استثنائية
12-05-2013, 12:44 AM
"
تأوّهَ الطِيبُ في أعطافِها نــَــــــوْرَا
فاجتثّ من لِينتِي أفنانَها الحَــــــرّى
وقدّ من مقلة الأشواق زُنبُـــــــــــقة ً
تنفسَ الليلُ من إشراقِها فجـــــــــــرا
فالتاعَ مني شغافُ الوجدِ، جندَلنِــــي
والشوقُ حمّلني أثقالـَه الكبــــــــــرى
هل كان في نيتي أن يُسْتدَرّ دمـــــــي
هل كان من عادتي أن أصْرَعَ البحرا
هامتْ على زورق الآهاتِ قافيتـــــي
ما زلتُ أُتبعُها عِلاتِها العَشـــــــــــرا
الهمّ والحلمَ والوهمَ الذي بيـــــــــدي
والعطرَ والسحرَ والأسرارَ والخمــرا
وغصة ًفي حلوق الليل رابضــــــــة ً
طورًا تمورُ وتعلو تارة أخــــــــــرى
والحِبْرَ إذ يعتلي رأسَ اليراع لـــــــه
لونُ الطحالب يغزو السطحَ والغـَـوْرا
وصفحة َاللوح إذ يلهو البياضُ بهـــــا
مستبشرا، ثغرُه بالبسمةِ افـْتــَـــــــــرّا
فألـْقـَمَتـْنِي الخطايَا قعْرَ هاويـــــــــــةٍ
كالسحر يَأسَرُ مني الحِقـْوَ والصــــدرا
يا غربة َالقلب في أدغالِ فاتنــــــــــةٍ
تتيهُ في تِيهِهَا أحلاميَ السكــــــــــرى
فتشتُ عن لغةِ النجوى بذاكرتــــــــي
فما وجدتُ سوى ما يَقدَحُ الجمـــــــرا
أينَ الجنونُ الذي أقعَى بناصيتــــــــي
واختطّ للبوح فيهَا أسْطـُرًا حُمْـــــــــرا
واجتزّ من جسدِ الأشعار خاصــــــرة ً
ومن سماء القوافي أنجمًا خُضــــــــرا
لا شئَ يَرْبأ بي عن وأدِ خاطرتــــــــي
في تربةِ الصمتِ ما قد يُنبتُ الزهــــرا
(من ديوان "قوافلُ الثلج")
1
عنوان القصيدة نثري مفعَّل على تفعيلة الرمل + حركة واحدة : غربة القلْ (فاعلاتن) +بِ (فَ)
2
يتخلق الكائن الفني على شكل تراتبيٍّ اعتمد على مفارقة خارقة للعادة في البداية ثم تولدت عنها كافة المفارقات والمواقف الساخنة في القصيدة ، انتقل الشاعر في ست قفزات أولية هي الشطرات للأبيات الثلاثة الأولى ، ثم ومن أول البيت الرابع ينطلق السؤال الفاتح للحالة الشعرية للغربة وتتفرق.. فيعد علات القافية التي هي علات غربتة متماهيتين في تناص مع الوصايا العشر وفي حالة تركيز ووعي تام بالقضية ، وقد استعان غسري بمقدرته الفائقة في تطويع اللغة واللعب على العروض الخليلي بمهارة ضفرت الكلام والموسيقى في شعر حقيقي قاصدا بذلك إثارة دهشتنا وهو نجح في ذلك بلا أي شك.
3
ميزة غسري أنه لم يغفل القارئ لحظة واحدة ولم يغب عن باله أنه يخاطب مستويات متباينة من الثقافات فوقف بالتجربة ( هو الذي وقف ولم يوقَف قسرا) على مستوى ما هو شعر وشعور يتلقاه الذوق بترحاب وينفعل معه انفعال الغربة الذي انحكمت به القصيدة ،
وانظر إلى مطلع القصيدة:
تأوه الطيب في أعطافها نورا == فاجتث من لينتي أفنانها الحرى
وقد من مقلة الأشواق زنبقة == تنفس الليل من إشراقها فجرا
الصورة مغرقة في الجمال ، لا ينتقص من جمالها الإقرار في الأفعال الماضية الأربعة : تأوه ـ اجتث ـ قدَّ ـ تنفس .. إقرارا لا يقبل الشك ، ولا بأس لأن التجربة تتحرك في واقع الحياة تحوله إلى هذا الشعر.
4
انظر إلى هذا التركيز الشديد والصحو والوعي الشديد والبصر الحديد :
هامت على زورق الآهات قافيتي == ما زلت أتبعها علاتها العشرا
ثم هو يعدد العشر العلات في نسق منطقي دقيق:
الهم والحلم والوهم الذي بيدي == والعطر والسحر والأسرار والخمرا (7علات(
وغصة في حلوق الليل رابضة == طورا تمور وتعلو تارة أخرى (واحدة(
والحبر إذ يعتلي رأس اليراع له == لون الطحالب يغزو السطح والغورا(واحدة(
وصفحة اللوح إذ يعلو البياض بها == مستبشرا ثغره بالبسمة افترا (واحدة(
وكان اصطدام المنطق / العقل والفكر بالعاطفة / البديهة والموهبة التلقائية أثر في مجيء العلات السبع الأولى في بيت بينما الثلاث الأخريات كل واحدة في بيت ، ذلك اصطدام أنتجه الالتزام العروضي من جهة ومنطق النص الشعري الواقعي بدرجة ما من جهة أخرى .. أليس من حق المتلقي أن يسأل الشاعر في أمر هذه القسمة بين العلات ومساحتها على الورق ؟ وما دام منطق النص الشعري كذلك فإنه لايمنع من أن يكون منطق التلقي كذلك أيضا .
5
ويقدم الشاعر الحكمة وشيئا من خلاصة تجربته الحياتية فنجد الحكمة عند غسري مستلة من كل تراثنا الديني والشرقي ، وأن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .. وقد يجعل الله سره في أضعف خلقه ، وما إلى ذلك مما يدور حول هذا المعنى ، يقول غسري :
لا شيء يربأ بي عن وأد خاطرتي == في تربة الصمت ما قد ينبت الزهرا
6
تقدم قصيدة غربة القلب لغسري تجربة فريدة أيضا في تواطؤ الفكر مع الوجدان في إنتاج حالة شعرية صادقة ، الفكر والعاطفة ، العقل والموهبة فيزول ما بينهما من تنافر في قصيدة استفادت من المنطق الرياضي البحت ومن العاطفة الإنسانية الرفيعة في آن واحد
7
في هذه القصيدة نجد "غسري" في تجربة منطلقة إلى آفاق الشاعرية محتضنا الإنسانية بأوجاعها وأفراحها دمه في دمها وواقعه من واقعها يناقش قضية الغربة القلبية بموضوعية تلبس من الشعر حلل الاستعارة والمجاز والصورة الدافئة.
لكل من مر من هنآآ :101::101:
تأوّهَ الطِيبُ في أعطافِها نــَــــــوْرَا
فاجتثّ من لِينتِي أفنانَها الحَــــــرّى
وقدّ من مقلة الأشواق زُنبُـــــــــــقة ً
تنفسَ الليلُ من إشراقِها فجـــــــــــرا
فالتاعَ مني شغافُ الوجدِ، جندَلنِــــي
والشوقُ حمّلني أثقالـَه الكبــــــــــرى
هل كان في نيتي أن يُسْتدَرّ دمـــــــي
هل كان من عادتي أن أصْرَعَ البحرا
هامتْ على زورق الآهاتِ قافيتـــــي
ما زلتُ أُتبعُها عِلاتِها العَشـــــــــــرا
الهمّ والحلمَ والوهمَ الذي بيـــــــــدي
والعطرَ والسحرَ والأسرارَ والخمــرا
وغصة ًفي حلوق الليل رابضــــــــة ً
طورًا تمورُ وتعلو تارة أخــــــــــرى
والحِبْرَ إذ يعتلي رأسَ اليراع لـــــــه
لونُ الطحالب يغزو السطحَ والغـَـوْرا
وصفحة َاللوح إذ يلهو البياضُ بهـــــا
مستبشرا، ثغرُه بالبسمةِ افـْتــَـــــــــرّا
فألـْقـَمَتـْنِي الخطايَا قعْرَ هاويـــــــــــةٍ
كالسحر يَأسَرُ مني الحِقـْوَ والصــــدرا
يا غربة َالقلب في أدغالِ فاتنــــــــــةٍ
تتيهُ في تِيهِهَا أحلاميَ السكــــــــــرى
فتشتُ عن لغةِ النجوى بذاكرتــــــــي
فما وجدتُ سوى ما يَقدَحُ الجمـــــــرا
أينَ الجنونُ الذي أقعَى بناصيتــــــــي
واختطّ للبوح فيهَا أسْطـُرًا حُمْـــــــــرا
واجتزّ من جسدِ الأشعار خاصــــــرة ً
ومن سماء القوافي أنجمًا خُضــــــــرا
لا شئَ يَرْبأ بي عن وأدِ خاطرتــــــــي
في تربةِ الصمتِ ما قد يُنبتُ الزهــــرا
(من ديوان "قوافلُ الثلج")
1
عنوان القصيدة نثري مفعَّل على تفعيلة الرمل + حركة واحدة : غربة القلْ (فاعلاتن) +بِ (فَ)
2
يتخلق الكائن الفني على شكل تراتبيٍّ اعتمد على مفارقة خارقة للعادة في البداية ثم تولدت عنها كافة المفارقات والمواقف الساخنة في القصيدة ، انتقل الشاعر في ست قفزات أولية هي الشطرات للأبيات الثلاثة الأولى ، ثم ومن أول البيت الرابع ينطلق السؤال الفاتح للحالة الشعرية للغربة وتتفرق.. فيعد علات القافية التي هي علات غربتة متماهيتين في تناص مع الوصايا العشر وفي حالة تركيز ووعي تام بالقضية ، وقد استعان غسري بمقدرته الفائقة في تطويع اللغة واللعب على العروض الخليلي بمهارة ضفرت الكلام والموسيقى في شعر حقيقي قاصدا بذلك إثارة دهشتنا وهو نجح في ذلك بلا أي شك.
3
ميزة غسري أنه لم يغفل القارئ لحظة واحدة ولم يغب عن باله أنه يخاطب مستويات متباينة من الثقافات فوقف بالتجربة ( هو الذي وقف ولم يوقَف قسرا) على مستوى ما هو شعر وشعور يتلقاه الذوق بترحاب وينفعل معه انفعال الغربة الذي انحكمت به القصيدة ،
وانظر إلى مطلع القصيدة:
تأوه الطيب في أعطافها نورا == فاجتث من لينتي أفنانها الحرى
وقد من مقلة الأشواق زنبقة == تنفس الليل من إشراقها فجرا
الصورة مغرقة في الجمال ، لا ينتقص من جمالها الإقرار في الأفعال الماضية الأربعة : تأوه ـ اجتث ـ قدَّ ـ تنفس .. إقرارا لا يقبل الشك ، ولا بأس لأن التجربة تتحرك في واقع الحياة تحوله إلى هذا الشعر.
4
انظر إلى هذا التركيز الشديد والصحو والوعي الشديد والبصر الحديد :
هامت على زورق الآهات قافيتي == ما زلت أتبعها علاتها العشرا
ثم هو يعدد العشر العلات في نسق منطقي دقيق:
الهم والحلم والوهم الذي بيدي == والعطر والسحر والأسرار والخمرا (7علات(
وغصة في حلوق الليل رابضة == طورا تمور وتعلو تارة أخرى (واحدة(
والحبر إذ يعتلي رأس اليراع له == لون الطحالب يغزو السطح والغورا(واحدة(
وصفحة اللوح إذ يعلو البياض بها == مستبشرا ثغره بالبسمة افترا (واحدة(
وكان اصطدام المنطق / العقل والفكر بالعاطفة / البديهة والموهبة التلقائية أثر في مجيء العلات السبع الأولى في بيت بينما الثلاث الأخريات كل واحدة في بيت ، ذلك اصطدام أنتجه الالتزام العروضي من جهة ومنطق النص الشعري الواقعي بدرجة ما من جهة أخرى .. أليس من حق المتلقي أن يسأل الشاعر في أمر هذه القسمة بين العلات ومساحتها على الورق ؟ وما دام منطق النص الشعري كذلك فإنه لايمنع من أن يكون منطق التلقي كذلك أيضا .
5
ويقدم الشاعر الحكمة وشيئا من خلاصة تجربته الحياتية فنجد الحكمة عند غسري مستلة من كل تراثنا الديني والشرقي ، وأن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .. وقد يجعل الله سره في أضعف خلقه ، وما إلى ذلك مما يدور حول هذا المعنى ، يقول غسري :
لا شيء يربأ بي عن وأد خاطرتي == في تربة الصمت ما قد ينبت الزهرا
6
تقدم قصيدة غربة القلب لغسري تجربة فريدة أيضا في تواطؤ الفكر مع الوجدان في إنتاج حالة شعرية صادقة ، الفكر والعاطفة ، العقل والموهبة فيزول ما بينهما من تنافر في قصيدة استفادت من المنطق الرياضي البحت ومن العاطفة الإنسانية الرفيعة في آن واحد
7
في هذه القصيدة نجد "غسري" في تجربة منطلقة إلى آفاق الشاعرية محتضنا الإنسانية بأوجاعها وأفراحها دمه في دمها وواقعه من واقعها يناقش قضية الغربة القلبية بموضوعية تلبس من الشعر حلل الاستعارة والمجاز والصورة الدافئة.
لكل من مر من هنآآ :101::101: