رضا البطاوى
26-01-2019, 08:50 AM
سورة الكهف
سميت بهذا الاسم لذكر قصة أهل الكهف فيها .
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة لله الذى أوحى إلى مملوكه القرآن ولم يضع فيه ظلما،يبين الله للناس أن الله الرحمن الرحيم أى الرب النافع المفيد اسمه أى حكمه هو أن الحمد لله أى الحكم أى الأمر لله مصداق لقوله بسورة الروم"لله الأمر من قبل ومن بعد"وهو الذى أنزل على عبده الكتاب والمراد الذى أوحى الفرقان وهو القرآن إلى مملوكه محمد(ص)مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى نزل الفرقان على عبده"ولم يجعل له عوجا والمراد ولم يضع فيه باطلا مصداق لقوله بسورة فصلت"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " والخطاب وما بعده للناس.
"قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيها أبدا "المعنى عدلا ليخبر عذابا عظيما من عنده ويخبر المصدقين الذين يفعلون الحسنات أن لهم جزاء كريما مقيمين فيها دوما ،يبين الله للناس أن الكتاب قيم أى عدل وأنه أوحاه له لينذر بأسا شديدا من لدنه والمراد ليخبر عذاب عظيم من عنده مصداق لقوله بسورة إبراهيم"لينذر الناس يوم يأتيهم العذاب "ويبشر المؤمنين أى ويخبر المصدقين وهم المحسنين كما قال بسورة الحج"وبشر المحسنين"وهم الذين يعملون الصالحات أى يفعلون الحسنات أن لهم أجرا حسنا أى ثوابا كبيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"لهم أجرا كبيرا"وهم ماكثين فيها أبدا أى مقيمين أى خالدين فيها دوما مصداق لقوله بسورة البينة "خالدين فيه أبدا".
"وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا"المعنى ويخبر الذين قالوا اصطفى الله ابنا ما لهم به من وحى ولا لآبائهم عظمت قولة تخرج من ألسنتهم إن يزعمون إلا زورا ،يبين الله للناس أن القرآن ينذر أى يخوف بالعذاب الذين قالوا اتخذ الله ولدا أى اصطفى الله ابنا وهذا يعنى أنهم يزعمون أن الله ينجب أولاد،ويبين لنا أن الكفار وآبائهم ليس لهم به أى بذلك القول من علم أى وحى يثبته وإنما هو قول بلا دليل من عند الله ،ويبين أن ذلك القول هو كلمة كبرت أى عظمت فى الخطأ تخرج من أفواههم والمراد تدور على ألسنتهم ويبين لنا أنهم لا يقولون إلا الكذب والمراد إن يزعمون إلا الباطل وهذا يعنى أن لا أصل لتلك الكلمة والخطاب للناس.
"فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "المعنى فلعلك مذهب نفسك على أحكامهم إن لم يصدقوا بهذا القول غاضبا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قد يبخع نفسه على آثار الكفار والمراد قد يسير نفسه على أحكام الكفار وهذا يعنى أنه قد يأمر نفسه بالسير على دين الكفار أسفا أى غاضبا والسبب يعنى فى غضبه أنهم لم يؤمنوا بهذا الحديث أى لم يصدقوا بهذا الوحى والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا "المعنى إنا خلقنا الذى على الأرض متاعا لها لنختبرهم أيهم أفضل فعلا وإنا لمحولون الذى عليها ترابا مجدبا ،يبين الله لنبيه (ص)أنه جعل ما على الأرض زينة لها والمراد خلق الذى فى الأرض جمال لها أى نفع لها والسبب أن يبلو أى يختبر الناس أيهم أحسن عملا أى أيهم أصلح فعلا وهذا يعنى أن الغرض من خلق الأرض هو امتحان الناس حتى يتميز حسن العمل من سيىء العمل ،ويبين له أنه جاعل ما على الأرض صعيدا جرزا أى محول الذى على الأرض من حياة إلى تراب مجدب والمراد ميت .
"أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا "المعنى لقد ظننت أن سكان الغار والعدد كانوا من علاماتنا غرابة ؟يبين الله لنبيه(ص)لقد حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أى لقد علمت أن أهل الغار والعدد كانوا من علاماتنا اعجازا والغرض هو إخبار الرسول(ص)أن أصحاب الكهف وهو الغار فى الجبل والرقيم وهو العدد المختلف فيه كانوا من آيات الله العجيبة والمراد من معجزات الله الغريبة الإعجاز والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده من بقية القصة.
"إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا"المعنى حين ذهب الجمع إلى الغار فقالوا إلهنا أعطنا من عندك نفعا واجعل لنا من أمرنا هدى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الفتية وهم العصبة المؤمنة أووا إلى الكهف أى ذهبوا ليقيموا فى الغار فى الجبل فدعوا الله فقالوا :ربنا أى إلهنا آتنا من لدنك رحمة أى أعطنا من عندك نفعا أى حسنة مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا آتنا فى الدنيا حسنة "وكرروا الطلب فقالوا هيىء لنا من أمرنا رشدا أى اجعل لنا فى شأننا فائدة أى مرفقا مصداق لقوله بنفس السورة "ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " وهذا يعنى أنهم طلبوا من الله أن يفيدهم فى شأنهم برحمته حيث يحميهم من أذى القوم.
"فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"المعنى فأمسكنا على آذانهم فى الغار سنين كثيرة ثم أحييناهم لنعرف أى الفريقين أعد لما ناموا وقتا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ضرب على آذانهم فى الكهف سنين عددا والمراد أمسك وصول الكلام إلى نفوسهم فى الغار سنوات كثيرة حتى لا يستيقظوا من نومهم وبعد ذلك بعثهم أى أرسلهم للحياة للسبب التالى أن يعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا والمراد أن يعرف أى الفريقين أعد للذى مكثوا وقتا وهذا يعنى أن يعرف الفريق الذى عد سنوات غيابهم عدا صحيحا من الفريق الأخر الذى كان عده خاطئا .
"نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا "المعنى نحن نحكى لك خبرهم بالعدل إنهم عصبة صدقوا بخالقهم وأعطيناهم نفعا وطمأنا أنفسهم حين ذهبوا فقالوا إلهنا إله السموات والأرض لن نعبد من غيره ربا لقد تحدثنا إذا كفرا،يبين الله لنبيه(ص)أنه يقص عليه نبأهم بالحق والمراد أنه يحكى له خبر أهل الكهف بالعدل دون زيادة أو نقص ويبين له أنهم فتية أى جماعة الرجال الأقوياء آمنوا بربهم أى صدقوا بحكم خالقهم ويبين له أنه زادهم هدى أى أعطاهم نفعا هو الوحى الذى صدقوا به ،ويبين له أنه ربط على قلوب الفتية أى أمسك على أنفسهم والمراد طمأن نفوسهم حين قاموا أى ذهبوا للغار فقالوا :ربنا أى خالقنا رب أى خالق السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها والمراد لن نطيع من غير حكمه حكم رب مزعوم سواه وهذا يعنى أنهم لن يتبعوا دينا غير دين الله ،وقالوا لقد قلنا إذا شططا أى لقد تحدثنا إذا كفرا وهذا يعنى أن عبادة غير الله هى الشطط أى الكفر .
"هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلها لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا "المعنى هؤلاء أهلنا أطاعوا من سواه ربا هلا يجيئون عليهم بوحى معلوم فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا،يبين الله لنبيه(ص)أن الفتية قال أحدهم لهم :هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلها والمراد هؤلاء أهلنا عبدوا من غيره ربا وهذا يعنى أن شعبهم عبد آلهة مزعومة وترك عبادة الله،وقالوا لولا يأتون عليهم بسلطان بين أى هلا يجيئون عليهم بدليل ظاهر،وهذا يعنى أنهم يطلبون من قومهم إظهار وحى صادق يدل على وجوب عبادة الآلهة المزعومة ،وقال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أى فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا،وهذا يعنى أن الكافر هو الذى قال من نفسه أقوال كاذبة ثم قال إن الله هو الذى قالها وليس هو .
"وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا "المعنى وإذا تركتموهم وما يطيعون إلا الله فاذهبوا إلى الغار يجعل لكم إلهكم من نفعه ويمهد لكم فى شأنكم سبيلا ،يبين الله لنبيه(ص) أن أحد الفتية قال لهم :وإذ اعتزلتموهم أى وإذا تركتم المعيشة مع أهلكم وتركتم ما يعبدون أى الذى يطيعون إلا الله فأووا إلى الكهف والمراد فأقيموا فى الغار وهذا يعنى أن الفتية تركوا الحياة مع قومهم كما تركوا عبادة آلهتهم ما عدا الله الذى يطيعون دينه وقد طلب منهم صاحبهم أن يقيموا فى الكهف ثم بين لهم سبب ذلك بقوله ينشر لكم ربكم من رحمته أى يعطى لكم إلهكم من نفعه وفسر ذلك فقال ويهيىء لكم من أمركم مرفقا أى ويمهد لكم فى شأنكم سبيلا والمراد ويعطى لكم فى شأنكم رشدا أى نفعا وهذا يعنى أن الله سييسر لهم الحياة فى الكهف حتى لا يؤذيهم قومهم .
"وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وذات الشمال وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا "المعنى وتشاهد الشمس إذا أشرقت تتباعد عن غارهم جهة اليمين وإذا مالت تقطعهم جهة الشمال وهم فى بعض منه ذلك من علامات الله من يقرب الله فهو القريب ومن يبعد فلن تلق له ناصرا هاديا ،يبين الله لنبيه (ص) أنه يرى أى يشهد والمراد أن عليه أن يعرف أن الشمس إذا طلعت أى أشرقت فى مكان الكهف تزاور عن كهفهم أى تتباعد عن غارهم ذات اليمين أى جهة اليمين والسبب أن أشعة شمس الإشراق قوية ومن ثم قد تؤذى أجسامهم بسبب قوتها وإذا غربت أى وإذا مالت للغروب تقرضهم أى تقطعهم أى تنزل على أجسامهم ذات أى جهة الشمال والسبب هو أن أشعة شمس الغروب ضعيفة ومن ثم ستفيدهم ولن تضرهم وهم فى فجوة من الكهف والمراد أنهم فى فتحة من فتحات الغار نائمين ويبين له أن ذلك من آيات وهى معجزات أى علامات الله الدالة على وحدانيته وقدرته الفريدة ويبين له أن من يهد الله أى أن من يرحم الله فهو المهتد أى المرحوم من العذاب وأما من يضل أى يعذب فلن يجد أى يلق له وليا مرشدا أى ناصرا نافعا وهذا يعنى أن المعذب ليس له من ينجيه من العذاب .
"وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا "المعنى وتظنهم أحياء وهم نيام ونحركهم جهة اليمين وجهة الشمال وكلبهم فارد يديه بالباب ،لو شهدتهم لجريت منهم هربا ولملئت منهم خوفا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو رأهم يحسبهم أيقاظا وهم رقود والمراد يظنهم صاحين وهم نيام وهذا يعنى أن أجسامهم كانت فى حالة صحيان فالعيون مفتوحة رغم نومهم ويبين له أنه كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال والمراد يحركهم جهة اليمين وجهة الشمال حتى لا تتأثر أجنابهم بالنوم الطويل عليها دون تقلب وفى نفس الوقت كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد أى فارد يديه بالباب وهذا يعنى أن الكلب ظل على هيئته دون حركة طوال المدة وهنا يرينا الله قدرته فقد حافظ على أجسام الفتية بالحركة وحافظ على جسم الكلب بالثبات وهذا يعرفنا أن قدرته لا تحدها العوائق والحدود ولا تقف فى طريقها العوائق والسدود ،ويبين له أنه لو اطلع عليهم والمراد لو شاهدهم فى الحقيقة لولى منهم فرارا أى لجرى منهم هربا ولملئ منهم رعبا أى ولملء منهم خوفا وهذا يعنى أن سبب الجرى هربا هو الخوف من منظرهم وهكذا كان منظر الفتية وكلبهم حامى لهم ومنقذ من أى محاولة للإيذاء.
"وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا "المعنى وهكذا أيقظناهم ليستفهموا بعضهم قال واحد منهم كم نمتم قالوا نمنا يوما أو بعض يوم قالوا إلهكم أدرى بما نمتم فأرسلوا أحدكم بنقودكم هذه إلى البلدة فليختر أيها أطهر أكلا فيجيئكم بنفع منه وليتخفى ولا يعلمن بكم أحدا إنهم إن ينتصروا عليكم يقتلوكم أو يرجعوكم إلى دينهم ولن تفوزوا إذا دوما ،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بأمر بعثهم أى أحياهم الله حتى يتساءلوا بينهم أى حتى يستخبروا بعضهم البعض فقال قائل أى واحد منهم:كم لبثتم أى كم نمتم ؟والسبب فى سؤاله هذا هو أنه رأى منظرهم غريبا لا يدل على النوم العادى فقالوا له :لبثنا أى نمنا يوما أو بعض أى جزء من اليوم وهؤلاء أجابوا الإجابة العادية لأنهم فى عاداتهم وعاداتنا أن الإنسان قد ينام يوما أو جزء من اليوم ،ويبين له أن الفتية لما رأوا مناظرهم عرفوا أنهم ناموا أكثر من المدة التى ذكروا بكثير فقالوا لبعضهم ربكم أعلم بما لبثتم أى إلهكم أعرف بالمدة التى نمتم ثم قال أحدهم :فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة والمراد فأرسلوا واحد منكم بنقودكم هذه إلى البلدة فلينظر أيها أزكى طعاما أى فليعرف أيها أحل أى أطيب أكلا فليأتكم برزق منه أى فليجيئكم ببعض منه وليتلطف أى وليتخفى ولا يشعرن بكم أحدا والمراد ولا يعلمن بكم إنسان وهذا يعنى أن الفتية كانوا محتاجين للطعام فأوصاهم أخاهم أن يذهب واحد منهم للمدينة لإحضار الطعام بعد شرائه بالمال ونلاحظ قوله "أزكى طعاما"أنهم يعرفون الطعام المحرم من الطعام الحلال ونلاحظ أنه يريد من الذاهب للمدينة التخفى والتنكر حتى لا يعرفه أحد ويريد منه ألا يخبر أحد فى المدينة بأمرهم وبين لهم الأخ:إنهم إن يظهروا عليكم أى إن يعلموا بكم والمراد إن يجدوكم يرجموكم أى يقتلوكم أو يعيدوكم فى ملتهم والمراد أو يرجعوكم إلى دينهم ولن تفلحوا أى ولن تنجحوا إذا دائما ،وهذا يعنى أن الأخ يبصر أصحابه بأن نتيجة تعرف القوم عليهم واحدة من اثنين :الأولى الرجم وهو القتل والثانية الإعادة إلى ملة القوم وهو الرجوع إلى دين الناس وهو الكفر ونتيجة العودة لدين الكفر هى أنهم لن يفلحوا أبدا أى لن يفوزوا برحمة الله دوما .
"وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا"المعنى وهكذا أعلمنا بهم ليعرفوا أن قول الله صدق وأن القيامة لا شك فيها إذ يختلفون بينهم فى شأنهم فقالوا اجعلوا لهم قبرا خالقهم أعرف بهم قال الذين انتصروا فى حكمهم لنبنين لهم مسجدا ،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى النزول لشراء الطعام من البلدة أعثر الله عليهم أى أعلم الله الناس بأمرهم والسبب حتى يعلموا أى يعرفوا التالى إن وعد الله حق أى أن قول الله صدق وأن الساعة لا ريب فيها والمراد أن القيامة لا شك فى حدوثها ،ويبين له أن بعد موت الفتية تم العثور عليهم فتنازعوا أمرهم بينهم أى اختلف أهل البلد فى شأن ما يفعلون بالفتية فيما بينهم فقال البعض :ابنوا عليهم بنيانا والمراد اجعلوا لهم قبرا ربهم أعلم أى خالقهم أعرف بهم وهذا يعنى أن هذا الفريق كان يريد دفنهم كما هو متبع مع أى ميت فى المدافن ويبين له أن الذين غلبوا على أمرهم وهم الذين انتصروا لقولهم على الفريق الآخر قالوا :لنتخذن عليهم مسجدا أى لنبنين لهم مصلى وهذا يعنى أن القوم أقاموا لهم ضريح وجعلوا حول الضريح مصلى للناس .
"سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليلا فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا"المعنى سيزعمون ثلاثة رابعهم كلبهم ويزعمون خمسة سادسهم كلبهم ظنا للمجهول ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم قل إلهى أعرف بعددهم ما يعرفهم إلا قليلا فلا تجادل فيهم جدالا عظيما ولا تسأل عنهم منهم إنسانا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس سيقولون أى سيزعمون عن عدد أهل الكهف أقوال هى ثلاثة رابعهم كلبهم ،وخمسة سادسهم كلبهم وهى رجم بالغيب أى جهلا بالخفى وهذا يعنى أنها أقوال كاذبة ،ويبين له أن بعض الناس يقولون سبعة وثامنهم كلبهم وهذا هو القول الصحيح فلم يصفه الله بأنه جهل للغيب ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس ربى أعلم بعدتهم أى إلهى أعرف بعدد أهل الكهف ما يعلمهم إلا قليلا والمراد ما يعرفهم سوى عدد قليل من الناس ثم يطلب الله من نبيه(ص)ألا يمارى فيهم إلا مراء ظاهرا والمراد ألا يجادل فى عددهم إلا جدال واضح ينتصر فيه ويطلب منهم ألا يستفتى فيهم منهم أحدا والمراد ألا يسأل فى أهل الكهف من الناس إنسانا لأنه قد عرفه العدو الحقيقى .
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا"المعنى ولا تقولن لعمل إنى صانع ذلك مستقبلا إلا أن يريد الله وأطع إلهك إذا عصيت وقل لعل إلهى يدخلنى فى أفضل من الدنيا متاعا ،ينهى الله نبيه(ص)أن يقول لشىء أى عمل :إنى فاعل ذلك غدا أى إنى صانع ذلك مستقبلا إلا أن يشاء أى يريد الله وهذا يعنى أن يقول إذا أراد عمل شىء فى المستقبل سأعمل إن شاء الله كذا،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يذكر ربه إذا نسى أى أن يطيع حكم خالقه إذا خالف الحكم والمراد أن يبصر الحق إذا مسه طائف من الشيطان مصداق لقوله بسورة الأعراف"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا والمراد عسى أن يبعثنى إلهى لأفضل من الدنيا مقاما ،وهذا يعنى أن الله يدخله المقام المحمود وهو الجنة .
"ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين عددا وازدادوا تسعا "المعنى وناموا فى غارهم 300عاما حسابا وكثروا تسعا ،يبين الله لنبيه (ص)أن القوم لبثوا فى كهفهم أى ناموا فى غارهم مدة قدرها309عام بالحساب وهو العدد .
"قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا"المعنى قل الله أعرف بما مكثوا له المجهول فى السموات والأرض أعلم به أى أدرى ،ما لهم من سواه من ناصر ولا يقاسم فى أمره شريكا،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول الله أعلم بما لبثوا والمراد إن الله أعرف بما نام أهل الكهف فى كهفهم ،له غيب أى خفى السموات والأرض أبصر به أى أسمع والمراد أعرف به وهذا يعنى أن الله يعرف كل شىء مسرور أى مكتوم فى الكون مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى يعلم السر فى السموات والأرض"، ما لهم من دونه أى غيره من ولى أى ناصر ينقذهم من العقاب مصداق لقوله بسورة البقرة "وما للظالمين من أنصار" وهذا يعنى أن الكفار ليس لهم ناصر ينقذهم من عذاب الله،ولا يشرك فى حكمه أحدا أى ولا يقاسم فى ملكه شريكا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له شريك فى الملك"وهذا يعنى أن حكم الكون من اختصاص الله وحده.
"واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا"المعنى وأطع ما ألقى لك من كلام إلهك لا مغير لأحكامه ولن تلق من سواه ناصرا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يتلو ما أوحى إليه من كتاب ربه والمراد أن يطيع الذى ألقى من قرآن خالقه ،ويبين له أن لا مبدل لكلماته أى لا مغير أى لا محول لسننه وهى أحكامه مصداق لقوله بسورة فاطر"ولن تجد لسنة الله تحويلا"،ويبين له أنه لن يجد من دونه ملتحدا والمراد أنه لن يلق من سوى الله نصيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ثم لا تجد لك علينا نصيرا"وهذا يعنى أنه لن ينقذه من عقاب الله سوى الله نفسه والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"المعنى وأمسك نفسك مع الذين يطيعون إلههم بالنهار والليل يطلبون ثوابه ولا تمد نفسك لهم تطلب متاع المعيشة الأولى ولا تتبع من شغلنا نفسه عن طاعتنا وأطاع ظنه وكان أمره إسرافا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى والمراد أن يدخل نفسه مع الذين يطيعون حكم خالقهم بالنهار والليل أى يسبحون أى يتبعون حكم الرب مصداق لقوله بسورة الإنسان"فاصبر لحكم ربك" والسبب فى طاعتهم أنهم يريدون وجهه أى يطلبون فضل أى رضوان وهو رحمة الله مصداق لقوله بسورة المائدة"يبتغون فضلا من ربهم أى رضوان" وينهاه فيقول لا تعد عيناك عنهم أى لا تبعد نفسك عنهم والمراد ألا يخالف بنفسه عن جماعة المطيعين فيطيع الشيطان ويبين له السبب فى مخالفة المطيعين لحكم الله وهو أنه فى تلك الحال يريد زينة الحياة الدنيا أى يحب متاع المعيشة الأولى وفسر هذا بألا يطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا والمراد ألا يتبع حكم من شغلنا نفسه عن طاعة حكمنا وفسر غافل القلب بأنه من اتبع هواه أى من أطاع حكم نفسه وترك حكم الله ،ويبين أن أمره فرطا أى أن حكم الكافر تركا لطاعة حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا"المعنى وقل العدل من خالقكم فمن أراد فليصدق ومن أراد فليكذب إنا جهزنا للكافرين جحيما حف بهم سورها وإن يستنجدوا ينجدوا بماء كالزيت يؤلم النفوس بئس الروى وقبحت مقاما ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :الحق من ربكم أى القرآن هو العدل من خالقكم فمن شاء فليؤمن أى فمن أراد فليصدق ومن شاء فليكفر أى ومن أراد فليكذب وهذا يعنى حرية التصرف إيمانا وكفرا ،إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرداقها والمراد إن جهزنا للكافرين عذابا حف بهم سوره مصداق لقوله بسورة النساء"وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" وهذا يعنى أن سور جهنم يحيط بالكافرين ويمنعهم من الخروج وهم إن يستغيثوا أى يطلبوا النجدة يغاثوا أى ينجدوا بماء يشبه المهل وهو الزيت المغلى وهو يشوى الوجوه أى يؤلم النفوس ويبين له أن هذا الماء بئس الشراب أى قبح السائل المسقى وساءت مرتفقا أى وقبحت مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما".
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا "المعنى إن الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات إنا لا نخسر ثواب من أصلح فعلا أولئك لهم حدائق خالدة تسير من أسفل أرضهم العيون يرتدون فيها من حلى من ذهب ويرتدون ملابسا خضراء من حرير واستبرق راقدين فيها على الفرش حسن الأجر وحسنت مقاما ،يبين الله للناس كسابقه على لسان نبيه(ص)أن الذين آمنوا أى صدقوا بوحى الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات لهم جنات عدن والمراد لهم نعيم مقيم تجرى من تحتهم الأنهار والمراد تسير فى أسفل أرضهم العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم يحلون فيها من أساور من ذهب والمراد يزينون فى الجنة من حلى من ذهب وهم يلبسون ثيابا خضرا والمراد يرتدون ملابسا خضراء اللون من سندس أى حرير ناعم واستبرق وهو نسيج له بريق وهم متكئين فيها على الأرائك والمراد راقدين متقابلين فى الجنة على الأسرة مصداق لقوله بسورة الصافات"فى جنات النعيم على سرر متقابلين" وهذا هو نعم الثواب أى حسن دار المتقين مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولنعم دار المتقين"وهى حسنت مرتفقا أى نعمت مستقرا أى مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"حسنت مستقرا ومقاما"ويبين أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا والمراد أنه لا يخسر ثواب من أصلح صنعا مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه يدخلهم الجنة والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص)ومنه للناس .
"واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا"المعنى وقل لهما قولا ذكرين أعطينا لأحدهما حديقتين من عنب وأحطناهما بنخل وخلقنا فيهما زرعا ،كلتا الحديقتين أعطت ثمرها ولم تنقص منه بعضا وأجرينا فيهما عينا فقال لصديقه وهو يجادله أنا أعظم منك ملكا وأقوى ناسا ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يضرب للناس مثلا والمراد أن يقص على الناس قصة رجلين جعل أى أعطى الله أحدهما جنتين أى حديقتين نباتهما الرئيسى هو الأعناب وقد حفهما بنخل والمراد وقد جعل حول الحديقتين سور من أشجار النخيل لحمايتهم وجعل بين شجر العنب وأشجار النخيل زرع وهذا يعنى أن الحديقتين تنتجان ثلاث محاصيل العنب والنخل والزرع وكل من الحديقتين أتت أكلها أى أعطت ثمارها ولم تظلم منه شيئا والمراد ولم تنقص من الثمار بعضا وقد فجر خلالهما نهرا والمراد وقد سير الله فى أرضهما عينا وهذا يعنى أنه جعل فيها مصدر لسقى الماء وكان للرجل ثمر أى نتاج أى مال عظيم من المحاصيل الثلاثة فقال لصاحبه وهو صديقه وهو يحاوره أى يكلمه :أن أكثر منك مالا أى أنا أعظم منك ملكا وأعز نفرا أى وأقوى ناسا وهذا يعنى أنه يفتخر بالمال وكثرة عدد أسرته.
"ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا "المعنى وولج حديقته وهو باخس حقه قال ما أعتقد أن تهلك هذه اطلاقا وما أعتقد القيامة واقعة ولئن عدت إلى إلهى لألقين أحسن منها مرجعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن عليه أن يقول للناس أن صاحب الجنتين دخل جنته أى ولج حديقته وهو ظالم لنفسه أى وهو مهلك لنفسه :ما أظن أن تبيد هذه أبدا أى ما أعتقد أن تهلك هذه دائما وهذا يعنى أنه يعتقد أن الدنيا باقية دوما لا تفنى ،وما أظن الساعة قائمة والمراد وما أعتقد القيامة حادثة وهذا يعنى أنه لا يؤمن بالبعث ،ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا والمراد ولئن عدت إلى خالقى لألقين أفضل منها مرجعا وهذا يعنى أنه يعتقد أن القيامة لو حدثت فإن الله سيعطيه الحسنى وهى الجنة كما أعطاه فى الدنيا مصداق لقوله بسورة فصلت "ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى ".
"قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا "المعنى قال له صديقه وهو يجادله أكذبت بالذى أنشأك من غبار ثم من منى ثم صورك ذكرا لكن هو الله إلهى ولا أعبد مع إلهى ربا أخر ؟،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :إن صاحب أى صديق صاحب الجنتين قال له وهو يحاوره أى يناقشه فى أحكامه الضالة :أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا أى هل كذبت بحكم خالقك الذى أبدعك من طين ثم من منى ثم صورك ذكرا ؟والغرض من السؤال هو إخبار صاحب الجنتين أن أصل الإنسان تراب أكله أبواه فى صورة أطعمة متنوعة ثم تحول فيهما لنطفة أى لمنى فخلقه من جزء من المنى ثم صوره ذكرا وما دام هو الرب أى الخالق فهو وحده المستحق للعبادة ليس معه آلهة مزعومة ،وقال لكنا هو الله ربى أى خالقى ولا أشرك بربى أحدا والمراد ولا أعبد مع خالقى ربا مزعوما وهذا يعنى أنه يخص الله وحده بالعبادة .
"ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا "المعنى ولولا إذ ولجت حديقتك قلت ما أراد الله لا عزة إلا بطاعة الله إن تعلمنى أنا أنقص منك ملكا وعيالا فعسى إلهى أن يعطينى أفضل من حديقتك ويبعث عليها هلاكا من السحاب فتكون ترابا محترقا أو يكون ماؤها بعيدا فلن تقدر له جلبا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس:أن الصاحب قال للرجل الظالم:ولولا إذ دخلت جنتك والمراد هلا إذ ذهبت لحديقتك قلت ما شاء الله أى الذى أراد الله لا قوة إلا بالله والمراد لا عزة إلا بطاعة حكم الله وهذا يعنى أن الله قال أن القوة لا تستمد إلا من طاعة حكم الله ،إن ترن أنا أقل مالا وولدا أى إن تعرفنى أنقص منك ملكا وعيالا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك والمراد فعسى خالقى أن يعطينى أحسن من حديقتك ،وهذا يعنى أن الرجل يريد من الله أن ينصره على صاحبه بسبب كفره ،ويرسل عليها حسبانا من السماء أى ويبعث على الجنة هلاكا من السحاب فتصبح صعيدا زلقا أى فتكون ترابا محترقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا والمراد أو يكون ماؤها بعيدا فلن تقدر له جلبا وهذا يعنى أن الله سيهلك حديقته إما بنار من السماء أو بإبعاد للماء فى أعماق الأرض حتى لا يستطيع سقيها وهذا إخبار للمالك أن الله كما يعطى يقدر على الأخذ بأى طريقة يريد.
"وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا"المعنى وأهلكت حديقته فأصبح يحرك يديه على ما صرف عليها وهى خالية على فروعها ويقول يا ليتنى لم أعبد مع إلهى أحدا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أن ثمر وهو حديقة الرجل أحيط به أى أهلك إهلاكا تاما فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها والمراد فأصبح يضرب يديه ببعضهما والسبب فى هذا الفعل الدال على الندم هو التحسر على ما أنفق فيها أى على ما صرف فيها والمراد على ما صنع فيها وهى خاوية على عروشها والمراد وهى خالية من الثمر على غصونها وهذا يعنى أن الهلاك النازل بها لم يجعل لها أى ثمر وإن كان أبقى على الأشجار ميتة بمعنى أنها خشب فقط ،عند ذلك قال الرجل:يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا أى يا ليتنى لم أعبد مع خالقى أحدا وهذا ندم حيث لا ينفع الندم.
"ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا "المعنى ولم تكن له جماعة ينقذونه من غير الله وما كان غالبا هنالك النصر لله العدل هو أحسن أجرا أى أفضل مرجعا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أن مالك الجنة لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله والمراد لم تكن له جماعة ينقذونه من غير الله من عقاب الله له بهلاك الجنتين وهو ما كان منتصرا أى قاهرا لحكم الله ويبين الله لنا أن هنالك والمراد عند الحساب الولاية لله الحق والمراد النصر لله العدل وهذا يعنى أن الله ينتصر من المخلوق الظالم بالعدل ،ويبين أن الله خير ثوابا أى عقبا والمراد أحسن أجرا وهو الجنة .
"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شىء مقتدرا"المعنى وقل لهم شبه المعيشة الأولى كماء أسقطناه من السحاب فامتزج به نبات الأرض فأصبح حطاما تبعثره الرياح وكان الله لكل أمر فاعل ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يضرب للناس مثل الحياة الدنيا والمراد أن يقول للخلق شبه المعيشة الأولى وهو ماء أنزله من السماء أى ماء أسقطه من السحاب فاختلط به نبات الأرض والمراد فنما به زرع الأرض ثم أصبح هشيما أى حطاما تذروه الرياح أى يبعثره الهواء المتحرك وهذا يعنى أن متاع الدنيا يشبه الماء الذى ينمو به الزرع ثم يفنى الزرع بعد ذلك فى كل مكان وهذا يعنى أن المتاع له عمر قصير كعمر الزرع ثم يموت بعده ،ويبين لنا أنه على كل شىء مقتدرا أى لكل أمر فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"والخطاب وما بعده للنبى.
"المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا"المعنى الملك والعيال متاع المعيشة الأولى والأعمال الحسنات أفضل لدى إلهك جزاء أى أفضل أجرا،يبين الله لنبيه(ص)أن المال وهو الملك الذى يتصرف فيه الفرد والبنون وهم الأولاد زينة أى فتنة أى متاع الحياة الأولى وهى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة التغابن "إنما أموالكم وأولادكم فتنة "والباقيات الصالحات وهى الأعمال الحسنات خير عند الرب ثوابا والمراد أفضل لدى الخالق جزاء وفسرها بأنها خير أملا أى أفضل مردا مصداق لقوله بسورة مريم"خير عند ربك ثوابا وخير مردا "وهو الجنة.
"ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا"المعنى ويوم نحرك الرواسى وتشهد الأرض مكشوفة وجمعناهم فلم ندع منهم واحدا وكشفوا أمام إلهك طابورا لقد أتيتمونا كما أنشأناكم أسبق مرة بل قلتم ألن نجعل لكم ميقاتا؟يبين الله لنبيه(ص)أن فى يوم القيامة يحدث التالى :يسير الجبال أى يحرك الرواسى فى الجو أى يبس الرواسى مصداق لقوله بسورة الواقعة "وبست الجبال بسا"،ويرى الأرض بارزة والمراد يشاهد الإنسان الأرض مخرجة ما فى باطنها مصداق لقوله بسورة الزلزلة "وأخرجت الأرض أثقالها "،وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا والمراد وبعثناهم فلم نترك منهم واحدا دون بعث وعرضوا على ربك صفا والمراد وادخلوا نار إلهك طابورا وهذا يعنى أنهم يدخلون النار فى سورة زمر أى مجموعات منظمة مصداق لقوله بسورة الزمر"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"وقيل للكفار :لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة والمراد لقد أتيتمونا كما أنشأناكم أسبق مرة،بل زعمتم أى لقد قلتم ألن نجعل لكم موعدا والمراد أننا لن نحدد لكم موعد للبعث وهذا هو قولهم مصداق لقوله بسورة النحل"وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا "المعنى وسلم السجل فتشهد الكافرين خائفين مما فيه ويقولون يا عذابنا مال هذا السجل لا يترك قليلا ولا كثيرا إلا سجله ولقوا ما صنعوا حاضرا ولا ينقص إلهك أحدا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يحدث فى القيامة أن يوضع الكتاب أى يسلم أى يؤتى سجل الأعمال لكل واحد مصداق لقوله بسورة الإنشقاق"فأما من أوتى كتابه بيمينه"و"وأما من أوتى كتابه وراء ظهره"وترى المجرمين مشفقين مما فيه والمراد وتشاهد الكافرين خائفين من الموجود فى سجل كل واحد منهم فيقولون :يا ويلنا أى يا عذابنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها والمراد مال هذا السجل لا يترك قليل ولا كثير إلا سجله وهذا يعنى أن كل شىء مسجل فى الكتاب ،ووجدوا ما عملوا حاضرا والمراد ولقوا ما صنعوا موجودا فى الكتاب ولا يظلم ربك أحدا أى ولا ينقص خالقك فردا وهذا يعنى أنه لا ينقص حق مخلوق فى الأخرة .
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا"المعنى ولقد قلنا للملائكة فضلوا أدم(ص) عليكم ففضلوه إلا إبليس كان من الجن فخرج عن حكم إلهه أفتجعلونه وشيعته أنصارا من دونى وهم لكم كارهون قبح للكافرين نصيرا ،يبين الله لنا أنه قال للملائكة عند خلق أدم(ص):اسجدوا لأدم والمراد أطيعوا آدم (ص)فسجدوا أى فأقروا بأفضليته عليهم أى فأطاعوه إلا إبليس كان من الجن وهم أبناء الجان ففسق عن أمر ربه أى فخرج عن حكم خالقه والمراد استكبر على طاعة حكم إلهه مصداق لقوله بسورة البقرة"إلا إبليس أبى واستكبر "ويسأل الله الناس أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى والمراد هل تجعلون إبليس وشيعته وهم أتباعه أنصار من غيرى وهم لكم عدو أى كارهين ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن إبليس وأتباعه أعداء للناس ومن ثم على الإنسان ألا يتخذ عدوه ناصرا له وإنما يتخذ الله خالقه ،ويبين الله لهم أن إبليس بئس للظالمين بدلا أى ساء للكافرين نصيرا وهذا يعنى أنه لا ينصرهم والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا "المعنى ما أحضرتهم إنشاء السموات والأرض ولا إنشاء أنفسهم وما كنت جاعل الكافرين نصيرا ،يبين الله للنبى(ص) أنه لم يشهد الناس خلق أى لم يحضر الناس إنشاء السموات والأرض ولا خلق أى ولا إنشاء أنفسهم وهذا يعنى أن الخلق لم يروا عملية إبداع السموات والأرض ولا إبداع أنفسهم لأنهم كانوا موتى ويبين لنا أنه ما كان متخذ المضلين عضدا أى ما كان جاعل الكافرين أولياء له أى ناصرين له مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له ولى من الذل" .
"ويوم يقول نادوا شركاءى الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا "المعنى ويوم يقول ادعوا مقاسمى الذين قلتم فنادوا فلم يردوا عليهم وجعلنا بينهم حاجزا ،يبين الله للنبى(ص) أنه يقول على لسان الملائكة للكفار يوم القيامة:نادوا شركاءى أى ادعوا مقاسمى فى الملك الذين زعمتم أى افتريتم ،فاستجاب الكفار لقول الله فدعوهم أى فنادوا عليهم فكانت النتيجة أنهم لم يستجيبوا لهم أى لم يردوا عليهم والمراد لم يوافقوهم على قولهم أنهم آلهة،وجعل الله بين الكفار وبين الآلهة المزعومة موبقا أى حاجزا فهؤلاء فى النار وهؤلاء فى الجنة وبينهما سور هو الموبق .
" ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا "المعنى وشاهد الكافرون جهنم فاعتقدوا أنهم ذائقوها ولم يلقوا عنها مبعدا ،يبين الله للنبى(ص) أن المجرمون وهم الظالمون لما رأوا أى شاهدوا النار وهى العذاب مصداق لقوله بسورة النحل"وإذا رأى الذين ظلموا العذاب" ظنوا أنهم مواقعوها والمراد علموا أنهم داخلوها ودخلوها ولم يجدوا عنها مصرفا والمراد ولم يلقوا عن النار محيصا أى مبعدا ينقذهم منها مصداق لقوله بسورة النساء"ولا يجدون عنها محيصا "والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"ولقد صرفنا فى هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا"المعنى ولقد قلنا فى هذا الكتاب للخلق من كل حكم وكان الفرد أكثر مخلوق كفرا ،يبين الله للنبى(ص) أنه صرف أى قال والمراد ضرب فى القرآن وهو كتاب الله للناس وهم الخلق من كل مثل أى من كل حكم مصداق لقوله بسورة الروم"ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن"وهذا يعنى أنه قال فى القرآن حكم كل قضية،ويبين لنا أن الإنسان وهو الفرد من الجن والإنس أكثر شىء جدلا والمراد أكثر مخلوق كفرا مصداق لقوله بسورة إبراهيم"إن الإنسان لظلوم كفار والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن يأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا"المعنى وما حمل الخلق ألا يصدقوا إذ أتاهم الوحى ويستعفوا خالقهم إلا أن يجيئهم مثلة السابقين أو يجيئهم العقاب عيانا ،يبين الله للنبى(ص) أن الذى منع أى حجز الناس وهم الخلق ألا يؤمنوا أى ألا يصدقوا إذ جاءهم الهدى والمراد إذ أتاهم العلم مصداق لقوله بسورة آل عمران"جاءهم العلم"وفسر هذا بأنهم لم يستغفروا ربهم أى لم يعودوا لدين خالقهم هو ألا تأتيهم سنة الأولين والمراد ألا ينزل بهم عذاب الكفار السابقين أو يأتيهم العذاب قبلا والمراد أو ينزل بهم العقاب وهو عذاب الساعة عيانا مصداق لقوله بسورة يوسف"تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة "وهذا يعنى أن سبب عدم الإيمان هو عدم إتيان العقاب على الكفار فى الحال وهو ما بعد كفرهم بقليل .
"وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتى وما أنذروا هزوا "المعنى وما نبعث الأنبياء إلا مبلغين أى مخبرين ويناقش الذين كذبوا بالكذب ليدمروا به الصدق وجعلوا أحكامى وما أخبروا سخرية ،يبين الله للنبى(ص) أنه يرسل المرسلين أى يبعث الأنبياء(ص)مبشرين أى منذرين والمراد مبلغين لوحيه الكريم،ويبين لهم أن الذين كفروا أى كذبوا وحى الله يجادلوا بالباطل والمراد يتحدثوا بالكذب وهو الزور حتى يدحضوا به الحق والمراد حتى يدمروا به العدل وهو الوحى الإلهى ويبين لنا أنهم اتخذوا آيات الله وهى أحكامه أى دينه وما أنذروا وهو ما خوفوا به وهو العذاب هزوا أى سخرية أى أضحوكة أى لعبا مصداق لقوله بسورة المائدة"الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا " والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى أذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا "المعنى ومن أكفر ممن أبلغ بأحكام خالقه فخالفها وترك ما عملت نفسه إنا خلقنا فى أنفسهم حواجز كى لا يفهموه أى فى أنفسهم ثقلا أى إن تناديهم إلى الرشاد فلن يرشدوا إذا دائما ،يبين الله لنبيه(ص) أن من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها والمراد أن ليس أكفر من الذى أبلغ أحكام خالقه فكذب بها أى صدف عنها مصداق لقوله بسورة الأنعام"فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها"ونسى ما قدمت يداه والمراد ترك الذى عملت نفسه فلم يذكره ويبين له أنه جعل على قلوب الكفار أكنة والمراد أنه خلق فى نفوس الكفار حواجز هى الشهوات أن يفقهوه أى حتى لا يعقلوه أى حتى لا يطيعوا الوحى وفسر هذا بأنه جعل فى أذانهم وقر أى خلق فى قلوبهم حاجز هو الشهوات يمنعهم من طاعة وحى الله وفسر هذا لنبيه(ص)أنه إن يدعهم إلى الهدى والمراد إن يناديهم إلى اتباع الحق فلن يهتدوا أى فلن يؤمنوا إذا أبدا أى دوما وهذا يعنى أنهم لن يؤمنوا حتى يموتوا .
"وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعدا لن يجدوا من دونه موئلا "المعنى وإلهك العفو صاحب النفع لو يحاسبهم بما كفروا لأنزل بهم العقاب،إن لهم ميقاتا لن يلقوا من قبله مصرفا ،يبين الله لنبيه(ص)أن ربه وهو خالقه هو الغفور أى العفو عن التائب ذو الرحمة أى صاحب النفع للتائب وهو لو يؤاخذ الناس بما كسبوا والمراد لو يحاسب الخلق بما ظلموا لعجل أى لأنزل بهم العقاب وهو عدم تركهم أحياء بإنزال العذاب عليهم مصداق لقوله بسورة النحل"ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة "،ويبين له أن للكفار موعدا لن يجدوا من دونه موئلا والمراد أن للكفار ميقاتا محددا للحساب لن يلقوا من قبله مصرفا وهذا يعنى أن لن يجدوا عنده منقذا من العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا "المعنى وتلك البلاد دمرناهم لما كفروا وحددنا لتدميرهم ميقاتا ،يبين الله لنبيه(ص)أن القرى والمراد أن أهل البلاد أهلكهم أى دمرهم الله لما ظلموا أى كفروا أى أذنبوا مصداق لقوله بسورة الأنفال"فأهلكناهم بذنوبهم "وجعل لمهلكهم موعدا والمراد حدد لتدميرهم ميقات محدد أى أجل مصداق لقوله بسورة الأعراف"ولكل أمة أجل ".
"وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا "المعنى وقد قال موسى (ص)لخادمه لا أنصرف حتى أصل ملتقى الماءين أى أسير باحثا عنهما،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لفتاه وهو خادمه :لا أبرح أى لا أنصرف حتى أبلغ مجمع البحرين أى حتى أصل ملتقى الماءين أى أمضى حقبا أى أسير باحثا عنه ،وهذا يعنى أن موسى (ص)يريد الوصول إلى مكان يسمى مجمع البحرين ليقابل العبد الصالح(ص) الخطاب وما بعده من قصة موسى(ص) للنبى (ص)ومنه للناس.
"فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله فى البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه ائتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا "المعنى فلما وصلا ملتقى بينهما تركا حوتهما فسلك طريقه فى الماء ظاهرا فلما عبرا قال لخادمه هات لنا طعاما لقد وجدنا من مسيرنا هذا تعبا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)وخادمه لما بلغا مجمع بينهما والمراد لما وصلا منطقة إلتقاء بين البحرين نسيا حوتهما أى تركا سمكتهما الكبيرة فاتخذ سبيله فى البحر سربا والمراد فسلك طريقه فى الماء ظاهرا وهذا يعنى أن الحوت ترك أثر فى الماء يدل على طريق سيره ولما جاوزوا أى لما عبر موسى (ص)وخادمه المجمع المقصود قال موسى (ص)لفتاه وهو خادمه :ائتنا غداءنا أى جئنا بطعامنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا والمراد لقد وجدنا من تحركنا هذا تعبا ،وهذا يعنى أن السبب فى إرادته الطعام هو تعبه من السفر .
"قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجبا "المعنى قال هل تعلم حين لجأنا إلى الحجر فإنى تركت الحوت هناك وما أتركنيه سوى الهوى أن أقول فعله وجعل طريقه فى الماء غريبا ، يبين الله لنبيه(ص)أن الفتى قال لموسى (ص)أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة والمراد أتذكر حين لجأنا إلى الحجر فإنى تركت السمكة ،وهذا يعنى أن مكان فقد الحوت هو مكان الصخرة التى احتموا بها وقتا ما أثناء الرحلة ،وقال وما أنسانيه إلا الشيطان أن اذكره أى وما أتركنيه سوى الشهوة أن أردده ،وهذا يعنى أن السبب فى ترك الفتى للحوت فى حديثه مع موسى (ص)هو الشيطان وهو الشهوة التى شغلته ساعتها عن أمر الحوت ،وقال واتخذ سبيله فى البحر عجبا أى وسلك طريقه فى الماء غريبا،وهذا يعنى أن الحوت ترك فى الماء آثار تدل على الطريق الذى سار فيه.
"قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهم قصصا فوجدا عبدا من عبادنا أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما "المعنى قال ذلك ما كنا نريد فعادا على أعقابهما متتبعين فلقيا مملوكا من عبيدنا أعطيناه نفعا من لدينا وعرفناه من عندنا معرفة،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لفتاه :ذلك أى الطريق الذى سلكه الحوت هو ما كنا نبغ أى نريد ،وبعد ذلك ارتدا على آثارهما قصصا أى عادا على أعقابهما متتبعين وهذا يعنى أنهما رجعا من نفس الطريق الذى أتوا منه متتبعين الآثار التى تركها الحوت فى الماء ،ويبين له أن موسى (ص)وفتاه لما انتهيا من تتبع آثار الحوت وجدا عبدا من عباد الله والمراد لقيا إنسان من خلق الله أتاه الله رحمة من عنده أى أعطاه الله نفعا من لديه وفسر هذا بأنه علمه من لديه علما أى عرفه من عنده معرفة أى وحيا .
"قال موسى هل أتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشدا "المعنى قال موسى (ص)هل أطيعك على أن تعرفنى من الذى عرفت هدى ؟يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال للعبد الصالح (ص)هل أتبعك أى هل أطيعك على أن تعلمن مما علمت رشدا أى على أن تعرفنى من الذى عرفت علما ؟وهذا يعنى أنه يطلب منه أن يكون تابعا له بشرط أن يعلمه مما علمه الله.
"قال إنك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا "المعنى قال إنك لن تقدر معى على طاعة وكيف تتحمل الذى لم تعلم به علما ؟يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال موسى (ص)إنك لن تستطيع معى صبرا والمراد إنك لن تقدر معى على التحمل أى لن تقدر معى على طاعتى وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا والمراد كيف تتحمل الذى لم تعرف به علما ؟وهذا يعنى أن الإنسان لا يقدر على التحمل وهو عدم وجود رد فعل له على الحدث إذا كان جاهلا بحقيقة الأمر .
"قال ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا"المعنى قال ستلقانى إن أراد الله مطيعا ولا أخالف لك حكما ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال للعبد الصالح(ص):ستجدنى إن شاء الله صابرا أى ستلقانى إن أراد الله مطيعا وفسر هذا بقوله ولا أعصى لك أمرا أى ولا أخالف لك حكما ،وهذا يعنى أن موسى (ص)مصر على التعلم منه ولذا فهو يعده بالطاعة وعدم العصيان .
"قال فإن اتبعتنى فلا تسئلنى عن شىء حتى أحدث لك منه ذكرا "المعنى قال فإن أطعتنى فلا تستفهمنى عن أمر حتى أذكر له منه علما ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال موسى (ص)فإن اتبعتنى أى أطعتنى فلا تسئلنى عن شىء أى فلا تستخبر عن أمر حتى أحدث لك منه ذكرا أى حتى أقول له عنه علما ،وهذا يعنى أن العبد الصالح(ص)اشترط على موسى (ص)شرطا حتى يعلمه وهو ألا يسأل عن أى شىء مهما كان الأمر وبين له أن السؤال مباح له بعد أن يذكر له ذكر والمراد بعد أن يحدثه عن الشىء .
"فانطلقا حتى إذا ركبا سفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا "المعنى فسارا حتى إذا دخلا فلك خرمه قال أخرمتها لتهلك أصحابها لقد أتيت فعلا منكرا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى والعبد الصالح(ص)انطلقا أى تحركا فى الأرض حتى إذا وصلا لميناء ركبا سفينة أى دخلا فلكا سار فى البحر وعند ذلك خرقها أى خرمها العبد الصالح (ص)فلم يصبر موسى (ص)على هذا الفعل الذى فى ظاهره شر فقال أخرقتها أى أخرمتها لتغرق أهلها أى لتهلك ركابها ،وهذا يعنى أن السبب الذى جعل العبد الصالح(ص)يخرم السفينة هو أنه يريد إغراق ركابها ،وقال لقد جئت شيئا أمرا أى لقد ارتكبت عملا منكرا والمراد لقد ارتكبت جرما سيئا .
"قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا "المعنى قال ألم أحدثك إنك لن تقدر معى تحملا قال لا تعاقبنى بما تركت ولا تحملنى من أمرى صعبا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال لموسى (ص)ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا والمراد ألم أحدثك أنك لن تقدر معى على التحمل والغرض من السؤال هو تذكير موسى (ص)بالخطأ الذى وقع فيه والذى حذره منه العبد الصالح(ص)من قبل فقال له موسى (ص)لا تؤاخذنى بما نسيت أى لا تعاقبنى بما تركت وهذا يعنى أنه يطلب منه العفو عن الخطأ الذى ارتكبه ،وقال ولا ترهقنى من أمرى عسرا والمراد ولا تحملنى فى شأنى ثقلا ،وهذا يعنى أنه يطلب منه ألا يفرض عليه أمرا متعبا ثقيلا.
"فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا"المعنى فسافرا حتى إذا قابلا ذكرا فذبحه قال أذبحت فردا طاهرا بغير جرم لقد فعلت فعلا سيئا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)والعبد الصالح (ص)انطلقا أى سافرا فى البلاد حتى إذا لقيا غلاما والمراد حتى إذا قابل شابا قتله أى ذبحه العبد الصالح (ص)فقال له موسى :أقتلت نفسا زكية بغير نفس والمراد هل ذبحت إنسانا طاهرا بدون قتله لإنسان أخر؟أى هل ذبحت إنسانا بريئا بدون جريمة يستحق عليها الذبح ؟ثم قال لقد جئت شيئا نكرا أى لقد ارتكبت عملا سيئا وهذا يعنى أن الرجل ارتكب جريمة فظيعة فى رأى موسى (ص).
"قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا "المعنى قال ألم أحدثك إنك لن تقدر معى تحملا؟يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال لموسى (ص)ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا أى ألم أكلمك إنك لن تقدر معى على طاعتى ؟والغرض من السؤال هو إخبار موسى (ص)أنه خالف شرط التعلم للمرة الثانية رغم أنه حذره من عدم تحمله للأمر فى البداية وبعد ذلك .
"قال إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا "المعنى قال إن استخبرتك عن أمر بعدها فلا تصادقنى قد وجدت من عندى سببا للمفارقة ،يبين الله لنبيه(ص) أن موسى (ص)قال للعبد الصالح(ص):إن سألتك عن شىء والمراد إن استفهمت منك عن شىء أى أمر بعدها فلا تصاحبنى أى فلا تصادقنى قد بلغت من لدنى عذرا أى قد وجدت فى نفسى سببا للفراق وهذا يعنى أنه يخبر العبد الصالح(ص)أنه ليس لديه عذر أى سبب أى مبرر بعد تلك المرة يعتذر به عن نفسه.
"فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا"المعنى فسافرا حتى إذا جاءا أصحاب بلدة فرفضوا أن يطعموهما فلقيا فيها جدارا يحب أن يسقط فعدله قال لو أردت لطلبت عليه مالا،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)والعبد الصالح(ص)انطلقا أى سارا فى الأرض حتى إذا أتيا أهل قرية والمراد حتى إذا دخلا على أصحاب بلدة من البلاد استطعما أهلها والمراد طلبا الطعام وهو الأكل من أصحابها بسبب جوعهم فأبوا أن يضيفوهما أى فرفضوا أن يعطوا لهما الطعام ،فسارا فى القرية فوجدا فيها جدارا والمراد فشاهدا فيها مبنى يريد أن ينقض أى يحب أن يسقط فأقامه أى فعدله والمراد فبناه بناء سليم فقال له موسى (ص)لو شئت لتخذت عليه أجرا والمراد لو أردت طلبت عليه مالا،وهذا يعنى أن الجدار له إرادة وأن موسى نصح العبد الصالح(ص)أن يطلب على إقامة للجدار مال لشراء الطعام الذى رفضوا أن يعطوه لهما بحق الضيافة .
"قال هذا فراق بينى وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا "المعنى قال هذا بعاد بينى وبينك سأخبرك بحقيقة الذى لم تقدر عليه تحملا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال لموسى (ص)هذا فراق أى بعاد بينى وبينك ،سأنبئك بتأويل أى سأعرفك بحقيقة ما لم تستطع عليه صبرا أى الذى لم تقدر عليه تحملا وهذا يعنى أن العبد الصالح(ص)أخبر موسى (ص)أنه ارتكب الخطأ للمرة الثالثة ومن ثم وجب بينهما الإفتراق حسبما اشترط موسى (ص)على نفسه من قبل ولكنه لم يفارقه مباشرة وإنما قال له أنه سيعرفه الذى لم يقدر على تحمله من الأشياء.
"أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا "المعنى أما الفلك فكان لمحتاجين يشتغلون فى الماء فأحببت أن أفسدها وكان بعدهم حاكم يمسك كل فلك بالقوة،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح (ص)قال لموسى (ص):أما السفينة وهى الفلك فكانت لمساكين يعملون فى البحر والمراد فكانت ملك لمحتاجين يشتغلون فى اليم لسد حاجاتهم فأردت أن أعيبها والمراد فشئت أن أفسدها إفسادا هينا والسبب أن وراءهم أى بعدهم والمراد على أرضهم ملك أى حاكم يفعل التالى :يأخذ كل سفينة أى يمسك كل فلك بالقوة والمراد يضم لملكه كل سفينة سليمة باستخدام القوة ضد أصحابها وبإفساد الفلك المملوك لهم لن يأخذه الملك وساعتها سيصلحونه ويستخدمونه مرة أخرى .
"وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما "المعنى وأما الصبى فكان والداه مصدقين بحكم الله فخفنا أن يجبرهما ظلما أى كذبا فأحببنا أن يعطيهما خالقهما أفضل منه طهارة أى أحسن نفعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح (ص)قال لموسى (ص) :وأما الغلام وهو الشاب فكان أبواه وهما والداه مؤمنين أى مصدقين بوحى الله فخشينا أن يرهقهما طغيانا أى كفرا والمراد فخفنا أن يجبرهما على الظلم أى الكفر ،وهذا يعنى أن السبب فى قتل الشاب هو الخوف من أن يجبر أبويه على الكفر فيكفرا ،فأردنا أى فأحببنا أن يبدلهما أى أن يعطيهما ربهما خيرا منه زكاة أى أحسن منه دينا أى أقرب رحما أى أحسن نفعا ،وهذا يعنى أن الله سيعطى الأبوين غلاما أخر أفضل من الغلام المقتول فى أنه مسلم والأخر كافر .
"وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا "المعنى وأما البناء فكان لطفلين فاقدى الأب فى البلدة وكان أسفله مال لهما وكان والدهما مسلما فأحب إلهك أن يصلا رشدهما ويستطلعا مالهما نفع من إلهك وما صنعته من نفسى ذلك تفسير الذى لم تقدر عليه تحملا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح (ص)قال لموسى (ص) أما الجدار وهو المبنى الذى أقمته فكان ملك غلامين يتيمين أى طفلين فاقدى الأب فى المدينة وهى البلدة وكان تحته كنز لهما أى وكان أسفله مال لهما وكان أبوهما صالحا والمراد وكان والدهما مسلما وضعه لهما تحت الجدار ،وهذا يعنى أن المبنى كان ملك طفلين من اليتامى كان والدهما المسلم قد دفن أسفله مال له حتى يكون ذخيرة للطفلين فى المستقبل ،وقال فأراد ربك أى فأحب خالقك أن يبلغا أشدهما والمراد أن يصلا لسن الرشد ويستخرجا كنزهما أى ويستطلعا مالهما رحمة من ربك أى نفع من خالقك ،وهذا يعنى أن الله شاء أن يكبر الطفلين ثم يخرجا مالهما من تحت البناء وكان هذا منه رحمة بهما ،وقال ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أى هذا تفسير الذى لم تطق له تحملا وهذا يعنى أن ما قاله من قبل هو تفسير الأفعال التى فعلها رغم أنها كانت جرائم فكل منها كان له سبب وهذا يعنى ألا نفسر كل الأمور حسب ظاهرها وإنما علينا نفكر فيها حتى نعرف هل تفسر حسب ظاهرها أم باطنها .
"ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له فى الأرض وأتيناه من كل شىء سببا فأتبع سببا "المعنى ويستفهمونك عن صاحب القرنين قل سأقص عليكم منه بعضا إنا حكمناه فى البلاد وأعطيناه فى كل أمر حكما فأطاع حكما ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس يسألونه أى يستخبرونه عن ذى القرنين وهو صاحب القرنين وهو رسول من رسل الله (ص)،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :سأتلوا عليكم منه ذكرا والمراد سأقص عليكم منه علما ،إنا مكنا له فى الأرض أى إنا حكمناه فى البلاد ،وهذا يعنى أن الله جعله حاكما على دولة الإسلام فى عصره ،وقال وأتيناه من كل شىء سببا أى وأعطيناه فى كل أمر حكما فأتبع سببا أى فأطاع حكما ،والمراد أن الله أعطاه وحى فيه كل الأحكام فأطاع الأحكام طاعة عادلة والخطاب للنبى(ص)ومنه للسائلين ومثله بقية القصة .
"حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا "المعنى حتى إذا وصل مكان لمغرب الشمس فى الأرض لقاها تميل فى نهر متغير ولقى لديها شعبا قلنا يا صاحب القرنين إما أن تعاقب وإما أن تصنع لهم نفعا ،يبين الله للناس على لسان نبيه(ص) أن ذا القرنين بلغ مغرب الشمس أى وصل مكانا أخر النهار فوجد الشمس أى لقى الشمس تغرب أى تسقط فى عين حمئة أى فى نهر متقلب الألوان وهذا يعنى أنه وصل للنهر وقت فيضانه حيث تعكؤت المياه بسبب الطمى ساعة المغرب ووجد عندها قوما والمراد ولقى لدى النهر ناسا قلنا أى أوحينا له :يا ذا القرنين أى يا صاحب القرنين إما أن تعذب والمراد إما أن تهلك وإما أن تتخذ فيهم حسنا أى تصنع بهم معروفا والمراد تعطى لهم النفع والخير .
"قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا "المعنى قال أما من كفر فسوف نعاقبه ثم يعود إلى خالقه فيعاقبه عقابا شديدا وأما من صدق وفعل نافعا فله ثواب النافعة وسنقول له من حكمنا نفعا ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين(ص)رد على تحكيم الله له فى القوم فقال :أما من ظلم أى كفر فسوف نعذبه أى نعاقبه والمراد نقتله ثم يرد إلى ربه أى ثم يعود إلى حكم إلهه فيعذبه عذابا نكرا أى فيدخله عقابا عظيما هو النار ،وهذا يعنى أن الظالم له عقاب دنيوى هو القتل وعقاب أخروى هو دخول عذاب النار فى الآخرة ،وقال وأما من أمن أى صدق بوحى الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا فله جزاء الحسنى أى فله عطاء الجنة وسنقول له فى الدنيا من أمرنا أى حكمنا يسرا أى نفعا وهذا يعنى أنه سيعطى المؤمن العطاء النافع له فى الدنيا كما سيعطى له الله العطاء الحسن فى الآخرة .
"ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا "المعنى ثم أطاع حكما حتى إذا وصل لمكان تشرق فيه الشمس لقاها تشرق على أناس لم نخلق لهم من سواها حجابا وهكذا وقد علمنا بما عنده علما ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين (ص)أتبع سببا أى أطاع حكم الله بالجهاد فسار فى الأرض حتى إذا بلغ مطلع الشمس والمراد حتى إذا وصل مكانا وقت شروق الشمس وهو بداية النهار وجدها تطلع على قوم لم نجعل من دونها سترا والمراد لقاها تشرق على ناس لم يخلق لهم من قبلها لباسا وهذا يعنى أن القوم كانوا يعيشون عرايا دون أى لباس يوارى عورتهم سواء رجال أو نساء ،ويبين لنا أن كذلك والمراد أن ذا القرنين (ص)تصرف مع القوم حسبما قال مع القوم السابقين وهو عقاب من يكفر وإثابة من يسلم ،وقد أحاط الله بما لديه خبرا والمراد أن الله عرف بما فعله معرفة تامة لا نقص فيها .
"ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا"المعنى ثم أطاع حكما حتى إذا وصل بين الحاجزين لقى من قبلهما ناسا لا يريدون يفهمون وحيا ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين (ص)أطاع حكما من الله فسار فى الأرض حتى إذا بلغ بين السدين والمراد حتى إذا وصل مكان بين الجبلين وجد من دونهما أى قابل قبل الجبلين قوما لا يكادون يفقهون قولا والمراد ناسا لا يريدون يعقلون وحيا وهذا يعنى أنه التقى عند الجبلين بشعب لا يؤمن بحكم الله .
"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا "المعنى قالوا يا صاحب القرنين إن يأجوج ومأجوج ظالمون فى البلاد فهل نعين لك مالا على أن تقيم بيننا وبينهم حاجزا ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن القوم قالوا للرجل:يا ذا القرنين (ص) إن يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان مفسدون فى الأرض أى ظالمون فى البلاد والمراد كافرون بحكم الله لا يعملون به فى البلاد أى يعتدون على الناسب كل الوسائل ،ثم قالوا فهل نجعل لك خرجا أى فهل نعطى لك مالا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا والمراد مقابل أن تقيم بيننا وبينهم حاجزا يمنعهم من دخول بلادنا ؟وهذا يعنى أنهم يطلبون منه إقامة سد يمنع يأجوج ومأجوج من الوصول لبلادهم مقابل أن يعطوه الخرج وهو المال الكثير .
"قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتونى أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا "المعنى قال ما أقدرنى فيه إلهى أفضل فساعدونى ببأس أصنع بينكم وبينهم حاجزا ،هاتوا لى قطع الحديد حتى إذا ساوى بين الجانبين قال انفثوا حتى إذا جعله مشتعلا قال هاتوا لى أضع عليه نحاسا فما قدروا أن يثقبوه أى ما قدروا له خرما ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين قال للقوم :ما مكننى فيه ربى خيرا والمراد ما قدرنى عليه خالقى أفضل من خرجكم الذى تريدون إعطائى ،وهذا يعنى رفضه لأخذ الخراج وهو المال الذى قالوا له عليه ،وقال فأعينونى بقوة أى فساعدونى ببأس والمراد اعملوا معى بكل ما لديكم من أسباب العمل ،وقال أجعل بينكم وبينهم ردما أى أصنع بينكم وبينهم سدا يمنعهم من الوصول إليكم ،وقال :آتونى زبر الحديد أى أحضروا لى قطع الحديد فلما أحضروه ساوى بين الصدفين أى فعدل بين الجانبين وقال :انفخوا أى انفثوا هواء حتى إذا جعل الفرن نارا مشتعلة قال لهم آتونى أفرغ عليه قطرا والمراد احضروا لى أصب عليه نحاسا ،وهذا يعنى أنه عمل السد من سبيكة الحديد والنحاس بواسطة النار التى أشعلها فى الفرن الذى أقامه بين جانبى السد .
"قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا "المعنى قال هذا فضل من خالقى فإذا أتى ميقات خالقى جعله متهدما وكان ميقات خالقى واقعا وجعلنا بعضهم يومذاك يتحرك مع بعض ونفث فى البوق وكشفنا النار يومذاك للكاذبين كشفا الذين كانت قلوبهم فى حجاب عن طاعتى وكانوا لا يفعلون طاعة ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين قال لهم :هذا رحمة من ربى أى السد نفع من إلهى يمنع يأجوج ومأجوج عنكم فإذا جاء وعد ربى أى فإذا أتى ميقات خراب السد من إلهى جعله دكا أى جعله متحطما وكان وعد ربى حقا والمراد وكان قول إلهى متحققا والمراد كان خراب السد وهى وعد الله حادثة ،ويبين الله لنا أنه يتركهم يموج أى يدعهم يتحرك بعضهم مع بعض وهذا يعنى أن يأجوج ومأجوج معزولين بسد بين جبلين الآن ولا أحد يعرف مكان هذا السد حاليا ،وفى هذا اليوم ينفخ فى الصور أى ينفث فى البوق والمراد أن الملاك ينفث فى القرن فيصدر صوتا لبعث الخلق فيقومون من موتهم وعند ذلك يعرض الله جهنم على الكافرين عرضا والمراد يكشف الله النار أمام المكذبين بوحى الله كشفا حتى يشاهدوا العذاب والكافرون هم الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكر الله والمراد وهم الذين كانت قلوبهم فى بعد عن طاعة حكم الله وفسرهم بأنهم الذين كانوا لا يستطيعون سمعا والمراد الذين كانوا لا يقدرون فهما للوحى ومن ثم لا يقدرون على طاعته.
"أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا "المعنى هل ظن الذين كذبوا أن يجعلوا عبيدى من سواى أنصار إنا جهزنا النار للكاذبين مقاما،يسأل الله أفحسب الذين كفروا أى هل اعتقد الذين كذبوا وحى الله أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء والمراد أن يتبعوا خلقى من سواى أربابا ولا يعاقبون؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أنهم سوف يعاقبون على طاعتهم أى عبادتهم لغير الله ويبين لنا أنه أعتد جهنم للكافرين نزلا والمراد أنه جهز النار للمكذبين بوحى الله مقاما دائما والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا"المعنى هل نخبركم بالحابطين أفعالا الذين ضاع عملهم فى المعيشة الأولى وهم يظنون أنهم يصلحون عملا أولئك الذين كذبوا بأحكام إلههم ومقابلته فخسرت أفعالهم فلا نعطى لهم يوم البعث عطاء ذلك عقابهم النار بما كذبوا أى جعلوا أحكامى وأنبيائى سخرية،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا والمراد هل نخبركم بالمسيئين أفعالا أى هل نعلمكم بالذين حبطت أعمالهم السيئة ؟ثم يجيب على السؤال بقوله هم الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا والمراد هم الذين ساء عملهم فى المعيشة الأولى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أى وهم يظنون أنهم يصلحون عملا ،وهذا يعنى أن الكافر يظن عمله السيىء فى الدنيا عمل حسن يثاب عليه ،والأخسرين أعمالا هم الذين كفروا أى كذبوا بآيات ربهم وهى أحكام خالقهم ولقائه وهو جزائه فكانت النتيجة أن حبطت أعمالهم أى خسر أجر أفعالهم والمراد ساءت أفعالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا والمراد فلا نعطى لهم يوم البعث ثوابا أى عطاء حسنا وذلك أى جهنم هى جزاؤهم أى عقابهم والسبب ما كفروا أى ما كذبوا وفسر هذا بأنهم اتخذوا آيات الله وهى أحكام الله ورسله أى أنبيائه(ص)هزوا أى سخرية والمراد أنهم كذبوا أحكام الله المنزلة على رسله(ص).
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا "المعنى إن الذين صدقوا وفعلوا الحسنات كانت حدائق الخلود مقاما مقيمين فيها لا يريدون عنها تبديلا ،يبين الله لنا أن الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات كانت لهم جنات الفردوس نزلا والمراد كانت حدائق النعيم لهم عطاء أى مسكن خالدين فيها أى مقيمين فيها لا يبغون عنها حولا أى لا يريدون منها خروجا والخطاب وما بعده حتى أخر السورة للنبى(ص).
"قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا"المعنى قل لو كان الماء حبرا لإرادات إلهى لفنى الماء قبل أن تفنى إرادات إلهى ولو أتينا بقدره حبرا ؟،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس لو كان البحر مدادا أى لو كان ماء اليم حبرا مظهرا لكلمات ربى وهى إرادات خالقى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى أى لانتهى ماء اليم قبل أن تنتهى إرادات خالقى ولو جئنا بمثله مددا أى حتى ولو أتينا بقدر ماء البحر زيادة عليه ،وهذا يعنى أن أى مخلوق لا يستطيع أن يسجل إرادات الله مهما كانت المادة التى يسجل بها إرادات فهذه المادة ستفنى قبل أن تنتهى إرادات الله التى لا تنتهى لإستمرار الحياة .
"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"المعنى قل إنما أنا إنسان شبهكم يلقى إلى أنما ربكم رب واحد فمن كان يريد عطاء إلهه فليفعل فعلا حسنا ولا يقاسم فى طاعة إلهه أحدا،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :إنما أنا بشر مثلكم أى إنما أنا إنسان شبهكم وهذا يعنى أنه لا يستطيع أن يفعل شىء زائد عما يفعله البشر ،يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد والمراد يلقى إلى أنما ربكم رب واحد ،وهذا يعنى أن الشىء الزائد عليهم فيه هو أنه يلقى له الوحى من الله طالبا عبادة الله وحده ،فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أبدا والمراد فمن كان يريد ثواب خالقه فليفعل فعلا حسنا وفسره بأنه لا يقاسم فى الطاعة رب غير الله وهذا يعنى أن يطيع الله وحده ولا يطيع أحد معه مهما كان
سميت بهذا الاسم لذكر قصة أهل الكهف فيها .
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة لله الذى أوحى إلى مملوكه القرآن ولم يضع فيه ظلما،يبين الله للناس أن الله الرحمن الرحيم أى الرب النافع المفيد اسمه أى حكمه هو أن الحمد لله أى الحكم أى الأمر لله مصداق لقوله بسورة الروم"لله الأمر من قبل ومن بعد"وهو الذى أنزل على عبده الكتاب والمراد الذى أوحى الفرقان وهو القرآن إلى مملوكه محمد(ص)مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى نزل الفرقان على عبده"ولم يجعل له عوجا والمراد ولم يضع فيه باطلا مصداق لقوله بسورة فصلت"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " والخطاب وما بعده للناس.
"قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيها أبدا "المعنى عدلا ليخبر عذابا عظيما من عنده ويخبر المصدقين الذين يفعلون الحسنات أن لهم جزاء كريما مقيمين فيها دوما ،يبين الله للناس أن الكتاب قيم أى عدل وأنه أوحاه له لينذر بأسا شديدا من لدنه والمراد ليخبر عذاب عظيم من عنده مصداق لقوله بسورة إبراهيم"لينذر الناس يوم يأتيهم العذاب "ويبشر المؤمنين أى ويخبر المصدقين وهم المحسنين كما قال بسورة الحج"وبشر المحسنين"وهم الذين يعملون الصالحات أى يفعلون الحسنات أن لهم أجرا حسنا أى ثوابا كبيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"لهم أجرا كبيرا"وهم ماكثين فيها أبدا أى مقيمين أى خالدين فيها دوما مصداق لقوله بسورة البينة "خالدين فيه أبدا".
"وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا"المعنى ويخبر الذين قالوا اصطفى الله ابنا ما لهم به من وحى ولا لآبائهم عظمت قولة تخرج من ألسنتهم إن يزعمون إلا زورا ،يبين الله للناس أن القرآن ينذر أى يخوف بالعذاب الذين قالوا اتخذ الله ولدا أى اصطفى الله ابنا وهذا يعنى أنهم يزعمون أن الله ينجب أولاد،ويبين لنا أن الكفار وآبائهم ليس لهم به أى بذلك القول من علم أى وحى يثبته وإنما هو قول بلا دليل من عند الله ،ويبين أن ذلك القول هو كلمة كبرت أى عظمت فى الخطأ تخرج من أفواههم والمراد تدور على ألسنتهم ويبين لنا أنهم لا يقولون إلا الكذب والمراد إن يزعمون إلا الباطل وهذا يعنى أن لا أصل لتلك الكلمة والخطاب للناس.
"فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "المعنى فلعلك مذهب نفسك على أحكامهم إن لم يصدقوا بهذا القول غاضبا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قد يبخع نفسه على آثار الكفار والمراد قد يسير نفسه على أحكام الكفار وهذا يعنى أنه قد يأمر نفسه بالسير على دين الكفار أسفا أى غاضبا والسبب يعنى فى غضبه أنهم لم يؤمنوا بهذا الحديث أى لم يصدقوا بهذا الوحى والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا "المعنى إنا خلقنا الذى على الأرض متاعا لها لنختبرهم أيهم أفضل فعلا وإنا لمحولون الذى عليها ترابا مجدبا ،يبين الله لنبيه (ص)أنه جعل ما على الأرض زينة لها والمراد خلق الذى فى الأرض جمال لها أى نفع لها والسبب أن يبلو أى يختبر الناس أيهم أحسن عملا أى أيهم أصلح فعلا وهذا يعنى أن الغرض من خلق الأرض هو امتحان الناس حتى يتميز حسن العمل من سيىء العمل ،ويبين له أنه جاعل ما على الأرض صعيدا جرزا أى محول الذى على الأرض من حياة إلى تراب مجدب والمراد ميت .
"أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا "المعنى لقد ظننت أن سكان الغار والعدد كانوا من علاماتنا غرابة ؟يبين الله لنبيه(ص)لقد حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أى لقد علمت أن أهل الغار والعدد كانوا من علاماتنا اعجازا والغرض هو إخبار الرسول(ص)أن أصحاب الكهف وهو الغار فى الجبل والرقيم وهو العدد المختلف فيه كانوا من آيات الله العجيبة والمراد من معجزات الله الغريبة الإعجاز والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده من بقية القصة.
"إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا"المعنى حين ذهب الجمع إلى الغار فقالوا إلهنا أعطنا من عندك نفعا واجعل لنا من أمرنا هدى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الفتية وهم العصبة المؤمنة أووا إلى الكهف أى ذهبوا ليقيموا فى الغار فى الجبل فدعوا الله فقالوا :ربنا أى إلهنا آتنا من لدنك رحمة أى أعطنا من عندك نفعا أى حسنة مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا آتنا فى الدنيا حسنة "وكرروا الطلب فقالوا هيىء لنا من أمرنا رشدا أى اجعل لنا فى شأننا فائدة أى مرفقا مصداق لقوله بنفس السورة "ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " وهذا يعنى أنهم طلبوا من الله أن يفيدهم فى شأنهم برحمته حيث يحميهم من أذى القوم.
"فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"المعنى فأمسكنا على آذانهم فى الغار سنين كثيرة ثم أحييناهم لنعرف أى الفريقين أعد لما ناموا وقتا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ضرب على آذانهم فى الكهف سنين عددا والمراد أمسك وصول الكلام إلى نفوسهم فى الغار سنوات كثيرة حتى لا يستيقظوا من نومهم وبعد ذلك بعثهم أى أرسلهم للحياة للسبب التالى أن يعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا والمراد أن يعرف أى الفريقين أعد للذى مكثوا وقتا وهذا يعنى أن يعرف الفريق الذى عد سنوات غيابهم عدا صحيحا من الفريق الأخر الذى كان عده خاطئا .
"نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا "المعنى نحن نحكى لك خبرهم بالعدل إنهم عصبة صدقوا بخالقهم وأعطيناهم نفعا وطمأنا أنفسهم حين ذهبوا فقالوا إلهنا إله السموات والأرض لن نعبد من غيره ربا لقد تحدثنا إذا كفرا،يبين الله لنبيه(ص)أنه يقص عليه نبأهم بالحق والمراد أنه يحكى له خبر أهل الكهف بالعدل دون زيادة أو نقص ويبين له أنهم فتية أى جماعة الرجال الأقوياء آمنوا بربهم أى صدقوا بحكم خالقهم ويبين له أنه زادهم هدى أى أعطاهم نفعا هو الوحى الذى صدقوا به ،ويبين له أنه ربط على قلوب الفتية أى أمسك على أنفسهم والمراد طمأن نفوسهم حين قاموا أى ذهبوا للغار فقالوا :ربنا أى خالقنا رب أى خالق السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها والمراد لن نطيع من غير حكمه حكم رب مزعوم سواه وهذا يعنى أنهم لن يتبعوا دينا غير دين الله ،وقالوا لقد قلنا إذا شططا أى لقد تحدثنا إذا كفرا وهذا يعنى أن عبادة غير الله هى الشطط أى الكفر .
"هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلها لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا "المعنى هؤلاء أهلنا أطاعوا من سواه ربا هلا يجيئون عليهم بوحى معلوم فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا،يبين الله لنبيه(ص)أن الفتية قال أحدهم لهم :هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلها والمراد هؤلاء أهلنا عبدوا من غيره ربا وهذا يعنى أن شعبهم عبد آلهة مزعومة وترك عبادة الله،وقالوا لولا يأتون عليهم بسلطان بين أى هلا يجيئون عليهم بدليل ظاهر،وهذا يعنى أنهم يطلبون من قومهم إظهار وحى صادق يدل على وجوب عبادة الآلهة المزعومة ،وقال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أى فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا،وهذا يعنى أن الكافر هو الذى قال من نفسه أقوال كاذبة ثم قال إن الله هو الذى قالها وليس هو .
"وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا "المعنى وإذا تركتموهم وما يطيعون إلا الله فاذهبوا إلى الغار يجعل لكم إلهكم من نفعه ويمهد لكم فى شأنكم سبيلا ،يبين الله لنبيه(ص) أن أحد الفتية قال لهم :وإذ اعتزلتموهم أى وإذا تركتم المعيشة مع أهلكم وتركتم ما يعبدون أى الذى يطيعون إلا الله فأووا إلى الكهف والمراد فأقيموا فى الغار وهذا يعنى أن الفتية تركوا الحياة مع قومهم كما تركوا عبادة آلهتهم ما عدا الله الذى يطيعون دينه وقد طلب منهم صاحبهم أن يقيموا فى الكهف ثم بين لهم سبب ذلك بقوله ينشر لكم ربكم من رحمته أى يعطى لكم إلهكم من نفعه وفسر ذلك فقال ويهيىء لكم من أمركم مرفقا أى ويمهد لكم فى شأنكم سبيلا والمراد ويعطى لكم فى شأنكم رشدا أى نفعا وهذا يعنى أن الله سييسر لهم الحياة فى الكهف حتى لا يؤذيهم قومهم .
"وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وذات الشمال وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا "المعنى وتشاهد الشمس إذا أشرقت تتباعد عن غارهم جهة اليمين وإذا مالت تقطعهم جهة الشمال وهم فى بعض منه ذلك من علامات الله من يقرب الله فهو القريب ومن يبعد فلن تلق له ناصرا هاديا ،يبين الله لنبيه (ص) أنه يرى أى يشهد والمراد أن عليه أن يعرف أن الشمس إذا طلعت أى أشرقت فى مكان الكهف تزاور عن كهفهم أى تتباعد عن غارهم ذات اليمين أى جهة اليمين والسبب أن أشعة شمس الإشراق قوية ومن ثم قد تؤذى أجسامهم بسبب قوتها وإذا غربت أى وإذا مالت للغروب تقرضهم أى تقطعهم أى تنزل على أجسامهم ذات أى جهة الشمال والسبب هو أن أشعة شمس الغروب ضعيفة ومن ثم ستفيدهم ولن تضرهم وهم فى فجوة من الكهف والمراد أنهم فى فتحة من فتحات الغار نائمين ويبين له أن ذلك من آيات وهى معجزات أى علامات الله الدالة على وحدانيته وقدرته الفريدة ويبين له أن من يهد الله أى أن من يرحم الله فهو المهتد أى المرحوم من العذاب وأما من يضل أى يعذب فلن يجد أى يلق له وليا مرشدا أى ناصرا نافعا وهذا يعنى أن المعذب ليس له من ينجيه من العذاب .
"وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا "المعنى وتظنهم أحياء وهم نيام ونحركهم جهة اليمين وجهة الشمال وكلبهم فارد يديه بالباب ،لو شهدتهم لجريت منهم هربا ولملئت منهم خوفا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو رأهم يحسبهم أيقاظا وهم رقود والمراد يظنهم صاحين وهم نيام وهذا يعنى أن أجسامهم كانت فى حالة صحيان فالعيون مفتوحة رغم نومهم ويبين له أنه كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال والمراد يحركهم جهة اليمين وجهة الشمال حتى لا تتأثر أجنابهم بالنوم الطويل عليها دون تقلب وفى نفس الوقت كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد أى فارد يديه بالباب وهذا يعنى أن الكلب ظل على هيئته دون حركة طوال المدة وهنا يرينا الله قدرته فقد حافظ على أجسام الفتية بالحركة وحافظ على جسم الكلب بالثبات وهذا يعرفنا أن قدرته لا تحدها العوائق والحدود ولا تقف فى طريقها العوائق والسدود ،ويبين له أنه لو اطلع عليهم والمراد لو شاهدهم فى الحقيقة لولى منهم فرارا أى لجرى منهم هربا ولملئ منهم رعبا أى ولملء منهم خوفا وهذا يعنى أن سبب الجرى هربا هو الخوف من منظرهم وهكذا كان منظر الفتية وكلبهم حامى لهم ومنقذ من أى محاولة للإيذاء.
"وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا "المعنى وهكذا أيقظناهم ليستفهموا بعضهم قال واحد منهم كم نمتم قالوا نمنا يوما أو بعض يوم قالوا إلهكم أدرى بما نمتم فأرسلوا أحدكم بنقودكم هذه إلى البلدة فليختر أيها أطهر أكلا فيجيئكم بنفع منه وليتخفى ولا يعلمن بكم أحدا إنهم إن ينتصروا عليكم يقتلوكم أو يرجعوكم إلى دينهم ولن تفوزوا إذا دوما ،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بأمر بعثهم أى أحياهم الله حتى يتساءلوا بينهم أى حتى يستخبروا بعضهم البعض فقال قائل أى واحد منهم:كم لبثتم أى كم نمتم ؟والسبب فى سؤاله هذا هو أنه رأى منظرهم غريبا لا يدل على النوم العادى فقالوا له :لبثنا أى نمنا يوما أو بعض أى جزء من اليوم وهؤلاء أجابوا الإجابة العادية لأنهم فى عاداتهم وعاداتنا أن الإنسان قد ينام يوما أو جزء من اليوم ،ويبين له أن الفتية لما رأوا مناظرهم عرفوا أنهم ناموا أكثر من المدة التى ذكروا بكثير فقالوا لبعضهم ربكم أعلم بما لبثتم أى إلهكم أعرف بالمدة التى نمتم ثم قال أحدهم :فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة والمراد فأرسلوا واحد منكم بنقودكم هذه إلى البلدة فلينظر أيها أزكى طعاما أى فليعرف أيها أحل أى أطيب أكلا فليأتكم برزق منه أى فليجيئكم ببعض منه وليتلطف أى وليتخفى ولا يشعرن بكم أحدا والمراد ولا يعلمن بكم إنسان وهذا يعنى أن الفتية كانوا محتاجين للطعام فأوصاهم أخاهم أن يذهب واحد منهم للمدينة لإحضار الطعام بعد شرائه بالمال ونلاحظ قوله "أزكى طعاما"أنهم يعرفون الطعام المحرم من الطعام الحلال ونلاحظ أنه يريد من الذاهب للمدينة التخفى والتنكر حتى لا يعرفه أحد ويريد منه ألا يخبر أحد فى المدينة بأمرهم وبين لهم الأخ:إنهم إن يظهروا عليكم أى إن يعلموا بكم والمراد إن يجدوكم يرجموكم أى يقتلوكم أو يعيدوكم فى ملتهم والمراد أو يرجعوكم إلى دينهم ولن تفلحوا أى ولن تنجحوا إذا دائما ،وهذا يعنى أن الأخ يبصر أصحابه بأن نتيجة تعرف القوم عليهم واحدة من اثنين :الأولى الرجم وهو القتل والثانية الإعادة إلى ملة القوم وهو الرجوع إلى دين الناس وهو الكفر ونتيجة العودة لدين الكفر هى أنهم لن يفلحوا أبدا أى لن يفوزوا برحمة الله دوما .
"وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا"المعنى وهكذا أعلمنا بهم ليعرفوا أن قول الله صدق وأن القيامة لا شك فيها إذ يختلفون بينهم فى شأنهم فقالوا اجعلوا لهم قبرا خالقهم أعرف بهم قال الذين انتصروا فى حكمهم لنبنين لهم مسجدا ،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى النزول لشراء الطعام من البلدة أعثر الله عليهم أى أعلم الله الناس بأمرهم والسبب حتى يعلموا أى يعرفوا التالى إن وعد الله حق أى أن قول الله صدق وأن الساعة لا ريب فيها والمراد أن القيامة لا شك فى حدوثها ،ويبين له أن بعد موت الفتية تم العثور عليهم فتنازعوا أمرهم بينهم أى اختلف أهل البلد فى شأن ما يفعلون بالفتية فيما بينهم فقال البعض :ابنوا عليهم بنيانا والمراد اجعلوا لهم قبرا ربهم أعلم أى خالقهم أعرف بهم وهذا يعنى أن هذا الفريق كان يريد دفنهم كما هو متبع مع أى ميت فى المدافن ويبين له أن الذين غلبوا على أمرهم وهم الذين انتصروا لقولهم على الفريق الآخر قالوا :لنتخذن عليهم مسجدا أى لنبنين لهم مصلى وهذا يعنى أن القوم أقاموا لهم ضريح وجعلوا حول الضريح مصلى للناس .
"سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليلا فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا"المعنى سيزعمون ثلاثة رابعهم كلبهم ويزعمون خمسة سادسهم كلبهم ظنا للمجهول ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم قل إلهى أعرف بعددهم ما يعرفهم إلا قليلا فلا تجادل فيهم جدالا عظيما ولا تسأل عنهم منهم إنسانا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس سيقولون أى سيزعمون عن عدد أهل الكهف أقوال هى ثلاثة رابعهم كلبهم ،وخمسة سادسهم كلبهم وهى رجم بالغيب أى جهلا بالخفى وهذا يعنى أنها أقوال كاذبة ،ويبين له أن بعض الناس يقولون سبعة وثامنهم كلبهم وهذا هو القول الصحيح فلم يصفه الله بأنه جهل للغيب ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس ربى أعلم بعدتهم أى إلهى أعرف بعدد أهل الكهف ما يعلمهم إلا قليلا والمراد ما يعرفهم سوى عدد قليل من الناس ثم يطلب الله من نبيه(ص)ألا يمارى فيهم إلا مراء ظاهرا والمراد ألا يجادل فى عددهم إلا جدال واضح ينتصر فيه ويطلب منهم ألا يستفتى فيهم منهم أحدا والمراد ألا يسأل فى أهل الكهف من الناس إنسانا لأنه قد عرفه العدو الحقيقى .
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا"المعنى ولا تقولن لعمل إنى صانع ذلك مستقبلا إلا أن يريد الله وأطع إلهك إذا عصيت وقل لعل إلهى يدخلنى فى أفضل من الدنيا متاعا ،ينهى الله نبيه(ص)أن يقول لشىء أى عمل :إنى فاعل ذلك غدا أى إنى صانع ذلك مستقبلا إلا أن يشاء أى يريد الله وهذا يعنى أن يقول إذا أراد عمل شىء فى المستقبل سأعمل إن شاء الله كذا،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يذكر ربه إذا نسى أى أن يطيع حكم خالقه إذا خالف الحكم والمراد أن يبصر الحق إذا مسه طائف من الشيطان مصداق لقوله بسورة الأعراف"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا والمراد عسى أن يبعثنى إلهى لأفضل من الدنيا مقاما ،وهذا يعنى أن الله يدخله المقام المحمود وهو الجنة .
"ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين عددا وازدادوا تسعا "المعنى وناموا فى غارهم 300عاما حسابا وكثروا تسعا ،يبين الله لنبيه (ص)أن القوم لبثوا فى كهفهم أى ناموا فى غارهم مدة قدرها309عام بالحساب وهو العدد .
"قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا"المعنى قل الله أعرف بما مكثوا له المجهول فى السموات والأرض أعلم به أى أدرى ،ما لهم من سواه من ناصر ولا يقاسم فى أمره شريكا،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول الله أعلم بما لبثوا والمراد إن الله أعرف بما نام أهل الكهف فى كهفهم ،له غيب أى خفى السموات والأرض أبصر به أى أسمع والمراد أعرف به وهذا يعنى أن الله يعرف كل شىء مسرور أى مكتوم فى الكون مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى يعلم السر فى السموات والأرض"، ما لهم من دونه أى غيره من ولى أى ناصر ينقذهم من العقاب مصداق لقوله بسورة البقرة "وما للظالمين من أنصار" وهذا يعنى أن الكفار ليس لهم ناصر ينقذهم من عذاب الله،ولا يشرك فى حكمه أحدا أى ولا يقاسم فى ملكه شريكا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له شريك فى الملك"وهذا يعنى أن حكم الكون من اختصاص الله وحده.
"واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا"المعنى وأطع ما ألقى لك من كلام إلهك لا مغير لأحكامه ولن تلق من سواه ناصرا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يتلو ما أوحى إليه من كتاب ربه والمراد أن يطيع الذى ألقى من قرآن خالقه ،ويبين له أن لا مبدل لكلماته أى لا مغير أى لا محول لسننه وهى أحكامه مصداق لقوله بسورة فاطر"ولن تجد لسنة الله تحويلا"،ويبين له أنه لن يجد من دونه ملتحدا والمراد أنه لن يلق من سوى الله نصيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ثم لا تجد لك علينا نصيرا"وهذا يعنى أنه لن ينقذه من عقاب الله سوى الله نفسه والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"المعنى وأمسك نفسك مع الذين يطيعون إلههم بالنهار والليل يطلبون ثوابه ولا تمد نفسك لهم تطلب متاع المعيشة الأولى ولا تتبع من شغلنا نفسه عن طاعتنا وأطاع ظنه وكان أمره إسرافا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى والمراد أن يدخل نفسه مع الذين يطيعون حكم خالقهم بالنهار والليل أى يسبحون أى يتبعون حكم الرب مصداق لقوله بسورة الإنسان"فاصبر لحكم ربك" والسبب فى طاعتهم أنهم يريدون وجهه أى يطلبون فضل أى رضوان وهو رحمة الله مصداق لقوله بسورة المائدة"يبتغون فضلا من ربهم أى رضوان" وينهاه فيقول لا تعد عيناك عنهم أى لا تبعد نفسك عنهم والمراد ألا يخالف بنفسه عن جماعة المطيعين فيطيع الشيطان ويبين له السبب فى مخالفة المطيعين لحكم الله وهو أنه فى تلك الحال يريد زينة الحياة الدنيا أى يحب متاع المعيشة الأولى وفسر هذا بألا يطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا والمراد ألا يتبع حكم من شغلنا نفسه عن طاعة حكمنا وفسر غافل القلب بأنه من اتبع هواه أى من أطاع حكم نفسه وترك حكم الله ،ويبين أن أمره فرطا أى أن حكم الكافر تركا لطاعة حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا"المعنى وقل العدل من خالقكم فمن أراد فليصدق ومن أراد فليكذب إنا جهزنا للكافرين جحيما حف بهم سورها وإن يستنجدوا ينجدوا بماء كالزيت يؤلم النفوس بئس الروى وقبحت مقاما ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :الحق من ربكم أى القرآن هو العدل من خالقكم فمن شاء فليؤمن أى فمن أراد فليصدق ومن شاء فليكفر أى ومن أراد فليكذب وهذا يعنى حرية التصرف إيمانا وكفرا ،إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرداقها والمراد إن جهزنا للكافرين عذابا حف بهم سوره مصداق لقوله بسورة النساء"وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" وهذا يعنى أن سور جهنم يحيط بالكافرين ويمنعهم من الخروج وهم إن يستغيثوا أى يطلبوا النجدة يغاثوا أى ينجدوا بماء يشبه المهل وهو الزيت المغلى وهو يشوى الوجوه أى يؤلم النفوس ويبين له أن هذا الماء بئس الشراب أى قبح السائل المسقى وساءت مرتفقا أى وقبحت مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما".
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا "المعنى إن الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات إنا لا نخسر ثواب من أصلح فعلا أولئك لهم حدائق خالدة تسير من أسفل أرضهم العيون يرتدون فيها من حلى من ذهب ويرتدون ملابسا خضراء من حرير واستبرق راقدين فيها على الفرش حسن الأجر وحسنت مقاما ،يبين الله للناس كسابقه على لسان نبيه(ص)أن الذين آمنوا أى صدقوا بوحى الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات لهم جنات عدن والمراد لهم نعيم مقيم تجرى من تحتهم الأنهار والمراد تسير فى أسفل أرضهم العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم يحلون فيها من أساور من ذهب والمراد يزينون فى الجنة من حلى من ذهب وهم يلبسون ثيابا خضرا والمراد يرتدون ملابسا خضراء اللون من سندس أى حرير ناعم واستبرق وهو نسيج له بريق وهم متكئين فيها على الأرائك والمراد راقدين متقابلين فى الجنة على الأسرة مصداق لقوله بسورة الصافات"فى جنات النعيم على سرر متقابلين" وهذا هو نعم الثواب أى حسن دار المتقين مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولنعم دار المتقين"وهى حسنت مرتفقا أى نعمت مستقرا أى مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"حسنت مستقرا ومقاما"ويبين أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا والمراد أنه لا يخسر ثواب من أصلح صنعا مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه يدخلهم الجنة والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص)ومنه للناس .
"واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا"المعنى وقل لهما قولا ذكرين أعطينا لأحدهما حديقتين من عنب وأحطناهما بنخل وخلقنا فيهما زرعا ،كلتا الحديقتين أعطت ثمرها ولم تنقص منه بعضا وأجرينا فيهما عينا فقال لصديقه وهو يجادله أنا أعظم منك ملكا وأقوى ناسا ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يضرب للناس مثلا والمراد أن يقص على الناس قصة رجلين جعل أى أعطى الله أحدهما جنتين أى حديقتين نباتهما الرئيسى هو الأعناب وقد حفهما بنخل والمراد وقد جعل حول الحديقتين سور من أشجار النخيل لحمايتهم وجعل بين شجر العنب وأشجار النخيل زرع وهذا يعنى أن الحديقتين تنتجان ثلاث محاصيل العنب والنخل والزرع وكل من الحديقتين أتت أكلها أى أعطت ثمارها ولم تظلم منه شيئا والمراد ولم تنقص من الثمار بعضا وقد فجر خلالهما نهرا والمراد وقد سير الله فى أرضهما عينا وهذا يعنى أنه جعل فيها مصدر لسقى الماء وكان للرجل ثمر أى نتاج أى مال عظيم من المحاصيل الثلاثة فقال لصاحبه وهو صديقه وهو يحاوره أى يكلمه :أن أكثر منك مالا أى أنا أعظم منك ملكا وأعز نفرا أى وأقوى ناسا وهذا يعنى أنه يفتخر بالمال وكثرة عدد أسرته.
"ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا "المعنى وولج حديقته وهو باخس حقه قال ما أعتقد أن تهلك هذه اطلاقا وما أعتقد القيامة واقعة ولئن عدت إلى إلهى لألقين أحسن منها مرجعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن عليه أن يقول للناس أن صاحب الجنتين دخل جنته أى ولج حديقته وهو ظالم لنفسه أى وهو مهلك لنفسه :ما أظن أن تبيد هذه أبدا أى ما أعتقد أن تهلك هذه دائما وهذا يعنى أنه يعتقد أن الدنيا باقية دوما لا تفنى ،وما أظن الساعة قائمة والمراد وما أعتقد القيامة حادثة وهذا يعنى أنه لا يؤمن بالبعث ،ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا والمراد ولئن عدت إلى خالقى لألقين أفضل منها مرجعا وهذا يعنى أنه يعتقد أن القيامة لو حدثت فإن الله سيعطيه الحسنى وهى الجنة كما أعطاه فى الدنيا مصداق لقوله بسورة فصلت "ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى ".
"قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا "المعنى قال له صديقه وهو يجادله أكذبت بالذى أنشأك من غبار ثم من منى ثم صورك ذكرا لكن هو الله إلهى ولا أعبد مع إلهى ربا أخر ؟،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :إن صاحب أى صديق صاحب الجنتين قال له وهو يحاوره أى يناقشه فى أحكامه الضالة :أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا أى هل كذبت بحكم خالقك الذى أبدعك من طين ثم من منى ثم صورك ذكرا ؟والغرض من السؤال هو إخبار صاحب الجنتين أن أصل الإنسان تراب أكله أبواه فى صورة أطعمة متنوعة ثم تحول فيهما لنطفة أى لمنى فخلقه من جزء من المنى ثم صوره ذكرا وما دام هو الرب أى الخالق فهو وحده المستحق للعبادة ليس معه آلهة مزعومة ،وقال لكنا هو الله ربى أى خالقى ولا أشرك بربى أحدا والمراد ولا أعبد مع خالقى ربا مزعوما وهذا يعنى أنه يخص الله وحده بالعبادة .
"ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا "المعنى ولولا إذ ولجت حديقتك قلت ما أراد الله لا عزة إلا بطاعة الله إن تعلمنى أنا أنقص منك ملكا وعيالا فعسى إلهى أن يعطينى أفضل من حديقتك ويبعث عليها هلاكا من السحاب فتكون ترابا محترقا أو يكون ماؤها بعيدا فلن تقدر له جلبا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس:أن الصاحب قال للرجل الظالم:ولولا إذ دخلت جنتك والمراد هلا إذ ذهبت لحديقتك قلت ما شاء الله أى الذى أراد الله لا قوة إلا بالله والمراد لا عزة إلا بطاعة حكم الله وهذا يعنى أن الله قال أن القوة لا تستمد إلا من طاعة حكم الله ،إن ترن أنا أقل مالا وولدا أى إن تعرفنى أنقص منك ملكا وعيالا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك والمراد فعسى خالقى أن يعطينى أحسن من حديقتك ،وهذا يعنى أن الرجل يريد من الله أن ينصره على صاحبه بسبب كفره ،ويرسل عليها حسبانا من السماء أى ويبعث على الجنة هلاكا من السحاب فتصبح صعيدا زلقا أى فتكون ترابا محترقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا والمراد أو يكون ماؤها بعيدا فلن تقدر له جلبا وهذا يعنى أن الله سيهلك حديقته إما بنار من السماء أو بإبعاد للماء فى أعماق الأرض حتى لا يستطيع سقيها وهذا إخبار للمالك أن الله كما يعطى يقدر على الأخذ بأى طريقة يريد.
"وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا"المعنى وأهلكت حديقته فأصبح يحرك يديه على ما صرف عليها وهى خالية على فروعها ويقول يا ليتنى لم أعبد مع إلهى أحدا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أن ثمر وهو حديقة الرجل أحيط به أى أهلك إهلاكا تاما فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها والمراد فأصبح يضرب يديه ببعضهما والسبب فى هذا الفعل الدال على الندم هو التحسر على ما أنفق فيها أى على ما صرف فيها والمراد على ما صنع فيها وهى خاوية على عروشها والمراد وهى خالية من الثمر على غصونها وهذا يعنى أن الهلاك النازل بها لم يجعل لها أى ثمر وإن كان أبقى على الأشجار ميتة بمعنى أنها خشب فقط ،عند ذلك قال الرجل:يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا أى يا ليتنى لم أعبد مع خالقى أحدا وهذا ندم حيث لا ينفع الندم.
"ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا "المعنى ولم تكن له جماعة ينقذونه من غير الله وما كان غالبا هنالك النصر لله العدل هو أحسن أجرا أى أفضل مرجعا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أن مالك الجنة لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله والمراد لم تكن له جماعة ينقذونه من غير الله من عقاب الله له بهلاك الجنتين وهو ما كان منتصرا أى قاهرا لحكم الله ويبين الله لنا أن هنالك والمراد عند الحساب الولاية لله الحق والمراد النصر لله العدل وهذا يعنى أن الله ينتصر من المخلوق الظالم بالعدل ،ويبين أن الله خير ثوابا أى عقبا والمراد أحسن أجرا وهو الجنة .
"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شىء مقتدرا"المعنى وقل لهم شبه المعيشة الأولى كماء أسقطناه من السحاب فامتزج به نبات الأرض فأصبح حطاما تبعثره الرياح وكان الله لكل أمر فاعل ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يضرب للناس مثل الحياة الدنيا والمراد أن يقول للخلق شبه المعيشة الأولى وهو ماء أنزله من السماء أى ماء أسقطه من السحاب فاختلط به نبات الأرض والمراد فنما به زرع الأرض ثم أصبح هشيما أى حطاما تذروه الرياح أى يبعثره الهواء المتحرك وهذا يعنى أن متاع الدنيا يشبه الماء الذى ينمو به الزرع ثم يفنى الزرع بعد ذلك فى كل مكان وهذا يعنى أن المتاع له عمر قصير كعمر الزرع ثم يموت بعده ،ويبين لنا أنه على كل شىء مقتدرا أى لكل أمر فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"والخطاب وما بعده للنبى.
"المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا"المعنى الملك والعيال متاع المعيشة الأولى والأعمال الحسنات أفضل لدى إلهك جزاء أى أفضل أجرا،يبين الله لنبيه(ص)أن المال وهو الملك الذى يتصرف فيه الفرد والبنون وهم الأولاد زينة أى فتنة أى متاع الحياة الأولى وهى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة التغابن "إنما أموالكم وأولادكم فتنة "والباقيات الصالحات وهى الأعمال الحسنات خير عند الرب ثوابا والمراد أفضل لدى الخالق جزاء وفسرها بأنها خير أملا أى أفضل مردا مصداق لقوله بسورة مريم"خير عند ربك ثوابا وخير مردا "وهو الجنة.
"ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا"المعنى ويوم نحرك الرواسى وتشهد الأرض مكشوفة وجمعناهم فلم ندع منهم واحدا وكشفوا أمام إلهك طابورا لقد أتيتمونا كما أنشأناكم أسبق مرة بل قلتم ألن نجعل لكم ميقاتا؟يبين الله لنبيه(ص)أن فى يوم القيامة يحدث التالى :يسير الجبال أى يحرك الرواسى فى الجو أى يبس الرواسى مصداق لقوله بسورة الواقعة "وبست الجبال بسا"،ويرى الأرض بارزة والمراد يشاهد الإنسان الأرض مخرجة ما فى باطنها مصداق لقوله بسورة الزلزلة "وأخرجت الأرض أثقالها "،وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا والمراد وبعثناهم فلم نترك منهم واحدا دون بعث وعرضوا على ربك صفا والمراد وادخلوا نار إلهك طابورا وهذا يعنى أنهم يدخلون النار فى سورة زمر أى مجموعات منظمة مصداق لقوله بسورة الزمر"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"وقيل للكفار :لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة والمراد لقد أتيتمونا كما أنشأناكم أسبق مرة،بل زعمتم أى لقد قلتم ألن نجعل لكم موعدا والمراد أننا لن نحدد لكم موعد للبعث وهذا هو قولهم مصداق لقوله بسورة النحل"وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا "المعنى وسلم السجل فتشهد الكافرين خائفين مما فيه ويقولون يا عذابنا مال هذا السجل لا يترك قليلا ولا كثيرا إلا سجله ولقوا ما صنعوا حاضرا ولا ينقص إلهك أحدا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يحدث فى القيامة أن يوضع الكتاب أى يسلم أى يؤتى سجل الأعمال لكل واحد مصداق لقوله بسورة الإنشقاق"فأما من أوتى كتابه بيمينه"و"وأما من أوتى كتابه وراء ظهره"وترى المجرمين مشفقين مما فيه والمراد وتشاهد الكافرين خائفين من الموجود فى سجل كل واحد منهم فيقولون :يا ويلنا أى يا عذابنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها والمراد مال هذا السجل لا يترك قليل ولا كثير إلا سجله وهذا يعنى أن كل شىء مسجل فى الكتاب ،ووجدوا ما عملوا حاضرا والمراد ولقوا ما صنعوا موجودا فى الكتاب ولا يظلم ربك أحدا أى ولا ينقص خالقك فردا وهذا يعنى أنه لا ينقص حق مخلوق فى الأخرة .
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا"المعنى ولقد قلنا للملائكة فضلوا أدم(ص) عليكم ففضلوه إلا إبليس كان من الجن فخرج عن حكم إلهه أفتجعلونه وشيعته أنصارا من دونى وهم لكم كارهون قبح للكافرين نصيرا ،يبين الله لنا أنه قال للملائكة عند خلق أدم(ص):اسجدوا لأدم والمراد أطيعوا آدم (ص)فسجدوا أى فأقروا بأفضليته عليهم أى فأطاعوه إلا إبليس كان من الجن وهم أبناء الجان ففسق عن أمر ربه أى فخرج عن حكم خالقه والمراد استكبر على طاعة حكم إلهه مصداق لقوله بسورة البقرة"إلا إبليس أبى واستكبر "ويسأل الله الناس أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى والمراد هل تجعلون إبليس وشيعته وهم أتباعه أنصار من غيرى وهم لكم عدو أى كارهين ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن إبليس وأتباعه أعداء للناس ومن ثم على الإنسان ألا يتخذ عدوه ناصرا له وإنما يتخذ الله خالقه ،ويبين الله لهم أن إبليس بئس للظالمين بدلا أى ساء للكافرين نصيرا وهذا يعنى أنه لا ينصرهم والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا "المعنى ما أحضرتهم إنشاء السموات والأرض ولا إنشاء أنفسهم وما كنت جاعل الكافرين نصيرا ،يبين الله للنبى(ص) أنه لم يشهد الناس خلق أى لم يحضر الناس إنشاء السموات والأرض ولا خلق أى ولا إنشاء أنفسهم وهذا يعنى أن الخلق لم يروا عملية إبداع السموات والأرض ولا إبداع أنفسهم لأنهم كانوا موتى ويبين لنا أنه ما كان متخذ المضلين عضدا أى ما كان جاعل الكافرين أولياء له أى ناصرين له مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له ولى من الذل" .
"ويوم يقول نادوا شركاءى الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا "المعنى ويوم يقول ادعوا مقاسمى الذين قلتم فنادوا فلم يردوا عليهم وجعلنا بينهم حاجزا ،يبين الله للنبى(ص) أنه يقول على لسان الملائكة للكفار يوم القيامة:نادوا شركاءى أى ادعوا مقاسمى فى الملك الذين زعمتم أى افتريتم ،فاستجاب الكفار لقول الله فدعوهم أى فنادوا عليهم فكانت النتيجة أنهم لم يستجيبوا لهم أى لم يردوا عليهم والمراد لم يوافقوهم على قولهم أنهم آلهة،وجعل الله بين الكفار وبين الآلهة المزعومة موبقا أى حاجزا فهؤلاء فى النار وهؤلاء فى الجنة وبينهما سور هو الموبق .
" ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا "المعنى وشاهد الكافرون جهنم فاعتقدوا أنهم ذائقوها ولم يلقوا عنها مبعدا ،يبين الله للنبى(ص) أن المجرمون وهم الظالمون لما رأوا أى شاهدوا النار وهى العذاب مصداق لقوله بسورة النحل"وإذا رأى الذين ظلموا العذاب" ظنوا أنهم مواقعوها والمراد علموا أنهم داخلوها ودخلوها ولم يجدوا عنها مصرفا والمراد ولم يلقوا عن النار محيصا أى مبعدا ينقذهم منها مصداق لقوله بسورة النساء"ولا يجدون عنها محيصا "والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"ولقد صرفنا فى هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا"المعنى ولقد قلنا فى هذا الكتاب للخلق من كل حكم وكان الفرد أكثر مخلوق كفرا ،يبين الله للنبى(ص) أنه صرف أى قال والمراد ضرب فى القرآن وهو كتاب الله للناس وهم الخلق من كل مثل أى من كل حكم مصداق لقوله بسورة الروم"ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن"وهذا يعنى أنه قال فى القرآن حكم كل قضية،ويبين لنا أن الإنسان وهو الفرد من الجن والإنس أكثر شىء جدلا والمراد أكثر مخلوق كفرا مصداق لقوله بسورة إبراهيم"إن الإنسان لظلوم كفار والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن يأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا"المعنى وما حمل الخلق ألا يصدقوا إذ أتاهم الوحى ويستعفوا خالقهم إلا أن يجيئهم مثلة السابقين أو يجيئهم العقاب عيانا ،يبين الله للنبى(ص) أن الذى منع أى حجز الناس وهم الخلق ألا يؤمنوا أى ألا يصدقوا إذ جاءهم الهدى والمراد إذ أتاهم العلم مصداق لقوله بسورة آل عمران"جاءهم العلم"وفسر هذا بأنهم لم يستغفروا ربهم أى لم يعودوا لدين خالقهم هو ألا تأتيهم سنة الأولين والمراد ألا ينزل بهم عذاب الكفار السابقين أو يأتيهم العذاب قبلا والمراد أو ينزل بهم العقاب وهو عذاب الساعة عيانا مصداق لقوله بسورة يوسف"تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة "وهذا يعنى أن سبب عدم الإيمان هو عدم إتيان العقاب على الكفار فى الحال وهو ما بعد كفرهم بقليل .
"وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتى وما أنذروا هزوا "المعنى وما نبعث الأنبياء إلا مبلغين أى مخبرين ويناقش الذين كذبوا بالكذب ليدمروا به الصدق وجعلوا أحكامى وما أخبروا سخرية ،يبين الله للنبى(ص) أنه يرسل المرسلين أى يبعث الأنبياء(ص)مبشرين أى منذرين والمراد مبلغين لوحيه الكريم،ويبين لهم أن الذين كفروا أى كذبوا وحى الله يجادلوا بالباطل والمراد يتحدثوا بالكذب وهو الزور حتى يدحضوا به الحق والمراد حتى يدمروا به العدل وهو الوحى الإلهى ويبين لنا أنهم اتخذوا آيات الله وهى أحكامه أى دينه وما أنذروا وهو ما خوفوا به وهو العذاب هزوا أى سخرية أى أضحوكة أى لعبا مصداق لقوله بسورة المائدة"الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا " والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى أذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا "المعنى ومن أكفر ممن أبلغ بأحكام خالقه فخالفها وترك ما عملت نفسه إنا خلقنا فى أنفسهم حواجز كى لا يفهموه أى فى أنفسهم ثقلا أى إن تناديهم إلى الرشاد فلن يرشدوا إذا دائما ،يبين الله لنبيه(ص) أن من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها والمراد أن ليس أكفر من الذى أبلغ أحكام خالقه فكذب بها أى صدف عنها مصداق لقوله بسورة الأنعام"فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها"ونسى ما قدمت يداه والمراد ترك الذى عملت نفسه فلم يذكره ويبين له أنه جعل على قلوب الكفار أكنة والمراد أنه خلق فى نفوس الكفار حواجز هى الشهوات أن يفقهوه أى حتى لا يعقلوه أى حتى لا يطيعوا الوحى وفسر هذا بأنه جعل فى أذانهم وقر أى خلق فى قلوبهم حاجز هو الشهوات يمنعهم من طاعة وحى الله وفسر هذا لنبيه(ص)أنه إن يدعهم إلى الهدى والمراد إن يناديهم إلى اتباع الحق فلن يهتدوا أى فلن يؤمنوا إذا أبدا أى دوما وهذا يعنى أنهم لن يؤمنوا حتى يموتوا .
"وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعدا لن يجدوا من دونه موئلا "المعنى وإلهك العفو صاحب النفع لو يحاسبهم بما كفروا لأنزل بهم العقاب،إن لهم ميقاتا لن يلقوا من قبله مصرفا ،يبين الله لنبيه(ص)أن ربه وهو خالقه هو الغفور أى العفو عن التائب ذو الرحمة أى صاحب النفع للتائب وهو لو يؤاخذ الناس بما كسبوا والمراد لو يحاسب الخلق بما ظلموا لعجل أى لأنزل بهم العقاب وهو عدم تركهم أحياء بإنزال العذاب عليهم مصداق لقوله بسورة النحل"ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة "،ويبين له أن للكفار موعدا لن يجدوا من دونه موئلا والمراد أن للكفار ميقاتا محددا للحساب لن يلقوا من قبله مصرفا وهذا يعنى أن لن يجدوا عنده منقذا من العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا "المعنى وتلك البلاد دمرناهم لما كفروا وحددنا لتدميرهم ميقاتا ،يبين الله لنبيه(ص)أن القرى والمراد أن أهل البلاد أهلكهم أى دمرهم الله لما ظلموا أى كفروا أى أذنبوا مصداق لقوله بسورة الأنفال"فأهلكناهم بذنوبهم "وجعل لمهلكهم موعدا والمراد حدد لتدميرهم ميقات محدد أى أجل مصداق لقوله بسورة الأعراف"ولكل أمة أجل ".
"وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا "المعنى وقد قال موسى (ص)لخادمه لا أنصرف حتى أصل ملتقى الماءين أى أسير باحثا عنهما،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لفتاه وهو خادمه :لا أبرح أى لا أنصرف حتى أبلغ مجمع البحرين أى حتى أصل ملتقى الماءين أى أمضى حقبا أى أسير باحثا عنه ،وهذا يعنى أن موسى (ص)يريد الوصول إلى مكان يسمى مجمع البحرين ليقابل العبد الصالح(ص) الخطاب وما بعده من قصة موسى(ص) للنبى (ص)ومنه للناس.
"فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله فى البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه ائتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا "المعنى فلما وصلا ملتقى بينهما تركا حوتهما فسلك طريقه فى الماء ظاهرا فلما عبرا قال لخادمه هات لنا طعاما لقد وجدنا من مسيرنا هذا تعبا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)وخادمه لما بلغا مجمع بينهما والمراد لما وصلا منطقة إلتقاء بين البحرين نسيا حوتهما أى تركا سمكتهما الكبيرة فاتخذ سبيله فى البحر سربا والمراد فسلك طريقه فى الماء ظاهرا وهذا يعنى أن الحوت ترك أثر فى الماء يدل على طريق سيره ولما جاوزوا أى لما عبر موسى (ص)وخادمه المجمع المقصود قال موسى (ص)لفتاه وهو خادمه :ائتنا غداءنا أى جئنا بطعامنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا والمراد لقد وجدنا من تحركنا هذا تعبا ،وهذا يعنى أن السبب فى إرادته الطعام هو تعبه من السفر .
"قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجبا "المعنى قال هل تعلم حين لجأنا إلى الحجر فإنى تركت الحوت هناك وما أتركنيه سوى الهوى أن أقول فعله وجعل طريقه فى الماء غريبا ، يبين الله لنبيه(ص)أن الفتى قال لموسى (ص)أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة والمراد أتذكر حين لجأنا إلى الحجر فإنى تركت السمكة ،وهذا يعنى أن مكان فقد الحوت هو مكان الصخرة التى احتموا بها وقتا ما أثناء الرحلة ،وقال وما أنسانيه إلا الشيطان أن اذكره أى وما أتركنيه سوى الشهوة أن أردده ،وهذا يعنى أن السبب فى ترك الفتى للحوت فى حديثه مع موسى (ص)هو الشيطان وهو الشهوة التى شغلته ساعتها عن أمر الحوت ،وقال واتخذ سبيله فى البحر عجبا أى وسلك طريقه فى الماء غريبا،وهذا يعنى أن الحوت ترك فى الماء آثار تدل على الطريق الذى سار فيه.
"قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهم قصصا فوجدا عبدا من عبادنا أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما "المعنى قال ذلك ما كنا نريد فعادا على أعقابهما متتبعين فلقيا مملوكا من عبيدنا أعطيناه نفعا من لدينا وعرفناه من عندنا معرفة،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لفتاه :ذلك أى الطريق الذى سلكه الحوت هو ما كنا نبغ أى نريد ،وبعد ذلك ارتدا على آثارهما قصصا أى عادا على أعقابهما متتبعين وهذا يعنى أنهما رجعا من نفس الطريق الذى أتوا منه متتبعين الآثار التى تركها الحوت فى الماء ،ويبين له أن موسى (ص)وفتاه لما انتهيا من تتبع آثار الحوت وجدا عبدا من عباد الله والمراد لقيا إنسان من خلق الله أتاه الله رحمة من عنده أى أعطاه الله نفعا من لديه وفسر هذا بأنه علمه من لديه علما أى عرفه من عنده معرفة أى وحيا .
"قال موسى هل أتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشدا "المعنى قال موسى (ص)هل أطيعك على أن تعرفنى من الذى عرفت هدى ؟يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال للعبد الصالح (ص)هل أتبعك أى هل أطيعك على أن تعلمن مما علمت رشدا أى على أن تعرفنى من الذى عرفت علما ؟وهذا يعنى أنه يطلب منه أن يكون تابعا له بشرط أن يعلمه مما علمه الله.
"قال إنك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا "المعنى قال إنك لن تقدر معى على طاعة وكيف تتحمل الذى لم تعلم به علما ؟يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال موسى (ص)إنك لن تستطيع معى صبرا والمراد إنك لن تقدر معى على التحمل أى لن تقدر معى على طاعتى وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا والمراد كيف تتحمل الذى لم تعرف به علما ؟وهذا يعنى أن الإنسان لا يقدر على التحمل وهو عدم وجود رد فعل له على الحدث إذا كان جاهلا بحقيقة الأمر .
"قال ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا"المعنى قال ستلقانى إن أراد الله مطيعا ولا أخالف لك حكما ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال للعبد الصالح(ص):ستجدنى إن شاء الله صابرا أى ستلقانى إن أراد الله مطيعا وفسر هذا بقوله ولا أعصى لك أمرا أى ولا أخالف لك حكما ،وهذا يعنى أن موسى (ص)مصر على التعلم منه ولذا فهو يعده بالطاعة وعدم العصيان .
"قال فإن اتبعتنى فلا تسئلنى عن شىء حتى أحدث لك منه ذكرا "المعنى قال فإن أطعتنى فلا تستفهمنى عن أمر حتى أذكر له منه علما ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال موسى (ص)فإن اتبعتنى أى أطعتنى فلا تسئلنى عن شىء أى فلا تستخبر عن أمر حتى أحدث لك منه ذكرا أى حتى أقول له عنه علما ،وهذا يعنى أن العبد الصالح(ص)اشترط على موسى (ص)شرطا حتى يعلمه وهو ألا يسأل عن أى شىء مهما كان الأمر وبين له أن السؤال مباح له بعد أن يذكر له ذكر والمراد بعد أن يحدثه عن الشىء .
"فانطلقا حتى إذا ركبا سفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا "المعنى فسارا حتى إذا دخلا فلك خرمه قال أخرمتها لتهلك أصحابها لقد أتيت فعلا منكرا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى والعبد الصالح(ص)انطلقا أى تحركا فى الأرض حتى إذا وصلا لميناء ركبا سفينة أى دخلا فلكا سار فى البحر وعند ذلك خرقها أى خرمها العبد الصالح (ص)فلم يصبر موسى (ص)على هذا الفعل الذى فى ظاهره شر فقال أخرقتها أى أخرمتها لتغرق أهلها أى لتهلك ركابها ،وهذا يعنى أن السبب الذى جعل العبد الصالح(ص)يخرم السفينة هو أنه يريد إغراق ركابها ،وقال لقد جئت شيئا أمرا أى لقد ارتكبت عملا منكرا والمراد لقد ارتكبت جرما سيئا .
"قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا "المعنى قال ألم أحدثك إنك لن تقدر معى تحملا قال لا تعاقبنى بما تركت ولا تحملنى من أمرى صعبا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال لموسى (ص)ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا والمراد ألم أحدثك أنك لن تقدر معى على التحمل والغرض من السؤال هو تذكير موسى (ص)بالخطأ الذى وقع فيه والذى حذره منه العبد الصالح(ص)من قبل فقال له موسى (ص)لا تؤاخذنى بما نسيت أى لا تعاقبنى بما تركت وهذا يعنى أنه يطلب منه العفو عن الخطأ الذى ارتكبه ،وقال ولا ترهقنى من أمرى عسرا والمراد ولا تحملنى فى شأنى ثقلا ،وهذا يعنى أنه يطلب منه ألا يفرض عليه أمرا متعبا ثقيلا.
"فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا"المعنى فسافرا حتى إذا قابلا ذكرا فذبحه قال أذبحت فردا طاهرا بغير جرم لقد فعلت فعلا سيئا ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)والعبد الصالح (ص)انطلقا أى سافرا فى البلاد حتى إذا لقيا غلاما والمراد حتى إذا قابل شابا قتله أى ذبحه العبد الصالح (ص)فقال له موسى :أقتلت نفسا زكية بغير نفس والمراد هل ذبحت إنسانا طاهرا بدون قتله لإنسان أخر؟أى هل ذبحت إنسانا بريئا بدون جريمة يستحق عليها الذبح ؟ثم قال لقد جئت شيئا نكرا أى لقد ارتكبت عملا سيئا وهذا يعنى أن الرجل ارتكب جريمة فظيعة فى رأى موسى (ص).
"قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا "المعنى قال ألم أحدثك إنك لن تقدر معى تحملا؟يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال لموسى (ص)ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا أى ألم أكلمك إنك لن تقدر معى على طاعتى ؟والغرض من السؤال هو إخبار موسى (ص)أنه خالف شرط التعلم للمرة الثانية رغم أنه حذره من عدم تحمله للأمر فى البداية وبعد ذلك .
"قال إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا "المعنى قال إن استخبرتك عن أمر بعدها فلا تصادقنى قد وجدت من عندى سببا للمفارقة ،يبين الله لنبيه(ص) أن موسى (ص)قال للعبد الصالح(ص):إن سألتك عن شىء والمراد إن استفهمت منك عن شىء أى أمر بعدها فلا تصاحبنى أى فلا تصادقنى قد بلغت من لدنى عذرا أى قد وجدت فى نفسى سببا للفراق وهذا يعنى أنه يخبر العبد الصالح(ص)أنه ليس لديه عذر أى سبب أى مبرر بعد تلك المرة يعتذر به عن نفسه.
"فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا"المعنى فسافرا حتى إذا جاءا أصحاب بلدة فرفضوا أن يطعموهما فلقيا فيها جدارا يحب أن يسقط فعدله قال لو أردت لطلبت عليه مالا،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)والعبد الصالح(ص)انطلقا أى سارا فى الأرض حتى إذا أتيا أهل قرية والمراد حتى إذا دخلا على أصحاب بلدة من البلاد استطعما أهلها والمراد طلبا الطعام وهو الأكل من أصحابها بسبب جوعهم فأبوا أن يضيفوهما أى فرفضوا أن يعطوا لهما الطعام ،فسارا فى القرية فوجدا فيها جدارا والمراد فشاهدا فيها مبنى يريد أن ينقض أى يحب أن يسقط فأقامه أى فعدله والمراد فبناه بناء سليم فقال له موسى (ص)لو شئت لتخذت عليه أجرا والمراد لو أردت طلبت عليه مالا،وهذا يعنى أن الجدار له إرادة وأن موسى نصح العبد الصالح(ص)أن يطلب على إقامة للجدار مال لشراء الطعام الذى رفضوا أن يعطوه لهما بحق الضيافة .
"قال هذا فراق بينى وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا "المعنى قال هذا بعاد بينى وبينك سأخبرك بحقيقة الذى لم تقدر عليه تحملا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح(ص)قال لموسى (ص)هذا فراق أى بعاد بينى وبينك ،سأنبئك بتأويل أى سأعرفك بحقيقة ما لم تستطع عليه صبرا أى الذى لم تقدر عليه تحملا وهذا يعنى أن العبد الصالح(ص)أخبر موسى (ص)أنه ارتكب الخطأ للمرة الثالثة ومن ثم وجب بينهما الإفتراق حسبما اشترط موسى (ص)على نفسه من قبل ولكنه لم يفارقه مباشرة وإنما قال له أنه سيعرفه الذى لم يقدر على تحمله من الأشياء.
"أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا "المعنى أما الفلك فكان لمحتاجين يشتغلون فى الماء فأحببت أن أفسدها وكان بعدهم حاكم يمسك كل فلك بالقوة،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح (ص)قال لموسى (ص):أما السفينة وهى الفلك فكانت لمساكين يعملون فى البحر والمراد فكانت ملك لمحتاجين يشتغلون فى اليم لسد حاجاتهم فأردت أن أعيبها والمراد فشئت أن أفسدها إفسادا هينا والسبب أن وراءهم أى بعدهم والمراد على أرضهم ملك أى حاكم يفعل التالى :يأخذ كل سفينة أى يمسك كل فلك بالقوة والمراد يضم لملكه كل سفينة سليمة باستخدام القوة ضد أصحابها وبإفساد الفلك المملوك لهم لن يأخذه الملك وساعتها سيصلحونه ويستخدمونه مرة أخرى .
"وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما "المعنى وأما الصبى فكان والداه مصدقين بحكم الله فخفنا أن يجبرهما ظلما أى كذبا فأحببنا أن يعطيهما خالقهما أفضل منه طهارة أى أحسن نفعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح (ص)قال لموسى (ص) :وأما الغلام وهو الشاب فكان أبواه وهما والداه مؤمنين أى مصدقين بوحى الله فخشينا أن يرهقهما طغيانا أى كفرا والمراد فخفنا أن يجبرهما على الظلم أى الكفر ،وهذا يعنى أن السبب فى قتل الشاب هو الخوف من أن يجبر أبويه على الكفر فيكفرا ،فأردنا أى فأحببنا أن يبدلهما أى أن يعطيهما ربهما خيرا منه زكاة أى أحسن منه دينا أى أقرب رحما أى أحسن نفعا ،وهذا يعنى أن الله سيعطى الأبوين غلاما أخر أفضل من الغلام المقتول فى أنه مسلم والأخر كافر .
"وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا "المعنى وأما البناء فكان لطفلين فاقدى الأب فى البلدة وكان أسفله مال لهما وكان والدهما مسلما فأحب إلهك أن يصلا رشدهما ويستطلعا مالهما نفع من إلهك وما صنعته من نفسى ذلك تفسير الذى لم تقدر عليه تحملا ،يبين الله لنبيه(ص)أن العبد الصالح (ص)قال لموسى (ص) أما الجدار وهو المبنى الذى أقمته فكان ملك غلامين يتيمين أى طفلين فاقدى الأب فى المدينة وهى البلدة وكان تحته كنز لهما أى وكان أسفله مال لهما وكان أبوهما صالحا والمراد وكان والدهما مسلما وضعه لهما تحت الجدار ،وهذا يعنى أن المبنى كان ملك طفلين من اليتامى كان والدهما المسلم قد دفن أسفله مال له حتى يكون ذخيرة للطفلين فى المستقبل ،وقال فأراد ربك أى فأحب خالقك أن يبلغا أشدهما والمراد أن يصلا لسن الرشد ويستخرجا كنزهما أى ويستطلعا مالهما رحمة من ربك أى نفع من خالقك ،وهذا يعنى أن الله شاء أن يكبر الطفلين ثم يخرجا مالهما من تحت البناء وكان هذا منه رحمة بهما ،وقال ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أى هذا تفسير الذى لم تطق له تحملا وهذا يعنى أن ما قاله من قبل هو تفسير الأفعال التى فعلها رغم أنها كانت جرائم فكل منها كان له سبب وهذا يعنى ألا نفسر كل الأمور حسب ظاهرها وإنما علينا نفكر فيها حتى نعرف هل تفسر حسب ظاهرها أم باطنها .
"ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له فى الأرض وأتيناه من كل شىء سببا فأتبع سببا "المعنى ويستفهمونك عن صاحب القرنين قل سأقص عليكم منه بعضا إنا حكمناه فى البلاد وأعطيناه فى كل أمر حكما فأطاع حكما ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس يسألونه أى يستخبرونه عن ذى القرنين وهو صاحب القرنين وهو رسول من رسل الله (ص)،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :سأتلوا عليكم منه ذكرا والمراد سأقص عليكم منه علما ،إنا مكنا له فى الأرض أى إنا حكمناه فى البلاد ،وهذا يعنى أن الله جعله حاكما على دولة الإسلام فى عصره ،وقال وأتيناه من كل شىء سببا أى وأعطيناه فى كل أمر حكما فأتبع سببا أى فأطاع حكما ،والمراد أن الله أعطاه وحى فيه كل الأحكام فأطاع الأحكام طاعة عادلة والخطاب للنبى(ص)ومنه للسائلين ومثله بقية القصة .
"حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا "المعنى حتى إذا وصل مكان لمغرب الشمس فى الأرض لقاها تميل فى نهر متغير ولقى لديها شعبا قلنا يا صاحب القرنين إما أن تعاقب وإما أن تصنع لهم نفعا ،يبين الله للناس على لسان نبيه(ص) أن ذا القرنين بلغ مغرب الشمس أى وصل مكانا أخر النهار فوجد الشمس أى لقى الشمس تغرب أى تسقط فى عين حمئة أى فى نهر متقلب الألوان وهذا يعنى أنه وصل للنهر وقت فيضانه حيث تعكؤت المياه بسبب الطمى ساعة المغرب ووجد عندها قوما والمراد ولقى لدى النهر ناسا قلنا أى أوحينا له :يا ذا القرنين أى يا صاحب القرنين إما أن تعذب والمراد إما أن تهلك وإما أن تتخذ فيهم حسنا أى تصنع بهم معروفا والمراد تعطى لهم النفع والخير .
"قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا "المعنى قال أما من كفر فسوف نعاقبه ثم يعود إلى خالقه فيعاقبه عقابا شديدا وأما من صدق وفعل نافعا فله ثواب النافعة وسنقول له من حكمنا نفعا ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين(ص)رد على تحكيم الله له فى القوم فقال :أما من ظلم أى كفر فسوف نعذبه أى نعاقبه والمراد نقتله ثم يرد إلى ربه أى ثم يعود إلى حكم إلهه فيعذبه عذابا نكرا أى فيدخله عقابا عظيما هو النار ،وهذا يعنى أن الظالم له عقاب دنيوى هو القتل وعقاب أخروى هو دخول عذاب النار فى الآخرة ،وقال وأما من أمن أى صدق بوحى الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا فله جزاء الحسنى أى فله عطاء الجنة وسنقول له فى الدنيا من أمرنا أى حكمنا يسرا أى نفعا وهذا يعنى أنه سيعطى المؤمن العطاء النافع له فى الدنيا كما سيعطى له الله العطاء الحسن فى الآخرة .
"ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا "المعنى ثم أطاع حكما حتى إذا وصل لمكان تشرق فيه الشمس لقاها تشرق على أناس لم نخلق لهم من سواها حجابا وهكذا وقد علمنا بما عنده علما ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين (ص)أتبع سببا أى أطاع حكم الله بالجهاد فسار فى الأرض حتى إذا بلغ مطلع الشمس والمراد حتى إذا وصل مكانا وقت شروق الشمس وهو بداية النهار وجدها تطلع على قوم لم نجعل من دونها سترا والمراد لقاها تشرق على ناس لم يخلق لهم من قبلها لباسا وهذا يعنى أن القوم كانوا يعيشون عرايا دون أى لباس يوارى عورتهم سواء رجال أو نساء ،ويبين لنا أن كذلك والمراد أن ذا القرنين (ص)تصرف مع القوم حسبما قال مع القوم السابقين وهو عقاب من يكفر وإثابة من يسلم ،وقد أحاط الله بما لديه خبرا والمراد أن الله عرف بما فعله معرفة تامة لا نقص فيها .
"ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا"المعنى ثم أطاع حكما حتى إذا وصل بين الحاجزين لقى من قبلهما ناسا لا يريدون يفهمون وحيا ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين (ص)أطاع حكما من الله فسار فى الأرض حتى إذا بلغ بين السدين والمراد حتى إذا وصل مكان بين الجبلين وجد من دونهما أى قابل قبل الجبلين قوما لا يكادون يفقهون قولا والمراد ناسا لا يريدون يعقلون وحيا وهذا يعنى أنه التقى عند الجبلين بشعب لا يؤمن بحكم الله .
"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا "المعنى قالوا يا صاحب القرنين إن يأجوج ومأجوج ظالمون فى البلاد فهل نعين لك مالا على أن تقيم بيننا وبينهم حاجزا ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن القوم قالوا للرجل:يا ذا القرنين (ص) إن يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان مفسدون فى الأرض أى ظالمون فى البلاد والمراد كافرون بحكم الله لا يعملون به فى البلاد أى يعتدون على الناسب كل الوسائل ،ثم قالوا فهل نجعل لك خرجا أى فهل نعطى لك مالا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا والمراد مقابل أن تقيم بيننا وبينهم حاجزا يمنعهم من دخول بلادنا ؟وهذا يعنى أنهم يطلبون منه إقامة سد يمنع يأجوج ومأجوج من الوصول لبلادهم مقابل أن يعطوه الخرج وهو المال الكثير .
"قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتونى زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتونى أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا "المعنى قال ما أقدرنى فيه إلهى أفضل فساعدونى ببأس أصنع بينكم وبينهم حاجزا ،هاتوا لى قطع الحديد حتى إذا ساوى بين الجانبين قال انفثوا حتى إذا جعله مشتعلا قال هاتوا لى أضع عليه نحاسا فما قدروا أن يثقبوه أى ما قدروا له خرما ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين قال للقوم :ما مكننى فيه ربى خيرا والمراد ما قدرنى عليه خالقى أفضل من خرجكم الذى تريدون إعطائى ،وهذا يعنى رفضه لأخذ الخراج وهو المال الذى قالوا له عليه ،وقال فأعينونى بقوة أى فساعدونى ببأس والمراد اعملوا معى بكل ما لديكم من أسباب العمل ،وقال أجعل بينكم وبينهم ردما أى أصنع بينكم وبينهم سدا يمنعهم من الوصول إليكم ،وقال :آتونى زبر الحديد أى أحضروا لى قطع الحديد فلما أحضروه ساوى بين الصدفين أى فعدل بين الجانبين وقال :انفخوا أى انفثوا هواء حتى إذا جعل الفرن نارا مشتعلة قال لهم آتونى أفرغ عليه قطرا والمراد احضروا لى أصب عليه نحاسا ،وهذا يعنى أنه عمل السد من سبيكة الحديد والنحاس بواسطة النار التى أشعلها فى الفرن الذى أقامه بين جانبى السد .
"قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا "المعنى قال هذا فضل من خالقى فإذا أتى ميقات خالقى جعله متهدما وكان ميقات خالقى واقعا وجعلنا بعضهم يومذاك يتحرك مع بعض ونفث فى البوق وكشفنا النار يومذاك للكاذبين كشفا الذين كانت قلوبهم فى حجاب عن طاعتى وكانوا لا يفعلون طاعة ،يبين الله لنا على لسان نبيه(ص)أن ذا القرنين قال لهم :هذا رحمة من ربى أى السد نفع من إلهى يمنع يأجوج ومأجوج عنكم فإذا جاء وعد ربى أى فإذا أتى ميقات خراب السد من إلهى جعله دكا أى جعله متحطما وكان وعد ربى حقا والمراد وكان قول إلهى متحققا والمراد كان خراب السد وهى وعد الله حادثة ،ويبين الله لنا أنه يتركهم يموج أى يدعهم يتحرك بعضهم مع بعض وهذا يعنى أن يأجوج ومأجوج معزولين بسد بين جبلين الآن ولا أحد يعرف مكان هذا السد حاليا ،وفى هذا اليوم ينفخ فى الصور أى ينفث فى البوق والمراد أن الملاك ينفث فى القرن فيصدر صوتا لبعث الخلق فيقومون من موتهم وعند ذلك يعرض الله جهنم على الكافرين عرضا والمراد يكشف الله النار أمام المكذبين بوحى الله كشفا حتى يشاهدوا العذاب والكافرون هم الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكر الله والمراد وهم الذين كانت قلوبهم فى بعد عن طاعة حكم الله وفسرهم بأنهم الذين كانوا لا يستطيعون سمعا والمراد الذين كانوا لا يقدرون فهما للوحى ومن ثم لا يقدرون على طاعته.
"أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا "المعنى هل ظن الذين كذبوا أن يجعلوا عبيدى من سواى أنصار إنا جهزنا النار للكاذبين مقاما،يسأل الله أفحسب الذين كفروا أى هل اعتقد الذين كذبوا وحى الله أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء والمراد أن يتبعوا خلقى من سواى أربابا ولا يعاقبون؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أنهم سوف يعاقبون على طاعتهم أى عبادتهم لغير الله ويبين لنا أنه أعتد جهنم للكافرين نزلا والمراد أنه جهز النار للمكذبين بوحى الله مقاما دائما والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا"المعنى هل نخبركم بالحابطين أفعالا الذين ضاع عملهم فى المعيشة الأولى وهم يظنون أنهم يصلحون عملا أولئك الذين كذبوا بأحكام إلههم ومقابلته فخسرت أفعالهم فلا نعطى لهم يوم البعث عطاء ذلك عقابهم النار بما كذبوا أى جعلوا أحكامى وأنبيائى سخرية،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا والمراد هل نخبركم بالمسيئين أفعالا أى هل نعلمكم بالذين حبطت أعمالهم السيئة ؟ثم يجيب على السؤال بقوله هم الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا والمراد هم الذين ساء عملهم فى المعيشة الأولى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أى وهم يظنون أنهم يصلحون عملا ،وهذا يعنى أن الكافر يظن عمله السيىء فى الدنيا عمل حسن يثاب عليه ،والأخسرين أعمالا هم الذين كفروا أى كذبوا بآيات ربهم وهى أحكام خالقهم ولقائه وهو جزائه فكانت النتيجة أن حبطت أعمالهم أى خسر أجر أفعالهم والمراد ساءت أفعالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا والمراد فلا نعطى لهم يوم البعث ثوابا أى عطاء حسنا وذلك أى جهنم هى جزاؤهم أى عقابهم والسبب ما كفروا أى ما كذبوا وفسر هذا بأنهم اتخذوا آيات الله وهى أحكام الله ورسله أى أنبيائه(ص)هزوا أى سخرية والمراد أنهم كذبوا أحكام الله المنزلة على رسله(ص).
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا "المعنى إن الذين صدقوا وفعلوا الحسنات كانت حدائق الخلود مقاما مقيمين فيها لا يريدون عنها تبديلا ،يبين الله لنا أن الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات كانت لهم جنات الفردوس نزلا والمراد كانت حدائق النعيم لهم عطاء أى مسكن خالدين فيها أى مقيمين فيها لا يبغون عنها حولا أى لا يريدون منها خروجا والخطاب وما بعده حتى أخر السورة للنبى(ص).
"قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا"المعنى قل لو كان الماء حبرا لإرادات إلهى لفنى الماء قبل أن تفنى إرادات إلهى ولو أتينا بقدره حبرا ؟،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس لو كان البحر مدادا أى لو كان ماء اليم حبرا مظهرا لكلمات ربى وهى إرادات خالقى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى أى لانتهى ماء اليم قبل أن تنتهى إرادات خالقى ولو جئنا بمثله مددا أى حتى ولو أتينا بقدر ماء البحر زيادة عليه ،وهذا يعنى أن أى مخلوق لا يستطيع أن يسجل إرادات الله مهما كانت المادة التى يسجل بها إرادات فهذه المادة ستفنى قبل أن تنتهى إرادات الله التى لا تنتهى لإستمرار الحياة .
"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"المعنى قل إنما أنا إنسان شبهكم يلقى إلى أنما ربكم رب واحد فمن كان يريد عطاء إلهه فليفعل فعلا حسنا ولا يقاسم فى طاعة إلهه أحدا،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :إنما أنا بشر مثلكم أى إنما أنا إنسان شبهكم وهذا يعنى أنه لا يستطيع أن يفعل شىء زائد عما يفعله البشر ،يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد والمراد يلقى إلى أنما ربكم رب واحد ،وهذا يعنى أن الشىء الزائد عليهم فيه هو أنه يلقى له الوحى من الله طالبا عبادة الله وحده ،فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أبدا والمراد فمن كان يريد ثواب خالقه فليفعل فعلا حسنا وفسره بأنه لا يقاسم فى الطاعة رب غير الله وهذا يعنى أن يطيع الله وحده ولا يطيع أحد معه مهما كان