عايض محمد العصيمي
19-11-2005, 01:35 PM
الرؤى والأحلام في ميزان الشريعة والإسلام
بقلم / عايض بن محمد العصيمي.........أبومحمد.
الحمد لله الذي جعل من الليل آية المنام وآية الأحلام ,
والصلاة والسلام على النبي الهمام ,
وعلى آل بيته أطهر الأنام ,
وعلى صحبه الطيبين الكرام وعلى من اتبع هديه إلى يوم القيام ...
أما بعد :
فان من رحمة الله الحنان المنان أن يبشر الإنسان
بما يراه في منامه من أحزان وإشجان وحبور وسرور
وذلك ليس اطلاعا على الغيب
((كما يتوهم بعض ضعفاء النفوس والإيمان ))
ولكن ... حكمة الله ورحمة منه تبارك وتعالى ليفرح المرء
ويبشره ويتجنب الشيطان ويحذره , كيف لا !
وقد قال البشير المنير صلى الله عليه وسلم:
"لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا وما المبشرات؟
قال:الرؤيا الصالحة )) .
رواه البخاري ..12/375.التعبير
ورواه الترمذي 95/126 أبواب الرؤيا
عن أنس وأبي هريرة.
ويؤيد ذلك أيضا حديث أم كرز قالت :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ))
أخرجه احمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
اذاً : لم يبق من النبوة إلا المبشرات ـــــ الرؤيــا ـــــ يراها الرجل
المسلم أو ترى له، وأن الرؤيا الصادقة للنبوة، كنسبة الواحد لستة
وأربعين أو نحو ذلك.
مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي أخرجه البخاري ((6983))ومسلم ((2264))
من حديث انس بن مالك رضي الله عنه
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الرؤيا الحسنه من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)) .
وقد وقع اختلاف كبير في هذا العدد ستة وأربعين من أوجه متعددة ومن غير واحد من الصحابة , وقد تكلم الحافظ ابن حجر في الفتح 12/362 ،في هذا وجمع روايات الأحاديث بكلام طيب نفيس فليرجع إليه .
ولشرف هذا العلم وفضلة اختص الله عز وجل به أنبيائه وأوليائه الصالحين حتى قال صاحبا السجن ليوسف عليه السلام :(( نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين )) فعلموا انه لا يوفق للتأويل الصحيح إلا أهل الإحسان , وانظر كذلك كيف رفع الله عز وجل يوسف عليه السلام بتعليمة هذا العلم كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام ـــ عندما قص عليه يوسف رؤياه : (( وكذلك يجتبك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث )) بل إن يوسف عليه الصلاة والسلام يثني هو على ربه عز وجل ويعدد نعمه عليه فيقول : ((رب قد آتيتني من الملك وعلمني من تأويل الأحاديث )).
ومما يدل على أهمية هذا العلم كذلك أن العبد قد يرى رؤيا تضطرب لها حواسه , وترتعد منها فرائصه ، وتحبس أنفاسه ، فإذ بها خير له وكبت لإعدائه ، وبينما يرى رؤيا يرقص لها طريا و يتيه لها عجبا إذ بها من شواهد خذلانه وحرمانه، ولا يدرك هذا وذاك إلا بواسطة هذا العلم النفيس . ولنعلم جميعا أن القرآن الكريم ليس كتاب أحلام ورؤى وقواميس......!
حتى تذهب في شانه العقول والنفوس مذاهب شتى , العقول المدخولة بالوهم، والنفوس المريضة بالهوى والشهوات والشبهات.
ثم أن المتتبع أيضا للأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجد الكثير الكثير من الأحاديث التي تتعلق بالرؤيا والنوم وليس هذا بالغريب أو العجيب إذ أن معظم حياة الإنسان يقضيها في النوم.
كما أن أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(( أول ما بدئ به رسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق المصبح))رواه البخاري في ((باب الرؤيا)).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكثر من سؤال أصحابة بقوله:
((هل رأى أحد منكم رؤيا ؟)).
ثم كانت البشارة من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهذا مثبت بنص القران الكريم.
نعم.. لقد بشر الله سبحانه وتعالى وهو القادر على كل شي رسوله بقوله :((لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا)).
فنعلم جميعا أن موضوع الرؤيا قد جاء مفصلا ولله الحمد والمنة في السنة المطهرة مع ما جاء به القران الكريم من إشارات عابرة فلم يترك المجال للفلاسفة والملاحدة الذين يحكمون أهواءهم وعقولهم، بل جاء التفصيل من عند الله الذي خلق الرؤيا وخلق رائيها.
وموضوع الرؤى والأحلام موضوع مهم للغاية. خصوصا في عصرنا هذا لوجود الفراغ لدى كثير من الناس ولكثرة النعم فصار هم الكثير منهم السؤال عن الرؤى والأحلام ..!! تجد أن الواحد منهم يسأل عن الرؤى والأحلام أكثر من سؤاله عن أمر دينه ..!!
فقد يكون جاهلاً في صلاته وفي وضوئه فلا يعرف أن يتوضأ كما كان يتوضأ رسول الله عليه وسلام ولا أن يصلى كما كان يصلى عليه الصلاة وسلم ومع هذا وذاك إذا رأى أحدهم رؤيا سرعان ما يطير لها فرحاً ويقيم الدنيا ولا يقعدها ويذلل كل الصعاب في سبيل الحصول على تعبيرها.
وانظروا واجيلوا أنظاركم ـــ رحمكم الله ــــ لكثير من المعبرين كم يأتيهم من الناس ومن الإتصالات ومن الأسئلة في هذا الباب بالعشرات بل ربما بالمئات أو بالآلاف.
قارن بين هذا المعبر وبين أحد العلماء الفقهاء .. كم يأتيهم من الأسئلة والفتاوى من قبل الناس لا يقارن هذا بذا.
فاقولها صراحة:لا ينبغي للناس أن يتعلقوا بالرؤى والأحلام تعلقا كبيرا زائد عن حجمه، فإننا معاشر المسلمين أمة وسطا في كل شي.
وأيضا بالمقابل لا سبيل ولا طريق لمن ينكر هذا الباب فلا يعترف ولا يؤمن بالرؤى والأحلام ولا يصدقها إذ هو مخطئ فإن ما مضى من الأدلة الشرعية والعقلية دليل واضح لمن كان منصفا يريد الحق واتباعه علما بأن الله تعالى هو القائل في محكم التنزيل:
((..... قد جعل الله لكل شي قدرا)).
وقد كثرت المؤلفات والآراء حول الرؤيا وإذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم وجدناهم بين مفرط ومفرط منهم كما مضى من يغالي في الرؤيا ويقدسها حتى يكاد يقدمها على الشرع والعياذ بالله.
ومنهم مالا يلقي لها بالا ويعتبر أنها أضغاث أحلام ليس فيها ما يصح وهذا كله في اعتباره من الدجل والكذب على الناس والعوام , والحق في ذلك الوسط وهو ما جاءت به السنة المطهرة.
ومن أراد الزيارة والحق في ذلك فليرجع لكتب السنة المطهرة وشروحها فقد بسطت موضوع الرؤيا وعالجته بما لا غموض فيه.
ثم لابد لي هنا من همسه في إذن كل من أراد أن يتصدى للناس ويعبر رؤاهم وأحلامهم فاذكره بتقوى الله عز وجل وانه غير مجبر على هذا العمل أن لم يكن أهلا له , وأن التعبير أمره خطير وشأنه عظيم وليس من الإعمال التي يتقرب بها إلى الناس بل هو تلاعب بالنبوة كما سئل الإمام مالك ـــ رحمه الله ـــ أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة . فلا يلعب بالنبوة .. التمهيد 1/288، المنتقى شرح الموطا 7/277،،.
وأما عن المعبر وآدابه : فقد ذكر العلماء ـــ رحمهم الله ـــ أن المعبر يجب أن يكون عالماً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش عالم بكتاب الله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالهم وما يجري على آلسنة الناس. كما ينبغي له أن يعبر الرؤيا المسؤول عنها على مقادير الناس ومراتبهم .ومذاهبهم وأديانهم .
وأوقاتهم وبلدانهم .وأرزاقهم .وفصول سنتهم. ويلزمه أن يكتم عورات الناس. ويسمع السؤال بأجمعه، ويفرق بين الشريف والوضيع . ويتمهل ولا يعجل في التعبير.
ولا يعبر الرؤيا حتى يعرف لمن هي، ولا يعيرها على المكروه وهي عنده على الخير ولا على الخير وهي عنده على المكروه ((الآداب الشرعية والمنح المرعية 3/445)).
.. وينبغي له إذا قصت عليه الرؤيا أن يقول:
((خيراً رأيت , وخيراً تلقاء, وشراً تتوقاه, وخيراً لنا وشراً على اعدائناء والحمد الله رب العالمين اقصص رؤياك )). شرح السنة 12/207.
ورؤيا المسلم لا تخلو :
إما أن تكون أحلاماً فلا يليق لها بالاً وليتأدب بآداب الرؤيا المكروهة والتي بينتها السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أو تكون صالحة فليتحر من هو أحذق الناس بالتعبير،وليقصها عليه،وليتأدب بآدابها.
وإما عن تعبير الرؤيا وتأويلها وطريقة ذلك فقد قال البغوي رحمه الله كما في شرح السنة :
(( وأعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساما:
o فقد تكون بدلالة من جهة الكتاب كتأويل الحبل بالعهد لقوله تعالى:((واعتصموا بحبل الله جميعا)).
o وقد تكون بدلالة من جهة السنة كتعبير القوارير بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم :((يا أنشجه رويدك سوقا بالقوارير)) رواه البخاري .
o وقد يكون التأويل بالأمثال السائدة بين الناس كالصائغ يعبر بالكذاب لقولهم أكذب الناس الصواغون.
o وقد يكون التأويل مستندا إلى الأسماء والمعاني (أي التفاؤل فيها) كمن رأى رجلا يسمى راشدًا فتعبر بالرشد و سالمًا يعبر بالسلامة .
وقد يكون التأويل بالضد والقلب كالخوف في النوم يعبر بالأمن
والأمن يعبر بالخوف والضحك والحزن ....
وهكذا وقد يتغير التأويل عن أصلة بإختلاف حالي الرائي
ومثال ذلك ما روى في قصة الرجلين مع ابن سيرين رحمه الله
ــــ وآذانهما وتعبيره لهم بحج الأول وسرقة الثاني ((وهي قصة مشهورة معروفة))...
وقد يرى الرجل في منامة شيئا فيصيبه عبر ما رأى حقيقة كرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الفتح كما سبق ذكره .
وأخرًا وليس أخيرًا وفي وقتنا هذا الذي كثر فيه المعبرون وكثرت المعاجم اللغوية والتي قد يكون لها وقفة خاصة مستقلة معها (( إن شاء الله )). فنصيحتي لكل معبر وكل عاقل الآيتجرأ على نصوص الشرع فيستبط منها على ما يسوغ له فيقع في المحظور...
وأخيراً/
فان هذا الباب وأسع أقصد
((عالم الرؤى والأحلام)).
فهو يحتاج إلى بيان وإيضاح
كحقيقة الرؤيا ـــ والحلم والفرق بينهما
وأهمية الرؤيا , ومنزلتها في الإسلام ـــ
وبعض ما ورد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك
وحكم الكذب في الرؤية
ـــ وأنواع الرؤى
ـــ وأقسام الناس للرؤى
ــــ وهل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟؟
وآداب الرؤيا الصالحة والحلم
ــ ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
ـــ وقصص لبعض الرؤى والأحلام الواقعية
ــ وآداب المعبر
ــ وكتب التعبير قديمًا وحديثًا والكلام حولها إلى غير ذلك ..
ولنعلم أحبتي .. أنه ليس من قصدي أن انتصر لبعض المعبرين
أو الرؤى والأحلام لكن هو إيضاح لابد منه لكثير من الناس
الذين اهتموا بهذا الباب اهتماما عظيمًا أو كان منهم من ينكر هذا كله.
وقد أحببت أن أدلي بدلوي هذا في الموضوع وان كانت بضاعتي مزجاة في هذا, فان كان من خير فهو من الله وحده وإن كان من خطأ
فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان مما قلت وكتبت .
وختاماً أشكر الأخوة القائمين على
هذا الموقع المميز (( الرائدية )) .
وعلى رأسهم الأخ المميز والمتألق دوماً وأبدا (( أبو رائد )).
باستضافتي .. وجعلني الله خيراً مما يظنون.
والله تعالى أعلم .........
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
محبكم / أبومحمد.
عايــض بن محمد العصيمي،،،،،
بقلم / عايض بن محمد العصيمي.........أبومحمد.
الحمد لله الذي جعل من الليل آية المنام وآية الأحلام ,
والصلاة والسلام على النبي الهمام ,
وعلى آل بيته أطهر الأنام ,
وعلى صحبه الطيبين الكرام وعلى من اتبع هديه إلى يوم القيام ...
أما بعد :
فان من رحمة الله الحنان المنان أن يبشر الإنسان
بما يراه في منامه من أحزان وإشجان وحبور وسرور
وذلك ليس اطلاعا على الغيب
((كما يتوهم بعض ضعفاء النفوس والإيمان ))
ولكن ... حكمة الله ورحمة منه تبارك وتعالى ليفرح المرء
ويبشره ويتجنب الشيطان ويحذره , كيف لا !
وقد قال البشير المنير صلى الله عليه وسلم:
"لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا وما المبشرات؟
قال:الرؤيا الصالحة )) .
رواه البخاري ..12/375.التعبير
ورواه الترمذي 95/126 أبواب الرؤيا
عن أنس وأبي هريرة.
ويؤيد ذلك أيضا حديث أم كرز قالت :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ))
أخرجه احمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
اذاً : لم يبق من النبوة إلا المبشرات ـــــ الرؤيــا ـــــ يراها الرجل
المسلم أو ترى له، وأن الرؤيا الصادقة للنبوة، كنسبة الواحد لستة
وأربعين أو نحو ذلك.
مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي أخرجه البخاري ((6983))ومسلم ((2264))
من حديث انس بن مالك رضي الله عنه
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الرؤيا الحسنه من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)) .
وقد وقع اختلاف كبير في هذا العدد ستة وأربعين من أوجه متعددة ومن غير واحد من الصحابة , وقد تكلم الحافظ ابن حجر في الفتح 12/362 ،في هذا وجمع روايات الأحاديث بكلام طيب نفيس فليرجع إليه .
ولشرف هذا العلم وفضلة اختص الله عز وجل به أنبيائه وأوليائه الصالحين حتى قال صاحبا السجن ليوسف عليه السلام :(( نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين )) فعلموا انه لا يوفق للتأويل الصحيح إلا أهل الإحسان , وانظر كذلك كيف رفع الله عز وجل يوسف عليه السلام بتعليمة هذا العلم كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام ـــ عندما قص عليه يوسف رؤياه : (( وكذلك يجتبك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث )) بل إن يوسف عليه الصلاة والسلام يثني هو على ربه عز وجل ويعدد نعمه عليه فيقول : ((رب قد آتيتني من الملك وعلمني من تأويل الأحاديث )).
ومما يدل على أهمية هذا العلم كذلك أن العبد قد يرى رؤيا تضطرب لها حواسه , وترتعد منها فرائصه ، وتحبس أنفاسه ، فإذ بها خير له وكبت لإعدائه ، وبينما يرى رؤيا يرقص لها طريا و يتيه لها عجبا إذ بها من شواهد خذلانه وحرمانه، ولا يدرك هذا وذاك إلا بواسطة هذا العلم النفيس . ولنعلم جميعا أن القرآن الكريم ليس كتاب أحلام ورؤى وقواميس......!
حتى تذهب في شانه العقول والنفوس مذاهب شتى , العقول المدخولة بالوهم، والنفوس المريضة بالهوى والشهوات والشبهات.
ثم أن المتتبع أيضا للأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجد الكثير الكثير من الأحاديث التي تتعلق بالرؤيا والنوم وليس هذا بالغريب أو العجيب إذ أن معظم حياة الإنسان يقضيها في النوم.
كما أن أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(( أول ما بدئ به رسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق المصبح))رواه البخاري في ((باب الرؤيا)).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكثر من سؤال أصحابة بقوله:
((هل رأى أحد منكم رؤيا ؟)).
ثم كانت البشارة من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهذا مثبت بنص القران الكريم.
نعم.. لقد بشر الله سبحانه وتعالى وهو القادر على كل شي رسوله بقوله :((لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا)).
فنعلم جميعا أن موضوع الرؤيا قد جاء مفصلا ولله الحمد والمنة في السنة المطهرة مع ما جاء به القران الكريم من إشارات عابرة فلم يترك المجال للفلاسفة والملاحدة الذين يحكمون أهواءهم وعقولهم، بل جاء التفصيل من عند الله الذي خلق الرؤيا وخلق رائيها.
وموضوع الرؤى والأحلام موضوع مهم للغاية. خصوصا في عصرنا هذا لوجود الفراغ لدى كثير من الناس ولكثرة النعم فصار هم الكثير منهم السؤال عن الرؤى والأحلام ..!! تجد أن الواحد منهم يسأل عن الرؤى والأحلام أكثر من سؤاله عن أمر دينه ..!!
فقد يكون جاهلاً في صلاته وفي وضوئه فلا يعرف أن يتوضأ كما كان يتوضأ رسول الله عليه وسلام ولا أن يصلى كما كان يصلى عليه الصلاة وسلم ومع هذا وذاك إذا رأى أحدهم رؤيا سرعان ما يطير لها فرحاً ويقيم الدنيا ولا يقعدها ويذلل كل الصعاب في سبيل الحصول على تعبيرها.
وانظروا واجيلوا أنظاركم ـــ رحمكم الله ــــ لكثير من المعبرين كم يأتيهم من الناس ومن الإتصالات ومن الأسئلة في هذا الباب بالعشرات بل ربما بالمئات أو بالآلاف.
قارن بين هذا المعبر وبين أحد العلماء الفقهاء .. كم يأتيهم من الأسئلة والفتاوى من قبل الناس لا يقارن هذا بذا.
فاقولها صراحة:لا ينبغي للناس أن يتعلقوا بالرؤى والأحلام تعلقا كبيرا زائد عن حجمه، فإننا معاشر المسلمين أمة وسطا في كل شي.
وأيضا بالمقابل لا سبيل ولا طريق لمن ينكر هذا الباب فلا يعترف ولا يؤمن بالرؤى والأحلام ولا يصدقها إذ هو مخطئ فإن ما مضى من الأدلة الشرعية والعقلية دليل واضح لمن كان منصفا يريد الحق واتباعه علما بأن الله تعالى هو القائل في محكم التنزيل:
((..... قد جعل الله لكل شي قدرا)).
وقد كثرت المؤلفات والآراء حول الرؤيا وإذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم وجدناهم بين مفرط ومفرط منهم كما مضى من يغالي في الرؤيا ويقدسها حتى يكاد يقدمها على الشرع والعياذ بالله.
ومنهم مالا يلقي لها بالا ويعتبر أنها أضغاث أحلام ليس فيها ما يصح وهذا كله في اعتباره من الدجل والكذب على الناس والعوام , والحق في ذلك الوسط وهو ما جاءت به السنة المطهرة.
ومن أراد الزيارة والحق في ذلك فليرجع لكتب السنة المطهرة وشروحها فقد بسطت موضوع الرؤيا وعالجته بما لا غموض فيه.
ثم لابد لي هنا من همسه في إذن كل من أراد أن يتصدى للناس ويعبر رؤاهم وأحلامهم فاذكره بتقوى الله عز وجل وانه غير مجبر على هذا العمل أن لم يكن أهلا له , وأن التعبير أمره خطير وشأنه عظيم وليس من الإعمال التي يتقرب بها إلى الناس بل هو تلاعب بالنبوة كما سئل الإمام مالك ـــ رحمه الله ـــ أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة . فلا يلعب بالنبوة .. التمهيد 1/288، المنتقى شرح الموطا 7/277،،.
وأما عن المعبر وآدابه : فقد ذكر العلماء ـــ رحمهم الله ـــ أن المعبر يجب أن يكون عالماً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش عالم بكتاب الله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالهم وما يجري على آلسنة الناس. كما ينبغي له أن يعبر الرؤيا المسؤول عنها على مقادير الناس ومراتبهم .ومذاهبهم وأديانهم .
وأوقاتهم وبلدانهم .وأرزاقهم .وفصول سنتهم. ويلزمه أن يكتم عورات الناس. ويسمع السؤال بأجمعه، ويفرق بين الشريف والوضيع . ويتمهل ولا يعجل في التعبير.
ولا يعبر الرؤيا حتى يعرف لمن هي، ولا يعيرها على المكروه وهي عنده على الخير ولا على الخير وهي عنده على المكروه ((الآداب الشرعية والمنح المرعية 3/445)).
.. وينبغي له إذا قصت عليه الرؤيا أن يقول:
((خيراً رأيت , وخيراً تلقاء, وشراً تتوقاه, وخيراً لنا وشراً على اعدائناء والحمد الله رب العالمين اقصص رؤياك )). شرح السنة 12/207.
ورؤيا المسلم لا تخلو :
إما أن تكون أحلاماً فلا يليق لها بالاً وليتأدب بآداب الرؤيا المكروهة والتي بينتها السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أو تكون صالحة فليتحر من هو أحذق الناس بالتعبير،وليقصها عليه،وليتأدب بآدابها.
وإما عن تعبير الرؤيا وتأويلها وطريقة ذلك فقد قال البغوي رحمه الله كما في شرح السنة :
(( وأعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساما:
o فقد تكون بدلالة من جهة الكتاب كتأويل الحبل بالعهد لقوله تعالى:((واعتصموا بحبل الله جميعا)).
o وقد تكون بدلالة من جهة السنة كتعبير القوارير بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم :((يا أنشجه رويدك سوقا بالقوارير)) رواه البخاري .
o وقد يكون التأويل بالأمثال السائدة بين الناس كالصائغ يعبر بالكذاب لقولهم أكذب الناس الصواغون.
o وقد يكون التأويل مستندا إلى الأسماء والمعاني (أي التفاؤل فيها) كمن رأى رجلا يسمى راشدًا فتعبر بالرشد و سالمًا يعبر بالسلامة .
وقد يكون التأويل بالضد والقلب كالخوف في النوم يعبر بالأمن
والأمن يعبر بالخوف والضحك والحزن ....
وهكذا وقد يتغير التأويل عن أصلة بإختلاف حالي الرائي
ومثال ذلك ما روى في قصة الرجلين مع ابن سيرين رحمه الله
ــــ وآذانهما وتعبيره لهم بحج الأول وسرقة الثاني ((وهي قصة مشهورة معروفة))...
وقد يرى الرجل في منامة شيئا فيصيبه عبر ما رأى حقيقة كرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الفتح كما سبق ذكره .
وأخرًا وليس أخيرًا وفي وقتنا هذا الذي كثر فيه المعبرون وكثرت المعاجم اللغوية والتي قد يكون لها وقفة خاصة مستقلة معها (( إن شاء الله )). فنصيحتي لكل معبر وكل عاقل الآيتجرأ على نصوص الشرع فيستبط منها على ما يسوغ له فيقع في المحظور...
وأخيراً/
فان هذا الباب وأسع أقصد
((عالم الرؤى والأحلام)).
فهو يحتاج إلى بيان وإيضاح
كحقيقة الرؤيا ـــ والحلم والفرق بينهما
وأهمية الرؤيا , ومنزلتها في الإسلام ـــ
وبعض ما ورد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك
وحكم الكذب في الرؤية
ـــ وأنواع الرؤى
ـــ وأقسام الناس للرؤى
ــــ وهل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟؟
وآداب الرؤيا الصالحة والحلم
ــ ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
ـــ وقصص لبعض الرؤى والأحلام الواقعية
ــ وآداب المعبر
ــ وكتب التعبير قديمًا وحديثًا والكلام حولها إلى غير ذلك ..
ولنعلم أحبتي .. أنه ليس من قصدي أن انتصر لبعض المعبرين
أو الرؤى والأحلام لكن هو إيضاح لابد منه لكثير من الناس
الذين اهتموا بهذا الباب اهتماما عظيمًا أو كان منهم من ينكر هذا كله.
وقد أحببت أن أدلي بدلوي هذا في الموضوع وان كانت بضاعتي مزجاة في هذا, فان كان من خير فهو من الله وحده وإن كان من خطأ
فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان مما قلت وكتبت .
وختاماً أشكر الأخوة القائمين على
هذا الموقع المميز (( الرائدية )) .
وعلى رأسهم الأخ المميز والمتألق دوماً وأبدا (( أبو رائد )).
باستضافتي .. وجعلني الله خيراً مما يظنون.
والله تعالى أعلم .........
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
محبكم / أبومحمد.
عايــض بن محمد العصيمي،،،،،