اسيرة القمر
25-08-2015, 12:03 PM
استجلاب البركة
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله منَّ على عباده بالنعم والخيرات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظيم البركات ، أغدق على عباده صنوف الأفضال والهبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، عليه من ربه أفضل الصلوات ، وأعطر التسليمات ، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والمكرمات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات . . . وبعد :
كم من الناس من يشكوا قلة البركة ، ويظن أنه أحيط به ، فلا بركة في المال ، ولا بركة في الرزق ، ولا بركة في الولد ، ولا بركة في الزوجة ، ولا بركة في الدار ، ولا بركة في العمر ، ولا بركة في الوقت وهكذا ، ومن الناس من على النقيض من ذلك ، فالبركة في كل شؤون حياته ، بركة في العمر والوقت ، وسعة في راحة البال ، وزيادة في العمر ، وتنام في المال ، وخير في الأولاد وهكذا دواليك .
فمن الناس من لديه مال ، وهو يعرف حق الله فيه ، ويتصدق منه ، ويساعد أهل الحاجة ، ويعين الملهوف ، فماله في زيادة لا نقصان ، لأن الله وضع له بركة في ماله .
وآخر لديه أبناء فبارك الله له فيهم .
وآخر كلما باع أو اشترى ربح في ذلك ، وبارك الله له فيه ، بل كما قيل : لو باع تراباً لربح فيه .
وآخر وقته مبارك له فيه ، فنجد أن الله تعالى نفع به الكثير من المسلمين .
وعلى العكس من ذلك ، فمن الناس من لديه مال ، وهو شحيح به ، ولا ينفقه في وجوه الخير ، فتراه معذباً بماله ، يحسبه ويحصيه آناء الليل وأطراف النهار ، مشغول به في النهار ، وحريص عليه بالليل ، فوقته في ضيق عليه ، لا بركة في ماله ولا في وقته ، يشتري بماله العذاب النفسي والروحي ، وعدم الراحة ، وآخر يصرف ماله في معصية ربه وخالقه .
وآخر لديه عشرة أبناء أو أكثر أو أقل ، وتراهم خصوماً له ، لسان حالهم يقول : " متى هي ساعة أجلك " ، والعياذ بالله ، فهذا لم يبارك الله له في ولده ، نسأل الله العفو والعافية .
وآخر كلما باع أو اشترى خسر وذهب ماله هباءً منثوراً ، من خسارة إلى أخرى ، ومن نكسة ونكبة إلى أخواتها ، نُزعت البركة من بيعه وشرائه .
وآخر لديه علم كثير ، لكن لم يستفد منه المسلمون والعياذ بالله ، فُقدت البركة من علمه .
والسؤال المهم : كيف نستجلب البركة ؟
والجواب : نستجلب البركة من الله تعالى بالأمور التالية :
أولاً / تقوى الله عز وجل :
قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأعراف96 ] .
ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه, لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه, ولكنهم كذَّبوا, فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم.
إذاً ما هي التقوى ؟ لقد عرف جمع من أهل العلم التقوى بتعريفات مختلفة في المعنى ، متوافقة في المضمون .
قال الحَلِيمي : حقيقة التقوى فعل المأمور به ، والمندوب إليه ، واجتناب المنهي عنه ، والمكروه المنزه عنه ، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار ، وهو إنما يقي نفسه من النار بما ذكرت .
وقيل التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، بفعل الطاعات ، واجتناب المنهيات .
وقال علي بن أبي طالب رضي الهج عنه : التقوى : العمل بالتنزيل ، والخوف من الجليل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل .
قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [ الطلاق2-3 ] .
فالتقوى تزيد في بركة العمر والرزق ، ويحصل المتقي مطلوبه منها .
=================
ثانياً / قراءة القرآن الكريم :
قال تعالى : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ الأنعام92 ] .
وقال تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ ص29 ] .
فتلاوة القرآن الكريم من جملة الأعمال الصالحة النافعة المباركة بإذن الله تعالى ، فهل نحن قمنا بقراءته وتدبره وتعقله والتفكر في آياته ؟
الجواب : أن أكثر الناس اليوم انساقوا وراء مغريات الحياة ، واهتموا بسفاسفها وتركوا معاليها ، ومن أعظم ما صدهم الشيطان عنه ، هجر كتاب الله تعالى قراءة وتدبراً ، وغفلوا أن القرآن العظيم يأتي شفيعاً لأصحابه وقرائه وحفظته يوم القيامة ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ ، فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأصْحَابِهِ " [ رواه مسلم ] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ ، يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيَشْفَعَانِ " [ رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع ، وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ] .
بل معظم الناس اليوم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، فنسأل الله السلامة والعافية ، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، وقد جاء التهديد والوعيد من الله في ذلك ، في قوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [ الفرقان30 ] .
وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه. وفي الآية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به .
الله عز وجل يرفع بالقرآن أقواماً ، ويخفض به آخرين ، فوا أسفا على من هجر القرآن ، وغفل عن فضله وشرفه ومكانته وبركته .
=================
ثالثاً / الصدق في البيع والشراء :
كم من التجار من إذا أتيته لتشتري منه شيئاً ، حلف لك أيماناً مغلظة أنه اشترى السلعة بكذا _ وهو كاذب _ وربحه فيها كذا _ وهو كاذب _ فهذا ممحوق البركة والعياذ بالله .
ومن التجار من يقول أن السلعة أصلية وهي ليست أصلية ، بل مقلدة ، ومنهم من يغش في بيعه وشرائه ، فأولئك بركة بيعهم ممحوقة والعياذ بالله .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " [ متفق عليه ] .
فمن كذب في بيعه وشرائه ، فهذا ممحوق البركة ، والعياذ بالله ، عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ أَبُو ذَرَ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب " [ أخرجه مسلم ] .
وكم نجد من الباعة من يؤكد للمشتري أن السلعة صناعتها في دولة كذا _ وهو كاذب _ وربما حلف بالله كذباً وزوراً أن السلعة اشتراها بكذا ، ومربحه فيها كذا ، وهو كاذب ، فهل هذا يسعى للبركة ، أم لمحقها ؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّـينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " [ رواه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَة عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَفْظُهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " التَّاجِرُ الأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
فما أن أراد أن يستجلب البركة في بيعه وشرائه ، فليصدق في قوله ، وليبين ما فيها من عيب فالرزاق هو الله تعالى ، فإن صدق مع الناس زادة بركة تجارته ، ورزقه الله من حيث لا يعلم .
=================
رابعاً / الصدق بين الشركاء :
كثيراً ما نجد أن هناك شركاء في تجارة ما ، يجمعهم الصدق والوفاء والإخلاص ، فتجد أن تجارتهم مباركة ، وفيرة الرزق ، كثيرة الخير .
ومن الشركاء من يسرق من مال صاحبه ، ولا يخبره بحقيقة البيع والشراء ، فهذا ممحوق البركة والعياذ بالله .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان خرجت من بينهما " ، زاد رزين فيه : " وجاء الشيطان " [ رواه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد والدار قطني ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " [ وضعفه الألباني رحمه الله تعالى ] .
قال المناوي : " بالمعونة وحصول البركة والنماء ( ما لم يخن أحدهما صاحبه ) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خَرَجْتُ من بينهما) يعني نزعت البركة من مالهما " .
وقال الطيبي : " فشركة اللّه لهما استعارة ، كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط ، فسمى ذاته ثالثاً لهما ، وقوله خرجت : ترشيح للاستعارة ، وفيه ندب الشركة ، وأن فيها البركة ، بشرط الأمانة ، وذلك لأن كلاً منهما يسعى في نفع صاحبه ، واللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ، كما في خبر آخر " .
=================
خامساً / البعد عن الفسق :
الفسق نوعان :
فسق أكبر : مخرج من ملة الإسلام ، كالكفر والنفاق ، أو جحد أمر من أمور الدين كأركان الإسلام ، وأركان الإيمان ، أو تحليل أمر محرم معلوم من الدين بالضرورة ، كتحليل الربا أو الزنا أو اللواط ، أو السرقة وغير ذلك كثير .
فسق أصغر : وهو ارتكاب الذنوب ، واقتراف المعاصي ، دون حل لها ، بل يعلم أنها حرام ، ومع ذلك يتبع هواه والشيطان ، ويعصي الرحمن ، فهذا فسق لا يخرج من دين الإسلام ، لمعرفة العبد حرمته ، ولكن تجرأ على المعصية اتباعاً للهوى والشهوات ، فهذا على خطر عظيم إن لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح ، والعودة إلى الله تعالى قبل الموت .
قال تعالى : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ التوبة53 ] .
المنافقون ينفقون أموالهم كيف شاءوا , وعلى أي حال ، طائعين أو كارهين , لن يقبل الله منهم نفقاتهم ; لأنهم قوم خارجون عن دين الله وطاعته.
فمن لم يتقبل الله منه ، فليس في نفقته بركة ، وسيعود ألم ذلك على الشخص نفسه .
ومن تقبل الله منه نفقته ، فهو على خير كبير ، وأجر عظيم ، وما وقع بلاء ولا فتنة ولا نُزعت بركة إلا بذنب ، ولا زادة بركة ورفع بلاء إلا بتوبة .
سادساً / الإسلام :
فمن أسلم ودخل دين الإسلام ، عن حسن نية وإخلاص ، وطواعية ، فحسن إسلامه ، فله البركة في كل أموره .
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أسلم العبد فحسن إسلامه ، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها ، وكان بعد القصاص الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يتجاوز الله عنها " [ رواه البخاري ] .
والإسلام يجب ما قبله ، ويهدم الذي كان من الذنوب والعصيان ، وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد غيره .
وهذه بركة في العمل ، فالله يضاعف لأهل الإسلام أعمالهم ، والله يضاعف لمن يشاء .
=================
سابعاً / البكور في كل أمر :
عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " [ أخرجه أحمد ] .
فالبكور فيه خير وبركة ، ومن أعظم البكور ، أن تصلي الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين ، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس ، فليس ذلك ببكور ، بل ذلك تأخير وفتور وضمور .
ومن البركة أن تعمل بتجارتك وأعمالك باكراً ، وتسافر باكراً ، فكل ذلك مجلبة للبركة ، وفوز بحصول بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
عن صخر الغامدي رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللّهُمَّ بارِكْ لأمَّتِي في بكورهم " قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أوّل النهار ، وكان صخر رجلاً تاجراً ، وكان لا يبعث غلمانه إلا من أوّل النهار ، فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله " [ أخرجه أحمد وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
فهذه بركة في المال والرزق بسبب البكور .
فما أعظم البكور في العمل ، لبركة الرزق والراتب المترتب على ذلك ، فكم من الناس من حصَّل الملايين وأكثر جراء البكور في العمل ، وعلى العكس من ذلك ، فكم من الناس من خسر بسبب التكاسل ، وعدم الاستيقاظ مبكراً ، فلا يأتي عمله إلا متأخراً ، حتى نُزعت البركة من ماله والعياذ بالله .
فليكن البكور هو همك ودأبك ، لتنال الدعوة المحمدية ، والبركة النبوية .
=================
ثامناً / الاستخارة :
قيل : ما خاب من استشار ، وما ندم من استخار ، فالإنسان قبل أن يُقدم على أمر ما ، كشراء سيارة ، أو شراء أرض أو منزل ، أو أقدم على الزواج من امرأة أو أسرة معينة ، فإنه ينبغي له ألا يقدم على ذلك حتى يستشير أهل الخبرة من الناس في ذلك ، ليدلوه على الطريق الصواب ، وإن كان رأيهم يحتمل الخطأ والصواب ، لكن يسأل الثقات الأثبات .
وتعالى الله عن عباده علواً كبيراً ، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ينبغي لكل مسلم ألا يقدم على أمر حتى يستخير الله تعالى ، فعند الله الخيرة ، وعنده الخير لعباده ، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، فإذا أراد المسلم أن يقدم على أمر من الأمور ، فعليه بالاستخارة ، يستخير رب الأرض والسماء ، فهو سبحانه أعلم بما ينفع عباده ، وهو سبحانه الهادي إلى أفضل الطرق ، وأقوم السبل .
عن جابرِ بنِ عبدِ اللّه رضيَ اللّهُ عنهما قال : " كان رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأُمورِ كما يُعلِّمنا السورةَ منَ القرآنِ يَقولُ : " إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيَركعْ رَكعتَينِ منِ غيرِ الفريضةِ ، ثمَّ لِيَقُلْ : اللَّهمَّ إني أستخيرُكَ بعلمك ، وأستَقدِرُكَ بقُدرَتِكَ ، وأسألُكَ من فضلكَ العظيمِ ، فإنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلمُ ولا أعلَمُ ، وأنتَ علاَّمُ الغُيوب ، اللهم إِنْ كنتَ تَعلم أن هذا الأمرَ ـ ثم يسمِّيه بعينِهِ ـ خيراً لي في عاجلِ أمري وآجِلِهِ ـ قال : أو في دِيني ومعاشي وعاقِبةِ أمري ـ فاقدُرْه لي ويَسِّرْه لي ثم باركْ لي فيه ، وإن كنتَ تَعلم أنه شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري ـ أَو قال في عاجِلِ أمري وآجِلِه ـ فاصرفه عني ، واصرِفني عنه ، واقْدُرْ لي الخيرَ حيثُ كان ثم رضِّني به " [ أخرجه البخاري ] .
فهل نحن عملنا بوصية رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ، أم أننا تخلينا عن هذه السنة العظيمة ؟
الحقيقة أن الوقائع والشواهد تدل على أننا لم نحظ بالعمل بهذه السنة المحمدية ، ولذلك ترى النكبات والنكسات التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم ، وبما أن حديث الساعة هو الأسهم وما ينتابها من هبوط حاد ، سبب أزمات قلبية ، وجلطات دماغية ، وتخلفات عقلية ، وأمراض نفسية ، وأدى إلى الانتحار وقتل النفس المعصومة بغير حق ، وأسهم في شيوع الجريمة ، وكثرت السرقات نسأل الله العفو والسلامة .
بل وأجزم أنه بسبب التخلي عن هذه السنة ، والحرص كل الحرص على دخول بوابة الأسهم ، لجني المال بطرق سهلة ميسرة محرمة أو شبه محرمة ، كانت النتيجة كما نرى ونسمع من قصص واقعية سببت انهيار في القيم ، وتفسخ في الأخلاق .
وماذا نخسر عندما نستخير ربنا ، ونسأله بعلمه ومن فضله أن يدلنا على الخير وطرقه ، والبر وأبوابه ؟ لن نخسر شيئاً ، بل سيكون لنا الفضل والسبق والخير وفتح أبواب الرزق ، وإغداق الأموال الحلال ، كل ذلك بسبب استخارة الله تعالى ، وسؤاله الهداية لطريق الصواب ، وتجنب طريق الخطأ والضلال .
ولكن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريض على الحرام بكل أنماطه وطرقه ، فانتبهوا أيها المسلمون ، وخذوا حذركم من عدوكم .
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله منَّ على عباده بالنعم والخيرات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظيم البركات ، أغدق على عباده صنوف الأفضال والهبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، عليه من ربه أفضل الصلوات ، وأعطر التسليمات ، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والمكرمات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات . . . وبعد :
كم من الناس من يشكوا قلة البركة ، ويظن أنه أحيط به ، فلا بركة في المال ، ولا بركة في الرزق ، ولا بركة في الولد ، ولا بركة في الزوجة ، ولا بركة في الدار ، ولا بركة في العمر ، ولا بركة في الوقت وهكذا ، ومن الناس من على النقيض من ذلك ، فالبركة في كل شؤون حياته ، بركة في العمر والوقت ، وسعة في راحة البال ، وزيادة في العمر ، وتنام في المال ، وخير في الأولاد وهكذا دواليك .
فمن الناس من لديه مال ، وهو يعرف حق الله فيه ، ويتصدق منه ، ويساعد أهل الحاجة ، ويعين الملهوف ، فماله في زيادة لا نقصان ، لأن الله وضع له بركة في ماله .
وآخر لديه أبناء فبارك الله له فيهم .
وآخر كلما باع أو اشترى ربح في ذلك ، وبارك الله له فيه ، بل كما قيل : لو باع تراباً لربح فيه .
وآخر وقته مبارك له فيه ، فنجد أن الله تعالى نفع به الكثير من المسلمين .
وعلى العكس من ذلك ، فمن الناس من لديه مال ، وهو شحيح به ، ولا ينفقه في وجوه الخير ، فتراه معذباً بماله ، يحسبه ويحصيه آناء الليل وأطراف النهار ، مشغول به في النهار ، وحريص عليه بالليل ، فوقته في ضيق عليه ، لا بركة في ماله ولا في وقته ، يشتري بماله العذاب النفسي والروحي ، وعدم الراحة ، وآخر يصرف ماله في معصية ربه وخالقه .
وآخر لديه عشرة أبناء أو أكثر أو أقل ، وتراهم خصوماً له ، لسان حالهم يقول : " متى هي ساعة أجلك " ، والعياذ بالله ، فهذا لم يبارك الله له في ولده ، نسأل الله العفو والعافية .
وآخر كلما باع أو اشترى خسر وذهب ماله هباءً منثوراً ، من خسارة إلى أخرى ، ومن نكسة ونكبة إلى أخواتها ، نُزعت البركة من بيعه وشرائه .
وآخر لديه علم كثير ، لكن لم يستفد منه المسلمون والعياذ بالله ، فُقدت البركة من علمه .
والسؤال المهم : كيف نستجلب البركة ؟
والجواب : نستجلب البركة من الله تعالى بالأمور التالية :
أولاً / تقوى الله عز وجل :
قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأعراف96 ] .
ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه, لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه, ولكنهم كذَّبوا, فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم.
إذاً ما هي التقوى ؟ لقد عرف جمع من أهل العلم التقوى بتعريفات مختلفة في المعنى ، متوافقة في المضمون .
قال الحَلِيمي : حقيقة التقوى فعل المأمور به ، والمندوب إليه ، واجتناب المنهي عنه ، والمكروه المنزه عنه ، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار ، وهو إنما يقي نفسه من النار بما ذكرت .
وقيل التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، بفعل الطاعات ، واجتناب المنهيات .
وقال علي بن أبي طالب رضي الهج عنه : التقوى : العمل بالتنزيل ، والخوف من الجليل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل .
قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [ الطلاق2-3 ] .
فالتقوى تزيد في بركة العمر والرزق ، ويحصل المتقي مطلوبه منها .
=================
ثانياً / قراءة القرآن الكريم :
قال تعالى : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ الأنعام92 ] .
وقال تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ ص29 ] .
فتلاوة القرآن الكريم من جملة الأعمال الصالحة النافعة المباركة بإذن الله تعالى ، فهل نحن قمنا بقراءته وتدبره وتعقله والتفكر في آياته ؟
الجواب : أن أكثر الناس اليوم انساقوا وراء مغريات الحياة ، واهتموا بسفاسفها وتركوا معاليها ، ومن أعظم ما صدهم الشيطان عنه ، هجر كتاب الله تعالى قراءة وتدبراً ، وغفلوا أن القرآن العظيم يأتي شفيعاً لأصحابه وقرائه وحفظته يوم القيامة ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ ، فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأصْحَابِهِ " [ رواه مسلم ] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ ، يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيَشْفَعَانِ " [ رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع ، وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ] .
بل معظم الناس اليوم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، فنسأل الله السلامة والعافية ، وبئس القوم الذين لا يعرفون القرآن إلا في رمضان ، وقد جاء التهديد والوعيد من الله في ذلك ، في قوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [ الفرقان30 ] .
وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه. وفي الآية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به .
الله عز وجل يرفع بالقرآن أقواماً ، ويخفض به آخرين ، فوا أسفا على من هجر القرآن ، وغفل عن فضله وشرفه ومكانته وبركته .
=================
ثالثاً / الصدق في البيع والشراء :
كم من التجار من إذا أتيته لتشتري منه شيئاً ، حلف لك أيماناً مغلظة أنه اشترى السلعة بكذا _ وهو كاذب _ وربحه فيها كذا _ وهو كاذب _ فهذا ممحوق البركة والعياذ بالله .
ومن التجار من يقول أن السلعة أصلية وهي ليست أصلية ، بل مقلدة ، ومنهم من يغش في بيعه وشرائه ، فأولئك بركة بيعهم ممحوقة والعياذ بالله .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " [ متفق عليه ] .
فمن كذب في بيعه وشرائه ، فهذا ممحوق البركة ، والعياذ بالله ، عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ أَبُو ذَرَ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ : " الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب " [ أخرجه مسلم ] .
وكم نجد من الباعة من يؤكد للمشتري أن السلعة صناعتها في دولة كذا _ وهو كاذب _ وربما حلف بالله كذباً وزوراً أن السلعة اشتراها بكذا ، ومربحه فيها كذا ، وهو كاذب ، فهل هذا يسعى للبركة ، أم لمحقها ؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّـينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " [ رواه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَة عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَفْظُهُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " التَّاجِرُ الأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
فما أن أراد أن يستجلب البركة في بيعه وشرائه ، فليصدق في قوله ، وليبين ما فيها من عيب فالرزاق هو الله تعالى ، فإن صدق مع الناس زادة بركة تجارته ، ورزقه الله من حيث لا يعلم .
=================
رابعاً / الصدق بين الشركاء :
كثيراً ما نجد أن هناك شركاء في تجارة ما ، يجمعهم الصدق والوفاء والإخلاص ، فتجد أن تجارتهم مباركة ، وفيرة الرزق ، كثيرة الخير .
ومن الشركاء من يسرق من مال صاحبه ، ولا يخبره بحقيقة البيع والشراء ، فهذا ممحوق البركة والعياذ بالله .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان خرجت من بينهما " ، زاد رزين فيه : " وجاء الشيطان " [ رواه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد والدار قطني ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " [ وضعفه الألباني رحمه الله تعالى ] .
قال المناوي : " بالمعونة وحصول البركة والنماء ( ما لم يخن أحدهما صاحبه ) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خَرَجْتُ من بينهما) يعني نزعت البركة من مالهما " .
وقال الطيبي : " فشركة اللّه لهما استعارة ، كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط ، فسمى ذاته ثالثاً لهما ، وقوله خرجت : ترشيح للاستعارة ، وفيه ندب الشركة ، وأن فيها البركة ، بشرط الأمانة ، وذلك لأن كلاً منهما يسعى في نفع صاحبه ، واللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ، كما في خبر آخر " .
=================
خامساً / البعد عن الفسق :
الفسق نوعان :
فسق أكبر : مخرج من ملة الإسلام ، كالكفر والنفاق ، أو جحد أمر من أمور الدين كأركان الإسلام ، وأركان الإيمان ، أو تحليل أمر محرم معلوم من الدين بالضرورة ، كتحليل الربا أو الزنا أو اللواط ، أو السرقة وغير ذلك كثير .
فسق أصغر : وهو ارتكاب الذنوب ، واقتراف المعاصي ، دون حل لها ، بل يعلم أنها حرام ، ومع ذلك يتبع هواه والشيطان ، ويعصي الرحمن ، فهذا فسق لا يخرج من دين الإسلام ، لمعرفة العبد حرمته ، ولكن تجرأ على المعصية اتباعاً للهوى والشهوات ، فهذا على خطر عظيم إن لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح ، والعودة إلى الله تعالى قبل الموت .
قال تعالى : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ التوبة53 ] .
المنافقون ينفقون أموالهم كيف شاءوا , وعلى أي حال ، طائعين أو كارهين , لن يقبل الله منهم نفقاتهم ; لأنهم قوم خارجون عن دين الله وطاعته.
فمن لم يتقبل الله منه ، فليس في نفقته بركة ، وسيعود ألم ذلك على الشخص نفسه .
ومن تقبل الله منه نفقته ، فهو على خير كبير ، وأجر عظيم ، وما وقع بلاء ولا فتنة ولا نُزعت بركة إلا بذنب ، ولا زادة بركة ورفع بلاء إلا بتوبة .
سادساً / الإسلام :
فمن أسلم ودخل دين الإسلام ، عن حسن نية وإخلاص ، وطواعية ، فحسن إسلامه ، فله البركة في كل أموره .
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أسلم العبد فحسن إسلامه ، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها ، وكان بعد القصاص الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يتجاوز الله عنها " [ رواه البخاري ] .
والإسلام يجب ما قبله ، ويهدم الذي كان من الذنوب والعصيان ، وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد غيره .
وهذه بركة في العمل ، فالله يضاعف لأهل الإسلام أعمالهم ، والله يضاعف لمن يشاء .
=================
سابعاً / البكور في كل أمر :
عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " [ أخرجه أحمد ] .
فالبكور فيه خير وبركة ، ومن أعظم البكور ، أن تصلي الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين ، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس ، فليس ذلك ببكور ، بل ذلك تأخير وفتور وضمور .
ومن البركة أن تعمل بتجارتك وأعمالك باكراً ، وتسافر باكراً ، فكل ذلك مجلبة للبركة ، وفوز بحصول بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
عن صخر الغامدي رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللّهُمَّ بارِكْ لأمَّتِي في بكورهم " قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أوّل النهار ، وكان صخر رجلاً تاجراً ، وكان لا يبعث غلمانه إلا من أوّل النهار ، فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله " [ أخرجه أحمد وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ] .
فهذه بركة في المال والرزق بسبب البكور .
فما أعظم البكور في العمل ، لبركة الرزق والراتب المترتب على ذلك ، فكم من الناس من حصَّل الملايين وأكثر جراء البكور في العمل ، وعلى العكس من ذلك ، فكم من الناس من خسر بسبب التكاسل ، وعدم الاستيقاظ مبكراً ، فلا يأتي عمله إلا متأخراً ، حتى نُزعت البركة من ماله والعياذ بالله .
فليكن البكور هو همك ودأبك ، لتنال الدعوة المحمدية ، والبركة النبوية .
=================
ثامناً / الاستخارة :
قيل : ما خاب من استشار ، وما ندم من استخار ، فالإنسان قبل أن يُقدم على أمر ما ، كشراء سيارة ، أو شراء أرض أو منزل ، أو أقدم على الزواج من امرأة أو أسرة معينة ، فإنه ينبغي له ألا يقدم على ذلك حتى يستشير أهل الخبرة من الناس في ذلك ، ليدلوه على الطريق الصواب ، وإن كان رأيهم يحتمل الخطأ والصواب ، لكن يسأل الثقات الأثبات .
وتعالى الله عن عباده علواً كبيراً ، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ينبغي لكل مسلم ألا يقدم على أمر حتى يستخير الله تعالى ، فعند الله الخيرة ، وعنده الخير لعباده ، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، فإذا أراد المسلم أن يقدم على أمر من الأمور ، فعليه بالاستخارة ، يستخير رب الأرض والسماء ، فهو سبحانه أعلم بما ينفع عباده ، وهو سبحانه الهادي إلى أفضل الطرق ، وأقوم السبل .
عن جابرِ بنِ عبدِ اللّه رضيَ اللّهُ عنهما قال : " كان رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأُمورِ كما يُعلِّمنا السورةَ منَ القرآنِ يَقولُ : " إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيَركعْ رَكعتَينِ منِ غيرِ الفريضةِ ، ثمَّ لِيَقُلْ : اللَّهمَّ إني أستخيرُكَ بعلمك ، وأستَقدِرُكَ بقُدرَتِكَ ، وأسألُكَ من فضلكَ العظيمِ ، فإنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلمُ ولا أعلَمُ ، وأنتَ علاَّمُ الغُيوب ، اللهم إِنْ كنتَ تَعلم أن هذا الأمرَ ـ ثم يسمِّيه بعينِهِ ـ خيراً لي في عاجلِ أمري وآجِلِهِ ـ قال : أو في دِيني ومعاشي وعاقِبةِ أمري ـ فاقدُرْه لي ويَسِّرْه لي ثم باركْ لي فيه ، وإن كنتَ تَعلم أنه شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري ـ أَو قال في عاجِلِ أمري وآجِلِه ـ فاصرفه عني ، واصرِفني عنه ، واقْدُرْ لي الخيرَ حيثُ كان ثم رضِّني به " [ أخرجه البخاري ] .
فهل نحن عملنا بوصية رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ، أم أننا تخلينا عن هذه السنة العظيمة ؟
الحقيقة أن الوقائع والشواهد تدل على أننا لم نحظ بالعمل بهذه السنة المحمدية ، ولذلك ترى النكبات والنكسات التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم ، وبما أن حديث الساعة هو الأسهم وما ينتابها من هبوط حاد ، سبب أزمات قلبية ، وجلطات دماغية ، وتخلفات عقلية ، وأمراض نفسية ، وأدى إلى الانتحار وقتل النفس المعصومة بغير حق ، وأسهم في شيوع الجريمة ، وكثرت السرقات نسأل الله العفو والسلامة .
بل وأجزم أنه بسبب التخلي عن هذه السنة ، والحرص كل الحرص على دخول بوابة الأسهم ، لجني المال بطرق سهلة ميسرة محرمة أو شبه محرمة ، كانت النتيجة كما نرى ونسمع من قصص واقعية سببت انهيار في القيم ، وتفسخ في الأخلاق .
وماذا نخسر عندما نستخير ربنا ، ونسأله بعلمه ومن فضله أن يدلنا على الخير وطرقه ، والبر وأبوابه ؟ لن نخسر شيئاً ، بل سيكون لنا الفضل والسبق والخير وفتح أبواب الرزق ، وإغداق الأموال الحلال ، كل ذلك بسبب استخارة الله تعالى ، وسؤاله الهداية لطريق الصواب ، وتجنب طريق الخطأ والضلال .
ولكن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريض على الحرام بكل أنماطه وطرقه ، فانتبهوا أيها المسلمون ، وخذوا حذركم من عدوكم .