شمس الرائدية
16-06-2013, 02:43 PM
’’
تفصلنا عن شهر رمضان أيام معدودات،
بعدها يهل علينا كالغيث على الأرض العطشى،
والري على النفوس الظمأى،
وكالربيع للطبيعة تتفتح فيه الأرض زهراً وورداً وتهيج نضرة وثمراً.
أيام ويطل علينا بدر الزمان رمضان،
كالبدر في الليلة الظلماء،
ينتظره الداجون في الظُّلَم،
والمتلهفون للنور.
أيام وتشرق الشمس على الأرواح،
فتتهلل بشْراً وأنساً، وتحلق في الأعالي سمواً وارتقاء.
أيام وتتجدد الذكرى ذكرى بواكير الوحي،
وأول منازل القرآن،
وتنزلات الآيات وتجليات السور.
موسم القلوب يهل عليها،
فتتعافى من كل عللها،
وتعود رفيفة شفيفة رهيفة لطيفة.
الأرض كلها ازينت، وتجلت، وتهللت، واستبشرت، وأشرقت بنور ربها، هذه أيام مباركات نزلت فيها الآيات فرفّت الأرض، وشفّت من كثافتها، فتحولت إلى أثير، وارتفعت وارتقت كأنها قد غدت بالآيات سماء بين السموات. الأرض نور تغشاها الملائكة وهي نور، وتتنزل عليها الآيات وهي نور، وتزكو فيها نفوس البشر بعد أن تجلى عليها كل هذا النور، فتغدو كأنها نفوس جبلت من نور.
رمضان عقد في جيد الزمان حباته ليست من اللؤلؤ والمرجان، وإنما كلمات الرحمن أشرقت بها الروح واستشرف الوجدان، وسما الإنسان حتى غدا أرفع منازل من الملائكة الذين بهم تزدان السموات والأرض، لقد تشوفت الجنان وتزينت وأخذت أهبتها لاستقبال ضيوف الرحمن، وفتحت أبوابها للمتقين الذين أول ثمرات صيامهم: (لعلكم تتقون)
رمضان موسم للعبادة، ليس كمثله موسم. ولئن استعد لاستقبال موسم الحج عدة ملايين، فإنه يستعد لاستقبال رمضان موسم الصيام ألف وخمسمئة مليون من المسلمين.
الشوق يزداد كلما تقاربت أيام وفود الزائر الحبيب، زائر يأتي محملاً بأنفس الهدايا وأغلى الأعطيات، جنة عرضها الأرض والسموات.
شهر الله جاء بعد طول انتظار، شهر القرآن ستشرق أنواره، وتتلألأ لياليه بالوحي والآيات والسجدات والركعات، والتلاوات والدعوات، والخشوع والجماعات، والمساجد الملأى بالعمار ممن آمن بالله واليوم الآخر، رجاء أن يتزودوا لرحلة الإياب إلى الوطن الأول.
أهلاً بالشهر الحبيب، وسهلاً بمن فيه النفوس تزهو وتزكو وتطيب.
لا موسم يعدل هذا الموسم في كل المواسم، نهار صائم وليل قائم وذكْر دائم، شهر من الإقبال على الله، وتلاوة آياته.
شهر من إشراق الروح، شهر من القيام والتهجد والاعتكاف في المساجد، شهر من التزود والشحن بالنفحات والطاقة والعزم والإرادة والسمو والرفعة.
دورة لا أنفع، وموسم للخير لا أجمع، ومتعة للروح لا أمتع، ووالله لو تكلمنا عن رمضان طيلة أيام شهر رمضان، ما وفينا حق شهر رمضان. انصباغ بالعبادة، طيلة هذا الموسم العظيم، وصدق الله: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون)، فمن خرج من هذا الموسم بغير الفردوس فهو مغبون، ومن انتهى الشهر ولم يغفر له فهو المضيع فرصته، ومن لم يزدد من الله قرباً وبه أنساً في هذه الأيام المباركات فمتى مثل هذا يكون؟!
ما جعل الله رمضان إلا للمعاني العظيمة، أن يكون لها العنوان، وللأهداف السامية أن يكون لها الميدان.
فيا طالب المعالي، وصحبة الرسول والصحب الغوالي، فهذه أيام إنجاز هذا المطلب العالي، إياك والتكاسل، إياك والتثاقل، إياك والتغافل، إياك والتشاغل.
إن مثلك أيها العبد الصالح في هذا الموسم الأغر الأزهر العظيم، كمثل مجموعة نزلت في بستان فيه من كل الثمرات، والفواكه والأطايب والخيرات، ثم أعطي كل منهم سلة، ثم قيل لهم: معكم من الزمن ربع ساعة، ثم تقلع العربة لمواصلة الرحلة، فاجمعوا من الفواكه والثمر ما شاءت نفوسكم، وتزودوا لرحلة العمر من هذه المحطة ومن هذا البستان ومن هذه الجنان. أفكنت في هذه الفرصة تعبث أو تضيع دقيقة؟ هذا مثل أقرب لك به صورة الناس في موسم رمضان.
إن للمزارع مواسم، الأمطار للفلاحة، والصيف للحصاد. وللتاجر مواسم: الأعياد حيث يكثر المشترون، والصيف حيث يكثر الوافدون فيكثف نشاطه. وللطالب مواسم: الامتحانات، حيث تتضاعف الجهود. ورمضان موسم العابدين المشرقة أرواحهم بالنور المبين، والتواقة أنفسهم إلى جنات النعيم. ألا فلتتهيأ الأنفس والقلوب والعقول والأرواح لاستقبال الشهر. لا تستقبلوا رمضان بإعداد المأكولات، وإنما استقبلوه بتهيئة الإرادات والتعرض للنفحات والتجليات.
أيها الإنسان، عشت السنة كلها، والجسم المادي يسيطر على كينونتك، والروح تابعة للجسد في انقلاب على السلطة الشرعية. وفي رمضان تعود السلطة إلى الروح، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان، فأطلق الروح ودعها تنطلق في الملكوت، ملكوت السموات والأرض لتكون من الموقنين.
في موسم الروح أطلق لروحك أشواقها، ولتتصل بمصدرها فهي من عالم الغيب، بينما طينتك من هذه الأرض، وأنت وإن كنت تعيش في الأرض لكنك تحلق بأجنحة الروح في الملكوت، وتعيش تستروح روائح الجنة، وتنتظر بدء رحلة العودة.
في هذا الموسم ضع قائمة بأهدافك؛ أعني أهداف رمضان وغاياته، وانظر ما حققت منها في نهاية هذا الموسم، وضع لكل يوم هدفاً من أهداف رمضان تحققه. واعمل لنفسك مراجعة كل يوم، وكل أسبوع، وكل عشرة أيام وفي منتصف الشهر وفي ختام الشهر ونهايته.
ألم تر إلى رحلة الإسراء، حدد الهدف منها في أول سورة الإسراء: (لنريه من آياتنا..) آية 1، وفي سورة النجم أراك أن الهدف تحقق: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) آية 18.
في بدء الموسم ضع حكم الصوم أمام عينيك، في مذكراتك، واجعل لكل يوم حكمته. هذا الركن العظيم مليء بالحكم، نص القرآن على عينة منها لتكون نموذجاً لكن الحكم لا تنتهي، فقال من ضمن أهداف الصوم: (لعلكم تتقون)، (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
ومن ضمن وسائل استقبال رمضان أن تنظف القلب، فالقلب منزل هذا الضيف العزيز، أرأيت ما تصنع ببيتك إذا جاءك ضيف عزيز؟ تب من عاداتك السيئة وأفعالك التي لا تليق بك كمسلم، ارجع عن إطالة اللسان في حق الخلق، وعن غيبتهم وسوء الظن بهم. كفكف من غلواء تعلقك بالمال والدنيا، لِن للخلق وتواضع، وكفكف من عصبيتك الجاهلية وغضبك، والجم نزواتك لتستقبل الزائر الكريم بقلب نظيف سليم، فليس يريد الضيف مقاعدك وأطقم جلوسك. ولكنه يريد أن يأخذ منزله اللائق في قلبك وعقلك وروحك ووجدانك.
وبعد، فأعظم برمضان من موسم للعبادة وتلاوة القرآن والقرب من الرحمن وصيانة الطاقات والملكات، والارتقاء والتأهل لدخول الجنات، وكل رمضان وأنتم بخير.
تفصلنا عن شهر رمضان أيام معدودات،
بعدها يهل علينا كالغيث على الأرض العطشى،
والري على النفوس الظمأى،
وكالربيع للطبيعة تتفتح فيه الأرض زهراً وورداً وتهيج نضرة وثمراً.
أيام ويطل علينا بدر الزمان رمضان،
كالبدر في الليلة الظلماء،
ينتظره الداجون في الظُّلَم،
والمتلهفون للنور.
أيام وتشرق الشمس على الأرواح،
فتتهلل بشْراً وأنساً، وتحلق في الأعالي سمواً وارتقاء.
أيام وتتجدد الذكرى ذكرى بواكير الوحي،
وأول منازل القرآن،
وتنزلات الآيات وتجليات السور.
موسم القلوب يهل عليها،
فتتعافى من كل عللها،
وتعود رفيفة شفيفة رهيفة لطيفة.
الأرض كلها ازينت، وتجلت، وتهللت، واستبشرت، وأشرقت بنور ربها، هذه أيام مباركات نزلت فيها الآيات فرفّت الأرض، وشفّت من كثافتها، فتحولت إلى أثير، وارتفعت وارتقت كأنها قد غدت بالآيات سماء بين السموات. الأرض نور تغشاها الملائكة وهي نور، وتتنزل عليها الآيات وهي نور، وتزكو فيها نفوس البشر بعد أن تجلى عليها كل هذا النور، فتغدو كأنها نفوس جبلت من نور.
رمضان عقد في جيد الزمان حباته ليست من اللؤلؤ والمرجان، وإنما كلمات الرحمن أشرقت بها الروح واستشرف الوجدان، وسما الإنسان حتى غدا أرفع منازل من الملائكة الذين بهم تزدان السموات والأرض، لقد تشوفت الجنان وتزينت وأخذت أهبتها لاستقبال ضيوف الرحمن، وفتحت أبوابها للمتقين الذين أول ثمرات صيامهم: (لعلكم تتقون)
رمضان موسم للعبادة، ليس كمثله موسم. ولئن استعد لاستقبال موسم الحج عدة ملايين، فإنه يستعد لاستقبال رمضان موسم الصيام ألف وخمسمئة مليون من المسلمين.
الشوق يزداد كلما تقاربت أيام وفود الزائر الحبيب، زائر يأتي محملاً بأنفس الهدايا وأغلى الأعطيات، جنة عرضها الأرض والسموات.
شهر الله جاء بعد طول انتظار، شهر القرآن ستشرق أنواره، وتتلألأ لياليه بالوحي والآيات والسجدات والركعات، والتلاوات والدعوات، والخشوع والجماعات، والمساجد الملأى بالعمار ممن آمن بالله واليوم الآخر، رجاء أن يتزودوا لرحلة الإياب إلى الوطن الأول.
أهلاً بالشهر الحبيب، وسهلاً بمن فيه النفوس تزهو وتزكو وتطيب.
لا موسم يعدل هذا الموسم في كل المواسم، نهار صائم وليل قائم وذكْر دائم، شهر من الإقبال على الله، وتلاوة آياته.
شهر من إشراق الروح، شهر من القيام والتهجد والاعتكاف في المساجد، شهر من التزود والشحن بالنفحات والطاقة والعزم والإرادة والسمو والرفعة.
دورة لا أنفع، وموسم للخير لا أجمع، ومتعة للروح لا أمتع، ووالله لو تكلمنا عن رمضان طيلة أيام شهر رمضان، ما وفينا حق شهر رمضان. انصباغ بالعبادة، طيلة هذا الموسم العظيم، وصدق الله: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون)، فمن خرج من هذا الموسم بغير الفردوس فهو مغبون، ومن انتهى الشهر ولم يغفر له فهو المضيع فرصته، ومن لم يزدد من الله قرباً وبه أنساً في هذه الأيام المباركات فمتى مثل هذا يكون؟!
ما جعل الله رمضان إلا للمعاني العظيمة، أن يكون لها العنوان، وللأهداف السامية أن يكون لها الميدان.
فيا طالب المعالي، وصحبة الرسول والصحب الغوالي، فهذه أيام إنجاز هذا المطلب العالي، إياك والتكاسل، إياك والتثاقل، إياك والتغافل، إياك والتشاغل.
إن مثلك أيها العبد الصالح في هذا الموسم الأغر الأزهر العظيم، كمثل مجموعة نزلت في بستان فيه من كل الثمرات، والفواكه والأطايب والخيرات، ثم أعطي كل منهم سلة، ثم قيل لهم: معكم من الزمن ربع ساعة، ثم تقلع العربة لمواصلة الرحلة، فاجمعوا من الفواكه والثمر ما شاءت نفوسكم، وتزودوا لرحلة العمر من هذه المحطة ومن هذا البستان ومن هذه الجنان. أفكنت في هذه الفرصة تعبث أو تضيع دقيقة؟ هذا مثل أقرب لك به صورة الناس في موسم رمضان.
إن للمزارع مواسم، الأمطار للفلاحة، والصيف للحصاد. وللتاجر مواسم: الأعياد حيث يكثر المشترون، والصيف حيث يكثر الوافدون فيكثف نشاطه. وللطالب مواسم: الامتحانات، حيث تتضاعف الجهود. ورمضان موسم العابدين المشرقة أرواحهم بالنور المبين، والتواقة أنفسهم إلى جنات النعيم. ألا فلتتهيأ الأنفس والقلوب والعقول والأرواح لاستقبال الشهر. لا تستقبلوا رمضان بإعداد المأكولات، وإنما استقبلوه بتهيئة الإرادات والتعرض للنفحات والتجليات.
أيها الإنسان، عشت السنة كلها، والجسم المادي يسيطر على كينونتك، والروح تابعة للجسد في انقلاب على السلطة الشرعية. وفي رمضان تعود السلطة إلى الروح، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان، فأطلق الروح ودعها تنطلق في الملكوت، ملكوت السموات والأرض لتكون من الموقنين.
في موسم الروح أطلق لروحك أشواقها، ولتتصل بمصدرها فهي من عالم الغيب، بينما طينتك من هذه الأرض، وأنت وإن كنت تعيش في الأرض لكنك تحلق بأجنحة الروح في الملكوت، وتعيش تستروح روائح الجنة، وتنتظر بدء رحلة العودة.
في هذا الموسم ضع قائمة بأهدافك؛ أعني أهداف رمضان وغاياته، وانظر ما حققت منها في نهاية هذا الموسم، وضع لكل يوم هدفاً من أهداف رمضان تحققه. واعمل لنفسك مراجعة كل يوم، وكل أسبوع، وكل عشرة أيام وفي منتصف الشهر وفي ختام الشهر ونهايته.
ألم تر إلى رحلة الإسراء، حدد الهدف منها في أول سورة الإسراء: (لنريه من آياتنا..) آية 1، وفي سورة النجم أراك أن الهدف تحقق: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) آية 18.
في بدء الموسم ضع حكم الصوم أمام عينيك، في مذكراتك، واجعل لكل يوم حكمته. هذا الركن العظيم مليء بالحكم، نص القرآن على عينة منها لتكون نموذجاً لكن الحكم لا تنتهي، فقال من ضمن أهداف الصوم: (لعلكم تتقون)، (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
ومن ضمن وسائل استقبال رمضان أن تنظف القلب، فالقلب منزل هذا الضيف العزيز، أرأيت ما تصنع ببيتك إذا جاءك ضيف عزيز؟ تب من عاداتك السيئة وأفعالك التي لا تليق بك كمسلم، ارجع عن إطالة اللسان في حق الخلق، وعن غيبتهم وسوء الظن بهم. كفكف من غلواء تعلقك بالمال والدنيا، لِن للخلق وتواضع، وكفكف من عصبيتك الجاهلية وغضبك، والجم نزواتك لتستقبل الزائر الكريم بقلب نظيف سليم، فليس يريد الضيف مقاعدك وأطقم جلوسك. ولكنه يريد أن يأخذ منزله اللائق في قلبك وعقلك وروحك ووجدانك.
وبعد، فأعظم برمضان من موسم للعبادة وتلاوة القرآن والقرب من الرحمن وصيانة الطاقات والملكات، والارتقاء والتأهل لدخول الجنات، وكل رمضان وأنتم بخير.