اميرة
04-08-2012, 01:52 AM
عندما يصبح الصوم ذريعة لتبرير الإنفعال
شجار هنا وصوت عالٍ هناك وصراخ زوجات يعانين الأمرين من غضب الأزواج وانفعالاتهم الجامحة في نهارات رمضان، يقابلهم أبناء يهربون بجلودهم من نوبات غضب آبائهم، وموظفون ومراجعون لا صبر لديهم حتى لسماع بعضهم البعض، والجميع يتخذون من رمضان "شماعة"، لتعليق غضبه عليها. لماذا؟
ليس المدخنون وحدهم الذين تنتابهم نوبات الغضب في رمضان، إذ إن معظم الصائمين، مدخنين أم غير مدخنين. قد يشعرون بالغضب نتيجة الجوع والعطش خلال نهارات الصوم الطويل، إلا أن درجات الغضب هذه، تتفاوت بين شخص وآخر، فهناك من هو معروف بعصبيته بشكل عام، مقابل آخر هادئ، لا يعرف الغضب إلا في رمضان، وغالباً ما تدفع الزوجات والأبناء ثمن غضب الأزواج الذي يتزامن غالباً مع الساعات القليلة التي تسبق الإفطار، فهل يمكن لنا لجم انفعالاتنا ودرجات غضبنا في رمضان؟ وما الذي يجب علينا فعله حتى نتجنب الغضب وننتصر عليه، كما ننتصر على شهواتنا وجوعنا وعطشنا؟
ما هو الغضب:
يرى علماء النفس أنّ الغضب هو حالة انفعالية يرافقها ثوران الجسم، وسلوك عدواني جسدي أو لفظي، ويحدث نتيجة اعتقاد الشخص بأنّه تعرض للظلم أو الإهانة، أو أنّ الأمور تسير بطريقة لا يتقبلها الشخص، كأن تكون عكس التوقعات، أو عكس المعايير الشخصية.. ويعتقد البعض أن تفريغ انفعال الغضب بالصراخ أو بأي سلوك غاضب، يحسن من شعور الشخص الغاضب ويريحه. لكن عواقب الغضب ليست دائماً مريحة، خاصة أنّ الغاضبين على الأغلب يكتشفون أنه كان عليهم التصرف بطريقة مناسبة. كما أنّ الغضب يرافقه الكثير من الآثار السلبية، مثل خلق حالة من الصراع مع الآخرين، وإيذاء الناس المحبوبين بالقول أو بالفعل، والنظر بشكل سلبي للغاضبين من قبل الناس، والندم من قبل الغاضبين خصوصاً بسبب التسرع والاندفاعية بالتصرفات، وارتفاع الخطر على الغاضب إذا كان يقود سيارة، أو بسبب طبيعة عمل تتطلب ضبط النفس، أو تخريب الممتلكات، والغضب حالة من فقدان الرشد قد يؤدي إلى مشاكل مع القانون، واختلاف نظرة الشخص الغاضب إلى نفسه حين يرى عواقب ما فعله وهو غاضب".
- نصف كلمة:
يؤيد الدكتور عباس أحمد (محامٍ يدخن 3 علب سجائر يومياً) الرأي القائل: "إنّ المدخنين أكثر غضباً من غيرهم في رمضان"، يقول: "طبعاً، أنا أتعصب، ولا أتقبل نصف كلمة من زميل أو موكل أو زوجتي أو أحد أبنائي، وأظل على هذه الحال منذ استيقاظي صباحاً وحتى بعد صلاة التراويح". ويضيف: "على الرغم من أنني لا أتناول إلا القليل من الطعام في رمضان، إلا أنّ السيجارة هي مشكلتي الأبدية، وقد حاولت التوقف ولم أستطع، على الرغم من أنني أجريت عمليتين خطيرتين في القلب، وأعاني ضغط الدم المرتفع".
- حاد الطباع:
بدوره، يعترف كمال عبدالرؤوف (مهندس ويدخن منذ 20 عاماً)، بأنّه يكون حاد الطباع في رمضان، بسبب بعده عن السيجارة، يقول: "خلال الصيام أتحول إلى شخص آخر، فأنا بطبعي هادئ، ولكنني أصبح إنساناً آخر في رمضان، الكل يبتعد عني، زوجتي وأولادي في البيت، حتى زملاء العمل". ويتابع: "ليس هذا فقط، بل إن رئيسي يفضل تخفيف العبء عني في رمضان، لأنّه يعرف تأثير التدخين على مزاجي العام، ولكنني أعود إلى طبيعتي بعد الإفطار، فالسيجارة هي أوّل ما أفطر عليه بعد كوب الماء، وقد حاولت التوقف عن التدخين في رمضان، ولكن بلا فائدة".
- النوم أفضل:
يفضل خليل الغيث (محاسب ويدخن منذ 18 عاماً)، النوم أطول فترة ممكنة في نهار رمضان، إضافة إلى أخذ إجازة لمدة أسبوعين، والسبب، كما يقول هو، أنّه يتحول في رمضان "إلى شخص متعكر المزاج مع المراجعين في المؤسسة التي أعمل فيها". ويشير إلى أنّه لذلك، يتعمد أن يتزامن رمضان مع موعد إجازته السنوية "حتى لا أتسبب في إيذاء الآخرين". ويقول: "أما أهل بيتي فقد تعودوا على التغير الذي يصاحبني في رمضان، ويوفرون لي المناخ المناسب للنوم".
- عدو الغضب:
في المقابل، يبدو أن غير المدخنين يكشفون عن جوانب مغايرة تماماً لما سمعناه من المدخنين، وهو ما بدا واضحاً في كلمات محمود حمدان (مراسل قناة) الذي يقول: "أنا عدو الغضب والعصبية"، لافتاً إلى أنّه "في زمن مضى كنت أتعصب، أحياناً ولكني تغلبت على هذا السلوك". ويضيف: "أنا لم أتناول سيجارة في حياتي، ولكن الجوع ودرجة الحرارة من العوامل التي تسبب لي بعض الضيق، وهو ما يحدث مع كثيرين، ولكن رمضان بريء من العصبية والغضب، فهو شهر الصبر والتحمل".
- لا وقت للاسترخاء:
ويعترف حمدي سعد (صحافي وغير مدخن) بأنّه يغضب "أحياناً"، وخصوصاً بعد عودته من العمل ونتيجة ضغط ظروف الجو والجوع والتعب. ويقول: "أجد نفسي في حاجة أكبر إلى الاسترخاء، ولكن أطفالي لا يأبهون بذلك، وهو ما يجعلني أغضب لبعض الوقت. ولكن، بعد الاسترخاء، أعود إلى طبيعتي الهادئة". ويؤكد حمدي أن "لا دخل لرمضان في ما نشاهده من سلوكيات غاضبة لدى بعض الأشخاص"، لافتاً إلى أن "من يبررون غضبهم بأنّ الصيام هو السبب، يبحثون عن شماعة ليس إلا".
- رمضان مظلوم:
"طبيعة الشخص هي الأساس ولا دخل لرمضان في غضب الناس"، بهذه الكلمات عبر محمد مراد (إعلامي وغير مدخن)، عن رأيه قائلاً: "المدخنون ومن يشربون القهوة تحديداً هم الأكثر عصبية في رمضان، ولكن الشخص العادي مثلي لا علاقة لرمضان بغضبه، فالغضب قد يكون سلوكاً خاصاً بالفرد ذاته".
- أوّله حمق وآخره ندم:
قيل عن الغضب: "إذا تمالكت أعصابك في لحظة غضب واحدة، ستوفر على نفسك أياماً من الحزن والندم، وحين يغضب الإنسان، فإنّه يفتح فمه ويغلق عقله. وأفضل رد على إنسان غاضب، هو الصمت، فإذا تكلم الغضب سكتت الحقيقة، لأنّ الغضب أوله حمق وآخره ندم، وكل دقيقة غضب تضيع منك ستين ثانية من السعادة، ومن يستطيع إغضابك يستطيع هزيمتك".
- عصبي بطبيعتي:
ويأتي رأي رجل الأعمال صالح الجسمي ليؤكد ما قاله محمد مراد، حيث يقول الجسمي: "أنا غير مدخن، ولكني عصبي بطبعي، تزيد عصبيتي في رمضان، وخاصة مع الجوع". وكشف أن أهل بيته "يعرفون هذه الحقيقة عني ويتحاشونني تماماً في نهار رمضان. أما خارج البيت فأتحاشى الاحتكاك قدر الإمكان".
- هادئ في رمضان:
من ناحيته، يقدم إسماعيل قيلي (مصور) صورة أخرى تختلف عن المدخنين وغير المدخنين، حيث يقول: "أنا غير مدخن، ولكني في رمضان، وعلى العكس من أغلبية الناس، أكون أكثر هدوءاً وراحة نفسية، وقد تعجبون إذا قلت لكم إني أكون عصبياً في شهور السنة الأخرى، ولكني هادئ تماماً في رمضان، حتى أثناء قيادتي سيارتي في الشارع لا أسرع وأسير بمنتهى الهدوء".
- دوامة الولائم:
أما في ما يتعلق بالنساء، فيبدو أن لديهنّ أيضاً أسبابهنّ للغضب في رمضان، فالسيدة نادية عبدالحليم (موظفة في شركة علاقات عامة، ولديها طفلان) تعترف بأن أكثر ما يغضبها في رمضان "هو الولائم العائلية الرمضانية". وتقول: "زوجي يحرص في رمضان من كل عام على دعوة جميع أفراد عائلته (10 رجال وسيدات)، والأولاد طبعاً، إلى الإفطار، وهذا لا يحدث مرة واحدة، إنما على مرات منفصلة، ما يسبب لي حالة من الغضب تستمر معي طوال الشهر، مع العلم أني أعمل مثله تماماً، ولكنه لا يريد أن يستوعب أنني إنسانة ولديّ طاقة وأتحمل مسؤولية البيت والأولاد ومسؤوليته هو نفسه".
ما ذكرته نادية عبدالحليم، هو بالتحديد ما تعانيه خلود عبدالرحمن، التي قررت هذا العام عدم السفر مع زوجها، حيث تركت له حرية القرار في السفر لزيارة والدته المسنة، لافتة إلى أنّ "السبب، ببساطة، هو معاناتي التي لا حدود لها أثناء رمضان". وتقول: "لقد تعودنا على السفر لقضاء إجازتنا السنوية، إلا أن زوجي مدمن عزائم، فعائلته بالكامل وعائلتي أيضاً، تحمل ضيفة على مائدتنا العامرة على مدار الشهر، فقائمة المدعوين لديه لا سقف لها، وهي تضم الأقارب وأصدقاء الطفولة وزملاء العمل". وتضيف: "لهذا، كان قراري بعدم السفر لقضاء الإجازة هذا العام في رمضان، حتى لا تنتابني ساعات الغضب التي تلازمني طوال الشهر الفضيل".
- حرارة الجو:
"ليس رمضان هو المسؤول، إنما حرارة الجو التي تجعل الناس أكثر غضباً في رمضان" كلام للآنسة آية سراج (منسقة علاقات عامة وإعلام)، التي تشير إلى أن "مظاهر الغضب غير موجودة في بيتنا في رمضان، مع أن والدي مدخن، وفي العمل أشعر بأن حرارة الجو هي التي تقف وراء حالات الغضب التي قد تصيب البعض".
وقت الفراغ:
بدورها، تجد زينب الحبشي (سيدة أعمال) أن "المدخنين هم الأكثر غضباً في رمضان"، وتقول: "ابني مدخن، وحاولت كثيراً إبعاده عن التدخين، لأنني وجدت أنّ التدخين هو الذي يجعل الشخص أكثر عصبية، إضافة إلى وقت الفراغ، سواء لدى المرأة أم الرجل".
- أعراض انسحابية:
هل صحيح أنّ المدخنين أكثر غضباً في رمضان؟ سؤال طُرح على الدكتور إبراهيم جابر، الذي أشار إلى أن "من أبرز الأعراض الانسحابية لغياب مادة النيكوتين عند المدخن، التوتر والعصبية أمام أقل إثارة يتعرض لها، سواء في مجال العمل أم في محيطه الاجتماعي، ويحدث ذلك نتيجة لفقدان التأثيرات المحفزة على مستقبلات معينة في المخ. وبالتالي، يكون الشخص المدخن أكثر عرضة للتوتر والعصبية عند أقل استثارة أو لظروف التعاملات اليومية الطبيعية، فهو لا يستطيع مواجهتها مع بساطتها نتيجة غياب مادة النيكوتين".
- نوع من التدريب:
يواصل الدكتور جابر تحليله لما يحدث، قائلاً: "لقد أهدانا الله شهر رمضان، ليكون بمثابة نوع من التدريب على غياب هذه المادة (النيكوتين)، ويستطيع كثير من المدخنين خلال رمضان التدريب على التخلص من مادة النيكوتين في الجسم، مع مراعاة المحيطين بالشخص للظروف الخاصة التي يتعرض لها، وبالتالي مساعدته والوقوف إلى جانبه". ويضيف: "أيضاً، بعد الإفطار إذا استطاع هؤلاء المدخنون الانخراط في ممارسة بقية الشعائر التي تتطلبها فريضة الصيام، كالذهاب إلى صلاة التراويح والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والرياضية بعد الصلاة، فإن ذلك يتيح للشخص أن يتوقف عن التدخين لمدة لا تقل عن 18 ساعة متواصلة، وبالتالي يمكنه الاستمرار من دون تدخين ويخرج بواحدة من أهم مكتسبات الشهر الكريم".
- لا تظلموه:
أما الدكتورة حنان عبيد (رئيسة قسم برامج خدمات صحة المجتمع زوجة وأم لابنتين)، فتتهم بعض الزوجات بالإشارة إلى "أنهنّ السبب في حالة الغضب التي تعتري أزواجهنّ في رمضان "بسبب عدم اختيار الزوجة للتوقيت المناسب الذي تتحدث مع زوجها حول مشكلة ما، فعقب عودة الرجل من عمله، ومع درجة الحرارة المرتفعة، وشدة الازدحام المروري، وحاجته إلى الراحة، تراها تستقبله بوابل من الشكاوى، ما يسبب له حالة من الغضب". وتقول الدكتورة حنان: "هناك شخص تجد أن لديه محدودية في التفكير، فعندما يتعرض لمشكلة ما، لا يجد سوى حل واحد يتعامل من خلاله، ولا يمتلك وسائل أخرى تساعده في حل المشكلة التي يتعرض لها". وتؤيد الدكتورة حنان عبيد الرأي القائل: "إن نسبة الغضب عند المدخنين تكون أعلى من غير المدخنين، لأنهم يمتنعون عن التدخين لفترات طويلة، ما يؤدي إلى تقليل نسبة النيكوتين في دمهم، وهنا تظهر عليهم علامات الانسحاب، ومنها التوتر والصداع والعصبية الزائدة، وعدم القدرة على النوم".
- تنشئة:
وترى مديرة "مركز التنمية الاجتماعية في خورفكان" فاطمة المغنى أن "مسألة العصبية مرتبطة بالتنشئة، فالشخص الذي ينشأ في بيئة هادئة، يعتبر الغضب من الدرجات المنحظة في التعامل مع الآخرين، لأن ديننا الإسلامي يتخذ الصبر وسيلة لكظم الغيظ، فالإنسان الذي يكظم الغيظ يؤجر عند الله أكثر من غيره، بينما الشخص العصبي لا يصل إلى تحقيق النجاح الذي يبتغيه في لحظة غضبه". ويشير إلى أنّ "المدير الذي يغضب سريعاً لا يحصل على نتائج إيجابية من العاملين معه، لأنّ الغضب وسيلة منفرة تدفع الناس إلى الابتعاد عن الشخص الغاضب، ولا يتيح الغاضب للمتعامل معه أن يكون صريحاً معه في كل الأوقات حتى مع أهل بيته، لأنّهم يعرفون أنه سيغضب، وبالتالي فإن هناك حائطاً بين الشخص الغضوب والأشخاص الذين يتعاملون معه".
- مرضى نفسيون:
وتقول فاطمة المغنى: إنّ رمضان هو شهر الصبر وليس شهر التعصب، هو شهر التواصل والرحمة والمغفرة، وجميع الصفات الإيجابية". وتضيف: "أما الأشخاص الذين يتخذونه حجة للغضب، فهم مخطئون، ومرضى نفسيون، ويعانون من العصبية أصلاً، ولكنها تبرز بدرجة أكبر في رمضان، حتى الشخص المدخن قد لا يتأثر في رمضان بسبب الصيام، ولكنه يتوهم ذلك".
- شماعة:
بدوره، لا يجد الأخصائي الاجتماعي يوسف السيد ما يبرر عصبية البعض في رمضان، ويتهم هؤلاء بأنهم "يتخذون من رمضان شماعة"، لكل ما يرتكبون من أخطاء وسلوكيات لا دخل لرمضان بها، فتجد الواحد منهم يقول: "روحي في مناخيري"، مع أننا جميعاً نصوم ونعيش الظروف نفسها، وتشير إلى أن "هناك فئة أخرى من الناس يعانون في رمضان الجوع والعطش، وهذا يجعلهم أكثر غضباً في رمضان، وبعض المدخنين نجد أنهم يغضبون بدرجة ما في رمضان، ولكن هذا لا ينطبق على الناس الطبيعيين، بل العكس فنجدهم أكثر رحمة ويتمتعون بدرجة هائلة من الهدوء". ويرجع يوسف السيد حالات الغضب التي تعتري الرجال والنساء أحياناً في رمضان إلى عوامل أخرى من بينها: "السهر لفترات طويلة والتسمر أمام شاشات التلفاز، وعدم تهيئة أنفسهم لشهر الصوم، فمسألة التهيئة داخل محيط الأسرة ضرورية".
- غضب من الشيطان:
في السياق نفسه، يبدو أن للدكتور علي مشاعل، تفسيراً لموضوع الغضب بشكل عام، والغضب في رمضان على وجه الخصوص، فيقول: "الغضب في أصله طبيعة بشرية وغريزة إنسانية لابدّ منها، إذا وضعت في محلها ولا ينبغي الزيادة فيها، فهي بقدر ويجب أن تحدد بحيث تكون وفق التوجيه الديني كما شرع الله، فالغضب يكون محموداً إذا كان لأجل الله، والمؤمن يجب ألا يترك الشيطان يستفزه ليغضب، بل يجب على المسلم أن يكون مهيمناً على نفسه ومتحكماً فيها بدلاً من أن يسيطر عليه الشيطان، فقد أوصى نبينا (ص) من طلب منه الوصية قائلاً: "لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب"، فالغضب المنتشر بين الناس، إنما هو من الشيطان وينبغي على الإنسان أن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فعندما يقولها من قلبه يبتعد الشيطان عن نفسه وتزول ثورته". ويواصل الدكتور علي مشاعل تفسيره قائلاً: "نحن نوصي كل عاقل بألا ينساب الغضب إلى الصيام، فالشياطين تقيد في رمضان، ومن ثمّ فإن من يغضب وينفعل فإن هذا من شرور النفس وسيئات الأعمال، فإذا قيدت الشياطين، فإنّ النفس تقوم بهذه الأفعال وتحاول أن تحقق لنفسها ما تطمح إليه ولو على حساب الأخلاق، والحديث يقول: "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب"، ومعنى الحديث أنّ الشديد القوي ليس هو الذي يصرع صاحبه ويغلبه، ولكن الشديد هو الذي يهيمن على نفسه وفق الدين والعقل، ولا يترك نفسه تتخبط كما يحلو لها في الشقاء والبعد عن الحق والصواب".
- الانتصار على النفس:
ويتساءل الدكتور مشاعل قائلاً: "إذا كان المسلم ينتصر على نفسه بترك الطعام والشراب والشهوات، فلماذا لا ينتصر عليها في الغضب؟". لافتاً إلى أنّه "إذا وصل المؤمن إلى هذا المستوى فقد زكى نفسه، وقد أفلح من زكاها، وإذا لم يصل إلى هذا المستوى، بل بقيت نفسه تتفلت منه وتتحكم فيه وتسيره وفق الهوى والشهوات، فإنّه لا يستفيد من عمله شيئاً، بل ربما لا ينال من الصوم سوى الجوع والعطش، ولا ينال من الصلاة سوى التعب والسهر".
· نصائح مفيدة لمنع الغضب:
- النوم مبكراً والابتعاد عن السهر.
- الابتعاد عن التدخين.
- تجنب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين خصوصاً ما يعرف بمشروبات الطاقة.
- ممارسة الرياضة لأنها تجعل الشخص في هدوء نفسي جميل.
- الاستغفار وأخذ نفس عميق لمدة خمس دقائق حتى تسترخي الأعصاب.
- أن تدرك الزوجة الأسلوب المناسب الذي يهدئ ثورات غضب الزوج.
- تلافي الأسباب التي تجعل الزوج يغضب في رمضان بتهيئة الجو المنزلي وتوفير حالة من الهدوء.
- عدم الخوض في جدال عقيم لو حدثت مشكلة عارضة. ويجب على الزوجة أن تحتوي زوجها بسرعة في حالة غضبه، من أجل نفسها وزوجها وأولادها.
- أن يراجع الزوج نفسه وهو في حالة هدوء بعيداً عن المواقف الغاضبة التي قد يمر بها، وأن يدرك أن غضبه غير المبرر يزيد من حجم المشكلة ولا يحلها.
- أن ندرك أنّ الغضب قد تكون له آثاره السلبية على الأشخاص، مثل انخفاض الإنتاجية وزيادة التوتر.
- هناك نوع من الغضب المحمود في البيت أو العمل، فإنّ الشخص عندما يعبر عن غضبه في موقف ما، فإذا هذا قد يدفع إلى الحوار البناء بين الغاضب والأشخاص الذين يمثلون الطرف الآخر، ما يسهم في عدم تكرار المشكلة بسبب الغضب.
شجار هنا وصوت عالٍ هناك وصراخ زوجات يعانين الأمرين من غضب الأزواج وانفعالاتهم الجامحة في نهارات رمضان، يقابلهم أبناء يهربون بجلودهم من نوبات غضب آبائهم، وموظفون ومراجعون لا صبر لديهم حتى لسماع بعضهم البعض، والجميع يتخذون من رمضان "شماعة"، لتعليق غضبه عليها. لماذا؟
ليس المدخنون وحدهم الذين تنتابهم نوبات الغضب في رمضان، إذ إن معظم الصائمين، مدخنين أم غير مدخنين. قد يشعرون بالغضب نتيجة الجوع والعطش خلال نهارات الصوم الطويل، إلا أن درجات الغضب هذه، تتفاوت بين شخص وآخر، فهناك من هو معروف بعصبيته بشكل عام، مقابل آخر هادئ، لا يعرف الغضب إلا في رمضان، وغالباً ما تدفع الزوجات والأبناء ثمن غضب الأزواج الذي يتزامن غالباً مع الساعات القليلة التي تسبق الإفطار، فهل يمكن لنا لجم انفعالاتنا ودرجات غضبنا في رمضان؟ وما الذي يجب علينا فعله حتى نتجنب الغضب وننتصر عليه، كما ننتصر على شهواتنا وجوعنا وعطشنا؟
ما هو الغضب:
يرى علماء النفس أنّ الغضب هو حالة انفعالية يرافقها ثوران الجسم، وسلوك عدواني جسدي أو لفظي، ويحدث نتيجة اعتقاد الشخص بأنّه تعرض للظلم أو الإهانة، أو أنّ الأمور تسير بطريقة لا يتقبلها الشخص، كأن تكون عكس التوقعات، أو عكس المعايير الشخصية.. ويعتقد البعض أن تفريغ انفعال الغضب بالصراخ أو بأي سلوك غاضب، يحسن من شعور الشخص الغاضب ويريحه. لكن عواقب الغضب ليست دائماً مريحة، خاصة أنّ الغاضبين على الأغلب يكتشفون أنه كان عليهم التصرف بطريقة مناسبة. كما أنّ الغضب يرافقه الكثير من الآثار السلبية، مثل خلق حالة من الصراع مع الآخرين، وإيذاء الناس المحبوبين بالقول أو بالفعل، والنظر بشكل سلبي للغاضبين من قبل الناس، والندم من قبل الغاضبين خصوصاً بسبب التسرع والاندفاعية بالتصرفات، وارتفاع الخطر على الغاضب إذا كان يقود سيارة، أو بسبب طبيعة عمل تتطلب ضبط النفس، أو تخريب الممتلكات، والغضب حالة من فقدان الرشد قد يؤدي إلى مشاكل مع القانون، واختلاف نظرة الشخص الغاضب إلى نفسه حين يرى عواقب ما فعله وهو غاضب".
- نصف كلمة:
يؤيد الدكتور عباس أحمد (محامٍ يدخن 3 علب سجائر يومياً) الرأي القائل: "إنّ المدخنين أكثر غضباً من غيرهم في رمضان"، يقول: "طبعاً، أنا أتعصب، ولا أتقبل نصف كلمة من زميل أو موكل أو زوجتي أو أحد أبنائي، وأظل على هذه الحال منذ استيقاظي صباحاً وحتى بعد صلاة التراويح". ويضيف: "على الرغم من أنني لا أتناول إلا القليل من الطعام في رمضان، إلا أنّ السيجارة هي مشكلتي الأبدية، وقد حاولت التوقف ولم أستطع، على الرغم من أنني أجريت عمليتين خطيرتين في القلب، وأعاني ضغط الدم المرتفع".
- حاد الطباع:
بدوره، يعترف كمال عبدالرؤوف (مهندس ويدخن منذ 20 عاماً)، بأنّه يكون حاد الطباع في رمضان، بسبب بعده عن السيجارة، يقول: "خلال الصيام أتحول إلى شخص آخر، فأنا بطبعي هادئ، ولكنني أصبح إنساناً آخر في رمضان، الكل يبتعد عني، زوجتي وأولادي في البيت، حتى زملاء العمل". ويتابع: "ليس هذا فقط، بل إن رئيسي يفضل تخفيف العبء عني في رمضان، لأنّه يعرف تأثير التدخين على مزاجي العام، ولكنني أعود إلى طبيعتي بعد الإفطار، فالسيجارة هي أوّل ما أفطر عليه بعد كوب الماء، وقد حاولت التوقف عن التدخين في رمضان، ولكن بلا فائدة".
- النوم أفضل:
يفضل خليل الغيث (محاسب ويدخن منذ 18 عاماً)، النوم أطول فترة ممكنة في نهار رمضان، إضافة إلى أخذ إجازة لمدة أسبوعين، والسبب، كما يقول هو، أنّه يتحول في رمضان "إلى شخص متعكر المزاج مع المراجعين في المؤسسة التي أعمل فيها". ويشير إلى أنّه لذلك، يتعمد أن يتزامن رمضان مع موعد إجازته السنوية "حتى لا أتسبب في إيذاء الآخرين". ويقول: "أما أهل بيتي فقد تعودوا على التغير الذي يصاحبني في رمضان، ويوفرون لي المناخ المناسب للنوم".
- عدو الغضب:
في المقابل، يبدو أن غير المدخنين يكشفون عن جوانب مغايرة تماماً لما سمعناه من المدخنين، وهو ما بدا واضحاً في كلمات محمود حمدان (مراسل قناة) الذي يقول: "أنا عدو الغضب والعصبية"، لافتاً إلى أنّه "في زمن مضى كنت أتعصب، أحياناً ولكني تغلبت على هذا السلوك". ويضيف: "أنا لم أتناول سيجارة في حياتي، ولكن الجوع ودرجة الحرارة من العوامل التي تسبب لي بعض الضيق، وهو ما يحدث مع كثيرين، ولكن رمضان بريء من العصبية والغضب، فهو شهر الصبر والتحمل".
- لا وقت للاسترخاء:
ويعترف حمدي سعد (صحافي وغير مدخن) بأنّه يغضب "أحياناً"، وخصوصاً بعد عودته من العمل ونتيجة ضغط ظروف الجو والجوع والتعب. ويقول: "أجد نفسي في حاجة أكبر إلى الاسترخاء، ولكن أطفالي لا يأبهون بذلك، وهو ما يجعلني أغضب لبعض الوقت. ولكن، بعد الاسترخاء، أعود إلى طبيعتي الهادئة". ويؤكد حمدي أن "لا دخل لرمضان في ما نشاهده من سلوكيات غاضبة لدى بعض الأشخاص"، لافتاً إلى أن "من يبررون غضبهم بأنّ الصيام هو السبب، يبحثون عن شماعة ليس إلا".
- رمضان مظلوم:
"طبيعة الشخص هي الأساس ولا دخل لرمضان في غضب الناس"، بهذه الكلمات عبر محمد مراد (إعلامي وغير مدخن)، عن رأيه قائلاً: "المدخنون ومن يشربون القهوة تحديداً هم الأكثر عصبية في رمضان، ولكن الشخص العادي مثلي لا علاقة لرمضان بغضبه، فالغضب قد يكون سلوكاً خاصاً بالفرد ذاته".
- أوّله حمق وآخره ندم:
قيل عن الغضب: "إذا تمالكت أعصابك في لحظة غضب واحدة، ستوفر على نفسك أياماً من الحزن والندم، وحين يغضب الإنسان، فإنّه يفتح فمه ويغلق عقله. وأفضل رد على إنسان غاضب، هو الصمت، فإذا تكلم الغضب سكتت الحقيقة، لأنّ الغضب أوله حمق وآخره ندم، وكل دقيقة غضب تضيع منك ستين ثانية من السعادة، ومن يستطيع إغضابك يستطيع هزيمتك".
- عصبي بطبيعتي:
ويأتي رأي رجل الأعمال صالح الجسمي ليؤكد ما قاله محمد مراد، حيث يقول الجسمي: "أنا غير مدخن، ولكني عصبي بطبعي، تزيد عصبيتي في رمضان، وخاصة مع الجوع". وكشف أن أهل بيته "يعرفون هذه الحقيقة عني ويتحاشونني تماماً في نهار رمضان. أما خارج البيت فأتحاشى الاحتكاك قدر الإمكان".
- هادئ في رمضان:
من ناحيته، يقدم إسماعيل قيلي (مصور) صورة أخرى تختلف عن المدخنين وغير المدخنين، حيث يقول: "أنا غير مدخن، ولكني في رمضان، وعلى العكس من أغلبية الناس، أكون أكثر هدوءاً وراحة نفسية، وقد تعجبون إذا قلت لكم إني أكون عصبياً في شهور السنة الأخرى، ولكني هادئ تماماً في رمضان، حتى أثناء قيادتي سيارتي في الشارع لا أسرع وأسير بمنتهى الهدوء".
- دوامة الولائم:
أما في ما يتعلق بالنساء، فيبدو أن لديهنّ أيضاً أسبابهنّ للغضب في رمضان، فالسيدة نادية عبدالحليم (موظفة في شركة علاقات عامة، ولديها طفلان) تعترف بأن أكثر ما يغضبها في رمضان "هو الولائم العائلية الرمضانية". وتقول: "زوجي يحرص في رمضان من كل عام على دعوة جميع أفراد عائلته (10 رجال وسيدات)، والأولاد طبعاً، إلى الإفطار، وهذا لا يحدث مرة واحدة، إنما على مرات منفصلة، ما يسبب لي حالة من الغضب تستمر معي طوال الشهر، مع العلم أني أعمل مثله تماماً، ولكنه لا يريد أن يستوعب أنني إنسانة ولديّ طاقة وأتحمل مسؤولية البيت والأولاد ومسؤوليته هو نفسه".
ما ذكرته نادية عبدالحليم، هو بالتحديد ما تعانيه خلود عبدالرحمن، التي قررت هذا العام عدم السفر مع زوجها، حيث تركت له حرية القرار في السفر لزيارة والدته المسنة، لافتة إلى أنّ "السبب، ببساطة، هو معاناتي التي لا حدود لها أثناء رمضان". وتقول: "لقد تعودنا على السفر لقضاء إجازتنا السنوية، إلا أن زوجي مدمن عزائم، فعائلته بالكامل وعائلتي أيضاً، تحمل ضيفة على مائدتنا العامرة على مدار الشهر، فقائمة المدعوين لديه لا سقف لها، وهي تضم الأقارب وأصدقاء الطفولة وزملاء العمل". وتضيف: "لهذا، كان قراري بعدم السفر لقضاء الإجازة هذا العام في رمضان، حتى لا تنتابني ساعات الغضب التي تلازمني طوال الشهر الفضيل".
- حرارة الجو:
"ليس رمضان هو المسؤول، إنما حرارة الجو التي تجعل الناس أكثر غضباً في رمضان" كلام للآنسة آية سراج (منسقة علاقات عامة وإعلام)، التي تشير إلى أن "مظاهر الغضب غير موجودة في بيتنا في رمضان، مع أن والدي مدخن، وفي العمل أشعر بأن حرارة الجو هي التي تقف وراء حالات الغضب التي قد تصيب البعض".
وقت الفراغ:
بدورها، تجد زينب الحبشي (سيدة أعمال) أن "المدخنين هم الأكثر غضباً في رمضان"، وتقول: "ابني مدخن، وحاولت كثيراً إبعاده عن التدخين، لأنني وجدت أنّ التدخين هو الذي يجعل الشخص أكثر عصبية، إضافة إلى وقت الفراغ، سواء لدى المرأة أم الرجل".
- أعراض انسحابية:
هل صحيح أنّ المدخنين أكثر غضباً في رمضان؟ سؤال طُرح على الدكتور إبراهيم جابر، الذي أشار إلى أن "من أبرز الأعراض الانسحابية لغياب مادة النيكوتين عند المدخن، التوتر والعصبية أمام أقل إثارة يتعرض لها، سواء في مجال العمل أم في محيطه الاجتماعي، ويحدث ذلك نتيجة لفقدان التأثيرات المحفزة على مستقبلات معينة في المخ. وبالتالي، يكون الشخص المدخن أكثر عرضة للتوتر والعصبية عند أقل استثارة أو لظروف التعاملات اليومية الطبيعية، فهو لا يستطيع مواجهتها مع بساطتها نتيجة غياب مادة النيكوتين".
- نوع من التدريب:
يواصل الدكتور جابر تحليله لما يحدث، قائلاً: "لقد أهدانا الله شهر رمضان، ليكون بمثابة نوع من التدريب على غياب هذه المادة (النيكوتين)، ويستطيع كثير من المدخنين خلال رمضان التدريب على التخلص من مادة النيكوتين في الجسم، مع مراعاة المحيطين بالشخص للظروف الخاصة التي يتعرض لها، وبالتالي مساعدته والوقوف إلى جانبه". ويضيف: "أيضاً، بعد الإفطار إذا استطاع هؤلاء المدخنون الانخراط في ممارسة بقية الشعائر التي تتطلبها فريضة الصيام، كالذهاب إلى صلاة التراويح والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والرياضية بعد الصلاة، فإن ذلك يتيح للشخص أن يتوقف عن التدخين لمدة لا تقل عن 18 ساعة متواصلة، وبالتالي يمكنه الاستمرار من دون تدخين ويخرج بواحدة من أهم مكتسبات الشهر الكريم".
- لا تظلموه:
أما الدكتورة حنان عبيد (رئيسة قسم برامج خدمات صحة المجتمع زوجة وأم لابنتين)، فتتهم بعض الزوجات بالإشارة إلى "أنهنّ السبب في حالة الغضب التي تعتري أزواجهنّ في رمضان "بسبب عدم اختيار الزوجة للتوقيت المناسب الذي تتحدث مع زوجها حول مشكلة ما، فعقب عودة الرجل من عمله، ومع درجة الحرارة المرتفعة، وشدة الازدحام المروري، وحاجته إلى الراحة، تراها تستقبله بوابل من الشكاوى، ما يسبب له حالة من الغضب". وتقول الدكتورة حنان: "هناك شخص تجد أن لديه محدودية في التفكير، فعندما يتعرض لمشكلة ما، لا يجد سوى حل واحد يتعامل من خلاله، ولا يمتلك وسائل أخرى تساعده في حل المشكلة التي يتعرض لها". وتؤيد الدكتورة حنان عبيد الرأي القائل: "إن نسبة الغضب عند المدخنين تكون أعلى من غير المدخنين، لأنهم يمتنعون عن التدخين لفترات طويلة، ما يؤدي إلى تقليل نسبة النيكوتين في دمهم، وهنا تظهر عليهم علامات الانسحاب، ومنها التوتر والصداع والعصبية الزائدة، وعدم القدرة على النوم".
- تنشئة:
وترى مديرة "مركز التنمية الاجتماعية في خورفكان" فاطمة المغنى أن "مسألة العصبية مرتبطة بالتنشئة، فالشخص الذي ينشأ في بيئة هادئة، يعتبر الغضب من الدرجات المنحظة في التعامل مع الآخرين، لأن ديننا الإسلامي يتخذ الصبر وسيلة لكظم الغيظ، فالإنسان الذي يكظم الغيظ يؤجر عند الله أكثر من غيره، بينما الشخص العصبي لا يصل إلى تحقيق النجاح الذي يبتغيه في لحظة غضبه". ويشير إلى أنّ "المدير الذي يغضب سريعاً لا يحصل على نتائج إيجابية من العاملين معه، لأنّ الغضب وسيلة منفرة تدفع الناس إلى الابتعاد عن الشخص الغاضب، ولا يتيح الغاضب للمتعامل معه أن يكون صريحاً معه في كل الأوقات حتى مع أهل بيته، لأنّهم يعرفون أنه سيغضب، وبالتالي فإن هناك حائطاً بين الشخص الغضوب والأشخاص الذين يتعاملون معه".
- مرضى نفسيون:
وتقول فاطمة المغنى: إنّ رمضان هو شهر الصبر وليس شهر التعصب، هو شهر التواصل والرحمة والمغفرة، وجميع الصفات الإيجابية". وتضيف: "أما الأشخاص الذين يتخذونه حجة للغضب، فهم مخطئون، ومرضى نفسيون، ويعانون من العصبية أصلاً، ولكنها تبرز بدرجة أكبر في رمضان، حتى الشخص المدخن قد لا يتأثر في رمضان بسبب الصيام، ولكنه يتوهم ذلك".
- شماعة:
بدوره، لا يجد الأخصائي الاجتماعي يوسف السيد ما يبرر عصبية البعض في رمضان، ويتهم هؤلاء بأنهم "يتخذون من رمضان شماعة"، لكل ما يرتكبون من أخطاء وسلوكيات لا دخل لرمضان بها، فتجد الواحد منهم يقول: "روحي في مناخيري"، مع أننا جميعاً نصوم ونعيش الظروف نفسها، وتشير إلى أن "هناك فئة أخرى من الناس يعانون في رمضان الجوع والعطش، وهذا يجعلهم أكثر غضباً في رمضان، وبعض المدخنين نجد أنهم يغضبون بدرجة ما في رمضان، ولكن هذا لا ينطبق على الناس الطبيعيين، بل العكس فنجدهم أكثر رحمة ويتمتعون بدرجة هائلة من الهدوء". ويرجع يوسف السيد حالات الغضب التي تعتري الرجال والنساء أحياناً في رمضان إلى عوامل أخرى من بينها: "السهر لفترات طويلة والتسمر أمام شاشات التلفاز، وعدم تهيئة أنفسهم لشهر الصوم، فمسألة التهيئة داخل محيط الأسرة ضرورية".
- غضب من الشيطان:
في السياق نفسه، يبدو أن للدكتور علي مشاعل، تفسيراً لموضوع الغضب بشكل عام، والغضب في رمضان على وجه الخصوص، فيقول: "الغضب في أصله طبيعة بشرية وغريزة إنسانية لابدّ منها، إذا وضعت في محلها ولا ينبغي الزيادة فيها، فهي بقدر ويجب أن تحدد بحيث تكون وفق التوجيه الديني كما شرع الله، فالغضب يكون محموداً إذا كان لأجل الله، والمؤمن يجب ألا يترك الشيطان يستفزه ليغضب، بل يجب على المسلم أن يكون مهيمناً على نفسه ومتحكماً فيها بدلاً من أن يسيطر عليه الشيطان، فقد أوصى نبينا (ص) من طلب منه الوصية قائلاً: "لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب"، فالغضب المنتشر بين الناس، إنما هو من الشيطان وينبغي على الإنسان أن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فعندما يقولها من قلبه يبتعد الشيطان عن نفسه وتزول ثورته". ويواصل الدكتور علي مشاعل تفسيره قائلاً: "نحن نوصي كل عاقل بألا ينساب الغضب إلى الصيام، فالشياطين تقيد في رمضان، ومن ثمّ فإن من يغضب وينفعل فإن هذا من شرور النفس وسيئات الأعمال، فإذا قيدت الشياطين، فإنّ النفس تقوم بهذه الأفعال وتحاول أن تحقق لنفسها ما تطمح إليه ولو على حساب الأخلاق، والحديث يقول: "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب"، ومعنى الحديث أنّ الشديد القوي ليس هو الذي يصرع صاحبه ويغلبه، ولكن الشديد هو الذي يهيمن على نفسه وفق الدين والعقل، ولا يترك نفسه تتخبط كما يحلو لها في الشقاء والبعد عن الحق والصواب".
- الانتصار على النفس:
ويتساءل الدكتور مشاعل قائلاً: "إذا كان المسلم ينتصر على نفسه بترك الطعام والشراب والشهوات، فلماذا لا ينتصر عليها في الغضب؟". لافتاً إلى أنّه "إذا وصل المؤمن إلى هذا المستوى فقد زكى نفسه، وقد أفلح من زكاها، وإذا لم يصل إلى هذا المستوى، بل بقيت نفسه تتفلت منه وتتحكم فيه وتسيره وفق الهوى والشهوات، فإنّه لا يستفيد من عمله شيئاً، بل ربما لا ينال من الصوم سوى الجوع والعطش، ولا ينال من الصلاة سوى التعب والسهر".
· نصائح مفيدة لمنع الغضب:
- النوم مبكراً والابتعاد عن السهر.
- الابتعاد عن التدخين.
- تجنب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين خصوصاً ما يعرف بمشروبات الطاقة.
- ممارسة الرياضة لأنها تجعل الشخص في هدوء نفسي جميل.
- الاستغفار وأخذ نفس عميق لمدة خمس دقائق حتى تسترخي الأعصاب.
- أن تدرك الزوجة الأسلوب المناسب الذي يهدئ ثورات غضب الزوج.
- تلافي الأسباب التي تجعل الزوج يغضب في رمضان بتهيئة الجو المنزلي وتوفير حالة من الهدوء.
- عدم الخوض في جدال عقيم لو حدثت مشكلة عارضة. ويجب على الزوجة أن تحتوي زوجها بسرعة في حالة غضبه، من أجل نفسها وزوجها وأولادها.
- أن يراجع الزوج نفسه وهو في حالة هدوء بعيداً عن المواقف الغاضبة التي قد يمر بها، وأن يدرك أن غضبه غير المبرر يزيد من حجم المشكلة ولا يحلها.
- أن ندرك أنّ الغضب قد تكون له آثاره السلبية على الأشخاص، مثل انخفاض الإنتاجية وزيادة التوتر.
- هناك نوع من الغضب المحمود في البيت أو العمل، فإنّ الشخص عندما يعبر عن غضبه في موقف ما، فإذا هذا قد يدفع إلى الحوار البناء بين الغاضب والأشخاص الذين يمثلون الطرف الآخر، ما يسهم في عدم تكرار المشكلة بسبب الغضب.