سطام الشمري
25-07-2005, 07:31 PM
مذكرات مريض
اسمي احمد. اعمل في احدى الدوائر الحكومية في مدينة الخفجي. الا انني في اوقات الفراغ اكتب كثيرا واكل كثيرا ايضا. احب كتابت قصص الاطفال لكن هذه المره قررت كتابت بعض من مذكراتي في مستشفى عمليات الخفجي المشتركة.
انا لا احب المرض ولا احب زيارة المستشفيات. اعتدت على زيارتها فقط لاصطحاب احد افراد عائلتي او لعيادة بعض الاصدقاء.
في يوم السبت الربع عشرة من شهر فبرايرلعام 1998قررت زيارة المستشفى ليس لان بي مرض ولكن لحب الاستطلاع فقط. لا اعتقد ان احد منكم قد نسي هذا اليوم. كان اول يوم يفتتح فيه المبنى الجديد لمستشفى عمليات الخفجي المشتركة والذي أدارته شركة جاما لأعمال الخليج.
كانت تلك هي زيارتي الأولى للمستشفى والتي ندمت ما حييت عليهازكان يوما صاخبا ,ضج بالناس الكثير منهم. بعضهم مرضى وبعضهم أتى بصحبة مريض قريب له,والبعض الآخر طفيلي مثلي.
جميع موظفي المستشفى كانوا جدد والقليل منهم كان يتحدث باللغة العربيه. كان الجميع يعمل بجد وهمه, حسب نظام وتخطيط مسبق, الا ان القليل من الناس كان يتبع تعليماتهم. اما انا فقد ذهبت الى العيادات الخارجية , و الى قسم الطواريء, وتجولت في ممرات المستشفى ليس تائها ولكن متعمدا ومدعيا الجهاله.
تبدا ساعات العمل في الدوائر الحكوميه في تمام السابعه صباحا. الا انني اعتدت الذهاب الى مقر عملي متاخرا, لضيق الوقت او لالتزامي بايصال اولادي الى مدارسهم, لا اعلم. الغريب انني تدبرت امري في الذهاب الى المستشفى باكرا في الساعة السابعة الا ربع. كنت محظوظا كثيرا حيث دخلت الى العيادة في الساعة الحادية عشرة والنصف. بعض المراجعين اضطر للبقاء منتظرا حتى ساعة متاخرة, والبعض الاخر اضظر للعودة في يوم اخر.
دخلت الى الطبيب وادعيت ان بي وجعا في بطني. فحصني الطبيب ثم اوصى لي ببعض التحاليل المخبرية, قال ( انت في روه مكتبر، سوي تهليل دم). طبعا خرجت من العياده ولم اذهب الى المختبر لان الامركان كله كذبه.
عوضا عن ذلك ذهبت الى المنزل. تناولت طعام الغداء مع افراد عائلتي, قصصت عليهم حكايات كثيرة عن المبنى الجديد للمستشفى وعن شكل الممرضات والاطباء الجدد وكأنهم اتوا من كوكب اخر. هم اناس مثلنا ولكن كل شيء بدا غريبا, او ان الناس احبت ان تعتبره غريبا وغير مرحبا به. الاغرب من ذلك انني وبعد تناول الغداء شعرت بالم شديد في بطني لم اشعر به قط من قبل.وبما انني لا احب زياره المستشفيات تناولت اقراص مسكنة, حتى زال الالم.
تكررت نوبات الالم هذه حتى انني كنت اتغيب عن العمل و كان زملائي يقومون بالتستر علي لعدم وجود عذر لي.كيف لي ان احصل على العذر المرضي وانا لا احب زيارة المستشفى, خاصتا بعدما كثرت حديث الناس عن احوالها. اناس يوصف لهم دواء خطأ, واخرون يموتون او بالاحرى يقتلون, هكذا كانت تصفه الناس.
في احدى نوباتي وحين لم يعد للاقراص نفعا, أصرت زوجتي على ذهابي للمستشفى. اصطحبني احد جيراني الى قسم الطواريء. كانت الساعة التاسعة مساء , عاينني طبيب يتكلم العربيه لا اذكر اسمه, سألني الكثير من الاسئله ثم وصف لي حقنة مسكنه اعطاها لي احد الممرضين الفلبينيين. لم اشعر بوخزة الابره ربما لأن ألامي كانت شديده. ما ان بدات الامي تسكن حتى زارني طبيب اخر اجنبي. قيل لي انه الطبيب المناوب. عاينني مرة اخرى وعاود سؤالي كما الطبيب الاول الا انه اسهب. مرة يسالني بكلمات عربية مكسوره مستندا بالاشاره, ومرة يقوم الطبيب الاول بالترجمة بيننا.
سألني الكثير من الاسئله وكأنني كنت في مقابلة شخصية, حتى انني لم اكترث لاي من كلماته, كل ما همني هو متى يسكن الالم. اجريت لي تحاليل وفحوصات كثيرة, مثل السونار, تخطيط القلب … لا اذكر!.
كان كل شيء كالحلم, الجميع بدا طويلا كيف لا وانا مستلق على السرير. يتحدثون بالانجليزية ولا افهم! مع ان درجاتي في مادة اللغة الانجليزية كانت دائما مرتفعة, عندما كنت طالبا في المدرسة.
امضيت ست ساعات في قسم الطواريء, ثم صرحوا لي بالخروج. اعطيت موعدا لاراجع طبيبي في العيادات الخارجية, لكنني ابدا لم اريد الذهاب. كل ما اردته هو ان يزول الالم وقد زال.
ولكن مشيأة الله كانت ان زرت طبيبي في عيادته عدة مرات.كانت المواعيد تعطى لي على جهاز الحاسوب. اعتدت على ان انتظر خارج العيادة من خمس دقائق الى ربع ساعة لا اكثر.
في احدى المرات دخلت على طبيبي وكان بيده ملفي, فيه جميع نتائج التحاليل و الفحوصات التي اجريت لي. كنت قد وقعت على اقرار الموافقة على اجراء عمليه. نعم! عمليه جراحية لاستئصال المرارة. نصحني الطبيب بذلك بعد ان أكدت نتائج التحاليل و الفحوصات وجود حصيات في مرارتي, و التي كانت تسبب لي الالم الشديد.
كان الطبيب قد شرح لي ايضا عن امكانية اجراء جراحة بالمنظار عوضا عن جراحة فتح البطن.
بعد ان انتهى الطبيب من كتابة اوراق الدخول, اسطحبتني احدى الممرضات الى عنبر الرجال في الطابق العلوي. كان الممرضون بانتظاري, تحدثوا مع الممرضه و اخذوا منها جميع اوراقي.
ادخلت الى غرفة بسريرين, ومن حسن حظي لم يكن يشاركني فيها احد. الا انني زرت بعض من الغرف المجاوره وتعرفت على من فيها من مرضى, الصغير منهم والكبير. منهم من كانت قد اجريت له عملية جراحيه وكان بانتظار تصريح بالخروج, ومنهم من هو على انتظار مثلي. كان الجميع يرتدون ملابس زرقاء مثل التي اعطاها لي الممرض.
كان يوما طويلا ومملا. ساعة استلقي على السرير و اكتب بعضا من مذكراتي, وساعة كنت اتحدث مع زملائي المرضى. تحدثت ايضا مع الكثير من الممرضين ممن عملوا في الفترة الصباحية واخرون ممن عملوا في الفترة المسائية. هكذا امضيت يومي الى ان اتت ساعة الزيارة, وحضرت عائلتي . كانت زوجتي قد اعدت لي طعاما شهيا, لكن رجال الامن لم يسمحوا لها بان تصعد به الى الطابق العلوي.
عوضا عن ذلك تناولت طعاما من المستشفى. مع انه كان شهيا الا اننى لم انتاول الكثير منه, ربما لاني كنت قلقا. زوجتي لم يعجبها الطعام , قالت لي ( اكل البيت احسن).
في المساء وبعد ان غادر الزوار, كان الممرضون في كل مره يدخل علي احدهم يقول ( ما في اكل ما في اشرب , انت في صوم سام سام رمضان )او يقول (ما في اشرب مويا , كلاص انت في امليه بكرى).
في الصباح الباكر حضر الي اثنان من الممرضين طلبوا مني نزع كل ملابسي و اعطوني ثوبا اخر ابيض باكمام قصيره , مفتوح من الخلف و به شرائط للربط, واعطوني ايضا غطاء للرأس قرطاسي ولونه ازرق. بعد ان ارتديت ملابسي اخذوني الى غرفة اخرى كان بها سرير وادراج فيها معدات طبية, ظننت ان تلك كانت غرفة العمليات لكنني كنت مخطأ. استلقيت على السرير, ثم ادخلوا لي ابرة في يدي اليمنى اوصلت بمحلول مغذا. عدت الى غرفتي وانتظرت لبضع دقائق, عاد الممرضان وادخلا معهما سريرا ذي حواحز, مرتفعا بعض الشيء عن اللذي كنت انام عليه. تسلقت السريرثم بدأوا بجر السرير الى الخارج. انتابني الرعب, فسألتهما الى اين ياخذانني. اجابني احدهما (انت فيه روه جرفه عمليه الهين).
اخذني الممرضان عبر ممرات القسم حتى دخلنا المصعد. ومن المصعد خرجنا الى ممرات مشابهة لتلك التي في عنبر الرجال, الا انها كانت اطول وبها شبابيك واسعه. انتهى بي المطاف الى باب العمليات. عرفت ذلك لوحدي لم يخبرني احد. كان جميع من في قسم العمليات يلبسون قميصا وسروالا اخضرين وغطاء للرأس مثل اللذي كنت ارتديه, وعلى وجوههم كمامات.
رايت ايضا احد الاطباء الذين زاروني وانا في عنبر الرجال, كان طبيب التخدير, مصري الجنسيه.كان مستبشرا وضاحكا. حدثني بظرف حتى انه اضحكني وبث في نفسي السرور. امر بادخالي الى غرفه العمليات . اخذت الى الداخل. ساد المكان اللون الخضر ليس كما هو في عنبر الرجال اللون الازرق. بدا المكان واسعا جدا, كنت انظر بلهفه من حولي ومن فوقي الى ان قال لي احدهم ( اجي هنا في سرير تاني ). انتقلت الى سرير اخر بدون حواجز, كان ضيقا بعض الشيء, بعرضي تقريبا.
رأيت اناس كثر,بعضهم يرتدي ملابس خضراء باكمام طويله, وقفازات بايديهم. كان من بينهم طبيبي الجراح. القى علي السلام عندما رأني. قام طبيب التخدير بسؤالي عدة اسأله, استطعت الاجابة عليها كلها ما عدا اخر سؤال. ليس لانه كان صعبا او محرجا بل لأنني شعرت بنعاس شديد فاغلقت عيناي لوهله. وعندما فتحتهما بدا لي السقف مختلفا وكنت على سريري ذي الحواجز. قال لي فني التخدير الذي كان يضع لى كمام اكسجين على وجهي (كودي نفس, كلاس امليه). كيف ذلك وانا قد اغمضت عيني لتوي! لم اصدق ذلك حتى ارتني الممرضه علبتان صغيرتان شفافتان في احداهما كانت الحصيات وفي الأخرى المرارة. قيل لي أن العملية الجراحية قد استغرقت ساعة وبضع دقائق.
خرجت من المستشفى في اليوم السابع. كنت قد مررت على الصيدلية وأعطيت دواء وصفه لي الطبيب. راجعت المستشفى بعدها مرارا على حسب المواعيد التي أعطيت لي عند خروجي. مرة لتنظيف الجروح و مرة لنزع الخيوط. كانت توجد أربع جروح في بطني. كان الواحد منها
بحجم رأس الأصبع . عجبا ان حصياتي بدت اكبر بكثير من الجرح.
احمد الله على ان عدت الى اهلي سالما. واشكر له فضله ان جعل روحي بين ايد اناس امناء.صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا )
انتهى
اسمي احمد. اعمل في احدى الدوائر الحكومية في مدينة الخفجي. الا انني في اوقات الفراغ اكتب كثيرا واكل كثيرا ايضا. احب كتابت قصص الاطفال لكن هذه المره قررت كتابت بعض من مذكراتي في مستشفى عمليات الخفجي المشتركة.
انا لا احب المرض ولا احب زيارة المستشفيات. اعتدت على زيارتها فقط لاصطحاب احد افراد عائلتي او لعيادة بعض الاصدقاء.
في يوم السبت الربع عشرة من شهر فبرايرلعام 1998قررت زيارة المستشفى ليس لان بي مرض ولكن لحب الاستطلاع فقط. لا اعتقد ان احد منكم قد نسي هذا اليوم. كان اول يوم يفتتح فيه المبنى الجديد لمستشفى عمليات الخفجي المشتركة والذي أدارته شركة جاما لأعمال الخليج.
كانت تلك هي زيارتي الأولى للمستشفى والتي ندمت ما حييت عليهازكان يوما صاخبا ,ضج بالناس الكثير منهم. بعضهم مرضى وبعضهم أتى بصحبة مريض قريب له,والبعض الآخر طفيلي مثلي.
جميع موظفي المستشفى كانوا جدد والقليل منهم كان يتحدث باللغة العربيه. كان الجميع يعمل بجد وهمه, حسب نظام وتخطيط مسبق, الا ان القليل من الناس كان يتبع تعليماتهم. اما انا فقد ذهبت الى العيادات الخارجية , و الى قسم الطواريء, وتجولت في ممرات المستشفى ليس تائها ولكن متعمدا ومدعيا الجهاله.
تبدا ساعات العمل في الدوائر الحكوميه في تمام السابعه صباحا. الا انني اعتدت الذهاب الى مقر عملي متاخرا, لضيق الوقت او لالتزامي بايصال اولادي الى مدارسهم, لا اعلم. الغريب انني تدبرت امري في الذهاب الى المستشفى باكرا في الساعة السابعة الا ربع. كنت محظوظا كثيرا حيث دخلت الى العيادة في الساعة الحادية عشرة والنصف. بعض المراجعين اضطر للبقاء منتظرا حتى ساعة متاخرة, والبعض الاخر اضظر للعودة في يوم اخر.
دخلت الى الطبيب وادعيت ان بي وجعا في بطني. فحصني الطبيب ثم اوصى لي ببعض التحاليل المخبرية, قال ( انت في روه مكتبر، سوي تهليل دم). طبعا خرجت من العياده ولم اذهب الى المختبر لان الامركان كله كذبه.
عوضا عن ذلك ذهبت الى المنزل. تناولت طعام الغداء مع افراد عائلتي, قصصت عليهم حكايات كثيرة عن المبنى الجديد للمستشفى وعن شكل الممرضات والاطباء الجدد وكأنهم اتوا من كوكب اخر. هم اناس مثلنا ولكن كل شيء بدا غريبا, او ان الناس احبت ان تعتبره غريبا وغير مرحبا به. الاغرب من ذلك انني وبعد تناول الغداء شعرت بالم شديد في بطني لم اشعر به قط من قبل.وبما انني لا احب زياره المستشفيات تناولت اقراص مسكنة, حتى زال الالم.
تكررت نوبات الالم هذه حتى انني كنت اتغيب عن العمل و كان زملائي يقومون بالتستر علي لعدم وجود عذر لي.كيف لي ان احصل على العذر المرضي وانا لا احب زيارة المستشفى, خاصتا بعدما كثرت حديث الناس عن احوالها. اناس يوصف لهم دواء خطأ, واخرون يموتون او بالاحرى يقتلون, هكذا كانت تصفه الناس.
في احدى نوباتي وحين لم يعد للاقراص نفعا, أصرت زوجتي على ذهابي للمستشفى. اصطحبني احد جيراني الى قسم الطواريء. كانت الساعة التاسعة مساء , عاينني طبيب يتكلم العربيه لا اذكر اسمه, سألني الكثير من الاسئله ثم وصف لي حقنة مسكنه اعطاها لي احد الممرضين الفلبينيين. لم اشعر بوخزة الابره ربما لأن ألامي كانت شديده. ما ان بدات الامي تسكن حتى زارني طبيب اخر اجنبي. قيل لي انه الطبيب المناوب. عاينني مرة اخرى وعاود سؤالي كما الطبيب الاول الا انه اسهب. مرة يسالني بكلمات عربية مكسوره مستندا بالاشاره, ومرة يقوم الطبيب الاول بالترجمة بيننا.
سألني الكثير من الاسئله وكأنني كنت في مقابلة شخصية, حتى انني لم اكترث لاي من كلماته, كل ما همني هو متى يسكن الالم. اجريت لي تحاليل وفحوصات كثيرة, مثل السونار, تخطيط القلب … لا اذكر!.
كان كل شيء كالحلم, الجميع بدا طويلا كيف لا وانا مستلق على السرير. يتحدثون بالانجليزية ولا افهم! مع ان درجاتي في مادة اللغة الانجليزية كانت دائما مرتفعة, عندما كنت طالبا في المدرسة.
امضيت ست ساعات في قسم الطواريء, ثم صرحوا لي بالخروج. اعطيت موعدا لاراجع طبيبي في العيادات الخارجية, لكنني ابدا لم اريد الذهاب. كل ما اردته هو ان يزول الالم وقد زال.
ولكن مشيأة الله كانت ان زرت طبيبي في عيادته عدة مرات.كانت المواعيد تعطى لي على جهاز الحاسوب. اعتدت على ان انتظر خارج العيادة من خمس دقائق الى ربع ساعة لا اكثر.
في احدى المرات دخلت على طبيبي وكان بيده ملفي, فيه جميع نتائج التحاليل و الفحوصات التي اجريت لي. كنت قد وقعت على اقرار الموافقة على اجراء عمليه. نعم! عمليه جراحية لاستئصال المرارة. نصحني الطبيب بذلك بعد ان أكدت نتائج التحاليل و الفحوصات وجود حصيات في مرارتي, و التي كانت تسبب لي الالم الشديد.
كان الطبيب قد شرح لي ايضا عن امكانية اجراء جراحة بالمنظار عوضا عن جراحة فتح البطن.
بعد ان انتهى الطبيب من كتابة اوراق الدخول, اسطحبتني احدى الممرضات الى عنبر الرجال في الطابق العلوي. كان الممرضون بانتظاري, تحدثوا مع الممرضه و اخذوا منها جميع اوراقي.
ادخلت الى غرفة بسريرين, ومن حسن حظي لم يكن يشاركني فيها احد. الا انني زرت بعض من الغرف المجاوره وتعرفت على من فيها من مرضى, الصغير منهم والكبير. منهم من كانت قد اجريت له عملية جراحيه وكان بانتظار تصريح بالخروج, ومنهم من هو على انتظار مثلي. كان الجميع يرتدون ملابس زرقاء مثل التي اعطاها لي الممرض.
كان يوما طويلا ومملا. ساعة استلقي على السرير و اكتب بعضا من مذكراتي, وساعة كنت اتحدث مع زملائي المرضى. تحدثت ايضا مع الكثير من الممرضين ممن عملوا في الفترة الصباحية واخرون ممن عملوا في الفترة المسائية. هكذا امضيت يومي الى ان اتت ساعة الزيارة, وحضرت عائلتي . كانت زوجتي قد اعدت لي طعاما شهيا, لكن رجال الامن لم يسمحوا لها بان تصعد به الى الطابق العلوي.
عوضا عن ذلك تناولت طعاما من المستشفى. مع انه كان شهيا الا اننى لم انتاول الكثير منه, ربما لاني كنت قلقا. زوجتي لم يعجبها الطعام , قالت لي ( اكل البيت احسن).
في المساء وبعد ان غادر الزوار, كان الممرضون في كل مره يدخل علي احدهم يقول ( ما في اكل ما في اشرب , انت في صوم سام سام رمضان )او يقول (ما في اشرب مويا , كلاص انت في امليه بكرى).
في الصباح الباكر حضر الي اثنان من الممرضين طلبوا مني نزع كل ملابسي و اعطوني ثوبا اخر ابيض باكمام قصيره , مفتوح من الخلف و به شرائط للربط, واعطوني ايضا غطاء للرأس قرطاسي ولونه ازرق. بعد ان ارتديت ملابسي اخذوني الى غرفة اخرى كان بها سرير وادراج فيها معدات طبية, ظننت ان تلك كانت غرفة العمليات لكنني كنت مخطأ. استلقيت على السرير, ثم ادخلوا لي ابرة في يدي اليمنى اوصلت بمحلول مغذا. عدت الى غرفتي وانتظرت لبضع دقائق, عاد الممرضان وادخلا معهما سريرا ذي حواحز, مرتفعا بعض الشيء عن اللذي كنت انام عليه. تسلقت السريرثم بدأوا بجر السرير الى الخارج. انتابني الرعب, فسألتهما الى اين ياخذانني. اجابني احدهما (انت فيه روه جرفه عمليه الهين).
اخذني الممرضان عبر ممرات القسم حتى دخلنا المصعد. ومن المصعد خرجنا الى ممرات مشابهة لتلك التي في عنبر الرجال, الا انها كانت اطول وبها شبابيك واسعه. انتهى بي المطاف الى باب العمليات. عرفت ذلك لوحدي لم يخبرني احد. كان جميع من في قسم العمليات يلبسون قميصا وسروالا اخضرين وغطاء للرأس مثل اللذي كنت ارتديه, وعلى وجوههم كمامات.
رايت ايضا احد الاطباء الذين زاروني وانا في عنبر الرجال, كان طبيب التخدير, مصري الجنسيه.كان مستبشرا وضاحكا. حدثني بظرف حتى انه اضحكني وبث في نفسي السرور. امر بادخالي الى غرفه العمليات . اخذت الى الداخل. ساد المكان اللون الخضر ليس كما هو في عنبر الرجال اللون الازرق. بدا المكان واسعا جدا, كنت انظر بلهفه من حولي ومن فوقي الى ان قال لي احدهم ( اجي هنا في سرير تاني ). انتقلت الى سرير اخر بدون حواجز, كان ضيقا بعض الشيء, بعرضي تقريبا.
رأيت اناس كثر,بعضهم يرتدي ملابس خضراء باكمام طويله, وقفازات بايديهم. كان من بينهم طبيبي الجراح. القى علي السلام عندما رأني. قام طبيب التخدير بسؤالي عدة اسأله, استطعت الاجابة عليها كلها ما عدا اخر سؤال. ليس لانه كان صعبا او محرجا بل لأنني شعرت بنعاس شديد فاغلقت عيناي لوهله. وعندما فتحتهما بدا لي السقف مختلفا وكنت على سريري ذي الحواجز. قال لي فني التخدير الذي كان يضع لى كمام اكسجين على وجهي (كودي نفس, كلاس امليه). كيف ذلك وانا قد اغمضت عيني لتوي! لم اصدق ذلك حتى ارتني الممرضه علبتان صغيرتان شفافتان في احداهما كانت الحصيات وفي الأخرى المرارة. قيل لي أن العملية الجراحية قد استغرقت ساعة وبضع دقائق.
خرجت من المستشفى في اليوم السابع. كنت قد مررت على الصيدلية وأعطيت دواء وصفه لي الطبيب. راجعت المستشفى بعدها مرارا على حسب المواعيد التي أعطيت لي عند خروجي. مرة لتنظيف الجروح و مرة لنزع الخيوط. كانت توجد أربع جروح في بطني. كان الواحد منها
بحجم رأس الأصبع . عجبا ان حصياتي بدت اكبر بكثير من الجرح.
احمد الله على ان عدت الى اهلي سالما. واشكر له فضله ان جعل روحي بين ايد اناس امناء.صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا )
انتهى