المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العتمه الباهره


رباب
19-12-2012, 06:31 PM
العتمه الباهره



.

.

السجون الانفرادية معزولة تماماً ولا يستطيع نزلاؤها إلا أن يسمعوا أنفسهم. النور مقموع والخروج ممنوع والدقائق تمر كقطار السلاحف الذي لن يدب بسرعة. الرطوبة وأصوات المخلوقات الصغيرة الزاحفة هي أكثر ما يمكن التنبه له، أما الظلمة المتواترة فهي عادية لأن الأعين لا تنظر إلا إليها. وأنت عندما تكون هنا فلابد أنك ستريدُ شُكرَ أولئك الذين أحسنوا ردم الليل في أحشاء الغرف حتى تمكن من الأجساد واستسلمت له وتكيفت معه. لقد أصبح الجميع هنا يؤمن باليأس ويتلبس الصمت عدا الوافد الجديد الذي جاؤوا به اليوم.
كان خانعاً للعتمة ومتوثباً لها، يُرهقه الصمت المدوي حوله وكأنما ألقي في الفضاء. يتلمس ولا يلمس إلا زنزانةً حقيرة مغروسةً في التربة غائرةً فيها.
منذ عام تقريباً اتفق المسؤولون على إهمال هذه الزنازين الأرضية واهتموا بأخريات في مناطق متفرقة. تركوا صفوف الغرف المفتوحة مفتوحة حتى تأتي الأوامر بإغلاقها على نزلاء جدد. ربما كان تنظيم المدينة هو ما يشغل بالهم. هذه الحثالة الباردة المحبوسة في الزنازين لا تهم أحداً الآن، نسيهم الجميع لأن المسئولين أرادوا نسيانهم. لقد كانوا حقاً في المنطقة التي يقال عنها أن الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود. وأما الوافد الجديد، فقد كان آخر الواصلين بعد عامٍ كامل من النسيان، لقد أصبح نذير السكان القدامى بأن هناك آخرين سيأتون من بعده بعد التنظيمات الجديدة التي تطال المدينة.
آخر من أغلقوا عليهم الحجرات هما المرأة المستلقية بجانب الوافد الجديد والعجوز الذي يتمدد بجانبها. سجنوهم قبل عام تقريباً، جاؤوا بهما في يومٍ واحد وحشروا كلاً منهما في زنزانة مجاورة للآخر وأغلقوا عليهما الأبواب حتى تسربت إليها التربة ثم توقفوا لعامٍ كامل. الآن يستكملون ما بدؤوه ما دام هناك متسع في الزنازين الخالية.

_ يارب .. يا رب..

ناجى الله بصوته المتحشرج بعد أن أذهلته الظلمة. داخله الوجل من نظره المفقود وهو يتلمس به دون أن يرى شيئاً. أحس بالخوف من المجهول لأول مرة على حقيقته. الصمت يغطي محيطه فلا يمكنه معرفة مكانه أو ماذا يفعل هنا أو من ألقى به في هذه الحفرة الضيقة. كان يغط في نومٍ عميق عندما جاؤوا به حتى أنه لم يستيقظ من صرير الباب الترابي وهم يغلقونه. الآن بدأ يصرخ وكأنما يشق عباب الأرض بصوته المخذول:

_ يا ناااااااس ... هل من أحد ؟!..

هذا ما يحدث دائماً عندما يأتون بالنزلاء الجدد، الجدد يصرخون والقدامى يتذمرون من هذا الرجاء المفقود من الأمل. يقض مضاجعهم دائماً هذا الأمل الذي مروا به قبل أن تعتريهم حكمة السجون. مر عامهم المنصرم دون أي من هذه المنغصات التي لن تفكَ قيداً أو تحرر أسراً ولكنها ستزعج النائمين فقط.

_ يا بشررررررررر ... هل يسمعني أحد ؟!..

لا زال في يومه الأول ويعتقد أن هناك من سينقذه، كلما صرخ كان يسكت قليلاً وكأنما ينتظر بأذنيه صوتاً يرد عليه ولكن بلا فائدة. أصوات حشرات الأرض التي تدب نحوه هي أكثر ما يمكنه سماعه، والمرأة المستلقية بجانبه في الزنزانة المجاورة كانت تفضلُ صمت القانطين على صرخات المبتدئين رغم أنها كانت تسمعه.

_ يا رب .. يا رب .. يا أهل الأرض ..

هناك لا برد، لا حر يمكن أن تُحس به. العالم المتغير في الخارج لن يؤثر عليك في الداخل. الرطوبة هي من تتحكم بالأرض وتتمكن منها، وعلى الرغم من ذلك فأنت لن تشعر بها. العتمة باهرة كما يعتقد من يُطلقون أجنحتهم في فضاء الحرية، أما هو فقد بدأ يضيق ذرعاً بوضعه المخيف.

_ ما الذي يحدث بجانبك يا امرأة ؟!..
سأل الرجل العجوز المرأة الصامتة ..
_ لا شيء .. لقد أعادوا إرسال النزلاء الجدد إلينا ..
صمت العجوز قليلاً بعد أن سمع إجابتها. تأفف دون أن يتنفس. الصوت الجهوري والصراخ المتكرر وصلا _ بالتأكيد _ إلى زنزانته وأيقظاه من نومه.
استدرك كأنما يستسلم :
_ آه ... نزيل جديد إذن ..

الصمت يحكم المكان منذ عام، السجناء القدماء ضعفت قوتهم ولم يعودوا قادرين على الصراخ كما يفعل الجدد دائماً. والجدد دائماً لديهم الحافز في هذه العتمة الضيقة والجديدة عليهم. تتسلل إلى صدورهم دائماً وحشة مخيفة، والانقطاع عن العالم أدخلهم في مدارات اللاطمأنينة وجعلهم يصرخون بشدة.

_ سيوقظ الجميع بهذا النحيب..

أعاد العجوز حديثه مرةً أخرى وكأنما يتكلم. كان يريد منها أن تفصل الموقف بالحديث إلى هذا النزيل الجديد الذي لا زال يتشبث بالأمل. أن تُحدثه بلطف كما فعل معهما الذين قبلهما وتهدأ روعه المضطرب وتطمئنه أن الأوضاع ستكون عادية وأن ليس هنا سوى النوم فقط. لكنها تجاهلت كلام العجوز وسكتت بضيق. كان واضحاً أن السجن على مدى العام المنصرم أنساها رغبتها في الحياة وإقبالها عليها. نسيت كل علاقاتها الاجتماعية الكثيرة التي كانت تفاخر بها وأصبحت انطوائية وانعزالية وترتاب من البشر.

_ من السيئ أن تتركي الرجل هكذا .. إن له وحشة ..

صمتت قليلاً وهي تعرف تماماً ما قاله العجوز، ( إنه محق بشكلٍ نسبي ولكنه مخطئ بشكلٍ نسبي!. ولكن هذا الوافد الجديد لن يهدأ مهما قلتُ له لأني لم أهدأ عندما قالوا لي )... هكذا كانت تقول لنفسها.

_ إذا ما تركناه على هذه الحال فغداً سيأتون بنزلاء جدد وستضج الأرض بصراخهم معاً ..
_ لن أتحدث إليه ...

أطلقت جملتها دفعةً واحدة في وجهة. اختزلت حديثه المُقلق في هذه الجملة. ربما أخرسته قليلاً وارتطم أمله بتعنتها القوي فتحطم بهذه الجملة المختصرة. لكنه عاد برغبةٍ أكثر في محاورتها :
_ لا يجب تركه هكذا .. يجب إبلاغه ..
_ أخبره أنت إذاً ..

قالت ذلك جزافاً، هي تعلم أن ما تقوله غير ممكن. موقعها في المنتصف بين الوافد الجديد والعجوز يجعلها الوحيدة القريبة منه والقادرة على التحدث إليه، ولكن من الصعب أن نقنع النساء بنقل الأخبار السيئة. ولكي نقنعهن بذلك، فنحن بحاجة إلى ألف حجة ومُحاور جيد وضغط هجومي منذ البداية وإلا فسيحاولن جاهدات التملص من المهمة.

سكتَ العجوز قليلاً قبل أن يستجمع إلحاحه ليستكمل :
_ هيّا .. أخبريه .. إذا لم تخبريه اليوم فغداً سيُحضرون آخرين وستضج الأرض بصراخهم..
_ سيزيد صراخه إذا أخبرته ..
_ قليلاً ثم يهدأ ..
_ لن يصدقني ..
_ لن يملك إلا أن يصدقك ...
_ لن يستسلم لأنه لازال لا يعلم وسيتمسك بالرجاء ..
_ سيعلم عندما تخبرينه وسيهدأ عندما تٌهدئينه ..
_ لا أستطيع ..
_ أنتِ لا تريدين ولستِ لا تستطيعين..
_ لن أفعل ...
_ نريد أن ننام يا امرأة ....
حشر صوته المختنق وصرخ فيها هذه المرة. قالها بضجرٍ كبير بعد أن فقد هدوءه. يريد أن ينام بعد سهره الطويل في الخارج. أما هي فسكتت قليلاً متبرمةً من إلحاح العجوز وكأنه يعرف العلاج الناجع. تلمظت وتحسبت وعادت تُحدث نفسها عن النسبية وما يمكن أن تكون عندما لا يكون شيئاً ما صحيحاً تماماً أو خاطئاً تماماً. تنهدت وعادت لرشدها وفكرت، وأيقنت أنها لا تملك إلا أن تُخبره. حزمت أمرها ولوت هيكلها المتيبس حتى تكسر وقالت بحزم للوافد الجديد :

_ أرجوك .. يكفي .. لن يسمعك سوانا .. أنت ميت ونحن ميتون.

.

انتهت

دانة الكون
19-12-2012, 09:50 PM
اووووووووف
ام التحطييييم
خوش طمئنينه :frown:

شمس الرائدية
29-12-2012, 01:35 PM


عافاك الله ..
لآعدمناك ..’’

ثلجة وردية
04-01-2013, 04:22 PM
يعطيك ربي الف عافيه ه يالغـلا
لك ودي..~

..

الدووووخي
06-01-2013, 12:14 PM
الله يعطيك العافيه على القصـــة ..

:102::101: