الحالمه
17-07-2003, 05:16 PM
http://members.lycos.co.uk/egyptsonsmagazine/rose.jpg
لحظــــات مـن النــــدم
قصة قصيرة بقلم : إسلام شمس الدين
( اللهم احمني من الحاضر و الماضي . . أما الغد فأنا كفيلٌ به )
كانت هذه كلماته التي دوماً ما يرددها . . كان مقتنعاً أن المستقبل يمكن تدبر أمره ؛ يمكن التفكير له و الاستعداد لمواجهته . . أما الماضي فمن المستحيل تغييره ؛ من المستحيل إعادة الزمن إلى الوراء ؛ من المستحيل استعادة ما فرطنا به . .
كان الماضي مرتبطاً لديه ارتباطاً وثيقاً بالحاضر الذي يحياه دون أن يستطيع تغييره ، كل ما حدث بالماضي يسكن مشاعره في حاضره . . مشاعر الندم ؛ الشجن ؛ الحزن ؛ الذكريات الأليمة . . كل أحاسيس و أفكار الحاضر إنما هي نتاج الماضي .
كان يدرك يقيناً أنه لا يستطيع تزيين الماضي أو الحاضر . . يدرك أنه أضعف من مواجهتهما . . و أنه لا يملك إلا أن يدعو الله أن يكون له سنداً وعوناً في تحملهما .
طالع الساعة المعلقة أمامه على الحائط . . لقد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل . .
- لا بد و أن حفل الزفاف قد انتهى الآن . . ربما هما الآن في مسكنهما . . تمنحه كل ما هو من حقي أنا . .
لقد حان الوقت لبدء المحاكمة . .
تقدم بنفسه ليقف خلف أسوار القفص الحديدي بساحة المحكمة . . بدأ دفاعه عن نفسه :
· سيدي القاضي : أنا أطالب عدالتكم بتبرئة ساحتي . . فلقد راجعت كل مواد قانون الحب و لم أجد مادة واحدة تدينني بأي تهمة . . و أنا أرفض محاكمتي بغير قوانين الحب .
· أنت متهم بقتل الحب عمداً بسلاح الغيرة
· نعم أنا اعترف بالغيرة . .ولكن أي مواد قانون الحب تجّرم الغيرة ؟ أي مادة في قانون الحب تجعل من الغيرة تهمة أُدان بها ؟
· ولكنك تجاوزت في غيرتك الحدود التي تسمح بها قوانين الحب
· أي حدود تلك ؟ . . منذ متى للحب حدود ؟ . . منذ متى يتسع الفضاء لمشاعرنا ؟ . . منذ متى يمكن قياس مشاعر الحب و رسم حدودها ؟
· هل تنكر أنك بالغت في غيرتك ؟
· لا . . لا أنكر . . نعم كنت أغار عليها . . . كنت أغار إذا ما ابتسمت خشية أن يعشق غيري هذه الابتسامة . . كنت أغار إذا ما تحدثت خشية أن يعجب غيري بمنطق حديثها . . كنت أغار إذا ما بكت خشية أن يرق غيري لدموعها . . كنت أغار من حبها للأشياء . . من همسها للنساء . . من ذكرها للأسماء . . كنت أغار إذا ما اختارت ثوباً دون الآخر . . أو أحبت مكاناً دون الآخر . . كنت أغار من كل ماترى عيناها أو تسمع أذناها . . كنت أغار حتى من حبي لها ؛ فقد كنت أحبها أكثر من حبي لنفسي .
· لكنك بغيرتك هذه قتلت حبك
· لا . . من الظلم أن تتهموني بقتله . . اتهموني بما شئتم ، احكموا عليّ بما شئتم ؛ اتهموني بالجنون ؛ بالحماقة ؛ بالغباء . . لكن لا تتهموني بقتله
· و لكنها الحقيقة . . فلم يعد من حقك الآن أن تحبها
· بل من حقي . . فمشاعري ملك لي وحدي و لا يحق لأحد أن يسلبني إياها .
· قوانين السماء سلبتك الآن هذا الحق . . فلم يعد لك أي حق في هذا الحب ، بل هو من حق رجل آخر
· أنا لم أطلب غير الاحتفاظ بحبي لها صامتاً ، وهذا من حقي .
· لقد كان من حقك ، لكنك فرطت فيه بغيرتك .
· و من منا أحب بلا غيرة ؟ فالغيرة مبعثها الحب
· بل مبعثها الكرامة . . لقد كنت تحرص على كرامتك لا على حبك
· فلتأخذوا كرامتي ولتعيدوا لي حبي
· هل تتنازل عن كرامتك مقابل حبك ؟
· حبي هو كرامتي
· لو كنت تحب صادقاً لحرصت على الاحتفاظ بحبك
· لم أحرص على حياتي أكثر من حرصي عليه
· كنت تعلم أن غيرتك ربما تودي بحياته
· لم أكن أعلم غير أني أحب و أني لا أتحمل غيرتي على حبي .
· إذن فقد كنت تحرص على التخلص من عذابك أنت لأنك لا تحتمله
· أنا جزء من هذا الحب . . لقد كانت مشاعري كلها ملك له .
· لايهم ماذا كنت تمثل له ، أو ماذا كان يمثل لك . . فنحن الآن أمام تهمة منسوبة إليك بقتل هذا الحب
· لو كنت أنا الجاني فعلاً . . فهو ليس قتلاً إذن ، وإنما انتحار
· النتيجة واحدة ، لقد مات الحب
· في أعينكم فقط . . فما زال يحيا بداخلي أنا
· ألا زلت تنكر قتلك له ؟
· و كيف اعترف بجريمة لم تحدث ؟ . . فهو لا زال حياً ينبض بداخلي
· ربما يخفف اعترافك من عقوبتك
· و هل في قوانينكم عقوبة أشد من سجنه بداخلي إلى الأبد ؟
· ثق أنك ستنال العقوبة العادلة و لا شئ أكثر من هذا
خرج من ساحة المحكمة في انتظار سماع النطق بالحكم . .
طالع ساعة الحائط مرة أخرى . . لقد تجاوزت الرابعة صباحاً . .
- لا بد أنها أصبحت الآن زوجته فعلاً أمام الله و أمام الناس و أمامها هي أيضاً . . لقد أصبحت من حقه هو فقط . .
فهل تمنحه حقه هذا بجسدها فقط ؟ أم تمنحه مشاعرها أيضاَ ؟ هل تستجيب له أم تنفر منه ؟ هل لا زالت تحتفظ ببعض مشاعرها لي ؟ أم ماتت بداخلها حتى ذكرى هذه المشاعر ؟
عاد إلى ساحة المحكمة مرة أخرى . . ترقب بفتور سماع الحكم الذي يتوقعه . .
· لقد اطمأنت المحكمة لأدلة إدانتك بتهمة قتل الحب بسلاح الغيرة . .
لذلك فقد قضت بمعاقبتك على التهمة المنسوبة إليك . . بالندم مدى الحياة !
لحظــــات مـن النــــدم
قصة قصيرة بقلم : إسلام شمس الدين
( اللهم احمني من الحاضر و الماضي . . أما الغد فأنا كفيلٌ به )
كانت هذه كلماته التي دوماً ما يرددها . . كان مقتنعاً أن المستقبل يمكن تدبر أمره ؛ يمكن التفكير له و الاستعداد لمواجهته . . أما الماضي فمن المستحيل تغييره ؛ من المستحيل إعادة الزمن إلى الوراء ؛ من المستحيل استعادة ما فرطنا به . .
كان الماضي مرتبطاً لديه ارتباطاً وثيقاً بالحاضر الذي يحياه دون أن يستطيع تغييره ، كل ما حدث بالماضي يسكن مشاعره في حاضره . . مشاعر الندم ؛ الشجن ؛ الحزن ؛ الذكريات الأليمة . . كل أحاسيس و أفكار الحاضر إنما هي نتاج الماضي .
كان يدرك يقيناً أنه لا يستطيع تزيين الماضي أو الحاضر . . يدرك أنه أضعف من مواجهتهما . . و أنه لا يملك إلا أن يدعو الله أن يكون له سنداً وعوناً في تحملهما .
طالع الساعة المعلقة أمامه على الحائط . . لقد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل . .
- لا بد و أن حفل الزفاف قد انتهى الآن . . ربما هما الآن في مسكنهما . . تمنحه كل ما هو من حقي أنا . .
لقد حان الوقت لبدء المحاكمة . .
تقدم بنفسه ليقف خلف أسوار القفص الحديدي بساحة المحكمة . . بدأ دفاعه عن نفسه :
· سيدي القاضي : أنا أطالب عدالتكم بتبرئة ساحتي . . فلقد راجعت كل مواد قانون الحب و لم أجد مادة واحدة تدينني بأي تهمة . . و أنا أرفض محاكمتي بغير قوانين الحب .
· أنت متهم بقتل الحب عمداً بسلاح الغيرة
· نعم أنا اعترف بالغيرة . .ولكن أي مواد قانون الحب تجّرم الغيرة ؟ أي مادة في قانون الحب تجعل من الغيرة تهمة أُدان بها ؟
· ولكنك تجاوزت في غيرتك الحدود التي تسمح بها قوانين الحب
· أي حدود تلك ؟ . . منذ متى للحب حدود ؟ . . منذ متى يتسع الفضاء لمشاعرنا ؟ . . منذ متى يمكن قياس مشاعر الحب و رسم حدودها ؟
· هل تنكر أنك بالغت في غيرتك ؟
· لا . . لا أنكر . . نعم كنت أغار عليها . . . كنت أغار إذا ما ابتسمت خشية أن يعشق غيري هذه الابتسامة . . كنت أغار إذا ما تحدثت خشية أن يعجب غيري بمنطق حديثها . . كنت أغار إذا ما بكت خشية أن يرق غيري لدموعها . . كنت أغار من حبها للأشياء . . من همسها للنساء . . من ذكرها للأسماء . . كنت أغار إذا ما اختارت ثوباً دون الآخر . . أو أحبت مكاناً دون الآخر . . كنت أغار من كل ماترى عيناها أو تسمع أذناها . . كنت أغار حتى من حبي لها ؛ فقد كنت أحبها أكثر من حبي لنفسي .
· لكنك بغيرتك هذه قتلت حبك
· لا . . من الظلم أن تتهموني بقتله . . اتهموني بما شئتم ، احكموا عليّ بما شئتم ؛ اتهموني بالجنون ؛ بالحماقة ؛ بالغباء . . لكن لا تتهموني بقتله
· و لكنها الحقيقة . . فلم يعد من حقك الآن أن تحبها
· بل من حقي . . فمشاعري ملك لي وحدي و لا يحق لأحد أن يسلبني إياها .
· قوانين السماء سلبتك الآن هذا الحق . . فلم يعد لك أي حق في هذا الحب ، بل هو من حق رجل آخر
· أنا لم أطلب غير الاحتفاظ بحبي لها صامتاً ، وهذا من حقي .
· لقد كان من حقك ، لكنك فرطت فيه بغيرتك .
· و من منا أحب بلا غيرة ؟ فالغيرة مبعثها الحب
· بل مبعثها الكرامة . . لقد كنت تحرص على كرامتك لا على حبك
· فلتأخذوا كرامتي ولتعيدوا لي حبي
· هل تتنازل عن كرامتك مقابل حبك ؟
· حبي هو كرامتي
· لو كنت تحب صادقاً لحرصت على الاحتفاظ بحبك
· لم أحرص على حياتي أكثر من حرصي عليه
· كنت تعلم أن غيرتك ربما تودي بحياته
· لم أكن أعلم غير أني أحب و أني لا أتحمل غيرتي على حبي .
· إذن فقد كنت تحرص على التخلص من عذابك أنت لأنك لا تحتمله
· أنا جزء من هذا الحب . . لقد كانت مشاعري كلها ملك له .
· لايهم ماذا كنت تمثل له ، أو ماذا كان يمثل لك . . فنحن الآن أمام تهمة منسوبة إليك بقتل هذا الحب
· لو كنت أنا الجاني فعلاً . . فهو ليس قتلاً إذن ، وإنما انتحار
· النتيجة واحدة ، لقد مات الحب
· في أعينكم فقط . . فما زال يحيا بداخلي أنا
· ألا زلت تنكر قتلك له ؟
· و كيف اعترف بجريمة لم تحدث ؟ . . فهو لا زال حياً ينبض بداخلي
· ربما يخفف اعترافك من عقوبتك
· و هل في قوانينكم عقوبة أشد من سجنه بداخلي إلى الأبد ؟
· ثق أنك ستنال العقوبة العادلة و لا شئ أكثر من هذا
خرج من ساحة المحكمة في انتظار سماع النطق بالحكم . .
طالع ساعة الحائط مرة أخرى . . لقد تجاوزت الرابعة صباحاً . .
- لا بد أنها أصبحت الآن زوجته فعلاً أمام الله و أمام الناس و أمامها هي أيضاً . . لقد أصبحت من حقه هو فقط . .
فهل تمنحه حقه هذا بجسدها فقط ؟ أم تمنحه مشاعرها أيضاَ ؟ هل تستجيب له أم تنفر منه ؟ هل لا زالت تحتفظ ببعض مشاعرها لي ؟ أم ماتت بداخلها حتى ذكرى هذه المشاعر ؟
عاد إلى ساحة المحكمة مرة أخرى . . ترقب بفتور سماع الحكم الذي يتوقعه . .
· لقد اطمأنت المحكمة لأدلة إدانتك بتهمة قتل الحب بسلاح الغيرة . .
لذلك فقد قضت بمعاقبتك على التهمة المنسوبة إليك . . بالندم مدى الحياة !