ابراهيم عثمان
05-03-2014, 10:32 PM
[frame="7 10"]شرط التوبة أولاً : أن يندم على ما فعل ويشعر قلبه بالوجل والخوف من الله ، وأن يقلع عن الذنب فوراً ، لكن يتوب ثم يرجع للذنب ، إن هذا استهزاء بحضرة الربوبية ، لكن عليه أن يقلع فوراً عن الذنب ويعزم عزماً أكيداً أن لا يرجع إلى هذا الذنب مرة أخرى إذا كان هذا الذنب بينه وبين مولاه
أما إذا كان هذا الذنب حقاً من حقوق العباد فلا بد أن يرده إلى صاحبه إن كان مالاً ، وصاحبه حي أو له ورثة فعليه أن يرده له أو لورثته وإن كان لا يعرف أين ذهب ولا يعرف له ورثة فيتصدق عنه ، وإن كان اغتابه في مجلس فلا بد أن يمدحه ويثني عليه في نفس المجلس حتى تُذهب الحسنات السيئات مصداقاً لقول الله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ} هود114
فكل مجلس قدحه وذمّه فيه يسارع إلى مدحه والثناء عليه فيه ، ليكفر هذا الذنب الذي فعله، وكان الإمام الشبلي رضي الله عنه حاكماً لولاية من ولايات العراق ورزقه الله نضرة الصالحين وأسرار المقربين ، وعندما وافته المنية أخذ يبكي بكاءاً شديداً فسألوه لم تبكي؟ قال : والله ما أبكي لذنب فما فعلت ذنباً قط ، قالوا: إذاً لم تبكي؟...قال: لأني أخذت درهماً غصباً من رجل وأنا في ولايتي ، فبحثت عنه سنين فلم أجده ، فتصدقت عنه بألوف ، ولكني أخــاف أن يطالبني صاحب هذا الدرهم بدرهمه يوم القيامة
وهذه هي أحوال العارفين ، فهل تريد أن تكون من الصالحين و العارفين ، وأنت تأكل حقوق العباد والمساكين هنا وهناك؟ لا يجوز هذا يا إخواني، ولكن يجب أن نمشي خلف رسول الله فإن الحَبيب صلى الله عليه وسلم بذاته وقف قبل المعركة بين أهله وأحبابه وأتباعه وقال لهم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِني قَدْ دَنَا مِني حُتُوفٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَاً فَهذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني ، أَلاَ وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضَاً فَهٰذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً ، هذَا مَالِي لِيَسْتَقِدْ مِني}[1]
إذا كان رسول الله الأعظم صلى الله عليه وسلم والذي كان يقول في حديثه الآخر { اللهم إني أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفْنِيهِ إنَّما أنا بَشَرٌ فأيُّ المؤمِنِينَ آذيْتُهُ أوْ شَتَمْتُهُ أوْ جَلَدْتُهُ أوْ لَعَنْتُهُ فاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ}[2]
ودعاؤه مستجاب ومع ذلك يطلب من إخوانه أن يتحلل وأن يحللوه وأن يسامحوه فما بالنا نحن؟ إن الإقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم في ذلك أوجب علينا لأن حقوق العباد شرط لمحبة رب العباد عز وجل {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة222
وما قلناه الآن هو تفسير الصالحين وهو التفسير الذي ارتضاه الإمام أبو العزائم لقول الله {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} الفرقان70
ما تفسيرهم لهذه الآية؟ هو كل ما قلناه الآن ، فكل سيئة يرجو المرء غفرانها فعليه أن يعمل الحسنة التي بها يتم غفران الله له ، وذلك كما قلنا فإذا اغتاب رجلا في مجلس فعليه أن يثني عليه ويمدحه في نفس المجلس ، ولا يكون ذلك كما يفهم البعض أن يبدل الله السيئات بحسنات دون أن يرد حقوق العباد، فهذا لا يكون ولكن عليه إذا أخذ حقاً من إنسان أن يرد هذا الحق لهذا الإنسان لكي يبدل الله سيئاته بحسنات ، وإذا شتم عبداً يطلب منه أن يصفح عنه وأن يعفو عنه ويسامحه
فعلى الإنسان عند كل ذنب يريد أن يتوب منه أن يحدث له عملا صالح يجعل الله يعفو عن هذا الذنب فيبدل الله سيئاتهم حسنات، لأن البعض يفهم خطأ أن الله يأتي بالصحيفة إذا كان فيها مثلا خمسمائة سيئة يبدلها بخمسمائة حسنة، كيف يكون ذلك؟ لكن أنت الذي تغير {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد11
فإذا أغضبت واحداً واشتكى لحضرة الواحد وتبت وأنبت إلى الله وحججت بيت الله لكنك لم تصلح هذا العبد ولم ترجع إليه ليسامحك ، كيف يبدل الله هذا الذنب بحسنة وهو مصر على حقه؟ لا بد أن تعمل له حسنة تجعله يصالحك ويسامحك والله ينظر إليك فيبدل الذنب بحسنات، لأنك فعلت الحسنات التي بها يتم غفران هذا الذنب عند الله
وعندما يلاحظ التوابون هذه المعاني يلاحظ الواحد منهم نفسه وحركاته وسكناته ، فيعقل كلماته ويقنن أفعاله وحركاته حتى لا يقول كلاماً يغضب الأنام فيتحير في هذا الأمر في الدنيا ويوم الزحام ، ولا يفعل فعلاً لا يستطيع رده ولا مراجعته ، ما الذي يجعل الصالحين يمشون على الصراط المستقيم ؟ أن الرجل منهم يحاسب نفسه على الأقوال وعلى الأفعال وعلى النوايا وعلى الطوايا لأنه إذا استحدث نية سيئة فهذا ذنب ولكي يتوب إلى الله من هذا الذنب {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} البقرة284
فلا بد أن يستحدث نية طيبة لكي يغفر الله النية السيئة الأولى بالنية الطيبة ، وهذا هو حال الصالحين لكن هل بمجرد أن يقول تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت تتم التوبة؟ لا ، ولكنها تتم عندما يكون ملف أعماله خالي من أي قضية أو جنحة أو جناية أو ما شابه ذلك
والمؤمنون الصادقون يحاولون دائماً أن يغيروا ما بأنفسهم ، ولذلك إذا نظرت إلى مجاهدات الصالحين تجد فيه العجب العجاب ، لماذا؟ لأنهم يجاهدون في مراجعة الذنوب والعيوب ويحاولون أن يفعلوا الأحكام والأفعال التي يستوجبون بها رضى علام الغيوب عز وجل فيحكموا على أنفسهم بهذه الأعمال لكي يستوجبوا رضا الواحد المتعال عز وجل
وكذلك لكي أتجمل بأحوال الصالحين لا بد على الفور أن أترك أحوال الجاهلين والبطالين والعصاة والمذنبين والغافلين جملة واحدة واقبل على الله بالكلية ، فالعبد الذي يريد أن يحبه الله عليه أن يحاسب نفسه أولاً ويتوب من الذنوب ثم يطهر نفسه من العيوب ويجمل نفسه بجمال الحبيب المحبوب ومن ينظر لعيوبه فلن ينظر لعيوب غيره: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" ويقيس نفسه بالحبيب
ولذلك فلن يجلس في أي مجلس ويفتش في عيوب إخوانه ، ويقول الإمام أبو العزائم في ذلك: "تبصرك فيما فيك يكفيك" فإذا تاب من العيوب ، وتجمل بجمال الحبيب المحبوب، يحاسب نفسه على الغفلات ، واللحظة التي تمر عليه وهو في غفلة يحاسب نفسه عليها حساباً شديداً ثم يحاسب نفسه على الخطرات ، والخاطر الذي يمر بغير ذكر الله ، يقول فيه ابن الفارض رضي الله عنه :
وإن خطرت لي في سواك إرادة على خاطري نفساً حكمت بردتي
والردة هنا معناها : أن يرجع مرة أخرى لأول الطريق ، فشتان بين مريد يتوب من زلاته ، وبين مريد يتوب من رؤية التقصير في طاعاته ، وبين مريد يتوب من نسبة الطاعات إلى ذاته، وبين مريد يتوب من غفلاته ، ومريد يتوب من خطراته ، وكل هذه اسمها توبة لكن هذه غير هذه
{1} جامع الأحاديث و المراسيل، وَالأَوْسط بنحوِهِ ، وَأَبُو يعلٰى بنَحْوِهِ عَنِ الْفضل بن عبَّاس رَضِيَ الله عَنْهُمَا وإكماله {لاَ يَقُولَنَّ رَجُلٌ إِني أَخْشٰى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ الله ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي وَلاَ مِنْ شَأْنِي ، أَلاَ وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ ، أَوْ أَحْلَلَنِي فَلَقِيتُ الله وَأَنَا طَيبُ النَّفْسِ ، أَلاَ وَإِني لاَ أَرٰى مُغْنِيَاً عَني حَتىٰ أَقُولَ مِرَارَاً ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ ، وَلاَ يَقُلْ فُضُوحُ الدُّنْيَا ، أَلاَ وَإِنَّ فُضوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآْخِرَةِ
{2} مسند الإمام أحمد عن هَمّام بن منبِّه قال: هٰذا ما حدثنا به أبو هريرة
أما إذا كان هذا الذنب حقاً من حقوق العباد فلا بد أن يرده إلى صاحبه إن كان مالاً ، وصاحبه حي أو له ورثة فعليه أن يرده له أو لورثته وإن كان لا يعرف أين ذهب ولا يعرف له ورثة فيتصدق عنه ، وإن كان اغتابه في مجلس فلا بد أن يمدحه ويثني عليه في نفس المجلس حتى تُذهب الحسنات السيئات مصداقاً لقول الله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ} هود114
فكل مجلس قدحه وذمّه فيه يسارع إلى مدحه والثناء عليه فيه ، ليكفر هذا الذنب الذي فعله، وكان الإمام الشبلي رضي الله عنه حاكماً لولاية من ولايات العراق ورزقه الله نضرة الصالحين وأسرار المقربين ، وعندما وافته المنية أخذ يبكي بكاءاً شديداً فسألوه لم تبكي؟ قال : والله ما أبكي لذنب فما فعلت ذنباً قط ، قالوا: إذاً لم تبكي؟...قال: لأني أخذت درهماً غصباً من رجل وأنا في ولايتي ، فبحثت عنه سنين فلم أجده ، فتصدقت عنه بألوف ، ولكني أخــاف أن يطالبني صاحب هذا الدرهم بدرهمه يوم القيامة
وهذه هي أحوال العارفين ، فهل تريد أن تكون من الصالحين و العارفين ، وأنت تأكل حقوق العباد والمساكين هنا وهناك؟ لا يجوز هذا يا إخواني، ولكن يجب أن نمشي خلف رسول الله فإن الحَبيب صلى الله عليه وسلم بذاته وقف قبل المعركة بين أهله وأحبابه وأتباعه وقال لهم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِني قَدْ دَنَا مِني حُتُوفٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَاً فَهذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني ، أَلاَ وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضَاً فَهٰذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً ، هذَا مَالِي لِيَسْتَقِدْ مِني}[1]
إذا كان رسول الله الأعظم صلى الله عليه وسلم والذي كان يقول في حديثه الآخر { اللهم إني أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفْنِيهِ إنَّما أنا بَشَرٌ فأيُّ المؤمِنِينَ آذيْتُهُ أوْ شَتَمْتُهُ أوْ جَلَدْتُهُ أوْ لَعَنْتُهُ فاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ}[2]
ودعاؤه مستجاب ومع ذلك يطلب من إخوانه أن يتحلل وأن يحللوه وأن يسامحوه فما بالنا نحن؟ إن الإقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم في ذلك أوجب علينا لأن حقوق العباد شرط لمحبة رب العباد عز وجل {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة222
وما قلناه الآن هو تفسير الصالحين وهو التفسير الذي ارتضاه الإمام أبو العزائم لقول الله {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} الفرقان70
ما تفسيرهم لهذه الآية؟ هو كل ما قلناه الآن ، فكل سيئة يرجو المرء غفرانها فعليه أن يعمل الحسنة التي بها يتم غفران الله له ، وذلك كما قلنا فإذا اغتاب رجلا في مجلس فعليه أن يثني عليه ويمدحه في نفس المجلس ، ولا يكون ذلك كما يفهم البعض أن يبدل الله السيئات بحسنات دون أن يرد حقوق العباد، فهذا لا يكون ولكن عليه إذا أخذ حقاً من إنسان أن يرد هذا الحق لهذا الإنسان لكي يبدل الله سيئاته بحسنات ، وإذا شتم عبداً يطلب منه أن يصفح عنه وأن يعفو عنه ويسامحه
فعلى الإنسان عند كل ذنب يريد أن يتوب منه أن يحدث له عملا صالح يجعل الله يعفو عن هذا الذنب فيبدل الله سيئاتهم حسنات، لأن البعض يفهم خطأ أن الله يأتي بالصحيفة إذا كان فيها مثلا خمسمائة سيئة يبدلها بخمسمائة حسنة، كيف يكون ذلك؟ لكن أنت الذي تغير {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد11
فإذا أغضبت واحداً واشتكى لحضرة الواحد وتبت وأنبت إلى الله وحججت بيت الله لكنك لم تصلح هذا العبد ولم ترجع إليه ليسامحك ، كيف يبدل الله هذا الذنب بحسنة وهو مصر على حقه؟ لا بد أن تعمل له حسنة تجعله يصالحك ويسامحك والله ينظر إليك فيبدل الذنب بحسنات، لأنك فعلت الحسنات التي بها يتم غفران هذا الذنب عند الله
وعندما يلاحظ التوابون هذه المعاني يلاحظ الواحد منهم نفسه وحركاته وسكناته ، فيعقل كلماته ويقنن أفعاله وحركاته حتى لا يقول كلاماً يغضب الأنام فيتحير في هذا الأمر في الدنيا ويوم الزحام ، ولا يفعل فعلاً لا يستطيع رده ولا مراجعته ، ما الذي يجعل الصالحين يمشون على الصراط المستقيم ؟ أن الرجل منهم يحاسب نفسه على الأقوال وعلى الأفعال وعلى النوايا وعلى الطوايا لأنه إذا استحدث نية سيئة فهذا ذنب ولكي يتوب إلى الله من هذا الذنب {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} البقرة284
فلا بد أن يستحدث نية طيبة لكي يغفر الله النية السيئة الأولى بالنية الطيبة ، وهذا هو حال الصالحين لكن هل بمجرد أن يقول تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت تتم التوبة؟ لا ، ولكنها تتم عندما يكون ملف أعماله خالي من أي قضية أو جنحة أو جناية أو ما شابه ذلك
والمؤمنون الصادقون يحاولون دائماً أن يغيروا ما بأنفسهم ، ولذلك إذا نظرت إلى مجاهدات الصالحين تجد فيه العجب العجاب ، لماذا؟ لأنهم يجاهدون في مراجعة الذنوب والعيوب ويحاولون أن يفعلوا الأحكام والأفعال التي يستوجبون بها رضى علام الغيوب عز وجل فيحكموا على أنفسهم بهذه الأعمال لكي يستوجبوا رضا الواحد المتعال عز وجل
وكذلك لكي أتجمل بأحوال الصالحين لا بد على الفور أن أترك أحوال الجاهلين والبطالين والعصاة والمذنبين والغافلين جملة واحدة واقبل على الله بالكلية ، فالعبد الذي يريد أن يحبه الله عليه أن يحاسب نفسه أولاً ويتوب من الذنوب ثم يطهر نفسه من العيوب ويجمل نفسه بجمال الحبيب المحبوب ومن ينظر لعيوبه فلن ينظر لعيوب غيره: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" ويقيس نفسه بالحبيب
ولذلك فلن يجلس في أي مجلس ويفتش في عيوب إخوانه ، ويقول الإمام أبو العزائم في ذلك: "تبصرك فيما فيك يكفيك" فإذا تاب من العيوب ، وتجمل بجمال الحبيب المحبوب، يحاسب نفسه على الغفلات ، واللحظة التي تمر عليه وهو في غفلة يحاسب نفسه عليها حساباً شديداً ثم يحاسب نفسه على الخطرات ، والخاطر الذي يمر بغير ذكر الله ، يقول فيه ابن الفارض رضي الله عنه :
وإن خطرت لي في سواك إرادة على خاطري نفساً حكمت بردتي
والردة هنا معناها : أن يرجع مرة أخرى لأول الطريق ، فشتان بين مريد يتوب من زلاته ، وبين مريد يتوب من رؤية التقصير في طاعاته ، وبين مريد يتوب من نسبة الطاعات إلى ذاته، وبين مريد يتوب من غفلاته ، ومريد يتوب من خطراته ، وكل هذه اسمها توبة لكن هذه غير هذه
{1} جامع الأحاديث و المراسيل، وَالأَوْسط بنحوِهِ ، وَأَبُو يعلٰى بنَحْوِهِ عَنِ الْفضل بن عبَّاس رَضِيَ الله عَنْهُمَا وإكماله {لاَ يَقُولَنَّ رَجُلٌ إِني أَخْشٰى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ الله ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي وَلاَ مِنْ شَأْنِي ، أَلاَ وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ ، أَوْ أَحْلَلَنِي فَلَقِيتُ الله وَأَنَا طَيبُ النَّفْسِ ، أَلاَ وَإِني لاَ أَرٰى مُغْنِيَاً عَني حَتىٰ أَقُولَ مِرَارَاً ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ ، وَلاَ يَقُلْ فُضُوحُ الدُّنْيَا ، أَلاَ وَإِنَّ فُضوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآْخِرَةِ
{2} مسند الإمام أحمد عن هَمّام بن منبِّه قال: هٰذا ما حدثنا به أبو هريرة