رضا البطاوى
23-02-2019, 02:24 PM
"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة النحل"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى"فأداء الأمانات هو العدل هو الإحسان هو إيتاء الناس حقهم وقوله "أن تحكموا بالعدل "يفسره قوله بسورة المائدة"فاحكم بينهم بالقسط"فالعدل هو القسط وقوله "إن الله كان سميعا بصيرا "قوله بسورة النساء"إن الله كان عليما خبيرا "فسميعا بصيرا تعنى عليما خبيرا والمعنى إن الله يطالبكم أن تعطوا الحقوق لأصحابها وإذا قضيتم بين الخلق أن تقضوا بالحق إن لله حكما يعلمكم به إن الله كان خبيرا عليما ،يأمر أى يطلب الله من المؤمنين التالى:
أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها والمراد أن يعطوا الحقوق لأصحابها وبألفاظ أخرى أن يعملوا الواجبات لمن فرضها الله لهم،أن يحكموا بالعدل إذا حكموا بين الناس والمراد أن يقضوا بحكم الله فى قضايا الخلاف بين الخلق إذا قضوا بينهم ويبين لهم أن له نعما أى نعمة أى حكم يعظهم به والمراد يعلمهم به ما يريده منهم ،ويبين لهم أنه سميع بصير أى عليم خبير بكل شىء وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا"يفسر الآية قوله "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "لقوله تعالى بسورة الأعراف"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" فأطيعوا تعنى اتبعوا والله والرسول(ص)هو المنزل من الله على رسوله(ص) والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله اتبعوا حكم الله أى اتبعوا الحكم المنزل على النبى(ص) واتبعوا حكم الله الذى يقضى به أصحاب الحكم منكم فإن اختلفتم فى قضية فأعيدوه لحكم الله ونبيه(ص) إن كنتم تصدقون بحكم الله ويوم القيامة ذلك نفع وأعدل تفسيرا،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله التالى:أن يطيعوا الله أى أن يتبعوا حكم الله المنزل على رسوله(ص)أى أن يطيعوا حكم الله الذى يقضى به وحى الله المكتوب فى اللوح المحفوظ فى الكعبة ويبين لهم أنهم إذا تنازعوا فى شىء والمراد إن اختلفوا فى حكم قضية مع بعضهم فالواجب هو رده إلى الله ورسوله(ص)والمراد هو إعادته إلى حكم الله المنزل على نبيه(ص) المحفوظ فى الكعبة لكى يفصل بينهم هذا إن كانوا يؤمنون بالله أى يصدقون بحكم الله ويصدقون باليوم الأخر وهو يوم القيامة وهذا الحكم محفوظ فى الكعبة حتى يحتكم المسلمون له بعد موت النبى(ص) ،ويبين لهم أن ذلك خير أى نفع وفسر هذا بأنه أحسن تأويلا أى أعدل حكما والمراد أن حكم الله هو الأعدل.
"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا"يفسر قوله"يزعمون أنهم أمنوا" قوله تعالى بسورة آل عمران"يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم"فزعمهم أنهم أمنوا هو قولهم بأفواههم وقوله "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت "يفسره قوله بسورة المائدة"أفحكم الجاهلية يبغون"فالطاغوت هو حكم الجاهلية وقوله "وقد أمروا أن يكفروا به "يفسره قوله بسورة التوبة"وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا"فالأمر بالكفر بالطاغوت هو الأمر بعبادة الله وحده وقوله "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا "يفسره قوله بسورة النساء"ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" فالشيطان هو متبع الشهوات والضلال البعيد هو الميل العظيم والمعنى ألم تعلم بالذين يقولون أنهم صدقوا حكم الله الذى أوحى إليك والذى أوحى من قبلك يحبون أن يتقاضوا إلى الكفر وقد طولبوا أن يكذبوا به ويحب الكافر أن يميلهم ميلا كبيرا،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين يزعمون أى يكذبون قائلين أنهم أمنوا بما أنزل إليك والمراد أنهم صدقوا بالذى أوحى لك يا محمد(ص) وهو القرآن وما أنزل من قبلك والمراد والذى أوحى للرسل(ص) من قبل يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت والمراد يحبون أن يتقاضوا إلى حكم الكفر مع أنهم قد أمروا أن يكفروا به والمراد أنهم طالبهم الله أن يكذبوا بالطاغوت ويبين له أن الشيطان وهو شهوة الكافر يريد أن يضل القوم ضلالا بعيدا والمراد أن يبعد القوم عن الحق بعدا عظيما حتى يدخلهم النار مثله والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا"يفسر قوله "تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول " قوله تعالى بسورة النور"وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون "فتعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول(ص) تعنى دعوتهم لله ورسوله ليحكم بينهم والصد هو الإعراض والمعنى وإذا قال المسلمون لهم هيا إلى طاعة الذى أوحى الله أى إلى الذى أوحى الله لرسوله(ص) علمت بالمؤمنين ظاهرا الكفار فى الخفاء يبعدون عن طاعتك بعدا،يبين الله للنبى(ص) أن المنافقين إذا نصحهم المسلمون فقالوا :تعالوا إلى ما أنزل الله أى إلى الرسول (ص)والمراد هيا إلى تصديق حكم الله وطاعته أى هيا لتصديق حكم الله المنزل على النبى(ص)وطاعته يراهم يصدون عنه صدودا والمراد يعلم أنهم يبعدون عنه بعدا عظيما أى يعرضون عن تصديقه وطاعته إعراضا.
"فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا "يفسر قوله "إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم " قوله تعالى بسورة الروم"وإن تصبهم سيئة "فالمصيبة هى السيئة وقوله "بما قدمت أيديهم "يفسره قوله بسورة المائدة"ما قدمت لهم أنفسهم"فأيديهم هى أنفسهم وقوله "يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا "يفسره قوله بسورة التوبة"ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى"فالتوفيق هو الحسنى والمعنى فكيف إذا مسهم أذى بالذى عملت أنفسهم ثم أتوك يقسمون بالله إن شئنا إلا معروفا أى إصلاحا،يبين الله لرسوله (ص)أن المنافقين إذا أصابتهم مصيبة والمراد إذا مسهم عذاب من الله بسبب الذى صنعت أنفسهم من الجرائم سيجيئون إليه والمراد سيحضرون إلى مكان وجوده يحلفون بالله والمراد يقسمون بالله :إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا والمراد لقد شئنا بعملنا البر أى الإصلاح،فهم يزعمون أن جرائمهم ليست سوى حسنات والخطاب للنبى (ص)وما بعده.
"أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا"يفسر قوله "يعلم ما فى قلوبهم " قوله تعالى بسورة البقرة"الله يعلم ما فى أنفسكم"فقلوبهم هى أنفسهم وقوله "وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا "قوله بسورة الإسراء"فقل لهم قولا ميسورا"فالقول البليغ هو الميسور والمعنى أولئك الذين يعرف الذى فى أنفسهم فابتعد عنهم وانصحهم فقل لهم فى أحوالهم كلاما سديدا ،يبين الله لرسوله(ص)أن المنافقين هم الذين يعلم الله ما فى قلوبهم والمراد الذين يعرف الله الذى تخفيه أنفسهم ويطلب منه أن يعرض عنهم والمراد أن يترك معاملتهم وقبل هذا عليه أن يعظهم أى ينصحهم نصيحة غالية وفسر هذا بأن يقول لهم فى أنفسهم قولا بليغا والمراد أن يتكلم عن الذى فى قلوبهم كلاما سديدا يعرفهم به الحق .
"وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما"يفسر قوله"ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" قوله بنفس السورة"ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"فظلم النفس هو عمل السوء والتواب هو الغفار والمعنى وما بعثنا من نبى إلا ليتبع بأمر الله ولو أنهم إذ أساءوا لأنفسهم أتوك فتابوا إلى الله واستتاب النبى(ص)الله لهم للقوا الله غفورا نافعا،يبين الله لنبيه(ص)أنهم ما أرسل من رسول إلا ليطاع بإذن الله والمراد ما بعث فى قوم من نبى إلا لكى يتبع فى أمر الله وهو حكمه ،ويبين له أن القوم لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم والمراد حين أساءوا لحق أنفسهم بذنوبهم جاءوه أى أتوا عنده فاستغفروا الله أى طلبوا العفو من الله عن ذنوبهم أى تابوا لله واستغفر لهم الرسول(ص)والمراد وطلب النبى(ص)لهم من الله العفو عن ذنوبهم لوجدوا الله توابا رحيما والمراد لعلموا أن غافر الذنب نافع لمن يطلب منه العفو والخطاب للنبى(ص).
"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما"المعنى فلا وإلهك لا يصدقون حتى يشركوك فيما حدث بينهم ثم لا يلقوا فى قلوبهم ضيقا من الذى حكمت به و ينفذوه تنفيذا ،يقسم الله لنبيه(ص)بنفسه فيقول لا وربك على التالى :أن الناس لا يؤمنون أى لا يصدقون حكم الله حتى يفعلوا الأتى:يحكموه فيما شجر بينهم والمراد يشركوه فى الذى اختلفوا فيه أى يجعلوه قاضيا بينهم فى قضاياهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرج مما قضى والمراد ثم لا يلقوا فى قلوبهم كره للذى حكم به ويسلموا تسليما أى وينفذوا الحكم تنفيذا أى ويتبعوه اتباعا والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا"المعنى ولو أنا فرضنا عليهم أن اذبحوا أنفسكم أو انتقلوا من بلادكم ما صنعوه إلا بعض منهم ولو أنهم صنعوا الذى ينصحون به لكان أفضل لهم أى أعظم ثوابا ،يبين الله لرسوله (ص)أن الله لو كتب أى فرض على الناس التالى:أن اقتلوا أنفسكم والمراد أن اذبحوا بعضكم البعض أو فرض عليهم أن اخرجوا من دياركم والمراد أن اتركوا بيوتكم فستكون النتيجة هى :أن القليل من الناس هم الذين سيفعلون ويعملون فرض الله ويبين الله لنبيه(ص)أن الناس لو فعلوا أى أطاعوا الذى يوعظون به وهو ما يؤمرون به فى الوحى لكان خيرا لهم أى أشد تثبيتا والمراد أحسن ثوابا أى أفضل أجرا والخطاب للنبى(ص).
"وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما "يفسر قوله "وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما " قوله تعالى بسورة الفتح"يؤتكم الله أجرا حسنا"فالعظيم هو الحسن وقوله "ولهديناهم صراطا مستقيما "يفسره قوله بسورة مريم"أهدك صراطا سويا "فالمستقيم هو السوى والمعنى وإذا لأعطيناهم من عندنا ثوابا كبيرا أى لأدخلناهم طريقا حسنا ،يبين الله لرسوله(ص)أن الناس لو أطاعوا حكم الله لكان خيرا لهم أى أشد تثبيتا وفسر هذا بأنه سيؤتيهم من لدنه أجرا عظيما والمراد سيدخلهم عنده جنة كبرى وفسر هذا بأنه سيهديهم صراطا مستقيما والمراد سيدخلهم سبيلا حسنا هو الجنة .
"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما"يفسر قوله "ذلك الفضل من الله" قوله تعالى بسورة الأنعام "وذلك الفوز المبين" فالفضل هو الفوز المبين وقوله "وكفى بالله عليما "يفسره قوله بسورة النساء"وكفى بالله شهيدا"فالعليم هو الشهيد والمعنى ومن يتبع حكم الله ونبيه(ص)فأولئك فى الجنة مع الذين رحمهم الله من الرسل(ص)والمؤمنين أى الحاكمين أى المحسنين ونعم أولئك وفدا تلك الرحمة من الله وكفى بالله خبيرا،يبين الله لنا أن من يطع الله ورسوله (ص)والمراد من يتبع حكم الله المنزل على نبيه(ص)يدخله الله الجنة مع الذين أنعم عليهم أى رحمهم الله وهم النبيين أى الرسل (ص)والصديقين وهو المؤمنين وفسرهم بأنهم الشهداء أى الحاكمين بالحق وفسرهم بأنهم الصالحين أى العاملين للحسنات وحسن أولئك رفيقا والمراد ونعم أولئك وفدا إلى جنة الله ،ويبين له أنه كفى به عليما أى خبيرا بكل شىء سيحاسب عليه والخطاب للمؤمنين .
"يا أيها الذين أمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أعدوا قوتكم فاستعدوا دوما واستعدوا كلكم،يطلب الله من المؤمنين أخذ الحذر وهو إعداد القوة اللازمة لإرهاب الأعداء أى عمل الإحتياط لإخافة العدو ويبين لهم أن عليهم أن ينفروا ثبات والمراد أن يستعدوا دائما وفسر هذا بأن ينفروا جميعا أى أن يستعدوا كلهم للحرب كل واحد بأداء واجبات وظيفته التى يعمل بها خير أداء والخطاب للمؤمنين.
"وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة"وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل"فقولهم :قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا يعنى أنهم أخذوا احتياطهم بعدم الذهاب للقتال ومن ثم لم يستشهدوا والمعنى وإن منكم لمن يتأخرن فإن مسكم ضرر قال قد تفضل الله على إذ لم أكن معهم حاضرا للقتال ،يبين الله للمؤمنين أن منهم من يبطئن أى منهم من يتأخر عن العمل المطلوب فإن أصابت المؤمنين مصيبة والمراد فإن مسهم ضرر ممثل فى استشهاد وجرح بعضهم فإنهم يقولون:قد أنعم أى قد رحمنى الله إذ لم أكن أى أصبح معهم شهيدا أى حاضرا للجرح والاستشهاد وهذا القول يبين لنا أن ذلك القاعد عن القتال يرى الجهاد عمل مؤذى وأن الحياة أفضل فهى نعمة من الله فى رأيه الخاطىء يجب أن يحافظ عليها والقول مكون من جزئين الأول حتى ليبطئن فهو خطاب للمؤمنين فى تأخر بعضهم الزمنى عن عمل وعمله فيما بعد وأما الجزء الآخر فيتحدث عن المنافقين وهو خطاب موجه للمؤمنين أن المنافقين ليسوا من المؤمنين لقوله بسورة النساء "ما هم منكم "ولذا ليس معقولا أن يقول الله لهم وإن منكم أى من المؤمنين لكونهم ليسوا مؤمنين وكذلك ما بعده .
"ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما"يفسر الجزء الأول قوله بنفس السورة"فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم"فالفضل هو الفتح أى الفوز والمعنى ولئن أتاكم نصر من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه إخوة يا ليتنى كنت معهم فأرزق رزقا كثيرا،يبين الله للمؤمنين أن القاعد عن الجهاد إن أصاب المؤمنين فضل من الله والمراد إن أعطى المؤمنين نصر على العدو من الله يقول وكأن لم تكن بينه وبين المؤمنين مودة أى محبة أى اخوة وهذا يعنى أن سيره معهم ليس سوى نفاق وليس محبة لهم:يا ليتنى كنت معهم أى يا ليتنى ذهبت معهم للقتال فأفوز فوزا عظيما والمراد فأرزق رزقا وفيرا وهذا يعنى أن هدفه من الذهاب للحرب هو الحصول على الغنيمة التى هى المال الكثير وليس إعلاء كلمة الله.
"فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة آل عمران "ثوابا من عند الله"فأجرا تعنى ثوابا والمعنى فليجاهد فى نصر دين الله الذين يتركون الحياة الأولى ويعملون للقيامة ومن يجاهد فى نصر دين الله فيستشهد أو ينتصر فسوف نعطيه ثوابا كبيرا،يبين الله لنا أن الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة وهم الذين يتركون التمتع بالحياة الأولى ويطيعون حكم الله بالعمل للقيامة عليهم أن يقاتلوا أى يحاربوا فى سبيل الله والمراد فى نصر دين الله ،ويبين لنا أن من يقاتل فى سبيل الله والمراد أن من يحارب لنصر دين الله فيقتل أى فيموت شهيدا أو يغلب أى ينتصر على العدو فسوف يؤتيه الله أجرا عظيما والمراد فسوف يدخله الله جنة كبرى هى ثوابه عند الله والخطاب لمن يريد القتال فى سبيل الله.
"وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا" المعنى وما لكم لا تحاربون فى نصر دين الله أى فى نصر الواهنين من الذكور والإناث والأطفال الذين يقولون إلهنا أنقذنا من هذه البلدة الكافر سكانها وابعث لنا من عندك ناصرا أى أرسل لنا من لديك منقذا،يسأل الله المؤمنين :وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله ؟والمراد ما السبب فى أنكم لا تجاهدون لنصر دين الله ؟ويفسر الله سبيل الله بأنه نصر المستضعفين وهم الأذلاء من الرجال وهم الذكور والنساء وهن الإناث والولدان وهم أطفال الرجال والنساء الذين يقولون :ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها والمراد إلهنا أنجنا من هذه البلدة الكافر شعبها وهذا معناه أنهم يؤذونهم للارتداد عن الإسلام ويقولون :واجعل لنا من لدنك وليا وفسروه بأنه نصيرا والمراد وأرسل لنا من عندك منجيا وهذا معناه أنهم يطلبون النصر من إخوانهم والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب نصر إخوانهم الذين يطلبون منهم النصر على العدو الذى يريد ردهم عن دينهم والخطاب للمؤمنين.
"الذين أمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا "يفسر قوله "يقاتلون فى سبيل الله" قوله تعالى بسورة المائدة"يجاهدون فى سبيل الله"فيقاتلون تعنى يجاهدون وقوله "فقاتلوا أولياء الشيطان "يفسره قوله بسورة التوبة"فقاتلوا أئمة الكفر"فأولياء الشيطان هم أئمة الكفر والمعنى الذين صدقوا حكم الله يحاربون فى نصر دين الله والذين كذبوا حكم الله يحاربون فى نصر الظلم فحاربوا أنصار الظلم إن مكر الظلمة كان واهنا ،يبين الله لنا أن الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله يقاتلون فى سبيل الله والمراد يجاهدون لإعلاء دين الله وأما الذين كفروا أى كذبوا وحى الله فيقاتلون فى سبيل الطاغوت والمراد يحاربون لنصر أديان الظلم ويطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا أولياء الشيطان والمراد أن يجاهدوا أنصار الظلم حتى يهزموهم ويبين لهم أن كيد الشيطان وهو مكر الظالمين كان ضعيفا والمراد كان واهنا أى فاشلا لا يصمد فى مواجهة حرب المؤمنين والخطاب حتى الطاغوت موجه للنبى (ص)وما بعده موجه للمؤمنين ويبدو أنهما قولان وصلا لوجود حذف جزء من كل منهما.
"ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا"يفسر قوله "قيل لهم كفوا أيديكم " قوله تعالى بسورة البقرة"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله"فكف الأيدى هو اتباع ما أنزل الله وقوله"وأقيموا الصلاة "يفسره قوله بسورة الشورى"أن أقيموا الدين "فالصلاة هى الدين وقوله "والآخرة خير لمن اتقى "يفسره قوله بسورة يوسف"ولأجر الآخرة خير للذين أمنوا"فمن اتقى هم الذين أمنوا وقوله "ولا تظلمون فتيلا "يفسره قوله بسورة النساء"ولا تظلمون نقيرا "وقوله بسورة هود "وهم فيها لا يبخسون"فتظلمون تعنى يبخسون وفتيلا تعنى نقيرا والمعنى ألم تعلم بالذين قيل لهم اعصوا أنفسكم أى أطيعوا الدين أى اتبعوا الطهارة فلما فرض عليهم الجهاد إذا جمع منهم يخافون البشر كخوف الله أو أعظم خوفا وقالوا إلهنا لم فرضت علينا الجهاد هلا أجلتنا إلى موعد أخر قل نفع الأولى قصير والجنة أفضل لمن أطاع الله ولا تبخسون شيئا،يخبر الله رسوله(ص)عن الذين قال المسلمون لهم:كفوا أيديكم والمراد خالفوا طاعة أهواء أنفسكم وفسر هذا بأن أقيموا الدين أى أطيعوا حكم الله وفسر هذا بأن أتوا الزكاة والمراد اتبعوا الدين الطاهر الذى يطهركم من ذنوبكم فلما كتب عليهم القتال والمراد فلما فرض الله عليهم الجهاد إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية والمراد إذا جماعة منهم يخافون أذى البشر مثل خوفهم عذاب الله أو أعظم خوفا من الخوف من عذاب الله ومن ثم قالوا:ربنا لم كتبت علينا القتال والمراد إلهنا لماذا فرضت علينا الجهاد ؟لولا أخرتنا إلى أجل قريب والمراد هلا أجلتنا إلى موعد ثانى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يجعلوا الله يسير على مزاجهم فيؤجل فرض القتال إلى الوقت الذى يحددونه ويطلب الله من رسوله أن يقول لهم متاع الدنيا قليل والمراد رزق الأولى فانى والآخرة خير لمن اتقى والمراد والجنة أحسن لمن أطاع حكم الله ولا تظلمون فتيلا أى ولا تبخسون شيئا والمراد لا تنقصون حقا من حقوقكم والخطاب للنبى(ص).
"أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا"المعنى أينما توجدوا تلحقكم الوفاة ولو كنتم فى حصون مغلقة وإن يمسهم خير يقولوا هذه من لدى الله وإن يمسهم أذى يقولوا هذه بسببك قل كل من لدى الله فمال هؤلاء الناس لا يهمون يفهمون وحيا ،يبين الله للناس وهم الفريق الخائف من الناس :أن الموت وهو الوفاة يدركهم والمراد يلحقهم أينما يكونوا وهذا يعنى أن الوفاة تأتيهم فى أى مكان يتواجدوا فيه حتى ولو كان فى بروج مشيدة أى حصون مغلقة وهذا يعنى أن لا شىء يمنع الموت من الحدوث،ويبين الله للنبى(ص)أن الفريق إن تصبهم حسنة والمراد إن يأتيهم خير من الله يقولوا :هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة والمراد وإن يأتيهم ضرر يقولوا :هذه من عندك والمراد إن الضرر أصابنا بسبب وجودك معنا يا محمد وهذا تخريف منهم ،ولذا طلب الله من نبيه(ص) أن يقول لهم:كل من عند الله والمراد السيئة والحسنة كلاهما يأتى من لدى الله كاختبار لنا ،ويسأل الله :مال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا والمراد مال هؤلاء الناس لا يهمون يطيعون حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى(ص)والمؤمنين أن هذا الفريق كافر لا يطيع حكم الله،والكلام مكون من قولين أولهما حتى مشيدة جزء من قول محذوف بعضه وموجه الخطاب بها للناس وما بعده موجه للنبى(ص).
"ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الشورى"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"فالسيئة هى المصيبة والنفس هى كسب اليد وقوله "وأرسلناك للناس رسولا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا"فالرسول هو المبشر النذير وقوله "وكفى بالله شهيدا "يفسره قوله بسورة النساء"وكفى بالله عليما"فشهيدا تعنى عليما والمعنى ما مسك من رحمة فمن طاعة الله وما مسك من ضرر فمن طاعة نفسك وبعثناك للبشر مبعوثا وكفى بالله خبيرا ،يبين الله للنبى(ص)وكل إنسان أن ما أصابه من حسنة فمن الله والمراد أن ما أتاه من رحمة فمن طاعته لحكم الله وأن ما أصابه من سيئة فمن نفسه والمراد وأن الذى أتاه من عذاب فهو من طاعة حكم نفسه أى هواه كما فى سورة الجاثية"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه"،ويبين الله لنبيه(ص)أنه أرسله للناس رسولا والمراد أنه بعثه للخلق مبلغا لوحى الله ويكفى النبى(ص)دليل على رسوليته أن الله شهيد أى عليم أى مقر بها والخطاب للنبى(ص) .
"من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة آل عمران"إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله"فطاعة الرسول(ص)هى اتباعه وقوله "فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسره قوله بسورة الإسراء"وما أرسلناك عليهم وكيلا"فحفيظا تعنى وكيلا والمعنى من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله ومن عصى حكمه فما بعثناك إليهم حاميا ،يبين الله لنا أن من يطع الرسول فقد أطاع الله والمراد أن من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله وهذا يعنى أن حكم الرسول (ص)هو نفسه حكم الله المنزل عليه وهو الوحى ممثلا فى القرآن وتفسيره الإلهى الذكر وأما من تولى أى عصى أى خالف حكم الله فقد عصى الله ويبين الله لنبيه(ص)أنه ما أرسله عليهم حفيظا والمراد ما بعثه حاميا لهم وهذا يعنى أنه لا يجب عليه أن يرهق نفسه فى حمل الناس على طاعة حكم الله لأنه ليس مسئولا عنهم والكلام مكون من قولين الأول حتى تولى فهو خطاب للناس وما بعده خطاب للنبى(ص).
"ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا" يفسر قوله "فإذا برزوا من عندك" قوله تعالى بسورة محمد"حتى إذا خرجوا من عندك"فبرزوا تعنى خرجوا وقوله "وكفى بالله وكيلا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وكفى بربك هاديا ونصيرا"فوكيلا تعنى نصيرا والمعنى ويقولون اتباع لما تقول يا محمد فإذا خرجوا من مكانك نوى جمع منهم غير الذى تطلب منهم والله يسجل ما ينوون فتولى عنهم واعتمد على الله وكفى بالله حاميا،يبين الله لرسوله(ص)أن الفريق المنافق يقول له:طاعة أى سننفذ ما تقول ،فإذا برزوا من عندك والمراد فإذا خرجوا من مكان إقامتك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والمراد نوت جماعة منهم عمل غير الذى طلبت منهم والله يكتب ما يبيتون والمراد والله يسجل الذى ينوون عمله من الشر فى كتبهم ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يعرض عنهم والمراد أن يترك التعامل معهم وأن يتوكل على الله والمراد أن يحتمى من عذاب الله بطاعة حكم الله ويكفيه الله وكيلا والمراد ويكفيه الله حاميا له من شرهم ومن عذاب الأخرة والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"المعنى أفلا يطيعون الوحى؟ولو كان من لدى سوى الله للقوا فيه تناقضا عظيما،يسأل الله أفلا يتدبرون القرآن أى أفلا يتبعون حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس لا يطيعون حكم الله ،ويبين للجميع أن القرآن لو كان من عند غيره والمراد لو كان مصدره غير الله لوجدوا فيه اختلافا عظيما والمراد لعلموا به تناقضا كبيرا يظهر أن مصدره ليس هو الله وهذا يعنى أن دليل كون القرآن من عند الله هو خلوه من التناقض وهو الاختلاف غير المنصوص عليه وهو الناسخ والمنسوخ.
"وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا"المعنى وإذا أتاهم شىء من الطمأنينة أو الرعب نشروه ولو أعادوه إلى النبى(ص)وإلى أهل الحكم منهم لعرفه الذين يستخرجونه منهم ولولا نفع الله لكم أى فائدته لأطعتم الكافر إلا قليلا،يبين الله للمؤمنين أن الفريق المنافق إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف والمراد إذا أتاهم موضوع من السكينة أو الفزع أى من الخير أو الشر أذاعوا به والمراد نشروه بين الناس لإحداث الخلاف ولو ردوا الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر والمراد لو أعادوا الموضوع إلى النبى(ص) وإلى أهل العلم منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم والمراد لعرفه الذين يدرسونه فى الوحى فيعرفون حكم الموضوع فيه والغرض من رد الأمر للنبى(ص)وأولى الأمر هو أن يصدروا الحكم الصحيح فى القضية ،ويبين الله للمؤمنين أن لولا فضل الله وهو رحمته أى رأفته أى نفعه لهم لاتبعتم الشيطان إلا قليلا والمراد لأطعتم الكفار إلا عدد قليل منهم والقول مكون من ثلاث أقوال أولها حتى أذاعوا به يخاطب النبى (ص)وما بعده حتى يستنبطونه منهم يخاطب الناس وما بعده يخاطب المؤمنين والظاهر أنها ثلاث أقوال حذف من كل منها بقيتها.
"فقاتل فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا"يفسر قوله"فقاتل فى سبيل الله" قوله تعالى بسورة التوبة "جاهد الكفار والمنافقين"فقاتل تعنى جاهد وقوله "وحرض المؤمنين "يفسره قوله بسورة الأنفال "حرض المؤمنين على القتال"فتحريض المؤمنين هو على القتال وقوله "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "يفسره قوله بسورة الفتح"وكف أيدى الناس عنكم"فبأس الذين كفروا هو أيدى الناس وقوله"والله أشد بأسا وأشد تنكيلا "يفسره قوله بسورة فصلت "ألم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة"فبأسا أى تنكيلا تعنى قوة والمعنى فحارب فى نصر دين الله لا يفرض عليك إلا ذاتك وحث المصدقين بالوحى عسى أن يمنع الله أذى الذين كذبوا الوحى والله أعظم إيذاء أى أكبر عقابا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقاتل فى سبيل الله والمراد أن يجاهد لإعلاء دين الله ويبين له أنه لا يكلف إلا نفسه والمراد لا يحمل سوى قدرته وهى أن يقاتل بنفسه وأما المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله فكل ما عليه هو أن يحرضهم أى يحثهم أى يدعوهم للخروج إلى القتال والسبب هو أن يكف الله بأس الذين كفروا والمراد أن يمنع الله أذى الذين كذبوا بحكم الله عن طريق إرهابهم وقتالهم ويبين له أن الله أشد بأسا أى تنكيلا والمراد أعظم أذى للكفار وهذا يعنى أن أذاه أكبر من أذى الكفار للمؤمنين والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة النمل"من جاء بالحسنة فله خير منه ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار" فالشفاعة هى الحسنة والنصيب هو الخير من الحسنة والشفاعة هى السيئة والكفل هو النار وقوله"وكان الله على كل شىء مقيتا "يفسره قوله بسورة النساء"إن الله كان على كل شىء حسيبا"فمقيتا تعنى حسيبا والمعنى من يعمل عملا صالحا يكن له ثواب عليه ومن عمل عملا فاسدا يكن له عقاب عليه وكان الله على كل عمل رازق،يبين الله لنا أن من يشفع شفاعة حسنة والمراد من يفعل فعلا صالحا يكن له نصيب منه والمراد يصبح له ثواب له عليه من الله ومن يشفع شفاعة سيئة أى من يفعل فعلا فاسدا يكن له كفل منه أى يصبح له عقاب على فعله والشفاعة بمعنى المناصرة ممنوعة فى الإسلام حيث قال بسورة النساء"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" ويبين الله لنا أنه مقيت أى رازق على العمل
"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شىء حسيبا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النساء"وكان الله على كل شىء مقيتا "فحسيبا تعنى مقيتا والمعنى وإذا سلم عليكم بسلام فسلموا بأفضل منه أو أعيدوه إن الله كان على كل عمل مجازيا ،يبين الله للمؤمنين أن الناس إذا حيوهم بتحية والمراد إذا قالوا لهم سلام مثل السلام عليكم وصباح الخير وأسعد الله مساءك وسميت التحية بهذا لأنها تطلب الحياة وهى الخير للناس فالواجب على المؤمنين أن يحيوهم بأحسن منها أو يردوها والمراد أن يقولوا لهم قولا يزيد عليها فى طلب الخير أو يكرروا ما قاله الأخرون لهم ويبين الله لهم أنه حسيب أى مجازى على كل شىء أى على كل عمل والخطاب للمؤمنين .
"الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا"يفسر قوله"ليجمعنكم إلى يوم القيامة " قوله تعالى بسورة الإسراء"ونحشرهم يوم القيامة"فيجمع تعنى يحشر وقوله "لا ريب فيه "يفسره قوله بسورة غافر"لا ظلم اليوم"فالريب هو الظلم وقوله "ومن أصدق من الله حديثا "يفسره قوله بسورة النساء"ومن أصدق من الله قيلا"وقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"فأصدق تعنى أحسن وحديثا تعنى حكما تعنى قيلا والمعنى الله لا رب سواه ليحشرنكم إلى يوم البعث لا ظلم فيه ومن أحسن من الله حكما،يبين الله للمؤمنين أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب يستحق الطاعة سواه وهو سيجمعهم ليوم القيامة والمراد سيبعثهم يوم البعث للحساب حيث لا ريب فيه والمراد حيث لا ظلم فى ذلك اليوم لأحد،ويبين لهم أنه لا يوجد أصدق من الله حديثا والمراد لا يوجد أعدل من الله فى حكمه المنزل فى صورة كلام والخطاب للناس.
"فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسر قوله "والله أركسهم بما كسبوا " قوله بسورة الزمر"فأصابهم سيئات ما كسبوا"فأركسهم تعنى أصابهم السيئات وقوله "أتريدون أن تهدوا من أضل الله"يفسره قوله بسورة البقرة"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم "فإرادة أن تهدوا من أضل الله هى الطمع أن يؤمنوا وقوله "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسره قوله بسورة الرعد"ومن يضلل الله فما له من هاد"فالسبيل هى الهادى أى المنقذ والمعنى فما لكم فى المذبذبين جماعتين ؟ والله عاقبهم بالذى عملوا ،أتحبون أن ترحموا من عذب الله؟ومن يعذب الله فلن تلق له منقذا من العذاب؟،يسأل الله المؤمنين فما لكم فى المنافقين فئتين؟ والمراد لماذا أنتم فى المذبذبين بين الإسلام والكفر جماعتين ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن موقفهم من المنافقين لابد أن يكون واحدا وهو عداوتهم والسبب هو أن الله أركسهم بما كسبوا والمراد هو أن الله عذبهم بالذى عملوا من الذنوب ،ويسألهم الله :أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟والمراد هل تحبون أن تقربوا للجنة من أبعد الله عنها للنار ؟ والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم لن يستطيعوا إنقاذ المنافقين من النار والسبب هو أنهم لن يؤمنوا ويبين الله للمؤمنين أن من يضلل الله أى من يعاقب الله فلن تجد له سبيلا والمراد فلن تلق له منقذا من عذاب النار والخطاب حتى أضل الله للمؤمنين وما بعده للنبى(ص) والقول بعده خطاب للمؤمنين.
"ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا "يفسر قوله "ودوا لو تكفرون" قوله تعالى بسورة آل عمران"ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم"فود كفر المؤمنين هو ود إضلالهم وقوله "فلا تتخذوا منهم أولياء "يفسره قوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء " يعنى أن المنافقين هم عدو الله والمسلمين وقوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم "يفسره قوله بسورة البقرة"واقتلوهم حيث ثقفتموهم"فوجدتموهم تعنى ثقفتموهم والمعنى أحبوا لو تكذبون بالوحى كما كذبوا به فتصبحون متساوين فلا تجعلوا منهم أنصار حتى ينتقلوا إلى دين الله فإن أعرضوا فأمسكوهم أى اذبحوهم حيث لقيتموهم ولا تجعلوا منهم لكم معينا أى ناصرا ،يبين الله للمؤمنين أن سبب طلبه عداوة المنافقين أنهم ودوا لو تكفرون كما كفروا والمراد أنهم أرادوا أن تكذبوا حكم الله كما كذبوه هم فتكونون سواء والمراد فتصبحون متساوين فى الكفر والعقاب ،ومن ثم يطلب الله من المؤمنين ألا يتخذوا منهم أولياء والمراد ألا يجعلوا المنافقين أنصار لهم إلا أن يهاجروا فى سبيل الله أى إلا أن ينتقلوا صادقين إلى دين الله أى يصبحوا مؤمنين حقا ،ويبين للمؤمنين أن المنافقين إن تولوا أى كفروا فالواجب هو أخذهم أى إمساكهم أى قتلهم حيث وجدوهم والمراد ذبحهم حيث لقوهم تطبيقا لحد الردة حيث سبق أن أعلنوا إسلامهم ويكرر الله طلبه للمؤمنين ألا يتخذوا من المنافقين وليا أى نصيرا والمراد ألا يجعلوا المذبذبين بين الإسلام والكفر معينين لهم أى ناصرين لهم
أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها والمراد أن يعطوا الحقوق لأصحابها وبألفاظ أخرى أن يعملوا الواجبات لمن فرضها الله لهم،أن يحكموا بالعدل إذا حكموا بين الناس والمراد أن يقضوا بحكم الله فى قضايا الخلاف بين الخلق إذا قضوا بينهم ويبين لهم أن له نعما أى نعمة أى حكم يعظهم به والمراد يعلمهم به ما يريده منهم ،ويبين لهم أنه سميع بصير أى عليم خبير بكل شىء وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا"يفسر الآية قوله "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "لقوله تعالى بسورة الأعراف"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" فأطيعوا تعنى اتبعوا والله والرسول(ص)هو المنزل من الله على رسوله(ص) والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله اتبعوا حكم الله أى اتبعوا الحكم المنزل على النبى(ص) واتبعوا حكم الله الذى يقضى به أصحاب الحكم منكم فإن اختلفتم فى قضية فأعيدوه لحكم الله ونبيه(ص) إن كنتم تصدقون بحكم الله ويوم القيامة ذلك نفع وأعدل تفسيرا،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله التالى:أن يطيعوا الله أى أن يتبعوا حكم الله المنزل على رسوله(ص)أى أن يطيعوا حكم الله الذى يقضى به وحى الله المكتوب فى اللوح المحفوظ فى الكعبة ويبين لهم أنهم إذا تنازعوا فى شىء والمراد إن اختلفوا فى حكم قضية مع بعضهم فالواجب هو رده إلى الله ورسوله(ص)والمراد هو إعادته إلى حكم الله المنزل على نبيه(ص) المحفوظ فى الكعبة لكى يفصل بينهم هذا إن كانوا يؤمنون بالله أى يصدقون بحكم الله ويصدقون باليوم الأخر وهو يوم القيامة وهذا الحكم محفوظ فى الكعبة حتى يحتكم المسلمون له بعد موت النبى(ص) ،ويبين لهم أن ذلك خير أى نفع وفسر هذا بأنه أحسن تأويلا أى أعدل حكما والمراد أن حكم الله هو الأعدل.
"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا"يفسر قوله"يزعمون أنهم أمنوا" قوله تعالى بسورة آل عمران"يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم"فزعمهم أنهم أمنوا هو قولهم بأفواههم وقوله "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت "يفسره قوله بسورة المائدة"أفحكم الجاهلية يبغون"فالطاغوت هو حكم الجاهلية وقوله "وقد أمروا أن يكفروا به "يفسره قوله بسورة التوبة"وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا"فالأمر بالكفر بالطاغوت هو الأمر بعبادة الله وحده وقوله "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا "يفسره قوله بسورة النساء"ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" فالشيطان هو متبع الشهوات والضلال البعيد هو الميل العظيم والمعنى ألم تعلم بالذين يقولون أنهم صدقوا حكم الله الذى أوحى إليك والذى أوحى من قبلك يحبون أن يتقاضوا إلى الكفر وقد طولبوا أن يكذبوا به ويحب الكافر أن يميلهم ميلا كبيرا،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين يزعمون أى يكذبون قائلين أنهم أمنوا بما أنزل إليك والمراد أنهم صدقوا بالذى أوحى لك يا محمد(ص) وهو القرآن وما أنزل من قبلك والمراد والذى أوحى للرسل(ص) من قبل يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت والمراد يحبون أن يتقاضوا إلى حكم الكفر مع أنهم قد أمروا أن يكفروا به والمراد أنهم طالبهم الله أن يكذبوا بالطاغوت ويبين له أن الشيطان وهو شهوة الكافر يريد أن يضل القوم ضلالا بعيدا والمراد أن يبعد القوم عن الحق بعدا عظيما حتى يدخلهم النار مثله والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا"يفسر قوله "تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول " قوله تعالى بسورة النور"وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون "فتعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول(ص) تعنى دعوتهم لله ورسوله ليحكم بينهم والصد هو الإعراض والمعنى وإذا قال المسلمون لهم هيا إلى طاعة الذى أوحى الله أى إلى الذى أوحى الله لرسوله(ص) علمت بالمؤمنين ظاهرا الكفار فى الخفاء يبعدون عن طاعتك بعدا،يبين الله للنبى(ص) أن المنافقين إذا نصحهم المسلمون فقالوا :تعالوا إلى ما أنزل الله أى إلى الرسول (ص)والمراد هيا إلى تصديق حكم الله وطاعته أى هيا لتصديق حكم الله المنزل على النبى(ص)وطاعته يراهم يصدون عنه صدودا والمراد يعلم أنهم يبعدون عنه بعدا عظيما أى يعرضون عن تصديقه وطاعته إعراضا.
"فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا "يفسر قوله "إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم " قوله تعالى بسورة الروم"وإن تصبهم سيئة "فالمصيبة هى السيئة وقوله "بما قدمت أيديهم "يفسره قوله بسورة المائدة"ما قدمت لهم أنفسهم"فأيديهم هى أنفسهم وقوله "يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا "يفسره قوله بسورة التوبة"ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى"فالتوفيق هو الحسنى والمعنى فكيف إذا مسهم أذى بالذى عملت أنفسهم ثم أتوك يقسمون بالله إن شئنا إلا معروفا أى إصلاحا،يبين الله لرسوله (ص)أن المنافقين إذا أصابتهم مصيبة والمراد إذا مسهم عذاب من الله بسبب الذى صنعت أنفسهم من الجرائم سيجيئون إليه والمراد سيحضرون إلى مكان وجوده يحلفون بالله والمراد يقسمون بالله :إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا والمراد لقد شئنا بعملنا البر أى الإصلاح،فهم يزعمون أن جرائمهم ليست سوى حسنات والخطاب للنبى (ص)وما بعده.
"أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا"يفسر قوله "يعلم ما فى قلوبهم " قوله تعالى بسورة البقرة"الله يعلم ما فى أنفسكم"فقلوبهم هى أنفسهم وقوله "وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا "قوله بسورة الإسراء"فقل لهم قولا ميسورا"فالقول البليغ هو الميسور والمعنى أولئك الذين يعرف الذى فى أنفسهم فابتعد عنهم وانصحهم فقل لهم فى أحوالهم كلاما سديدا ،يبين الله لرسوله(ص)أن المنافقين هم الذين يعلم الله ما فى قلوبهم والمراد الذين يعرف الله الذى تخفيه أنفسهم ويطلب منه أن يعرض عنهم والمراد أن يترك معاملتهم وقبل هذا عليه أن يعظهم أى ينصحهم نصيحة غالية وفسر هذا بأن يقول لهم فى أنفسهم قولا بليغا والمراد أن يتكلم عن الذى فى قلوبهم كلاما سديدا يعرفهم به الحق .
"وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما"يفسر قوله"ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" قوله بنفس السورة"ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"فظلم النفس هو عمل السوء والتواب هو الغفار والمعنى وما بعثنا من نبى إلا ليتبع بأمر الله ولو أنهم إذ أساءوا لأنفسهم أتوك فتابوا إلى الله واستتاب النبى(ص)الله لهم للقوا الله غفورا نافعا،يبين الله لنبيه(ص)أنهم ما أرسل من رسول إلا ليطاع بإذن الله والمراد ما بعث فى قوم من نبى إلا لكى يتبع فى أمر الله وهو حكمه ،ويبين له أن القوم لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم والمراد حين أساءوا لحق أنفسهم بذنوبهم جاءوه أى أتوا عنده فاستغفروا الله أى طلبوا العفو من الله عن ذنوبهم أى تابوا لله واستغفر لهم الرسول(ص)والمراد وطلب النبى(ص)لهم من الله العفو عن ذنوبهم لوجدوا الله توابا رحيما والمراد لعلموا أن غافر الذنب نافع لمن يطلب منه العفو والخطاب للنبى(ص).
"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما"المعنى فلا وإلهك لا يصدقون حتى يشركوك فيما حدث بينهم ثم لا يلقوا فى قلوبهم ضيقا من الذى حكمت به و ينفذوه تنفيذا ،يقسم الله لنبيه(ص)بنفسه فيقول لا وربك على التالى :أن الناس لا يؤمنون أى لا يصدقون حكم الله حتى يفعلوا الأتى:يحكموه فيما شجر بينهم والمراد يشركوه فى الذى اختلفوا فيه أى يجعلوه قاضيا بينهم فى قضاياهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرج مما قضى والمراد ثم لا يلقوا فى قلوبهم كره للذى حكم به ويسلموا تسليما أى وينفذوا الحكم تنفيذا أى ويتبعوه اتباعا والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا"المعنى ولو أنا فرضنا عليهم أن اذبحوا أنفسكم أو انتقلوا من بلادكم ما صنعوه إلا بعض منهم ولو أنهم صنعوا الذى ينصحون به لكان أفضل لهم أى أعظم ثوابا ،يبين الله لرسوله (ص)أن الله لو كتب أى فرض على الناس التالى:أن اقتلوا أنفسكم والمراد أن اذبحوا بعضكم البعض أو فرض عليهم أن اخرجوا من دياركم والمراد أن اتركوا بيوتكم فستكون النتيجة هى :أن القليل من الناس هم الذين سيفعلون ويعملون فرض الله ويبين الله لنبيه(ص)أن الناس لو فعلوا أى أطاعوا الذى يوعظون به وهو ما يؤمرون به فى الوحى لكان خيرا لهم أى أشد تثبيتا والمراد أحسن ثوابا أى أفضل أجرا والخطاب للنبى(ص).
"وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما "يفسر قوله "وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما " قوله تعالى بسورة الفتح"يؤتكم الله أجرا حسنا"فالعظيم هو الحسن وقوله "ولهديناهم صراطا مستقيما "يفسره قوله بسورة مريم"أهدك صراطا سويا "فالمستقيم هو السوى والمعنى وإذا لأعطيناهم من عندنا ثوابا كبيرا أى لأدخلناهم طريقا حسنا ،يبين الله لرسوله(ص)أن الناس لو أطاعوا حكم الله لكان خيرا لهم أى أشد تثبيتا وفسر هذا بأنه سيؤتيهم من لدنه أجرا عظيما والمراد سيدخلهم عنده جنة كبرى وفسر هذا بأنه سيهديهم صراطا مستقيما والمراد سيدخلهم سبيلا حسنا هو الجنة .
"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما"يفسر قوله "ذلك الفضل من الله" قوله تعالى بسورة الأنعام "وذلك الفوز المبين" فالفضل هو الفوز المبين وقوله "وكفى بالله عليما "يفسره قوله بسورة النساء"وكفى بالله شهيدا"فالعليم هو الشهيد والمعنى ومن يتبع حكم الله ونبيه(ص)فأولئك فى الجنة مع الذين رحمهم الله من الرسل(ص)والمؤمنين أى الحاكمين أى المحسنين ونعم أولئك وفدا تلك الرحمة من الله وكفى بالله خبيرا،يبين الله لنا أن من يطع الله ورسوله (ص)والمراد من يتبع حكم الله المنزل على نبيه(ص)يدخله الله الجنة مع الذين أنعم عليهم أى رحمهم الله وهم النبيين أى الرسل (ص)والصديقين وهو المؤمنين وفسرهم بأنهم الشهداء أى الحاكمين بالحق وفسرهم بأنهم الصالحين أى العاملين للحسنات وحسن أولئك رفيقا والمراد ونعم أولئك وفدا إلى جنة الله ،ويبين له أنه كفى به عليما أى خبيرا بكل شىء سيحاسب عليه والخطاب للمؤمنين .
"يا أيها الذين أمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أعدوا قوتكم فاستعدوا دوما واستعدوا كلكم،يطلب الله من المؤمنين أخذ الحذر وهو إعداد القوة اللازمة لإرهاب الأعداء أى عمل الإحتياط لإخافة العدو ويبين لهم أن عليهم أن ينفروا ثبات والمراد أن يستعدوا دائما وفسر هذا بأن ينفروا جميعا أى أن يستعدوا كلهم للحرب كل واحد بأداء واجبات وظيفته التى يعمل بها خير أداء والخطاب للمؤمنين.
"وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة"وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل"فقولهم :قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا يعنى أنهم أخذوا احتياطهم بعدم الذهاب للقتال ومن ثم لم يستشهدوا والمعنى وإن منكم لمن يتأخرن فإن مسكم ضرر قال قد تفضل الله على إذ لم أكن معهم حاضرا للقتال ،يبين الله للمؤمنين أن منهم من يبطئن أى منهم من يتأخر عن العمل المطلوب فإن أصابت المؤمنين مصيبة والمراد فإن مسهم ضرر ممثل فى استشهاد وجرح بعضهم فإنهم يقولون:قد أنعم أى قد رحمنى الله إذ لم أكن أى أصبح معهم شهيدا أى حاضرا للجرح والاستشهاد وهذا القول يبين لنا أن ذلك القاعد عن القتال يرى الجهاد عمل مؤذى وأن الحياة أفضل فهى نعمة من الله فى رأيه الخاطىء يجب أن يحافظ عليها والقول مكون من جزئين الأول حتى ليبطئن فهو خطاب للمؤمنين فى تأخر بعضهم الزمنى عن عمل وعمله فيما بعد وأما الجزء الآخر فيتحدث عن المنافقين وهو خطاب موجه للمؤمنين أن المنافقين ليسوا من المؤمنين لقوله بسورة النساء "ما هم منكم "ولذا ليس معقولا أن يقول الله لهم وإن منكم أى من المؤمنين لكونهم ليسوا مؤمنين وكذلك ما بعده .
"ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما"يفسر الجزء الأول قوله بنفس السورة"فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم"فالفضل هو الفتح أى الفوز والمعنى ولئن أتاكم نصر من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه إخوة يا ليتنى كنت معهم فأرزق رزقا كثيرا،يبين الله للمؤمنين أن القاعد عن الجهاد إن أصاب المؤمنين فضل من الله والمراد إن أعطى المؤمنين نصر على العدو من الله يقول وكأن لم تكن بينه وبين المؤمنين مودة أى محبة أى اخوة وهذا يعنى أن سيره معهم ليس سوى نفاق وليس محبة لهم:يا ليتنى كنت معهم أى يا ليتنى ذهبت معهم للقتال فأفوز فوزا عظيما والمراد فأرزق رزقا وفيرا وهذا يعنى أن هدفه من الذهاب للحرب هو الحصول على الغنيمة التى هى المال الكثير وليس إعلاء كلمة الله.
"فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة آل عمران "ثوابا من عند الله"فأجرا تعنى ثوابا والمعنى فليجاهد فى نصر دين الله الذين يتركون الحياة الأولى ويعملون للقيامة ومن يجاهد فى نصر دين الله فيستشهد أو ينتصر فسوف نعطيه ثوابا كبيرا،يبين الله لنا أن الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة وهم الذين يتركون التمتع بالحياة الأولى ويطيعون حكم الله بالعمل للقيامة عليهم أن يقاتلوا أى يحاربوا فى سبيل الله والمراد فى نصر دين الله ،ويبين لنا أن من يقاتل فى سبيل الله والمراد أن من يحارب لنصر دين الله فيقتل أى فيموت شهيدا أو يغلب أى ينتصر على العدو فسوف يؤتيه الله أجرا عظيما والمراد فسوف يدخله الله جنة كبرى هى ثوابه عند الله والخطاب لمن يريد القتال فى سبيل الله.
"وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا" المعنى وما لكم لا تحاربون فى نصر دين الله أى فى نصر الواهنين من الذكور والإناث والأطفال الذين يقولون إلهنا أنقذنا من هذه البلدة الكافر سكانها وابعث لنا من عندك ناصرا أى أرسل لنا من لديك منقذا،يسأل الله المؤمنين :وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله ؟والمراد ما السبب فى أنكم لا تجاهدون لنصر دين الله ؟ويفسر الله سبيل الله بأنه نصر المستضعفين وهم الأذلاء من الرجال وهم الذكور والنساء وهن الإناث والولدان وهم أطفال الرجال والنساء الذين يقولون :ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها والمراد إلهنا أنجنا من هذه البلدة الكافر شعبها وهذا معناه أنهم يؤذونهم للارتداد عن الإسلام ويقولون :واجعل لنا من لدنك وليا وفسروه بأنه نصيرا والمراد وأرسل لنا من عندك منجيا وهذا معناه أنهم يطلبون النصر من إخوانهم والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب نصر إخوانهم الذين يطلبون منهم النصر على العدو الذى يريد ردهم عن دينهم والخطاب للمؤمنين.
"الذين أمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا "يفسر قوله "يقاتلون فى سبيل الله" قوله تعالى بسورة المائدة"يجاهدون فى سبيل الله"فيقاتلون تعنى يجاهدون وقوله "فقاتلوا أولياء الشيطان "يفسره قوله بسورة التوبة"فقاتلوا أئمة الكفر"فأولياء الشيطان هم أئمة الكفر والمعنى الذين صدقوا حكم الله يحاربون فى نصر دين الله والذين كذبوا حكم الله يحاربون فى نصر الظلم فحاربوا أنصار الظلم إن مكر الظلمة كان واهنا ،يبين الله لنا أن الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله يقاتلون فى سبيل الله والمراد يجاهدون لإعلاء دين الله وأما الذين كفروا أى كذبوا وحى الله فيقاتلون فى سبيل الطاغوت والمراد يحاربون لنصر أديان الظلم ويطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا أولياء الشيطان والمراد أن يجاهدوا أنصار الظلم حتى يهزموهم ويبين لهم أن كيد الشيطان وهو مكر الظالمين كان ضعيفا والمراد كان واهنا أى فاشلا لا يصمد فى مواجهة حرب المؤمنين والخطاب حتى الطاغوت موجه للنبى (ص)وما بعده موجه للمؤمنين ويبدو أنهما قولان وصلا لوجود حذف جزء من كل منهما.
"ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا"يفسر قوله "قيل لهم كفوا أيديكم " قوله تعالى بسورة البقرة"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله"فكف الأيدى هو اتباع ما أنزل الله وقوله"وأقيموا الصلاة "يفسره قوله بسورة الشورى"أن أقيموا الدين "فالصلاة هى الدين وقوله "والآخرة خير لمن اتقى "يفسره قوله بسورة يوسف"ولأجر الآخرة خير للذين أمنوا"فمن اتقى هم الذين أمنوا وقوله "ولا تظلمون فتيلا "يفسره قوله بسورة النساء"ولا تظلمون نقيرا "وقوله بسورة هود "وهم فيها لا يبخسون"فتظلمون تعنى يبخسون وفتيلا تعنى نقيرا والمعنى ألم تعلم بالذين قيل لهم اعصوا أنفسكم أى أطيعوا الدين أى اتبعوا الطهارة فلما فرض عليهم الجهاد إذا جمع منهم يخافون البشر كخوف الله أو أعظم خوفا وقالوا إلهنا لم فرضت علينا الجهاد هلا أجلتنا إلى موعد أخر قل نفع الأولى قصير والجنة أفضل لمن أطاع الله ولا تبخسون شيئا،يخبر الله رسوله(ص)عن الذين قال المسلمون لهم:كفوا أيديكم والمراد خالفوا طاعة أهواء أنفسكم وفسر هذا بأن أقيموا الدين أى أطيعوا حكم الله وفسر هذا بأن أتوا الزكاة والمراد اتبعوا الدين الطاهر الذى يطهركم من ذنوبكم فلما كتب عليهم القتال والمراد فلما فرض الله عليهم الجهاد إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية والمراد إذا جماعة منهم يخافون أذى البشر مثل خوفهم عذاب الله أو أعظم خوفا من الخوف من عذاب الله ومن ثم قالوا:ربنا لم كتبت علينا القتال والمراد إلهنا لماذا فرضت علينا الجهاد ؟لولا أخرتنا إلى أجل قريب والمراد هلا أجلتنا إلى موعد ثانى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يجعلوا الله يسير على مزاجهم فيؤجل فرض القتال إلى الوقت الذى يحددونه ويطلب الله من رسوله أن يقول لهم متاع الدنيا قليل والمراد رزق الأولى فانى والآخرة خير لمن اتقى والمراد والجنة أحسن لمن أطاع حكم الله ولا تظلمون فتيلا أى ولا تبخسون شيئا والمراد لا تنقصون حقا من حقوقكم والخطاب للنبى(ص).
"أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا"المعنى أينما توجدوا تلحقكم الوفاة ولو كنتم فى حصون مغلقة وإن يمسهم خير يقولوا هذه من لدى الله وإن يمسهم أذى يقولوا هذه بسببك قل كل من لدى الله فمال هؤلاء الناس لا يهمون يفهمون وحيا ،يبين الله للناس وهم الفريق الخائف من الناس :أن الموت وهو الوفاة يدركهم والمراد يلحقهم أينما يكونوا وهذا يعنى أن الوفاة تأتيهم فى أى مكان يتواجدوا فيه حتى ولو كان فى بروج مشيدة أى حصون مغلقة وهذا يعنى أن لا شىء يمنع الموت من الحدوث،ويبين الله للنبى(ص)أن الفريق إن تصبهم حسنة والمراد إن يأتيهم خير من الله يقولوا :هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة والمراد وإن يأتيهم ضرر يقولوا :هذه من عندك والمراد إن الضرر أصابنا بسبب وجودك معنا يا محمد وهذا تخريف منهم ،ولذا طلب الله من نبيه(ص) أن يقول لهم:كل من عند الله والمراد السيئة والحسنة كلاهما يأتى من لدى الله كاختبار لنا ،ويسأل الله :مال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا والمراد مال هؤلاء الناس لا يهمون يطيعون حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى(ص)والمؤمنين أن هذا الفريق كافر لا يطيع حكم الله،والكلام مكون من قولين أولهما حتى مشيدة جزء من قول محذوف بعضه وموجه الخطاب بها للناس وما بعده موجه للنبى(ص).
"ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الشورى"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"فالسيئة هى المصيبة والنفس هى كسب اليد وقوله "وأرسلناك للناس رسولا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا"فالرسول هو المبشر النذير وقوله "وكفى بالله شهيدا "يفسره قوله بسورة النساء"وكفى بالله عليما"فشهيدا تعنى عليما والمعنى ما مسك من رحمة فمن طاعة الله وما مسك من ضرر فمن طاعة نفسك وبعثناك للبشر مبعوثا وكفى بالله خبيرا ،يبين الله للنبى(ص)وكل إنسان أن ما أصابه من حسنة فمن الله والمراد أن ما أتاه من رحمة فمن طاعته لحكم الله وأن ما أصابه من سيئة فمن نفسه والمراد وأن الذى أتاه من عذاب فهو من طاعة حكم نفسه أى هواه كما فى سورة الجاثية"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه"،ويبين الله لنبيه(ص)أنه أرسله للناس رسولا والمراد أنه بعثه للخلق مبلغا لوحى الله ويكفى النبى(ص)دليل على رسوليته أن الله شهيد أى عليم أى مقر بها والخطاب للنبى(ص) .
"من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة آل عمران"إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله"فطاعة الرسول(ص)هى اتباعه وقوله "فما أرسلناك عليهم حفيظا"يفسره قوله بسورة الإسراء"وما أرسلناك عليهم وكيلا"فحفيظا تعنى وكيلا والمعنى من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله ومن عصى حكمه فما بعثناك إليهم حاميا ،يبين الله لنا أن من يطع الرسول فقد أطاع الله والمراد أن من يتبع حكم النبى(ص)فقد اتبع حكم الله وهذا يعنى أن حكم الرسول (ص)هو نفسه حكم الله المنزل عليه وهو الوحى ممثلا فى القرآن وتفسيره الإلهى الذكر وأما من تولى أى عصى أى خالف حكم الله فقد عصى الله ويبين الله لنبيه(ص)أنه ما أرسله عليهم حفيظا والمراد ما بعثه حاميا لهم وهذا يعنى أنه لا يجب عليه أن يرهق نفسه فى حمل الناس على طاعة حكم الله لأنه ليس مسئولا عنهم والكلام مكون من قولين الأول حتى تولى فهو خطاب للناس وما بعده خطاب للنبى(ص).
"ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا" يفسر قوله "فإذا برزوا من عندك" قوله تعالى بسورة محمد"حتى إذا خرجوا من عندك"فبرزوا تعنى خرجوا وقوله "وكفى بالله وكيلا "يفسره قوله بسورة الفرقان"وكفى بربك هاديا ونصيرا"فوكيلا تعنى نصيرا والمعنى ويقولون اتباع لما تقول يا محمد فإذا خرجوا من مكانك نوى جمع منهم غير الذى تطلب منهم والله يسجل ما ينوون فتولى عنهم واعتمد على الله وكفى بالله حاميا،يبين الله لرسوله(ص)أن الفريق المنافق يقول له:طاعة أى سننفذ ما تقول ،فإذا برزوا من عندك والمراد فإذا خرجوا من مكان إقامتك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والمراد نوت جماعة منهم عمل غير الذى طلبت منهم والله يكتب ما يبيتون والمراد والله يسجل الذى ينوون عمله من الشر فى كتبهم ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يعرض عنهم والمراد أن يترك التعامل معهم وأن يتوكل على الله والمراد أن يحتمى من عذاب الله بطاعة حكم الله ويكفيه الله وكيلا والمراد ويكفيه الله حاميا له من شرهم ومن عذاب الأخرة والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"المعنى أفلا يطيعون الوحى؟ولو كان من لدى سوى الله للقوا فيه تناقضا عظيما،يسأل الله أفلا يتدبرون القرآن أى أفلا يتبعون حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس لا يطيعون حكم الله ،ويبين للجميع أن القرآن لو كان من عند غيره والمراد لو كان مصدره غير الله لوجدوا فيه اختلافا عظيما والمراد لعلموا به تناقضا كبيرا يظهر أن مصدره ليس هو الله وهذا يعنى أن دليل كون القرآن من عند الله هو خلوه من التناقض وهو الاختلاف غير المنصوص عليه وهو الناسخ والمنسوخ.
"وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا"المعنى وإذا أتاهم شىء من الطمأنينة أو الرعب نشروه ولو أعادوه إلى النبى(ص)وإلى أهل الحكم منهم لعرفه الذين يستخرجونه منهم ولولا نفع الله لكم أى فائدته لأطعتم الكافر إلا قليلا،يبين الله للمؤمنين أن الفريق المنافق إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف والمراد إذا أتاهم موضوع من السكينة أو الفزع أى من الخير أو الشر أذاعوا به والمراد نشروه بين الناس لإحداث الخلاف ولو ردوا الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر والمراد لو أعادوا الموضوع إلى النبى(ص) وإلى أهل العلم منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم والمراد لعرفه الذين يدرسونه فى الوحى فيعرفون حكم الموضوع فيه والغرض من رد الأمر للنبى(ص)وأولى الأمر هو أن يصدروا الحكم الصحيح فى القضية ،ويبين الله للمؤمنين أن لولا فضل الله وهو رحمته أى رأفته أى نفعه لهم لاتبعتم الشيطان إلا قليلا والمراد لأطعتم الكفار إلا عدد قليل منهم والقول مكون من ثلاث أقوال أولها حتى أذاعوا به يخاطب النبى (ص)وما بعده حتى يستنبطونه منهم يخاطب الناس وما بعده يخاطب المؤمنين والظاهر أنها ثلاث أقوال حذف من كل منها بقيتها.
"فقاتل فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا"يفسر قوله"فقاتل فى سبيل الله" قوله تعالى بسورة التوبة "جاهد الكفار والمنافقين"فقاتل تعنى جاهد وقوله "وحرض المؤمنين "يفسره قوله بسورة الأنفال "حرض المؤمنين على القتال"فتحريض المؤمنين هو على القتال وقوله "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "يفسره قوله بسورة الفتح"وكف أيدى الناس عنكم"فبأس الذين كفروا هو أيدى الناس وقوله"والله أشد بأسا وأشد تنكيلا "يفسره قوله بسورة فصلت "ألم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة"فبأسا أى تنكيلا تعنى قوة والمعنى فحارب فى نصر دين الله لا يفرض عليك إلا ذاتك وحث المصدقين بالوحى عسى أن يمنع الله أذى الذين كذبوا الوحى والله أعظم إيذاء أى أكبر عقابا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقاتل فى سبيل الله والمراد أن يجاهد لإعلاء دين الله ويبين له أنه لا يكلف إلا نفسه والمراد لا يحمل سوى قدرته وهى أن يقاتل بنفسه وأما المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله فكل ما عليه هو أن يحرضهم أى يحثهم أى يدعوهم للخروج إلى القتال والسبب هو أن يكف الله بأس الذين كفروا والمراد أن يمنع الله أذى الذين كذبوا بحكم الله عن طريق إرهابهم وقتالهم ويبين له أن الله أشد بأسا أى تنكيلا والمراد أعظم أذى للكفار وهذا يعنى أن أذاه أكبر من أذى الكفار للمؤمنين والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شىء مقيتا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة النمل"من جاء بالحسنة فله خير منه ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم فى النار" فالشفاعة هى الحسنة والنصيب هو الخير من الحسنة والشفاعة هى السيئة والكفل هو النار وقوله"وكان الله على كل شىء مقيتا "يفسره قوله بسورة النساء"إن الله كان على كل شىء حسيبا"فمقيتا تعنى حسيبا والمعنى من يعمل عملا صالحا يكن له ثواب عليه ومن عمل عملا فاسدا يكن له عقاب عليه وكان الله على كل عمل رازق،يبين الله لنا أن من يشفع شفاعة حسنة والمراد من يفعل فعلا صالحا يكن له نصيب منه والمراد يصبح له ثواب له عليه من الله ومن يشفع شفاعة سيئة أى من يفعل فعلا فاسدا يكن له كفل منه أى يصبح له عقاب على فعله والشفاعة بمعنى المناصرة ممنوعة فى الإسلام حيث قال بسورة النساء"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" ويبين الله لنا أنه مقيت أى رازق على العمل
"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شىء حسيبا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النساء"وكان الله على كل شىء مقيتا "فحسيبا تعنى مقيتا والمعنى وإذا سلم عليكم بسلام فسلموا بأفضل منه أو أعيدوه إن الله كان على كل عمل مجازيا ،يبين الله للمؤمنين أن الناس إذا حيوهم بتحية والمراد إذا قالوا لهم سلام مثل السلام عليكم وصباح الخير وأسعد الله مساءك وسميت التحية بهذا لأنها تطلب الحياة وهى الخير للناس فالواجب على المؤمنين أن يحيوهم بأحسن منها أو يردوها والمراد أن يقولوا لهم قولا يزيد عليها فى طلب الخير أو يكرروا ما قاله الأخرون لهم ويبين الله لهم أنه حسيب أى مجازى على كل شىء أى على كل عمل والخطاب للمؤمنين .
"الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا"يفسر قوله"ليجمعنكم إلى يوم القيامة " قوله تعالى بسورة الإسراء"ونحشرهم يوم القيامة"فيجمع تعنى يحشر وقوله "لا ريب فيه "يفسره قوله بسورة غافر"لا ظلم اليوم"فالريب هو الظلم وقوله "ومن أصدق من الله حديثا "يفسره قوله بسورة النساء"ومن أصدق من الله قيلا"وقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"فأصدق تعنى أحسن وحديثا تعنى حكما تعنى قيلا والمعنى الله لا رب سواه ليحشرنكم إلى يوم البعث لا ظلم فيه ومن أحسن من الله حكما،يبين الله للمؤمنين أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب يستحق الطاعة سواه وهو سيجمعهم ليوم القيامة والمراد سيبعثهم يوم البعث للحساب حيث لا ريب فيه والمراد حيث لا ظلم فى ذلك اليوم لأحد،ويبين لهم أنه لا يوجد أصدق من الله حديثا والمراد لا يوجد أعدل من الله فى حكمه المنزل فى صورة كلام والخطاب للناس.
"فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسر قوله "والله أركسهم بما كسبوا " قوله بسورة الزمر"فأصابهم سيئات ما كسبوا"فأركسهم تعنى أصابهم السيئات وقوله "أتريدون أن تهدوا من أضل الله"يفسره قوله بسورة البقرة"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم "فإرادة أن تهدوا من أضل الله هى الطمع أن يؤمنوا وقوله "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "يفسره قوله بسورة الرعد"ومن يضلل الله فما له من هاد"فالسبيل هى الهادى أى المنقذ والمعنى فما لكم فى المذبذبين جماعتين ؟ والله عاقبهم بالذى عملوا ،أتحبون أن ترحموا من عذب الله؟ومن يعذب الله فلن تلق له منقذا من العذاب؟،يسأل الله المؤمنين فما لكم فى المنافقين فئتين؟ والمراد لماذا أنتم فى المذبذبين بين الإسلام والكفر جماعتين ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن موقفهم من المنافقين لابد أن يكون واحدا وهو عداوتهم والسبب هو أن الله أركسهم بما كسبوا والمراد هو أن الله عذبهم بالذى عملوا من الذنوب ،ويسألهم الله :أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟والمراد هل تحبون أن تقربوا للجنة من أبعد الله عنها للنار ؟ والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم لن يستطيعوا إنقاذ المنافقين من النار والسبب هو أنهم لن يؤمنوا ويبين الله للمؤمنين أن من يضلل الله أى من يعاقب الله فلن تجد له سبيلا والمراد فلن تلق له منقذا من عذاب النار والخطاب حتى أضل الله للمؤمنين وما بعده للنبى(ص) والقول بعده خطاب للمؤمنين.
"ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا "يفسر قوله "ودوا لو تكفرون" قوله تعالى بسورة آل عمران"ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم"فود كفر المؤمنين هو ود إضلالهم وقوله "فلا تتخذوا منهم أولياء "يفسره قوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء " يعنى أن المنافقين هم عدو الله والمسلمين وقوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم "يفسره قوله بسورة البقرة"واقتلوهم حيث ثقفتموهم"فوجدتموهم تعنى ثقفتموهم والمعنى أحبوا لو تكذبون بالوحى كما كذبوا به فتصبحون متساوين فلا تجعلوا منهم أنصار حتى ينتقلوا إلى دين الله فإن أعرضوا فأمسكوهم أى اذبحوهم حيث لقيتموهم ولا تجعلوا منهم لكم معينا أى ناصرا ،يبين الله للمؤمنين أن سبب طلبه عداوة المنافقين أنهم ودوا لو تكفرون كما كفروا والمراد أنهم أرادوا أن تكذبوا حكم الله كما كذبوه هم فتكونون سواء والمراد فتصبحون متساوين فى الكفر والعقاب ،ومن ثم يطلب الله من المؤمنين ألا يتخذوا منهم أولياء والمراد ألا يجعلوا المنافقين أنصار لهم إلا أن يهاجروا فى سبيل الله أى إلا أن ينتقلوا صادقين إلى دين الله أى يصبحوا مؤمنين حقا ،ويبين للمؤمنين أن المنافقين إن تولوا أى كفروا فالواجب هو أخذهم أى إمساكهم أى قتلهم حيث وجدوهم والمراد ذبحهم حيث لقوهم تطبيقا لحد الردة حيث سبق أن أعلنوا إسلامهم ويكرر الله طلبه للمؤمنين ألا يتخذوا من المنافقين وليا أى نصيرا والمراد ألا يجعلوا المذبذبين بين الإسلام والكفر معينين لهم أى ناصرين لهم