ابوسعود
11-04-2003, 01:37 AM
د. عوض بن محمد القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن الأحداث الجارية أصابت كثيراً من الناس باليأس والقنوط والهلع والجزع، فأحببت أن أسهم قدر الإمكان في مواجهة هذا الطوفان، وقد كان مما علمناه من كتاب الله أن من سنن الله تعالى في خلقه بقاء الصراع بين الحق والباطل والخير والشر، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وليعلي بالتمحيص درجات أهل الإيمان ، وليرفع بالابتلاء درجات بعضهم فوق بعض ولتتم مقتضيات حكمته تعالى في إيقاظ الهمم بالنوازل ،وتحريك العزائم بالمحن وإحياء الحمية الإيمانية بالمحن.
ومن ذلك ما نراه اليوم من حشود وأعمال وتحركات من أمريكا ابتداءً بما سمي (الحرب على الإرهاب) وانتهاءً بما نراه من حرب على العراق وفي المقابل ما نراه من تخاذل ووهن من الشعوب والجيوش والحكومات،وكل ذلك ينبئ بأحداث، ضخام وتحولات كبيرة ، تنطوي على أمور قد تكرهها النفوس وأحداث تضيق بها القلوب؛ سيكون مآلها الأخير –بإذن الله – النصر والعز للمسلمين، والتمكين لعباد الله الصالحين ،و تطاير الزبد ،وذهاب الغثاء ، وانقشاع أسباب الذلة والهوان.
وقد ضرب الله لنا أمثالا بالأمم والأنبياء قبلنا ، ومن أكثر القصص في القرآن قصص بني إسرائيل ، وذلك لوجود بعض أوجه الشبه بينهم وبين هذه الأمة ، وقد عاشوا سنين عديدة تحت الذل والهوان، والتسلط الفرعوني بعد أن نسوا ما ذكروا به، وتعلقوا بالدنيا وأَنِسُوا بها وركنوا إلى الشهوات وحب الحياة، ثم اشتد عليهم العسف والأذى قبيل ميلاد موسى عليه السلام ،ولما بلغ أشده وأُكرم بالنبوة زاد عليهم الأذى والظلم ، حتى قالوا (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:129)
و مكثوا على هذا الحال من الاضطهاد سنين عديدة وفيهم أهل الإيمان بالله: موسى وهارون ومن استجاب لهما، ونبي الله يعدهم بالنصر والاستخلاف في الأرض وهلاك العدو،وبعد هذه السنين الطوال أمروا بالخروج وركوب البحر ، فخرجوا من الذلة والهوان (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف: 137).
وفي هذا دليل على أن نصر الله تعالى آت، وزمانه مقبل، ولكنه لا يحسب بحساب أعمارنا القصيرة، ولا يقاس وفق قياسات زمنية قريبة (خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) ( الأنبياء:37).
وعلى ضوء ما ذكر؛ وفي ظل الأحداث الراهنة من الحرب الأمريكية الظالمة ضد العراق، وما قد يؤدي إليه من ضربات مضادة تطال الدول المجاورة وخاصة التي أعلنت وقوفها العلني مع الوجود العسكري لأمريكا ، مثل الكويت والبحرين وقطر ودولة اليهود،وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً ، وقد يستتبع ذلك تداعيات عسكرية في فلسطين والأردن،وربما غيرها، هذا فيما يتعلق بالجانب العسكري.
أما ما يتعلق بالتحرك الفكري والاجتماعي فسوف تواصل أمريكا سعيها في الضغط لتغيير المناهج ،وتقليص النفوذ الديني والعلوم الشرعية ،والمؤسسات الخيرية ، والتغيير الاجتماعي من خلال المرأة أولا، والسعي لتغيير الاتجاه العام للمجتمعات من خلال تغيير سياسات التعليم والإعلام وبعض نظم الحكم،ومن خلال التمكين للمنافقين من العلمانيين وأضرابهم والشهوانيين وأشياعهم، والذيـن بدأوا بالتحرك والظهور والمطالبة.
ولذا فإن الواجب في هذه الأحوال الاستمساك بالعروة الوثقى، والاسترشاد بالهدى المبين من كتاب الله، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والوثوق بوعد الله واليقين بنصر الله وأن الله سبحانه لن يسلط على هذه الأمة من يستبيح بيضتها،وأنها أمة مرحومة، كما أخبر الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولذا ينبغي أن تكون هذه الأحداث مهما كانت مؤلمة موئل تفاؤل ورجاء؛ لا مصدر يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة ومنها:-
1 – صدق وعدالة ما نحن عليه من دين، وأحقية وخيرية ما نطالب به من قضايا، فالثبات على الموقف العادل، والمبدأ الصادق نصر بذاته. و المسلم يقاتل عن دينه وعرضه من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن أمريكا سارعت إلى العدوان على المسلمين، وأعلنت ما كانت تداريه تحت ستائر السياسة وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (الكهف:59) ، (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل:52) ، (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) (النمل:85) ، (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (الزمر:51) ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:42) .
2 – البغي والاستكبار والغرور والاستعلاء التي اتصفت بها أمريكا: مستكبرة بقوتها وكثرتها وعددها وعتادها، متناسيةً قدرة الله عليها،وذلك مقدمات الخذلان لها بل الدمار مثلما أخبر الله تعالى عن من قبلهم فقال سبحانه: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت:15)
3 – ما في هذه الأحداث من كشف للمرتابين المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الهوى والدنيا والوظيفة والجاه عند الخلق: و في هذا الكشف خير عظيم، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب. قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:179) و يبقى بعد ذلك معالجة السماعين لهم والمتأثرين بهم .
4 – ما نراه من حصول الوعي والعبرة للمسلمين ؛أفرادا، وشعوبا، ودولا؛ بما في هذه الأزمات من دروس وعبر، ورفض المشاركة مستقبلا مع العدو أو التحفظ في المشاركة هذه المرة، وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار الظلم ورد المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير مهما كان ضعفها وألا نيأس من الحكومات مهما بدر منها.
5 - وضوح السبيل والمفاصلة العقدية: وذلك من خلال استمساك جملة كبيرة من العامة بمبدأ الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لبعض مآرب الكفار وبعض مخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:42)
6 - انكشاف أمريكا، وظهور زيف شعاراتها عن العدالة الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير... الخ حتى في تعاملها مع مواطنيها من المسلمين -فكان الأمر كما قال الله تعالى: ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(آل عمران: من الآية118)- وإمكانية مخاطبة الحكومات وإشعارها - بحسب الوسائل المتاحة – بأن ما تريده أمريكا استبدال الواقع بجميع أبعاده، بما في ذلك البعد السياسي بواقع آخر يكون أكثر انسجاماً مع المشاريع الصهيونية في المنطقة، وأكثر أماناً لمستقبل إسرائيل.
7 – ما يتوقع من تخفيف ضغط العولمة – ولو إلى حين – وهذه فرصة للتأني والنظر البصير، والاستعداد لمواجهتها بخطط متعقلة وبرامج محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين البلدان الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله.
8 – التقليل من أسباب الفساد الفكري والسلوكي، ومن أهمها: السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين المسلمين والتي مورست فعلا ،وإن أصابت بعض الصالحين فسينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أماكن اللهو وأوكار الفساد ومباءات الفجور هناك، ثم يعودون لبلادهم بكل شر وبلاء.
9 – إحياء جملة طيبة من المعالم الشرعية المنسية مثل: قضية الجهاد والولاء والبراء، وفقه السياسة الشرعية كأحكام "دار الكفر" و "دار الإسلام" والراية ، والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين،و التعددية وتداول السلطة والرقابة على الولاة، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع الحكيم.
10 – ظهور فتاوى شرعية مؤصلة – جماعية وفردية – في جملة من بلاد المسلمين، في القضايا الراهنة واهتمام بعض الغربيين بهذه الفتاوى، واطلاع كثير من المسلمين عليها، مما يقوّي مرجعية أهل العلم والإيمان في أمور الأمة فيسهم في إحياء أصالة الأمة ووحدتها.
11 – الإقبال الكبير على الإسلام في أمريكا وأوروبا، وقد وردت الأخبار والأدلة على ذلك حتى أصبح في حكم المتواتر، ويتوقع أن يتزايد هذا الأمر بعد الحرب ،وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيظ لليهود والنصارى وللمنافقين من أبناء المسلمين .
12 – تقوية الربط بين الأحداث وبين القضية الكبرى للمسلمين (قضية فلسطين)، واقتناع كثير من الناس داخل أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها، مما يعضد الانتفاضة المباركة ويسند جهاد المسلمين لليهود، ويزيد قضية فلسطين رسوخا ويزيل كثيرا من الغبش العلماني والشهواني عن مساراتها.
13 – يمكن للعاملين للإسلام -خلال هذه الأحداث وبعدها- القيام بترسيخ مبادئ الدعوة إلى الإصلاح الشامل لحال الأمة ليطابق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويسترشد بهدي الخلفاء الراشدين وعصور العزة والتمكين، وذلك بواسطة برامج ودراسات تُنشر للأمة ويخاطب بها الحكام والعلماء والقادة والعامة وستفتح الأحداث بابا واسعا لتطوير وسائل الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر والإيمان،فبالإضافة إلى الشريط أو النشرة أو الكتيب مثلاً يضاف القنوات الفضائية المتعددة اللغات والصحافة المتطورة، ومراكز الدراسات المتخصصة... والمؤسسات التعليمية والخيرية المُحْكمة التخطيط.
14- يجب على العاملين للإسلام -حكوماتٍ وجماعات وأفراد- أن يدركوا قيمة هذه الفرصة العظيمة (من خلال ما ذكر سابقا وغيره)وأن يجعلوا هذه الأحداث منطلقاً للمرحلة الإصلاحية التالية على مستوى الشعوب(دعوة، وجهادا، وتربية، وتزكية): وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى {وجاهدهم به جهاداً كبيراً}
15 – قد تنجلي الأحداث وتكون الاحتمالات التي بعدها كثيرة ومختلفة :فقد يحاول الغزاة فرض أساليب جديدة للحياة في المنطقة تحت مسمى الديمقراطية والمشاركة السياسية، أو السعي لتمزيق المنطقة وتفتيتها، أو إبقاء شكل الدول وتبديل مضمونها إلى الأسواء، أو الإلزام بقيام مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والإعلام الحر، وهذا يقتضي الإعداد لهذه المرحلة بكافة احتمالاتها والتي ستكون – في الغالب – مختلفة عما هو موجود الآن، وتكاتف الجهود، والحفاظ على وحدة الأمة .
16 – هذه فرصة كبيرة لتحريك الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين عليها من كل مكان، وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم، ونبذ فكرة حصر الاهتمام بالدين على فئة معينة يسمون بـ "الملتـزمين" فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين والدفاع عن المقدسات والأرض والعرض والمصالح العامة. وكل مسلم لا يخلو من خير. والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد. وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً، بل المراد إجادة تحريك الأمة وتجييش طاقاتها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوب المسلمين هو من أسباب النصر والقوة، ومن دواعي تزكية الصالح، وتوبة العاصي ويقظة الغافل. وهذا جيش النبي صلى الله عليه وسلم خير الجيوش لم يكن كله من السابقين الأولين بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه، فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده.
ولو لم نبدأ إلا بتحريك الإيمان والغيرة في قلوب مرتادي المساجد ، وكذلك الجيران والأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة،لكان لذلك أعظم الآثار،وأينع الثمار بإذن الله.
والمراد أن يُعلَم أن حالة المواجهة الشاملة بين الأمة وأعدائها تقتضي اعتبار مصلحة الدين والمصالح العامة قبل كل شيء، فالمجاهد الفاسق – بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة – خير من الصالح القاعد في هذه الحالة.
17– تتيح هذه الأحداث الفرصة الجيدة لتوعية الأمة بمفهوم نصرة الدين وتولي المؤمنين، التي هي فرض عين على كل مسلم، وأن ذلك يشمل ما لا يدخل تحت الحصر من الوسائل، ولا يقتصر على القتال وحده، فالجهاد بالمال نصرة، وكذلك الإعلام وبالرأي والمشورة وبنشر العلم، وبالعمل الخيري، وبنشر حقائق الإيمان ولاسيما عقيدة الولاء والبراء، وبالقنوت والدعاء، وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات الأقرب إلى التمسك والمحافظة قلاعاً ونماذج يمكن أن يفيء إليها بقية الناس، وبجعل منارات العلم والشرع مرجعيات للاستشارة والفتوى،وتفويت الفرصة على العلمانيين والشهوانيين.
18– الفرصة الآن متاحة بشكل جيد لتحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى توحّد عملي ومنهجي لكل العاملين للإسلام في كل مكان، يقوم على الثوابت والقطعيات في الاعتقاد والعمل، ويدرس الفروع والاجتهادات بأسلوب الحوار البناء. فاجتماع كلمة الأمة أصل عظيم لا يجوز التفريط فيه بسبب تنوع الاجتهاد واختلاف الوسائل. وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم. والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه الأئمة المتبعون في عصور عز الإسلام فمن أعظم أسباب ما أصابنا من بلاء التفرق والاختلاف.
19 – أصبحت إمكانية مطالبة الحكومات بفتح باب الحوار مع الشعوب، وتفهم هموم الشباب ومشكلاته، واستيعاب حماسته فيما يخدم الإسلام حقيقة أكثر من ذي قبل لشعور الجميع بالخطر مع التأكيد على أن هؤلاء الشباب في الأصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبالاً وبلاءً، وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه، وإذا ارتابوا في أحد أعرضوا عنه وحذّروا منه، فلابد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر. ولابد من الكف عن الأعمال والإعلام والمواقف المسيئة للدين ولهم، وترك ما يستفزهم من المنكرات، وأن تلغي من تعاملها الحل الأمني الذي ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى ردّات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم لا نهاية لـه.
20– الوقت الآن مناسب لتذكير الناس عامة وخاصة: أن أمة تعيش حالة الحرب الشاملة يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف. وأن تصرف جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده، وأن تحرص على التأسي بالأنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فهي في رباط دائم وثغور متوالية، ولا قوة لها إلا بالله، ويجب أن يصحب أعمالها كلها إخلاص لله تعالى وصدق في التوجه إليه وتوكل عليه ويقين في نصره، وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله وأن يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية، فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق وعده بالنصر والنجاة والإعلاء والعزة لمن اتصف بالإسلام بل خص به أهل الإيمان كما في قوله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}. وقوله: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}. وقوله: {ونجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون}. وقوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}. وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
ومن هنا يمكننا - بإذن الله - إذا لم نمنع وقوع الأحداث أن نقوم بتقليل مفاسدها وسلبياتها وأن نوظفها قدر الإمكان لمصلحتنا، وهذا هو حال المؤمن -صاحب القلب الحي والعقل المستبصر- غير يائسٍ ولا متشائم قال تعالى: ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ) آل عمران 146-148.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن الأحداث الجارية أصابت كثيراً من الناس باليأس والقنوط والهلع والجزع، فأحببت أن أسهم قدر الإمكان في مواجهة هذا الطوفان، وقد كان مما علمناه من كتاب الله أن من سنن الله تعالى في خلقه بقاء الصراع بين الحق والباطل والخير والشر، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وليعلي بالتمحيص درجات أهل الإيمان ، وليرفع بالابتلاء درجات بعضهم فوق بعض ولتتم مقتضيات حكمته تعالى في إيقاظ الهمم بالنوازل ،وتحريك العزائم بالمحن وإحياء الحمية الإيمانية بالمحن.
ومن ذلك ما نراه اليوم من حشود وأعمال وتحركات من أمريكا ابتداءً بما سمي (الحرب على الإرهاب) وانتهاءً بما نراه من حرب على العراق وفي المقابل ما نراه من تخاذل ووهن من الشعوب والجيوش والحكومات،وكل ذلك ينبئ بأحداث، ضخام وتحولات كبيرة ، تنطوي على أمور قد تكرهها النفوس وأحداث تضيق بها القلوب؛ سيكون مآلها الأخير –بإذن الله – النصر والعز للمسلمين، والتمكين لعباد الله الصالحين ،و تطاير الزبد ،وذهاب الغثاء ، وانقشاع أسباب الذلة والهوان.
وقد ضرب الله لنا أمثالا بالأمم والأنبياء قبلنا ، ومن أكثر القصص في القرآن قصص بني إسرائيل ، وذلك لوجود بعض أوجه الشبه بينهم وبين هذه الأمة ، وقد عاشوا سنين عديدة تحت الذل والهوان، والتسلط الفرعوني بعد أن نسوا ما ذكروا به، وتعلقوا بالدنيا وأَنِسُوا بها وركنوا إلى الشهوات وحب الحياة، ثم اشتد عليهم العسف والأذى قبيل ميلاد موسى عليه السلام ،ولما بلغ أشده وأُكرم بالنبوة زاد عليهم الأذى والظلم ، حتى قالوا (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:129)
و مكثوا على هذا الحال من الاضطهاد سنين عديدة وفيهم أهل الإيمان بالله: موسى وهارون ومن استجاب لهما، ونبي الله يعدهم بالنصر والاستخلاف في الأرض وهلاك العدو،وبعد هذه السنين الطوال أمروا بالخروج وركوب البحر ، فخرجوا من الذلة والهوان (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف: 137).
وفي هذا دليل على أن نصر الله تعالى آت، وزمانه مقبل، ولكنه لا يحسب بحساب أعمارنا القصيرة، ولا يقاس وفق قياسات زمنية قريبة (خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) ( الأنبياء:37).
وعلى ضوء ما ذكر؛ وفي ظل الأحداث الراهنة من الحرب الأمريكية الظالمة ضد العراق، وما قد يؤدي إليه من ضربات مضادة تطال الدول المجاورة وخاصة التي أعلنت وقوفها العلني مع الوجود العسكري لأمريكا ، مثل الكويت والبحرين وقطر ودولة اليهود،وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً ، وقد يستتبع ذلك تداعيات عسكرية في فلسطين والأردن،وربما غيرها، هذا فيما يتعلق بالجانب العسكري.
أما ما يتعلق بالتحرك الفكري والاجتماعي فسوف تواصل أمريكا سعيها في الضغط لتغيير المناهج ،وتقليص النفوذ الديني والعلوم الشرعية ،والمؤسسات الخيرية ، والتغيير الاجتماعي من خلال المرأة أولا، والسعي لتغيير الاتجاه العام للمجتمعات من خلال تغيير سياسات التعليم والإعلام وبعض نظم الحكم،ومن خلال التمكين للمنافقين من العلمانيين وأضرابهم والشهوانيين وأشياعهم، والذيـن بدأوا بالتحرك والظهور والمطالبة.
ولذا فإن الواجب في هذه الأحوال الاستمساك بالعروة الوثقى، والاسترشاد بالهدى المبين من كتاب الله، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والوثوق بوعد الله واليقين بنصر الله وأن الله سبحانه لن يسلط على هذه الأمة من يستبيح بيضتها،وأنها أمة مرحومة، كما أخبر الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولذا ينبغي أن تكون هذه الأحداث مهما كانت مؤلمة موئل تفاؤل ورجاء؛ لا مصدر يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة ومنها:-
1 – صدق وعدالة ما نحن عليه من دين، وأحقية وخيرية ما نطالب به من قضايا، فالثبات على الموقف العادل، والمبدأ الصادق نصر بذاته. و المسلم يقاتل عن دينه وعرضه من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن أمريكا سارعت إلى العدوان على المسلمين، وأعلنت ما كانت تداريه تحت ستائر السياسة وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (الكهف:59) ، (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل:52) ، (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) (النمل:85) ، (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (الزمر:51) ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:42) .
2 – البغي والاستكبار والغرور والاستعلاء التي اتصفت بها أمريكا: مستكبرة بقوتها وكثرتها وعددها وعتادها، متناسيةً قدرة الله عليها،وذلك مقدمات الخذلان لها بل الدمار مثلما أخبر الله تعالى عن من قبلهم فقال سبحانه: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت:15)
3 – ما في هذه الأحداث من كشف للمرتابين المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الهوى والدنيا والوظيفة والجاه عند الخلق: و في هذا الكشف خير عظيم، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب. قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:179) و يبقى بعد ذلك معالجة السماعين لهم والمتأثرين بهم .
4 – ما نراه من حصول الوعي والعبرة للمسلمين ؛أفرادا، وشعوبا، ودولا؛ بما في هذه الأزمات من دروس وعبر، ورفض المشاركة مستقبلا مع العدو أو التحفظ في المشاركة هذه المرة، وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار الظلم ورد المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير مهما كان ضعفها وألا نيأس من الحكومات مهما بدر منها.
5 - وضوح السبيل والمفاصلة العقدية: وذلك من خلال استمساك جملة كبيرة من العامة بمبدأ الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لبعض مآرب الكفار وبعض مخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:42)
6 - انكشاف أمريكا، وظهور زيف شعاراتها عن العدالة الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير... الخ حتى في تعاملها مع مواطنيها من المسلمين -فكان الأمر كما قال الله تعالى: ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(آل عمران: من الآية118)- وإمكانية مخاطبة الحكومات وإشعارها - بحسب الوسائل المتاحة – بأن ما تريده أمريكا استبدال الواقع بجميع أبعاده، بما في ذلك البعد السياسي بواقع آخر يكون أكثر انسجاماً مع المشاريع الصهيونية في المنطقة، وأكثر أماناً لمستقبل إسرائيل.
7 – ما يتوقع من تخفيف ضغط العولمة – ولو إلى حين – وهذه فرصة للتأني والنظر البصير، والاستعداد لمواجهتها بخطط متعقلة وبرامج محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين البلدان الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله.
8 – التقليل من أسباب الفساد الفكري والسلوكي، ومن أهمها: السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين المسلمين والتي مورست فعلا ،وإن أصابت بعض الصالحين فسينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أماكن اللهو وأوكار الفساد ومباءات الفجور هناك، ثم يعودون لبلادهم بكل شر وبلاء.
9 – إحياء جملة طيبة من المعالم الشرعية المنسية مثل: قضية الجهاد والولاء والبراء، وفقه السياسة الشرعية كأحكام "دار الكفر" و "دار الإسلام" والراية ، والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين،و التعددية وتداول السلطة والرقابة على الولاة، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع الحكيم.
10 – ظهور فتاوى شرعية مؤصلة – جماعية وفردية – في جملة من بلاد المسلمين، في القضايا الراهنة واهتمام بعض الغربيين بهذه الفتاوى، واطلاع كثير من المسلمين عليها، مما يقوّي مرجعية أهل العلم والإيمان في أمور الأمة فيسهم في إحياء أصالة الأمة ووحدتها.
11 – الإقبال الكبير على الإسلام في أمريكا وأوروبا، وقد وردت الأخبار والأدلة على ذلك حتى أصبح في حكم المتواتر، ويتوقع أن يتزايد هذا الأمر بعد الحرب ،وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيظ لليهود والنصارى وللمنافقين من أبناء المسلمين .
12 – تقوية الربط بين الأحداث وبين القضية الكبرى للمسلمين (قضية فلسطين)، واقتناع كثير من الناس داخل أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها، مما يعضد الانتفاضة المباركة ويسند جهاد المسلمين لليهود، ويزيد قضية فلسطين رسوخا ويزيل كثيرا من الغبش العلماني والشهواني عن مساراتها.
13 – يمكن للعاملين للإسلام -خلال هذه الأحداث وبعدها- القيام بترسيخ مبادئ الدعوة إلى الإصلاح الشامل لحال الأمة ليطابق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويسترشد بهدي الخلفاء الراشدين وعصور العزة والتمكين، وذلك بواسطة برامج ودراسات تُنشر للأمة ويخاطب بها الحكام والعلماء والقادة والعامة وستفتح الأحداث بابا واسعا لتطوير وسائل الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر والإيمان،فبالإضافة إلى الشريط أو النشرة أو الكتيب مثلاً يضاف القنوات الفضائية المتعددة اللغات والصحافة المتطورة، ومراكز الدراسات المتخصصة... والمؤسسات التعليمية والخيرية المُحْكمة التخطيط.
14- يجب على العاملين للإسلام -حكوماتٍ وجماعات وأفراد- أن يدركوا قيمة هذه الفرصة العظيمة (من خلال ما ذكر سابقا وغيره)وأن يجعلوا هذه الأحداث منطلقاً للمرحلة الإصلاحية التالية على مستوى الشعوب(دعوة، وجهادا، وتربية، وتزكية): وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى {وجاهدهم به جهاداً كبيراً}
15 – قد تنجلي الأحداث وتكون الاحتمالات التي بعدها كثيرة ومختلفة :فقد يحاول الغزاة فرض أساليب جديدة للحياة في المنطقة تحت مسمى الديمقراطية والمشاركة السياسية، أو السعي لتمزيق المنطقة وتفتيتها، أو إبقاء شكل الدول وتبديل مضمونها إلى الأسواء، أو الإلزام بقيام مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والإعلام الحر، وهذا يقتضي الإعداد لهذه المرحلة بكافة احتمالاتها والتي ستكون – في الغالب – مختلفة عما هو موجود الآن، وتكاتف الجهود، والحفاظ على وحدة الأمة .
16 – هذه فرصة كبيرة لتحريك الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين عليها من كل مكان، وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم، ونبذ فكرة حصر الاهتمام بالدين على فئة معينة يسمون بـ "الملتـزمين" فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين والدفاع عن المقدسات والأرض والعرض والمصالح العامة. وكل مسلم لا يخلو من خير. والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد. وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً، بل المراد إجادة تحريك الأمة وتجييش طاقاتها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوب المسلمين هو من أسباب النصر والقوة، ومن دواعي تزكية الصالح، وتوبة العاصي ويقظة الغافل. وهذا جيش النبي صلى الله عليه وسلم خير الجيوش لم يكن كله من السابقين الأولين بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه، فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده.
ولو لم نبدأ إلا بتحريك الإيمان والغيرة في قلوب مرتادي المساجد ، وكذلك الجيران والأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة،لكان لذلك أعظم الآثار،وأينع الثمار بإذن الله.
والمراد أن يُعلَم أن حالة المواجهة الشاملة بين الأمة وأعدائها تقتضي اعتبار مصلحة الدين والمصالح العامة قبل كل شيء، فالمجاهد الفاسق – بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة – خير من الصالح القاعد في هذه الحالة.
17– تتيح هذه الأحداث الفرصة الجيدة لتوعية الأمة بمفهوم نصرة الدين وتولي المؤمنين، التي هي فرض عين على كل مسلم، وأن ذلك يشمل ما لا يدخل تحت الحصر من الوسائل، ولا يقتصر على القتال وحده، فالجهاد بالمال نصرة، وكذلك الإعلام وبالرأي والمشورة وبنشر العلم، وبالعمل الخيري، وبنشر حقائق الإيمان ولاسيما عقيدة الولاء والبراء، وبالقنوت والدعاء، وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات الأقرب إلى التمسك والمحافظة قلاعاً ونماذج يمكن أن يفيء إليها بقية الناس، وبجعل منارات العلم والشرع مرجعيات للاستشارة والفتوى،وتفويت الفرصة على العلمانيين والشهوانيين.
18– الفرصة الآن متاحة بشكل جيد لتحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى توحّد عملي ومنهجي لكل العاملين للإسلام في كل مكان، يقوم على الثوابت والقطعيات في الاعتقاد والعمل، ويدرس الفروع والاجتهادات بأسلوب الحوار البناء. فاجتماع كلمة الأمة أصل عظيم لا يجوز التفريط فيه بسبب تنوع الاجتهاد واختلاف الوسائل. وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم. والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه الأئمة المتبعون في عصور عز الإسلام فمن أعظم أسباب ما أصابنا من بلاء التفرق والاختلاف.
19 – أصبحت إمكانية مطالبة الحكومات بفتح باب الحوار مع الشعوب، وتفهم هموم الشباب ومشكلاته، واستيعاب حماسته فيما يخدم الإسلام حقيقة أكثر من ذي قبل لشعور الجميع بالخطر مع التأكيد على أن هؤلاء الشباب في الأصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبالاً وبلاءً، وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه، وإذا ارتابوا في أحد أعرضوا عنه وحذّروا منه، فلابد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر. ولابد من الكف عن الأعمال والإعلام والمواقف المسيئة للدين ولهم، وترك ما يستفزهم من المنكرات، وأن تلغي من تعاملها الحل الأمني الذي ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى ردّات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم لا نهاية لـه.
20– الوقت الآن مناسب لتذكير الناس عامة وخاصة: أن أمة تعيش حالة الحرب الشاملة يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف. وأن تصرف جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده، وأن تحرص على التأسي بالأنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فهي في رباط دائم وثغور متوالية، ولا قوة لها إلا بالله، ويجب أن يصحب أعمالها كلها إخلاص لله تعالى وصدق في التوجه إليه وتوكل عليه ويقين في نصره، وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله وأن يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية، فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق وعده بالنصر والنجاة والإعلاء والعزة لمن اتصف بالإسلام بل خص به أهل الإيمان كما في قوله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}. وقوله: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}. وقوله: {ونجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون}. وقوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}. وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
ومن هنا يمكننا - بإذن الله - إذا لم نمنع وقوع الأحداث أن نقوم بتقليل مفاسدها وسلبياتها وأن نوظفها قدر الإمكان لمصلحتنا، وهذا هو حال المؤمن -صاحب القلب الحي والعقل المستبصر- غير يائسٍ ولا متشائم قال تعالى: ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ) آل عمران 146-148.