المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمال فى الانسان


hano11
28-08-2013, 01:40 PM
الجمال في الإنسان


الإنسان... ذلك المخلوق الذي سواه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه.. وأسجد له ملائكته..


إنه عالم من العوالم، وكون من الأكوان.. ما زال العلم يبحث في أرجائه المادية فلم يصل إلى غاية ففي كل يوم كشف جديد، ومعلومات جديدة وكلما تقدم العلم في هذا كشفت له جوانب لم يكن يعلمها.. وأما أرجاؤه النفسية فذلك عالم لم يزل العلم على عتبة لم يلج الباب[1]..


وفي هذه الفقرة، لن نتحدث عن الإنسان تفصيلاً.. وأنى لنا بذلك؟ فهذا يحتاج إلى الكثير الكثير. ولكنا ضمن إطار البحث نقف عند إثبات قصد الجمال في خلق الإنسان. وندع الجوانب الأخرى في الحديث عنه إلى أبوابها...


إن النظرة السريعة في هذا المخلوق - فضلاً عن النظرة الفاحصة - لتقرر جمال هذا المخلوق دون تحفظ.


هذا القوام الفريد، هذا التناسق بين الأعضاء، هذه المرونة في حركة كل عضو... المرونة والتكيّف في حركة الأعضاء بعضها مع بعض.. هذا التناسق في العمل بين العقل والجسد.. والروح.. إنها مؤكدات لا تنتهي..


والقرآن الكريم يتناول الحديث بشأن جمال الإنسان من أكثر من جانب، وما ذاك إلا للدلالة على أهمية هذا المخلوق وللتنويه بتكريمه.


والمرحلة الأولى التي ينطلق منها الجمال هي التسوية التامة للشيء، فعدم الخلل وعدم النقص هو الحد الأدنى في الجمال. ويلفت القرآن النظر إلى هذا بلغة هادئة توقظ الحس وتحفز المشاعر ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾[2]. قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي جعلك سويًا مستقيمًا معتدل القامة منتصبًا على أحسن الهيئات والأشكال".


والتسوية: الوصول بالشيء إلى مرحلة الكمال. ومنه قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾[3] أي أكملت خلقه. ومنه قوله تعالى ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾[4]. قال في صفوة التفاسير: أي خلق المخلوقات جميعها فأتقن خلقها وأبدع صنعها في أجمل الأشكال وأحسن الهيئات.


وإذا كانت هذه التسوية من قِبَل الله فلا بد أن تصل إلى الجمال..

على أن القرآن لا يقف عند هذا الحد في تقرير جمال الإنسان بل يصرح بذلك بما لا يدع مجالاً للريب. وهو هنا - عند الحديث عن الإنسان - لا يكتفي باستعمال لفظ الزينة وما كان في مستواه، كما جرى ذلك إبان الحديث عن جمال السماء... بل يستعمل اللفظ الذي استعمله في القاعدة الكلية[5] "أحسن" ويستعمله في تعبيرين مختلفين:
﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾[6].
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[7].


ونقف عند التعبير الأول ﴿ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾:
ذهب كثير من المفسرين[8] إلى أن الصورة هي الشكل. قال ابن كثير - رحمه الله -: أي: أحسن أشكالكم. وقال القرطبي - رحمه الله -: خلقكم في أحسن صورة، وقال في تفسير سورة الحشر؛ ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل. خلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلق، جعله علقة ثم مضغة ثم جعله صورة، وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها؛ ا.هـ.


نلاحظ من هذا أن الآية تهتم بالشكل الظاهر وهو ما نعبر عنه بالجمال الحسي الذي تكون العين حاسة الإدراك له.


ونلاحظ أيضًا أن الفعل "صوَّر" لم يستعمل في القرآن الكريم إلا في صدد الحديث عن الإنسان، وبأسلوب الخطاب له، من باب المنِّ عليه في هذا الجانب المهم من حياته، في شؤون نفسه وفي تعامله مع ما يحيط به، وهذا مما يؤيد أهمية "الجمال" الذي أحسنه الله في صورة هذا الإنسان ولا أدل على ذلك من تخصيص الله تعالى لهذا الإنسان بأسلوب من الخلق وهو "التصوير"[9].


وأما التعبير الثاني وهو قوله تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ فإن آراء المفسرين لم تتفق على مفهوم التقويم في الآية. على الرغم من عدم الاختلاف في معناها اللغوي: فالتقويم: التعديل والتثقيف[10]. ولكن هذا التعديل والتثقيف متعلق بظاهر الإنسان أم بباطنه؟.


قال القرطبي - رحمه الله -: ﴿ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ في اعتداله واستواء شبابه كذا قال عامة المفسرين. ا.هـ.


وهكذا يذهب في تفسير الآية الكريمة إلى الحسن الظاهر الذي يتناول قوام الإنسان وشكله الظاهر.


ويؤيده في هذا الاتجاه ابن كثير - رحمه الله - حيث قال:
"وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل منتصب القامة سويّ الأعضاء حسنها".


وقال مجاهد - رحمه الله -: ﴿ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾: أحسن صورة وأبدع خلق"[11].


وذهب آخرون إلى أن حسن التقويم هنا يتعلق بالجانب المعنوي للإنسان:
وينقل القرطبي بعض هذه الأقوال:
"وقال أبو بكر بن طاهر: مزينًا بالعقل مؤديًا للأمر مهديًا بالتمييز.. [وقال] ابن عربي: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان. فإن الله خلقه حيًا عالمًا، قادرًا مريدًا متكلمًا سميعًا بصيرًا مديرًا حكيمًا، وهذه صفات الرب سبحانه..".


وإلى هذا المنحى ذهب سيد قطب رحمه الله حين قال: ﴿ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ فطرة واستعدادًا".


وذهب فريق ثالث من المفسرين إلى الجمع بين الاتجاهين السابقين.


جاء في تفسير الثعالبي:
"وحسن التقويم يشمل جميع محاسن الإنسان الظاهرة والباطنة من حسن صورته وانتصاب قامته وكمال عقله وحسن تمييزه".


وإلى هذا الاتجاه ذهب المتأخرون من المفسرين:
جاء في تفسير القاسمي: "في أحسن تعديل خلقًا وشكلاً وصورة ومعنى" وفي صفوة التفاسير: "أي لقد خلقنا جنس الإنسان في أحسن شكل، متصفًا بأجمل وأكمل الصفات، من حسن الصورة وانتصاب القامة وتناسب الأعضاء، مزينًا بالعلم والفهم والعقل والتمييز، والمنطق والأدب".


نلاحظ مما سبق من أقوال المفسرين في الآيتين الكريمتين، أن معنى الحسن والجمال مقصود في خلق هذا الإنسان، في ظاهره وباطنه، وإن كانت الأولى أقرب إلى الحديث عن الظاهر، والثانية يتسع فيها جانب الحديث عن المعنى.


وإذا كان القرآن قد نص على جمال التصوير وجمال الخلق وجمال التقويم فيه فقد كانت التعاليم الواردة في هذا القرآن هي الوسيلة لإنجاز جمال السلوك فيه، وبهذا يصل الإنسان إلى المستوى الكريم المقصود من وجوده حيث يتناسق الجمال فيه بكل معانيه في جانبه الخلقي وجانبه الإرادي.

[1] يقول ألكسيس كاريل في كتابه (الإنسان ذلك المجهول): ".. وبتعلمنا سر تركيب المادة وخواصها استطعنا الظفر بالسيادة تقريباً على كل شيء موجود على ظهر البسيطة فيما عدا أنفسنا".
"وفي الحق لقد بذل الجنس البشري مجهوداً جباراً لكي يعرف نفسه، ولكن بالرغم من أننا نملك كنزاً من الملاحظة التي كدسها العلماء والفلاسفة والشعراء وكبار العلماء الروحانيين في جميع الأزمان، فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من أنفسنا، إننا لا نفهم الإنسان ككل.. إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء مختلفة، وحتى هذه الأجزاء ابتدعتها وسائلنا.. فكل واحد منا مكوّن من موكب من الأشباح، تسير في وسطها حقيقة مجهولة... وواقع الأمر إن جهلنا مطبق".
"... فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة الإنسان ما زال غير كاف وإن معرفتنا بأنفسنا ما زالت بدائية في الغالب" ص 16 - 19.

[2] سورة الانفطار [6 - 7].

[3] سورة الحجر [29].

[4] سورة الأعلى [2].

[5] المقصود بها قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾.

[6] سورة التغابن [3].

[7] سورة التين [4].

[8] ذهب سيد قطب رحمه الله إلى توسيع كلمة صوركم حتى شملت الجانب المعنوي فقال: "﴿ وَصَوَّرَكُمْ.. ﴾ تشعر الإنسان بكرامته على الله، وبفضل الله عليه في تحسين صورته: صورته الخلقية وصورته الشعورية" الظلال ص [3585] سورة التغابن.

[9] كل ما ورد في القرآن الكريم في مادة "صور" هو: كلمة (المصور) اسماً من أسمائه تعالى ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ سورة الحشر [24].
ووردت خطاباً للإنسان في الآيات التالية كما ألمحت إليه أعلاه:
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ غافر [64].
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ التغابن [3].
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ... ﴾ الأعراف [11].
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ آل عمران [6].
﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ﴾ الانفطار [8].
وهكذا لم تستعمل كلمة (التصوير) في حق أي مخلوق آخر في آيات القرآن الكريم.

[10] انظر معجم الألفاظ والأعلام القرآنية. محمد إسماعيل إبراهيم.

[11] عن تفسير الطبري.







رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/58467/#ixzz2dG7OgF6N

روآن ~
28-08-2013, 03:02 PM
وخلقنا الانسان في احسن تقويم :101:



الله يعطيك العاافية :101:
ودي وتحيتي ~

بنت غزة
28-08-2013, 04:47 PM
بارك الله فيك

الف شكر لك ع الشرح الماتع

يعطيك العافية

أحلى من العقد
28-08-2013, 07:48 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ثلجة وردية
30-08-2013, 05:00 PM
طرح رائع
سلمت الايادي ع الانتقاء الرائع
دمت بكل الود.

..

الثقل
31-08-2013, 01:31 AM
الله يعطيك العافيه

عاشقة الجنة
31-08-2013, 03:22 AM
يعطيك العافية عالطرح الرااائع
بارك الله فيك
وجزاك الله خير الجزاء

دانة الكون
31-08-2013, 04:11 AM
الله يعطيك العافيه

worodnon
31-08-2013, 11:42 PM
بارك الله فيك

تواين
18-09-2013, 10:26 PM
يعطيك العافية

انفاس الحياه
10-07-2014, 02:45 AM
الله يعطيك العافيه...

بنت ابوي 2014
14-07-2014, 04:02 AM
يسلموووووووو :101:

Fa.
16-07-2014, 08:01 AM
الله يعطيك العافيه

بنت نايف
16-07-2014, 06:21 PM
الله يعافيك ع الطرح الجيد
شكراً لك :101: ..

GUZA
22-07-2014, 12:41 AM
طرح رائع ومفيد

زرقاء اليمامة
23-07-2014, 12:23 PM
موضوع رائع ومتميز

مسلمة وأفتخر
24-07-2014, 05:42 PM
http://uploads.sedty.com/imagehosting/410440_1363169220.gif

ملوكة
03-08-2014, 02:04 AM
شكرآ جزيلا على الموضوع الرائع و المميز

واصل تالقك معنا فى المنتدى

ملوكة
03-08-2014, 02:04 AM
شكرآ جزيلا على الموضوع الرائع و المميز

واصل تالقك معنا فى المنتدى

خالد محمد__
03-08-2014, 04:33 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

روزا
05-08-2014, 02:09 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .