ناقد فني
25-11-2005, 09:20 PM
(بنات الرياض) .. سؤال الوزير حين يتدحرج
محمود تراوري
لم يكن مستغربا ما حدث مساء الخميس الماضي، حين حطم السيد اياد مدني (البرتوكول) وأشاع طقسا بديعا من الألفة بين حشد رؤساء الأندية الأدبية والكتاب والصحافيين. من يعرف اياد مدني لا يستغرب هذا البتة، لأن (الطواويس) التي تمر علينا في دروب الحياة ينفخها شعور ممض بالنقص تداريه بالعجرفة وتختبئ خلف كبرياء زائف ومكشوف لمن لا يكترث بـ(نفختهم البئيسة). لن اخوض في مدائحية هو في غنى عنها، لكني سأتناول طرفته العميقة عن (بنات الرياض)..
في حفل الغداء أراد الوزير النزول باللقاء من علياء الجهامة إلى تباسط الحوار وحميميته، وهو ما لم ترق إلى مفهوماته الرؤى التقليدية. تساءل عن (بنات الرياض) وألقى سؤالا حارقا مصحوبا ببسمات لها دلالاتها:
- (من من الأندية الأدبية قادر على طباعة بنات الرياض؟).
تدحرج السؤال لزجاً، وسط صمت ثقيل من مسؤولي الأندية، حتى تطوع أحد الحاضرين:
جميل، خاصة وأن الطبعة الأولى للرواية نفدت.
وهنا أكمل الوزير دعابته الأخاذة/المريرة وذات البسمات تتهادى على محياه المريح:
ها.. كيف؟.. نفدت؟ هي موجودة هنا؟ من أجازها ومتى؟.
جال بنظراته باسماً، وألقُ السؤال يملأ عينيه المتواريتين خلف زجاج عويناته (جلوسي قبالته مباشرة أتاح لي دقة الرؤية) ولم يكن من مجيب!!
الوزير يلقي بطرف الخيط لإشعال حوار حول الثقافة وواقع صناعة الكتاب ونشره في البلد، ولكن ثم من لا يروق له إلا الخطاب الرسمي، الذي يبدأ عادة بالعبارات الجاهزة والكلمات المعلبة، المغلفة بأداء صوتي يحيل إلى ردهات الرسميات ولا يتخفف من بؤسها.
وكان أن سرى هذا البؤس في طقس المكان وأجهضت محاولة الوزير لاعلاء حوار عفوي حميم متخفف من الجهامة ومحتوى لأزماتنا الثقافية الآنية.
كأني بالوزير وهو يتساءل عن (بنات الرياض) يريد الإيحاء بفكر جديد لابد أن يسم دور وزارة الثقافة والإعلام خصوصا فيما يتعلق بمسألة الرقابة واجازة الكتب، وكأنما تعطش القارئ المحلي للكتاب الذي يكتب من أجله وعنه وعن واقعه وأحلامه ورؤاه وعذاباته وخيباته وتطلعاته وأناشيده وحقوله وصحرائه وحاراته ورواشينه وسهوله وسهوبه، كان حاضرا في ذهن الوزير، فظل يهجس باختبار القيمين على الثقافة والإبداع من مسؤولي الأندية الأدبية الذين أتحدى لو أن أحدا منهم قرأ الرواية المحلية أو يعرف شيئا عن المشهد الروائي الذي يتشكل بخطى حثيثة منذ سنوات.
في تساؤل الوزير الذي طرحه بنبرة تخففت من الرسمية تقرأ- إن أردت - إقرارا ضمنيا بإجازة العمل، الذي لم تقبله شريحة من المجتمع، وكأنما تقرأ مضافا إلى ذلك: أن مشكلة الكتاب الإبداعي المحلي الذي يندر وجوده في مكتباتنا هي سلطة الرقابة الاجتماعية، وألا مشكلة في المرجعية الرقابية الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام، وعجز بعض العقليات عن مواكبة توجهات تستجيب لفرضيات الواقع ومتطلبات منطق التغيير. هذا التغيير الذي من المؤكد لن يكون عبثيا أو مجانيا أو خارجا عن المسلمات والثوابت، قدر ما هو مطلب ملح، ظلت ترنو إليه الحركة الثقافية السعودية منذ سنوات طويلة، وتأكد هذا الاحتياج عقب الأعمال الإرهابية المفزعة والمزعجة التي مرت بها البلاد والتي كشفت عن ضرورة أن يكون للثقافة والفنون إسهام في التصدي لقوى التطرف التي تريد أن تخرج البلاد عن مسار الإنسانية والتنمية والحياة الكريمة.
وهي مشكلة بات يستوعبها عدد من الكتاب والمبدعين، ويدخل بعضهم في مواجهة هذه السلطة الاجتماعية، التي تتعقد أكثر عندما يكون لها امتدادات عشائرية فتصبح سلطة مزدوجة الإرهاب للمبدع، وربما تطال مصدر رزقه على نحو ما حدث مع بعض المبدعين.
رابط المقال
محمود تراوري
لم يكن مستغربا ما حدث مساء الخميس الماضي، حين حطم السيد اياد مدني (البرتوكول) وأشاع طقسا بديعا من الألفة بين حشد رؤساء الأندية الأدبية والكتاب والصحافيين. من يعرف اياد مدني لا يستغرب هذا البتة، لأن (الطواويس) التي تمر علينا في دروب الحياة ينفخها شعور ممض بالنقص تداريه بالعجرفة وتختبئ خلف كبرياء زائف ومكشوف لمن لا يكترث بـ(نفختهم البئيسة). لن اخوض في مدائحية هو في غنى عنها، لكني سأتناول طرفته العميقة عن (بنات الرياض)..
في حفل الغداء أراد الوزير النزول باللقاء من علياء الجهامة إلى تباسط الحوار وحميميته، وهو ما لم ترق إلى مفهوماته الرؤى التقليدية. تساءل عن (بنات الرياض) وألقى سؤالا حارقا مصحوبا ببسمات لها دلالاتها:
- (من من الأندية الأدبية قادر على طباعة بنات الرياض؟).
تدحرج السؤال لزجاً، وسط صمت ثقيل من مسؤولي الأندية، حتى تطوع أحد الحاضرين:
جميل، خاصة وأن الطبعة الأولى للرواية نفدت.
وهنا أكمل الوزير دعابته الأخاذة/المريرة وذات البسمات تتهادى على محياه المريح:
ها.. كيف؟.. نفدت؟ هي موجودة هنا؟ من أجازها ومتى؟.
جال بنظراته باسماً، وألقُ السؤال يملأ عينيه المتواريتين خلف زجاج عويناته (جلوسي قبالته مباشرة أتاح لي دقة الرؤية) ولم يكن من مجيب!!
الوزير يلقي بطرف الخيط لإشعال حوار حول الثقافة وواقع صناعة الكتاب ونشره في البلد، ولكن ثم من لا يروق له إلا الخطاب الرسمي، الذي يبدأ عادة بالعبارات الجاهزة والكلمات المعلبة، المغلفة بأداء صوتي يحيل إلى ردهات الرسميات ولا يتخفف من بؤسها.
وكان أن سرى هذا البؤس في طقس المكان وأجهضت محاولة الوزير لاعلاء حوار عفوي حميم متخفف من الجهامة ومحتوى لأزماتنا الثقافية الآنية.
كأني بالوزير وهو يتساءل عن (بنات الرياض) يريد الإيحاء بفكر جديد لابد أن يسم دور وزارة الثقافة والإعلام خصوصا فيما يتعلق بمسألة الرقابة واجازة الكتب، وكأنما تعطش القارئ المحلي للكتاب الذي يكتب من أجله وعنه وعن واقعه وأحلامه ورؤاه وعذاباته وخيباته وتطلعاته وأناشيده وحقوله وصحرائه وحاراته ورواشينه وسهوله وسهوبه، كان حاضرا في ذهن الوزير، فظل يهجس باختبار القيمين على الثقافة والإبداع من مسؤولي الأندية الأدبية الذين أتحدى لو أن أحدا منهم قرأ الرواية المحلية أو يعرف شيئا عن المشهد الروائي الذي يتشكل بخطى حثيثة منذ سنوات.
في تساؤل الوزير الذي طرحه بنبرة تخففت من الرسمية تقرأ- إن أردت - إقرارا ضمنيا بإجازة العمل، الذي لم تقبله شريحة من المجتمع، وكأنما تقرأ مضافا إلى ذلك: أن مشكلة الكتاب الإبداعي المحلي الذي يندر وجوده في مكتباتنا هي سلطة الرقابة الاجتماعية، وألا مشكلة في المرجعية الرقابية الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام، وعجز بعض العقليات عن مواكبة توجهات تستجيب لفرضيات الواقع ومتطلبات منطق التغيير. هذا التغيير الذي من المؤكد لن يكون عبثيا أو مجانيا أو خارجا عن المسلمات والثوابت، قدر ما هو مطلب ملح، ظلت ترنو إليه الحركة الثقافية السعودية منذ سنوات طويلة، وتأكد هذا الاحتياج عقب الأعمال الإرهابية المفزعة والمزعجة التي مرت بها البلاد والتي كشفت عن ضرورة أن يكون للثقافة والفنون إسهام في التصدي لقوى التطرف التي تريد أن تخرج البلاد عن مسار الإنسانية والتنمية والحياة الكريمة.
وهي مشكلة بات يستوعبها عدد من الكتاب والمبدعين، ويدخل بعضهم في مواجهة هذه السلطة الاجتماعية، التي تتعقد أكثر عندما يكون لها امتدادات عشائرية فتصبح سلطة مزدوجة الإرهاب للمبدع، وربما تطال مصدر رزقه على نحو ما حدث مع بعض المبدعين.
رابط المقال