بسمه
21-06-2012, 07:07 PM
من حياة رسول الله
من مواقف رسول الله الإنسانيّة
إذا كان بموت سيّد المرسلين محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم) قد انقطع الوحي، فإنّ صدى رسالته الخالدة يتردّد في أرجاء المعمورة، وتسطع أنوارها الإلهيّة، وستبقى سنّته الشريفة وسنّة أهل بيته عليهم السلام قدوة للمسلمين، ينهلون من معينها ويتمثّلونها في حياتهم اليوميّة، حتى إنّ سلوك المؤمن يقاس بميزان تعاليم نبيّهم الأكرم ، وأهل بيته عليهم السّلام، والصّحابة الأخيار.
تستوقفنا مواقف رسول الله في مواقع عديدة، حيث تجلّت رحمته بأبهى صورها، إذ تحفظ لنا كتب التاريخ والسير تلك المواقف التي يعجز القلم عن وصف أثرها النفسيّ والاجتماعيّ في مجتمع المسلمين، منها ما كان متعلّقاً بمقدرته على الانتقام والاقتصاص، ومع ذلك عفا وسامح، منها، على سبيل المثال، موقفه من سارة وحاطب.
من هي سارة؟
كانت سارة، - في بعض المصادر اسمها صفيّة- أمة مغنّية بمكّة في الجاهليّة صاحبة صوت جميل، إذ كانت تغنّي وتطرب أهل مكّة، ولا سيّما سادات قريش وعلية القوم أملاً بمعروفهم؛ وفي الوقت نفسه كانت تنوح على الأموات، فكانت تعين أهل العزاء على ميتهم وفق طقوس وتقاليد خاصة بالنوح في المجتمع الجاهليّ.
وفي معركة بدر في العام الثاني للهجرة/ 624م، فقد المشركون من قريش فرساناً ورجالاً كانت تعتدّ بهم، على رأسهم أبو جهل (عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميّ) الذي كان أشدّ الناس عداوة للنبيّ في صدر الاسلام، وأحد سادات قريش وأبطالها ودهاتها في الجاهليّة. فعمّ الحزن مكّة، ورفض أبو سفيان (صخر بن حرب بن أميّة ت 31هـ/ 652م) النّوح على قتلى بدر كي لا تبرد قلوب القوم، وكي يبقى الحقد يملأ تلك القلوب طلباً للثأر من النبيّ ومن أصحابه في المدينة المنوّرة. فلم يعد الأمر مناسباً لسارة أن تغنّي في تلك الأجواء الحزينة، واستُغني عنها في المآتم.
وأمام هذا الواقع، وجدت سارة نفسها بلا عمل، فتركت مكّة بعد عامين من غزوة بدر، وقدمت المدينة. وعندما شاهدها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) سألها: هل أسلمت؟ فقالت: لا، فقال لها النبيّ ولمَ أتيتِ المدينة؟ فقالت: إنّي مولاتكم (أي أنّها أمة قريش) وقد أصابني الجهد وأتيتكم أتعرّض لمعروفكم. فأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فكُسيت وجهّزت، ولم يجبرها على الإسلام ولم يكرهها على ذلك.
من هو حاطب؟
ولد حاطب بن أبي بلتعة اللخميّ عام 35 قبل الهجرة/ 586 م. عاش بمكّة، وكانت له تجارة واسعة. أسلم بعدما شرح الله صدره للإسلام، ثمّ هاجر إلى المدينة المنوّرة خوفاً على دينه وحياته، لكنّه لم يستطع إخراج عائلته، فبقيت بمكّة تحت رحمة قريش.
إلى جانب تجارته، اشتهر حاطب بالرميّ، فكان من أشدّ الرماة، وأبلى بلاء حسناً في غزوة بدر. ولم يعرف عنه إلاّ كلّ صدق وورع بين صفوف المسلمين في المدينة، لكن الشّيطان استطاع اختراقه عبر نقطة ضعفه، ألا وهي أسرته التي حاصرتها قريش، تارة بالترغيب، وطوراً بالترهيب.
وكانت قريش تتوجس خيفة من فتح المسلمين مكّة، ولا سيّما بعدما نقض المشركون صلح الحديبيّة الذي وقّعه النبيّ مع قريش في السّنة السّادسة للهجرة/ 627م. وكانت قريش قد أغرت عيال المسلمين بحمايتهم وصونهم إن هم أوصلوا إلى مكة معلومات عن تحرّك المسلمين وخطط معاركهم القادمة.
محاولة إيصال خطة فتح مكّة
كانت قريش قد وعدت عيال المسلمين الذين بقوا في مكّة بحسن معاملتهم إذا أمدّهم أقاربهم في المدينة بمعلومات حول فتح مكّة، أهو واقع أم لا؟ وغير ذلك من المعلومات حول تحرّك الجيش الإسلاميّ إلى توجّه إلى مكّة.
أرسلت أسرة حاطب رسالة، تطلب منه حقائق حول الأمر لمدّ قريش بالمعلومات التي تعينها على مجابهة المسلمين.
اضطرب حاطب وتحيّر، وتحت تأثير الضّغط النفسيّ، وخوفه على عياله، قرّر إرسال كتاب
لقريش يخبرهم بعزم المسلمين، بقيادة النبيّ، على فتح مكّة.
كانت الطّرق المؤدّية إلى مكّة قد وضعت تحت رقابة المسلمين، كما روقب بشدّة تردّد المارّة
والمسافرين بواسطة الحرس. وأمام هذا الواقع، لم يجد حاطب أفضل من سارة ليقوم بهذه المهمّة، فلن يشكّ الحرس بأمر امرأة، ولا سيما، امرأة مثل سارة، فوافقت على تنفيذ المهمّة مقابل مبلغ من المال.
فشل مخطّط حاطب وسارة
أخبر الرّوح الأمين جبرائيل عليه السّلام النبي بمخطّط حاطب وسارة، فأرسل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام والمقداد بن عمرو والزّبير بن العوام ليدركوا سارة على طريق مكّة لاسترجاع الكتاب منها، وبالتالي قطع الطريق على قريش، فلا تعلم بمجريات الأمور.
أدرك الرّجال الثلاثة سارة في منطقة تدعى "روضة الخاخ" وقيل اسمها "الخليقة"، فاستنزلوها وفتّشوا رحلها فلم يجدوا الكتاب، فسألوها عنه فأنكرت وجوده، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
"إنّي أحلف بالله، ما كذب رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا كُذبنا، ولتخرجنّ هذا الكتاب أو لنكاشفنّك"
نفع تهديد الإمام عليّ عليه السلام، إذ أحسّت سارة أنّ عليّاً لن يتركها حتى ينفّذ ما أمر به رسول الله ، فقالت: إعرض، فأعرض الإمام عليه السّلام فحلّت ضفائر شعرها، واستخرجت الكتاب منها، ثمّ دفعته إليه، فأتى به رسول الله(صلى الله عليه وسلم) .
موقف رسول الله
إنّ ما قام به حاطب وسارة يعدّ خيانة عظمى في الأعراف العسكريّة والأمنيّة، فلو وصل الكتاب، لفشلت خطّة الفتح وانهزم المسلمون، وما قام أحد بما قام به حاطب وسارة إلاّ واستحقّ الإعدام أو السّجن أو عوقب عقاباً شديداً، في العصور السالفة أو في العصر الحديث.
لم يتعرّض النبيّ لسارة فدافعها للقيام بذلك كان حبّ المال، علماً أنّ المسلمين أبقوها بينهم منذ قدومها من مكّة، وأحسنوا معاملتها. وبالنّسبة إلى حاطب، فقد انزعج رسول الله ممّا قام به، وسأله عن سبب إقدامه على ذلك، وهو الصحابيّ الذي شهد مع النبيّ بدراً. فحلف حاطب بالله وبرسوله إنّه لم يقصد شرّاً، وقال: يا رسول الله، أما والله إنّي لمؤمن بالله وبرسوله... ما غيّرت وما بدّلت، ولكنّي كنت امرءاً ليس لي في القوم أهل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليه.
ومع أنّ هذا الاعتذار لا يبرّر إفشاء أسرار المسلمين لأعدائهم، فإنّ نبيّ الرّحمة صفح عنه، وخلّى سبيله، فاعترض الخليفة الراشديّ الثاني عمر بن الخطّاب على ذلك، وطلب من النبيّ أن
يضرب عنقه، فقال رسول الله: "وما يدريك يا عمر! لعلّ الله اطلع يوم بدر على أصحاب بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
الراوي:علي بن أبي طالب المحدث:الألباني - المصدر:صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم:2650
خلاصة حكم المحدث:صحيح
كان بوسع النبيّ أن يقتصّ من حاطب، لكّنه عفا عنه لسابقته في الإسلام ولمشاركته في غزوة بدر ولغيرها من الأسباب.
ولكي لا يتكرّر مثل هذا الخطأ الجسيم والخطير، أنزل الله تعالى أيات بهذا الشّأن، إذ يقول جلّ وعلا في الآية الأولى من سورة الممتحنة:
﴿يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُّوي وَعَدُّوَكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةَ وَقَدْ كَفَروا بِما جاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ يُخْرجونَ الرَّسولَ وَإِيّاكُمْ أنْ تُؤْمِنوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً في سَبيلي وَابْتِغاءَ مَرْضاتي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبيلَ﴾ إلى الآية التّاسعة من سورة الممتحنة.
رحم الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) هذين الشخصين في لحظة ضعفهما، ولم يتنكّر لإسلام حاطب وجهاده في ساحة الوغى.
وفي السنة السّابعة للهجرة/628 م، كان حاطب سفير النبيّ(صلى الله عليه وسلم) إلى حاكم مصر المقوقس يدعوه إلى الإسلام ويعرّفه بأهدافه.
فهل لنا في رسول الله إسوة حسنة؟؟؟
من مواقف رسول الله الإنسانيّة
إذا كان بموت سيّد المرسلين محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم) قد انقطع الوحي، فإنّ صدى رسالته الخالدة يتردّد في أرجاء المعمورة، وتسطع أنوارها الإلهيّة، وستبقى سنّته الشريفة وسنّة أهل بيته عليهم السلام قدوة للمسلمين، ينهلون من معينها ويتمثّلونها في حياتهم اليوميّة، حتى إنّ سلوك المؤمن يقاس بميزان تعاليم نبيّهم الأكرم ، وأهل بيته عليهم السّلام، والصّحابة الأخيار.
تستوقفنا مواقف رسول الله في مواقع عديدة، حيث تجلّت رحمته بأبهى صورها، إذ تحفظ لنا كتب التاريخ والسير تلك المواقف التي يعجز القلم عن وصف أثرها النفسيّ والاجتماعيّ في مجتمع المسلمين، منها ما كان متعلّقاً بمقدرته على الانتقام والاقتصاص، ومع ذلك عفا وسامح، منها، على سبيل المثال، موقفه من سارة وحاطب.
من هي سارة؟
كانت سارة، - في بعض المصادر اسمها صفيّة- أمة مغنّية بمكّة في الجاهليّة صاحبة صوت جميل، إذ كانت تغنّي وتطرب أهل مكّة، ولا سيّما سادات قريش وعلية القوم أملاً بمعروفهم؛ وفي الوقت نفسه كانت تنوح على الأموات، فكانت تعين أهل العزاء على ميتهم وفق طقوس وتقاليد خاصة بالنوح في المجتمع الجاهليّ.
وفي معركة بدر في العام الثاني للهجرة/ 624م، فقد المشركون من قريش فرساناً ورجالاً كانت تعتدّ بهم، على رأسهم أبو جهل (عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميّ) الذي كان أشدّ الناس عداوة للنبيّ في صدر الاسلام، وأحد سادات قريش وأبطالها ودهاتها في الجاهليّة. فعمّ الحزن مكّة، ورفض أبو سفيان (صخر بن حرب بن أميّة ت 31هـ/ 652م) النّوح على قتلى بدر كي لا تبرد قلوب القوم، وكي يبقى الحقد يملأ تلك القلوب طلباً للثأر من النبيّ ومن أصحابه في المدينة المنوّرة. فلم يعد الأمر مناسباً لسارة أن تغنّي في تلك الأجواء الحزينة، واستُغني عنها في المآتم.
وأمام هذا الواقع، وجدت سارة نفسها بلا عمل، فتركت مكّة بعد عامين من غزوة بدر، وقدمت المدينة. وعندما شاهدها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) سألها: هل أسلمت؟ فقالت: لا، فقال لها النبيّ ولمَ أتيتِ المدينة؟ فقالت: إنّي مولاتكم (أي أنّها أمة قريش) وقد أصابني الجهد وأتيتكم أتعرّض لمعروفكم. فأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فكُسيت وجهّزت، ولم يجبرها على الإسلام ولم يكرهها على ذلك.
من هو حاطب؟
ولد حاطب بن أبي بلتعة اللخميّ عام 35 قبل الهجرة/ 586 م. عاش بمكّة، وكانت له تجارة واسعة. أسلم بعدما شرح الله صدره للإسلام، ثمّ هاجر إلى المدينة المنوّرة خوفاً على دينه وحياته، لكنّه لم يستطع إخراج عائلته، فبقيت بمكّة تحت رحمة قريش.
إلى جانب تجارته، اشتهر حاطب بالرميّ، فكان من أشدّ الرماة، وأبلى بلاء حسناً في غزوة بدر. ولم يعرف عنه إلاّ كلّ صدق وورع بين صفوف المسلمين في المدينة، لكن الشّيطان استطاع اختراقه عبر نقطة ضعفه، ألا وهي أسرته التي حاصرتها قريش، تارة بالترغيب، وطوراً بالترهيب.
وكانت قريش تتوجس خيفة من فتح المسلمين مكّة، ولا سيّما بعدما نقض المشركون صلح الحديبيّة الذي وقّعه النبيّ مع قريش في السّنة السّادسة للهجرة/ 627م. وكانت قريش قد أغرت عيال المسلمين بحمايتهم وصونهم إن هم أوصلوا إلى مكة معلومات عن تحرّك المسلمين وخطط معاركهم القادمة.
محاولة إيصال خطة فتح مكّة
كانت قريش قد وعدت عيال المسلمين الذين بقوا في مكّة بحسن معاملتهم إذا أمدّهم أقاربهم في المدينة بمعلومات حول فتح مكّة، أهو واقع أم لا؟ وغير ذلك من المعلومات حول تحرّك الجيش الإسلاميّ إلى توجّه إلى مكّة.
أرسلت أسرة حاطب رسالة، تطلب منه حقائق حول الأمر لمدّ قريش بالمعلومات التي تعينها على مجابهة المسلمين.
اضطرب حاطب وتحيّر، وتحت تأثير الضّغط النفسيّ، وخوفه على عياله، قرّر إرسال كتاب
لقريش يخبرهم بعزم المسلمين، بقيادة النبيّ، على فتح مكّة.
كانت الطّرق المؤدّية إلى مكّة قد وضعت تحت رقابة المسلمين، كما روقب بشدّة تردّد المارّة
والمسافرين بواسطة الحرس. وأمام هذا الواقع، لم يجد حاطب أفضل من سارة ليقوم بهذه المهمّة، فلن يشكّ الحرس بأمر امرأة، ولا سيما، امرأة مثل سارة، فوافقت على تنفيذ المهمّة مقابل مبلغ من المال.
فشل مخطّط حاطب وسارة
أخبر الرّوح الأمين جبرائيل عليه السّلام النبي بمخطّط حاطب وسارة، فأرسل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام والمقداد بن عمرو والزّبير بن العوام ليدركوا سارة على طريق مكّة لاسترجاع الكتاب منها، وبالتالي قطع الطريق على قريش، فلا تعلم بمجريات الأمور.
أدرك الرّجال الثلاثة سارة في منطقة تدعى "روضة الخاخ" وقيل اسمها "الخليقة"، فاستنزلوها وفتّشوا رحلها فلم يجدوا الكتاب، فسألوها عنه فأنكرت وجوده، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
"إنّي أحلف بالله، ما كذب رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا كُذبنا، ولتخرجنّ هذا الكتاب أو لنكاشفنّك"
نفع تهديد الإمام عليّ عليه السلام، إذ أحسّت سارة أنّ عليّاً لن يتركها حتى ينفّذ ما أمر به رسول الله ، فقالت: إعرض، فأعرض الإمام عليه السّلام فحلّت ضفائر شعرها، واستخرجت الكتاب منها، ثمّ دفعته إليه، فأتى به رسول الله(صلى الله عليه وسلم) .
موقف رسول الله
إنّ ما قام به حاطب وسارة يعدّ خيانة عظمى في الأعراف العسكريّة والأمنيّة، فلو وصل الكتاب، لفشلت خطّة الفتح وانهزم المسلمون، وما قام أحد بما قام به حاطب وسارة إلاّ واستحقّ الإعدام أو السّجن أو عوقب عقاباً شديداً، في العصور السالفة أو في العصر الحديث.
لم يتعرّض النبيّ لسارة فدافعها للقيام بذلك كان حبّ المال، علماً أنّ المسلمين أبقوها بينهم منذ قدومها من مكّة، وأحسنوا معاملتها. وبالنّسبة إلى حاطب، فقد انزعج رسول الله ممّا قام به، وسأله عن سبب إقدامه على ذلك، وهو الصحابيّ الذي شهد مع النبيّ بدراً. فحلف حاطب بالله وبرسوله إنّه لم يقصد شرّاً، وقال: يا رسول الله، أما والله إنّي لمؤمن بالله وبرسوله... ما غيّرت وما بدّلت، ولكنّي كنت امرءاً ليس لي في القوم أهل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليه.
ومع أنّ هذا الاعتذار لا يبرّر إفشاء أسرار المسلمين لأعدائهم، فإنّ نبيّ الرّحمة صفح عنه، وخلّى سبيله، فاعترض الخليفة الراشديّ الثاني عمر بن الخطّاب على ذلك، وطلب من النبيّ أن
يضرب عنقه، فقال رسول الله: "وما يدريك يا عمر! لعلّ الله اطلع يوم بدر على أصحاب بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
الراوي:علي بن أبي طالب المحدث:الألباني - المصدر:صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم:2650
خلاصة حكم المحدث:صحيح
كان بوسع النبيّ أن يقتصّ من حاطب، لكّنه عفا عنه لسابقته في الإسلام ولمشاركته في غزوة بدر ولغيرها من الأسباب.
ولكي لا يتكرّر مثل هذا الخطأ الجسيم والخطير، أنزل الله تعالى أيات بهذا الشّأن، إذ يقول جلّ وعلا في الآية الأولى من سورة الممتحنة:
﴿يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُّوي وَعَدُّوَكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةَ وَقَدْ كَفَروا بِما جاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ يُخْرجونَ الرَّسولَ وَإِيّاكُمْ أنْ تُؤْمِنوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً في سَبيلي وَابْتِغاءَ مَرْضاتي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبيلَ﴾ إلى الآية التّاسعة من سورة الممتحنة.
رحم الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) هذين الشخصين في لحظة ضعفهما، ولم يتنكّر لإسلام حاطب وجهاده في ساحة الوغى.
وفي السنة السّابعة للهجرة/628 م، كان حاطب سفير النبيّ(صلى الله عليه وسلم) إلى حاكم مصر المقوقس يدعوه إلى الإسلام ويعرّفه بأهدافه.
فهل لنا في رسول الله إسوة حسنة؟؟؟