رضا البطاوى
04-01-2019, 10:08 AM
سورة غافر
سميت بهذا الاسم لذكر الله غافر الذنب فى قوله "غافر الذنب ".
"بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات إلقاء الوحى من الرب الناصر الخبير ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو حم تنزيل الكتاب من الله والمراد آيات مفرقات عادلة وحى القرآن وبيانه من الله العزيز العليم أى الناصر الخبير وهذا يعنى أن الله حكم أن القرآن وبيانه وهو تفسيره ينزل كل مجموعة آيات مع بعضها .
"غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا إله إلا هو إليه المصير "المعنى ماحى الخطيئة أى قابل العود عظيم العقاب صاحب القوة لا رب إلا هو إليه المرجع ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله هو غافر الذنب أى مزيل عقاب السيئة وفسره بأنه قابل التوب أى راضى عودة المستغفر لسيئته وهو شديد العقاب أى عظيم العذاب مصداق لقوله بسورة البقرة "شديد العذاب"وهو ذى الطول أى صاحب القوة كلها لا إله إلا هو أى لا رب إلا هو إليه المصير أى إلى جزاء الله العودة بعد الموت.
"ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم فى البلاد"المعنى ما يخوض فى أحكام الرب إلا الذين كذبوا فلا يخدعك تحركهم فى القرى،يبين الله لنبيه (ص)أن ما يجادل أى يحاجج أى يتكلم فى آيات الله وهى أحكام الرب إلا الذين كفروا وهم الذين كذبوا أحكام الله ويطلب منه ألا يغره تقلبهم فى البلاد والمراد ألا يخدعه تمتعهم وهو حكمهم فى الأرض بالظلم فهذا ليس مقياس لكونهم على الحق والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده .
"كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولها ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار"المعنى كفر قبلهم شعب نوح(ص)والفرق من بعد هلاكهم واجتمعت كل جماعة على نبيها ليقتلوه وحاجوا بالكذب ليزيلوا به الصدق فأهلكتهم فكيف كان عذاب وهكذا صدق قول إلهك فى الذين كذبوا أنهم سكان الجحيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن قوم وهم شعب نوح(ص)والأحزاب وهم الأقوام من بعد هلاكهم كذبوا أى كفروا بحكم الله وهمت كل أمة برسولها والمراد واجتمعت كل جماعة على نبيهم والسبب ليأخذوه أى ليقتلوه وجادلوا بالباطل والمراد وتحدثوا بالكذب والسبب أن يدحضوا به الحق والمراد أن يزيلوا أى أن يطفئوا به الحق وهو نور الله فكانت النتيجة أن أخذتهم أى أهلكتهم بذنوبهم فكيف كان عقاب أى"فكيف كان نكير"كما قال بسورة الملك والمراد خذوا العظة من العذاب الذى نزل بهم،وكذلك أى بتلك الطريقة وهى التكذيب والهم والجدال حقت كلمة الرب على الذين كفروا والمراد وقع أى تحقق قول الله فى الذين كذبوا بحكم الله أنهم أصحاب النار والمراد أنهم سكان الجحيم .
"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "المعنى الذين يرفعون الكرسى ومن فى دائرته يقومون بشكر إلههم ويصدقون به ويستعفون للذين صدقوا إلهنا أعطيت كل مخلوق نفعا وهداية فامحو للذين عادوا أى أطاعوا دينك وامنع عنهم عقاب النار،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين يحملون العرش ومن حوله والمراد أن الملائكة التى ترفع كرسى الملك الإلهى فوقهم ومن يحيطون بالكرسى من بعدهم يفعلون التالى يسبحون بحمد ربهم والمراد يعملون بأمر خالقهم وهو شريعته ويؤمنون به أى ويصدقون بالشريعة وهم يستغفرون للذين آمنوا والمراد ويطلبون العفو عن ذنوب الذين صدقوا وحى الله فيقولون ربنا أى إلهنا وسعت كل شىء رحمة وعلما والمراد أعطيت كل مخلوق نفعا ومعرفة وهذا يعنى أنه أعطى كل مخلوق رزق ليعيش به ووحى ليعمل به،فاغفر للذين تابوا والمراد فاعفو عن الذين استغفروك لذنبهم وفسروا هذا بقولهم واتبعوا سبيلك أى وأطاعوا دينك وفسروا الغفران بأن قهم عذاب الجحيم أى امنع عنهم عقاب النار وهو السيئات أى العقوبات مصداق لقوله بسورة غافر"وقهم السيئات "وقوله بسورة آل عمران "عذاب النار".
"ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم "المعنى إلهنا وأسكنهم حدائق خالدة التى أخبرتهم ومن أسلم من آبائهم ونسائهم وأولادهم إنك أنت الناصر القاضى وامنع عنهم العقوبات ومن تمنع العقوبات عنه يومئذ فقد أنجيته وذلك هو النصر المبين،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة تقول فى دعاءها :ربنا أى خالقنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم والمراد وأسكنهم حدائق الخلود التى أخبرتهم فى الدنيا ومن صلح أى ومن أسلم من آباءهم وأزواجهم وهن نسائهم وذرياتهم وهم أولادهم فهم يريدون من الله إدخال المسلمين الجنة التى أخبرهم بها فى الدنيا على لسان الرسل (ص)إنك أنت العزيز الحكيم والمراد إنك أنت الناصر القاضى بالحق ومن تق السيئات والمراد ومن تمنع عنه أى تصرف عنه عذاب الجحيم يومئذ مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن يصرف عنه يومئذ "فقد رحمته أى فقد أنجيته مصداق لقوله بسورة غافر"وقهم عذاب الجحيم "وذلك وهو الإبعاد عن النار هو الفوز العظيم أى النصر المبين مصداق لقوله بسورة الأنعام "وذلك هو الفوز المبين "والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده منه للكفار.
"إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون "المعنى إن الذين كذبوا يدعون لكره الله أعظم من كرهكم أنفسكم إذ تنادون إلى التصديق فتكذبون،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا وهم الذين كذبوا بحكم الله ينادون لمقت والمراد يدعون الناس لبغض دين الله،ويبين الله لهم أن الله أكبر والمراد أن دين الله أعظم من مقتهم أنفسهم أى من كراهيتهم لأنفسهم إذ يدعون للإيمان فيكفرون والمراد وقت ينادون للتصديق بحكم الله فيكذبون وهذا يعنى أن كل كافر هو كاره لنفسه وسبب كراهيته لنفسه هو كفره بالإسلام حيث يدخلها النار
"قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل "المعنى قالوا إلهنا توفيتنا مرتين وبعثتنا مرتين فأقررنا بخطايانا فهل إلى إنقاذ من طريق ؟يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا فى النار :ربنا أى خالقنا أمتنا اثنتين والمراد توفيتنا مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى البرزخ ،وأحييتنا اثنتين أى وأعشتنا مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى البرزخ فاعترفنا بذنوبنا والمراد فأقررنا بسيئاتنا فهل إلى خروج من سبيل أى "فهل إلى مرد من سبيل"كما قال بسورة الشورى والغرض من السؤال هو طلب العودة للحياة الدنيا وهذا يعنى البعد عن النار أولا وهو ما لا طريق إليه والقول للنبى(ص).
"ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير "المعنى ذلكم بأنه إذا نودى الرب وحده كذبتم وإن يكفر به تصدقوا فالقضاء للكبير العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن ذلكم وهو دخول الكفار النار سببه أنه إذا دعى الله وحده أى أنه إذا نادى المسلمين لطاعة حكم الله وحده كفروا أى عصوا النداء وإن يشرك به والمراد وإن ينادوا ليعصى حكم الله يؤمنوا أى يصدقوا أى يطيعوا حكم غير الله فالحكم وهو الأمر لله مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر"هو العلى الكبير أى الكبير العظيم .
"هو الذى يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون "المعنى هو الذى يعرفكم أحكامه أى يوحى لكم من الأعلى وحيا وما يطيع إلا من يتوب فأطيعوا الرب مديمين له طاعة الحكم ولو بغض المكذبون ،يبين الله للناس أن الله يريهم آياته والمراد يبلغهم أحكامه وفسر هذا بأنه ينزل عليكم من السماء رزقا والمراد أنه يوحى لهم من الأعلى وحيا أى حكما أى آيات عن طريق جبريل(ص)مصداق لقوله بسورة الحديد"هو الذى ينزل على عبده آيات بينات"ويبين أنه لا يتذكر إلا من ينيب والمراد لا يطيع أحكام الله إلا من يعود لدينه وهم أولى الألباب مصداق لقوله بسورة الزمر"إنما يتذكر أولوا الألباب "ويطلب منهم أن يدعوا الله مخلصين له الدين والمراد أن يطيعوا حكم الرب مستمرين له فى طاعة الحكم ولو كره الكافرون أى لو بغض المشركون الطاعة مصداق لقوله بسورة التوبة"ولو كره المشركون"والخطاب للناس والمؤمنين من أول فادعوا.
"رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شىء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "المعنى عظيم العطايا صاحب الملك ينزل الوحى من عنده إلى من يريد من عبيده ليخبر يوم التقابل يوم هم حاضرون لا يغيب من الله منهم واحد لمن الحكم اليوم لله الواحد الغالب ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله رفيع الدرجات والمراد مزيد العطايا لمن يريد مصداق لقوله بسورة يوسف"نرفع درجات من نشاء"ذو العرش أى صاحب الملك وهو يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده والمراد ينزل الملائكة بالوحى من عنده إلى من يريد من خلقه وهم الرسل(ص)مصداق لقوله بسورة النحل"ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده"والسبب أن ينذر يوم التلاق أى أن يخبر الناس عن طريق الرسل(ص)يوم التقابل وهو يوم القيامة يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شىء والمراد يوم هم ظاهرون أى حاضرون لا يغيب عن علم الله منهم غائب أى خافية مصداق لقوله بسورة الحاقة"يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية "ويسألون لمن الملك وهو الحكم أى الأمر اليوم ؟ فيجابون لله الواحد الذى لا شريك له القهار أى الغالب على حكمه وهو المنفذ له والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب "المعنى اليوم تعطى كل نفس جزاء ما عملت لا بخس الآن إن الرب شديد العقاب،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة تقول للكفار :اليوم أى الآن تجزى كل نفس بما كسبت أى "توفى كل نفس ما عملت"كما قال بسورة النحل والمراد تدخل كل نفس جزاء الذى فعلت فى الدنيا ،لا ظلم اليوم والمراد لا نقص لحق اليوم إن الله سريع الحساب والمراد إن الرب شديد العقاب مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن ربك لسريع العقاب"لمن يكفر به .
"وأنذرهم يوم الأزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"المعنى وأخبرهم يوم القيامة إذا الكلمات فى الحناجر ممنوعين ما للكافرين من صديق ولا نصير يتبع ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينذر والمراد يخبر الناس بيوم الأزفة والمراد بعذاب يوم الحسرة مصداق لقوله بسورة مريم"وأنذرهم يوم الحسرة"وهو يوم القيامة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين والمراد إذا الكلمات فى الحناجر وهى الأفواه ممنوعين وفسرنا القلوب بأنها الكلمات أى الأقوال مصداق لقوله بسورة البقرة"كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم"فتشابه الأقوال هو تشابه القلوب وفى منع كلامهم قال تعالى بسورة يس"اليوم نختم على أفواههم"ويبين له أن الظالمين وهم الكفار ليس لهم حميم أى صديق أو شفيع يطاع أى ناصر يتبع والمراد ليس لهم من صديق ناصر أو شافعين مصداق لقوله بسورة الشعراء"فما لنا من شافعين ولا صديق حميم"
"يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشىء إن الله هو السميع البصير "المعنى يعرف نية النفوس أى ما تسر النفوس والرب يحكم بالعدل والذين يعبدون من سواه لا يحكمون بحكم إن الرب هو الخبير العليم،يبين الله لنبيه (ص)أن الله يعلم خائنة الأعين والمراد أن الرب يعرف خافية النفوس وفسر هذا بأنه ما تخفى الصدور أى ما تسر النفوس مصداق لقوله بسورة البقرة"يعلم ما يسرون"والله يقضى بالحق والمراد والرب يحكم بالعدل مصداق لقوله بسورة الرعد"والله يحكم لا معقب لحكمه"وأما الذين يدعون من دونه وهم الذين يعبدون من سواه لا يقضون بشىء والمراد لا يحكمون حكما أى لا يملكون شيئا مصداق لقوله بسورة فاطر"والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير"والله هو السميع البصير أى الخبير العليم بكل شىء والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا فى الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق"المعنى أو لم يتحركوا فى البلاد فيعلموا كيف كان جزاء الذين سبقوهم كانوا هم أكبر منهم بطشا ومبانى فى البلاد أهلكهم الرب بخطاياهم وما كان لهم من الرب من منقذ،يسأل الله أو لم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم أى فيعرفوا كيف كان هلاك الذين سبقوهم فى الكفر كانوا هم أشد منهم قوة والمراد كانوا أعظم منهم بأسا أى بطشا وآثارا فى الأرض والمراد ومبانى فى البلاد ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أنهم عرفوا أن الله أهلك الكفار السابقين لهم رغم كونهم أعظم قوة وآثارا فى الأرض منهم عن طريق سفرهم فى البلاد ولكنهم لم يعتبروا بما حدث لهم ويبين الله أنه أخذ الكفار بذنوبهم والمراد أهلك الكفار بخطاياهم وهى ظلمهم مصداق لقوله بسورة الكهف"أهلكناهم لما ظلموا"ويبين الله أنهم لم يكن لهم من الله من واق والمراد لم يكن لهم من عذاب الله من ناصر أى ولى ينقذهم منه مصداق لقوله بسورة العنكبوت"ما لكم من الله من ولى ولا نصير"والخطاب للنبى(ص)
"ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوى شديد العقاب"المعنى ذلك بأنهم كانت تجيئهم مبعوثوهم بالآيات فكذبوا فأهلكهم الرب إنه قهار عظيم العذاب ،يبين الله أن ذلك وهو الأخذ سببه أن الكفار كانت تأتيهم رسلهم بالبينات والمراد أن الكفار كانت تجيئهم أنبياؤهم بالآيات مصداق لقوله بسورة الأعراف"ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات"فكفروا أى فكذبوا بالآيات فأخذهم والمراد فأهلكهم الله إنه قوى شديد العقاب والمراد أنه قادر على الإهلاك عظيم العذاب مصداق لقوله بسورة البقرة "وأن الله شديد العذاب " والخطاب للنبى(ص).
"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا فى ضلال"المعنى ولقد بعثنا موسى (ص)بعلاماتنا وبرهان عظيم إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا مخادع مفترى فلما أتاهم بالعدل من لدينا قالوا اذبحوا أولاد الذين صدقوا به واسبوا إناثهم وما مكر المكذبين إلا فى دمار،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل والمراد بعث موسى (ص)مصداق لقوله بسورة يونس"ثم بعثنا من بعدهم موسى "إلى كل من فرعون وهامان وزيره وقارون الذى من قوم موسى (ص)بآياتنا وهى براهين الله وفسرها بأنها سلطان مبين أى آيات بينات مصداق لقوله بسورة القصص"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات"وهى الأدلة العظيمة قالوا له :ساحر كذاب والمراد ماكر مفترى وهذا يعنى اتهامه بممارسة السحر والكذب فلما جاءهم بالحق من عندنا والمراد فلما أتاهم موسى (ص)بالصدق من لدينا كانت النتيجة أنهم قالوا لبعضهم :اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه والمراد اذبحوا أولاد الذين صدقوا برسالته مصداق لقوله بسورة القصص "يذبح أبناءهم "واستحيوا نساءهم أى واستعبدوا إناثهم والمراد استخدموهم كما تحبون،ويبين الله أن كيد الكافرين وهو مكر أى تدبير المكذبين فى ضلال أى فى وهن والمراد دمار مصداق لقوله بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين"والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص)ومنه للناس.
"وقال فرعون ذرونى أقتل موسى وليدع ناديه إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد "المعنى وقال موسى (ص)دعونى أذبح موسى ولينادى خالقه إنى أخشى أن يغير حكمكم أى أن ينشر فى البلاد الظلم ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:ذرونى أقتل موسى والمراد اتركونى أذبح موسى وليدع ربه والمراد ولينادى خالقه لينقذه من القتل ،والسبب فى إرادة فرعون قتل موسى (ص)هو فى رأيه :إنى أخاف أن يبدل دينكم والمراد إنى أخشى أن يغير حكمكم للإسلام وفسر هذا بقوله أن يظهر فى الأرض الفساد والمراد أن ينتشر فى البلاد الظلم وهو فى رأى فرعون الإسلام
"وقال موسى إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب"المعنى وقال موسى إنى احتميت بخالقى وخالقكم من شر كل كافر لا يصدق بيوم الجزاء ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للناس لما عرف نية فرعون:إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر والمراد إنى احتميت بإلهى وإلهكم من شر كل كافر لا يؤمن بيوم الحساب والمراد لا يصدق بيوم الدين ،وهذا يعنى أن موسى (ص) أخبرهم أن الله سيمنع فرعون من قتله مهما فعل ليقتله.
" وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب "المعنى وقال إنسان من قوم فرعون يسر إسلامه أتذبحون فرد بسبب أن يقول إلهى الرب وقد أتاكم بالآيات من إلهكم وإن يك مفتريا فعليه جزاء افتراءه وإن يك عادلا يحل بكم بعض الذى يخبركم إن الرب لا يرحم من هو مفرط كافر،يبين الله لنبيه (ص)أن رجل وهو ذكر من قوم أى شعب فرعون يكتم إيمانه أى يخفى إسلامه عنهم قال لهم لينفع موسى (ص)برأيه :أتقتلون رجل أن يقول ربى الله والمراد هل تذبحون فرد بسبب أن يقول خالقى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم والمراد وقد أتاكم بالبراهين على صدقه من إلهكم ؟والغرض من السؤال هو حضهم على عدم قتله لهذا السبب ،وقال وإن يك كاذبا فعليه كذبه والمراد وإن يك مفتريا على الله فعليه عقاب افتراءه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم والمراد وإن يك عادلا فى قوله ينزل عليكم بعض العذاب الذى يخبركم به وهذا يعنى أنه يريد منهم ألا يتسرعوا فى قتله وإنما يتركوا أمره حتى يتبين لهم كذبه من صدقه ،وقال إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب والمراد إن الرب لا يرحم من هو مفرط كافر .
"يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصركم من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"المعنى يا شعبى لكم الحكم الآن منتصرين فى البلاد فمن ينقذكم من عذاب الرب إن أتانا قال فرعون ما أعرفكم إلا الذى أعرف وما أرشدكم إلا طريق الخير لكم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرجل المؤمن قال للقوم:يا قوم أى يا أهلى لكم الملك وهو الحكم اليوم ظاهرين فى الأرض أى حاكمين للبلاد فمن ينصركم من بأس الله إن جاءنا والمراد فمن يمنع عنكم عقاب الله إن أتانا ؟والغرض من قوله هو إخبارهم أن لا أحد سيقدر على منع عذاب الله إذا أتى إليهم فقال لهم فرعون :ما أريكم إلا ما أرى والمراد ما أعلمكم إلا ما أعلم والمراد"ما علمت لكم من إله غيرى "كما قال بسورة القصص وفسر هذا بقوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد والمراد وما أقول لكم إلا حكم الخير لكم وهذا يعنى أن فرعون هو الذى يعرف القوم دينهم باعتباره إلههم .
"وقال الذى آمن يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد"المعنى وقال الذى صدق يا شعبى إنى أخشى عليكم شبه يوم الفرق شبه عادة أمة نوح(ص)وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يحب بخسا للخلق ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى آمن أى صدق برسالة موسى (ص)قال للقوم :يا قوم أى يا أهلى إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب والمراد إنى أخشى عليكم عذاب شبه عذاب يوم الفرق مثل دأب أى شبه عذاب قوم وهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود والذين كفروا من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد والمراد وما الرب يفعل نقصا لحق الناس وهذا يعنى أن الله لا يبخس الناس حقا .
"ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد"المعنى ويا شعبى إنى أخشى عليكم يوم الدعاء يوم تقومون هاربين ما لكم من الرب من مانع ومن يعذب الرب فما له من راحم ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه:ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد والمراد ويا أهلى إنى أخشى عليكم عذاب يوم الدعاء يوم تولون مدبرين والمراد يوم تركضون هاربين من العذاب ما لكم من الله من عاصم أى منقذ ومن يضلل الله فما له من هاد والمراد ومن يعذب الرب فما له من منقذ ،وهذا يعنى أنه يخبرهم أنه يحبهم ويخاف عليهم من العذاب حينما يهربون فلا يقدرون على الهرب من العذاب ولا يجدون من غير الله منقذ .
"ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب "المعنى ولقد أتاكم يوسف (ص)من قبل بالآيات فظللتم فى تكذيب مما أتاكم به حتى إذا مات قلتم لن يرسل الرب من بعد موته نبيا هكذا يعذب الرب من هو مفرط كافر ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه :ولقد جاءكم والمراد لقد أتاكم يوسف(ص)من قبل بالبينات وهى الآيات العظيمة فما زلتم فى شك مما جاءكم به والمراد فاستمررتم فى تكذيب بما أتاكم به حتى إذا هلك أى مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا والمراد قلتم لن يرسل الله من بعده نبيا بالآيات كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب أى هكذا يعاقب الرب من هو كافر كاذب ،وهذا يعنى أنهم كانوا يعرفون بقصة يوسف (ص)مع أهل مصر وتكذيبهم له حتى مات وهذا تذكير لهم أنهم علموا أن الله بعث رسلا من قبل يدعونهم إلى عبادة الله الذى أنكر فرعون أمام موسى (ص)وجوده.
"الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار "المعنى الذين يكذبون بأحكام الرب بغير وحى جاءهم عظم بغضا لدى الرب وعند الذين صدقوا هكذا يختم الرب على كل نفس عنيد متمرد،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه كل مسرف مرتاب هم الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم والمراد الذين يكفرون بأحكام الله دون وحى جاءهم من الله يطالبهم بالكفر بها وقد كبر مقتا عند الله والمراد عظم كره كفرهم عند الله وعند الذين آمنوا أى وعند الذين صدقوا بوحى الله ويبين أن كذلك أى بالجدال فى آيات الله يطبع الله على كل قلب متكبر جبار والمراد يختم الرب على نفس كل كافر عنيد .
"وقال فرعون يا هامان ابن لى صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا فى تباب "المعنى وقال فرعون يا هامان شيد لى سلما لعلى أصل النهايات نهايات السموات فأصعد إلى رب موسى وإنى لأعتقده مفتريا وكذلك حسن لفرعون قبيح فعله أى رد عن الحق وما مكر فرعون إلا فى دمار ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لوزيره هامان :ابن لى صرحا والمراد شيد لى سلما والسبب لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات والمراد لعلى أصل النهايات نهايات السموات فأطلع أى فأصعد إلى إله وهو رب موسى وإنى لأظنه كاذبا والمراد وإنى لأعرف موسى مفتريا ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله إله متجسد له مكان يوجد فيه عند نهاية السماء وأن وسيلة الطلوع إليه هى سلم مبنى وبالطبع هذا السلم لابد أن يكون ضخما عاليا،وكذلك أى بتلك الطريقة وهى تكبر فرعون زين له سوء عمله أى حسن له قبيح فعله وهذا يعنى أنه اعتقد أن سيئاته ليست سوى حسنات أى صد عن السبيل والمراد وبعد عن الإسلام وكان كيد وهو مكر فرعون الممثل فى السلم فى تباب أى دمار وهذا يعنى أن الله دمر السلم تدميرا .
"وقال الذى آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هى دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكرا أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "المعنى وقال الذى صدق يا أهلى أطيعون أعرفكم حكم الحق يا أهلى إنما هذه المعيشة الأولى نفع وإن القيامة هى مكان الخلود من فعل خطيئة فلا يعاقب إلا عقابها ومن فعل حسنا من رجل أو امرأة وهو مصدق بالوحى فأولئك يسكنون الحديقة يمتعون فيها بدون عقاب ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه :يا قوم أى يا شعبى اتبعون أهدكم سبيل الرشاد والمراد أطيعوا أمرى أعرفكم دين الحق وهذا يعنى أنه كان يريد أن يعلمهم الإسلام وقال إنما هذه الحياة الدنيا متاع والمراد إنما هذه المعيشة الأولى نفع قليل وإن الآخرة هى دار القرار والمراد وإن الجنة هى مكان الخلود ،من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها والمراد من صنع كفرا فلا يعاقب إلا عقاب الكفر وهو النار ومن عمل صالحا أى ومن صنع حسنا من ذكر أى رجل أو أنثى أى امرأة وهو مؤمن أى مصدق بحكم الله فأولئك يدخلون الجنة والمراد فأولئك يسكنون الحديقة يرزقون فيها بغير حساب والمراد يعطون فيها بدون عقاب وهذا يعنى أن العطاء المعطى لهم كله خير وليس فيه أى شر .
"ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار تدعوننى لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار "المعنى ويا أهلى مالى أناديكم إلى الجنة وتنادوننى إلى الجحيم تنادونى لأكذب بالرب وأعبد معه ما ليس لى فيه وحى وأنا أناديكم إلى ثواب الناصر النافع ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه:ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة والمراد ويا أهلى مالى أناديكم إلى إتباع دين به دخول الجنة وتدعوننى إلى النار والمراد وتنادوننى إلى اتباع دين به دخول الجحيم ،تدعوننى لأكفر بالله والمراد تنادوننى لأكذب بدين الله أى أشرك به ما ليس لى به علم والمراد أعبد معه الذى ليس لى به وحى من الله يبيحه وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار والمراد وأنا أناديكم لعبادة الناصر النافع لمن يعبده .
"لا جرم أنما تدعوننى إليه ليس له دعوة فى الدنيا ولا فى الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد"المعنى لا كذب إن الذى تنادوننى إليه ليس له حكم فى الأولى ولا فى القيامة وأن عودتنا إلى جزاء الرب وأن الكافرين هم سكان الجحيم فستعرفون ما أتحدث به لكم وأسلم نفسى إلى حكم الرب إن الرب عليم بالخلق،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه:لا جرم أى لا كذب فى قولى إنما تدعوننى إليه والمراد إن الذى تنادوننى لإتباعه ليس له دعوة أى حكم أى أمر فى الدنيا وهى الأولى ولا فى الآخرة وهى القيامة وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة لا تحكم بشىء فى أى زمان،وأن مردنا إلى الله والمراد وأن مرجعنا هو جزاء الله وأن المسرفين هم أصحاب النار والمراد وأن الكافرين هم سكان الجحيم ،وقال فستذكرون ما أقول والمراد فستعرفون صدق ما أتحدث به حين تدخلون النار وأفوض أمرى إلى الله والمراد وأسلم نفسى إلى حكم الله إن الله بصير بالعباد والمراد إن الله خبير بالخلق.
"فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب"المعنى فمنع عنه الرب آلام ما دبروا ونزل بقوم فرعون شر العقاب جهنم يذوقونها نهارا وليلا ويوم تحدث القيامة أسكنوا قوم فرعون أعظم العقاب،يبين الله لنبيه (ص)أن الله وقى المؤمن سيئات ما مكروا والمراد منع عن المؤمن الأضرار التى دبروها لإيذائه حيث أفشلها وحاق بآل فرعون سوء العذاب والمراد ونزل بقوم فرعون أعظم العقاب وهو النار التى يعرضون عليها غدوا وعشيا والمراد التى يذوقون آلامها نهارا وليلا فى حياة البرزخ بعد هلاكهم بالغرق ويوم تقوم الساعة والمراد ويوم تقوم القيامة يقول الله للملائكة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب والمراد أسكنوا قوم فرعون أسوأ العقاب وهذا يعنى أن الله يجعلهم فى الدركات السفلى من النار .
"إذ يتحاجون فى النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد"المعنى وقت يتجادلون فى جهنم فيقول الأتباع للذين سادوا :إنا كنا لكم مطيعين فهل أنتم متحملون عنا بعضا من العذاب قال الذين سادوا إنا متساوون فيها إن الله قضى بين الخلق ،يبين الله لنبيه (ص)أن القوم يتحاجون والمراد يتجادلون أى يتخاصمون بالأقوال فى النار وتفسير بقية الآية الله قد حكم بين العباد والمراد إن الرب قد قضى بين الخلق بالعدل وهذا يعنى أنكم مستحقون للعقاب الذى أنتم فيه .
"وقال الذين فى النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال "المعنى وقال الذين فى جهنم لزبانية النار :نادوا إلهكم يرفع عنا يوما من العقاب قالوا أو لم تك تجيئكم أنبياؤكم بالآيات قالوا نعم قالوا فنادوا أنتم وما نداء المكذبين إلا فى خسار،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين فى النار أى فى جهنم قالوا لخزنة جهنم وهم زبانية أى حرس النار :ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب والمراد اطلبوا من خالقكم يرفع عنا يوما من العقاب،وهذا يعنى أنهم يطلبون من الملائكة أن تطلب من الله أن يزيل عقاب يومهم لم يقولوا ربنا وإنما قالوا ربكم وهذا دليل على سوء نيتهم فقالت الملائكة :أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات والمراد أو لم تك تجيئكم منذروكم بالآيات وهى أحكام الله ؟كما قال بسورة الملك"ألم يأتكم نذير"فأجاب الكفار :بلى أى نعم فقالت الملائكة فادعوا أى فاطلبوا أنتم من الله وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال والمراد وما طلب المكذبين إلا فى هلاك أى رفض من الله وهذا يعنى أن الله لن يخفف عنهم العذاب مهما فعلوا والخطاب للنبى(ص)وهو يتحدث عن الكفار ككل وليس آل فرعون
"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار "المعنى إنا لنؤيد مبعوثينا والذين صدقوا فى المعيشة الأولى ويوم يبعث الخلق يوم لا يفيد الكافرين أسبابهم ولهم النار أى لهم شر المقام ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ينصر أى يؤيد والمراد ينجى من العذاب فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى ويوم يقوم الأشهاد والمراد ويوم يبعث الخلق رسله وهم مبعوثيه بالوحى للناس والذين آمنوا أى صدقوا بالوحى ويوم القيامة لا ينفع الظالمين معذرتهم والمراد لا يفيد الكافرين تبريراتهم وهى أسباب كفرهم الواهية ولذا لهم اللعنة وفسرها بأنها سوء الدار أى العذاب وهو شر المقام وهو النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولقد أتينا موسى الهدى وأورثنا بنى إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولى الألباب "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص) وأوحينا لأولاد يعقوب (ص)الوحى نفع أى فائدة لأهل العقول ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى موسى الهدى والمراد أعطى لموسى (ص)التوراة أى الكتاب وأورثه بنى إسرائيل والمراد وأعطاه لأولاد يعقوب هدى أى ذكرى والمراد نفع لأولى الألباب وهم أصحاب العقول فهم الذين يستفيدون من طاعته بنصر الله لهم .
"فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار "المعنى فأطع إن قول الرب صدق واستعفى لخطيئتك أى اعمل بحكم خالقك بالليالى والنهارات،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر أى يطيع حكمه مصداق لقوله بسورة القلم"فاصبر لحكم ربك"وفسر هذا بأنه يسبح بحمد ربه أى أن يطيع حكم وهو اسم ربه مصداق لقوله بسورة الأعلى "سبح اسم ربك الأعلى "بالعشى وهى الليالى والأبكار وهى النهارات ويطلب منه أن يستغفر لذنبه والمراد أن يطلب العفو عن عقاب سيئته ويبين له أن وعد الله حق والمراد أن قول الرب صدق واقع .
"إن الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم إن فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير "المعنى إن الذين يحاجون فى أحكام الرب بغير علم وصلهم إن فى نفوسهم إلا كفر ما هم بواصليه فاحتمى بالرب إنه هو الخبير العليم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين يجادلون فى آيات الله وهم الذين يكذبون بأحكام الله بغير سلطان أتاهم والمراد من غير وحى جاءهم من الله يطالبهم بتكذيبه فى صدورهم كبر والمراد فى نفوسهم عظمة ما هم ببالغيها والمراد ما هم بواصليها والكبر هو الألوهية وهم لن يصلوا إليها لأنها لله وحده حيث كل واحد منهم جعل إلهه هواه مصداق لقوله بسورة الجاثية "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه "ويطلب منه أن يستعذ بالله أى أن يحتمى بطاعة حكم الله من عذاب الله وهو السميع البصير أى العليم الخبير بكل شىء.
"لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى لإبداع السموات والأرض أعظم من إبداع الناس ولكن أغلب الخلق لا يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أن خلق وهو إنشاء السموات والأرض أكبر أى أعظم من خلق الناس وهم البشر والجن ولكن أكثر الناس لا يعلمون والمراد ولكم معظم الخلق لا يشكرون مصداق لقوله بسورة غافر"ولكن أكثر الناس لا يشكرون"والخطاب وما قبله للنبى(ص)
"وما يستوى الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيىء قليلا ما تتذكرون "المعنى وما يتساوى الضرير والرائى ولا الذين صدقوا وفعلوا الحسنات ولا المخطىء قليلا ما تطيعون ،يبين الله للناس أن الأعمى وهو الضرير ويقصد به الكافر وهو المسيىء أى مرتكب الخطأ والبصير وهو الرائى ويقصد به المسلمون وهم الذين آمنوا أى صدقوا الوحى وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات ما يستوون أى لا يتساوون فى الجزاء ويبين لهم أنهم قليلا ما يذكرون أى وقتا قصيرا الذى يشكرون الله فيه مصداق لقوله بسورة الأعراف "قليلا ما تشكرون " والخطاب للناس.
"إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"المعنى إن القيامة قادمة لا باطل فيها ولكم معظم الخلق لا يصدقون ،يبين الله أن الساعة وهى القيامة آتية أى قادمة والمراد حادثة لا ريب فيها أى "لا ظلم اليوم"كما قال بنفس السورة فليس فيها نقص للحقوق أى باطل ولكن أكثر الناس لا يؤمنون والمراد ولكن أغلب الخلق لا يعلمون أى لا يطيعون الوحى مصداق لقوله بسورة غافر"ولكن أكثر الناس لايؤمنون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين"المعنى وقال إلهكم أطيعونى أنصركم إن الذين يستعظمون على طاعتى سيسكنون النار صاغرين،يبين الله للناس أن ربهم وهو خالقهم قال لهم :ادعونى استجب لكم أى انصرونى أنصركم مصداق لقوله بسورة محمد"إن تنصروا الله ينصركم"وهذا يعنى أن من يطيع حكم الله يؤيده الله بنصره ،ويبين لهم أن الذين يستكبرون عن عبادته وهم الذين يرفضون طاعة حكمه سيدخلون جهنم داخرين والمراد سيسكنون النار أذلاء مصداق لقوله بسورة الشورى"وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل"والخطاب للناس وما بعده.
"الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون "المعنى الرب الذى خلق لكم الليل لترتاحوا فيه والنهار معاشا إن الرب لصاحب رأفة بالخلق ولكن معظم الخلق لا يطيعون،يبين الله للناس أن الله هو الذى جعل لهم الليل والمراد الذى خلق لكم الليل لتسكنوا فيه أى لتناموا أى لترتاحوا فيه والنهار مبصرا أى معاشا مصداق لقوله بسورة النبأ"وجعلنا النهار معاشا"والمراد وقتا للسعى والعمل ويبين لهم أن الله ذو فضل على الناس والمراد صاحب رحمة بالخلق مصداق لقوله بسورة الأنعام"وربكم ذو رحمة واسعة"ولكن أكثر الناس لا يشكرون والمراد ولكن أغلب الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يؤمنون مصداق لقوله بنفس السورة "ولكن أكثر الناس لا يؤمنون".
"ذلكم الله ربكم خالق كل شىء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون"المعنى ذلكم الله إلهكم مبدع كل مخلوق لا رب إلا هو فكيف تذهبون هكذا يعاقب الذين كانوا بأحكام الرب يكفرون ،يبين الله للناس أن ذلكم وهو خالق الليل والنهار صاحب الفضل هو الله ربهم أى إلههم خالق كل شىء أى منشىء كل مخلوق لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله ،ويسأل فأنى تؤفكون والمراد فكيف تهربون من عقابه ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا هروب من عقاب الله ويبين لهم أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى العقاب يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون والمراد يعاقب الذين كانوا بأحكام الرب يكذبون فى الدنيا والخطاب للناس .
"الله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين "المعنى الرب الذى خلق لكم الأرض مسكنا والسماء سقفا وخلقكم فزين خلقتكم وأعطاكم من المنافع ذلكم الرب إلهكم فدام الرب إله الكل،يبين الله للناس أن الله هو الذى جعل لهم الأرض قرارا والمراد الذى خلق لهم الأرض مهادا أى مسكنا فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النبأ"ألم نجعل الأرض مهادا"وخلق لهم السماء بناء أى سقفا يحمل فوقه طبقات السماء وهو الذى صورهم فأحسن صورهم والمراد الذى خلقهم فأبدع خلقتهم أى أتقنها وهو الذى رزقهم من الطيبات والمراد وأعطاهم من المنافع المتعددة فى الدنيا وذلكم أى الجاعل المصور الرازق هو الله ربهم أى خالقهم ويقول فتبارك الله رب العالمين والمراد فدام جزاء الله إله الكل وهذه دعوة بدوام الجنة والنار والخطاب للناس.
"قل إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءنى البينات من ربى وأمرت أن أسلم لرب العالمين "المعنى قل إنى زجرت أن أطيع الذى تطيعون من سوى الرب بسبب الذى جاءنى من الآيات من إلهى أى أوصيت أن أخلص لخالق الكل ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله والمراد إنى منعت أن أتبع حكم الذين تتبعون أحكامه من سوى الله لما جاءنى من البينات والمراد والسبب المانع هو الذى أتانى من الأحكام من ربى وهو إلهى وفسر هذه الأحكام بأنه أمر أن يسلم لرب العالمين والمراد أن الله أوصاه أن يطيع حكم إله الكل وهو الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده مثله .
"هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون "المعنى هو الذى أنشأكم من طين ثم من منى ثم من مرفوعة ثم يخلقكم وليدا ثم لتصلوا قوتكم ثم لتصبحوا عجائز ومنكم من يموت من قبل ولتصلوا موعدا محددا ولعلكم تفهمون ،يبين الله للناس على لسان النبى(ص) أنه هو الذى خلقهم أى أبدعهم من تراب مبلل وهو الطين مصداق لقوله بسورة الأنعام "هو الذى خلقكم من طين "وهذا الطين تحول لطعام أكله الأبوان فتحول إلى نطفة أى جزء يسير من المنى الذى يفرز عند الجماع ثم تحول الجزء اليسير وهو الحيوان المنوى والبويضة كما يسمونهم الآن إلى علقة أى قطعة لحم كاللحم الممضوغ وبعد ذلك يخرجكم طفلا أى يخلقكم وليدا ينمو ثم لتبلغوا أشدكم والمراد ثم لتصلوا قوتكم وهو شبابكم ثم لتكونوا شيوخا أى ثم لتصبحوا بعد ذلك عجائز ومنكم من يتوفى أى يموت من قبل فى أى مرحلة من المراحل السابقة وبعد ذلك لتبلغوا أجلا مسمى أى لتعيشوا عمرا محددا تموتون بعده والسبب فى خلقكم هو أن تعقلوا أى تطيعوا حكم الله .
"هو الذى يحى ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "المعنى هو الذى يخلق ويهلك فإذا أصدر إرادة فإنما يقول له تواجد فيتواجد،يبين الله أنه هو الذى يحى أى يخلق الشىء من عدم أو بعد موت وهو الذى يميت أى يهلك أى يتوفى الشىء وهو إذا قضى أمرا والمراد إذا أراد خلقا لشىء فإنما يقول له أى يوحى لمكوناته :كن أى انخلق فيكون والمراد فينخلق والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده له.
"ألم تر إلى الذين يجادلون فى آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذا الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون فى الحميم ثم فى النار يسجرون "المعنى ألم تعلم بالذين يحاجون فى أحكام الله كيف يهربون الذين كفروا بالوحى أى بالذى بعثنا به مبعوثينا فسوف يعرفون إذا القيود فى رقابهم أى الأغلال فى أعناقهم يساقون فى الغساق وفى النار يعذبون ،يسأل الله ألم تر إلى الذين يجادلون فى آيات الله أنى يصرفون والمراد ألم تعرف بالذين يكذبون بأحكام الرب أنى يصرفون أى كيف يهربون من عذابه ؟والغرض من السؤال هو إخباره أن الكفار لا ينجون من عذاب الله،ويبين له أن الذين يجادلون فى آيات الله هم الذين كذبوا بالكتاب والمراد الذين كفروا بالوحى وهو آيات الله وفسره بأنه ما أرسل به رسله والمراد ما بعث به الأنبياء (ص)وهو الإسلام سوف يعلمون أى يعرفون الآلام إذا الأغلال فى أعناقهم وفسرها بأنها السلاسل وهى القيود مربوطة فى رقابهم وهم يسحبون فى الحميم أى يحركون فى الغساق وهو السائل الكريه الحارق حيث يحممون فيه بالقوة وهم فى النار يسجرون أى والمراد على حرارة الوقود يجففون .
"ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ذلكم بما كنتم تفرحون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين "المعنى ثم قيل أين الذى كنتم تعبدون من سوى الرب ؟قالوا تبرءوا منا بل لم نكن نعبد من قبل أحدا هكذا يعاقب الرب المكذبين والسبب ما كنتم تحكمون فى البلاد بغير العدل أى بما كنتم تتمتعون اسكنوا بلاد النار مقيمين فيها فقبح مقام الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار تقول لهم الملائكة أين ما كنتم تشركون من دون الله والمراد أين الآلهة التى كنتم تطيعون من سوى الله ؟والغرض من السؤال أن يقروا بعدم وجود آلهة غير الله فأجابوا ضلوا عنا أى تبرءوا منا فالآلهة المزعومين أعلنوا براءتهم من عبادة الكفار لهم ،بل لم نكن ندعوا أى نطيع أى نعبد من قبل شيئا أى آلهة وهذا يعنى أنهم كانوا يطيعون أهواء أنفسهم وأن أسماء الآلهة المزعومة كانت مجرد صورة ،ويبين الله له أن كذلك أى بتلك الطريقة يضل الله الكافرين أى يعاقب الرب المكذبين بدينه ويقال للكفار ذلكم أى السبب فى عقابكم بما كنتم تفرحون فى الأرض بغير الحق أى بسبب ما كنتم تبغون أى تعملون فى البلاد بغير العدل مصداق لقوله بسورة الشورى "ويبغون فى الأرض بغير الحق"وفسر هذا بأنه ما كنتم تمرحون أى تتمتعون فى الدنيا بالحرام وهو الباطل ويقال لهم ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها والمراد اسكنوا بلاد النار مقيمين بها فبئس مثوى المتكبرين والمراد فساء مقام الكافرين مصداق لقوله بسورة الزمر"أليس فى جهنم مثوى للكافرين " والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون "المعنى فأطع إن قول الرب صدق فإما نشهدك بعض الذى نخبرهم أو نميتنك فإلينا يعودون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر أى يتبع حكم ربه مصداق لقوله القلم "فاصبر لحكم ربك"ويبين له أن وعد الله حق والمراد أن قول الرب عن القيامة واقع فى المستقبل ويبين له إنه إما يريه بعض الذى يعدهم أو يتوفاه والمراد إما يشهده بعض الذى يخبرهم من العذاب وهو ما حدث أو يميته أى يأخذه إلى جنته ويبين له أنهم إليه يرجعون أى يحشرون إلى جزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون ".
"ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون "المعنى ولقد بعثنا مبعوثين من قبلك منهم من حكينا لك عنهم ومنهم من لم نحكى لك وما كان لنبى أن يجىء بمعجزة إلا بأمر الرب فإذا أتى عذاب الله حكم بالعدل وهلك عند ذاك الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل رسلا من قبله والمراد أنه بعث أنبياء (ص)من قبل وجوده منهم من قص عليه والمراد منهم من حكى له عنهم ومنهم من لم يقص أى يحكى له عنهم وهذا يعنى وجود ذكر لرسل فى القرآن وعدم وجود ذكر لرسل أخرين فيه ،ويبين له أنه ما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله والمراد ما كان لنبى (ص)أن يحضر معجزة إلا بأمر الله وهذا يعنى أن الرسول لا يقدر على إحضار المعجزة والله هو الذى يعطيها له ويبين له أنه إذا جاء أمر الله والمراد إذا أتى عذاب الرب قضى بالحق أى حكم الله بالعدل فينجى المؤمنين وخسر هنالك المبطلون أى وهلك أى وعذب عند ذلك الكافرون مصداق لقوله بنفس السورة "وخسر هنالك الكافرون "والخطاب للنبى(ص).
"الله الذى جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة فى صدروكم وعليها وعلى الفلك تحملون "المعنى الرب الذى خلق لكم الأنعام لتستووا عليها ومنها تطعمون ولكم فيها فوائد ولتصلوا عليه لأمر فى نفوسكم وعليها وعلى السفن تركبون،يبين الله للناس على لسان النبى(ص)أن الله الذى جعل أى خلق لهم الأنعام والأسباب أن تركبوا منها والمراد أن تستووا على ظهور بعضها لتسافروا ومن الأنعام تأكلون والمراد أنهم من ألبانها وسمنها وجبنها ولحومها يطعمون ويبين لهم أنهم لها فيها منافع أى لهم منها فوائد كثيرة ويبين لهم أنهم يبلغوا عليها حاجة فى صدروهم والمراد يصلوا راكبين عليها إلى بلد كانوا راغبين فى الوصول إليها فى نفوسهم مصداق لقوله بسورة النحل"وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس "وهم على الأنعام وعلى الفلك وهى السفن يحملون أى يركبون للسفر والإنتقال والخطاب وما بعده للناس على لسان النبى(ص) .
"ويريكم آياته فأى آيات الله تنكرون "المعنى ويشهدكم علاماته فأى علامات الرب تكذبون؟يبين الله أنه يريهم آياته والمراد يعرفهم أحكامه ويسألهم فأى آيات الله تنكرون والمراد فأى آلاء وهى أحكام الرب تمارون أى تكذبون به مصداق لقوله بسورة النجم"فبأى آلاء ربك تتمارى "والغرض من السؤال هو إخبارهم بكفرهم بآيات الله .
"أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا فى الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكذبون "المعنى أفلم يسافروا فى البلاد فيعلموا كيف كان جزاء الذين سبقوهم كانوا أعظم منهم بطشا ومبانى فى البلاد فما أفادهم الذى كانوا يعملون ،يسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم ينتقلوا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم والمراد فيعلموا كيف كان جزاء الذين كفروا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة والمراد كانوا أكبر منهم بأسا وهو البطش وآثارا فى الأرض والمراد ومبانى فى البلاد ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار علموا بما حدث للكفار من عقاب رغم أنهم كانوا أعظم قوة وآثار فى البلاد ويبين لنا أنهم ما أغنى عنهم ما كانوا يكذبون والمراد ما أفادهم الذى كانوا يمتعون أى يكفرون مصداق لقوله بسورة الشعراء"ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزءون "المعنى فلما أتتهم أنبياؤهم بالآيات تمسكوا بما لديهم من المعرفة ونزل عليهم الذى كانوا به يكذبون ،يبين الله أن الكفار السابقين لما جاءتهم رسلهم بالبينات والمراد"أتتهم رسلهم بالبينات"كما قال بسورة التوبة وهذا يعنى أن لما أحضرت لهم أنبياؤهم (ص)الآيات فرحوا بما عندهم من العلم والمراد أطاعوا ما لديهم من الدين الضال الذى يحلل لهم الدنيا مصداق لقوله بسورة الرعد"وفرحوا بالحياة الدنيا"ومن ثم حاق بهم ما كانوا يستهزءون والمراد ومن ثم أصابهم الذى كانوا به يكذبون وهو عذاب الله .
"فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التى قد خلت فى عباده وخسر هنالك الكافرون "المعنى فلما شاهدوا عذابنا قالوا صدقنا بحكم الرب وحده وكذبنا بالذى كنا له مصدقين ،فلم يك يفيدهم تصديقهم لما شاهدوا عذابنا حكم الرب الذى قد مضى فى خلقه وهلك عند ذلك المكذبون ،يبين الله أن الكفار السابقين لما رأوا بأس الله والمراد لما شاهدوا عقاب الرب نازل عليهم قالوا آمنا بالله وحده والمراد صدقنا بحكم الرب وحده وكفرنا بما كنا به مشركين والمراد وكذبنا بالذى كنا به مصدقين وهذا يعنى أنهم يعلنون إيمانهم بالله وكفرهم بالآلهة المزعومة وقت العذاب ،و لم يك ينفعهم إيمانهم هذا والمراد لم يك يفيدهم تصديقهم بحكم الله لما رأوا بأسنا والمراد لما شاهدوا العذاب الإلهى،وتعذيبهم وعدم نفع إيمانهم وقت العذاب هو سنة الله أى حكم الرب التى قد خلت من قبل والمراد التى نفذت من قبل فى عباده وهم خلقه السابقين وعند العذاب خسر الكافرون أى هلك أى عذب المبطلون وهم المكذبون مصداق لقوله بنفس السورة "وخسر هنالك المبطلون "والخطاب للنبى(ص)
سميت بهذا الاسم لذكر الله غافر الذنب فى قوله "غافر الذنب ".
"بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات إلقاء الوحى من الرب الناصر الخبير ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو حم تنزيل الكتاب من الله والمراد آيات مفرقات عادلة وحى القرآن وبيانه من الله العزيز العليم أى الناصر الخبير وهذا يعنى أن الله حكم أن القرآن وبيانه وهو تفسيره ينزل كل مجموعة آيات مع بعضها .
"غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا إله إلا هو إليه المصير "المعنى ماحى الخطيئة أى قابل العود عظيم العقاب صاحب القوة لا رب إلا هو إليه المرجع ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله هو غافر الذنب أى مزيل عقاب السيئة وفسره بأنه قابل التوب أى راضى عودة المستغفر لسيئته وهو شديد العقاب أى عظيم العذاب مصداق لقوله بسورة البقرة "شديد العذاب"وهو ذى الطول أى صاحب القوة كلها لا إله إلا هو أى لا رب إلا هو إليه المصير أى إلى جزاء الله العودة بعد الموت.
"ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم فى البلاد"المعنى ما يخوض فى أحكام الرب إلا الذين كذبوا فلا يخدعك تحركهم فى القرى،يبين الله لنبيه (ص)أن ما يجادل أى يحاجج أى يتكلم فى آيات الله وهى أحكام الرب إلا الذين كفروا وهم الذين كذبوا أحكام الله ويطلب منه ألا يغره تقلبهم فى البلاد والمراد ألا يخدعه تمتعهم وهو حكمهم فى الأرض بالظلم فهذا ليس مقياس لكونهم على الحق والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده .
"كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولها ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار"المعنى كفر قبلهم شعب نوح(ص)والفرق من بعد هلاكهم واجتمعت كل جماعة على نبيها ليقتلوه وحاجوا بالكذب ليزيلوا به الصدق فأهلكتهم فكيف كان عذاب وهكذا صدق قول إلهك فى الذين كذبوا أنهم سكان الجحيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن قوم وهم شعب نوح(ص)والأحزاب وهم الأقوام من بعد هلاكهم كذبوا أى كفروا بحكم الله وهمت كل أمة برسولها والمراد واجتمعت كل جماعة على نبيهم والسبب ليأخذوه أى ليقتلوه وجادلوا بالباطل والمراد وتحدثوا بالكذب والسبب أن يدحضوا به الحق والمراد أن يزيلوا أى أن يطفئوا به الحق وهو نور الله فكانت النتيجة أن أخذتهم أى أهلكتهم بذنوبهم فكيف كان عقاب أى"فكيف كان نكير"كما قال بسورة الملك والمراد خذوا العظة من العذاب الذى نزل بهم،وكذلك أى بتلك الطريقة وهى التكذيب والهم والجدال حقت كلمة الرب على الذين كفروا والمراد وقع أى تحقق قول الله فى الذين كذبوا بحكم الله أنهم أصحاب النار والمراد أنهم سكان الجحيم .
"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "المعنى الذين يرفعون الكرسى ومن فى دائرته يقومون بشكر إلههم ويصدقون به ويستعفون للذين صدقوا إلهنا أعطيت كل مخلوق نفعا وهداية فامحو للذين عادوا أى أطاعوا دينك وامنع عنهم عقاب النار،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين يحملون العرش ومن حوله والمراد أن الملائكة التى ترفع كرسى الملك الإلهى فوقهم ومن يحيطون بالكرسى من بعدهم يفعلون التالى يسبحون بحمد ربهم والمراد يعملون بأمر خالقهم وهو شريعته ويؤمنون به أى ويصدقون بالشريعة وهم يستغفرون للذين آمنوا والمراد ويطلبون العفو عن ذنوب الذين صدقوا وحى الله فيقولون ربنا أى إلهنا وسعت كل شىء رحمة وعلما والمراد أعطيت كل مخلوق نفعا ومعرفة وهذا يعنى أنه أعطى كل مخلوق رزق ليعيش به ووحى ليعمل به،فاغفر للذين تابوا والمراد فاعفو عن الذين استغفروك لذنبهم وفسروا هذا بقولهم واتبعوا سبيلك أى وأطاعوا دينك وفسروا الغفران بأن قهم عذاب الجحيم أى امنع عنهم عقاب النار وهو السيئات أى العقوبات مصداق لقوله بسورة غافر"وقهم السيئات "وقوله بسورة آل عمران "عذاب النار".
"ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم "المعنى إلهنا وأسكنهم حدائق خالدة التى أخبرتهم ومن أسلم من آبائهم ونسائهم وأولادهم إنك أنت الناصر القاضى وامنع عنهم العقوبات ومن تمنع العقوبات عنه يومئذ فقد أنجيته وذلك هو النصر المبين،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة تقول فى دعاءها :ربنا أى خالقنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم والمراد وأسكنهم حدائق الخلود التى أخبرتهم فى الدنيا ومن صلح أى ومن أسلم من آباءهم وأزواجهم وهن نسائهم وذرياتهم وهم أولادهم فهم يريدون من الله إدخال المسلمين الجنة التى أخبرهم بها فى الدنيا على لسان الرسل (ص)إنك أنت العزيز الحكيم والمراد إنك أنت الناصر القاضى بالحق ومن تق السيئات والمراد ومن تمنع عنه أى تصرف عنه عذاب الجحيم يومئذ مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن يصرف عنه يومئذ "فقد رحمته أى فقد أنجيته مصداق لقوله بسورة غافر"وقهم عذاب الجحيم "وذلك وهو الإبعاد عن النار هو الفوز العظيم أى النصر المبين مصداق لقوله بسورة الأنعام "وذلك هو الفوز المبين "والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده منه للكفار.
"إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون "المعنى إن الذين كذبوا يدعون لكره الله أعظم من كرهكم أنفسكم إذ تنادون إلى التصديق فتكذبون،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا وهم الذين كذبوا بحكم الله ينادون لمقت والمراد يدعون الناس لبغض دين الله،ويبين الله لهم أن الله أكبر والمراد أن دين الله أعظم من مقتهم أنفسهم أى من كراهيتهم لأنفسهم إذ يدعون للإيمان فيكفرون والمراد وقت ينادون للتصديق بحكم الله فيكذبون وهذا يعنى أن كل كافر هو كاره لنفسه وسبب كراهيته لنفسه هو كفره بالإسلام حيث يدخلها النار
"قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل "المعنى قالوا إلهنا توفيتنا مرتين وبعثتنا مرتين فأقررنا بخطايانا فهل إلى إنقاذ من طريق ؟يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا فى النار :ربنا أى خالقنا أمتنا اثنتين والمراد توفيتنا مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى البرزخ ،وأحييتنا اثنتين أى وأعشتنا مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى البرزخ فاعترفنا بذنوبنا والمراد فأقررنا بسيئاتنا فهل إلى خروج من سبيل أى "فهل إلى مرد من سبيل"كما قال بسورة الشورى والغرض من السؤال هو طلب العودة للحياة الدنيا وهذا يعنى البعد عن النار أولا وهو ما لا طريق إليه والقول للنبى(ص).
"ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير "المعنى ذلكم بأنه إذا نودى الرب وحده كذبتم وإن يكفر به تصدقوا فالقضاء للكبير العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن ذلكم وهو دخول الكفار النار سببه أنه إذا دعى الله وحده أى أنه إذا نادى المسلمين لطاعة حكم الله وحده كفروا أى عصوا النداء وإن يشرك به والمراد وإن ينادوا ليعصى حكم الله يؤمنوا أى يصدقوا أى يطيعوا حكم غير الله فالحكم وهو الأمر لله مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر"هو العلى الكبير أى الكبير العظيم .
"هو الذى يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون "المعنى هو الذى يعرفكم أحكامه أى يوحى لكم من الأعلى وحيا وما يطيع إلا من يتوب فأطيعوا الرب مديمين له طاعة الحكم ولو بغض المكذبون ،يبين الله للناس أن الله يريهم آياته والمراد يبلغهم أحكامه وفسر هذا بأنه ينزل عليكم من السماء رزقا والمراد أنه يوحى لهم من الأعلى وحيا أى حكما أى آيات عن طريق جبريل(ص)مصداق لقوله بسورة الحديد"هو الذى ينزل على عبده آيات بينات"ويبين أنه لا يتذكر إلا من ينيب والمراد لا يطيع أحكام الله إلا من يعود لدينه وهم أولى الألباب مصداق لقوله بسورة الزمر"إنما يتذكر أولوا الألباب "ويطلب منهم أن يدعوا الله مخلصين له الدين والمراد أن يطيعوا حكم الرب مستمرين له فى طاعة الحكم ولو كره الكافرون أى لو بغض المشركون الطاعة مصداق لقوله بسورة التوبة"ولو كره المشركون"والخطاب للناس والمؤمنين من أول فادعوا.
"رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شىء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "المعنى عظيم العطايا صاحب الملك ينزل الوحى من عنده إلى من يريد من عبيده ليخبر يوم التقابل يوم هم حاضرون لا يغيب من الله منهم واحد لمن الحكم اليوم لله الواحد الغالب ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله رفيع الدرجات والمراد مزيد العطايا لمن يريد مصداق لقوله بسورة يوسف"نرفع درجات من نشاء"ذو العرش أى صاحب الملك وهو يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده والمراد ينزل الملائكة بالوحى من عنده إلى من يريد من خلقه وهم الرسل(ص)مصداق لقوله بسورة النحل"ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده"والسبب أن ينذر يوم التلاق أى أن يخبر الناس عن طريق الرسل(ص)يوم التقابل وهو يوم القيامة يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شىء والمراد يوم هم ظاهرون أى حاضرون لا يغيب عن علم الله منهم غائب أى خافية مصداق لقوله بسورة الحاقة"يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية "ويسألون لمن الملك وهو الحكم أى الأمر اليوم ؟ فيجابون لله الواحد الذى لا شريك له القهار أى الغالب على حكمه وهو المنفذ له والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب "المعنى اليوم تعطى كل نفس جزاء ما عملت لا بخس الآن إن الرب شديد العقاب،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة تقول للكفار :اليوم أى الآن تجزى كل نفس بما كسبت أى "توفى كل نفس ما عملت"كما قال بسورة النحل والمراد تدخل كل نفس جزاء الذى فعلت فى الدنيا ،لا ظلم اليوم والمراد لا نقص لحق اليوم إن الله سريع الحساب والمراد إن الرب شديد العقاب مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن ربك لسريع العقاب"لمن يكفر به .
"وأنذرهم يوم الأزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"المعنى وأخبرهم يوم القيامة إذا الكلمات فى الحناجر ممنوعين ما للكافرين من صديق ولا نصير يتبع ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينذر والمراد يخبر الناس بيوم الأزفة والمراد بعذاب يوم الحسرة مصداق لقوله بسورة مريم"وأنذرهم يوم الحسرة"وهو يوم القيامة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين والمراد إذا الكلمات فى الحناجر وهى الأفواه ممنوعين وفسرنا القلوب بأنها الكلمات أى الأقوال مصداق لقوله بسورة البقرة"كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم"فتشابه الأقوال هو تشابه القلوب وفى منع كلامهم قال تعالى بسورة يس"اليوم نختم على أفواههم"ويبين له أن الظالمين وهم الكفار ليس لهم حميم أى صديق أو شفيع يطاع أى ناصر يتبع والمراد ليس لهم من صديق ناصر أو شافعين مصداق لقوله بسورة الشعراء"فما لنا من شافعين ولا صديق حميم"
"يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشىء إن الله هو السميع البصير "المعنى يعرف نية النفوس أى ما تسر النفوس والرب يحكم بالعدل والذين يعبدون من سواه لا يحكمون بحكم إن الرب هو الخبير العليم،يبين الله لنبيه (ص)أن الله يعلم خائنة الأعين والمراد أن الرب يعرف خافية النفوس وفسر هذا بأنه ما تخفى الصدور أى ما تسر النفوس مصداق لقوله بسورة البقرة"يعلم ما يسرون"والله يقضى بالحق والمراد والرب يحكم بالعدل مصداق لقوله بسورة الرعد"والله يحكم لا معقب لحكمه"وأما الذين يدعون من دونه وهم الذين يعبدون من سواه لا يقضون بشىء والمراد لا يحكمون حكما أى لا يملكون شيئا مصداق لقوله بسورة فاطر"والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير"والله هو السميع البصير أى الخبير العليم بكل شىء والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا فى الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق"المعنى أو لم يتحركوا فى البلاد فيعلموا كيف كان جزاء الذين سبقوهم كانوا هم أكبر منهم بطشا ومبانى فى البلاد أهلكهم الرب بخطاياهم وما كان لهم من الرب من منقذ،يسأل الله أو لم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم أى فيعرفوا كيف كان هلاك الذين سبقوهم فى الكفر كانوا هم أشد منهم قوة والمراد كانوا أعظم منهم بأسا أى بطشا وآثارا فى الأرض والمراد ومبانى فى البلاد ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أنهم عرفوا أن الله أهلك الكفار السابقين لهم رغم كونهم أعظم قوة وآثارا فى الأرض منهم عن طريق سفرهم فى البلاد ولكنهم لم يعتبروا بما حدث لهم ويبين الله أنه أخذ الكفار بذنوبهم والمراد أهلك الكفار بخطاياهم وهى ظلمهم مصداق لقوله بسورة الكهف"أهلكناهم لما ظلموا"ويبين الله أنهم لم يكن لهم من الله من واق والمراد لم يكن لهم من عذاب الله من ناصر أى ولى ينقذهم منه مصداق لقوله بسورة العنكبوت"ما لكم من الله من ولى ولا نصير"والخطاب للنبى(ص)
"ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوى شديد العقاب"المعنى ذلك بأنهم كانت تجيئهم مبعوثوهم بالآيات فكذبوا فأهلكهم الرب إنه قهار عظيم العذاب ،يبين الله أن ذلك وهو الأخذ سببه أن الكفار كانت تأتيهم رسلهم بالبينات والمراد أن الكفار كانت تجيئهم أنبياؤهم بالآيات مصداق لقوله بسورة الأعراف"ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات"فكفروا أى فكذبوا بالآيات فأخذهم والمراد فأهلكهم الله إنه قوى شديد العقاب والمراد أنه قادر على الإهلاك عظيم العذاب مصداق لقوله بسورة البقرة "وأن الله شديد العذاب " والخطاب للنبى(ص).
"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا فى ضلال"المعنى ولقد بعثنا موسى (ص)بعلاماتنا وبرهان عظيم إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا مخادع مفترى فلما أتاهم بالعدل من لدينا قالوا اذبحوا أولاد الذين صدقوا به واسبوا إناثهم وما مكر المكذبين إلا فى دمار،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل والمراد بعث موسى (ص)مصداق لقوله بسورة يونس"ثم بعثنا من بعدهم موسى "إلى كل من فرعون وهامان وزيره وقارون الذى من قوم موسى (ص)بآياتنا وهى براهين الله وفسرها بأنها سلطان مبين أى آيات بينات مصداق لقوله بسورة القصص"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات"وهى الأدلة العظيمة قالوا له :ساحر كذاب والمراد ماكر مفترى وهذا يعنى اتهامه بممارسة السحر والكذب فلما جاءهم بالحق من عندنا والمراد فلما أتاهم موسى (ص)بالصدق من لدينا كانت النتيجة أنهم قالوا لبعضهم :اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه والمراد اذبحوا أولاد الذين صدقوا برسالته مصداق لقوله بسورة القصص "يذبح أبناءهم "واستحيوا نساءهم أى واستعبدوا إناثهم والمراد استخدموهم كما تحبون،ويبين الله أن كيد الكافرين وهو مكر أى تدبير المكذبين فى ضلال أى فى وهن والمراد دمار مصداق لقوله بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين"والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص)ومنه للناس.
"وقال فرعون ذرونى أقتل موسى وليدع ناديه إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد "المعنى وقال موسى (ص)دعونى أذبح موسى ولينادى خالقه إنى أخشى أن يغير حكمكم أى أن ينشر فى البلاد الظلم ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:ذرونى أقتل موسى والمراد اتركونى أذبح موسى وليدع ربه والمراد ولينادى خالقه لينقذه من القتل ،والسبب فى إرادة فرعون قتل موسى (ص)هو فى رأيه :إنى أخاف أن يبدل دينكم والمراد إنى أخشى أن يغير حكمكم للإسلام وفسر هذا بقوله أن يظهر فى الأرض الفساد والمراد أن ينتشر فى البلاد الظلم وهو فى رأى فرعون الإسلام
"وقال موسى إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب"المعنى وقال موسى إنى احتميت بخالقى وخالقكم من شر كل كافر لا يصدق بيوم الجزاء ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للناس لما عرف نية فرعون:إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر والمراد إنى احتميت بإلهى وإلهكم من شر كل كافر لا يؤمن بيوم الحساب والمراد لا يصدق بيوم الدين ،وهذا يعنى أن موسى (ص) أخبرهم أن الله سيمنع فرعون من قتله مهما فعل ليقتله.
" وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب "المعنى وقال إنسان من قوم فرعون يسر إسلامه أتذبحون فرد بسبب أن يقول إلهى الرب وقد أتاكم بالآيات من إلهكم وإن يك مفتريا فعليه جزاء افتراءه وإن يك عادلا يحل بكم بعض الذى يخبركم إن الرب لا يرحم من هو مفرط كافر،يبين الله لنبيه (ص)أن رجل وهو ذكر من قوم أى شعب فرعون يكتم إيمانه أى يخفى إسلامه عنهم قال لهم لينفع موسى (ص)برأيه :أتقتلون رجل أن يقول ربى الله والمراد هل تذبحون فرد بسبب أن يقول خالقى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم والمراد وقد أتاكم بالبراهين على صدقه من إلهكم ؟والغرض من السؤال هو حضهم على عدم قتله لهذا السبب ،وقال وإن يك كاذبا فعليه كذبه والمراد وإن يك مفتريا على الله فعليه عقاب افتراءه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم والمراد وإن يك عادلا فى قوله ينزل عليكم بعض العذاب الذى يخبركم به وهذا يعنى أنه يريد منهم ألا يتسرعوا فى قتله وإنما يتركوا أمره حتى يتبين لهم كذبه من صدقه ،وقال إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب والمراد إن الرب لا يرحم من هو مفرط كافر .
"يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصركم من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"المعنى يا شعبى لكم الحكم الآن منتصرين فى البلاد فمن ينقذكم من عذاب الرب إن أتانا قال فرعون ما أعرفكم إلا الذى أعرف وما أرشدكم إلا طريق الخير لكم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرجل المؤمن قال للقوم:يا قوم أى يا أهلى لكم الملك وهو الحكم اليوم ظاهرين فى الأرض أى حاكمين للبلاد فمن ينصركم من بأس الله إن جاءنا والمراد فمن يمنع عنكم عقاب الله إن أتانا ؟والغرض من قوله هو إخبارهم أن لا أحد سيقدر على منع عذاب الله إذا أتى إليهم فقال لهم فرعون :ما أريكم إلا ما أرى والمراد ما أعلمكم إلا ما أعلم والمراد"ما علمت لكم من إله غيرى "كما قال بسورة القصص وفسر هذا بقوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد والمراد وما أقول لكم إلا حكم الخير لكم وهذا يعنى أن فرعون هو الذى يعرف القوم دينهم باعتباره إلههم .
"وقال الذى آمن يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد"المعنى وقال الذى صدق يا شعبى إنى أخشى عليكم شبه يوم الفرق شبه عادة أمة نوح(ص)وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يحب بخسا للخلق ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى آمن أى صدق برسالة موسى (ص)قال للقوم :يا قوم أى يا أهلى إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب والمراد إنى أخشى عليكم عذاب شبه عذاب يوم الفرق مثل دأب أى شبه عذاب قوم وهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود والذين كفروا من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد والمراد وما الرب يفعل نقصا لحق الناس وهذا يعنى أن الله لا يبخس الناس حقا .
"ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد"المعنى ويا شعبى إنى أخشى عليكم يوم الدعاء يوم تقومون هاربين ما لكم من الرب من مانع ومن يعذب الرب فما له من راحم ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه:ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد والمراد ويا أهلى إنى أخشى عليكم عذاب يوم الدعاء يوم تولون مدبرين والمراد يوم تركضون هاربين من العذاب ما لكم من الله من عاصم أى منقذ ومن يضلل الله فما له من هاد والمراد ومن يعذب الرب فما له من منقذ ،وهذا يعنى أنه يخبرهم أنه يحبهم ويخاف عليهم من العذاب حينما يهربون فلا يقدرون على الهرب من العذاب ولا يجدون من غير الله منقذ .
"ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب "المعنى ولقد أتاكم يوسف (ص)من قبل بالآيات فظللتم فى تكذيب مما أتاكم به حتى إذا مات قلتم لن يرسل الرب من بعد موته نبيا هكذا يعذب الرب من هو مفرط كافر ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه :ولقد جاءكم والمراد لقد أتاكم يوسف(ص)من قبل بالبينات وهى الآيات العظيمة فما زلتم فى شك مما جاءكم به والمراد فاستمررتم فى تكذيب بما أتاكم به حتى إذا هلك أى مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا والمراد قلتم لن يرسل الله من بعده نبيا بالآيات كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب أى هكذا يعاقب الرب من هو كافر كاذب ،وهذا يعنى أنهم كانوا يعرفون بقصة يوسف (ص)مع أهل مصر وتكذيبهم له حتى مات وهذا تذكير لهم أنهم علموا أن الله بعث رسلا من قبل يدعونهم إلى عبادة الله الذى أنكر فرعون أمام موسى (ص)وجوده.
"الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار "المعنى الذين يكذبون بأحكام الرب بغير وحى جاءهم عظم بغضا لدى الرب وعند الذين صدقوا هكذا يختم الرب على كل نفس عنيد متمرد،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه كل مسرف مرتاب هم الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم والمراد الذين يكفرون بأحكام الله دون وحى جاءهم من الله يطالبهم بالكفر بها وقد كبر مقتا عند الله والمراد عظم كره كفرهم عند الله وعند الذين آمنوا أى وعند الذين صدقوا بوحى الله ويبين أن كذلك أى بالجدال فى آيات الله يطبع الله على كل قلب متكبر جبار والمراد يختم الرب على نفس كل كافر عنيد .
"وقال فرعون يا هامان ابن لى صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا فى تباب "المعنى وقال فرعون يا هامان شيد لى سلما لعلى أصل النهايات نهايات السموات فأصعد إلى رب موسى وإنى لأعتقده مفتريا وكذلك حسن لفرعون قبيح فعله أى رد عن الحق وما مكر فرعون إلا فى دمار ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لوزيره هامان :ابن لى صرحا والمراد شيد لى سلما والسبب لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات والمراد لعلى أصل النهايات نهايات السموات فأطلع أى فأصعد إلى إله وهو رب موسى وإنى لأظنه كاذبا والمراد وإنى لأعرف موسى مفتريا ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله إله متجسد له مكان يوجد فيه عند نهاية السماء وأن وسيلة الطلوع إليه هى سلم مبنى وبالطبع هذا السلم لابد أن يكون ضخما عاليا،وكذلك أى بتلك الطريقة وهى تكبر فرعون زين له سوء عمله أى حسن له قبيح فعله وهذا يعنى أنه اعتقد أن سيئاته ليست سوى حسنات أى صد عن السبيل والمراد وبعد عن الإسلام وكان كيد وهو مكر فرعون الممثل فى السلم فى تباب أى دمار وهذا يعنى أن الله دمر السلم تدميرا .
"وقال الذى آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هى دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكرا أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "المعنى وقال الذى صدق يا أهلى أطيعون أعرفكم حكم الحق يا أهلى إنما هذه المعيشة الأولى نفع وإن القيامة هى مكان الخلود من فعل خطيئة فلا يعاقب إلا عقابها ومن فعل حسنا من رجل أو امرأة وهو مصدق بالوحى فأولئك يسكنون الحديقة يمتعون فيها بدون عقاب ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه :يا قوم أى يا شعبى اتبعون أهدكم سبيل الرشاد والمراد أطيعوا أمرى أعرفكم دين الحق وهذا يعنى أنه كان يريد أن يعلمهم الإسلام وقال إنما هذه الحياة الدنيا متاع والمراد إنما هذه المعيشة الأولى نفع قليل وإن الآخرة هى دار القرار والمراد وإن الجنة هى مكان الخلود ،من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها والمراد من صنع كفرا فلا يعاقب إلا عقاب الكفر وهو النار ومن عمل صالحا أى ومن صنع حسنا من ذكر أى رجل أو أنثى أى امرأة وهو مؤمن أى مصدق بحكم الله فأولئك يدخلون الجنة والمراد فأولئك يسكنون الحديقة يرزقون فيها بغير حساب والمراد يعطون فيها بدون عقاب وهذا يعنى أن العطاء المعطى لهم كله خير وليس فيه أى شر .
"ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار تدعوننى لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار "المعنى ويا أهلى مالى أناديكم إلى الجنة وتنادوننى إلى الجحيم تنادونى لأكذب بالرب وأعبد معه ما ليس لى فيه وحى وأنا أناديكم إلى ثواب الناصر النافع ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه:ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة والمراد ويا أهلى مالى أناديكم إلى إتباع دين به دخول الجنة وتدعوننى إلى النار والمراد وتنادوننى إلى اتباع دين به دخول الجحيم ،تدعوننى لأكفر بالله والمراد تنادوننى لأكذب بدين الله أى أشرك به ما ليس لى به علم والمراد أعبد معه الذى ليس لى به وحى من الله يبيحه وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار والمراد وأنا أناديكم لعبادة الناصر النافع لمن يعبده .
"لا جرم أنما تدعوننى إليه ليس له دعوة فى الدنيا ولا فى الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد"المعنى لا كذب إن الذى تنادوننى إليه ليس له حكم فى الأولى ولا فى القيامة وأن عودتنا إلى جزاء الرب وأن الكافرين هم سكان الجحيم فستعرفون ما أتحدث به لكم وأسلم نفسى إلى حكم الرب إن الرب عليم بالخلق،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمن قال لقومه:لا جرم أى لا كذب فى قولى إنما تدعوننى إليه والمراد إن الذى تنادوننى لإتباعه ليس له دعوة أى حكم أى أمر فى الدنيا وهى الأولى ولا فى الآخرة وهى القيامة وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة لا تحكم بشىء فى أى زمان،وأن مردنا إلى الله والمراد وأن مرجعنا هو جزاء الله وأن المسرفين هم أصحاب النار والمراد وأن الكافرين هم سكان الجحيم ،وقال فستذكرون ما أقول والمراد فستعرفون صدق ما أتحدث به حين تدخلون النار وأفوض أمرى إلى الله والمراد وأسلم نفسى إلى حكم الله إن الله بصير بالعباد والمراد إن الله خبير بالخلق.
"فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب"المعنى فمنع عنه الرب آلام ما دبروا ونزل بقوم فرعون شر العقاب جهنم يذوقونها نهارا وليلا ويوم تحدث القيامة أسكنوا قوم فرعون أعظم العقاب،يبين الله لنبيه (ص)أن الله وقى المؤمن سيئات ما مكروا والمراد منع عن المؤمن الأضرار التى دبروها لإيذائه حيث أفشلها وحاق بآل فرعون سوء العذاب والمراد ونزل بقوم فرعون أعظم العقاب وهو النار التى يعرضون عليها غدوا وعشيا والمراد التى يذوقون آلامها نهارا وليلا فى حياة البرزخ بعد هلاكهم بالغرق ويوم تقوم الساعة والمراد ويوم تقوم القيامة يقول الله للملائكة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب والمراد أسكنوا قوم فرعون أسوأ العقاب وهذا يعنى أن الله يجعلهم فى الدركات السفلى من النار .
"إذ يتحاجون فى النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد"المعنى وقت يتجادلون فى جهنم فيقول الأتباع للذين سادوا :إنا كنا لكم مطيعين فهل أنتم متحملون عنا بعضا من العذاب قال الذين سادوا إنا متساوون فيها إن الله قضى بين الخلق ،يبين الله لنبيه (ص)أن القوم يتحاجون والمراد يتجادلون أى يتخاصمون بالأقوال فى النار وتفسير بقية الآية الله قد حكم بين العباد والمراد إن الرب قد قضى بين الخلق بالعدل وهذا يعنى أنكم مستحقون للعقاب الذى أنتم فيه .
"وقال الذين فى النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال "المعنى وقال الذين فى جهنم لزبانية النار :نادوا إلهكم يرفع عنا يوما من العقاب قالوا أو لم تك تجيئكم أنبياؤكم بالآيات قالوا نعم قالوا فنادوا أنتم وما نداء المكذبين إلا فى خسار،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين فى النار أى فى جهنم قالوا لخزنة جهنم وهم زبانية أى حرس النار :ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب والمراد اطلبوا من خالقكم يرفع عنا يوما من العقاب،وهذا يعنى أنهم يطلبون من الملائكة أن تطلب من الله أن يزيل عقاب يومهم لم يقولوا ربنا وإنما قالوا ربكم وهذا دليل على سوء نيتهم فقالت الملائكة :أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات والمراد أو لم تك تجيئكم منذروكم بالآيات وهى أحكام الله ؟كما قال بسورة الملك"ألم يأتكم نذير"فأجاب الكفار :بلى أى نعم فقالت الملائكة فادعوا أى فاطلبوا أنتم من الله وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال والمراد وما طلب المكذبين إلا فى هلاك أى رفض من الله وهذا يعنى أن الله لن يخفف عنهم العذاب مهما فعلوا والخطاب للنبى(ص)وهو يتحدث عن الكفار ككل وليس آل فرعون
"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار "المعنى إنا لنؤيد مبعوثينا والذين صدقوا فى المعيشة الأولى ويوم يبعث الخلق يوم لا يفيد الكافرين أسبابهم ولهم النار أى لهم شر المقام ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ينصر أى يؤيد والمراد ينجى من العذاب فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى ويوم يقوم الأشهاد والمراد ويوم يبعث الخلق رسله وهم مبعوثيه بالوحى للناس والذين آمنوا أى صدقوا بالوحى ويوم القيامة لا ينفع الظالمين معذرتهم والمراد لا يفيد الكافرين تبريراتهم وهى أسباب كفرهم الواهية ولذا لهم اللعنة وفسرها بأنها سوء الدار أى العذاب وهو شر المقام وهو النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولقد أتينا موسى الهدى وأورثنا بنى إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولى الألباب "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص) وأوحينا لأولاد يعقوب (ص)الوحى نفع أى فائدة لأهل العقول ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى موسى الهدى والمراد أعطى لموسى (ص)التوراة أى الكتاب وأورثه بنى إسرائيل والمراد وأعطاه لأولاد يعقوب هدى أى ذكرى والمراد نفع لأولى الألباب وهم أصحاب العقول فهم الذين يستفيدون من طاعته بنصر الله لهم .
"فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار "المعنى فأطع إن قول الرب صدق واستعفى لخطيئتك أى اعمل بحكم خالقك بالليالى والنهارات،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر أى يطيع حكمه مصداق لقوله بسورة القلم"فاصبر لحكم ربك"وفسر هذا بأنه يسبح بحمد ربه أى أن يطيع حكم وهو اسم ربه مصداق لقوله بسورة الأعلى "سبح اسم ربك الأعلى "بالعشى وهى الليالى والأبكار وهى النهارات ويطلب منه أن يستغفر لذنبه والمراد أن يطلب العفو عن عقاب سيئته ويبين له أن وعد الله حق والمراد أن قول الرب صدق واقع .
"إن الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم إن فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير "المعنى إن الذين يحاجون فى أحكام الرب بغير علم وصلهم إن فى نفوسهم إلا كفر ما هم بواصليه فاحتمى بالرب إنه هو الخبير العليم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين يجادلون فى آيات الله وهم الذين يكذبون بأحكام الله بغير سلطان أتاهم والمراد من غير وحى جاءهم من الله يطالبهم بتكذيبه فى صدورهم كبر والمراد فى نفوسهم عظمة ما هم ببالغيها والمراد ما هم بواصليها والكبر هو الألوهية وهم لن يصلوا إليها لأنها لله وحده حيث كل واحد منهم جعل إلهه هواه مصداق لقوله بسورة الجاثية "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه "ويطلب منه أن يستعذ بالله أى أن يحتمى بطاعة حكم الله من عذاب الله وهو السميع البصير أى العليم الخبير بكل شىء.
"لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى لإبداع السموات والأرض أعظم من إبداع الناس ولكن أغلب الخلق لا يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أن خلق وهو إنشاء السموات والأرض أكبر أى أعظم من خلق الناس وهم البشر والجن ولكن أكثر الناس لا يعلمون والمراد ولكم معظم الخلق لا يشكرون مصداق لقوله بسورة غافر"ولكن أكثر الناس لا يشكرون"والخطاب وما قبله للنبى(ص)
"وما يستوى الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيىء قليلا ما تتذكرون "المعنى وما يتساوى الضرير والرائى ولا الذين صدقوا وفعلوا الحسنات ولا المخطىء قليلا ما تطيعون ،يبين الله للناس أن الأعمى وهو الضرير ويقصد به الكافر وهو المسيىء أى مرتكب الخطأ والبصير وهو الرائى ويقصد به المسلمون وهم الذين آمنوا أى صدقوا الوحى وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات ما يستوون أى لا يتساوون فى الجزاء ويبين لهم أنهم قليلا ما يذكرون أى وقتا قصيرا الذى يشكرون الله فيه مصداق لقوله بسورة الأعراف "قليلا ما تشكرون " والخطاب للناس.
"إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"المعنى إن القيامة قادمة لا باطل فيها ولكم معظم الخلق لا يصدقون ،يبين الله أن الساعة وهى القيامة آتية أى قادمة والمراد حادثة لا ريب فيها أى "لا ظلم اليوم"كما قال بنفس السورة فليس فيها نقص للحقوق أى باطل ولكن أكثر الناس لا يؤمنون والمراد ولكن أغلب الخلق لا يعلمون أى لا يطيعون الوحى مصداق لقوله بسورة غافر"ولكن أكثر الناس لايؤمنون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين"المعنى وقال إلهكم أطيعونى أنصركم إن الذين يستعظمون على طاعتى سيسكنون النار صاغرين،يبين الله للناس أن ربهم وهو خالقهم قال لهم :ادعونى استجب لكم أى انصرونى أنصركم مصداق لقوله بسورة محمد"إن تنصروا الله ينصركم"وهذا يعنى أن من يطيع حكم الله يؤيده الله بنصره ،ويبين لهم أن الذين يستكبرون عن عبادته وهم الذين يرفضون طاعة حكمه سيدخلون جهنم داخرين والمراد سيسكنون النار أذلاء مصداق لقوله بسورة الشورى"وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل"والخطاب للناس وما بعده.
"الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون "المعنى الرب الذى خلق لكم الليل لترتاحوا فيه والنهار معاشا إن الرب لصاحب رأفة بالخلق ولكن معظم الخلق لا يطيعون،يبين الله للناس أن الله هو الذى جعل لهم الليل والمراد الذى خلق لكم الليل لتسكنوا فيه أى لتناموا أى لترتاحوا فيه والنهار مبصرا أى معاشا مصداق لقوله بسورة النبأ"وجعلنا النهار معاشا"والمراد وقتا للسعى والعمل ويبين لهم أن الله ذو فضل على الناس والمراد صاحب رحمة بالخلق مصداق لقوله بسورة الأنعام"وربكم ذو رحمة واسعة"ولكن أكثر الناس لا يشكرون والمراد ولكن أغلب الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يؤمنون مصداق لقوله بنفس السورة "ولكن أكثر الناس لا يؤمنون".
"ذلكم الله ربكم خالق كل شىء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون"المعنى ذلكم الله إلهكم مبدع كل مخلوق لا رب إلا هو فكيف تذهبون هكذا يعاقب الذين كانوا بأحكام الرب يكفرون ،يبين الله للناس أن ذلكم وهو خالق الليل والنهار صاحب الفضل هو الله ربهم أى إلههم خالق كل شىء أى منشىء كل مخلوق لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله ،ويسأل فأنى تؤفكون والمراد فكيف تهربون من عقابه ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا هروب من عقاب الله ويبين لهم أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى العقاب يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون والمراد يعاقب الذين كانوا بأحكام الرب يكذبون فى الدنيا والخطاب للناس .
"الله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين "المعنى الرب الذى خلق لكم الأرض مسكنا والسماء سقفا وخلقكم فزين خلقتكم وأعطاكم من المنافع ذلكم الرب إلهكم فدام الرب إله الكل،يبين الله للناس أن الله هو الذى جعل لهم الأرض قرارا والمراد الذى خلق لهم الأرض مهادا أى مسكنا فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النبأ"ألم نجعل الأرض مهادا"وخلق لهم السماء بناء أى سقفا يحمل فوقه طبقات السماء وهو الذى صورهم فأحسن صورهم والمراد الذى خلقهم فأبدع خلقتهم أى أتقنها وهو الذى رزقهم من الطيبات والمراد وأعطاهم من المنافع المتعددة فى الدنيا وذلكم أى الجاعل المصور الرازق هو الله ربهم أى خالقهم ويقول فتبارك الله رب العالمين والمراد فدام جزاء الله إله الكل وهذه دعوة بدوام الجنة والنار والخطاب للناس.
"قل إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءنى البينات من ربى وأمرت أن أسلم لرب العالمين "المعنى قل إنى زجرت أن أطيع الذى تطيعون من سوى الرب بسبب الذى جاءنى من الآيات من إلهى أى أوصيت أن أخلص لخالق الكل ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله والمراد إنى منعت أن أتبع حكم الذين تتبعون أحكامه من سوى الله لما جاءنى من البينات والمراد والسبب المانع هو الذى أتانى من الأحكام من ربى وهو إلهى وفسر هذه الأحكام بأنه أمر أن يسلم لرب العالمين والمراد أن الله أوصاه أن يطيع حكم إله الكل وهو الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده مثله .
"هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون "المعنى هو الذى أنشأكم من طين ثم من منى ثم من مرفوعة ثم يخلقكم وليدا ثم لتصلوا قوتكم ثم لتصبحوا عجائز ومنكم من يموت من قبل ولتصلوا موعدا محددا ولعلكم تفهمون ،يبين الله للناس على لسان النبى(ص) أنه هو الذى خلقهم أى أبدعهم من تراب مبلل وهو الطين مصداق لقوله بسورة الأنعام "هو الذى خلقكم من طين "وهذا الطين تحول لطعام أكله الأبوان فتحول إلى نطفة أى جزء يسير من المنى الذى يفرز عند الجماع ثم تحول الجزء اليسير وهو الحيوان المنوى والبويضة كما يسمونهم الآن إلى علقة أى قطعة لحم كاللحم الممضوغ وبعد ذلك يخرجكم طفلا أى يخلقكم وليدا ينمو ثم لتبلغوا أشدكم والمراد ثم لتصلوا قوتكم وهو شبابكم ثم لتكونوا شيوخا أى ثم لتصبحوا بعد ذلك عجائز ومنكم من يتوفى أى يموت من قبل فى أى مرحلة من المراحل السابقة وبعد ذلك لتبلغوا أجلا مسمى أى لتعيشوا عمرا محددا تموتون بعده والسبب فى خلقكم هو أن تعقلوا أى تطيعوا حكم الله .
"هو الذى يحى ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "المعنى هو الذى يخلق ويهلك فإذا أصدر إرادة فإنما يقول له تواجد فيتواجد،يبين الله أنه هو الذى يحى أى يخلق الشىء من عدم أو بعد موت وهو الذى يميت أى يهلك أى يتوفى الشىء وهو إذا قضى أمرا والمراد إذا أراد خلقا لشىء فإنما يقول له أى يوحى لمكوناته :كن أى انخلق فيكون والمراد فينخلق والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده له.
"ألم تر إلى الذين يجادلون فى آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذا الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون فى الحميم ثم فى النار يسجرون "المعنى ألم تعلم بالذين يحاجون فى أحكام الله كيف يهربون الذين كفروا بالوحى أى بالذى بعثنا به مبعوثينا فسوف يعرفون إذا القيود فى رقابهم أى الأغلال فى أعناقهم يساقون فى الغساق وفى النار يعذبون ،يسأل الله ألم تر إلى الذين يجادلون فى آيات الله أنى يصرفون والمراد ألم تعرف بالذين يكذبون بأحكام الرب أنى يصرفون أى كيف يهربون من عذابه ؟والغرض من السؤال هو إخباره أن الكفار لا ينجون من عذاب الله،ويبين له أن الذين يجادلون فى آيات الله هم الذين كذبوا بالكتاب والمراد الذين كفروا بالوحى وهو آيات الله وفسره بأنه ما أرسل به رسله والمراد ما بعث به الأنبياء (ص)وهو الإسلام سوف يعلمون أى يعرفون الآلام إذا الأغلال فى أعناقهم وفسرها بأنها السلاسل وهى القيود مربوطة فى رقابهم وهم يسحبون فى الحميم أى يحركون فى الغساق وهو السائل الكريه الحارق حيث يحممون فيه بالقوة وهم فى النار يسجرون أى والمراد على حرارة الوقود يجففون .
"ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ذلكم بما كنتم تفرحون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين "المعنى ثم قيل أين الذى كنتم تعبدون من سوى الرب ؟قالوا تبرءوا منا بل لم نكن نعبد من قبل أحدا هكذا يعاقب الرب المكذبين والسبب ما كنتم تحكمون فى البلاد بغير العدل أى بما كنتم تتمتعون اسكنوا بلاد النار مقيمين فيها فقبح مقام الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار تقول لهم الملائكة أين ما كنتم تشركون من دون الله والمراد أين الآلهة التى كنتم تطيعون من سوى الله ؟والغرض من السؤال أن يقروا بعدم وجود آلهة غير الله فأجابوا ضلوا عنا أى تبرءوا منا فالآلهة المزعومين أعلنوا براءتهم من عبادة الكفار لهم ،بل لم نكن ندعوا أى نطيع أى نعبد من قبل شيئا أى آلهة وهذا يعنى أنهم كانوا يطيعون أهواء أنفسهم وأن أسماء الآلهة المزعومة كانت مجرد صورة ،ويبين الله له أن كذلك أى بتلك الطريقة يضل الله الكافرين أى يعاقب الرب المكذبين بدينه ويقال للكفار ذلكم أى السبب فى عقابكم بما كنتم تفرحون فى الأرض بغير الحق أى بسبب ما كنتم تبغون أى تعملون فى البلاد بغير العدل مصداق لقوله بسورة الشورى "ويبغون فى الأرض بغير الحق"وفسر هذا بأنه ما كنتم تمرحون أى تتمتعون فى الدنيا بالحرام وهو الباطل ويقال لهم ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها والمراد اسكنوا بلاد النار مقيمين بها فبئس مثوى المتكبرين والمراد فساء مقام الكافرين مصداق لقوله بسورة الزمر"أليس فى جهنم مثوى للكافرين " والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون "المعنى فأطع إن قول الرب صدق فإما نشهدك بعض الذى نخبرهم أو نميتنك فإلينا يعودون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر أى يتبع حكم ربه مصداق لقوله القلم "فاصبر لحكم ربك"ويبين له أن وعد الله حق والمراد أن قول الرب عن القيامة واقع فى المستقبل ويبين له إنه إما يريه بعض الذى يعدهم أو يتوفاه والمراد إما يشهده بعض الذى يخبرهم من العذاب وهو ما حدث أو يميته أى يأخذه إلى جنته ويبين له أنهم إليه يرجعون أى يحشرون إلى جزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون ".
"ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون "المعنى ولقد بعثنا مبعوثين من قبلك منهم من حكينا لك عنهم ومنهم من لم نحكى لك وما كان لنبى أن يجىء بمعجزة إلا بأمر الرب فإذا أتى عذاب الله حكم بالعدل وهلك عند ذاك الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل رسلا من قبله والمراد أنه بعث أنبياء (ص)من قبل وجوده منهم من قص عليه والمراد منهم من حكى له عنهم ومنهم من لم يقص أى يحكى له عنهم وهذا يعنى وجود ذكر لرسل فى القرآن وعدم وجود ذكر لرسل أخرين فيه ،ويبين له أنه ما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله والمراد ما كان لنبى (ص)أن يحضر معجزة إلا بأمر الله وهذا يعنى أن الرسول لا يقدر على إحضار المعجزة والله هو الذى يعطيها له ويبين له أنه إذا جاء أمر الله والمراد إذا أتى عذاب الرب قضى بالحق أى حكم الله بالعدل فينجى المؤمنين وخسر هنالك المبطلون أى وهلك أى وعذب عند ذلك الكافرون مصداق لقوله بنفس السورة "وخسر هنالك الكافرون "والخطاب للنبى(ص).
"الله الذى جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة فى صدروكم وعليها وعلى الفلك تحملون "المعنى الرب الذى خلق لكم الأنعام لتستووا عليها ومنها تطعمون ولكم فيها فوائد ولتصلوا عليه لأمر فى نفوسكم وعليها وعلى السفن تركبون،يبين الله للناس على لسان النبى(ص)أن الله الذى جعل أى خلق لهم الأنعام والأسباب أن تركبوا منها والمراد أن تستووا على ظهور بعضها لتسافروا ومن الأنعام تأكلون والمراد أنهم من ألبانها وسمنها وجبنها ولحومها يطعمون ويبين لهم أنهم لها فيها منافع أى لهم منها فوائد كثيرة ويبين لهم أنهم يبلغوا عليها حاجة فى صدروهم والمراد يصلوا راكبين عليها إلى بلد كانوا راغبين فى الوصول إليها فى نفوسهم مصداق لقوله بسورة النحل"وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس "وهم على الأنعام وعلى الفلك وهى السفن يحملون أى يركبون للسفر والإنتقال والخطاب وما بعده للناس على لسان النبى(ص) .
"ويريكم آياته فأى آيات الله تنكرون "المعنى ويشهدكم علاماته فأى علامات الرب تكذبون؟يبين الله أنه يريهم آياته والمراد يعرفهم أحكامه ويسألهم فأى آيات الله تنكرون والمراد فأى آلاء وهى أحكام الرب تمارون أى تكذبون به مصداق لقوله بسورة النجم"فبأى آلاء ربك تتمارى "والغرض من السؤال هو إخبارهم بكفرهم بآيات الله .
"أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا فى الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكذبون "المعنى أفلم يسافروا فى البلاد فيعلموا كيف كان جزاء الذين سبقوهم كانوا أعظم منهم بطشا ومبانى فى البلاد فما أفادهم الذى كانوا يعملون ،يسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم ينتقلوا فى البلاد فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم والمراد فيعلموا كيف كان جزاء الذين كفروا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة والمراد كانوا أكبر منهم بأسا وهو البطش وآثارا فى الأرض والمراد ومبانى فى البلاد ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار علموا بما حدث للكفار من عقاب رغم أنهم كانوا أعظم قوة وآثار فى البلاد ويبين لنا أنهم ما أغنى عنهم ما كانوا يكذبون والمراد ما أفادهم الذى كانوا يمتعون أى يكفرون مصداق لقوله بسورة الشعراء"ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزءون "المعنى فلما أتتهم أنبياؤهم بالآيات تمسكوا بما لديهم من المعرفة ونزل عليهم الذى كانوا به يكذبون ،يبين الله أن الكفار السابقين لما جاءتهم رسلهم بالبينات والمراد"أتتهم رسلهم بالبينات"كما قال بسورة التوبة وهذا يعنى أن لما أحضرت لهم أنبياؤهم (ص)الآيات فرحوا بما عندهم من العلم والمراد أطاعوا ما لديهم من الدين الضال الذى يحلل لهم الدنيا مصداق لقوله بسورة الرعد"وفرحوا بالحياة الدنيا"ومن ثم حاق بهم ما كانوا يستهزءون والمراد ومن ثم أصابهم الذى كانوا به يكذبون وهو عذاب الله .
"فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التى قد خلت فى عباده وخسر هنالك الكافرون "المعنى فلما شاهدوا عذابنا قالوا صدقنا بحكم الرب وحده وكذبنا بالذى كنا له مصدقين ،فلم يك يفيدهم تصديقهم لما شاهدوا عذابنا حكم الرب الذى قد مضى فى خلقه وهلك عند ذلك المكذبون ،يبين الله أن الكفار السابقين لما رأوا بأس الله والمراد لما شاهدوا عقاب الرب نازل عليهم قالوا آمنا بالله وحده والمراد صدقنا بحكم الرب وحده وكفرنا بما كنا به مشركين والمراد وكذبنا بالذى كنا به مصدقين وهذا يعنى أنهم يعلنون إيمانهم بالله وكفرهم بالآلهة المزعومة وقت العذاب ،و لم يك ينفعهم إيمانهم هذا والمراد لم يك يفيدهم تصديقهم بحكم الله لما رأوا بأسنا والمراد لما شاهدوا العذاب الإلهى،وتعذيبهم وعدم نفع إيمانهم وقت العذاب هو سنة الله أى حكم الرب التى قد خلت من قبل والمراد التى نفذت من قبل فى عباده وهم خلقه السابقين وعند العذاب خسر الكافرون أى هلك أى عذب المبطلون وهم المكذبون مصداق لقوله بنفس السورة "وخسر هنالك المبطلون "والخطاب للنبى(ص)