رضا البطاوى
20-10-2018, 09:31 AM
سورة الذاريات
سميت بهذا الاسم لذكر الذاريات بقوله "والذاريات ذروا ".
"بسم الله الرحمن الرحيم والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع "المعنى بحكم الرب النافع المفيد والتاركات تركا فالرافعات رفعا فالمتحركات حركة فالموزعات حكما إنما تخبرون لواقع وإن الحكم لنافذ،يقسم الله للناس بالذاريات ذروا وهى فرق الجيش التاركات تركا لمواقعها السلمية والحاملات وقرا وهى نفسها فرق الجيش الرافعات أثقالا وهى معدات الحرب والجاريات يسرا وهى نفسها فرق الجيش المتحركات حركة نحو عدو الله والمقسمات أمرا وهى فرق الجيش نفسها المنفذات خطة القيادة وهو يقسم على أن اسم الله الرحمن الرحيم أى أن حكم الرب النافع المفيد هو إنما توعدون لصادق والمراد أن الذى تخبرون لحادث أى لأت مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن ما توعدون لأت "وهو البعث والحساب وفسر هذا بأن الدين واقع والمراد أن الجزاء فى القيامة متحقق والقول للناس
"والسماء ذات الحبك إنكم لفى قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم فى غمرة ساهون يسئلون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذى كنتم به تستعجلون "المعنى والسماء صاحبة الأبواب إنكم لفى حديث مغاير يبعد عنه من بعد لعن المكذبون الذين هم فى كفر مستمرون يستخبرون متى يوم الجزاء يوم فى النار يعذبون اسكنوا عقابكم هذا الذى كنتم به تطالبون ،يقسم الله بالسماء ذات الحبك وهى السموات صاحبة الأبواب المقفلة على أن الناس فى قول مختلف والمراد أن الناس نزل عليهم حديث مغاير أى دين مخالف لما عندهم من الأديان يؤفك عنه من أفك والمراد يكذب به من كذب ،ويبين لنا أن الخراصون قتلوا أى أن المكذبون بدين الله لعنوا وهو الذين هم فى غمرة ساهون والمراد الذين هم فى كفر مستمرون أى فى تكذيب معرضون عن الحق مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وهم فى غفلة معرضون"وهم يسئلون أيان يوم الدين والمراد ويستفهمون متى يوم الجزاء أى الوعد مصداق لقوله بسورة الملك"متى هذا الوعد"ويبين لنا أن يوم الدين وهو يوم الحساب هو يوم هم على النار يفتنون والمراد يوم هم على النار يعرضون مصداق لقوله بسورة غافر "النار يعرضون عليها"وهذا يعنى أنهم فى الجحيم يعذبون ويقال لهم ذوقوا فتنتكم أى اسكنوا عذاب النار مصداق لقوله بسورة السجدة "ذوقوا عذاب النار"هذا الذى كنتم به تستعجلون أى تطالبون به مكذبين له مصداق لقوله بسورة السجدة "ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون"وهذا يعنى أنهم كانوا فى الدنيا يطالبون الرسل(ص)بإنزال العذاب عليهم والخطاب للناس حتى أفك وما بعده للمؤمنين
"إن المتقين فى جنات وعيون آخذين ما أتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفى أموالهم حق للسائل والمحروم "المعنى إن المطيعين فى حدائق وأنهار متمتعين بما أعطاهم خالقهم إنهم كانوا قبل ذلك مصلحين كانوا قصيرا من الليل ما ينامون وبالليالى هم يستعفون وفى أملاكهم فرض للطالب والمحتاج،يبين الله أن المتقين وهم المطيعين لحكم الله فى جنات وهى حدائق وعيون أى وأنهار ذات أشربة لذيذة مصداق لقوله بسورة القمر"إن المتقين فى جنات ونهر"وهم آخذين ما أتاهم ربهم والمراد متمتعين بالذى أعطاهم إلههم والسبب إنهم كانوا قبل ذلك محسنين والمراد إنهم كانوا قبل الآخرة مصلحين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون والمراد كانوا وقتا قصيرا من الليل ما ينامون وهذا هو قيام الليل حيث تتجافى جنوبهم عن المضاجع وهم بالأسحار وهى الليالى يستغفرون أى يستعفون أى يطلبون من الله ترك عقابهم على ذنوبهم وفى أموالهم حق للسائل والمحروم والمراد وفى أملاك المتقين فرض معلوم للطالب وهو طالب المساعدة والمحتاج الذى لا يجد ما يكفيه .
"وفى الأرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفلا تبصرون وفى السماء رزقكم وما توعدون فو رب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون "المعنى وفى الأرض براهين للمصدقين وفى ذواتكم أفلا تعلمون وفى السماء نفعكم أى الذى تخبرون فو خالق السماء والأرض إنه لصدق شبه ما أنكم تتحدثون ،يبين الله للناس أن فى الأرض آيات للموقنين والمراد إن فى خلق الأرض براهين للمؤمنين ليطيعوا حكم الله وفى أنفسكم وهى ذواتكم براهين أخرى تدل على وجوب طاعة حكمه وحده ويسأل الله الناس أفلا تبصرون أى "أفلا يعقلون"كما قال بسورة يس والغرض من السؤال هو أن يفكروا ليطيعوا حكم الله ويبين لهم أن فى السماء رزقهم وهو نفعهم وفسرها بأنه ما يوعدون وهو ما يخبرون وهو الجنة فعند سدرة المنتهى فى السماء توجد الجنة مصداق لقوله بسورة النجم"ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى"ويقسم الله برب وهو خالق السموات والأرض أى بنفسه على أن الوحى حق أى صدق مثل ما أنكم تنطقون أى شبه ما أنكم تتحدثون الآن والخطاب وما قبله للناس على لسان النبى(ص) وما بعده من القصص له ومنه للناس.
"هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون "المعنى هل جاءك قول زوار إبراهيم (ص)المعظمين حين أتواعنده فقالوا خيرا فقال خير ناس مجهولون ،يسأل الله رسوله (ص)هل أتاك حديث ضيف والمراد هل قيلت لك قصة زوار إبراهيم (ص) المكرمين أى المعظمين إذ دخلوا عليه والمراد وقت أتوا عند بيته فقالوا سلاما أى الخير لكم فقال سلام قوم منكرون والمراد الخير لكم ناس مجهولون وهذا يعنى أنه لا يعرفهم .
"فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم "المعنى فذهب لامرأته فأتى بعجل كبير فقدمه لهم قال ألا تطعمون فأحس منهم خشية قالوا لا تخشى وأخبروه بصبى خبير ،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص)راغ إلى أهله والمراد دخل إلى زوجته ثم جاء بعجل سمين والمراد فأتى بعجل حنيذ أى كبير مشوى مصداق لقوله بسورة هود"فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" فقربه والمراد فقدمه إليهم أى فوضعه أمامهم فقال ألا تأكلون أى ألا تطعمون والمراد تفضلوا الطعام فلما رأى أيديهم لا تمسك الطعام
أوجس منهم خيفة والمراد فشعر منهم بخشية من أذاهم فعرفوا هذا فقالوا له :لا تخف أى لا تخشى أذى منا وبشروه بغلام عليم والمراد وأخبروه بولادة صبى خبير له فى المستقبل القريب .
"فأقبلت امرأته فى صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم " المعنى فأتت زوجته فى ضحك فضربت خدها وقالت امرأة عاقر وقالوا هكذا قال خالقك إنه هو القاضى العارف ،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة وهى زوجة إبراهيم (ص)أقبلت فى صرة والمراد أتت فى دهشة أى ضحك ساخر من البشرى فصكت وجهها والمراد فضربت على خدها بيدها وقالت عجوز عقيم أى شيخة عاقر فكيف أنجب فقالت الملائكة لها كذلك أى ستنجبين وأنت شيخة فهكذا قال ربك أى حكم خالقك إنه هو الحكيم العليم والمراد إنه القاضى الخبير بكل شىء.
"قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين "المعنى قال فما شأنكم أيها المبعوثون قالوا إنا بعثنا إلى ناس كافرين لنبعث عليهم صخور من طين معدة لدى إلهك للكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص)سأل الضيوف :فما خطبكم أيها المرسلون والمراد فما أمركم أى فما شأنكم أيها المبعوثون وهذا يعنى ما الغرض من مجيئكم ؟فأجابوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين والمراد إنا بعثنا إلى ناس كافرين لنرسل عليهم حجارة من طين والمراد لننزل عليهم صخورا من طين مهلكة مسومة عند ربك للمسرفين أى مجهزة لدى إلهك للكافرين
"فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم "المعنى فأنقذنا من كان فيها من المصدقين فما لقينا فيها غير أهل مسكن من المطيعين وجعلناها عبرة للذين يخشون العقاب الشديد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة قالت أخرجنا من كان فى القرية من المؤمنين والمراد أن الملائكة قالت أنجينا من كان فى القرية من المصدقين بحكم الله فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين والمراد فما لقينا فيها غير أهل مسكن من المطيعين لحكم الله وهو لوط (ص)وأهله إلا امرأته مصداق لقوله بسورة الأعراف "فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين " وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم والمراد وجعلناها عظة للذين يخشون العقاب الشديد مصداق لقوله بسورة ق "العذاب الشديد".
"وفى موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم "المعنى وفى قصة موسى (ص)آية حين بعثناه لفرعون ببرهان عظيم فأعرض بنفسه وقال مخادع أو سفيه فانتقمنا منه وعسكره فأغرقناهم فى البحر،يبين الله لنبيه (ص)أن فى قصة موسى (ص)آية أى عبرة إذ أرسله إلى فرعون بسلطان مبين والمراد وقت بعثه إلى فرعون مصداق لقوله بسورة يونس"ثم بعثنا من بعدهم موسى"بآيات عظيمة وهى المعجزات مصداق لقوله بسورة إبراهيم "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا"فكان رد فعل فرعون أن تولى بركنه أى أعرض بنفسه والمراد اعتز بنفسه مبتعدا عن الحق فقال إن موسى (ص)ساحر أى مخادع ممارس للخداع وهو السحر أو مجنون أى سفيه غير عاقل وهو هنا يتهمه بالسحر والجنون معا وهو ما يجعل فرعون مجنونا لأن الساحر لا يكون مجنونا عند الناس فكانت النتيجة أن أخذناه وجنوده أى أن انتقمنا منه وجيشه فنبذناهم فى اليم والمراد فأغرقناهم فى الماء مصداق لقوله بسورة الأعراف"فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم "بسبب كفرهم .
"وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم "المعنى وفى عاد عظة حين بعثنا عليهم الهواء المهلك ما تترك من كافر أصابته إلا حولته عظاما ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى قصة عاد عظة إذ أرسلنا عليهم الريح العقيمة والمراد وقت بعثنا إليهم الهواء المهلك ما تذر من شىء أتت عليه والمراد ما تبقى من كافر أصابته إلا جعلته كالرميم والمراد حولته إلى ما يشبه جثة الميت العظمية .
"وفى ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين "المعنى وفى ثمود آية حين قيل لهم تلذذوا حتى موعد فخرجوا على حكم إلههم فدمرتهم الطاغية وهم يرون فما قدروا على حياة وما كانوا غالبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله جعل فى قصة ثمود عبرة إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين والمراد وقت قال لهم نبيهم (ص)عند قتل الناقة تلذذوا بمتاع حتى موعد موتكم مصداق لقوله بسورة هود"فتمتعوا فى داركم ثلاثة أيام" ،فكانت النتيجة أن عتوا عن أمر ربهم والمراد أن عصوا حكم خالقهم بعدم قتل الناقة فقتلوها فأخذتهم الصاعقة والمراد فأهلكوا بالطاغية وهى الصيحة مصداق لقوله بسورة الحاقة "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية "وهم ينظرون والمراد وهم يرون الهلاك نازلا بهم فما استطاعوا من قيام والمراد فما قدروا على حياة وهذا يعنى أنهم ماتوا وفسر هذا بأنهم ما كانوا منتصرين والمراد"ما كانوا سابقين "كما قال بسورة العنكبوت والمراد وما كانوا مانعين أى رادين لعقاب الله .
"وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى وفى شعب نوح(ص)من قبل آية إنهم كانوا شعبا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص) أن فى قوم نوح وهم شعب نوح(ص)من قبل عبرة إنهم كانوا قوما فاسقين أى شعبا مجرمين مصداق لقوله بسورة يونس"وكانوا قوما مجرمين ".
"والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون والأرض فرشناها ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون"المعنى والسماء شيدناها بقوة وإنا لمغنون والأرض بسطناها ومن كل نوع أنشأنا فردين لعلكم تعقلون،يبين الله للناس أن السماء بناها والمراد أن السماء سواها أى شيدها وهو موسع أى مغنى أى مكثر لها حيث زاد سمكها وهو طبقاتها إلى سبعة مصداق لقوله بسورة البقرة ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات"والأرض فرشها أى مدها أى بسطها مصداق لقوله بسورة ق"والأرض مددناها"ومن كل شىء خلقنا زوجين والمراد ومن كل نوع من الخلق أبدعنا فردين ذكر وأنثى والسبب لعلكم تذكرون أى لعلكم تعقلون أى تطيعون حكمه والخطاب للناس.
"ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها أخر إنى لكم منه نذير مبين "المعنى فاهربوا إلى الرب إنى لكم منه مبلغ أمين أى لا تعبدوا مع الرب ربا أخر إنى لكم منه مخبر مخلص ،يطلب الله من النبى(ص)أن يقول للناس أن يفروا إلى الله والمراد أن يلجئوا إلى حمى الله بطاعة حكمه وفسر هذا بألا يجعلوا مع الله إلها أخر والمراد ألا يطيعوا مع حكم الرب حكم رب أخر مزعوم وبين لهم أنه من الله نذير مبين أى مبلغ أمين لحكمه والقول محذوف أوله وهو خطاب من النبى(ص)للناس.
"كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون"المعنى هكذا ما جاء الذين سبقوهم من نبى إلا قالوا مخادع أو سفيه أتناصحوا به بل هم ناس كافرون ،يبين الله أن كذلك أى بتلك الطريقة ما أتى الذين من قبلهم من رسول والمراد ما أرسل للذين سبقوهم فى الزمان من مبعوث مبلغ للوحى إلا قال الكفار عنه ساحر أى مخادع أو مجنون أى سفيه والمراد أنهم اتهموا كل الرسل بالسفه والسحر ،ويسأل الله أتواصوا به والمراد أتناصحوا به ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار نصح كل منهم الأخر فى عصره بأن يتهم رسولهم بهذه التهم والسبب أنهم قوم طاغون أى ناس مجرمون أى كافرون بحكم الله .
" فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "المعنى فأعرض عنهم فما أنت بمعاقب وأبلغ فإن الإبلاغ يفيد المصدقين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يتول عن الكفار والمراد يعرض عنهم مصداق لقوله بسورة السجدة "فأعرض عنهم"وهذا يعنى أن يترك معاملتهم فهو ليس بملوم أى معاقب على كفرهم ويطلب منه أن يذكر أى يبلغ الوحى لأن الذكرى وهى البلاغ تنفع المؤمنين أى يفيد المصدقين حيث تدخلهم طاعته الجنة والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده للنبى(ص) .
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد منهم أن يطعمون إن الله هو الرازق ذو القوة المتين "المعنى وما أنشأت الجن والبشر إلا ليطيعون ما أطلب منهم من نفع وما أطلب منهم أن يعطون إن الرب هو العاطى صاحب العزة القوى،يبين الله أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون والمراد أنه ما أبدع الجن والبشر إلا ليطيعوا حكمه ،وهو ما يريد منهم من رزق والمراد ما يطلب منهم من نفع وفسر هذا بأنه ما يريد منهم أن يطعموه والمراد ما يطلب منهم أن ينفعوه بشىء والسبب أن الله هو الرازق أى المعطى للنفع ذو القوة أى صاحب العزة المتين أى القوى الذى يعز مطيعيه ويقويهم ويذل مخالفيه ويضعفهم .
"فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون "المعنى فإن للذين كفروا سيئات شبه سيئات أشياعهم فلا يطلبون العذاب فالألم للذين كذبوا من عذاب يومهم الذى يخبرون ،يبين الله أن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم والمراد أن للذين كذبوا حكم الله خطايا شبه خطايا أشياعهم الذين هلكوا من قبل ومن ثم فعليهم ألا يستعجلوا والمراد ألا يطلبوا عذاب الله لأنه نازل بهم فى المستقبل إن استمروا فى كفرهم ،ويبين أن الويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون والمراد فالألم للذين ظلموا من عذاب يومهم الذى يخبرون به فى الوحى مصداق لقوله بسورة الزخرف"فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "
سميت بهذا الاسم لذكر الذاريات بقوله "والذاريات ذروا ".
"بسم الله الرحمن الرحيم والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع "المعنى بحكم الرب النافع المفيد والتاركات تركا فالرافعات رفعا فالمتحركات حركة فالموزعات حكما إنما تخبرون لواقع وإن الحكم لنافذ،يقسم الله للناس بالذاريات ذروا وهى فرق الجيش التاركات تركا لمواقعها السلمية والحاملات وقرا وهى نفسها فرق الجيش الرافعات أثقالا وهى معدات الحرب والجاريات يسرا وهى نفسها فرق الجيش المتحركات حركة نحو عدو الله والمقسمات أمرا وهى فرق الجيش نفسها المنفذات خطة القيادة وهو يقسم على أن اسم الله الرحمن الرحيم أى أن حكم الرب النافع المفيد هو إنما توعدون لصادق والمراد أن الذى تخبرون لحادث أى لأت مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن ما توعدون لأت "وهو البعث والحساب وفسر هذا بأن الدين واقع والمراد أن الجزاء فى القيامة متحقق والقول للناس
"والسماء ذات الحبك إنكم لفى قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم فى غمرة ساهون يسئلون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذى كنتم به تستعجلون "المعنى والسماء صاحبة الأبواب إنكم لفى حديث مغاير يبعد عنه من بعد لعن المكذبون الذين هم فى كفر مستمرون يستخبرون متى يوم الجزاء يوم فى النار يعذبون اسكنوا عقابكم هذا الذى كنتم به تطالبون ،يقسم الله بالسماء ذات الحبك وهى السموات صاحبة الأبواب المقفلة على أن الناس فى قول مختلف والمراد أن الناس نزل عليهم حديث مغاير أى دين مخالف لما عندهم من الأديان يؤفك عنه من أفك والمراد يكذب به من كذب ،ويبين لنا أن الخراصون قتلوا أى أن المكذبون بدين الله لعنوا وهو الذين هم فى غمرة ساهون والمراد الذين هم فى كفر مستمرون أى فى تكذيب معرضون عن الحق مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وهم فى غفلة معرضون"وهم يسئلون أيان يوم الدين والمراد ويستفهمون متى يوم الجزاء أى الوعد مصداق لقوله بسورة الملك"متى هذا الوعد"ويبين لنا أن يوم الدين وهو يوم الحساب هو يوم هم على النار يفتنون والمراد يوم هم على النار يعرضون مصداق لقوله بسورة غافر "النار يعرضون عليها"وهذا يعنى أنهم فى الجحيم يعذبون ويقال لهم ذوقوا فتنتكم أى اسكنوا عذاب النار مصداق لقوله بسورة السجدة "ذوقوا عذاب النار"هذا الذى كنتم به تستعجلون أى تطالبون به مكذبين له مصداق لقوله بسورة السجدة "ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون"وهذا يعنى أنهم كانوا فى الدنيا يطالبون الرسل(ص)بإنزال العذاب عليهم والخطاب للناس حتى أفك وما بعده للمؤمنين
"إن المتقين فى جنات وعيون آخذين ما أتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفى أموالهم حق للسائل والمحروم "المعنى إن المطيعين فى حدائق وأنهار متمتعين بما أعطاهم خالقهم إنهم كانوا قبل ذلك مصلحين كانوا قصيرا من الليل ما ينامون وبالليالى هم يستعفون وفى أملاكهم فرض للطالب والمحتاج،يبين الله أن المتقين وهم المطيعين لحكم الله فى جنات وهى حدائق وعيون أى وأنهار ذات أشربة لذيذة مصداق لقوله بسورة القمر"إن المتقين فى جنات ونهر"وهم آخذين ما أتاهم ربهم والمراد متمتعين بالذى أعطاهم إلههم والسبب إنهم كانوا قبل ذلك محسنين والمراد إنهم كانوا قبل الآخرة مصلحين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون والمراد كانوا وقتا قصيرا من الليل ما ينامون وهذا هو قيام الليل حيث تتجافى جنوبهم عن المضاجع وهم بالأسحار وهى الليالى يستغفرون أى يستعفون أى يطلبون من الله ترك عقابهم على ذنوبهم وفى أموالهم حق للسائل والمحروم والمراد وفى أملاك المتقين فرض معلوم للطالب وهو طالب المساعدة والمحتاج الذى لا يجد ما يكفيه .
"وفى الأرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفلا تبصرون وفى السماء رزقكم وما توعدون فو رب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون "المعنى وفى الأرض براهين للمصدقين وفى ذواتكم أفلا تعلمون وفى السماء نفعكم أى الذى تخبرون فو خالق السماء والأرض إنه لصدق شبه ما أنكم تتحدثون ،يبين الله للناس أن فى الأرض آيات للموقنين والمراد إن فى خلق الأرض براهين للمؤمنين ليطيعوا حكم الله وفى أنفسكم وهى ذواتكم براهين أخرى تدل على وجوب طاعة حكمه وحده ويسأل الله الناس أفلا تبصرون أى "أفلا يعقلون"كما قال بسورة يس والغرض من السؤال هو أن يفكروا ليطيعوا حكم الله ويبين لهم أن فى السماء رزقهم وهو نفعهم وفسرها بأنه ما يوعدون وهو ما يخبرون وهو الجنة فعند سدرة المنتهى فى السماء توجد الجنة مصداق لقوله بسورة النجم"ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى"ويقسم الله برب وهو خالق السموات والأرض أى بنفسه على أن الوحى حق أى صدق مثل ما أنكم تنطقون أى شبه ما أنكم تتحدثون الآن والخطاب وما قبله للناس على لسان النبى(ص) وما بعده من القصص له ومنه للناس.
"هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون "المعنى هل جاءك قول زوار إبراهيم (ص)المعظمين حين أتواعنده فقالوا خيرا فقال خير ناس مجهولون ،يسأل الله رسوله (ص)هل أتاك حديث ضيف والمراد هل قيلت لك قصة زوار إبراهيم (ص) المكرمين أى المعظمين إذ دخلوا عليه والمراد وقت أتوا عند بيته فقالوا سلاما أى الخير لكم فقال سلام قوم منكرون والمراد الخير لكم ناس مجهولون وهذا يعنى أنه لا يعرفهم .
"فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم "المعنى فذهب لامرأته فأتى بعجل كبير فقدمه لهم قال ألا تطعمون فأحس منهم خشية قالوا لا تخشى وأخبروه بصبى خبير ،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص)راغ إلى أهله والمراد دخل إلى زوجته ثم جاء بعجل سمين والمراد فأتى بعجل حنيذ أى كبير مشوى مصداق لقوله بسورة هود"فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" فقربه والمراد فقدمه إليهم أى فوضعه أمامهم فقال ألا تأكلون أى ألا تطعمون والمراد تفضلوا الطعام فلما رأى أيديهم لا تمسك الطعام
أوجس منهم خيفة والمراد فشعر منهم بخشية من أذاهم فعرفوا هذا فقالوا له :لا تخف أى لا تخشى أذى منا وبشروه بغلام عليم والمراد وأخبروه بولادة صبى خبير له فى المستقبل القريب .
"فأقبلت امرأته فى صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم " المعنى فأتت زوجته فى ضحك فضربت خدها وقالت امرأة عاقر وقالوا هكذا قال خالقك إنه هو القاضى العارف ،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة وهى زوجة إبراهيم (ص)أقبلت فى صرة والمراد أتت فى دهشة أى ضحك ساخر من البشرى فصكت وجهها والمراد فضربت على خدها بيدها وقالت عجوز عقيم أى شيخة عاقر فكيف أنجب فقالت الملائكة لها كذلك أى ستنجبين وأنت شيخة فهكذا قال ربك أى حكم خالقك إنه هو الحكيم العليم والمراد إنه القاضى الخبير بكل شىء.
"قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين "المعنى قال فما شأنكم أيها المبعوثون قالوا إنا بعثنا إلى ناس كافرين لنبعث عليهم صخور من طين معدة لدى إلهك للكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص)سأل الضيوف :فما خطبكم أيها المرسلون والمراد فما أمركم أى فما شأنكم أيها المبعوثون وهذا يعنى ما الغرض من مجيئكم ؟فأجابوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين والمراد إنا بعثنا إلى ناس كافرين لنرسل عليهم حجارة من طين والمراد لننزل عليهم صخورا من طين مهلكة مسومة عند ربك للمسرفين أى مجهزة لدى إلهك للكافرين
"فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم "المعنى فأنقذنا من كان فيها من المصدقين فما لقينا فيها غير أهل مسكن من المطيعين وجعلناها عبرة للذين يخشون العقاب الشديد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة قالت أخرجنا من كان فى القرية من المؤمنين والمراد أن الملائكة قالت أنجينا من كان فى القرية من المصدقين بحكم الله فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين والمراد فما لقينا فيها غير أهل مسكن من المطيعين لحكم الله وهو لوط (ص)وأهله إلا امرأته مصداق لقوله بسورة الأعراف "فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين " وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم والمراد وجعلناها عظة للذين يخشون العقاب الشديد مصداق لقوله بسورة ق "العذاب الشديد".
"وفى موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم "المعنى وفى قصة موسى (ص)آية حين بعثناه لفرعون ببرهان عظيم فأعرض بنفسه وقال مخادع أو سفيه فانتقمنا منه وعسكره فأغرقناهم فى البحر،يبين الله لنبيه (ص)أن فى قصة موسى (ص)آية أى عبرة إذ أرسله إلى فرعون بسلطان مبين والمراد وقت بعثه إلى فرعون مصداق لقوله بسورة يونس"ثم بعثنا من بعدهم موسى"بآيات عظيمة وهى المعجزات مصداق لقوله بسورة إبراهيم "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا"فكان رد فعل فرعون أن تولى بركنه أى أعرض بنفسه والمراد اعتز بنفسه مبتعدا عن الحق فقال إن موسى (ص)ساحر أى مخادع ممارس للخداع وهو السحر أو مجنون أى سفيه غير عاقل وهو هنا يتهمه بالسحر والجنون معا وهو ما يجعل فرعون مجنونا لأن الساحر لا يكون مجنونا عند الناس فكانت النتيجة أن أخذناه وجنوده أى أن انتقمنا منه وجيشه فنبذناهم فى اليم والمراد فأغرقناهم فى الماء مصداق لقوله بسورة الأعراف"فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم "بسبب كفرهم .
"وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم "المعنى وفى عاد عظة حين بعثنا عليهم الهواء المهلك ما تترك من كافر أصابته إلا حولته عظاما ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى قصة عاد عظة إذ أرسلنا عليهم الريح العقيمة والمراد وقت بعثنا إليهم الهواء المهلك ما تذر من شىء أتت عليه والمراد ما تبقى من كافر أصابته إلا جعلته كالرميم والمراد حولته إلى ما يشبه جثة الميت العظمية .
"وفى ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين "المعنى وفى ثمود آية حين قيل لهم تلذذوا حتى موعد فخرجوا على حكم إلههم فدمرتهم الطاغية وهم يرون فما قدروا على حياة وما كانوا غالبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله جعل فى قصة ثمود عبرة إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين والمراد وقت قال لهم نبيهم (ص)عند قتل الناقة تلذذوا بمتاع حتى موعد موتكم مصداق لقوله بسورة هود"فتمتعوا فى داركم ثلاثة أيام" ،فكانت النتيجة أن عتوا عن أمر ربهم والمراد أن عصوا حكم خالقهم بعدم قتل الناقة فقتلوها فأخذتهم الصاعقة والمراد فأهلكوا بالطاغية وهى الصيحة مصداق لقوله بسورة الحاقة "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية "وهم ينظرون والمراد وهم يرون الهلاك نازلا بهم فما استطاعوا من قيام والمراد فما قدروا على حياة وهذا يعنى أنهم ماتوا وفسر هذا بأنهم ما كانوا منتصرين والمراد"ما كانوا سابقين "كما قال بسورة العنكبوت والمراد وما كانوا مانعين أى رادين لعقاب الله .
"وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى وفى شعب نوح(ص)من قبل آية إنهم كانوا شعبا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص) أن فى قوم نوح وهم شعب نوح(ص)من قبل عبرة إنهم كانوا قوما فاسقين أى شعبا مجرمين مصداق لقوله بسورة يونس"وكانوا قوما مجرمين ".
"والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون والأرض فرشناها ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون"المعنى والسماء شيدناها بقوة وإنا لمغنون والأرض بسطناها ومن كل نوع أنشأنا فردين لعلكم تعقلون،يبين الله للناس أن السماء بناها والمراد أن السماء سواها أى شيدها وهو موسع أى مغنى أى مكثر لها حيث زاد سمكها وهو طبقاتها إلى سبعة مصداق لقوله بسورة البقرة ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات"والأرض فرشها أى مدها أى بسطها مصداق لقوله بسورة ق"والأرض مددناها"ومن كل شىء خلقنا زوجين والمراد ومن كل نوع من الخلق أبدعنا فردين ذكر وأنثى والسبب لعلكم تذكرون أى لعلكم تعقلون أى تطيعون حكمه والخطاب للناس.
"ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها أخر إنى لكم منه نذير مبين "المعنى فاهربوا إلى الرب إنى لكم منه مبلغ أمين أى لا تعبدوا مع الرب ربا أخر إنى لكم منه مخبر مخلص ،يطلب الله من النبى(ص)أن يقول للناس أن يفروا إلى الله والمراد أن يلجئوا إلى حمى الله بطاعة حكمه وفسر هذا بألا يجعلوا مع الله إلها أخر والمراد ألا يطيعوا مع حكم الرب حكم رب أخر مزعوم وبين لهم أنه من الله نذير مبين أى مبلغ أمين لحكمه والقول محذوف أوله وهو خطاب من النبى(ص)للناس.
"كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون"المعنى هكذا ما جاء الذين سبقوهم من نبى إلا قالوا مخادع أو سفيه أتناصحوا به بل هم ناس كافرون ،يبين الله أن كذلك أى بتلك الطريقة ما أتى الذين من قبلهم من رسول والمراد ما أرسل للذين سبقوهم فى الزمان من مبعوث مبلغ للوحى إلا قال الكفار عنه ساحر أى مخادع أو مجنون أى سفيه والمراد أنهم اتهموا كل الرسل بالسفه والسحر ،ويسأل الله أتواصوا به والمراد أتناصحوا به ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار نصح كل منهم الأخر فى عصره بأن يتهم رسولهم بهذه التهم والسبب أنهم قوم طاغون أى ناس مجرمون أى كافرون بحكم الله .
" فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "المعنى فأعرض عنهم فما أنت بمعاقب وأبلغ فإن الإبلاغ يفيد المصدقين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يتول عن الكفار والمراد يعرض عنهم مصداق لقوله بسورة السجدة "فأعرض عنهم"وهذا يعنى أن يترك معاملتهم فهو ليس بملوم أى معاقب على كفرهم ويطلب منه أن يذكر أى يبلغ الوحى لأن الذكرى وهى البلاغ تنفع المؤمنين أى يفيد المصدقين حيث تدخلهم طاعته الجنة والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده للنبى(ص) .
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد منهم أن يطعمون إن الله هو الرازق ذو القوة المتين "المعنى وما أنشأت الجن والبشر إلا ليطيعون ما أطلب منهم من نفع وما أطلب منهم أن يعطون إن الرب هو العاطى صاحب العزة القوى،يبين الله أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون والمراد أنه ما أبدع الجن والبشر إلا ليطيعوا حكمه ،وهو ما يريد منهم من رزق والمراد ما يطلب منهم من نفع وفسر هذا بأنه ما يريد منهم أن يطعموه والمراد ما يطلب منهم أن ينفعوه بشىء والسبب أن الله هو الرازق أى المعطى للنفع ذو القوة أى صاحب العزة المتين أى القوى الذى يعز مطيعيه ويقويهم ويذل مخالفيه ويضعفهم .
"فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون "المعنى فإن للذين كفروا سيئات شبه سيئات أشياعهم فلا يطلبون العذاب فالألم للذين كذبوا من عذاب يومهم الذى يخبرون ،يبين الله أن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم والمراد أن للذين كذبوا حكم الله خطايا شبه خطايا أشياعهم الذين هلكوا من قبل ومن ثم فعليهم ألا يستعجلوا والمراد ألا يطلبوا عذاب الله لأنه نازل بهم فى المستقبل إن استمروا فى كفرهم ،ويبين أن الويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون والمراد فالألم للذين ظلموا من عذاب يومهم الذى يخبرون به فى الوحى مصداق لقوله بسورة الزخرف"فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "