المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تكوين الأسرة


رباب
05-02-2015, 09:31 PM
تكوين الأسرة


بسم الله الرحمن الرحيم




تـكـوين الأسـرة

التربية الأسرية في ضوء سورة النساء








إن الزواج سنة من سنن الله عز وجل الاجتماعية؛ لذا حث الإسلام عليه، ورغب فيه أشد الترغيب، وأوجبه في حال القدرة، واعتبره من سنن المرسلين.

قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38].

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طَوْل فلينكِح، ومن لم يجد فعليه بالصيام؛ فإن الصوم له وجاء))؛ (ابن ماجه، د.ت، جـ2، ص592).

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة حق على الله أن يعينهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعفَّ، والمكاتَب يريد الأداء))، هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (الحاكم، 1411، جـ2، ص217).

فحَثُّ الإسلام على النكاح لا يرجع فقط إلى أنه أساس بناء الأسرة، وأساس العلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة، بل يرجع إلى أنه خير سبيل لتنظيم وتهذيب أعتى غرائز الإنسان وأقواها دفعًا له، ألا وهي غريزة الجنس، فلو لم تنظم هذه الغريزة لساوى الإنسان الحيوان في بهيميَّته، وتفككت لديه روابط التعاون والألفة والمودة والرحمة مع كل قريبة في أسرته، ورفيقة في مجتمعه.

ومِن ثَم فإن التصور المبدئي لتكوين الأسرة يجعلنا ننظر إلى الأسرة أفرادًا يتكونون من الزوجين والآباء والأمهات والأرحام والأولاد.

وسوف يكون التركيز في هذا البحث على هذه الصورة التي أقرها الإسلام للأسرة، وحرَص على أن يعطي كل فرد فيها من أفرادها الحقوق التي له، ويلزمه بالواجبات التي يقوم عليها البناء الصحيح للأسرة.

ولنبدأ بالأهم فالذي يليه في الأهمية في تكوين الأسرة:
أولاً: الزوج:
إن الإسلام طالب الرجل إذا بلغ حدًّا يستطيع فيه تحمل أعباء الزواج أن يتزوج، وكرِه له العزوبة؛ لذا رغَّب فيه، وزجر كل مسلك ينافيه، سواء أكان انحرافًا بالغريزة، أم تعطيلاً لها عن أداء وظائفِها الاجتماعية التي ناطها المولى سبحانه وتعالى بها.

والإسلام أوجب على الأب إذا كان ذا قدرة ويسار أن يزوج ابنَه، وأن يعينَه على بناء أسرة جديدة وبيت جديد.

عن أبي سعيد وابن عباس رضي الله عنهما، قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن وُلد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثمًا فإنما إثمه على أبيه))؛ (سكت عنه الألباني ولم يخرجه، التبريزي، 1405هـ، جـ 2، ص 939).

ولقد أكد الإسلام أن الزواج سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يستطيع مسلم أن يحيد عنها، وجعل اتِّباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم دليلَ محبته سبحانه وتعالى.

روى البخاري حديث ثلاثة رهط جاؤوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألونهم عن عبادته، وتعاهدوا على أمور هي كما يلي في الحديث: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد بن أبي حميد الطويل، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))؛ (البخاري، د.ت، جـ7، ص2).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طَوْل فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام؛ فإن الصوم له وجاء))؛ (ابن ماجه، د.ت، جـ1، ص592).

والإسلام يدعو الشباب إلى أن يتزوجوا ليكونوا آباء ذوي ذرية؛ لأن الزواج والذرية من دواعي سرور الإنسان وسعادته في الدنيا.

عن علقمة قال: كنت مع عبدالله فلقيه عثمان بمنًى، فقال: يا أبا عبدالرحمن، إن لي إليك حاجةً، فَخَلَوَا، فقال عثمان رضي الله عنه: هل لك يا أبا عبدالرحمن في أن نزوجك بِكرًا تذكرك ما كنت تَعْهَدُ؟ فلما رأى عبدالله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إليَّ، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))؛ (البخاري، د.ت، جـ7، 3).

إن في الأحاديث أمرًا صريحًا من النبي صلى الله عليه وسلم لكل قادر على أعباء الزواج أن يتزوج ويُكوِّن أسرة، وأعباء الزواج هي الباءة، وهي القدرة على الحياة الزوجية، وعلى النفقة، وعلى تحمل المسؤولية.

ويوجه النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يود أن يتزوج أن يكون متصفًا بصفات مهمة، وهي: أن يكون ذا دين وخُلق وأمانة، وإلا تحاشته الأُسر التي يريد أن يتزوج منها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب إليكم من ترضَون دِينه وخُلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))؛ (الترمذي، د.ت، جـ3، ص 394).

وصفة الدين أن يكون ملتزمًا بآداب الدين الإسلامي في أقواله وأعماله، ومظهره ومخبره، وانتمائه واعتزازه بدينه وولائه لله وللرسول وللمؤمنين.

وصفة الخلق أن يتحلى بالفضائل التي يدعو إليها الإسلام، وأن يتخلى عن الرذائل التي نهى عنها الإسلام، وأجمع ما تكون عليه الأخلاق الفاضلة في أحد إذا كان صاحبها متمثلاً بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان خلقه القرآن الكريم.

عن سعد بن هشام بن عامر قال: أتيت عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قـالت: كان خلقه القرآن، أمَا تقرأ القرآن قول الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؟ قلت: فإني أريد أن أتبتل، قالت: لا تفعل، أمَا تقرأ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]؟ فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وُلِدَ له))؛ (ابن حنبل، د.ت، جـ6، ص91).

وبتحقيق مفردات منهج التربية الإسلامية في اختيار الزوج تتحقق الحياة الأسرية السعيدة، والرجل عندما يتزوج تقع عليه مسؤولية كبيرة، هي: رعاية البيت، والقيام على شؤونه.

عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ (البخاري، د.ت، جـ9، ص77).

فالإسلام يلقي على الرجل مسؤولية رعاية أهل البيت، وهذه المسؤولية تلقي عليه تبعات مادية وأدبية داخل البيت وخارجه، ففي خارج البيت عليه السعي ليسد حاجته من طريقٍ شريف حلال؛ حتى يضمن الحياة الكريمة لأسرته، وفي داخل البيت عليه أن يقوم بالتوجيه والإرشاد، والتقويم والإشراف على جميع أفراد أسرته؛ حتى يلتزم الجميع بتعاليم الإسلام بكل جدية وصدق، وبهذا الالتزام يسعد أفراد الأسرة، ولا تتم هذه السعادة إلا بقدوة حسنة؛ (الجوهري، 1409هـ، ص159).

فالأب هو القدوة، إذا التزم بتعاليم الإسلام تبعته الرعية، وأصبح الأولاد يقلدونه، وإن دل ذلك إنما يدل على محبة الأولاد لآبائهم؛ إذ تعتبر القدوة إحدى وسائل التربية الإسلامية وأهمها.

ثانيًا: الزوجة:
هي الطرف الثاني في تكوين الأسرة؛ لذلك دقق الإسلام في اختيار الزوجة، ووضع أمام الرجل معيارًا دقيقًا يختار على أساسه زوجته.

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))؛ (السجستاني، د.ت، جـ2، ص219).

لذا على العاقل أن يختار زوجته ولا ينبهر بجمالها ومالها إذا لم يكن مع ذلك دين يزين الجمال والمال، ويوجهها نحو الأحسن، وإلى رضا الله سبحانه؛ فإن الجمال بدون دين يكون فتنة وبلاء، والمال بغير دين فتنةٌ وهلاك؛ لذا فالعاقل عليه أن يختار عند المقارنة بين ذات الدين بغير جمال أو جمال بغير دين فإنه يختار الدين على الجمال، وكذلك الحال مع المال.

فعلى الشباب الـراغبين في الزواج أن يتأكدوا من هذه الحقائق؛ لأن العبرة في الحياة الزوجية، وما تتطلبه في المرأة من أمانة وحسن عِشرة وحسن رعاية للزوج والبيت والولد والمال، فالحياة الزوجية تحتاج إلى الزوجة ذات الدين أولاً قبل كل شيء، ويكون الجمال والمال مرتبة تالية، فإن كان مع الدين جمال أو مال أو كلاهما فهو فضلٌ مِن الله ونعمة يؤتيها من يشاء.

"فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى ذات الدين، واعتبر العثور عليها ظفَرًا؛ لما سيجنيه الظافر بها من سعادة للنفس، واستقرار في العيش، وتنشئة طيبة للذرية" (يوسف، 1409هـ، ص19).

و"اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البُغية، وقد وقع في حديث عبدالله بن عمرو عند ابن ماجه - رَفَعَه -: ((لا تزوجوا النساء لحُسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن - أي: يهلكهن -، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين))" (ابن حجر، د.ت، جـ 9، ص38).

بيد أن الكثير من الشباب في الآونة الأخيرة قد أصبح يحرص كل الحرص على الجمال فقط، أو المال فقط، بصرف النظر عن أيَّة اعتبارات أخرى، لدرجة أن حرصه هذا يعميه عما ينبغي له أن يلتزم به من صفات في اختيار الزوجة.

فالزوجة الصالحة هي روح البيت، إليها تسكن النفس، وبها تنتظم الحياة؛ إذ تقوم بتنظيم البيت وتربية الأولاد، وتنشئتهم على الفضيلة والحـق والخير، وإن في أمانتها استقرار الحياة، وفي عفتها طمأنينة الزوج، وفي فضيلتها نجابة الأولاد وصلاحهم، وفي جمالها ونظافتها زينة الحياة والمتاع الحلال.

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة))؛ (ابن حنبل، د.ت، جـ 2، ص168).

والزواج عبادة يستكمل بها الإنسان نصف دينه، ويلقى ربه على أحسن حال، والمرأة الصالحة تعينه على شَطْر دينه.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتقِ الله في الشطر الثاني))؛ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعبدالرحمن هذا هو ابن زيد بن عقبة الأزرق، مدني ثقة مأمون (الحاكم، 1411هـ، جـ 2، ص161).

وخير النساء هي الزوجة المطيعة لزوجها، والتي لا تخالفه في أمر من نفسها ومالها بما يكره.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّ النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره))؛ (النسائي، د.ت، جـ 5، ص68).

وعلى الرجل أن يختار الزوجة من السلالة السليمة عقلاً وجسمًا؛ حتى يكتسب الأولادُ صفات وراثية قوية.

عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأَكْفَاءَ، وأنكحوا إليهم))؛ (حديث صحيح الإسناد، الحاكم، 1411هـ، جـ 2، ص163).

على الرجل أن يتزوج المرأة الودود الولود، وجاء النهي عن تزوج العقيم حتى لو كانت جميلة؛ لِما في ذلك من تكثير الأمة التكاثر القوي الذي تستطيع به تطوير مجتمعها، ودعم تقدمها، وجهاد أعدائها، والذي تستأهل معه مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بها يوم القيامة.

عن معقل بن يسار قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إني أصبت امرأةً ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم))[1]؛ (السجستاني، د.ت، جـ، ص 220).

وحتى تستمر الحياة الزوجية، وتكون أحسن ما تكون، وأقدر ما تكون على تكوين الأجيال المسلمة الصالحة، حدد الإسلام واجبات كل من الزوجين نحو الآخر، وأوضح حقوقه، وألزم بها كل فرد من أفراد الأسرة؛ حتى يضمن لهذه الأسرة أن تعيش الحياة الإنسانية في ظل منهج الإسلام ونظامه.

والزواج موثق عظيم يتضمن حقوقًا وواجبات، ويتضمن أخلاقيات بعينها والتزامات بذاتها؛ ولهذا كان لا بد من الإشهار والإشهاد عليه وإعلانه؛ فإشهار الزواج هو واجب شرعي ينفي عن الرجل والمرأة شبهة الريبة.

ومن مكانة المرأة في الأسرة المسلمة، وقوامة الرجل عليها، أن تكفل تنشئة أجيال متأدبة بـآداب الإسلام، ملتزمة بسلوكه ومنهجـه، ذلك هو الذي يحقق الراحة النفسية والروحية والـعقلية والبدنية والاجتماعية لهـؤلاء الناشئين، ويطبعهم بطابع الرغبة، بل السعادة بأداء الواجب، ويجعلهم أعضاء نافعين يسهمون في بناء مجتمع مسلم سعيد.

فعلى المرأة أن تتعلم ما ينفعها في الحياة الأسرية؛ حتى ينشأ أولادها تنشئة صالحة خَيِّرة، فتتعلم كيفية العناية بنفسها أثناء حملها، والعناية بأولادها الصغار في مرحلة الرضاعة، وتتعلم ما تحتاج إليه من خصائص الأولاد في الطفولة المبكرة، وتتعلم ما تحتاج إليه من خصائص الأولاد في الطفولة المتأخرة، وتتعلم ما تحتاج إليه من خصائص الأولاد في المراهقة، والعوامل التي تساعدها على تربية أولادها تربية صالحة.

ثالثًا: الآباء الأعلَوْن والأمهات (الأجداد والجدات):
إن الإسلام لم يقصر غايته على الأب والأم المباشرين اللذين هما عماد الأسرة وأساسها، بل تضمَّن منهجه العناية بكل أب وإن علا (الجد)، وبكل أم وإن علت (الجدة)، فهؤلاء جميعًا بمنزلة الأبوين المباشرين؛ دعمًا للأواصر، واعترافًا بـحقوق الأبوة والأمومة على كل الأجيـال وإن نزلت (الأولاد والحفـدة)؛ لذلك طـالب الإسلام ببر كل أب وكل أم، والإحسان إليهما، بل قَرَن ذلك بعبادة الله.

قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

فالآية طالبت الأولاد بالإحسان إلى الوالدين، وينطبق ذلك على الأجداد والجدات، فهم آباء وأمهات على وجه الحقيقة، لا جدال في ذلك.

"وقـال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير: الـجد أب، وقـرأ ابن عباس: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الأعراف: 26]، ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ [يوسف: 38]، ولم يذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون"؛ (البخاري، د.ت، جـ 8، ص188).

والسنة النبوية طالبت ببر الوالدين، وأعطت لهم حقوقًا، فمن حق الوالدين أن يأكل كل واحد من مال ولده، ويعتبر كسبًا طيبًا.

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أطيبَ ما أكل الرجل من كَسْبِه، وإن ولده من كَسْبِه))[2]؛ (ابن ماجه، د.ت، جـ 2، ص723).

ومن حق الوالد على أولاده أن يعتقوه إذا وجدوه مملوكًا؛ إذ يعتبر من قبيل رد الجميل؛ إذ لن يستطيعوا مجازاة الوالدين لفضلهما، وعظم قدرهما.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجزي ولد والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه))، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث سهيل بن أبي صالح، وقـد روى سفيان الثـوري وغير واحد عن سهيل بن أبي صالح هذا الحديث[3] (الترمذي، د.ت، جـ 4، ص 278).

وكل بر طالب الإسلام الولد به نحو أبيه وأمه فهو مطالب به نحو آبائه الأعلَيْنَ (الأجداد)، والأمهات العلويات (الجدات).

والأجداد والجدات لهم حق الآباء والأمهات، سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم؛ إذ الفرق بينهما في الميراث، أما في البر والصلة والطاعة والإحسان إلى الصديق في حياتهم وبعد موتهم، فهم فيه سواء.

عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أبر البر أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه))[4]؛ (البخاري، 1980م، ص 15).

فمنهج التربية الإسلامية واضح وصـريح في إرساء قواعد بر الآباء والأمهات، وتـوضيح معالمه؛ لنيل رضا الله وطاعته، وتحقيق خيري الدنيا والآخرة للأولاد.

رابعًا: الأرحام:
إن الأسرة في الإسلام بناء كبير، ومظلة واسعة، وشجرة كبيرة وارفـة الظلال، يستظل بها الأرحام والأقارب جميعًا؛ لذلك أقر الإسلام لهم حقوقًا كثيرة؛ فأقرب الأقرباء: الأعمام والأخوال والعمات والخالات؛ إذ يعتبرون هم الأقرب من جهة الأب والأم، وهم بمنزلة الآباء والأمهات، فالأعمام والأخوال بمنزلة الأب، والعمات والخالات بمنزلة الأم، وقد تنـزل العمات منـزلة الأب.

عن علي رضي الله عنه قال: لما خرجنا من مكة اتبعتنا ابنة حمزة تنادي: يا عم، ويا عم، قال: فتناولتها بيدها فدفعتها إلى فاطمة رضي الله عنها، فقلت: دونك ابنة عمك، قال: فلما قدمنا المدينة اختصمنا فيها أنا وجعفر وزيد بن حارثة، فقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي - يعني: أسماء بنت عميس -، وقال زيد: ابنةُ أخي، وقلت: أنا أخذتُها وهي ابنة عمي، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما أنت يا جعفر فأشبهت خَلْقي وخُلُقي، وأما أنت يا علي فمني وأنا منك، وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا، والجارية عند خالتها؛ فإن الخالة والدة))، قلت: يا رسول الله، ألا تَزَوَّجُها؟ قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة))؛ (حديث صحيح، البيهقي، 1354هـ، جـ8، ص6).

عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في العباس: ((إن عم الرجل صِنْوُ أبيه))، وكان عمر تكلم في صدقته[5]؛ (البيهقي، د.ت، جـ 8، ص6).

عن مسروق، عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخالة بمنزلة الأم، والعمة بمنزلة الأب، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل رحم بمنزلة رحمه التي يُدْلِي بها، إذا لم يكن وارث ذو قرابة))؛ (حديث صحيح، البيهقي، 1354هـ، جـ6ص217).

عن ابن عمر، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي توبة؟ قال: ((هل لك من أم؟)) قال: لا، قال: ((هل لك من خالة؟)) قال: نعم، قال: ((فبَرَّها))، وفي الباب عن علي والبراء بن عازب، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن سوقة، عن أبي بكر بن حفص، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكر فيه: عن ابن عمر، وهذا أصحُّ من حديث أبي معاوية، وأبو بكر بن حفص هو ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص[6]؛ (الترمذي، د.ت، جـ 4، ص 277).

فالمنهج الإسلامي يوضح منزلة كلٍّ من الأعمام والأخوال والخالات والعمات؛ إذ اعتبرهم بمنزلة الأب والأم.

والتربية الإسلامية تربي أفراد المجتمع على أن يقوم كل فرد بما عليه من حقوق؛ حتى يضمن بقاء الأسرة، وتقوم صلة الأرحام؛ فقد رغب فيها الإسلام، وجعل لها من الثواب العظيم، وحذر من قطع الأرحام، وجعل عقاب من قطع رحمه عدم دخول الجنة، وإن كانت ريحها توجد من مسيرة ألف عام، وما ذلك إلا لتتواصل الأرحام بعضها ببعض.

خامسًا: الأولاد:
لقد حرَص الإسلام على بر الوالدين والأجداد والجدات؛ لذا فإنه يحرص على أن يمتد احترام الصغير للكبير، ورحمة الكبير بالصغير، ويوجب على الصغير والصغيرة احترام الكبير من الإخوة والأخوات حقًّا كحق الوالد والوالدة أو قريبًا منه؛ إذ يجب على الكبير أن يراعي أخاه الصغير كما لو كان الولد له، وكذلك يجب على الأخت الكبيرة رعاية الإخوة الصغار، وهذا حال وجود الوالدين، فما الحال في حال الموت؟

السنَّة المطهرة ورد بها ما يحافظ على دعم أواصر المحبة والألفة والتراحم والبر والتكافل بين أفراد الأسرة جميعًا.
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا)، حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، نحوه، إلا أنه قال: ((ويعرف حق كبيرنا))؛ (الترمذي، د.ت، جـ 4، ص 277).

عن أبي هـريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحق النـاس بحسن الصحبة؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك))؛ (مسلم، د.ت، جـ 8، ص 2).

وبهذا يُكوِّن الإسلام الأسرة في المجتمع الإسلامي على أن تكون وحدة قوية متماسكة يظلـها الحب والرحمة، ويحركها أداء الواجب للتمتع بالـحق، ويدفعها الدين والخلق إلى التعاون والتناصر والتكافل، ويحملها المنهـج الصحيح عـلى بر كل من كان له صلة بهذه الأسرة.

والأسرة إذا كانت ملتزمة بالمنهج الإسلامي - الذي جاء به القرآن الكريم، وجاءت السنة النبوية - في حياتها الدنيوية، فإنها تعيش في سعادة وهناء، وتسعد في الدنيا والآخرة

اسيرة القمر
05-02-2015, 11:22 PM
تسلم الايادي أنتقاء جميل ورائع

رباب
07-02-2015, 11:05 AM
سلم مروركم


نورتم

دانة الكون
19-03-2015, 12:15 PM
الله يعطيك العافيه

شاهندا
19-03-2015, 03:10 PM
آَشُكَر عَلىِ هَذِهَ الآطَرَوُحَهَ الجَمِيَلَهَ
بِ آنِتَظَآر مَزَيِدَ مِن الَآبَدَاع وَ اَلتَمِيِزَ

رباب
20-03-2015, 05:32 PM
الله يعطيك العافيه
للطله