اميرة
19-04-2012, 03:16 PM
الاتزان في أصول العبادة:
الخوف والرجاء والمحبة
السلام عليكم جميعا
احبتي في الله
لا تستهينوا بتلك الكلمات فهي من اصول العباده
ان انتشار المعاصي والمنكرات في أوساط المسلمين؛ والتجرؤ على محارم الله، هو فساد الاتزان بين أصول العبادة، فلا يخاف الله -حقيقة- من تجرأ على محارم الله، ولا عبد الله حق عبادته من تعلق بالرحمة والغفران والتوبة على المذنبين، وإنْ حشَدَ كلَ نصوص الشرع من آيات وأحاديث وآثار، فان ذلك لا يعفيه أن يوحد الله في أفعاله القلبية لذلك كان مناط الاجر في الشريعة على الاخلاص ومداره على النية وقصد الالتجاء.
وقد شبه بعض السلف العبادة تشبيها بليغا يوصل المفهوم الصحيح للعبادة بما هو مؤمول منها، فقالوا ان العبادة كطائر بجناحين يحملانه على التحليق والطيران، لا يعمل احدهما إلا بوجود الآخر وإلا سقط وهوى. قال الغزالي: فإن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقامٍ محمودٍ(1) وقال ابن القيم: الحب بمنزلة الرأس للطائر، والخوف والرجاء جناحاه. متى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر. كذلك المؤمن، إذا تعادل فيه الخوف والرجاء استطاع السير إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا اختلّ أحدُ الركنين اختلّ إيمانه.
إن للقلوب أعمال، يقول ابن القيم – رحمه الله-: «والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح»، أن أصل العمل هو عمل القلب وذلك لأنه لا يقبل عمل أو قول إلا بنية، وما كان في القلب لا بدَّ أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح بالأعمال الظاهرة.
وأجمع السلف -رضوان الله عليهم- أن مبنى العبادة على ثلاثة أصول: الخوف والرجاء والمحبة، الخوف من عذابه، والرجاء لثواب الله -عز وجل- ورحمته، ومحبة الله، وكل منها فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب، فلهذا كان السلف يذمون من تعبد بواحد منها وأهمل االآخرين. قال ابن تيمية رحمه الله: «قال بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد»(2) مصداقا لذلك قوله تعالى:{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً(الاسراء:57} والوسيلة هي التقرب إلى الله بالعمل الصالح. والتقرب لا يكون الا لحبيب.
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وهي التي خلق الله الخلق من أجلها، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
وشرط العبادة التي أمر الله بها لا تسمى عبادةً إلا مع توحيد الله تعالى، فلا تصح العبادة مع الشرك، ولا يوصف أحد بأنه عبد لله تعالى إلا مع تحقيقه التوحيد، وإفراد الله تعالى وحده بالعبادة ، فمن عَبَد الله تعالى وأشرك معه غَيْرَه فليس عبدا لله.
إن استنهاضَ أصل واحد والاعراضَ عن الأصلين الآخرين، هو سببٌ في الاغراق في الضلال، فالتعلق بواحد منها يوقع الانسان في وهم النزيين الذي يلبسه الشيطان بادعاء صرف التبريرات -لاي عمل صالح- بصفات الرحمة والتوبة والغفران لله سبحانه وتعالى، ويغلف التزيين للمسلم باظهار الكم الهائل من النصوص الشرعية التي تظهر فيها الرحمة والغفران امام ناظريه حتى يقع في المحظور كاضافة عبادة لم يقرها الشرع او تخصيص زمان ومكان لعبادة صحيحة غير الصورة التي ابيحت فيها، وكما جاءت على لسان النبي الذي لا ينطق عن الهوى.
التعلق بالمحبة
قال ابن تيمية- رحمه الله-: «ومحبة الله هي أصل الإيمان الذي هو عمل القلب وبكمالها يكمل»(3) فأصل الايمان الَّذِي يَأْمر بِفعل الْوَاجِب وَينْهى عَن فعل الْقَبِيح، فان كل حركة في الوجود إنما تصدر عن محبة. فعن أنس --: أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال: متى الساعة ؟ قال: "وماذا أعددت لها", قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي - -: " أنت مع من أحببت" قال أنس: فأنا أحب النبي -- وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم(4)
إن محبة الله اساسُ كل عمل صالح او هكذا ينبغي، بيد أن قصْدَ الالتجاء لله تعالى ان خالطه رياءٌ مدعاة ٌ للتهلكة، لأن الرياءَ شركٌ قال رسول الله :" إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : و ما الشرك الأصغر ؟ قال: الرياء ، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟!"(5)
والقلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل وتمكنت منه كانت محبة المخلوقين له سكنا.
فإن كانت محبة الله ثابتة في قلب العبد نشأت عنها حركات الجوارح فكانت بحسب ما يحبه الله ويرتضيه ودفعا لهوى النفس.
قال ابن رجب رحمه الله : فمحبة الله سبحانه وتعالى توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات، وكراهة ما يكرهه من المحرمات، فإن المحبة التامة تقتضي الموافقة لمن يحبه في محبة ما يحبه، وصدق القائل:
تعصى الإلهَ وتزعُمُ حبّـــَه هذا لعمري في القياسِ شنيعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته إن المحبَّ لمن يحــبُّ مُطيــعُ
قال ابن الجوزي- رحمه الله: «حقيقة المحبة: هي موافقة المحبوب في محابِّه فيحب ما يحبه محبوبه»(6)، فمحبة الله عز وجل تستلزم محبة ما يحبه.
وبالمحبة تقام العبادات وتتعدى معنى التكاليف، لأن المؤمنين يجدون للعبادة حلاوة ولذة، فالصلاة قرة أعينهم والأوامر سرور قلوبهم وغذاء أرواحهم وحياتهم، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أرحنا بها يا بلال ! "(7) وكان مِسْعَرٌ الخُزَاعَي يقول: "ليتني صليت فاسترحت"(8) وثبت في الصحيح ان رسول الله قال:"ولهذا قال " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وما أقرب الراحة من قرة العين
وقد أشار القرآن للعلاقة بين المحبة والطاعة وأشار الى الطريق الواجب اتباعه لتحقيق هذه المحبة: اتباع النبي فيما قال او فعل او قرره:
قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (:آل عمران:31)}
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النور:54)}
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد:33)}
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء:59)}
« قال الفضيل بن عياض: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً: لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة»(9)
فالتعلق بالمحبة مع اهمال الرجاء والخوف يبْعَث النَّفس على اتِّبَاع هَواهَا حتى يقال إِن الْمُحب لَا تضره الذُّنُوب وأن الله سيَتُوب عَلَيْهِ مِنْهَا؛ فصاروا مثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين قَالُوا: {نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه}(10) فَصَارَ فيهم زندقة من هَذَا الْوَجْه، ويحتجون في ذلك بالإرادة الكونية وأنه مطيع لها وبما كتبه الله من القدر ويعلقون اعمالهم بها وقد قال الله تعالى بشانهم :{لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا}(11)] وقالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم}(12)
من ضل من الفرق بهذا الباب : الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود والجهمية ،والصوفية لأنهم أخذوا جانب المحبة فقط لأن عندهم المحبة لا تقترن بالخوف ، فقادهم ذلك وآلت بكثير من الجهال المغرورين إلى أنهم استغنوا بها عن الواجبات وقالوا المقصود من العبادات إنما هو عبادة القلب. فإذا اقترنت بالخوف جُمِعا على الطريق القويم برجاء رحمة الله.
التعلق بالرجاء
قال تعالى : ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:9], ﴿ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:218].
قال القرطبي- رحمه الله-: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله - عز وجل- حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان
من فضل الرجاء : انه يدفع المؤمن الى حسن الظن بالله ويؤول به الى التوبة، قال ابن القيم رحمه الله في فضل الرجاء : أن في الرجاء - من الانتظار والترقب والتوقع لفضل الله - ما يوجب تعلق القلب بذكره ودوام الالتفات إليه.
أما ترك العمل، والتمادي في الذنوب؛ اعتماداً على رحمة الله، وحسن الظن به عز وجل فليس من الرجاء في شيء، بل هو جهل، وسفه، وغرور؛ قال ابن القيم : وهذا الضرب في الناس قد تعلق بنصوص الرجاء، واتَّكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا، والانهماك فيها، سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله، ومغفرته، ونصوص الرجاء.(13)
وعبادة الله بالرجاء لوحده، تورث الاعتراض على أحكام الله؛ فكم من يتمنى حصول شيء مرغوب، واذا لم يحدث انقلب على عقبيه، قال تعالى:{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (*)} حتى يتمادى في الخسارة فيقع في الشرك-والعياذ بالله- {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (*) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (11-13)الحج}. قال ابن القيم: إن القلب إذا تعلق بالرجاء ولم يظفر بمرجوه: اعترض حيث لم يحصل له مرجوه وهو أن يعترض على ربه تعالى بما يرجو منه لأن الراجي متمن لما يرجو، كاعتراضه على القدر وعدم الرضى بما سبق به القضاء(14) وبالجملة: فالرجاء ضرورى للمريد السالك والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه وعيب يرجو إصلاحه وعمل صالح يرجو قبوله واستقامة يرجو حصولها ودوامها وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها ولا ينفك أحد من السالكين عن هذه الأمور أو بعضها"
من ضل من الفرق الاسلامية في هذا الباب : فرقة المرجئة: فالرجاء عِنْدهم أغلب من الْخَوْف ولأنهم قالوا لا يضر مع الايمان ذنب، فطريقة المرجئة فيها أمنٌ من مكر الله.
التعلق بالخوف:
قد أَمر سبحانه بالخوف منه فى قوله: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، فجعل الخوف منه شرطاً فى تحقق الإيمان، والمعنى: إن كنتم مؤمنين فخافونى، والمقصود: أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه. ودلت هذه الآية الكريمة على أن الخوف عبادة من العبادات فلزم من ذلك توحيده فيها توحيدا بافعالنا فالواجب ألا يخاف العبد إلا ربه- جل وعلا- ، وألا يخاف أولياء الشيطان. قال الله تعالى :{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } والمعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة وعليه أكثر المفسيرين: والتقدير : يُخوّفُ الشيطانُ الناسَ أولياءَه.
الخوف إذا كان في القلب ، فإن العبد سيسعى في مرضاة الله ويبتعد عن مناهيه ، وسيعظم الله - جل وعلا - ويتقرب إليه بالخوف الذي يترتب عليه العمل بطاعة الله وترك معصيتة.
لذلك قال ابن القيم رحمه الله: منزلة الخوف، وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".
ثواب هذه المنزلة : الجنة قال عز وجل: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [النازعات:40].
فالغلو في الخوف يقود الى الضلال باستبعاد رحمة الله، وكلامهم مرود عليهم لقوله تعالى: " {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(15) لأن ذلك مدعاة الى استبعادٌ لرحمة الله عزّ وجلّ وسوءُ ظنٍّ بالله عزّ وجلّ.
ومن ضل من الفرق في هذا الباب: فرقة الخوارج وقادهم هذا الايمان الى تكفير المسلمين بالصغائر وبالاصرار على فعلها، ويخلِّدونه في النار، وهذا يأس من رحمة الله، نسأل الله العافية، فطريقة الخوارج فيها يأسٌ من رحمة الله.
العلاقة بين الاصول
الأمن من مكر الله خسران، اليأس من روحه كفران، والقنوط من رحمة الله ضلال وطغيان وعبادة الله -عز وجل- بالحب والخوف والرجاء وتوحيد وإيمان
الخوف يتعلق بعقاب الله والمحبة تتعلق بذاته وما يستحقه تبارك وتعالى فأين أحدهما من الآخر ولهذا كان دين الحب أثبت وأرسخ من دين الخوف وأمكن وأعظم تأثيرا، وشاهد ما نراه من طاعة المحب لمحبوبه وطاعة الخائف لمن يخافه كما قال بعض الصحابة إنه ليستخرج حبه مني من الطاعة ما لا يستخرجه الخوف(16)
إن المحبة لا تنفك عن الرجاء فكل واحد منهما يمد الآخر ويقويه
أن الخوف مستلزم للرجاء . والرجاء مستلزم للخوف . فكل راج خائف . وكل خائف راج . ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف . قال الله تعالى : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال كثير من المفسرين : المعنى ما لكم لا تخافون لله عظمة ؟ قالوا : والرجاء بمعنى الخوف والتحقيق أنه ملازم له . فكل راج خائف من فوات مرجوه . والخوف بلا رجاء يأس وقنوط
كل محبة مصحوبة بالخوف والرجاء على قدر تمكنها من قلب المحب
أن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة ، ويلقيه فيها . فإنه كلما اشتد رجاؤه وحصل له ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى ، وشكرا له ، ورضا به وعنه . وإذا حصل له مرجوه كان أدعى لشكره
عباد الله
لا تكونوا ممن إذا ذُكرت ذنوبه تنفس بالخوف وإذا ذكرت رحمة ربه وسعة مغفرته وعفوه تنفس بالرجاء وإذا ذكر جلاله وكماله وإحسانه تنفس بالحب
فليزن العبد إيمانه بهذه الأنفاس الثلاثة ليعلم ما معه من الإيمان، فالعبد المؤمن بين الخوف والرجاء كما قال تعالى: {ويرجون رحمته ويخافون عذابه} [الإسرء: 57] وبين الرغبة والرهبة كما قال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 9]
فتارة يمده الرجاء والرغبة فيكاد أن يطير شوقا إلى الله, وطورا يقبضه الخوف والرهبة فيكاد أن يذوب من خشية الله تعالى, فهو دائب في طلب مرضاة ربه مقبل عليه, خائف من عقوباته ملتجئ منه إليه, عائذ به منه راغب فيما لديه(17)
اللهم هب لنا من الذِّلَّةِ والخضوع لجلالك ما يبلغنا رضاك
واقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين عصيانك
اللهم عظم في انفسنا الافتقار إليك، ومداومة التَّضرُّع، ولزوم المناجاة
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
اللهم قيد لنا لزومُ السنة الغراء، والسلامة من البدع والأهواء
اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان.
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين
اللهم أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك الغنى حتى ترضى
والله تعالى أعلم
ان اصبت فمن الله وان أخطات فمني ومن الشيطان
أسأل الله ان يغفر خطيئتي يوم الدين
الخوف والرجاء والمحبة
السلام عليكم جميعا
احبتي في الله
لا تستهينوا بتلك الكلمات فهي من اصول العباده
ان انتشار المعاصي والمنكرات في أوساط المسلمين؛ والتجرؤ على محارم الله، هو فساد الاتزان بين أصول العبادة، فلا يخاف الله -حقيقة- من تجرأ على محارم الله، ولا عبد الله حق عبادته من تعلق بالرحمة والغفران والتوبة على المذنبين، وإنْ حشَدَ كلَ نصوص الشرع من آيات وأحاديث وآثار، فان ذلك لا يعفيه أن يوحد الله في أفعاله القلبية لذلك كان مناط الاجر في الشريعة على الاخلاص ومداره على النية وقصد الالتجاء.
وقد شبه بعض السلف العبادة تشبيها بليغا يوصل المفهوم الصحيح للعبادة بما هو مؤمول منها، فقالوا ان العبادة كطائر بجناحين يحملانه على التحليق والطيران، لا يعمل احدهما إلا بوجود الآخر وإلا سقط وهوى. قال الغزالي: فإن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقامٍ محمودٍ(1) وقال ابن القيم: الحب بمنزلة الرأس للطائر، والخوف والرجاء جناحاه. متى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر. كذلك المؤمن، إذا تعادل فيه الخوف والرجاء استطاع السير إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا اختلّ أحدُ الركنين اختلّ إيمانه.
إن للقلوب أعمال، يقول ابن القيم – رحمه الله-: «والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح»، أن أصل العمل هو عمل القلب وذلك لأنه لا يقبل عمل أو قول إلا بنية، وما كان في القلب لا بدَّ أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح بالأعمال الظاهرة.
وأجمع السلف -رضوان الله عليهم- أن مبنى العبادة على ثلاثة أصول: الخوف والرجاء والمحبة، الخوف من عذابه، والرجاء لثواب الله -عز وجل- ورحمته، ومحبة الله، وكل منها فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب، فلهذا كان السلف يذمون من تعبد بواحد منها وأهمل االآخرين. قال ابن تيمية رحمه الله: «قال بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد»(2) مصداقا لذلك قوله تعالى:{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً(الاسراء:57} والوسيلة هي التقرب إلى الله بالعمل الصالح. والتقرب لا يكون الا لحبيب.
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وهي التي خلق الله الخلق من أجلها، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
وشرط العبادة التي أمر الله بها لا تسمى عبادةً إلا مع توحيد الله تعالى، فلا تصح العبادة مع الشرك، ولا يوصف أحد بأنه عبد لله تعالى إلا مع تحقيقه التوحيد، وإفراد الله تعالى وحده بالعبادة ، فمن عَبَد الله تعالى وأشرك معه غَيْرَه فليس عبدا لله.
إن استنهاضَ أصل واحد والاعراضَ عن الأصلين الآخرين، هو سببٌ في الاغراق في الضلال، فالتعلق بواحد منها يوقع الانسان في وهم النزيين الذي يلبسه الشيطان بادعاء صرف التبريرات -لاي عمل صالح- بصفات الرحمة والتوبة والغفران لله سبحانه وتعالى، ويغلف التزيين للمسلم باظهار الكم الهائل من النصوص الشرعية التي تظهر فيها الرحمة والغفران امام ناظريه حتى يقع في المحظور كاضافة عبادة لم يقرها الشرع او تخصيص زمان ومكان لعبادة صحيحة غير الصورة التي ابيحت فيها، وكما جاءت على لسان النبي الذي لا ينطق عن الهوى.
التعلق بالمحبة
قال ابن تيمية- رحمه الله-: «ومحبة الله هي أصل الإيمان الذي هو عمل القلب وبكمالها يكمل»(3) فأصل الايمان الَّذِي يَأْمر بِفعل الْوَاجِب وَينْهى عَن فعل الْقَبِيح، فان كل حركة في الوجود إنما تصدر عن محبة. فعن أنس --: أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال: متى الساعة ؟ قال: "وماذا أعددت لها", قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي - -: " أنت مع من أحببت" قال أنس: فأنا أحب النبي -- وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم(4)
إن محبة الله اساسُ كل عمل صالح او هكذا ينبغي، بيد أن قصْدَ الالتجاء لله تعالى ان خالطه رياءٌ مدعاة ٌ للتهلكة، لأن الرياءَ شركٌ قال رسول الله :" إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : و ما الشرك الأصغر ؟ قال: الرياء ، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟!"(5)
والقلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل وتمكنت منه كانت محبة المخلوقين له سكنا.
فإن كانت محبة الله ثابتة في قلب العبد نشأت عنها حركات الجوارح فكانت بحسب ما يحبه الله ويرتضيه ودفعا لهوى النفس.
قال ابن رجب رحمه الله : فمحبة الله سبحانه وتعالى توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات، وكراهة ما يكرهه من المحرمات، فإن المحبة التامة تقتضي الموافقة لمن يحبه في محبة ما يحبه، وصدق القائل:
تعصى الإلهَ وتزعُمُ حبّـــَه هذا لعمري في القياسِ شنيعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته إن المحبَّ لمن يحــبُّ مُطيــعُ
قال ابن الجوزي- رحمه الله: «حقيقة المحبة: هي موافقة المحبوب في محابِّه فيحب ما يحبه محبوبه»(6)، فمحبة الله عز وجل تستلزم محبة ما يحبه.
وبالمحبة تقام العبادات وتتعدى معنى التكاليف، لأن المؤمنين يجدون للعبادة حلاوة ولذة، فالصلاة قرة أعينهم والأوامر سرور قلوبهم وغذاء أرواحهم وحياتهم، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أرحنا بها يا بلال ! "(7) وكان مِسْعَرٌ الخُزَاعَي يقول: "ليتني صليت فاسترحت"(8) وثبت في الصحيح ان رسول الله قال:"ولهذا قال " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وما أقرب الراحة من قرة العين
وقد أشار القرآن للعلاقة بين المحبة والطاعة وأشار الى الطريق الواجب اتباعه لتحقيق هذه المحبة: اتباع النبي فيما قال او فعل او قرره:
قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (:آل عمران:31)}
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النور:54)}
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد:33)}
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء:59)}
« قال الفضيل بن عياض: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً: لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة»(9)
فالتعلق بالمحبة مع اهمال الرجاء والخوف يبْعَث النَّفس على اتِّبَاع هَواهَا حتى يقال إِن الْمُحب لَا تضره الذُّنُوب وأن الله سيَتُوب عَلَيْهِ مِنْهَا؛ فصاروا مثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين قَالُوا: {نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه}(10) فَصَارَ فيهم زندقة من هَذَا الْوَجْه، ويحتجون في ذلك بالإرادة الكونية وأنه مطيع لها وبما كتبه الله من القدر ويعلقون اعمالهم بها وقد قال الله تعالى بشانهم :{لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا}(11)] وقالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم}(12)
من ضل من الفرق بهذا الباب : الْقَائِلُونَ بوحدة الْوُجُود والجهمية ،والصوفية لأنهم أخذوا جانب المحبة فقط لأن عندهم المحبة لا تقترن بالخوف ، فقادهم ذلك وآلت بكثير من الجهال المغرورين إلى أنهم استغنوا بها عن الواجبات وقالوا المقصود من العبادات إنما هو عبادة القلب. فإذا اقترنت بالخوف جُمِعا على الطريق القويم برجاء رحمة الله.
التعلق بالرجاء
قال تعالى : ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:9], ﴿ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:218].
قال القرطبي- رحمه الله-: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله - عز وجل- حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان
من فضل الرجاء : انه يدفع المؤمن الى حسن الظن بالله ويؤول به الى التوبة، قال ابن القيم رحمه الله في فضل الرجاء : أن في الرجاء - من الانتظار والترقب والتوقع لفضل الله - ما يوجب تعلق القلب بذكره ودوام الالتفات إليه.
أما ترك العمل، والتمادي في الذنوب؛ اعتماداً على رحمة الله، وحسن الظن به عز وجل فليس من الرجاء في شيء، بل هو جهل، وسفه، وغرور؛ قال ابن القيم : وهذا الضرب في الناس قد تعلق بنصوص الرجاء، واتَّكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا، والانهماك فيها، سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله، ومغفرته، ونصوص الرجاء.(13)
وعبادة الله بالرجاء لوحده، تورث الاعتراض على أحكام الله؛ فكم من يتمنى حصول شيء مرغوب، واذا لم يحدث انقلب على عقبيه، قال تعالى:{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (*)} حتى يتمادى في الخسارة فيقع في الشرك-والعياذ بالله- {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (*) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (11-13)الحج}. قال ابن القيم: إن القلب إذا تعلق بالرجاء ولم يظفر بمرجوه: اعترض حيث لم يحصل له مرجوه وهو أن يعترض على ربه تعالى بما يرجو منه لأن الراجي متمن لما يرجو، كاعتراضه على القدر وعدم الرضى بما سبق به القضاء(14) وبالجملة: فالرجاء ضرورى للمريد السالك والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه وعيب يرجو إصلاحه وعمل صالح يرجو قبوله واستقامة يرجو حصولها ودوامها وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها ولا ينفك أحد من السالكين عن هذه الأمور أو بعضها"
من ضل من الفرق الاسلامية في هذا الباب : فرقة المرجئة: فالرجاء عِنْدهم أغلب من الْخَوْف ولأنهم قالوا لا يضر مع الايمان ذنب، فطريقة المرجئة فيها أمنٌ من مكر الله.
التعلق بالخوف:
قد أَمر سبحانه بالخوف منه فى قوله: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، فجعل الخوف منه شرطاً فى تحقق الإيمان، والمعنى: إن كنتم مؤمنين فخافونى، والمقصود: أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه. ودلت هذه الآية الكريمة على أن الخوف عبادة من العبادات فلزم من ذلك توحيده فيها توحيدا بافعالنا فالواجب ألا يخاف العبد إلا ربه- جل وعلا- ، وألا يخاف أولياء الشيطان. قال الله تعالى :{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } والمعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة وعليه أكثر المفسيرين: والتقدير : يُخوّفُ الشيطانُ الناسَ أولياءَه.
الخوف إذا كان في القلب ، فإن العبد سيسعى في مرضاة الله ويبتعد عن مناهيه ، وسيعظم الله - جل وعلا - ويتقرب إليه بالخوف الذي يترتب عليه العمل بطاعة الله وترك معصيتة.
لذلك قال ابن القيم رحمه الله: منزلة الخوف، وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".
ثواب هذه المنزلة : الجنة قال عز وجل: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [النازعات:40].
فالغلو في الخوف يقود الى الضلال باستبعاد رحمة الله، وكلامهم مرود عليهم لقوله تعالى: " {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(15) لأن ذلك مدعاة الى استبعادٌ لرحمة الله عزّ وجلّ وسوءُ ظنٍّ بالله عزّ وجلّ.
ومن ضل من الفرق في هذا الباب: فرقة الخوارج وقادهم هذا الايمان الى تكفير المسلمين بالصغائر وبالاصرار على فعلها، ويخلِّدونه في النار، وهذا يأس من رحمة الله، نسأل الله العافية، فطريقة الخوارج فيها يأسٌ من رحمة الله.
العلاقة بين الاصول
الأمن من مكر الله خسران، اليأس من روحه كفران، والقنوط من رحمة الله ضلال وطغيان وعبادة الله -عز وجل- بالحب والخوف والرجاء وتوحيد وإيمان
الخوف يتعلق بعقاب الله والمحبة تتعلق بذاته وما يستحقه تبارك وتعالى فأين أحدهما من الآخر ولهذا كان دين الحب أثبت وأرسخ من دين الخوف وأمكن وأعظم تأثيرا، وشاهد ما نراه من طاعة المحب لمحبوبه وطاعة الخائف لمن يخافه كما قال بعض الصحابة إنه ليستخرج حبه مني من الطاعة ما لا يستخرجه الخوف(16)
إن المحبة لا تنفك عن الرجاء فكل واحد منهما يمد الآخر ويقويه
أن الخوف مستلزم للرجاء . والرجاء مستلزم للخوف . فكل راج خائف . وكل خائف راج . ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف . قال الله تعالى : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال كثير من المفسرين : المعنى ما لكم لا تخافون لله عظمة ؟ قالوا : والرجاء بمعنى الخوف والتحقيق أنه ملازم له . فكل راج خائف من فوات مرجوه . والخوف بلا رجاء يأس وقنوط
كل محبة مصحوبة بالخوف والرجاء على قدر تمكنها من قلب المحب
أن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة ، ويلقيه فيها . فإنه كلما اشتد رجاؤه وحصل له ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى ، وشكرا له ، ورضا به وعنه . وإذا حصل له مرجوه كان أدعى لشكره
عباد الله
لا تكونوا ممن إذا ذُكرت ذنوبه تنفس بالخوف وإذا ذكرت رحمة ربه وسعة مغفرته وعفوه تنفس بالرجاء وإذا ذكر جلاله وكماله وإحسانه تنفس بالحب
فليزن العبد إيمانه بهذه الأنفاس الثلاثة ليعلم ما معه من الإيمان، فالعبد المؤمن بين الخوف والرجاء كما قال تعالى: {ويرجون رحمته ويخافون عذابه} [الإسرء: 57] وبين الرغبة والرهبة كما قال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 9]
فتارة يمده الرجاء والرغبة فيكاد أن يطير شوقا إلى الله, وطورا يقبضه الخوف والرهبة فيكاد أن يذوب من خشية الله تعالى, فهو دائب في طلب مرضاة ربه مقبل عليه, خائف من عقوباته ملتجئ منه إليه, عائذ به منه راغب فيما لديه(17)
اللهم هب لنا من الذِّلَّةِ والخضوع لجلالك ما يبلغنا رضاك
واقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين عصيانك
اللهم عظم في انفسنا الافتقار إليك، ومداومة التَّضرُّع، ولزوم المناجاة
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
اللهم قيد لنا لزومُ السنة الغراء، والسلامة من البدع والأهواء
اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان.
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين
اللهم أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك الغنى حتى ترضى
والله تعالى أعلم
ان اصبت فمن الله وان أخطات فمني ومن الشيطان
أسأل الله ان يغفر خطيئتي يوم الدين