عبدالله بن مهدي
15-07-2012, 10:10 PM
الشرف .. موروث أم مكتسب؟!
http://www.alsharq.net.sa/2012/07/15/394480
قد يغيب المدلول العام لكلمة الشرف عن بعض القراء - وقد لا يكون الجميع قادرا على صياغة تعريف محدد لتلك الكلمة - فالشرف يدخل في معناه الكثير من القيم السامية كالصدق والأمانة ، والالتزام الأخلاقي العام في الكسب الحلال والعدالة ، وقول الحق ، والتراحم .. ، وهو بهذا المعنى يمثل مجموعة من القيم السلوكية العليا المعتبرة لدى الناس ، وتحقق هذه القيم لمن تمسك بها مكانة رفيعة بين الناس ، وتحدد علاقتهم به ، ومواقفهم منه ، ومن المؤكد أن الإنسان يتبوأ مكانته الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية من خلال ما يحمله من قيمة الشرف التي تمثل المحدد الأساسي والمعيار الحقيقي الذي ينزله في مرتبته التي يستحقها في مجتمعه ، فعلى أساس ذلك يتحدد تصنيفهم له ، ومن خلاله تتشكل نظرتهم إليه إيجابا أو سلبا ، وتبنى رؤيتهم تجاهه تبعا لمعيار الشرف الذي يلتزم به ، ولهذا يرتبط معنى الشرف بدور الإنسان الإيجابي تجاه الآخرين ، وتتحدد مواقفهم منه من خلال ما يقوم به من واجبات تجاههم ، وما يضطلع به من أدوار اجتماعية وإنسانية كبيرة في مجتمعه ، ولا شك أن المجتمع المثالي تتشكل فيه العلاقات الاجتماعية ، وتتحدد درجة التماسك بين أفراده بدرجة كبيرة على أساس من قيمة الشرف.
فالإنسان الشريف هو المحافظ على مجموعة قيم الشرف السائدة في مجتمعه ، وهي قيم عامة ومشتركة - في الغالب - في كثير من المجتمعات ، ومنها : أن يقوم بواجبه تجاه دينه ووطنه ، ويقول الصدق ، ويكون محل ثقة الناس به ، واحترامهم له على الدوام ، ولا يرضى بالظلم ، ولا يشارك في الفساد مهما كان نوعه ، ولا يعتدي على حقوق الآخرين ، ولا يتوقعون منه سلوكا مشينا ، فالناس يرتكزون على القيم والقواعد الأخلاقية المتمثلة في قيمة الشرف التي كلما انتشرت في المجتمع ، وسادت ؛ شعر الناس بالأمان والاطمئنان ، وكلما انحسرت ، وتضاءلت ؛ تراجع الشعور الحسن تبعا لتراجعها ، وحل محله الحذر والخوف والقلق.
ولا يعتبر الفقر أو الغنى سببا في تدني أو رفعة قيمة الإنسان بين الأخيار من الناس بل الشرف هو الذي يضعه في موقع التقدير والاحترام بينهم ؛ لأن الأغلب الأعم في تعامل الناس هو النظرة الإيجابية للإنسان الشريف ، وتقدير مكانته العملية ، فالأسوياء من الناس يرفعون من مكانة الإنسان الشريف صاحب المكانة المتميزة ، والقدرات المادية ، والمتعاطف ، والمتضامن معهم ، وهم كذلك يقدرون ويحترمون الإنسان الفقير الشريف رغم أنه لا يحتل مكانة عملية بارزة لكنهم يضعونه في مكانته التي يستحقها غير متأثرين بحالة فقره ، وأما الإنسان الفقير غير الشريف فهو يحتل مكانة أدنى بين الناس ، ويعتبر من لا يتصف بالشرف ، ولا يعرف عنه التمسك الأخلاقي أسوأ مثال عندهم - مهما كانت وظيفته ونفوذه المادي المرتفع وقدراته العملية والحياتية - ولا يمنحونه المكانة الاجتماعية ؛ لأنهم يرون أن تعاون الناس فيما بينهم من قيم الشرف ، فمن يعق والديه أو وطنه ليس إنسانا شريفا ، والمقصر في واجبات وطيفته أو المستغل لها لن يكون في نظر الناس إنسانا شريفا ، ومن يتراجع عن قول الحق ليس إنسانا شريفا ، ومن يقصر في حق أسرته ليس إنسانا شريفا ، ومن يقصر في حق جيرانه أو يؤذيهم ليس إنسانا شريفا..
ولا شك أن البعض يرى أن تدهورا وترديا قد أصاب بعض القيم الحياتية للناس في كثير من جوانبها ، وأن الآثار السلبية المختلفة لذلك قد لحقت بالناس أفرادا وجماعات ، وساهمت في التقليل من عطائهم العملي ، وأصابت كثيرا منهم بالاحباط أو التواني عن المبادرة إلى الأفعال الإيجابية ، ويؤكد كثير من الناس أن القيم الجميلة قد انحسرت فباتوا يبكون على الماضي الجميل الذي عاشوا جزءا منه أو عاشه الجيل الذي سبقهم ، ويتحسرون على ما ضاع من تلك القيم الرائعة بسبب تخلي كثير من الناس عنها ، ولا شك أن هذا التحسر والبكاء لن يغيرا شيئا بل لا بد من المبادرة لترميم الخلل وإصلاحه بتعزيز القيم الايجابية وبنائها في الأجيال من خلال المؤسسات التربوية بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والمسجد والمؤسسات الثقافية وغيرها من وسائل التأثير وخاصة وسائل الإعلام التي تتحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة في هذا الفضاء المفتوح على العالم.
لا شك أن سلوك الإنسان مكتسب ، ويخضع هذا السلوك لما يتعرض إليه من تربية خاصة في المنزل في نشأته الأولى ، وما يتبعها من تربية عامة في المؤسسات التربوية المختلفة ، وما يكتسبه من خبرات وتجارب ، ومدى تمسكه بما يتعلمه ، ومحافظته عليه ، ومدى قوته أو ضعفه ، فشخصية الإنسان وتكوينها لهما علاقة قوية بسلوكه ؛ لأن السلوك هو من يحدد تلك الشخصية ويعطيها طابعها ، ويرسم لها إطارها العام ، فالناس يحكمون على الإنسان من خلال سلوكه الظاهر لهم ، وتصرفاته المشاهدة ، وعلاقاته المتبادلة معهم أفرادا وجماعات فهي جميعها تشكل الجانب الأساسي لشخصيته .
فالشرف هو رأس المال الحقيقي للإنسان ، ويمثل التمسك به قيمة حياتية له يحقق من خلالها وجوده ، وإيمانه ، وكرامته ، وقد يسلك البعض سلوكا يوهم به من حوله بتصرفات تتعارض مع شخصيته الحقيقية إلا أن ذلك الدور التمثيلي لن يستمر طويلا ، بل سرعان ما يكتشفه المتعاملون معه مهما بلغت مهاراته التمثيلية واحترافيته.
عبد الله بن مهدي الشمري
abdallahmahdi@alsharq.net.sa
http://www.alsharq.net.sa/2012/07/15/394480
قد يغيب المدلول العام لكلمة الشرف عن بعض القراء - وقد لا يكون الجميع قادرا على صياغة تعريف محدد لتلك الكلمة - فالشرف يدخل في معناه الكثير من القيم السامية كالصدق والأمانة ، والالتزام الأخلاقي العام في الكسب الحلال والعدالة ، وقول الحق ، والتراحم .. ، وهو بهذا المعنى يمثل مجموعة من القيم السلوكية العليا المعتبرة لدى الناس ، وتحقق هذه القيم لمن تمسك بها مكانة رفيعة بين الناس ، وتحدد علاقتهم به ، ومواقفهم منه ، ومن المؤكد أن الإنسان يتبوأ مكانته الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية من خلال ما يحمله من قيمة الشرف التي تمثل المحدد الأساسي والمعيار الحقيقي الذي ينزله في مرتبته التي يستحقها في مجتمعه ، فعلى أساس ذلك يتحدد تصنيفهم له ، ومن خلاله تتشكل نظرتهم إليه إيجابا أو سلبا ، وتبنى رؤيتهم تجاهه تبعا لمعيار الشرف الذي يلتزم به ، ولهذا يرتبط معنى الشرف بدور الإنسان الإيجابي تجاه الآخرين ، وتتحدد مواقفهم منه من خلال ما يقوم به من واجبات تجاههم ، وما يضطلع به من أدوار اجتماعية وإنسانية كبيرة في مجتمعه ، ولا شك أن المجتمع المثالي تتشكل فيه العلاقات الاجتماعية ، وتتحدد درجة التماسك بين أفراده بدرجة كبيرة على أساس من قيمة الشرف.
فالإنسان الشريف هو المحافظ على مجموعة قيم الشرف السائدة في مجتمعه ، وهي قيم عامة ومشتركة - في الغالب - في كثير من المجتمعات ، ومنها : أن يقوم بواجبه تجاه دينه ووطنه ، ويقول الصدق ، ويكون محل ثقة الناس به ، واحترامهم له على الدوام ، ولا يرضى بالظلم ، ولا يشارك في الفساد مهما كان نوعه ، ولا يعتدي على حقوق الآخرين ، ولا يتوقعون منه سلوكا مشينا ، فالناس يرتكزون على القيم والقواعد الأخلاقية المتمثلة في قيمة الشرف التي كلما انتشرت في المجتمع ، وسادت ؛ شعر الناس بالأمان والاطمئنان ، وكلما انحسرت ، وتضاءلت ؛ تراجع الشعور الحسن تبعا لتراجعها ، وحل محله الحذر والخوف والقلق.
ولا يعتبر الفقر أو الغنى سببا في تدني أو رفعة قيمة الإنسان بين الأخيار من الناس بل الشرف هو الذي يضعه في موقع التقدير والاحترام بينهم ؛ لأن الأغلب الأعم في تعامل الناس هو النظرة الإيجابية للإنسان الشريف ، وتقدير مكانته العملية ، فالأسوياء من الناس يرفعون من مكانة الإنسان الشريف صاحب المكانة المتميزة ، والقدرات المادية ، والمتعاطف ، والمتضامن معهم ، وهم كذلك يقدرون ويحترمون الإنسان الفقير الشريف رغم أنه لا يحتل مكانة عملية بارزة لكنهم يضعونه في مكانته التي يستحقها غير متأثرين بحالة فقره ، وأما الإنسان الفقير غير الشريف فهو يحتل مكانة أدنى بين الناس ، ويعتبر من لا يتصف بالشرف ، ولا يعرف عنه التمسك الأخلاقي أسوأ مثال عندهم - مهما كانت وظيفته ونفوذه المادي المرتفع وقدراته العملية والحياتية - ولا يمنحونه المكانة الاجتماعية ؛ لأنهم يرون أن تعاون الناس فيما بينهم من قيم الشرف ، فمن يعق والديه أو وطنه ليس إنسانا شريفا ، والمقصر في واجبات وطيفته أو المستغل لها لن يكون في نظر الناس إنسانا شريفا ، ومن يتراجع عن قول الحق ليس إنسانا شريفا ، ومن يقصر في حق أسرته ليس إنسانا شريفا ، ومن يقصر في حق جيرانه أو يؤذيهم ليس إنسانا شريفا..
ولا شك أن البعض يرى أن تدهورا وترديا قد أصاب بعض القيم الحياتية للناس في كثير من جوانبها ، وأن الآثار السلبية المختلفة لذلك قد لحقت بالناس أفرادا وجماعات ، وساهمت في التقليل من عطائهم العملي ، وأصابت كثيرا منهم بالاحباط أو التواني عن المبادرة إلى الأفعال الإيجابية ، ويؤكد كثير من الناس أن القيم الجميلة قد انحسرت فباتوا يبكون على الماضي الجميل الذي عاشوا جزءا منه أو عاشه الجيل الذي سبقهم ، ويتحسرون على ما ضاع من تلك القيم الرائعة بسبب تخلي كثير من الناس عنها ، ولا شك أن هذا التحسر والبكاء لن يغيرا شيئا بل لا بد من المبادرة لترميم الخلل وإصلاحه بتعزيز القيم الايجابية وبنائها في الأجيال من خلال المؤسسات التربوية بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والمسجد والمؤسسات الثقافية وغيرها من وسائل التأثير وخاصة وسائل الإعلام التي تتحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة في هذا الفضاء المفتوح على العالم.
لا شك أن سلوك الإنسان مكتسب ، ويخضع هذا السلوك لما يتعرض إليه من تربية خاصة في المنزل في نشأته الأولى ، وما يتبعها من تربية عامة في المؤسسات التربوية المختلفة ، وما يكتسبه من خبرات وتجارب ، ومدى تمسكه بما يتعلمه ، ومحافظته عليه ، ومدى قوته أو ضعفه ، فشخصية الإنسان وتكوينها لهما علاقة قوية بسلوكه ؛ لأن السلوك هو من يحدد تلك الشخصية ويعطيها طابعها ، ويرسم لها إطارها العام ، فالناس يحكمون على الإنسان من خلال سلوكه الظاهر لهم ، وتصرفاته المشاهدة ، وعلاقاته المتبادلة معهم أفرادا وجماعات فهي جميعها تشكل الجانب الأساسي لشخصيته .
فالشرف هو رأس المال الحقيقي للإنسان ، ويمثل التمسك به قيمة حياتية له يحقق من خلالها وجوده ، وإيمانه ، وكرامته ، وقد يسلك البعض سلوكا يوهم به من حوله بتصرفات تتعارض مع شخصيته الحقيقية إلا أن ذلك الدور التمثيلي لن يستمر طويلا ، بل سرعان ما يكتشفه المتعاملون معه مهما بلغت مهاراته التمثيلية واحترافيته.
عبد الله بن مهدي الشمري
abdallahmahdi@alsharq.net.sa