسْأَلُكَ قَلْباً خَاشِعاً، وَأَسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً، وَأَسْأَلُكَ يَقِيناً صَادِقاً وَأَسْأَلُكَ دِيناً قَيمَاً، وَأَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُل بَلِيَّةٍ، وَأَسْأَلُكَ تمامَ الْعَافِيَةِ، وَأَسْأَلُكَ دَوَامَ الْعَافِيَةِ، وَأَسْأَلُكَ الشُّكْرَ عَلٰى الْعَافِيَةِ، وَأَسْأَلُكَ الْغِنىٰ عَنِ النَّاسِ، قَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَق نَبِيًّا، لاَ يَدْعُو أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ بِهٰذَا الدُّعَاءِ إِلاَّ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ وَعَدَدِ تُرَابِ الأَرْضِ وَلاَ يَلْقٰى أَحَدٌ مِنْ أَمَّتِكَ وَفِي قَلْبِهِ هٰذَا الدُّعَاءُ إِلاَّ اشْتَاقَتْ لَهُ الْجِنَانُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ المَلَكَانِ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَنَادَتِ المَلاَئِكَةُ: يَا وَلِيَّ اللَّهِ ادْخُلْ أَيَّ بَابٍ شِئْتَ }[2]ومن على شاكلتهم ومن سار على نهجهم ودربهم ومن تخلق بأخلاقهم فإن له نصيب فى أن الجنة هى التى تأتى إليه لتستقبله وتفتح له أبوابها لأنه خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب فيكون المؤمنون فى رعاية الله فى رحاب جنة الله لا يحسون يوم القيامة لا بعناء ولا بشقاء بل لا يحسون يوم القيامة بطول الموقف مع أن الله يقول فى شأنه} {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } هذه الخمسون ألف سنة يقول فيهن أهل العلم بالله تعالى{وَيَخِفُّ عَلَى الصَّالِحِينَ حَتَّى يَكُونَ كَصَلاةِ رَكْعَتَيْنِ}[3] لما يجدونه من عناية الله ورعايته ومن خصوصية الله لهم لأنهم فى الدنيا أقاموا الصلاة وأتموا الفرائض وحفظوا الجوارح من المعاصى واستعدوا ليومهم كما أمر الله بالتقوى وهى خير زاد ليوم المعاد ولذا قال أحدهم فى تلك البشرى فى أمر تقى صالح رحل عن دنياهم فشيعوه إلى مثواه الأخير فكان نعشه كأنه يجرى للقاء ربه الكريم :
ودعته لرحيمٍ رَحمةُ الرَّبِّ الكريمِ
فأغذَّ السيرَ سبْقاً فأُجْهِدِ منا الحليمِ
ومضى وهو كريمٌ عندَهُ فضل عميمِ
فمن اشْتاقَتْ لـه الفردوس أم دارٍ النّعيمِ
وعد ربى فى القران قد أزلفت للمستقيم
أو أوَّاب حفيظ تعتنقهم فى حميمِ
البشرى السابعة والسبعون بشرى الفرح بفضل الله وبرحمته
وهى بشرى الهنا والسعادة والسرور إذ وعد الله اهل الإيمان أنهم إنما يدخلون الجنة برحمته لا بأعمالهم فيجبر كسورهم ويمحو عثراتهم ويهدى من روعهم فالفضل منه وله هو الذى أعانهم وهو الذى يقبلهم ويقيلهم ولذا فأينما تولى يامسلم تجد فضل الله ورحمة الله وعطف حبيبه ورسوله فأُبشِّروا إخوانى المسلمين والمؤمنين أجمعين بما أعدَّه الله لنا فى الدار الآخرة بل وإن الفرح بهذا الفضل وتلك المنة ليس ترفا أو نسيانا للآخرة وأن المؤمن يجب أن يكون تعيسا أو مكشِّراً وحزينا ولا كاسف البال وخائف وجل لأنه أمر إلهى لنا أن افرحوا واسعدوا بفضلى عليكم {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } كثير من الناس مشغولٌ بالعبادات والطاعات ويظن أنه يبلغ بها أعلى الدرجات وأرفع المنازل فى الجنات وأصحاب رسول الله كانوا كذلك فى البداية ولما وجدهم النبى مشغولين بالطاعات والعبادات والنوافل وظنوا أنها هى التى تدخلهم الجنة وتنيلهم المنازل العالية فى الجنة، قال لهم{مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ}[4] وفى رواية {إلاَّ أن يتغمدنى الله برحمةٍ منه وفضل} معنى هذا أننا عندما ننظر إلى ما نعمله من عمل إذا جرَّدناه من معونة الله وتوفيقه ماذا يبقى لنا منه؟ فإذا صلينا فمَنْ الذى حرَّك الأعضاء؟ وألهم العقل وحرَّك اللسان بالذكر والقرآن؟ ومَنْ الذى ذكرنا بموعد الصلاة، وجعله الواحد يستعد وغيره جالس يلهو ويهتم ولا يلبى فجسمه لا يلين ولا يقدريتحرك إلى بيت الله مَنْ الذى أعاننا على ذلك كله؟ ربُّ العالمين إذاً عندما ينظر المرء إلى الطاعة لا يفرح بالطاعة إلاَّ إذا نظر أولاً إلى مَنْ الذى وفَّقه لهذه الطاعة حتى يشكر الله على التوفيق لهذه الطاعة هل يستطيع أَحَدٌ - من الذى يستطيع أن يشكر الله على نعم الله وتوفيق الله جلَّ فى علاه؟ من أجل ذلك وجَّه الله نظرنا بأن نفرح أولاً بفضل الله وبرحمة الله وأول فضلٍ تفضَّل علينا به الله مَنْ مِنَّا شقَّ قلبه وكتب فيه الإيمان؟ هل هناك أحد اختار لنفسه الإيمان؟ من أين هذا الإيمان؟ قال تعالى فى {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} مَنْ منا يا إخوانى كتب فى قلبه لا إله إلاَّ الله مُحَمَّدٌ رسول الله؟ نسأل القرآن{أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}أعطانا الرُّوحَ التى علقتنا بالمساجد فنريد الصلاة ونحب القرآن، ونريد أن نحج ونود زيارة النَّبىِّ ونريد أن نتفقه فى الدين فالأمر كلُّه فضل الله، وتوفيقه ورحمته، ولذا قال أحد الصالحين فى سر فضل الله تعالى:
المنعم اللـه والمعطي هو اللـه والمخلصون لـه نالوا جميل رضاه
كم أنعم اللـه من فضل ومن هبة وكم أرى مخلصاً من نور معناه
لا تعجبن ففضل اللـه ذو سعة وهو القريب يراه من تولاه
الشيخ في هرم والطفل في صغر بالفضل يدركه والفاعل اللـه
لا بالعزيمة يعطي الفضل من أحدٍ الفضل بالفضل والمولى هو اللـه
كم من صغير سما بالفضل منزلة حتى رقى للعلي والمنعم اللـه
قد جل عن علل بل جل عن نسَبٍ يعطي بفضل عطاياه وجدواه
والنور لا يخفى والأسرار قد وضحت والشوق برهانه والود مبداه
لولا شهود جمال الحق ما عشقت تلك القلوب تجليه ومعناه
لولا عنايته بالمخلصين لـه ما هيموا وتحلوا منه بحلاه
هذا هو الفضل فضل اللـه يمنحه بالفضل أهل الصفا والواهب اللـه
البشرى الثامنة و السبعون بشرى الحفظ من عذاب الخزى
وهى بشرى خاصة للأمة المحمدية كيف ذلك؟ نحن أمة الحبيب المصطفى خصنا الله بإكرامات وإتحافات خاصة ليست لسوانا وقد خصنا الله بهذا الفضل والإكرام من أجل رسول الله فنحن أمة الحبيب {نحنُ الأولونَ والآخرونَ السابقونَ يومَ القيامةِ }[5] آخر الناس فى الدنيا ولكننا أولهم فى الحساب فلا نمكث فى الحساب طويلاً وهذا لمن يذهب للحساب وهم قلَّة قليلة ولذلك ورد فى الأثر أن رسول الله سأل ربه:أن ياربى لِمَ جعلت أمتى آخر الأمم؟قال:حتى لا يطول
مكثهم فى القبور، وحتى يطلعوا على مساوىء الأمم ولا يطلع على مساوئهم أَحَدٌ غيرى عرفنا ما عمله قوم نوح وبنو إسرائيل وقوم لوط وغيرهم أما نحن فمن الذى سيعرف ما عملناه؟ لا أحد إلاَّ الصبور سبحانه متى نحاسب؟ الأول قبل جميع الأمم مَنْ أول مَنْ يدخل الجنة؟ نحن لأن الله خصَّنا بفضله وبرحمته وقال لنا افرحوا بفضل الله وبرحمته يأتى فى الحساب – كل السابقين بما فيهم الأنبياء والمرسلون يخشون من أن يحاسبوا حساباً عاماً أمام الأنام وهذه فضيحة اسمها الخزى حفظنا الله جميعاً منها ولخطير شأنها وشديد هولها كان سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء بنفسه يدعو ربه ليل نهار ويقول {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} ويدعو لمن؟ لنفسه فقط لم يجمع معه أولاده وهم أنبياء ولا أمته ولا زوجه ولا أحد{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ولكن الله جمعنا نحن أمة رسول الله وقال أن هؤلاء من أجل النَّبىِّ من غير أن يطلبوا ولا أن يسألوا - ليس لهم شأن بالخزى والفضيحة [يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ] ليس النَّبىُّ بمفرده وإنما النبى وكل المؤمنين الذين معه فيابشرانا ويا سعدنا ويا هنانا بالحفظ من الخزى على رؤوس الأشهاد وإنما يحاسب الله أحدنا – إذا كان عليه حساب - فيدلى عليه جلابيب ستره وكما أخبر الحبيب { يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ. فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ قَالَ:فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ: هؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ}[6]لا يطلع أى أحدٍ على عمله حتى لا يُخزى ولا يفتضح أمره فمن يكون هذا ؟ هذا هو المؤمن التواب وحضرة النبى قال فيه{ كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاء، وَخيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ}[7] ولم يقل التائب ولو قالها لكانت توبةٌ مرّةً واحدة ولكن توابون فكل مايقع فى الذنب أو أخطأ يتوب فهؤلاء من لا يخزيهم الله ويجعلهم مجموعين عند حبيبه ومصطفاه فله الحمد والمنة وياهناء من سعدوا ففازوا بالحفظ من خزى يوم لقاء الله وقال أحدهم فى طلب النجاة من الخزى يوم البعث ومقارنا منة الله تعالى على النبى وأمته بلا إبتداء طلب منه كما جاء فى سورة التحريم مع ما قاله سيدنا إبراهيم الذى وفى من الشروط التى وضعها لمن يفوز بالحفظ من عذاب الخزى فقال:
لا تفز في العرض أبداً بالمراء لايجوز المرء إن عدم الرجاء
احذر الخزى إن رمت إحتباء يوم هتك الستر أو رفع الغطاء
عند بعث الخلق فى أرض عراء أكبر البلوى إفتضاح الأخفياء
قد تمنى الرسل حفظاً من بلاء إذ يخاف الخزى جدُّ الأنبياء
لا يفيد مالٌ أو وليدٌ أو فداء إلا قلبا قد حوى سر الصفاء
هذا قاله الخليلُ أبو الوفاء أما فى "التحريم" فالبشرى عطاء
أخبر الله النبى بلا إبتداء يوم لا يخزى الحبيب وأتقياء
من آمنوا بالحق معه فى احتماء ذاك فضل الله فزتم بالهناء
[1]ابن عساكر عن حذيفة
[2] جامع المسانيد والمراسيل عن عَلي بن أَبي طالِبٍ رضِي اللَّهُ عنْه
[3] الفواكة الدواني شرح رسالة القيرواني وإعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين
[4] رواه الطبراني عن أسامة بن شريك.
[5] عن أبى هريرةَ رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق، سنن الكبرى للبيهقي
[6] صحيح مسلم عن ابن عمر
[7] سنن الترمذي عن أنس.
اهل الصفاء
05-03-2012, 07:25 AM
البشرى التاسعة و السبعون بشرى ترضية العباد يوم التناد
وهى بشرى خاصة لقوم مخصوصين ونريد منكم أن تفتحوا آذان قلوبكم لتلك البشرى لدقة معانيها فإن الحياة تأخذ بنا يميناً ويساراً وقد قدَّمنا تفريطاً بقصد أو عن غير قصد فى حقوق أحد فإذا تنبهنا وتبنا لا تكمل التوبة إلا برد الحقوق إلى أهلها فمن الناس من يكرمه الله بذلك ومنهم من يتعذر عليه هذا لإنقطاع السبيل أو الوسيلة أو أمر خارج عن الإرادة مع بذل كلَّ ما فى الوسع والطاقة لرد الحق إلى أهله وهذه مسألة لا يدرك صدقها إلا الله فلا يستطيع أحد أن يقول قد حاولت جهدى والله يعلم غير ذلك منه فليس مثل هذا من أهل تلك البشرى إذ قال لنا قائلٌ منتبه: سمعنا في حديث رسول الله أن هناك بعض الناس سوف يتحمل الله عنهم نعم اسمعوا لرسول الله {يَأَتِي الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا ظَلَمَنِي، فَخُذْ لِي ظُلاَمَتِي، فَيُمَثِّلُ اللَّهُ لَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ قَصْراً، فِيهِ مِنْ خَيْرِ الآخِرَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ٱرْفَعْ رَأْسَكَ، فَيَرىٰ فِيهِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنَاهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لِمَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: ٱعْلَمْ هَذَا لِمَنْ عَفَا عَنْ أَخِيهِ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ }[1] نعم ستحدث تلك البشرى العظيمة وتتحقق لكن لمن؟ لمن حاول أن يذهب إلى أخيه – فى الدنيا – يرغب مصالحته ولكن كما يحدث فى هذا الزمان فيصرُّ أحدنا على ما فى نفسه وهو يعلم أنه أذنب فى حق أخيه ويقول: لن أتصالح معه أبداً فالمفروض أن يذهب إليه أو أرسل إليه - وإن كنت صاحب الحق لقوله النبى{ وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدأُ بِالسَّلاَمِ }[2] قال فيه النَّبىُّ { وَمَنْ أَتاهُ أَخوهُ مُتَنَصِّلاً - معتذراً - فَلْيَقْبَلْ ذٰلِكَ مِنْهُ مُحِقّاً كانَ أَوْ مُبْطِلاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرِدْ علَيَّ الْحَوْضَ }[3] وقوله { اقبلوا من التنصل محقاً كان أم مبطلاً، فمنن لم يقبل من متنصل عذره فلا نالته شفاعتي، أو قال فلا ورد على حوضي}[4] إقبل من المتنصل عذره وإن كان كاذباً إذاً فى الدنيا ليقبل أخوك أيضا تنصلك عنده لو أخطأت وأذنبت فى حقه وكنت مبطلاً فمن لم يقبل معذرة أخيه فلا شأن له بحوض رسول الله معنى هذا أن رسول الله غير راضٍ عنه فلا يذهب إليه ليشفع له ولا يستطيع هذا الإنسان أن يشرب من الحوض فمن يذهب إلى أخيه - بِهَذِهِ الكَيْفِيَّة - لكن أخوه يُصِرُّ على ما فى نفسه ويأبى الصلح - الحقُّ تبارك وتعالى يقول له: قد فعلت ما فى وسعك وأنا اليوم أرضِّيه فيرضيه الله يوم القيامة فيكون من أهل تلك البشرى العظيمة لكن الذي يُصِّرُ ويقول: لن أذهب إليه ولو فعل كذا وكذا، وربنا سيرضيه عنى يوم القيامة هذا لا ليس له نصيب فى تلك البشرى وقد أوضحناها بما فيه الكفاية حتى لا يتكاسل أحد ولا يتهاون أحد فى حقوق الخلق ويا سعد من حفظ نفسه من حقوقهم فلم يلغ فيها أبداً ونهاية أكرر وأقول لا بد أن نبذل كل المجهود الصادق لكى نخرج من الدنيا وليس علينا حقوقاً لأحد أبدا واسمع للشاعر الحكيم أحمد تقى الدين فى قصيدة من الحكمة يحكي فيها قصة رائعة جداً عن أخوين أحدهما حكم فأكل الحقوق وظلم العباد وفجر والآخر قُهِرَ وكُسِرَ! ثم تحرَّك وقام يطلب حقه فأعانه الله وجبر ضعفه فانتصر وفيها عبر وحكم:
حلية النفس بِرُّها فإذا ما عطلت أشبهت يباباً قفرا
ربِّ هَبنيَ خُلقاً ابر به الخَلق ولا تُعطيني ذكاء وتِبرا
ما افتخاري إذا أَسأْت فِعالاً واجدت المقال نظماً ونثرا
فاسمعوا قصة بها عِبر الدهر وذكِّر فقد تُفيد الذِكرى
وصغيرين قد خلقنا فاعطينا لـهذا كوخاً وذلك قصرا
وجعلنا من ذاك عبداً لـهذا وهو حرّ والأُم أَلقته حرّا
قسمةٌ للحظوظ استغفر القسّام ضِئزى لعلَّ في الأمر سرَّا
شبَّ هذا الصغير في قصر مَلْكٍ فأَتته رغائب العيش أَسرى
وجده أَبوه طفلاً فأَضحى مَلِكاً لا يعي من الأمر أمرا
حسبَ العرشَ مِلكَهُ فتعامى عن حقوق العباد عُسفاً ونُكرا
ودعا ظلمُهُ الرعيةَ للثورة فاجتاح قصره المشمخرا
فهوى العرشُ العروش إذا لم تتحصن بالعدل لن تستقِرا
ونشأ ذلك الفقير بمهد البؤس وهو البريء لم يأت وِزرا
ورث الفقر عن أَبيه وهل تحمل نفسٌ بريئةٌ وزر أُخرى
فشكا والأنام صُمٌّ وهل تسمع ذكر الفقير أُذنٌ وَقرى
كن إنِ اسطعت في الحياة قوياً فتجيءَ الحقوقُ نحوك قَسرا
وتولّى الردى أَباه وخلاَّه يتيماً يذوق صاباً ومُرّا
بين أترابه تراه ذليلاً فاقداً للذي يشدّ الأَزرا
ويرى المتخمينَ من جيرة الحيِّ فيشكو طوىً ويشبَع قهرا
وأَتى أُمَّه من الـهمِّ يبكي فحبته عطفاً حباه بِشرا
ثم قالت لا تبك فاللّه خيرُ حافظاً والشقاءُ لن يستمرَّا
إن هذي الحياة حرب فخذ عدّتها الصدقَ والـهدى والصبرا
والمعالي حسناءُ فاخطب وَلاها واعطها من فضائل النفس مَهرا
فالغنى يا بنيَّ في النفس والفقرُ من المال وحده ليس فقرا
فإذا ما أحرزتَ علماً وتهذيباً دعتك الدنيا حبيباً وصِهرا
وإذا ما كسلتَ بتّ يتيماً تشتكي والزمان يشكوك غِرَّا
فمشى في الحياة جنديَّها الواهبَ للمجد قلبَه والصَّدرا
ذاكراً نُصحَ أُمه وإذا الأُمّ ارتقت أَرضعت بنيها الكِبرا
والتظت ثورةٌ بها حائطُ المُلك تداعى والشعبُ حاز النصرا
فرأينا هذا الفقير مَليكاً أَترى الكوخَ كيف ساد القصرا
إنما الفقر في النفوس فإن هانت أَضاعت إرثاً وأَلفت خُسرا
والرسولُ العظيمُ كان يتيماً ملأ الكون بالـهِداية فخرا
عِبَرٌ كلـها الحياة ولكن أَين من يفتح الكتاب ويقرا
البشرى الثمانون بشرى الختام والسلامة والوئام
والآن وصلنا إلى خاتمة البشريات وكنت فى الحقيقة أحبُّ أن أجعلها أول البشريات لأنها فى ترتيب الدين قد تكون من أول البشريات لأنها أول ما تقابل من يدخل رحاب الإسلام! وأول ما كان النبى علم أصحابه ولكن آثرت أن أجعلها الخاتمة حتى لا ننساها هذه الأيام فأنا أرى هذه البشرى من أهم البشريات التى يحتاجها مجتمعنا فى يومنا وما سيتأتى من السنين والأعوام فقد إنتشرت الفرق والطوائف بين بنى الإسلام والكثير منها يقول أنا من فى النور و الباقون فى الظلام وياليتهم وقفوا عند القول بل أتبع ذلك بعضهم بالفعل وخرج من استحل الدم والعرض ونصب نفسه قاضياً ومنفذاً فأشاعوا الخوف والشحناء والفرقة والبغضاء وشوهوا صورة الدين السمحاء لا حول ولا قوة إلا بالله كيف هذا كيف يدعى مسلم أن له الحق أن يؤذى مسلماً آخر أو حتى غير مسلم من أبناء مجتمعه لأنه لا يوافقه الرأى؟ أو يختلف معه فى القضية! كيف يستبيح مسلم مالاً أو دماً أو عرضاً أويروع أحداً كيف والبشرى التى أريد أن أضعها أمام أعينكم وسأقول لكم لم أسميها بالبشرى هى قول الحبيب المصطفى الذى جمع كل أجناس البشر فى نسيج متجانس متكامل فقال{ كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ ، مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ، حَسْبُ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ }[5] فالبشرى أن المسلم قد أمن تماماً على نفسه فى مجتمع المسلمين أمن على ماله ودمه وعرضه أمن ليس من الإعتداء السافر وفقط بل أمن حتى من أبسط وأقل وأتفه مظاهر التعدى أمن من الهمز أو اللمز أو الغمز[6] أمن من أى مظهر من الإحتقار بالفعل أو الإشارة أو القول أمن من الترويع الفعلى أو القولى أو الهزلى أمن من حتى أن يشير إليه أحدٌ بحديدة أو بخشبة عوضاً عن سلاح معروف أمن من كل ما يؤذيه أو يضره فى كلِّ ما يخصه من نفسه وعرضه وأهله وماله أو فى ممتلكات المجتمع العامة التى ينتفع بها الجميع من ماء وهواء وظل وشجر وبحر وأرض وحيوان فضلاً عن ممتلكات الأفراد الخاصة أمن سواء كان الفاعل أو المتعدى متعمداً أو ساهياً أو هازلاً بقصد أو عن غير قصد أمن ألا يمسَّ مطلقاً إلا بحق الله الذى أحقته الشريعة البشرى أن المسلمون آمنون بحكم الله وبدستور دين الله آمنون جميعاً فى بيوتهم ومحالهم فى قراهم ومدنهم فى ليلهم ونارهم فمن يحميهم إذاً؟ يحميهم كل المسلمون بلا استثناء لأن كل مسلم حارس على دينه فلا يلزمه تكليفٌ شخصى بعد تكليف سيد الرسل والأنبياء من يريد بشرى فوق هذه فإننا بانتسابنا لدين الله صرنا فى حصون الحفظ المنيعة و التى لا يستطيع أحد أن يدخل إلينا فيها ليؤذينا لأننا محميون بكل الناس حولنا هذا بالطبع فضلاً عمن أوكل لهم المجتمع تلك الوظيفة العملية من قوات أمنية وكل من يقول لا إله إلا الله بنص الحديث الذى كلكم يحفظه عن ظهر غيب فقد عصموا أنفسهم وأموالهم إلابحقها وكلكم يعرف أن سيدنا أسامة لما قتل المشرك الذى صاح "لا إله إلا الله" لما اندفع إليه أسامة ليقتله صرخ بها صائحاً ليقى نفسه بالكلمة إلا أن أسامة لم يصدقه فقتله فظلَّ النبى يعاتبه دهراُ طويلاً: أقتلت رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله! وكان أسامة يقول: ولقد تمنيت أنى لو لم أسلم قبلها فكل مجتمع الإسلام محفوظ بقانون ودستور وشريعة الدين ومحمىٌ بالجنود وهم كل المسلمين ومحفوظ أيضاً من أن الله لا يعطى القضاء على الناس أو الحكم فيهم إلا لمن ولوه عليهم و لا يحق لأحد أن يولى نفسه قاضياً بأى حال أو زمن كان هذه هى البشرى فلنفرح ولنسعد فكلنا حارس محروس وحافظ محفوظ ولا يحق لأحد حتى ولو أن ينتقص حقك بإحتقار! فى معاملة أو فعل بل ولا يحق لأحد أن يظنَّ شراً أو سوءاً فى أحد فقد قال النبى وهو يطوف حول الكعبة يعظمها ويقدمها{ لا إله إلاّ الله، ما أَطْيَبَكِ وأَطْيَبَ رِيحَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، والمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، إنَّ الله تعالى جَعَلَكِ حَرَاماً، وحَرَّمَ مِنَ المُؤْمِنِ مَالَهُ ودَمَهُ وعِرْضَهُ، وأَنْ نَظُنَّ بِهِ ظَنّاً سَيِّئاً }[7] فحرمة المؤمن فوق حرمة الكعبة! وفوق حرمة الحجر وفوق حرمة الملائكة بنصوص الأحاديث وكل المسلم حرامٌ حرامٌ حرامٌ على المسلم حتى لا يحلَّ الظن السوء به إلا أن يكون فى شأن مباح للحيطة أو الحذر مع شواهد من عقل أو فهم وأختم البشرى بشيئين: الأول أن المسلم يحرم عليه المسلم كله ومعه يحرم أيضاً كل من دخل بلاد المسلمين فأقام بينهم أو مرَّ بهم أو من عاش فى وسطهم من ملَّة غيرهم أو عاهدهم أو ذهب هو لبلادهم وأقام بينهم أو مرَّ من عندهم فالمسلم لا يستبيح أنفساً لم تعتد ولم تفسد فلا يحق للمسلمين إيذاؤهم و لا إلحاق الضرر بهم فمجتمع المسلمين كله محفوظ من شر كله وكله حافظ نفسه عن ضرر كله ويشمل الحفظ كل داخل فى عهدهم ما حفظ عهده فمن فرط من مسلم أو غيره فأمره إلى ولى أمرهم ولا يقوِّم أمره أحد منهم بنفسه أما إسداء النصحية فهو عامٌ من كل من يحسنه لكل من يحتاجه مع الأخذ بقواعد النصيحة وسننها وثانياً سأورد حديثاً يجمع بعض الحقوق الواجبة للمسلمين بينهم، قال النبى { لا تَحَاسَدُوا ولا تَبَاغَضُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَدَابَرُوا ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بيعِ بعضٍ، وكونُوا عبادَ الله إِخواناً، المسلمُ أخُو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَهُنَايشيرُ إلى صَدْرِهِ ثلاثَ مراتٍ بِحَسْبِ امرىءٍ من الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أخاهُ المسلمَ كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ دَمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ}[8] وأضيفوا إلى هذا مئات الأحاديث والآيات والوقائع والحكايات فى حقوق المسلمين على أنفسهم فى مجتمعاتهم نسأل الله أن يعيننا على حفظ حقوق مجتمعنا وجيراننا
تم نقل الموضوع من كتاب[بشائر الفضل الإلهى]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=بشائر%20الفضل%20الإلهى&id=66&cat=7
[1] الديلمى عن أنس جامع المسانيد والمراسيل
[2] صحيح البخارى ومسلم عن أبى أيوب الأنصارى.
[3] المستدرك للحاكم عن أبى هريرة.
[4] الأمالى الشجرية عن الحسين عن على
[5] سنن أبي داوود،عن أبى هريرة
[6] الهمز باليد، والغمز بالعين، واللمز باللسان.
[7] رواه الطبراني في الكبير، وروى فى عشرات المراجع بصورة عديدة متقاربة
[8] رواه مسلم في الصحيح عن القَعْنَبِيِّ عن أبي هريرةَ، سنن الكبرى للبيهقي
دانة الكون
14-03-2012, 12:49 PM
جزاك الله خير
و جعله في موازين حسناتك
vBulletin® v3.8.12 by vBS, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.