تركي1111
03-07-2003, 10:40 PM
الأطفال تلك الزهرات الندية, والبراعم الطرية، التي خلقها الله من رحم الحياة الزوجية التي تكون سكناً ورحمة بين الأبوين، وليتمم لهما هذه السعادة, فيخلفهما من بعدهما، ويبر بهما إذا كبرا، وهم زينة الدنيا وبرائتها التي يهفو لها كل حي، وهم النواة الحقيقة للمجتمع الناشئ الذي يكفل استمرار الأمة المسلمة. وتصحيح بناء هذا المجتمع الناشئ وتشكيله بشكل قويم هو مساهمة كبيرة نحو تصحيح الكتلة الكبرى والرقي بها.. إن مسئولية الأطفال عظيمة، وقد حمَلها الله تعالى للأبوين, ورتب أحكاماً كثيرة متعلقة بهم ترعى وتضمن لهم حقوقهم كالرضاعة والحضانة وحسن التربية، وقد شددت الشريعة الغرى على التربية والنشأة.. ولعل ما جاءت به السنة المطهرة من هديه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال منذ ولادتهم إشارة لبداية ربطهم بالدين والتنشئة عليه، فأمرنا بالأذان في أذنه وتحنيكه، كذلك حض صلى الله عليه وسلم على تربية الابن تربية على الصدق؛ فلا يمد أحدنا يده لطفله كأن بها شيئاً وهو كاذب كما جاء النهي عن ذلك في حديث عبد الله بن عامر.
ولعل من أهم الطرق التي يمكن بها إيصال الأخلاق والتصرفات الحميدة إلى أطفالنا "القدوة"، فلا ينبغي أن يرى الطفل إلا ما يحسن من أبويه؛ فالطفل يفتح عينيه وأذنيه وقلبه على ما يشاهده ويسمعه منهما، ولذا تنعكس على شخصيته كل الأشياء التي يستقبلها منهما بوله وشغف في هذا السن، وقد تعود عليه سلباً وإيجاباً بحسب طبيعتها فإن كانت الأسرة خيّرة نشأ الطفل على حب الخير وإن كانت عكس ذلك بدا ذلك على الطفل وسلوكه، ولذا فقد ينشأ الطفل بعيداً عن طاعة الله إذا كان والداه أو أحدهما كذلك، وقد يتعلم كل صفة وخلق ذميم وقد ينزلق في لجج الدخان والمخدرات ورفقة السوء كذلك.. فشخصية الطفل كما أسلفنا انعكاس لنوع التربية التي تلقاها في صغره، ويكفي أن نعرف أن أغلب سمات الشخصية لدى الأطفال تتكون خلال الخمس سنوات الأولى والتي قد يهملها الكثير من الآباء.. وليس من الحسن أبداً أن يستمع الطفل إلى نقاش الأبوين الحاد؛ لأن هذا قد يؤثر عليه ويسبب له شخصية مضطربة وغير هادئة..
وعلى الآباء أن يراعوا النمو العقلي لدى الطفل خاصة في سن السابعة حيث يكون أكثر إدراكاً لما يرى ويسمع. ولعل لغة الحوار هي من أنجح الوسائل لإيصال المفاهيم السليمة إلى عقل الأطفال. ومن المهم أن يجد الابن مع والديه فرصة ليتجاوب فكرياً معهما، ويتعلم الحديث منهما والقدرة على المشاركة في الموضوعات والحوارات، ومن الخطأ الشائع أن بعض الآباء يظن أن الأطفال لا يدركون الأمور ولا يعقلونها؛ فيكبر الابن في ظل هذه القيود ولا يجد الحوار إلا مع رفقته الصغار وهم عندما يتحاورون يتشاجرون فلا يكبر عقله, ولذا كان على الأبوين تعويد أنفسهم على الحوار مع أبنائهم دائماً وخصوصاً عند وقوع الأبناء أو أحدهم في الخطأ.
ومن الحسن أن نبيّن أن الارتكازات التي تقوم عليها عملية التربية السليمة قد لا تتوفر لدى بعض الآباء، ومن هنا ربما يرى بعض المختصين من الأفضل لأولئك الآباء توصية من يعلمون فيه الخير واكتمال صفات المربين، ليكفل لهم تربية أنبائهم وتوجيههم، وهذا لا ينزع عن الأبوين مهمتهما الأولى بالتمام، إذ يبقى بعد ذلك شيء يقدر عليه كل أحد من البشر ولا يصح إلا أن يكون من الأبوين.. وفي العموم أعتقد أن الصفات المطلوبة في المربي هي صفات يسيرة غير معجزة للمتوسطين من الناس.
صفات المربي
يحتاج الطفل إلى وقت طويل يكتسب فيه أنواع الخبرات كي يصل معها إلى مرحلة من مراحل الوعي والإدراك يستطيع بها إدراك الأمور بنفسه، مع عدم استغنائه عن والده بطبيعة الحال. وحين نزعم هذا الزعم فنحن أيضاً بحاجة لتحديد هوية هذا المربي ـ الوالد أو غيره ـ الذي يستطيع أن يصنع هذا الصنع، ويمكننا استعراض صفات المربي وإمكانياته اللازم وجودها فيه حين نتساءل عن ماهية صفات المربي الذي يُنتظر منه القيام بهذا الدور؟
من أولى ما يجب أن يتصف به المربي هو أن يحوز شيئاً من العلم الشرعي فالتربية في الإسلام هي إعداد المرء للعبودية لله تعالى وذلك لا يعرف إلا بالعلم الشرعي، وكذلك عليه أن يضيف إلى ذلك ثقافة عامة مناسبة يدرك بها ما حوله، إضافة إلى معرفته بالإنسان وطبيعة المراحل التي يمر بها الطفل وكيف يتعامل معها.
ومن صفات المربي أن يمتلك القدرة على العطاء، وهذا يتطلب تفريغ جزء من وقت الأب لأسرته وأبنائه ليعطي ما تعلمه من الحياة بلا حدود، وكذلك الأم يتطلب الأمر منها أن تفرغ جهدها لأجل أسرتها، وأن تعيد النظر في أولياتها لتعيد تنظيمها بما يتناسب مع حاجة أبنائها وتربيتهم. ولا يكفي كون المربي قادراً على العطاء بل لابد من أمر آخر وهو أن يكون حسن العطاء، فمجرد أن يكون لدى المربي ما يعطيه ليس كافياً في شؤون التربية، إنما ينبغي أن يعطيه بطريقة حسنه وإلا ضاع الأثر المطلوب أو انقلب إلى الضد حين يعطي المربي ما عنده بطريقة منفره.
ومن صفاته القدرة على المتابعة، فالتربية عمليه مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر إنما يحتاج إلى المتابعة والتوجيه المستمر، كذلك يصاحب هذه الصفة صفة أخرى وهي القدرة على التقويم والتصحيح الفعّال والمؤثر الذي قد يكون قاسماً للنجاح في هذا الحقل أو عدمه.
ومن صفاته أيضاً الاستقرار النفسي فهو يتعامل مع نفس بشرية ومع طبيعتها المعقدة فلا بد أن يملك قدراً من الاستقرار النفسي، ولا يكون متقلب المزاج سريع التغير مضطرباً فضلاً عن كونه غير مصاب بمرض نفسي.
ومن صفاته السمت والهدي الحسن، فالمربي قدوة بأعماله وسلوكه موجه لأحد، والفعل والهدي يترك أثراً على النفس أعظم من أثر القول.
ومن صفاته الاعتدال والاتزان فسنة الله تعالى في خلقه قائمة على ذلك وحياة الإنسان الجسمية والعقلية قائمة على أساس هذا الاعتدال والاتزان، والغلو والشذوذ أمر ممقوت أياً كان مصدره.
والكمال والنقص من صفات البشر ومن الذي ترضى سجاياه كلها. وحين نسعى لاستجماع هذه الصفات في كل مربي بالقدر الأمثل فنحن نبحث عن عناصر نادرة لا يمكن أن تفي بجزء من متطلبات الجهد التربوي المنوط بالصحوة اليوم، لكنها منارات نسعى للتطلع إليها والاقتراب منها متذكرين أن النقص والقصور سمة بشريه وأن الكمال عزيز ومالا يدرك كله لا يترك جله.
المرحلة الإبتدائية
لاشك أن سنوات الطفل الأولى هي من أخصب أوقات التلقي والتأثير لديه، وهي المرحلة المثالية لغرس الخصال الجميلة فيه، ولسنا بذلك نوهن بقية المراحل ونغض من طرفها، بل ربما كانت تلك المرحلة يتسم بها الطفل بالقدرة المذهلة على التلقي والاكتساب، ولكن حين نتأمل المرحلة الابتدائية تبرز سمات مميزة وأساسية لتكوين تلك الشخصية الطرية وأهم ما يميزها ما تحمله من جوانب حسنة وسيئة, تؤثر في صياغة شخصية الطفل، ومن أهم الجوانب الحسنة اختيار المعلم الجاد في تعامله مع الطلاب المتحبب إليهم، الذي يغرس في نفوسهم المبادئ العالية، ويصنع فيهم الشخصية الجادة، ويرسم لهم الطريق رسماً واضحاً، ويدلهم عليها ويسوقهم إليها بخطى ثابتة, فيعلمهم فن التخاطب وفن الكلمة وفن القراءة وقوة الطموح، ويكون قدوة حسنةً لهم.
ومن الجوانب الحسنة أيضاً الاهتمام بالمناهج للمرحلة الابتدائية، وتكثيف الحوار والمناقشة والقراءة والإطلاع، ومن الجوانب الحسنة وجود مكتبة علمية في المدرسة ووضع درس لذلك. ومن الجوانب الحسنة الاهتمام بالنشاط اللاصفي الذي يفتح للطالب باب المواهب والابتكار. هذا جزء من الجوانب الإيجابية التي يمكن استغلالها.
وأما الجوانب السيئة فيمكن التطرق لها عبر هذه النقاط:
ـ الضعف عند بعض المدرسين وعدم استشعاره للمسؤولية.
ـ عدم متابعة الطالب بعد المدرسة وربما يتلقفه أحد وهو خارج إلى بيته.
ـ الإهمال من جانب الأبوين وعدم مصارحة الطفل ومجالسته وسؤاله عن دراسته وزملائه.
ـ عدم وجود ما يحبب الطفل للمدرسة من برامج حية وأنشطة متنوعة.
ـ الدراسة النظرية المملة دون التطبيق العلمي كالوضوء مثلاً, الصلاة, آداب الزيارة.. وغيرها من الوسائل.
ـ انعدام التوعية الاجتماعية، وكذلك فقد الطالب للرؤية المستقبلية لحياته، وعدم معرفته للأمور التي لابد من أن يعرفها في مستقبله.
ـ عدم الإيضاح للطالب بالأخطار المحدقة به كالغزو الفكري, خطر اليهود, المخدرات, وسائل الإعلام, العفن الفني, العته الرياضي وغيرها من الأخطار.
لعب الأطفال
ساحات لعب الأطفال أماكن يرسم فيها خطوط عريضة من شخصياتهم وأبعاد طويلة من تفكيرهم قد يصل إلى ترسيخ نواح عقدية في نفوسهم، وهو ضرورة من ضروريات مرحلة الطفولة، وهي حقيقة علمية ثابتة حتى في أطفال الحيوانات. أما عن أبرز ضوابطه فهي أن يكون بأدوات مباحة، وكذا أن يكون مأمون الخطر والضرر، وأن يمارس باعتدال بحيث لا يستهلك جل وقت الطفل ويكون شغله الشاغل، وأن يكون تحت إشراف الوالدين وتحت مراقبتهما حتى يتم التوجيه والتصويب للخطأ إن وقع منهم.
وسائل تربية الأطفال
دعوة الأطفال همّ جديد قديم الجذور يشغل ذهن كثير من الدعاة والمصلحين والمربين الغيورين على مستقبل هذه الأمة، فما هي الوسائل الممكنة لذلك والتي من خلالها يمكن للمربي والمربية استنتاج جدول وبرنامج قومي متضمن ومناسب لمن تحت أيديهم من الأطفال ويتمشى مع جميع الظروف والأحوال؟
لعل من أهم الوسائل التي يحسن بالمربي أن يلم بها غرس العقيدة في النفوس والفهم الحقيقي لمعنى العقيدة وأنها ليست شعارات تردد أو طقوس ينادى لها بدون روح وحياة في القلب، فيغرس في قلبه (من ربك؟) بمعنى من إلهك الذي تعبده، ويبين له شيئاً من صفات الله، وأن الله يسمعك ويراك لا يخفى عليه شيء، وأن الله هو القوي وهو القادر على كل شيء، وأنه هو الرزاق وأن حياتنا وموتنا بيده، ويشرح لهم بوضوح حديث ابن عباس رضي الله عنه "يا غلام إني معلمك كلمات، احفظ الله يحفظك..." ثم يغرس في نفوسهم العبادة لله وحده مثل الصلاة والصيام والصدقة، وأن الصلاة تقرب العبد لربه، وأن الله هو الذي أمرنا بها، ثم نبين له أحكام الصلاة وكيف يصلي؟ ثم نبين لهم حب النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو الرسول؟ وماحقه علينا وما واجبنا نحوه صلى الله عليه وسلم، ثم حقوق الآخرين كحق الوالدين والجار والصديق القريب والمعلم وغير ذلك.
ومن الوسائل النافعة وضع مكتبة في البيت، وتكون مكتبة مصغرة يستطيع الطفل أن يتعامل مع هذه المكتبة وأن يقرأ الكتب الموجودة بين يديه، وهذه الكتب ينبغي أن تكون مختارة مناسبة للطفل.
ومن الوسائل وضع البرامج الهادفة من وسائل الإعلام وأشرطة الفيديو أو بعض الأشياء الهادفة، ويا ليت الأخوة في كلية الدعوة والإعلام يركزون على جانب الإخراج الطيب لأشرطة مرئية للطفل ويتبنون ذلك، وعلى أقل الأحوال يخرج لنا في السنة شريط أو شريطان تجمع بين الترويح والجد.
ومن الوسائل النافعة والجيدة التعاقد مع مربي فاضل يجتمع أبناء الحي أو الشارع الواحد عنده فيربيهم على الأخلاق الطيبة والصراحة وتنمية مواهبهم وأفكارهم.
ومن الوسائل التشجيع للطفل إذا رأى منه أحد أبواه خيراً, فإذا صلى الفجر مثلاً لا مانع أن يسبقه الأب إلى البيت, وإذا وصل إلى البيت قادماً من المسجد شكره ودعا له وأعطاه هدية يفرح بها ويشعره أنه راضٍ عنه، كما كان صلى الله عليه وسلم يشجع صغار الصحابة في طرح المسائل العلمية ويشجعهم على الرمي بل يرمي معهم.
ومن الوسائل إبعادهم عن المعوقات التي يمكن أن تقف في طريق دعوتهم. وكذلك من الوسائل القدوة الحسنة فلا ينهى المربي الولد عن الكذب وهو يكذب وليمتثل قول الشاعر:
لا تنـه عــن خلق وتـأتي مثــله
عار عليك إذا فعلت عظيم.
ومن الوسائل إذكاء الإيمان في قلب الطفل، وربطه باليوم الآخر وغرس حب الجنة ورؤية الله فيه حتى يزهد في الدنيا ولا يلتفت إليها، فالإيمان باليوم الآخر قضية لابد من ذكرها. ولا تذكر من جانب الخوف وهو الخوف من الموت وإنما تذكر على أنها حياة عظيمة وحياة جزاء وحساب.
المعوقـــــات
أما عن المعوقات فالمعوقات كثيرة ومنها، تشاغل الأبوين عن أداء دورهم ومهمتهم، أو عدم اهتمامهما بذلك، فتجد الاهتمام في المأكل والمشرب واللباس دون الاهتمام بروح الطفل وتوجيهه الوجهة السليمة، ولعل بعض البيوت ترمي بأطفالها على الخادمة أو المربية فيكون لها تأثير سلبي على الطفل، وربما غرست في نفسه أمراً من جوانب العقيدة يصعب عليه التخلص منها بعد ذلك.
ومن المعوقات الكبيرة وسائل الإعلام التي ينسى بعض الآباء أطفالهم عندها بلا رقابة أو أدنى اهتمام، خاصة تلك الأفلام التي تنخر في جانب العقيدة، والحرب اليوم مركزة على الطفل والإحصائيات في حقائق الأفلام أو الألعاب التي تعرض مخيفة جدا.
ومن المعوقات الألعاب الإلكترونية التي يظهر كثير منها بشكل مركز ومستهدف لهدم العقيدة والأخلاق، وهي ذات أثر في صرف الطفل عن الجوانب المهمة في التربية، مما تكون سبباً في سلب عقله وأسر فؤاده وتعلقه بها حتى تكون شغله الشاغل.
ومن المعوقات المدرسة إذا كان المدرس لا يدرك مستوى المسؤولية التي أنيطت بعاتقه و الأمانة التي يحملها, ودوره في المدارس التي ينبغي أن تكون محاضن إيمانية للأطفال.
الوسائل الإعلامية
وسائل الإعلام اليوم بأنواعها وقنواتها المتعددة لها تأثير كبير في تشكيل فكر الطفل وتوجيه سلوكه نظراً لما تبثه من مواد إعلامية فيها من التشويق والإثارة والجذب الشيء الكثير، وإذا تساءلنا عن ماهية هذه الوسائل التي تسهم بإعداد الطفل المسلم، فإننا يمكن أن نتحدث عن المستوى الذي ينبغي أن تصله الوسائل الإعلامية لتحقيق هذا الهدف، ويتشكل المستوى في أمور منها:
• أن تكون البرامج المقدمة للطفل منبثقة أساساً من العقيدة الإسلامية أو على الأقل لا تتعارض معها.
• أن تهدف البرامج الموجهة للطفل أو تثير اهتمامه إلى غرس محبة الله ورسوله في نفس الطفل وتربي في نفسه تقوى الله وخشيته في نفس الوقت.
• أن تقدم للطفل البرامج التي تغرس في نفسه الاعتزاز بدينه وتاريخه وحضارته, وكل ما جاء به الدين.
• أن تشجع هذه البرامج حاجات الطفولة وتكون على درجة عالية من الجودة والإخراج, والتنافس مع البرامج المستوردة.
• أن تسهم هذه البرامج في تنمية قدرات الطفل وتوجيهها السليم وتنمي مواهبه واستعداداته الإيجابية.
• أن تغرس وسائل الإعلام في نفس الطفل الأخلاقيات الفاضلة والسلوك القويم من خلال القصص المقدمة والبرامج المختلفة والمنوعة.
كتبتها / ندى صالح الريحان
ولعل من أهم الطرق التي يمكن بها إيصال الأخلاق والتصرفات الحميدة إلى أطفالنا "القدوة"، فلا ينبغي أن يرى الطفل إلا ما يحسن من أبويه؛ فالطفل يفتح عينيه وأذنيه وقلبه على ما يشاهده ويسمعه منهما، ولذا تنعكس على شخصيته كل الأشياء التي يستقبلها منهما بوله وشغف في هذا السن، وقد تعود عليه سلباً وإيجاباً بحسب طبيعتها فإن كانت الأسرة خيّرة نشأ الطفل على حب الخير وإن كانت عكس ذلك بدا ذلك على الطفل وسلوكه، ولذا فقد ينشأ الطفل بعيداً عن طاعة الله إذا كان والداه أو أحدهما كذلك، وقد يتعلم كل صفة وخلق ذميم وقد ينزلق في لجج الدخان والمخدرات ورفقة السوء كذلك.. فشخصية الطفل كما أسلفنا انعكاس لنوع التربية التي تلقاها في صغره، ويكفي أن نعرف أن أغلب سمات الشخصية لدى الأطفال تتكون خلال الخمس سنوات الأولى والتي قد يهملها الكثير من الآباء.. وليس من الحسن أبداً أن يستمع الطفل إلى نقاش الأبوين الحاد؛ لأن هذا قد يؤثر عليه ويسبب له شخصية مضطربة وغير هادئة..
وعلى الآباء أن يراعوا النمو العقلي لدى الطفل خاصة في سن السابعة حيث يكون أكثر إدراكاً لما يرى ويسمع. ولعل لغة الحوار هي من أنجح الوسائل لإيصال المفاهيم السليمة إلى عقل الأطفال. ومن المهم أن يجد الابن مع والديه فرصة ليتجاوب فكرياً معهما، ويتعلم الحديث منهما والقدرة على المشاركة في الموضوعات والحوارات، ومن الخطأ الشائع أن بعض الآباء يظن أن الأطفال لا يدركون الأمور ولا يعقلونها؛ فيكبر الابن في ظل هذه القيود ولا يجد الحوار إلا مع رفقته الصغار وهم عندما يتحاورون يتشاجرون فلا يكبر عقله, ولذا كان على الأبوين تعويد أنفسهم على الحوار مع أبنائهم دائماً وخصوصاً عند وقوع الأبناء أو أحدهم في الخطأ.
ومن الحسن أن نبيّن أن الارتكازات التي تقوم عليها عملية التربية السليمة قد لا تتوفر لدى بعض الآباء، ومن هنا ربما يرى بعض المختصين من الأفضل لأولئك الآباء توصية من يعلمون فيه الخير واكتمال صفات المربين، ليكفل لهم تربية أنبائهم وتوجيههم، وهذا لا ينزع عن الأبوين مهمتهما الأولى بالتمام، إذ يبقى بعد ذلك شيء يقدر عليه كل أحد من البشر ولا يصح إلا أن يكون من الأبوين.. وفي العموم أعتقد أن الصفات المطلوبة في المربي هي صفات يسيرة غير معجزة للمتوسطين من الناس.
صفات المربي
يحتاج الطفل إلى وقت طويل يكتسب فيه أنواع الخبرات كي يصل معها إلى مرحلة من مراحل الوعي والإدراك يستطيع بها إدراك الأمور بنفسه، مع عدم استغنائه عن والده بطبيعة الحال. وحين نزعم هذا الزعم فنحن أيضاً بحاجة لتحديد هوية هذا المربي ـ الوالد أو غيره ـ الذي يستطيع أن يصنع هذا الصنع، ويمكننا استعراض صفات المربي وإمكانياته اللازم وجودها فيه حين نتساءل عن ماهية صفات المربي الذي يُنتظر منه القيام بهذا الدور؟
من أولى ما يجب أن يتصف به المربي هو أن يحوز شيئاً من العلم الشرعي فالتربية في الإسلام هي إعداد المرء للعبودية لله تعالى وذلك لا يعرف إلا بالعلم الشرعي، وكذلك عليه أن يضيف إلى ذلك ثقافة عامة مناسبة يدرك بها ما حوله، إضافة إلى معرفته بالإنسان وطبيعة المراحل التي يمر بها الطفل وكيف يتعامل معها.
ومن صفات المربي أن يمتلك القدرة على العطاء، وهذا يتطلب تفريغ جزء من وقت الأب لأسرته وأبنائه ليعطي ما تعلمه من الحياة بلا حدود، وكذلك الأم يتطلب الأمر منها أن تفرغ جهدها لأجل أسرتها، وأن تعيد النظر في أولياتها لتعيد تنظيمها بما يتناسب مع حاجة أبنائها وتربيتهم. ولا يكفي كون المربي قادراً على العطاء بل لابد من أمر آخر وهو أن يكون حسن العطاء، فمجرد أن يكون لدى المربي ما يعطيه ليس كافياً في شؤون التربية، إنما ينبغي أن يعطيه بطريقة حسنه وإلا ضاع الأثر المطلوب أو انقلب إلى الضد حين يعطي المربي ما عنده بطريقة منفره.
ومن صفاته القدرة على المتابعة، فالتربية عمليه مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر إنما يحتاج إلى المتابعة والتوجيه المستمر، كذلك يصاحب هذه الصفة صفة أخرى وهي القدرة على التقويم والتصحيح الفعّال والمؤثر الذي قد يكون قاسماً للنجاح في هذا الحقل أو عدمه.
ومن صفاته أيضاً الاستقرار النفسي فهو يتعامل مع نفس بشرية ومع طبيعتها المعقدة فلا بد أن يملك قدراً من الاستقرار النفسي، ولا يكون متقلب المزاج سريع التغير مضطرباً فضلاً عن كونه غير مصاب بمرض نفسي.
ومن صفاته السمت والهدي الحسن، فالمربي قدوة بأعماله وسلوكه موجه لأحد، والفعل والهدي يترك أثراً على النفس أعظم من أثر القول.
ومن صفاته الاعتدال والاتزان فسنة الله تعالى في خلقه قائمة على ذلك وحياة الإنسان الجسمية والعقلية قائمة على أساس هذا الاعتدال والاتزان، والغلو والشذوذ أمر ممقوت أياً كان مصدره.
والكمال والنقص من صفات البشر ومن الذي ترضى سجاياه كلها. وحين نسعى لاستجماع هذه الصفات في كل مربي بالقدر الأمثل فنحن نبحث عن عناصر نادرة لا يمكن أن تفي بجزء من متطلبات الجهد التربوي المنوط بالصحوة اليوم، لكنها منارات نسعى للتطلع إليها والاقتراب منها متذكرين أن النقص والقصور سمة بشريه وأن الكمال عزيز ومالا يدرك كله لا يترك جله.
المرحلة الإبتدائية
لاشك أن سنوات الطفل الأولى هي من أخصب أوقات التلقي والتأثير لديه، وهي المرحلة المثالية لغرس الخصال الجميلة فيه، ولسنا بذلك نوهن بقية المراحل ونغض من طرفها، بل ربما كانت تلك المرحلة يتسم بها الطفل بالقدرة المذهلة على التلقي والاكتساب، ولكن حين نتأمل المرحلة الابتدائية تبرز سمات مميزة وأساسية لتكوين تلك الشخصية الطرية وأهم ما يميزها ما تحمله من جوانب حسنة وسيئة, تؤثر في صياغة شخصية الطفل، ومن أهم الجوانب الحسنة اختيار المعلم الجاد في تعامله مع الطلاب المتحبب إليهم، الذي يغرس في نفوسهم المبادئ العالية، ويصنع فيهم الشخصية الجادة، ويرسم لهم الطريق رسماً واضحاً، ويدلهم عليها ويسوقهم إليها بخطى ثابتة, فيعلمهم فن التخاطب وفن الكلمة وفن القراءة وقوة الطموح، ويكون قدوة حسنةً لهم.
ومن الجوانب الحسنة أيضاً الاهتمام بالمناهج للمرحلة الابتدائية، وتكثيف الحوار والمناقشة والقراءة والإطلاع، ومن الجوانب الحسنة وجود مكتبة علمية في المدرسة ووضع درس لذلك. ومن الجوانب الحسنة الاهتمام بالنشاط اللاصفي الذي يفتح للطالب باب المواهب والابتكار. هذا جزء من الجوانب الإيجابية التي يمكن استغلالها.
وأما الجوانب السيئة فيمكن التطرق لها عبر هذه النقاط:
ـ الضعف عند بعض المدرسين وعدم استشعاره للمسؤولية.
ـ عدم متابعة الطالب بعد المدرسة وربما يتلقفه أحد وهو خارج إلى بيته.
ـ الإهمال من جانب الأبوين وعدم مصارحة الطفل ومجالسته وسؤاله عن دراسته وزملائه.
ـ عدم وجود ما يحبب الطفل للمدرسة من برامج حية وأنشطة متنوعة.
ـ الدراسة النظرية المملة دون التطبيق العلمي كالوضوء مثلاً, الصلاة, آداب الزيارة.. وغيرها من الوسائل.
ـ انعدام التوعية الاجتماعية، وكذلك فقد الطالب للرؤية المستقبلية لحياته، وعدم معرفته للأمور التي لابد من أن يعرفها في مستقبله.
ـ عدم الإيضاح للطالب بالأخطار المحدقة به كالغزو الفكري, خطر اليهود, المخدرات, وسائل الإعلام, العفن الفني, العته الرياضي وغيرها من الأخطار.
لعب الأطفال
ساحات لعب الأطفال أماكن يرسم فيها خطوط عريضة من شخصياتهم وأبعاد طويلة من تفكيرهم قد يصل إلى ترسيخ نواح عقدية في نفوسهم، وهو ضرورة من ضروريات مرحلة الطفولة، وهي حقيقة علمية ثابتة حتى في أطفال الحيوانات. أما عن أبرز ضوابطه فهي أن يكون بأدوات مباحة، وكذا أن يكون مأمون الخطر والضرر، وأن يمارس باعتدال بحيث لا يستهلك جل وقت الطفل ويكون شغله الشاغل، وأن يكون تحت إشراف الوالدين وتحت مراقبتهما حتى يتم التوجيه والتصويب للخطأ إن وقع منهم.
وسائل تربية الأطفال
دعوة الأطفال همّ جديد قديم الجذور يشغل ذهن كثير من الدعاة والمصلحين والمربين الغيورين على مستقبل هذه الأمة، فما هي الوسائل الممكنة لذلك والتي من خلالها يمكن للمربي والمربية استنتاج جدول وبرنامج قومي متضمن ومناسب لمن تحت أيديهم من الأطفال ويتمشى مع جميع الظروف والأحوال؟
لعل من أهم الوسائل التي يحسن بالمربي أن يلم بها غرس العقيدة في النفوس والفهم الحقيقي لمعنى العقيدة وأنها ليست شعارات تردد أو طقوس ينادى لها بدون روح وحياة في القلب، فيغرس في قلبه (من ربك؟) بمعنى من إلهك الذي تعبده، ويبين له شيئاً من صفات الله، وأن الله يسمعك ويراك لا يخفى عليه شيء، وأن الله هو القوي وهو القادر على كل شيء، وأنه هو الرزاق وأن حياتنا وموتنا بيده، ويشرح لهم بوضوح حديث ابن عباس رضي الله عنه "يا غلام إني معلمك كلمات، احفظ الله يحفظك..." ثم يغرس في نفوسهم العبادة لله وحده مثل الصلاة والصيام والصدقة، وأن الصلاة تقرب العبد لربه، وأن الله هو الذي أمرنا بها، ثم نبين له أحكام الصلاة وكيف يصلي؟ ثم نبين لهم حب النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو الرسول؟ وماحقه علينا وما واجبنا نحوه صلى الله عليه وسلم، ثم حقوق الآخرين كحق الوالدين والجار والصديق القريب والمعلم وغير ذلك.
ومن الوسائل النافعة وضع مكتبة في البيت، وتكون مكتبة مصغرة يستطيع الطفل أن يتعامل مع هذه المكتبة وأن يقرأ الكتب الموجودة بين يديه، وهذه الكتب ينبغي أن تكون مختارة مناسبة للطفل.
ومن الوسائل وضع البرامج الهادفة من وسائل الإعلام وأشرطة الفيديو أو بعض الأشياء الهادفة، ويا ليت الأخوة في كلية الدعوة والإعلام يركزون على جانب الإخراج الطيب لأشرطة مرئية للطفل ويتبنون ذلك، وعلى أقل الأحوال يخرج لنا في السنة شريط أو شريطان تجمع بين الترويح والجد.
ومن الوسائل النافعة والجيدة التعاقد مع مربي فاضل يجتمع أبناء الحي أو الشارع الواحد عنده فيربيهم على الأخلاق الطيبة والصراحة وتنمية مواهبهم وأفكارهم.
ومن الوسائل التشجيع للطفل إذا رأى منه أحد أبواه خيراً, فإذا صلى الفجر مثلاً لا مانع أن يسبقه الأب إلى البيت, وإذا وصل إلى البيت قادماً من المسجد شكره ودعا له وأعطاه هدية يفرح بها ويشعره أنه راضٍ عنه، كما كان صلى الله عليه وسلم يشجع صغار الصحابة في طرح المسائل العلمية ويشجعهم على الرمي بل يرمي معهم.
ومن الوسائل إبعادهم عن المعوقات التي يمكن أن تقف في طريق دعوتهم. وكذلك من الوسائل القدوة الحسنة فلا ينهى المربي الولد عن الكذب وهو يكذب وليمتثل قول الشاعر:
لا تنـه عــن خلق وتـأتي مثــله
عار عليك إذا فعلت عظيم.
ومن الوسائل إذكاء الإيمان في قلب الطفل، وربطه باليوم الآخر وغرس حب الجنة ورؤية الله فيه حتى يزهد في الدنيا ولا يلتفت إليها، فالإيمان باليوم الآخر قضية لابد من ذكرها. ولا تذكر من جانب الخوف وهو الخوف من الموت وإنما تذكر على أنها حياة عظيمة وحياة جزاء وحساب.
المعوقـــــات
أما عن المعوقات فالمعوقات كثيرة ومنها، تشاغل الأبوين عن أداء دورهم ومهمتهم، أو عدم اهتمامهما بذلك، فتجد الاهتمام في المأكل والمشرب واللباس دون الاهتمام بروح الطفل وتوجيهه الوجهة السليمة، ولعل بعض البيوت ترمي بأطفالها على الخادمة أو المربية فيكون لها تأثير سلبي على الطفل، وربما غرست في نفسه أمراً من جوانب العقيدة يصعب عليه التخلص منها بعد ذلك.
ومن المعوقات الكبيرة وسائل الإعلام التي ينسى بعض الآباء أطفالهم عندها بلا رقابة أو أدنى اهتمام، خاصة تلك الأفلام التي تنخر في جانب العقيدة، والحرب اليوم مركزة على الطفل والإحصائيات في حقائق الأفلام أو الألعاب التي تعرض مخيفة جدا.
ومن المعوقات الألعاب الإلكترونية التي يظهر كثير منها بشكل مركز ومستهدف لهدم العقيدة والأخلاق، وهي ذات أثر في صرف الطفل عن الجوانب المهمة في التربية، مما تكون سبباً في سلب عقله وأسر فؤاده وتعلقه بها حتى تكون شغله الشاغل.
ومن المعوقات المدرسة إذا كان المدرس لا يدرك مستوى المسؤولية التي أنيطت بعاتقه و الأمانة التي يحملها, ودوره في المدارس التي ينبغي أن تكون محاضن إيمانية للأطفال.
الوسائل الإعلامية
وسائل الإعلام اليوم بأنواعها وقنواتها المتعددة لها تأثير كبير في تشكيل فكر الطفل وتوجيه سلوكه نظراً لما تبثه من مواد إعلامية فيها من التشويق والإثارة والجذب الشيء الكثير، وإذا تساءلنا عن ماهية هذه الوسائل التي تسهم بإعداد الطفل المسلم، فإننا يمكن أن نتحدث عن المستوى الذي ينبغي أن تصله الوسائل الإعلامية لتحقيق هذا الهدف، ويتشكل المستوى في أمور منها:
• أن تكون البرامج المقدمة للطفل منبثقة أساساً من العقيدة الإسلامية أو على الأقل لا تتعارض معها.
• أن تهدف البرامج الموجهة للطفل أو تثير اهتمامه إلى غرس محبة الله ورسوله في نفس الطفل وتربي في نفسه تقوى الله وخشيته في نفس الوقت.
• أن تقدم للطفل البرامج التي تغرس في نفسه الاعتزاز بدينه وتاريخه وحضارته, وكل ما جاء به الدين.
• أن تشجع هذه البرامج حاجات الطفولة وتكون على درجة عالية من الجودة والإخراج, والتنافس مع البرامج المستوردة.
• أن تسهم هذه البرامج في تنمية قدرات الطفل وتوجيهها السليم وتنمي مواهبه واستعداداته الإيجابية.
• أن تغرس وسائل الإعلام في نفس الطفل الأخلاقيات الفاضلة والسلوك القويم من خلال القصص المقدمة والبرامج المختلفة والمنوعة.
كتبتها / ندى صالح الريحان