بسمه
12-09-2012, 11:23 PM
http://www.ibtesama.com/vb/imgcache2/129634.gif
وما هي من الظالمين ببعيد
نايف بن محمد اليحيى
بسم الله الرحمن الرحيم
معرفة السنن الإلهية وإمعان النظر فيها واستحضارها من أعظم أسباب حياة القلب وإيمانه وإجلاله للخالق المدبر سبحانه، ففيه تلوح الحكمة ظاهرة في أمر تدبير الكون ونظامه، وأنه جار على تلك السنن المحكمة التي لا تتغير ولا تتبدل، فأحداث التاريخ تعيد نفسها وإن تغير شيء من صورها وملامحها، فقراءتها واستقراؤها مما يسقي نبت المعرفة ويحيي نور البصيرة، ويقوي روح اليقين في وعد الله ووعيده وقدرته وانتقامه، فإن النفوس قد تستبطئ الفرج، وتيأس حال الترقب والانتظار، فلا بد من ربط كل ما يستجد من حدث له تعلق بتلك السنن بسابقه، وإلحاق بعضها ببعض لتكون سلسلة متصلة مترابطة، ترسم منهاجاً واضحاً حال التعامل مع المستجدات، وتعطي تفاؤلاً وأملاً في استشراف المستقبل وما عسى أن يبذل من خلاله.
وأكثر شيء يثير حفيظة النفوس هو الظلم والقهر والاستعباد، ومعاشرة الذل والاستبداد، فتراها تغلي ولها أزيز كالمرجل من الظالم وتسلطه وتمكنه، وتتساءل عن مصيره ونهايته، وغالب الناس لا يبصر إلا ما أمامه، فإذا رأى ما هو عليه من السلطة والتمكن ظن أن لن يقدر عليه أحد، وأن يده فوق كل يد، ونسي سنة الله في الذين ظلموا، وغفل عن سنة الإملاء والاستدراج والتدافع، ونحن بحاجة للوقوف عندها مع ما نراه من تسلط الظالمين وانتشار الظلم في كل صوره وأنواعه، فيَدُ الظلم مهما طالت فإن بَترها قريب، وخطى الظالم وإن امتدت فبترها ليس بالبعيد، ولما أخبر الله عن قوم لوط وما أنزل بهم من النكال عقب سبحانه بعد ذلك بقوله: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} ، لئلا يظن أهل الظلم أنهم بمنأى عن ذلك، قال قتادة رحمه الله: والله ما أجار الله منها ظالماً بعد قوم لوط، فاتقوا الله وكونوا منه على حذر [1].
وأولى ما يجب الوقوف عنده في تصور سنة المدافعة ونصر الحق وسقوط الباطل وعروشه، هو أحوال الأنبياء -عليهم السلام- مع الظلمة من أقوامهم، فإنه من أكبر وسائل الثبات والصمود في وجه الباطل، لأنه يغرس عروق التفاؤل النفسي في زوال دولة الظلم مهما امتدت أروقتها وحصونها، ومهما بلغت في عتوها وطغيانها، لكنها مسألة وقت مقرون بالصبر والصدق والكفاح، وبذل الأسباب المشروعة في سبيل ذلك، فنوح -عليه السلام- قام في دعوة قومه 950 سنة، ومع هذه القرون المتعاقبة الطويلة، وتماديهم في سخريتهم في مقابل كل الوسائل الرفيقة بدعوتهم، لم يأت الانتقام منهم إلا بعد ذلك، وموسى _عليه السلام_ يدعو ويؤمن هارون _عليه السلام_ بالهلاك على أعتى طاغية في الأرض، ومع ذا لا تأت الإجابة والهلاك إلا بعد أربعين سنة كما قيل [2] ، ومحمد صلى الله عليه وسلم يناصبه قومه العداء، ويمدون أيديهم بالأذى، ومع ذا يمهلهم الله خمس عشرة سنة ثم يبيد صناديدهم بعدها في معركة بدر، والتاريخ حافل بتساقط الظالمين وخذلان الله لهم بعد أن بلغوا غاية القوة والتسلط، " فالكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فلا بد من زوالها بالكلية، وبقاء ذمه، ولسان السوء له في العالم، وهو يظهر سريعا ويزول سريعا، كدولة الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، والحارث الدمشقي، وبابا الرومي، ونحوهم. وأما الأنبياء فإنهم يبتلون كثيرا ليمحصوا بالبلاء، فإن الله إنما يمكن العبد إذا ابتلاه، ويظهر أمرهم شيئا فشيئا" [3].
وتأخير الهلاك للظالمين من حكمة الله سبحانه ليبتلي عباده المؤمنين وليميز الخبيث من الطيب، والله "يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [4]. وقد يكون الانتقام منهم مُرجأً في الآخرة أمام الأشهاد وبين نظر جميع العباد، ليكون أعظم لعذابهم وهوانهم، وفي قول الله عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} ، ما يخلع الفؤاد ويزلزل القلب من خوف هذا الوعيد. وفيه تعزية للمظلوم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما [5].
ومما يجب على الأمة أن تكون ناصرة للمظلوم أيا كان جنسه، وأن تكف يد الظالم أياً كانت سلطته، فـ (لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) [6] كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن تناضل في سبيل ذلك موقنة بنصر الله وتأييده، ملقية سهام اليأس خلف ظهرها، وإذا تكاثفت الجهود، ورفعت رايات الإيمان، ففي الأمة الخير الوافي، والعطاء الكافي، لإحياء العدل ونصرته ومؤازرة أهله.
ورفض الظلم والأخذ على يد الظالم يجب على كل من كانت تحت يده ولاية على أحد أو سلطة عليه، فالرجل في بيته في ولاية، والمدير في وظيفته في ولاية، والكفيل مع مكفوليه وعماله في ولاية، بل حتى من كانت تحت يده بهائم وحيوانات فهو ولي عليها، ومن الظلم إهمالها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف عند رؤيته النار أنه رأى فيها امرأة تعذب بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعاً، لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض [7].
فإذا كانت هذه المرأة نالت هذا العذاب بسبب حبس هرة عجماء، فكيف بمن يؤذي مسلماً ويحبس عنه رزقه وحقه؟!
ولذا فأول خطوات التصحيح في رفع شنار الظلم أن يبدأ الإنسان بما تحت يده، وأن يعلق شعار نصرة المظلوم وحمل قضيته فيما يقدر عليه، و"إنّما ينشأ الظّلم عن ظلمة القلب ولو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتّقون بنورهم الّذي حصل لهم بسبب التّقوى اكتنفت ظلمات الظّلم الظّالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا" [8].
ودفع الظلم ورفعه من شيم الكرام والعقلاء، بله المسلم الحامل لراية العدل وهي من صميم عقيدته، وقد حرمه الله جل وعلا على ذاته العلية وهو الخالق الرازق وجميع الخلق عبيده، فكيف يجوز للمخلوق الضعيف المنعم عليه بعد هذا أن يستجيزه لنفسه بحال أو يؤول حقه في شيء منه! وأهل الشرك مع كفرهم تحالف الأكياس منهم في حلف الفضول لنصرة المظلوم واستنقاذ حقه من الظالم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً لو دُعيتُ له في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وألاّ يغزوَ ظالمٌ مظلوماً) [9]. فأين يقف ظالم يرفع الهوية بأنه مسلم من هؤلاء الكفرة الذين لم يكتفوا بنبذ الظلم بل تعاهدوا لنصرة المظلوم وأخذ حقه له؟!.
وليس هذا نقصاً في هذا الدين العظيم بل في تطبيق بعض أهله له.
وما هي من الظالمين ببعيد
نايف بن محمد اليحيى
بسم الله الرحمن الرحيم
معرفة السنن الإلهية وإمعان النظر فيها واستحضارها من أعظم أسباب حياة القلب وإيمانه وإجلاله للخالق المدبر سبحانه، ففيه تلوح الحكمة ظاهرة في أمر تدبير الكون ونظامه، وأنه جار على تلك السنن المحكمة التي لا تتغير ولا تتبدل، فأحداث التاريخ تعيد نفسها وإن تغير شيء من صورها وملامحها، فقراءتها واستقراؤها مما يسقي نبت المعرفة ويحيي نور البصيرة، ويقوي روح اليقين في وعد الله ووعيده وقدرته وانتقامه، فإن النفوس قد تستبطئ الفرج، وتيأس حال الترقب والانتظار، فلا بد من ربط كل ما يستجد من حدث له تعلق بتلك السنن بسابقه، وإلحاق بعضها ببعض لتكون سلسلة متصلة مترابطة، ترسم منهاجاً واضحاً حال التعامل مع المستجدات، وتعطي تفاؤلاً وأملاً في استشراف المستقبل وما عسى أن يبذل من خلاله.
وأكثر شيء يثير حفيظة النفوس هو الظلم والقهر والاستعباد، ومعاشرة الذل والاستبداد، فتراها تغلي ولها أزيز كالمرجل من الظالم وتسلطه وتمكنه، وتتساءل عن مصيره ونهايته، وغالب الناس لا يبصر إلا ما أمامه، فإذا رأى ما هو عليه من السلطة والتمكن ظن أن لن يقدر عليه أحد، وأن يده فوق كل يد، ونسي سنة الله في الذين ظلموا، وغفل عن سنة الإملاء والاستدراج والتدافع، ونحن بحاجة للوقوف عندها مع ما نراه من تسلط الظالمين وانتشار الظلم في كل صوره وأنواعه، فيَدُ الظلم مهما طالت فإن بَترها قريب، وخطى الظالم وإن امتدت فبترها ليس بالبعيد، ولما أخبر الله عن قوم لوط وما أنزل بهم من النكال عقب سبحانه بعد ذلك بقوله: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} ، لئلا يظن أهل الظلم أنهم بمنأى عن ذلك، قال قتادة رحمه الله: والله ما أجار الله منها ظالماً بعد قوم لوط، فاتقوا الله وكونوا منه على حذر [1].
وأولى ما يجب الوقوف عنده في تصور سنة المدافعة ونصر الحق وسقوط الباطل وعروشه، هو أحوال الأنبياء -عليهم السلام- مع الظلمة من أقوامهم، فإنه من أكبر وسائل الثبات والصمود في وجه الباطل، لأنه يغرس عروق التفاؤل النفسي في زوال دولة الظلم مهما امتدت أروقتها وحصونها، ومهما بلغت في عتوها وطغيانها، لكنها مسألة وقت مقرون بالصبر والصدق والكفاح، وبذل الأسباب المشروعة في سبيل ذلك، فنوح -عليه السلام- قام في دعوة قومه 950 سنة، ومع هذه القرون المتعاقبة الطويلة، وتماديهم في سخريتهم في مقابل كل الوسائل الرفيقة بدعوتهم، لم يأت الانتقام منهم إلا بعد ذلك، وموسى _عليه السلام_ يدعو ويؤمن هارون _عليه السلام_ بالهلاك على أعتى طاغية في الأرض، ومع ذا لا تأت الإجابة والهلاك إلا بعد أربعين سنة كما قيل [2] ، ومحمد صلى الله عليه وسلم يناصبه قومه العداء، ويمدون أيديهم بالأذى، ومع ذا يمهلهم الله خمس عشرة سنة ثم يبيد صناديدهم بعدها في معركة بدر، والتاريخ حافل بتساقط الظالمين وخذلان الله لهم بعد أن بلغوا غاية القوة والتسلط، " فالكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فلا بد من زوالها بالكلية، وبقاء ذمه، ولسان السوء له في العالم، وهو يظهر سريعا ويزول سريعا، كدولة الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، والحارث الدمشقي، وبابا الرومي، ونحوهم. وأما الأنبياء فإنهم يبتلون كثيرا ليمحصوا بالبلاء، فإن الله إنما يمكن العبد إذا ابتلاه، ويظهر أمرهم شيئا فشيئا" [3].
وتأخير الهلاك للظالمين من حكمة الله سبحانه ليبتلي عباده المؤمنين وليميز الخبيث من الطيب، والله "يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [4]. وقد يكون الانتقام منهم مُرجأً في الآخرة أمام الأشهاد وبين نظر جميع العباد، ليكون أعظم لعذابهم وهوانهم، وفي قول الله عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} ، ما يخلع الفؤاد ويزلزل القلب من خوف هذا الوعيد. وفيه تعزية للمظلوم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما [5].
ومما يجب على الأمة أن تكون ناصرة للمظلوم أيا كان جنسه، وأن تكف يد الظالم أياً كانت سلطته، فـ (لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) [6] كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن تناضل في سبيل ذلك موقنة بنصر الله وتأييده، ملقية سهام اليأس خلف ظهرها، وإذا تكاثفت الجهود، ورفعت رايات الإيمان، ففي الأمة الخير الوافي، والعطاء الكافي، لإحياء العدل ونصرته ومؤازرة أهله.
ورفض الظلم والأخذ على يد الظالم يجب على كل من كانت تحت يده ولاية على أحد أو سلطة عليه، فالرجل في بيته في ولاية، والمدير في وظيفته في ولاية، والكفيل مع مكفوليه وعماله في ولاية، بل حتى من كانت تحت يده بهائم وحيوانات فهو ولي عليها، ومن الظلم إهمالها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف عند رؤيته النار أنه رأى فيها امرأة تعذب بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعاً، لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض [7].
فإذا كانت هذه المرأة نالت هذا العذاب بسبب حبس هرة عجماء، فكيف بمن يؤذي مسلماً ويحبس عنه رزقه وحقه؟!
ولذا فأول خطوات التصحيح في رفع شنار الظلم أن يبدأ الإنسان بما تحت يده، وأن يعلق شعار نصرة المظلوم وحمل قضيته فيما يقدر عليه، و"إنّما ينشأ الظّلم عن ظلمة القلب ولو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتّقون بنورهم الّذي حصل لهم بسبب التّقوى اكتنفت ظلمات الظّلم الظّالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا" [8].
ودفع الظلم ورفعه من شيم الكرام والعقلاء، بله المسلم الحامل لراية العدل وهي من صميم عقيدته، وقد حرمه الله جل وعلا على ذاته العلية وهو الخالق الرازق وجميع الخلق عبيده، فكيف يجوز للمخلوق الضعيف المنعم عليه بعد هذا أن يستجيزه لنفسه بحال أو يؤول حقه في شيء منه! وأهل الشرك مع كفرهم تحالف الأكياس منهم في حلف الفضول لنصرة المظلوم واستنقاذ حقه من الظالم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً لو دُعيتُ له في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وألاّ يغزوَ ظالمٌ مظلوماً) [9]. فأين يقف ظالم يرفع الهوية بأنه مسلم من هؤلاء الكفرة الذين لم يكتفوا بنبذ الظلم بل تعاهدوا لنصرة المظلوم وأخذ حقه له؟!.
وليس هذا نقصاً في هذا الدين العظيم بل في تطبيق بعض أهله له.