ابوسعود
15-05-2003, 02:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وصايا للمؤمنات لحفظ القـــرآن الكــريم
احفظي كتـــاب الله في الأرض ...
فكنت ممن حقق الله بهم موعوده في قوله عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).
القـــرآن هو العلم الحقيقـــي ...
قال تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم ) .
ففي صدرك كتاب لا يغسله الماء وقد جاء في الكتب المقدسة في صفة هذه الأمة : " أنا جيلهم في صدورهم " .
حافظي على نعمة تغبطينها ...
حسدك هو الحسد الجائز , قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحاسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار فهو يقول : لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل , ورجل آتاه الله مالا فهو ينفعه في حقه فيقول : لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل } .
والحسد الجائز هو الغبطة وهي تمني مثل ما للغير من الخير دون تمني زوال النعمة عنه .
يـــا حافظة الــقرآن أنت أترجة الدنيـــا ...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعهما طيب } . قوله ( طعمها طيب وريحها طيب ) خصّ صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالرائحة , لأن الطعم أثبت وأدوم من الرائحة .
والحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح أنها يتداوى بقشرها , ويستخرج من حبها دهن له منافع , وقيل : إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج , فناسب أن يمثل به القـــرآن الذي لا تقربه الشياطين , وغلاف حبّه أبيض فيناسب قلب المؤمن , وفيها أيضا من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها , وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة وجوده هضم ودباغ معدة .
أنت في مرتبة عليـــا ...
روت أمك عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مثل الذي يقرأ القـرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة } .
والسفرة : الرسل , لانهم يسفرون إلى الناس برسالات الله , وقيل السفرة : الكتبة.
والبررة : المطيعون , من البر وهو الطاعة .
والماهر : الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه , قال القاضي : يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة , لا تصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى , وقال : يحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم .
والماهر أفضل و أكثر أجرا , لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة , ولم يذكر هذه المنزلة لغيره , وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه ؟!.
أقبلي على مأدبة الله تعالى ...
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم , فإني لا أعلم شيء أصغر من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء , وإن القلب الذي ليس فيه من كتاب الله خرب كخراب البيت الذي لا ساكن له " .
نجاتك بقـــرآنك ...
عن أبي أمامة أنه كان يقول : " اقرءوا القرآن ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لن يعذب قلبا وعى القرآن "
شفيعك يوم القيامة ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يجيء القرآن يوم القيامة فيقول : يا رب , حله فيلبس تاج الكرامة , ثم يقول : يارب زده فيلبس حلة الكرامة , ثم يقول : يارب ارض عنه فيرضى عنه , فيقال له : اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة } .
فوائد حفظك كتــــاب الله ...
عن بريدة رضي الله عنه قال : كنت جاليا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : { تعلموا سورة البقرة , فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة , قال : ثم مكث ساعة ثم قال : تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف , وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : ما أعرفك فيقول له : هل تغرفني ؟ فيقول ما أعرفك , فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك , وإن كل تاجر من وراء تجارته , وإنك اليوم من وراء كل تجارة , فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله , ويوضع على رأسه تاج الوقار , ويكسى والده حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا , فيقولان : بم كسينا هذه ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن , ثم يقال له اقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها , فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا } .
تعاهدي ما حفظت ...
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده أشد تفصّيا من الإبل في عقلها } .
قوله : ( تعاهدوا ) أي استذكروا القرآن وواظبوا على تلاوته , واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به ولا تقصروا في معاهدته واستذكروه ... من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها , فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت , فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك .
لا تزحزحي نفسك عن هذه الرتبة العالية بعد إذ نلتيها ...
قال ابن حجر - رحمة الله – في الفتح : اختلف في نسيان القرآن , فمنهم من جعل ذلك من الكبائر , قال الضحاك بن مزاحم : ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه , لأن الله يقول : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) , ونسيان القرآن من أعظم المصائب .
وجاء عن أبي العالية – رحمة الله - : " كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه " .
ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن : " كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا ... "
والإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره ... وترك معاهدة القرآن يفضي إلى الردوع إلى الجهل , والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد .
وقال إسحاق بن رواهوية : " يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن "
إحفظي به جوارحك ...
قال القرطبي - رحمة الله - في تفسيره : يجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله , فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة , وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله , فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره , كما أن له من الأجر ما ليس لغيره .
تذكـــري العمل ...
فقد وقع في رواية شعبة عن قتادة : " المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به مع السفرة والكرام والبررة " وهي زيادة مفسرة للمواد , وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي وليس التلاوة فقط .
قدري مكانة الذي في صدرك وأعطيه حقه ومنزلته ...
وكما ارتقيت إلى المنزلة العالية بحفظه فعليك في المقابل مسؤولية وواجبا يوازي ذلك , فإن الحفظ ليس نيشانا يعلق ولا شهادة تزوق ولا مكافآت تفرق , لكنه أمانة يجب القيام بحقها .
ينبغي لحامل القرآن أن يكون على أكرم الأحوال وأكرم الشمائل .
قال الفضيل بن عياض : حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو , ولا يسهو مع من يسهو , ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن .
إنه ثابت الجنان قائم على الحق , ولما حارب المسلمون مسيلمة الكذاب وقتل حامل رايتهم زيد بن الخطاب تقدم لأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون : يا سالم , إنا نخاف أن نؤتي من قبلك , فقال : " بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي " . فقطعت يمينه فأخذه اللواء بيساره , فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقول : ( وما محمد إلا رسول ) ( وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير ) فلما صرع قيل لأصحابه : ما فعل أبو حذيفة ؟ قيل : قتل .
إيــــــاك والتكبر على من ليس بحافظ , فلم بما أفلح المقل المعذور وخسر الحافظ المغرور ...
عن عبد الله بم عمرو قال ك أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله و قال له : { اقرأ ثلاثا من ذات ( الر ) } فقال الرجل : كبرت سني وأشتد قلبي وغلظ لساني , قال : { فاقرأ من ذات ( حم ) } فقال مثل مقالته الأولى , فقال : { اقرأ ثلاث من المسبحات } فقال مثل مقالته , فقال الرجل : ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة , فأقرأه { ( إذا زلزلت الأرض ) } حتى إذا فرغ منها قال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا ثم أدبر الرجل , فقال رسول الله : { أفلح الريجل أفلح الرويجل } .
لا تنتظري من الناس ثناء ولا تقديرا وجاهدي أن لا تتأثري بمدحهم وإطرائهم لإخلاصا لله ...
نعم يجب عليهم أن يرقروا حاملة القرآن , لأن في جوفها كلام الله , وإن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه , قال ابن عبد البرّ رحمه الله : " وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله و والمعظمون كلام الله , والملبسون نور الله , فمن والاهم فقد والى الله , ومن عاداهم فقد استخف بحق الله تعالى " .
فضل إنهــاء الحفظ ...
فإذا تخرجت الأخت من دار تحفيظ القرآن ودنا الرحيل وقرب الفراق من المدرسة , فينبغي تذكر المجهود وتقدير المنزلة حق قدرها , ويختم بوصية مناسبة , وهذه كلمات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو يودع طلابه في الكوفة بعد أن اجتهد في تعليمهم وتحفيظهم وأراد السفر إلى المدينة .
عن عبد الرحمن بن عباس قال : حدثنا رجل من همدان من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " لما أراد عبد الله أن بأتي المدينة جمع أصحابه فقال : والله إني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والفقه والعلم بالقرآن , وإنّ هذا القرآن أنزل على حروف , فمن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدعه رغبة عنه , فإنه من يجحد بآية منه يجحد به كله " .
وصايا للمؤمنات لحفظ القـــرآن الكــريم
احفظي كتـــاب الله في الأرض ...
فكنت ممن حقق الله بهم موعوده في قوله عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).
القـــرآن هو العلم الحقيقـــي ...
قال تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم ) .
ففي صدرك كتاب لا يغسله الماء وقد جاء في الكتب المقدسة في صفة هذه الأمة : " أنا جيلهم في صدورهم " .
حافظي على نعمة تغبطينها ...
حسدك هو الحسد الجائز , قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحاسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار فهو يقول : لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل , ورجل آتاه الله مالا فهو ينفعه في حقه فيقول : لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل } .
والحسد الجائز هو الغبطة وهي تمني مثل ما للغير من الخير دون تمني زوال النعمة عنه .
يـــا حافظة الــقرآن أنت أترجة الدنيـــا ...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعهما طيب } . قوله ( طعمها طيب وريحها طيب ) خصّ صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالرائحة , لأن الطعم أثبت وأدوم من الرائحة .
والحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح أنها يتداوى بقشرها , ويستخرج من حبها دهن له منافع , وقيل : إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج , فناسب أن يمثل به القـــرآن الذي لا تقربه الشياطين , وغلاف حبّه أبيض فيناسب قلب المؤمن , وفيها أيضا من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها , وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة وجوده هضم ودباغ معدة .
أنت في مرتبة عليـــا ...
روت أمك عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مثل الذي يقرأ القـرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة } .
والسفرة : الرسل , لانهم يسفرون إلى الناس برسالات الله , وقيل السفرة : الكتبة.
والبررة : المطيعون , من البر وهو الطاعة .
والماهر : الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه , قال القاضي : يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة , لا تصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى , وقال : يحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم .
والماهر أفضل و أكثر أجرا , لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة , ولم يذكر هذه المنزلة لغيره , وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه ؟!.
أقبلي على مأدبة الله تعالى ...
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم , فإني لا أعلم شيء أصغر من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء , وإن القلب الذي ليس فيه من كتاب الله خرب كخراب البيت الذي لا ساكن له " .
نجاتك بقـــرآنك ...
عن أبي أمامة أنه كان يقول : " اقرءوا القرآن ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لن يعذب قلبا وعى القرآن "
شفيعك يوم القيامة ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يجيء القرآن يوم القيامة فيقول : يا رب , حله فيلبس تاج الكرامة , ثم يقول : يارب زده فيلبس حلة الكرامة , ثم يقول : يارب ارض عنه فيرضى عنه , فيقال له : اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة } .
فوائد حفظك كتــــاب الله ...
عن بريدة رضي الله عنه قال : كنت جاليا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : { تعلموا سورة البقرة , فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة , قال : ثم مكث ساعة ثم قال : تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف , وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : ما أعرفك فيقول له : هل تغرفني ؟ فيقول ما أعرفك , فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك , وإن كل تاجر من وراء تجارته , وإنك اليوم من وراء كل تجارة , فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله , ويوضع على رأسه تاج الوقار , ويكسى والده حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا , فيقولان : بم كسينا هذه ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن , ثم يقال له اقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها , فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا } .
تعاهدي ما حفظت ...
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده أشد تفصّيا من الإبل في عقلها } .
قوله : ( تعاهدوا ) أي استذكروا القرآن وواظبوا على تلاوته , واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به ولا تقصروا في معاهدته واستذكروه ... من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها , فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت , فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك .
لا تزحزحي نفسك عن هذه الرتبة العالية بعد إذ نلتيها ...
قال ابن حجر - رحمة الله – في الفتح : اختلف في نسيان القرآن , فمنهم من جعل ذلك من الكبائر , قال الضحاك بن مزاحم : ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه , لأن الله يقول : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) , ونسيان القرآن من أعظم المصائب .
وجاء عن أبي العالية – رحمة الله - : " كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه " .
ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن : " كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا ... "
والإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره ... وترك معاهدة القرآن يفضي إلى الردوع إلى الجهل , والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد .
وقال إسحاق بن رواهوية : " يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن "
إحفظي به جوارحك ...
قال القرطبي - رحمة الله - في تفسيره : يجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله , فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة , وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله , فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره , كما أن له من الأجر ما ليس لغيره .
تذكـــري العمل ...
فقد وقع في رواية شعبة عن قتادة : " المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به مع السفرة والكرام والبررة " وهي زيادة مفسرة للمواد , وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي وليس التلاوة فقط .
قدري مكانة الذي في صدرك وأعطيه حقه ومنزلته ...
وكما ارتقيت إلى المنزلة العالية بحفظه فعليك في المقابل مسؤولية وواجبا يوازي ذلك , فإن الحفظ ليس نيشانا يعلق ولا شهادة تزوق ولا مكافآت تفرق , لكنه أمانة يجب القيام بحقها .
ينبغي لحامل القرآن أن يكون على أكرم الأحوال وأكرم الشمائل .
قال الفضيل بن عياض : حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو , ولا يسهو مع من يسهو , ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن .
إنه ثابت الجنان قائم على الحق , ولما حارب المسلمون مسيلمة الكذاب وقتل حامل رايتهم زيد بن الخطاب تقدم لأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون : يا سالم , إنا نخاف أن نؤتي من قبلك , فقال : " بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي " . فقطعت يمينه فأخذه اللواء بيساره , فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقول : ( وما محمد إلا رسول ) ( وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير ) فلما صرع قيل لأصحابه : ما فعل أبو حذيفة ؟ قيل : قتل .
إيــــــاك والتكبر على من ليس بحافظ , فلم بما أفلح المقل المعذور وخسر الحافظ المغرور ...
عن عبد الله بم عمرو قال ك أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله و قال له : { اقرأ ثلاثا من ذات ( الر ) } فقال الرجل : كبرت سني وأشتد قلبي وغلظ لساني , قال : { فاقرأ من ذات ( حم ) } فقال مثل مقالته الأولى , فقال : { اقرأ ثلاث من المسبحات } فقال مثل مقالته , فقال الرجل : ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة , فأقرأه { ( إذا زلزلت الأرض ) } حتى إذا فرغ منها قال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا ثم أدبر الرجل , فقال رسول الله : { أفلح الريجل أفلح الرويجل } .
لا تنتظري من الناس ثناء ولا تقديرا وجاهدي أن لا تتأثري بمدحهم وإطرائهم لإخلاصا لله ...
نعم يجب عليهم أن يرقروا حاملة القرآن , لأن في جوفها كلام الله , وإن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه , قال ابن عبد البرّ رحمه الله : " وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله و والمعظمون كلام الله , والملبسون نور الله , فمن والاهم فقد والى الله , ومن عاداهم فقد استخف بحق الله تعالى " .
فضل إنهــاء الحفظ ...
فإذا تخرجت الأخت من دار تحفيظ القرآن ودنا الرحيل وقرب الفراق من المدرسة , فينبغي تذكر المجهود وتقدير المنزلة حق قدرها , ويختم بوصية مناسبة , وهذه كلمات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو يودع طلابه في الكوفة بعد أن اجتهد في تعليمهم وتحفيظهم وأراد السفر إلى المدينة .
عن عبد الرحمن بن عباس قال : حدثنا رجل من همدان من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " لما أراد عبد الله أن بأتي المدينة جمع أصحابه فقال : والله إني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والفقه والعلم بالقرآن , وإنّ هذا القرآن أنزل على حروف , فمن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدعه رغبة عنه , فإنه من يجحد بآية منه يجحد به كله " .