الدووووخي
25-02-2013, 02:49 PM
http://www.aleqt.com/img/author/1791.jpg
بتال القوس
بعد مباراتين قاد فيهما المدرب الفرنسي الأسمر أنطونيو كومبواريه الفريق الأزرق، اقترب من القصير الموهوب وقال في خجل: أنت لاعب ممتاز لكن فرصتك معي تبدو ضئيلة بسبب وجود الشبان العابد والدوسري والفرج، وتابع الفرنسي بروح أبوية وعيناه تستقران في عينيه اللتين بدأتا في اللمعان: كم أتمنى أن يكونوا مثلك في الانضباطية والجدية في التمارين.
لم يرد الموهوب القصير بأكثر من جملة: إن شاء الله. وهو يحاول إخفاء اللمعان المتزايد في حدقتي عينيه، وضع حقيبته الرياضية على كتفه، ردّ تحية بعض المشجعين بابتسامة لم تخف ألمه وسار إلى سيارته وهواجس كثيرة تتنازعه، فتح صندوق السيارة الزرقاء الصغيرة التي يحبها وألقى بالحقيبة داخله، أغلق الصندوق ثم طاف بعينيه على أسوار النادي الأزرق الذي عرفه وأحبه وهو ابن السادسة، اخترقت نظراته كل الحواجز الأسمنتية حتى استقرت في الزاوية اليسرى للملعب الرديف حيث أسكن هدفه الأول في مضارب بني الأزرق قبل ستة وعشرين عاما.
يقطع محمد الشلهوب عادة الطريق بين الهلال ومنزله في أقل من عشر دقائق، ويستخدم طرقا فرعية لتجنب الازدحامات ولذلك يحب استخدام سيارته الفولكس واجن الصغيرة على المرسيدس الكبيرة، ويداعب أصدقاءه دائما على الهاتف وهو يتسلل بصغيرته بين السيارات قائلا: والشلهوب ماشي يتجاوز الأول والثاني ويمرر (ثرووو) كما تقال في تعليق البلايستيشن ويضحك.. يضحك ببراءة وهو يدلف بها في كراج منزله ويختم: قوووول. بعد حديث الفرنسي كانت الطرق المعتادة أطول عن ذي قبل، عبر شارع مساعد بن عبد الرحمن، نزولا إلى شارع حمزة بن عبد المطلب وغربا إلى طريق المدينة المنورة، الذي يتفرع عنه شارع الفجر، عشر دقائق كانت أشبه بالوداع المُر الحزين، مر أمامه شريط ذكريات ستة وعشرين عاما، كل التفاصيل كانت على البال.
وهو يلقي بظهره على سريره ويشبك كفيه خلف رأسه، سمع صوت والديه اللذين فقدهما منذ سبعة أعوام، كانت الأم تقول: محمد يا وليدي، لا تيأس، دعواتي ترافقك يا حبيبي. التفت إلى الجهة الأخرى وحُبيبةٌ زجاجية تتدحرج على خده، رأى والده يقول: ابني محمد لا ييأس، لقد تركت رجلا عهدت إليه بإخوته هل تغير بعدي؟
غطى وجهه بيديه وانكمشت عضلات وجهه واستنشق وحشرجة صدره يكاد يسمعها إخوته في الغرفة المجاورة، وتمتم: لن أيأس يا أمي، لم أتغير يا أبي، سأبقى كما وعدتك ليلة رحيلك.
طوال الليلة الحزينة، ظل يفكر، ويفكر، كيف أعود؟ وصل إلى نتيجة مفادها، العمل، ثم العمل والعمل، في الصباح قرر أن يخضع لتمارين إضافية غير حصص كومبواريه، اختار ناديا خاصا يوفر له الخصوصية، يبعد عن منزله أربعين دقيقة بالسيارة في قرية صغيرة غربي الرياض تسمى "جو"، وبدأ العمل.
إذا تمرن مع الهلال صباحا فهو في المساء في "جو"، وإن كانت حصة كومبواريه مساءً فهو في "جو" بعد صلاة الفجر مباشرة، أعاد ترتيب برنامجه الغذائي، وحدد ساعات نومه بدقة بالغة وتخلى عن أشياء كثيرة يحبها، من أجل والديه والهلال والعمل، ومن أجل الرجل الموهوب المحب للعبة في داخله ومن أجل تاريخه.
غادر كومبواريه، لم يحزن الشلهوب ولم يفرح، وجاء زلاتكو، في أول لقاء لهما قال له: سأعتمد عليك، ولن تخذلني. واللمعان ذاته يعود إلى عينيه أجاب: إن شاء الله. وجها والده ووالدته مبتسمين يطوف في الأرجاء.
أمام الفيصلي كانت البداية، ثم الشعلة، والشباب كان يجري كثيرا في الملعب، يلاحق الكرة في كل مكان كمغرم مفتون يحتفل بعودة عشيقته إلى أحضانه، ليلة النهائي شاركه طاولة العشاء، محمد مسعد، سالم، والسديري، نظر إلى الأخير وهو يحرك ملعقته في طبق شوربة الحريرة أمامه وقال: سديري لا تهتم لمن هاجموك بعد مباراة الشباب، ستقودنا للكأس وتذكر كلامي، صمت الحاضرون ولسن حالهم: طبيب يداوي الناس وهو عليل.
عندما سدد الترجيحية الأولى بنجاح، ذهب إلى السديري وقال والشرار يتقد في عينيه: ستصد ركلتين، افعلها من أجلي. فعلها الآخر وانتصر الأزرق، كلهم كانوا يحتفلون ويتعانقون وحده محمد الشلهوب كانت دموعه تتسابق كان يتحدث مع أحد ما في خياله، يقول بصوت عال: لم أيأس يا أبي، فعلتها يا أمي.
بتال القوس
بعد مباراتين قاد فيهما المدرب الفرنسي الأسمر أنطونيو كومبواريه الفريق الأزرق، اقترب من القصير الموهوب وقال في خجل: أنت لاعب ممتاز لكن فرصتك معي تبدو ضئيلة بسبب وجود الشبان العابد والدوسري والفرج، وتابع الفرنسي بروح أبوية وعيناه تستقران في عينيه اللتين بدأتا في اللمعان: كم أتمنى أن يكونوا مثلك في الانضباطية والجدية في التمارين.
لم يرد الموهوب القصير بأكثر من جملة: إن شاء الله. وهو يحاول إخفاء اللمعان المتزايد في حدقتي عينيه، وضع حقيبته الرياضية على كتفه، ردّ تحية بعض المشجعين بابتسامة لم تخف ألمه وسار إلى سيارته وهواجس كثيرة تتنازعه، فتح صندوق السيارة الزرقاء الصغيرة التي يحبها وألقى بالحقيبة داخله، أغلق الصندوق ثم طاف بعينيه على أسوار النادي الأزرق الذي عرفه وأحبه وهو ابن السادسة، اخترقت نظراته كل الحواجز الأسمنتية حتى استقرت في الزاوية اليسرى للملعب الرديف حيث أسكن هدفه الأول في مضارب بني الأزرق قبل ستة وعشرين عاما.
يقطع محمد الشلهوب عادة الطريق بين الهلال ومنزله في أقل من عشر دقائق، ويستخدم طرقا فرعية لتجنب الازدحامات ولذلك يحب استخدام سيارته الفولكس واجن الصغيرة على المرسيدس الكبيرة، ويداعب أصدقاءه دائما على الهاتف وهو يتسلل بصغيرته بين السيارات قائلا: والشلهوب ماشي يتجاوز الأول والثاني ويمرر (ثرووو) كما تقال في تعليق البلايستيشن ويضحك.. يضحك ببراءة وهو يدلف بها في كراج منزله ويختم: قوووول. بعد حديث الفرنسي كانت الطرق المعتادة أطول عن ذي قبل، عبر شارع مساعد بن عبد الرحمن، نزولا إلى شارع حمزة بن عبد المطلب وغربا إلى طريق المدينة المنورة، الذي يتفرع عنه شارع الفجر، عشر دقائق كانت أشبه بالوداع المُر الحزين، مر أمامه شريط ذكريات ستة وعشرين عاما، كل التفاصيل كانت على البال.
وهو يلقي بظهره على سريره ويشبك كفيه خلف رأسه، سمع صوت والديه اللذين فقدهما منذ سبعة أعوام، كانت الأم تقول: محمد يا وليدي، لا تيأس، دعواتي ترافقك يا حبيبي. التفت إلى الجهة الأخرى وحُبيبةٌ زجاجية تتدحرج على خده، رأى والده يقول: ابني محمد لا ييأس، لقد تركت رجلا عهدت إليه بإخوته هل تغير بعدي؟
غطى وجهه بيديه وانكمشت عضلات وجهه واستنشق وحشرجة صدره يكاد يسمعها إخوته في الغرفة المجاورة، وتمتم: لن أيأس يا أمي، لم أتغير يا أبي، سأبقى كما وعدتك ليلة رحيلك.
طوال الليلة الحزينة، ظل يفكر، ويفكر، كيف أعود؟ وصل إلى نتيجة مفادها، العمل، ثم العمل والعمل، في الصباح قرر أن يخضع لتمارين إضافية غير حصص كومبواريه، اختار ناديا خاصا يوفر له الخصوصية، يبعد عن منزله أربعين دقيقة بالسيارة في قرية صغيرة غربي الرياض تسمى "جو"، وبدأ العمل.
إذا تمرن مع الهلال صباحا فهو في المساء في "جو"، وإن كانت حصة كومبواريه مساءً فهو في "جو" بعد صلاة الفجر مباشرة، أعاد ترتيب برنامجه الغذائي، وحدد ساعات نومه بدقة بالغة وتخلى عن أشياء كثيرة يحبها، من أجل والديه والهلال والعمل، ومن أجل الرجل الموهوب المحب للعبة في داخله ومن أجل تاريخه.
غادر كومبواريه، لم يحزن الشلهوب ولم يفرح، وجاء زلاتكو، في أول لقاء لهما قال له: سأعتمد عليك، ولن تخذلني. واللمعان ذاته يعود إلى عينيه أجاب: إن شاء الله. وجها والده ووالدته مبتسمين يطوف في الأرجاء.
أمام الفيصلي كانت البداية، ثم الشعلة، والشباب كان يجري كثيرا في الملعب، يلاحق الكرة في كل مكان كمغرم مفتون يحتفل بعودة عشيقته إلى أحضانه، ليلة النهائي شاركه طاولة العشاء، محمد مسعد، سالم، والسديري، نظر إلى الأخير وهو يحرك ملعقته في طبق شوربة الحريرة أمامه وقال: سديري لا تهتم لمن هاجموك بعد مباراة الشباب، ستقودنا للكأس وتذكر كلامي، صمت الحاضرون ولسن حالهم: طبيب يداوي الناس وهو عليل.
عندما سدد الترجيحية الأولى بنجاح، ذهب إلى السديري وقال والشرار يتقد في عينيه: ستصد ركلتين، افعلها من أجلي. فعلها الآخر وانتصر الأزرق، كلهم كانوا يحتفلون ويتعانقون وحده محمد الشلهوب كانت دموعه تتسابق كان يتحدث مع أحد ما في خياله، يقول بصوت عال: لم أيأس يا أبي، فعلتها يا أمي.