abw_slman
27-11-2005, 07:15 PM
( أدب الكـــلام ،، وفـــن الحـــوار ... )
بسـم الله الرحمـن الرحيم
لا تمـلك إلا أن تحـب ، أو على الأقـل تحترم محـدثك ، إذا رايته مـاهراً
في فـن الحـديث ، وإدارة الحـوار ، وانتقـاء الكلمـات ، وطـرح القـضايا
واخـتيار الأفكـار ، فلا هـو يثقل عليـك بحشو الطـروح ، وسخـف الكـلام ،
ولا هـو يطـيل عليـك بثرثرة عديمـة النفـع ، ولغو الحيـاة ، ولغط النـاس ..
فـإذا أطال ، فإنـما يطيل لضـرورة يراهـا ، وفي محـاور ذات نفـع ، وأجـرها مذخور ..
ثم هـو لا يتعـالم عليك ليشعـرك أنك دون مـنزلته ، وأنه في الـثريا وأنك في الوحـل !
ولا هـو يحدثك بقفـاه !! ولكن وجـهه لا يكـاد يفارق وجـهك ،
فهـو منصرف إلـيك وحـدك ، منشغـل بك عن غـيرك ..
ثم هـو لا يجعـل صوته أعلـى مما تحـتاجه ، لأنه يعـلم أن أنكـر الأصـوات
لصـوت الحـمير !! وهـو لا يود أن يكـون كذلك !
تلك عجـالة في فـن الحـديث ، وحـين يكون الإنسـان متحـلياً بمـثل هذه السجـايا ،
فتـلك نعمـة عظيمة يمـن بها الله علـى هـذا الإنسان ،
وعـليه أن يعـرف كيف يشكـر الله عـليها .
إن فـن الحـديث لا يعـني أن يكـون الإنسـان مذياعـاً مخـروقاً لا يسـكت ،
ثرثاراً لا ينقـطع ، إلا بانقطـاع أنفاسـه ..!!
إنما فـن الحـديث أن تجعل أحـاديثك شجـية ، فيهـا إثارتها ، ولـها رونقـها ،
وإن قـل أو طـال الوقـت الذي تقضـيه مع الطـرف الآخر ،
ذلك يجعـل لأحـاديثك نكهـتها الخاصة المـميزة ، التي يترقـبها المحيـطون بك
حيثمـا حـللت ، أو رحلـت أو نزلـت ،
ولعـل هذا يجعـلك منـدرجاً في التشـبه بعيسـى عليه السـلام حـيث حكـى القـرآن أنه قـال
: ( وجعـلني مباركـاً حيث كـنت ) .. فاحـرص أن تكـون مـباركاً حيـثما كنـت..!
إن مـن فـن الحـديث أيضـاً :
أن تحـسن اخـتيار المفـردات والألفـاظ والجمل ، كمـا تحرص علـى حسـن اخـتيار
المعـاني والأفكـار ، فتغـدو أحـاديثك أشبه بالمـطر تشـتاقه الأرض بعد جـفاف طـويل ،
فينـبت الله به ألـواناً من الخـيرات والبركـات والمـباهج ، ويفجـر به عـيوناً عذبة
بعد عيـون ! فيخـرج الله به حـدائق ذات بهجـة !!
إن الله تعـالى ما خـلق للإنسان لـساناً في فمـه ليديره باستـمرار في لغـو الحيـاة ،
وهـزل القول ، وأباطـيل الكـلام .
كـلا ، إن اللسـان نعمة عظـيمة من أعظـم نعم الله تعـالى على الإنسـان ،
وعلـى العـاقل _ ذكـراً كان أم أنثـى _ أن يفكـر كثيرا وطـويلاً ، كيف ينبغـي له
أن يؤدي شكـر هذه النعمـة الجـليلة ، حتى لا تكوـن نقمة عليـه ، وحـسرة وندامـة يوم لا ينفـع مال ولا بـنون إلا مـن أتى الله بقـلب سليـم ،
ولقـد ورد في الحـديث أن أكـثر من يدخـل الناس النـار هو هـذا اللسـان !
إن شكـر النعـمة ليس مجـرد كلمـات تقـال ، ولا كـف يُقبّل ظاهـرها وباطنـها ،
ولكـن الشكـر في حقيقتـه وجوهرـه : عمل فـي الصمـيم ..!
كـما قـرر ذلك الله سبحـانه حـيث قال :
( اعملـوا آل داود شكـرا ، وقـليل من عـبادي الشكور )
ومـن ثم فـإن شكر نعمـة اللسـان هو أن تحـرص غاية الحـرص ،
أن تجعـله لا يدور إلا فـي مرضـاة الله سبحانه ، ومـا يزيدك قرـبا منه ،
فلا تسمـح له أن يتعـدى دوائر مرضـاة الله تعـالى بحال ، قـال تعالى :
( لا خـير في كثـير من نجواهـم إلا من أمر بصـدقة أو معروف ...)
فـإذا أصبح لسـان الإنسـان مستـقيما على أحـد من السـيف ، فإن عـداد حسـنات هـذا الإنسـان ستبقـى تدور بلا توقـف ، والمـلائكة الكـرام تدوّن باستمـرار في سجـلاتها
أنوارا سمـاوية ، تدخـرها له ليـوم عصيب يبحـث فيه كـثير من الناس عـن حسنةلعـلها وعسـاها ..!
وفـي الحديث : رب كلـمة يقولـها المرء من رضـا الله ، لا يلقـي لهـا بالاً ،
يرفعـه الله بها في الجـنة درجات ..! ورب كلـمة من سخـط الله ، يقولها المـرء
وهو لا يلقـي لها بالاً ، يهـوي بها فـي النار سبعـين خريفا .. أو كـما قال صلى الله عليه وسلم ..
وروي أن عـيسى عليه السـلام قال لمن سـألوه : دلنا على عـمل يدخلـنا الجنـة .
فقـال : لا تنطـقوا أبداً !! قالـوا : لا نستـطيع .
قال : فلا تنطـقوا إلا بخـير ..!!!
رابط فـي هـذه الدائرة والزمـها ، واحـرص عليها ، وتمـسك بمن تراه يحـوم حـولها ،
ويشـدك إليها ، ويدربك عـليها ، فلابد أن تنصـب على قلبك أنوار هـذا المسلك ،
بل إنك إذا لازمـت هذا الطـريق ، ستنصب عليـك الخيرات حـيثما كنت ،
من حـيث تحتسب ولا تحـتسب ..! لأن الله سـيضع لك القبـول في قلوب الخـلق ..
ونعـود فنقـول :
إن مـن أدب الحـديث أيضاً ..
أن لا ترفـع صـوتك فوق ما يحـتاجه السامـع ، فإن رفع الـصوت رعـونة وإيذاء ،
وقد تضـيع كثير من المـعاني وسـط الضجـيج ، ومع عـدم رفع الصـوت لا تنسى
أن تُقبـل بكلـية وجهك على مـحدثك ، ولا تنصـرف عنه حـين يحدثك أو تحـدثه
بل أشعـره باهـتمامك به ، وحـسن إصغائك لـه ،
فإذا كنـت وسط جمـاعة من الناس يصـغون إليك ،
فحـاول أن تعـط كل واحـد منهم حقـه من إقـبالك عليه ،
فإن لكـل واحد منـهم نصـيبا منك ، فلا تجعـل إقبالك كـله على شخـص بعينه
واهـمال الآخرـين فإن هذا يؤذيهـم !
وخـلال هذا الفـيض الذي يكـرمك الله به ، ويفتـح به على قلـبك ، لا تغفل
أن تكـون باشاً هـاشاً فياض الأسـارير ، مهـتاج القلب بالمعـاني ،
اللهـم إلا إذا كـانت طبيعة الموضـوع لا تستـدعي الابتسـام ،
فلـقد كـان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الابتـسام ، مشـرق الوجه ،
غيـر أنه إذا خطـبَ أحياناً يحمـر وجهه كأنه منـذر حرب !
فلكـل مقام مقـال ..!
ومـن فن الحـديث أيـضاً :
أن تحـرص على أن تخـاطب الآخـرين على قدر عقـولهم ، وتلك معاـناة
تحـتاج إلى فراسـة ودراية بنفـسيات النـاس ، كـما تحـتاج إلى حكمـة ودقـة في
اخـتيار الموضوعـات وطريقـة عرضـها ، ولـيس شـيء من ذلك تستطـيعه
إلا بتوفيـق الله ومـدده ، فاستـعن به وحـده ولا تعجـز ..وانتفـع بتجارب الآخـرين ..
ومن فـن الحـديث أيضاً ..
أن لا تطـيل حيث ينبغـي الاختصـار ، ولا تبتر الحـديث حيث ينبغـي الإسـهاب ،
تلتقـي بأناس فـي وليمة فيتحـدث أحـدهم فيطـيل حتى المـلل ،
وأعيـن النـاس تتردد على الـباب ، متـى سيحـضر الطعـام ، لعل هـذا يصمت !!
وقـد تتردد عيـونهم على سـاعات معـاصمهم ، وصـاحبنا لا يزال يتدفـق في حـديثه
غـير مبال ولا مكـترث !!
فتـأتي النتائج علـى غير ما يحـب !!
وبعد ..
إن الحـديث عن أدب اللسـان ، وفـن الكـلام ، طويل ذو شجـون ،
لا يمـلك مقـال مثل هـذا أن يحـيط بأطـرافه ، والخـلاصة الموجـزة :
أن صاحـب اللسـان الطيب الـعذب ، العفـيف أقرب إلـى الله تعالى ،
وأحـب إلى قلـوب الناس كـذلك ، وهـو بهذا المـسلك
( مـن خلال التحـكم في هـذه العضـلة الصغيـرة في فمـه )
يدلل علـى عظمـة الإيمان فـي قلبه ، ويبرهـن على تقـواه ، ففـي الحديث الشـريف
يقـول رسـول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا يستقـيم إيمـان عبـد حتى يستقيـم قـلبه ، ولا يستقـيم قلبه ، حتـى يستقيـم لـسانه " ..
فـهل ترانا نتواصـى ولا نكـل من هـذا التواصـي بمثل هـذه المعاني ،
لعل نفـحة سمـاوية ربانية تهـب على قـلوبنا المكـدودة فتنعـشها وترطـبها !.؟
إننا مطـالبون دائمـاً بذلك لنسـعد السعـادة الحـقيقة في دنيـانا ،
ثم نفـرح الفـرحة الكبرى فـي الآخرة ، ويبقـى أن نذكر أنفسـنا أن أهل الـجنة
لا يقولـون لغوا ، ولا يتحـدثون إلا بخيـر ، وتبقـى مجالسـهم سمـاوية نقية صافـية ،
فلمـاذا لا نحـاول أن نتشبـه بهم منـذ الآن ، لعلـنا نهيـئ أنفسـنا ليلحـقنا الله بهـم
فـي تلك الأجـواء الربانـية !!
قال الشـاعر :
إن الكـلامَ من الفـؤادِ وإنما ** جُعـلَ اللسـانُ على الفـؤاد دليلا
وقال الآخـر :
احفـظ لسـانك واستعـذ من شـره ** إن اللسـان هـو العدو الكـاشح
وزن الكـلام إذا نطـقتَ بمجـلسٍ ** فـإذا اسـتوى فهـناك حلمـك راجح
وقـال ثالث :
لسـانك لا تذكـر به عـورة امـرئ ** فـكلك عـورات وللنـاس ألـسنُ !!
منقول
بسـم الله الرحمـن الرحيم
لا تمـلك إلا أن تحـب ، أو على الأقـل تحترم محـدثك ، إذا رايته مـاهراً
في فـن الحـديث ، وإدارة الحـوار ، وانتقـاء الكلمـات ، وطـرح القـضايا
واخـتيار الأفكـار ، فلا هـو يثقل عليـك بحشو الطـروح ، وسخـف الكـلام ،
ولا هـو يطـيل عليـك بثرثرة عديمـة النفـع ، ولغو الحيـاة ، ولغط النـاس ..
فـإذا أطال ، فإنـما يطيل لضـرورة يراهـا ، وفي محـاور ذات نفـع ، وأجـرها مذخور ..
ثم هـو لا يتعـالم عليك ليشعـرك أنك دون مـنزلته ، وأنه في الـثريا وأنك في الوحـل !
ولا هـو يحدثك بقفـاه !! ولكن وجـهه لا يكـاد يفارق وجـهك ،
فهـو منصرف إلـيك وحـدك ، منشغـل بك عن غـيرك ..
ثم هـو لا يجعـل صوته أعلـى مما تحـتاجه ، لأنه يعـلم أن أنكـر الأصـوات
لصـوت الحـمير !! وهـو لا يود أن يكـون كذلك !
تلك عجـالة في فـن الحـديث ، وحـين يكون الإنسـان متحـلياً بمـثل هذه السجـايا ،
فتـلك نعمـة عظيمة يمـن بها الله علـى هـذا الإنسان ،
وعـليه أن يعـرف كيف يشكـر الله عـليها .
إن فـن الحـديث لا يعـني أن يكـون الإنسـان مذياعـاً مخـروقاً لا يسـكت ،
ثرثاراً لا ينقـطع ، إلا بانقطـاع أنفاسـه ..!!
إنما فـن الحـديث أن تجعل أحـاديثك شجـية ، فيهـا إثارتها ، ولـها رونقـها ،
وإن قـل أو طـال الوقـت الذي تقضـيه مع الطـرف الآخر ،
ذلك يجعـل لأحـاديثك نكهـتها الخاصة المـميزة ، التي يترقـبها المحيـطون بك
حيثمـا حـللت ، أو رحلـت أو نزلـت ،
ولعـل هذا يجعـلك منـدرجاً في التشـبه بعيسـى عليه السـلام حـيث حكـى القـرآن أنه قـال
: ( وجعـلني مباركـاً حيث كـنت ) .. فاحـرص أن تكـون مـباركاً حيـثما كنـت..!
إن مـن فـن الحـديث أيضـاً :
أن تحـسن اخـتيار المفـردات والألفـاظ والجمل ، كمـا تحرص علـى حسـن اخـتيار
المعـاني والأفكـار ، فتغـدو أحـاديثك أشبه بالمـطر تشـتاقه الأرض بعد جـفاف طـويل ،
فينـبت الله به ألـواناً من الخـيرات والبركـات والمـباهج ، ويفجـر به عـيوناً عذبة
بعد عيـون ! فيخـرج الله به حـدائق ذات بهجـة !!
إن الله تعـالى ما خـلق للإنسان لـساناً في فمـه ليديره باستـمرار في لغـو الحيـاة ،
وهـزل القول ، وأباطـيل الكـلام .
كـلا ، إن اللسـان نعمة عظـيمة من أعظـم نعم الله تعـالى على الإنسـان ،
وعلـى العـاقل _ ذكـراً كان أم أنثـى _ أن يفكـر كثيرا وطـويلاً ، كيف ينبغـي له
أن يؤدي شكـر هذه النعمـة الجـليلة ، حتى لا تكوـن نقمة عليـه ، وحـسرة وندامـة يوم لا ينفـع مال ولا بـنون إلا مـن أتى الله بقـلب سليـم ،
ولقـد ورد في الحـديث أن أكـثر من يدخـل الناس النـار هو هـذا اللسـان !
إن شكـر النعـمة ليس مجـرد كلمـات تقـال ، ولا كـف يُقبّل ظاهـرها وباطنـها ،
ولكـن الشكـر في حقيقتـه وجوهرـه : عمل فـي الصمـيم ..!
كـما قـرر ذلك الله سبحـانه حـيث قال :
( اعملـوا آل داود شكـرا ، وقـليل من عـبادي الشكور )
ومـن ثم فـإن شكر نعمـة اللسـان هو أن تحـرص غاية الحـرص ،
أن تجعـله لا يدور إلا فـي مرضـاة الله سبحانه ، ومـا يزيدك قرـبا منه ،
فلا تسمـح له أن يتعـدى دوائر مرضـاة الله تعـالى بحال ، قـال تعالى :
( لا خـير في كثـير من نجواهـم إلا من أمر بصـدقة أو معروف ...)
فـإذا أصبح لسـان الإنسـان مستـقيما على أحـد من السـيف ، فإن عـداد حسـنات هـذا الإنسـان ستبقـى تدور بلا توقـف ، والمـلائكة الكـرام تدوّن باستمـرار في سجـلاتها
أنوارا سمـاوية ، تدخـرها له ليـوم عصيب يبحـث فيه كـثير من الناس عـن حسنةلعـلها وعسـاها ..!
وفـي الحديث : رب كلـمة يقولـها المرء من رضـا الله ، لا يلقـي لهـا بالاً ،
يرفعـه الله بها في الجـنة درجات ..! ورب كلـمة من سخـط الله ، يقولها المـرء
وهو لا يلقـي لها بالاً ، يهـوي بها فـي النار سبعـين خريفا .. أو كـما قال صلى الله عليه وسلم ..
وروي أن عـيسى عليه السـلام قال لمن سـألوه : دلنا على عـمل يدخلـنا الجنـة .
فقـال : لا تنطـقوا أبداً !! قالـوا : لا نستـطيع .
قال : فلا تنطـقوا إلا بخـير ..!!!
رابط فـي هـذه الدائرة والزمـها ، واحـرص عليها ، وتمـسك بمن تراه يحـوم حـولها ،
ويشـدك إليها ، ويدربك عـليها ، فلابد أن تنصـب على قلبك أنوار هـذا المسلك ،
بل إنك إذا لازمـت هذا الطـريق ، ستنصب عليـك الخيرات حـيثما كنت ،
من حـيث تحتسب ولا تحـتسب ..! لأن الله سـيضع لك القبـول في قلوب الخـلق ..
ونعـود فنقـول :
إن مـن أدب الحـديث أيضاً ..
أن لا ترفـع صـوتك فوق ما يحـتاجه السامـع ، فإن رفع الـصوت رعـونة وإيذاء ،
وقد تضـيع كثير من المـعاني وسـط الضجـيج ، ومع عـدم رفع الصـوت لا تنسى
أن تُقبـل بكلـية وجهك على مـحدثك ، ولا تنصـرف عنه حـين يحدثك أو تحـدثه
بل أشعـره باهـتمامك به ، وحـسن إصغائك لـه ،
فإذا كنـت وسط جمـاعة من الناس يصـغون إليك ،
فحـاول أن تعـط كل واحـد منهم حقـه من إقـبالك عليه ،
فإن لكـل واحد منـهم نصـيبا منك ، فلا تجعـل إقبالك كـله على شخـص بعينه
واهـمال الآخرـين فإن هذا يؤذيهـم !
وخـلال هذا الفـيض الذي يكـرمك الله به ، ويفتـح به على قلـبك ، لا تغفل
أن تكـون باشاً هـاشاً فياض الأسـارير ، مهـتاج القلب بالمعـاني ،
اللهـم إلا إذا كـانت طبيعة الموضـوع لا تستـدعي الابتسـام ،
فلـقد كـان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الابتـسام ، مشـرق الوجه ،
غيـر أنه إذا خطـبَ أحياناً يحمـر وجهه كأنه منـذر حرب !
فلكـل مقام مقـال ..!
ومـن فن الحـديث أيـضاً :
أن تحـرص على أن تخـاطب الآخـرين على قدر عقـولهم ، وتلك معاـناة
تحـتاج إلى فراسـة ودراية بنفـسيات النـاس ، كـما تحـتاج إلى حكمـة ودقـة في
اخـتيار الموضوعـات وطريقـة عرضـها ، ولـيس شـيء من ذلك تستطـيعه
إلا بتوفيـق الله ومـدده ، فاستـعن به وحـده ولا تعجـز ..وانتفـع بتجارب الآخـرين ..
ومن فـن الحـديث أيضاً ..
أن لا تطـيل حيث ينبغـي الاختصـار ، ولا تبتر الحـديث حيث ينبغـي الإسـهاب ،
تلتقـي بأناس فـي وليمة فيتحـدث أحـدهم فيطـيل حتى المـلل ،
وأعيـن النـاس تتردد على الـباب ، متـى سيحـضر الطعـام ، لعل هـذا يصمت !!
وقـد تتردد عيـونهم على سـاعات معـاصمهم ، وصـاحبنا لا يزال يتدفـق في حـديثه
غـير مبال ولا مكـترث !!
فتـأتي النتائج علـى غير ما يحـب !!
وبعد ..
إن الحـديث عن أدب اللسـان ، وفـن الكـلام ، طويل ذو شجـون ،
لا يمـلك مقـال مثل هـذا أن يحـيط بأطـرافه ، والخـلاصة الموجـزة :
أن صاحـب اللسـان الطيب الـعذب ، العفـيف أقرب إلـى الله تعالى ،
وأحـب إلى قلـوب الناس كـذلك ، وهـو بهذا المـسلك
( مـن خلال التحـكم في هـذه العضـلة الصغيـرة في فمـه )
يدلل علـى عظمـة الإيمان فـي قلبه ، ويبرهـن على تقـواه ، ففـي الحديث الشـريف
يقـول رسـول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا يستقـيم إيمـان عبـد حتى يستقيـم قـلبه ، ولا يستقـيم قلبه ، حتـى يستقيـم لـسانه " ..
فـهل ترانا نتواصـى ولا نكـل من هـذا التواصـي بمثل هـذه المعاني ،
لعل نفـحة سمـاوية ربانية تهـب على قـلوبنا المكـدودة فتنعـشها وترطـبها !.؟
إننا مطـالبون دائمـاً بذلك لنسـعد السعـادة الحـقيقة في دنيـانا ،
ثم نفـرح الفـرحة الكبرى فـي الآخرة ، ويبقـى أن نذكر أنفسـنا أن أهل الـجنة
لا يقولـون لغوا ، ولا يتحـدثون إلا بخيـر ، وتبقـى مجالسـهم سمـاوية نقية صافـية ،
فلمـاذا لا نحـاول أن نتشبـه بهم منـذ الآن ، لعلـنا نهيـئ أنفسـنا ليلحـقنا الله بهـم
فـي تلك الأجـواء الربانـية !!
قال الشـاعر :
إن الكـلامَ من الفـؤادِ وإنما ** جُعـلَ اللسـانُ على الفـؤاد دليلا
وقال الآخـر :
احفـظ لسـانك واستعـذ من شـره ** إن اللسـان هـو العدو الكـاشح
وزن الكـلام إذا نطـقتَ بمجـلسٍ ** فـإذا اسـتوى فهـناك حلمـك راجح
وقـال ثالث :
لسـانك لا تذكـر به عـورة امـرئ ** فـكلك عـورات وللنـاس ألـسنُ !!
منقول