رضا البطاوى
27-06-2019, 07:36 AM
قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة
الكتاب تأليف الشيخ المفيد وموضوعه إرادة الله تعالى والإرادة تختلف من الخالق إلى المخلوق
إرادة الله تعالى طبقا لكونه واحد أحد لا يتجزأ ولا يتبعض هى الله نفسه ومن ثم فقولنا ذو علم وذو حياة وغير هذا كله واحد
إرادة المخلوق تعنى أنه يرغب فى قول أو فعل وهو قد يقوله أو لا يقوله يفعله أو لا يفعله وهو يحتاج لأدوات للقول أو الفعل بينما إرادة الله تعنى فعله أى عمله وهو خلقه للشىء كما قال تعالى :
"إنما إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون"
إرادة الله لا تحتاج لأداة ليتم الخلق بها وإنما هى كن وهو ما عبر المفيد عنه بقوله:
"قال الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة و النقص وذاك أن العقول شاهدة بأن القصد لا يكون إلا بقلب كما لا تكون الشهوة و المحبة إلا لذي قلب ولا تصح النية والضمير العزم إلا على ذي خاطر يضطر معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى الإرادة له والنية فيه والعزم ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات و يستحيل عليه الوصف بالجوارح و الآلات و لا يجوز عليه الدواعي و الخطرات بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى القصود و العزمات و ثبت أن وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد و أنها نفس فعله الأشياء و إطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة الاتباع دون القياس"
وقال معبرا عن ما قلته بألفاظ أخرى فقال :
"قال شيخنا المفيد رحمه الله أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسن ع أخبرني عن الإرادة من الله تعالى و من الخلق فقال الإرادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد كذا الفعل و الإرادة الإرادة من الله تعالى إحداثه الفعل لا غير ذلك لأنه جل اسمه لا يهم و لا يتفكر"
ونتناول ما قاله المفيد وهو :
"لا يخلو تعالى جده أن يكون مريدا لنفسه أو بإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة و لا يجوز أن تكون معدومة لأن المعدوم ليس بشيء و لا يوجب لغيره حكما و إن كانت موجودة لم تخل من أن تكون قديمة أو محدثة فإن كانت قديمة وجب تماثلها للقديم تعالى و كذلك السوادان و البياضان فيجب تماثل القديمين كذلك و أيضا فلو كان مريدا بإرادة قديمة لوجب قدم المرادات بأدلة قد ذكرت في مواضعها فلم يبق إلا أن يكون تعالى مريدا بإرادة محدثة و هذا باطل من حيث كانت الإرادة عند مثبتيها عرض و الأعراض لا تقوم بأنفسها و لا بد لها من محال و لم تخل محل هذه من أن يكون هو أو غيره و محال كونه تعالى محل شيء من الأعراض لقدمه الإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة محدثة تحل في غيره لوجوب رجوع حكمها إلى المحل و لا يصح أن يكون حكمها راجعا إلى محلها و يكون تعالى مريدا بها و وجودها لا في محل غير معقول و إثبات ما ليس بمعقول يؤدي إلى الجهالات فثبت أنه مريد مجازا لا حقيقة فتأمل ذلك "
الأخطاء هى :
الخطأ الأول القول : لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله "
الله مريد لنفسه كما قال تعالى "كتب ربكم على نفسه الرحمة "فالله أراد لنفسه الرحمة
والله مريد للحسن والقبح أى الخير والشر أى الحسنة والسيئة كما قال تعالى :
"وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله"
فالحسنة والسيئة كلاهما من خلق أى إرادة الله فهو كما قال:
" فعال لما يريد"
والمسألة المختلطة فى العقول من الحسنة والسيئة أى الخير والشر هى مسألة الكفر والإسلام فالله فاعل أى مريد أى مشيئته شاءتهما كما قال تعالى :
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله "
ولكنه يرضى عن الإسلام كما قال تعالى :
"ورضيت لكم الإسلام دينا"
ولا يرضى والمراد لا يقبل الكفر من عباده كما قال تعالى :
" ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم "
الخطأ الثانى القول: ولا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة
إرادة اى مشيئة الله موجودة بلا بداية وبلا نهاية لكونها ذاته فالله لا ينقسم ولا يتبعض فلو لم يكن له إرادة ما كان شىء مما هو موجود وما هو قادم كما قال تعالى :
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
ووضح المفيد أن إرادة البشر تجعل الشىء الواحد إرادتين كقول الحمد لله رب العالمين فمرة يقصد به البشر قول الله فى القرآن ومرة يقصدون به الثناء على الله وكلاهما يكون صحيحا وفى هذا قال المفيد :
"مسألة إن قال قائل إذا كنتم تقولون أن إرادة الله تعالى لفعله هي نفس ذلك الفعل و لا تثبتون له إرادة غير المراد فما معنى قولكم أراد الله بهذا الخبر كذا ولم يرد كذا وأراد العموم ولم يرد الخصوص وأراد الخصوص و لم يرد العموم جواب قيل له معنى ذلك أن المقدور أخبارا كثيرة عن أشياء مختلفة فقولنا أراد كذا ولم يرد كذا فهو أنه فعل الخبر الذي هو عن كذا و لم يفعل الخبر الذي هو عن كذا و فعل القول الذي يفهم منه كذا و لم يفعل القول الذي يفهم منه كذا و هذا كقولنا إنا إذا قلنا الحمد لله رب العالمين وأردنا القرآن كان ذلك قرآنا وإذا أردنا أن يكون منا شكرا لله تعالى كان كذلك فإنا لسنا نريد أن قولا واحدا ينقلب بإرادتنا قرآنا إن جعلناه قرآنا و يكون كلاما لنا إن جعلناه لنا كلاما و إنما معناه أن في مقدورنا كلامين نفعل هذا مرة و هذا مرة فإن قال فكان من قولكم أن الحمد لله رب العالمين إذا أردتم به القرآن يكون مقدورا لكم قلنا هذا كلام في الحكاية و المحكي "
كما وضح الكتاب أن بعض ما يوصف به الله ليس معناه عنده هو معناه فى الخلق فقال :
" قال الكراجكي رضوان الله تعالى عليه في كنز الفوائد بيان صفات المجاز فأما الذي يوصف الله تعالى به ومرادنا غير حقيقة الوصف في نفسه فهو كثير فمنه مريد وكاره وغضبان وراض ومحب ومبغض وسميع وبصير وراء ومدرك فهذه صفات لا تدل العقول على وجوب صفته بها و إنما نحن متبعون للسمع الوارد بها و لم يرد السمع إلا على اللغة واتساعاتها والمراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها القول في المريد"
ووضح الكتاب أن معنى إرادة الخلق هو قصد أحد الضدين اللذين خطرا بالبال لا ينطبق على الله تعالى فى إرادته فقال :
"اعلم أن المريد في الحقيقة و المعقول هو القاصد إلى أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده و إيثاره دون غيره وهذا من صفات المخلوقين التي تستحيل أن يوصف في الحقيقة بها الإرادة رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر إلى أدنى روية و فكر إذ كان هذا على ما بيناه فإنما معنى قولنا إن الله تعالى مريد لأفعاله أنها وقعت و هو عالم بها غير ساه عنها و إنما لم يقع عن سبب موجب من غيره لها لأنا وجدنا القاصد منا للشيء الذي هو عالم به غير ساه عنه و لا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا أردنا أن نخبر بأن الله تعالى يفعل لا عن سهو و لا غفلة و لا بإيجاب من غيره أن نقول هو مريد لفعله و يكون هذا الوصف استعارة"
ونلاحظ التناقض فى كلام الكتاب بين صحة وصف الله بالإرادة فقال :
"لأن حقيقته كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث دليل و الذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالإرادة "
ومع هذا نفى أن يكون الله مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فقال :
"أنه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الأمر من حالين إما أن يكون مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فلو كان مريدا لنفسه لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح كما أنه لو كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن و القبيح و إرادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه"
وقد سبق قول نفس الكلام فى بداية الكتاب كما كرر بعض من كلامه السابق وزاد عليه فقال :
"باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة أنه قديمة مع الله تعالى الإرادة وأيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل إما لنفسه و إما بإرادة قديمة معه لوجب أن يكون مراده معه فيما لم يزل لأنه لا مانع له مما أراده و لا حائل بينه و بينه و لكان ما يوجده من الأفعال لا تختلف أوقاته ولا يتأخر بعضه عن بعض لأن الإرادة حاصلة موجدة في كل وقت وهذا كله موضح أنه عز وجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لإرادة قديمة معه وإذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا بعد أن لم يكن مريدا بإرادة محدثة وهذا أيضا يستحيل لأن الإرادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر إلى محل والله تعالى غير محل للأعراض ولا يجوز أن تكون إرادته حالة في غيره كما لا يجوز أن يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في غيره ولا يجوز أيضا أن تكون لا فيه ولا في غيره لأنه عرض والعرض يفتقر إلى محل يحملها ويصح بوجوده وجودها ولو جاز أن توجد إرادة لا في مريد بها ولا في غيره لجاز أن توجد حركة لا في متحرك بها و لا في غيره فإن قيل إن الحركة هيئة للجسم و ليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه قلنا ولم لا يجوز ذلك فإن قيل لأن تغير هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب أن يكون المعنى الذي يتغير به حالا فيه قلنا و كذلك المريد للشيء بعد أن لم يكن مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب أن تكون إرادته تحله فإن قيل بأي شيء من الحواس تحس الإرادة قلنا وبأي شيء من الحواس يحس الصداع الإرادة فإن قيل إن الإنسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة قلنا فلم نركم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها ولنا أن نقول وكذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه ويدرك ذلك من نفسه ضرورة”
وقد تناول الرجل فى الفقرة السابقة أن الإرادة وهى فعل الخلق تكون فى أوقات مختلفة ونلاحظ أن المخلوقات كلها كانت مكتوبات فى كتاب الخلق قبل خلقها فى أوقات مختلفة وهو قوله تعالى :
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها"
وبين الرجل أن إرادة العبد تكون قبل فعله فقال:
"قال شيخنا المفيد رحمه الله و هذا نص من مولانا ع على اختياري في وصف الله تعالى بالإرادة و فيه نص على مذهب لي آخر منها و هو أن إرادة العبد تكون قبل فعله و إلى هذا ذهب البلخي و القول في تقدم الإرادة للمراد كالقول في تقدم القدرة للفعل "
فصل
اعلم أنا نذهب إلى أن الإرادة تتقدم المراد كتقدم القدرة للمقدور غير أن الإرادة موجبة للمراد والقدرة غير موجبة للمقدور والإرادة لا تصلح إلا للمراد دون ضده و ليس كذلك القدرة لأنها تصلح أن يفعل الشيء بها فضده بدلا منه و الجميع أعراض لا يصح بقاؤها"
كما بين أن إرادة الإنسان تحدث أو لا تحدث بأسباب تجعله ينجح فى الفعل أو أسباب تعجزه عن تنفيذ إرادته فقال :
"فصل معنى القول في أن الإرادة موجبة:
معنى قولنا في الإرادة أنها موجبة هو أن الحي متى فعل الإرادة لشيء وجب وجود ذلك الشيء إلا أن يمنعه منه غيره فأما أن يمتنع هو من مراده فلا يصح ذلك ومن الدليل على صحة ما ذكرناه أنه قد ثبت تقدم الإرادة على المراد لاستحالة أن يريد الإنسان ما هو فاعل له في حال فعله فيكون مريدا للموجود كما يستحيل أن يقدر على الموجود وإذا ثبت أن الإرادة متقدمة للمراد لم يخل أمر المريد لحركة يده من أن يكون واجبا وجودها عقيب الإرادة الإرادة بلا فصل أو كان يجوز عدم الحركة فلو جاز ذلك لم يعدم إلا بوجود السكون منه بدلا منها ولو فعل السكون في الثاني من حال إرادته للحركة لم يخل من أن يكون فعله بإرادة له أو سهو عنه و محال أن يفعله بإرادة لأن ذلك موجب لاجتماع إرادتي الحركة و السكون لشيء واحد في حالة واحدة و محال وجود السهوعن السكون في حال إرادته للحركة فبطل جواز امتناع الإنسان مما قد فعل الإرادة له على ما شرحناه "
وقد بين أن إرادة الله تعالى لأفعال خلقه فهي أمره لهم بالأفعال فقال :
"فأما إرادة الله تعالى لأفعال خلقه فهي أمره لهم بالأفعال ووصفناه له بأنه يريد منه كذا إنما هو استعارة و مجاز و كذلك كل من وصف بأنه مريد لما ليس من فعله تعالى طريق الاستعارة والمجاز و قول القائل يريد مني فلان المصير إليه إنما معناه أنه يأمر بذلك و يأخذني به وأرادني فلان على كذا أي أمرني به فقولنا إن الله يريد من عباده الطاعة إنما معناه أنه يأمرهم بها وقد تعبر بالإرادة عن التمني والشهوة مجازا واتساعا فيقول الإنسان أنا أريد أن يكون كذا أي أتمناه و هذا الذي كنت أريده أي أشتهيه و تميل نفسي إليه والاستعارات في الإرادات كثيرة فأما كراهة الله تعالى للشيء فهو نهيه عنه وذلك مجاز كالإرادة فاعلمه"
وهو كلام غير صحيح فالله لا يأمرهم بالأفعال السيئة كما قال تعالى :
" قل إن الله لا يأمر بالفحشاء "
وأصل المسألة أن أفعال الإنس والجن هى من باب قوله تعالى :
"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
فالله يقدر الخلق على عمل الإيمان وعمل الكفر كما قال تعالى :
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
وإنما أمرهم فى شريعته بالإيمان ولم يأمرهم بالكفر
وتناول الرجل مسألة الرضا والغضب فقال :
"القول في الغضب و الرضا وهاتان صفتان لا تصح حقيقتهما إلا في المخلوق لأن الغضب هو نفور الطباع و الرضا ميلها و سكون النفس و وصف الله تعالى بالغضب والرضا إنما هو مجاز والمراد بذلك ثوابه وعقابه فرضاه وجود ثوابه و غضبه وجود عقابه فإذا قلنا رضي الله عنه فإنما نعني أثابه الله تعالى وإذا قلنا غضب الله عليه فإنا نريد عاقبه الله فإذا علق الغضب والرضا بأفعال العبد فالمراد بهما الأمر و النهي نقول إن الله يرضى الطاعة بمعنى يأمر بها ويغضب من المعصية بمعنى ينهى عنها
الإرادة "
والخطأ الذى وقع فيه الكثيرون هو اعتبار ما يسمى المجاز اللغوى فلا يوجد مجاز فى الشريعة وإنما هناك معانى متعددة للشىء الواحد فالمعنى يختلف من الخالق للمخلوق وما قاله الرجل من معانى الرضا والغضب فى الله صحيح
وقد تناول مسألة أخرى وهى :
"القول في الحب و البغض وهاتان الصفتان إنما يوصف الله تعالى بها مجازا لأن المحبة في الحقيقة ارتياح النفس إلى المحبوب و البغض ضد ذلك من الانزعاع و النفور الذي لا يجوز على التقديم فإذا قلنا إن الله عز و جل يحب المؤمن و يبغض الكافر فإنما نريد بذلك أنه ينعم على المؤمن و يعذب الكافر و إذا قلنا إنه يحب من عباده الطاعة و يبغض منهم المعصية جرى ذلك مجرى الأمر و النهي أيضا على المعنى الذي قدمنا في الغضب و الرضا"
وتناول أيضا مسألة السمع والبصر فقال :
"القول في سميع و بصير
اعلم أن السميع في الحقيقة هو مدرك الأصوات بحاسة سمعه و البصير هو مدرك المبصرات بحاسة بصره وهاتان صفتان لا يقال حقيقتهما في الله تعالى لأنه يدرك جميع المدركات بغير حواس ولا آلات فقولنا إنه سميع إنما معناه لا تخفى عليه المسموعات وقولنا بصير معناه أنه لا يغيب عنه شيء من المبصرات وأنه يعلم هذه الأشياء على حقائقها بنفسه لا بسمع و بصر ولا بمعان زائدة على معنى العلم و قد جاءت الآثار عن الأئمة ع بما يؤكد ما ذكرناه
قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى عن حماد عن حريز عن محمد بن سالم الثقفي قال قلت لأبي جعفر الباقر ع إن الإرادة قوما من أهل العراق يزعمون أن الله تعالى سميع بصير كما يعقلونه قال فقال تعالى الله تعالى إنما يعقل ذلك فيما كان بصفة المخلوق وليس الله تعالى كذلك وبإسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد مرسلا عن الرضا ع أنه قال في كلام له في التوحيد و صفة الله تعالى كذلك بأنه سميع أخبار بأنه تعالى لا يخفى عليه شي ء من الأصوات و ليس هذا على معنى تسميتنا بذلك و كذلك قولنا بصير فقد جمعنا الاسم و اختلف فينا المعنى و قولنا أيضا مدرك و راء لا يتعدى به معنى عالم فقولنا راء معناه عالم بجميع المرئيات و قولنا مدرك معناه عالم بجميع المدركات فهذه صفات المجازات "
كما قلنا اخترع القوم ما يسمونه المجاز وهو اختراع بشرى ارتبط بالفنون القولية كالشعر وهو اختراع لإضلال البشر عن المعانى التى أرادها الله فى شريعته فكل المعانى فى الشريعة حقيقية ولكن فى اللغة التى خلقها الله والبشر هم الذين حرفوا الكثير من المعانى عما وضعه الله لها حتى تضيع الشريعة ويحتار الناس فيما يقال
الكتاب تأليف الشيخ المفيد وموضوعه إرادة الله تعالى والإرادة تختلف من الخالق إلى المخلوق
إرادة الله تعالى طبقا لكونه واحد أحد لا يتجزأ ولا يتبعض هى الله نفسه ومن ثم فقولنا ذو علم وذو حياة وغير هذا كله واحد
إرادة المخلوق تعنى أنه يرغب فى قول أو فعل وهو قد يقوله أو لا يقوله يفعله أو لا يفعله وهو يحتاج لأدوات للقول أو الفعل بينما إرادة الله تعنى فعله أى عمله وهو خلقه للشىء كما قال تعالى :
"إنما إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون"
إرادة الله لا تحتاج لأداة ليتم الخلق بها وإنما هى كن وهو ما عبر المفيد عنه بقوله:
"قال الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة و النقص وذاك أن العقول شاهدة بأن القصد لا يكون إلا بقلب كما لا تكون الشهوة و المحبة إلا لذي قلب ولا تصح النية والضمير العزم إلا على ذي خاطر يضطر معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى الإرادة له والنية فيه والعزم ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات و يستحيل عليه الوصف بالجوارح و الآلات و لا يجوز عليه الدواعي و الخطرات بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى القصود و العزمات و ثبت أن وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد و أنها نفس فعله الأشياء و إطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة الاتباع دون القياس"
وقال معبرا عن ما قلته بألفاظ أخرى فقال :
"قال شيخنا المفيد رحمه الله أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسن ع أخبرني عن الإرادة من الله تعالى و من الخلق فقال الإرادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد كذا الفعل و الإرادة الإرادة من الله تعالى إحداثه الفعل لا غير ذلك لأنه جل اسمه لا يهم و لا يتفكر"
ونتناول ما قاله المفيد وهو :
"لا يخلو تعالى جده أن يكون مريدا لنفسه أو بإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة و لا يجوز أن تكون معدومة لأن المعدوم ليس بشيء و لا يوجب لغيره حكما و إن كانت موجودة لم تخل من أن تكون قديمة أو محدثة فإن كانت قديمة وجب تماثلها للقديم تعالى و كذلك السوادان و البياضان فيجب تماثل القديمين كذلك و أيضا فلو كان مريدا بإرادة قديمة لوجب قدم المرادات بأدلة قد ذكرت في مواضعها فلم يبق إلا أن يكون تعالى مريدا بإرادة محدثة و هذا باطل من حيث كانت الإرادة عند مثبتيها عرض و الأعراض لا تقوم بأنفسها و لا بد لها من محال و لم تخل محل هذه من أن يكون هو أو غيره و محال كونه تعالى محل شيء من الأعراض لقدمه الإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة محدثة تحل في غيره لوجوب رجوع حكمها إلى المحل و لا يصح أن يكون حكمها راجعا إلى محلها و يكون تعالى مريدا بها و وجودها لا في محل غير معقول و إثبات ما ليس بمعقول يؤدي إلى الجهالات فثبت أنه مريد مجازا لا حقيقة فتأمل ذلك "
الأخطاء هى :
الخطأ الأول القول : لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله "
الله مريد لنفسه كما قال تعالى "كتب ربكم على نفسه الرحمة "فالله أراد لنفسه الرحمة
والله مريد للحسن والقبح أى الخير والشر أى الحسنة والسيئة كما قال تعالى :
"وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله"
فالحسنة والسيئة كلاهما من خلق أى إرادة الله فهو كما قال:
" فعال لما يريد"
والمسألة المختلطة فى العقول من الحسنة والسيئة أى الخير والشر هى مسألة الكفر والإسلام فالله فاعل أى مريد أى مشيئته شاءتهما كما قال تعالى :
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله "
ولكنه يرضى عن الإسلام كما قال تعالى :
"ورضيت لكم الإسلام دينا"
ولا يرضى والمراد لا يقبل الكفر من عباده كما قال تعالى :
" ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم "
الخطأ الثانى القول: ولا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة
إرادة اى مشيئة الله موجودة بلا بداية وبلا نهاية لكونها ذاته فالله لا ينقسم ولا يتبعض فلو لم يكن له إرادة ما كان شىء مما هو موجود وما هو قادم كما قال تعالى :
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
ووضح المفيد أن إرادة البشر تجعل الشىء الواحد إرادتين كقول الحمد لله رب العالمين فمرة يقصد به البشر قول الله فى القرآن ومرة يقصدون به الثناء على الله وكلاهما يكون صحيحا وفى هذا قال المفيد :
"مسألة إن قال قائل إذا كنتم تقولون أن إرادة الله تعالى لفعله هي نفس ذلك الفعل و لا تثبتون له إرادة غير المراد فما معنى قولكم أراد الله بهذا الخبر كذا ولم يرد كذا وأراد العموم ولم يرد الخصوص وأراد الخصوص و لم يرد العموم جواب قيل له معنى ذلك أن المقدور أخبارا كثيرة عن أشياء مختلفة فقولنا أراد كذا ولم يرد كذا فهو أنه فعل الخبر الذي هو عن كذا و لم يفعل الخبر الذي هو عن كذا و فعل القول الذي يفهم منه كذا و لم يفعل القول الذي يفهم منه كذا و هذا كقولنا إنا إذا قلنا الحمد لله رب العالمين وأردنا القرآن كان ذلك قرآنا وإذا أردنا أن يكون منا شكرا لله تعالى كان كذلك فإنا لسنا نريد أن قولا واحدا ينقلب بإرادتنا قرآنا إن جعلناه قرآنا و يكون كلاما لنا إن جعلناه لنا كلاما و إنما معناه أن في مقدورنا كلامين نفعل هذا مرة و هذا مرة فإن قال فكان من قولكم أن الحمد لله رب العالمين إذا أردتم به القرآن يكون مقدورا لكم قلنا هذا كلام في الحكاية و المحكي "
كما وضح الكتاب أن بعض ما يوصف به الله ليس معناه عنده هو معناه فى الخلق فقال :
" قال الكراجكي رضوان الله تعالى عليه في كنز الفوائد بيان صفات المجاز فأما الذي يوصف الله تعالى به ومرادنا غير حقيقة الوصف في نفسه فهو كثير فمنه مريد وكاره وغضبان وراض ومحب ومبغض وسميع وبصير وراء ومدرك فهذه صفات لا تدل العقول على وجوب صفته بها و إنما نحن متبعون للسمع الوارد بها و لم يرد السمع إلا على اللغة واتساعاتها والمراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها القول في المريد"
ووضح الكتاب أن معنى إرادة الخلق هو قصد أحد الضدين اللذين خطرا بالبال لا ينطبق على الله تعالى فى إرادته فقال :
"اعلم أن المريد في الحقيقة و المعقول هو القاصد إلى أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده و إيثاره دون غيره وهذا من صفات المخلوقين التي تستحيل أن يوصف في الحقيقة بها الإرادة رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر إلى أدنى روية و فكر إذ كان هذا على ما بيناه فإنما معنى قولنا إن الله تعالى مريد لأفعاله أنها وقعت و هو عالم بها غير ساه عنها و إنما لم يقع عن سبب موجب من غيره لها لأنا وجدنا القاصد منا للشيء الذي هو عالم به غير ساه عنه و لا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا أردنا أن نخبر بأن الله تعالى يفعل لا عن سهو و لا غفلة و لا بإيجاب من غيره أن نقول هو مريد لفعله و يكون هذا الوصف استعارة"
ونلاحظ التناقض فى كلام الكتاب بين صحة وصف الله بالإرادة فقال :
"لأن حقيقته كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث دليل و الذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالإرادة "
ومع هذا نفى أن يكون الله مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فقال :
"أنه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الأمر من حالين إما أن يكون مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فلو كان مريدا لنفسه لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح كما أنه لو كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن و القبيح و إرادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه"
وقد سبق قول نفس الكلام فى بداية الكتاب كما كرر بعض من كلامه السابق وزاد عليه فقال :
"باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة أنه قديمة مع الله تعالى الإرادة وأيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل إما لنفسه و إما بإرادة قديمة معه لوجب أن يكون مراده معه فيما لم يزل لأنه لا مانع له مما أراده و لا حائل بينه و بينه و لكان ما يوجده من الأفعال لا تختلف أوقاته ولا يتأخر بعضه عن بعض لأن الإرادة حاصلة موجدة في كل وقت وهذا كله موضح أنه عز وجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لإرادة قديمة معه وإذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا بعد أن لم يكن مريدا بإرادة محدثة وهذا أيضا يستحيل لأن الإرادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر إلى محل والله تعالى غير محل للأعراض ولا يجوز أن تكون إرادته حالة في غيره كما لا يجوز أن يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في غيره ولا يجوز أيضا أن تكون لا فيه ولا في غيره لأنه عرض والعرض يفتقر إلى محل يحملها ويصح بوجوده وجودها ولو جاز أن توجد إرادة لا في مريد بها ولا في غيره لجاز أن توجد حركة لا في متحرك بها و لا في غيره فإن قيل إن الحركة هيئة للجسم و ليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه قلنا ولم لا يجوز ذلك فإن قيل لأن تغير هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب أن يكون المعنى الذي يتغير به حالا فيه قلنا و كذلك المريد للشيء بعد أن لم يكن مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب أن تكون إرادته تحله فإن قيل بأي شيء من الحواس تحس الإرادة قلنا وبأي شيء من الحواس يحس الصداع الإرادة فإن قيل إن الإنسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة قلنا فلم نركم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها ولنا أن نقول وكذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه ويدرك ذلك من نفسه ضرورة”
وقد تناول الرجل فى الفقرة السابقة أن الإرادة وهى فعل الخلق تكون فى أوقات مختلفة ونلاحظ أن المخلوقات كلها كانت مكتوبات فى كتاب الخلق قبل خلقها فى أوقات مختلفة وهو قوله تعالى :
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها"
وبين الرجل أن إرادة العبد تكون قبل فعله فقال:
"قال شيخنا المفيد رحمه الله و هذا نص من مولانا ع على اختياري في وصف الله تعالى بالإرادة و فيه نص على مذهب لي آخر منها و هو أن إرادة العبد تكون قبل فعله و إلى هذا ذهب البلخي و القول في تقدم الإرادة للمراد كالقول في تقدم القدرة للفعل "
فصل
اعلم أنا نذهب إلى أن الإرادة تتقدم المراد كتقدم القدرة للمقدور غير أن الإرادة موجبة للمراد والقدرة غير موجبة للمقدور والإرادة لا تصلح إلا للمراد دون ضده و ليس كذلك القدرة لأنها تصلح أن يفعل الشيء بها فضده بدلا منه و الجميع أعراض لا يصح بقاؤها"
كما بين أن إرادة الإنسان تحدث أو لا تحدث بأسباب تجعله ينجح فى الفعل أو أسباب تعجزه عن تنفيذ إرادته فقال :
"فصل معنى القول في أن الإرادة موجبة:
معنى قولنا في الإرادة أنها موجبة هو أن الحي متى فعل الإرادة لشيء وجب وجود ذلك الشيء إلا أن يمنعه منه غيره فأما أن يمتنع هو من مراده فلا يصح ذلك ومن الدليل على صحة ما ذكرناه أنه قد ثبت تقدم الإرادة على المراد لاستحالة أن يريد الإنسان ما هو فاعل له في حال فعله فيكون مريدا للموجود كما يستحيل أن يقدر على الموجود وإذا ثبت أن الإرادة متقدمة للمراد لم يخل أمر المريد لحركة يده من أن يكون واجبا وجودها عقيب الإرادة الإرادة بلا فصل أو كان يجوز عدم الحركة فلو جاز ذلك لم يعدم إلا بوجود السكون منه بدلا منها ولو فعل السكون في الثاني من حال إرادته للحركة لم يخل من أن يكون فعله بإرادة له أو سهو عنه و محال أن يفعله بإرادة لأن ذلك موجب لاجتماع إرادتي الحركة و السكون لشيء واحد في حالة واحدة و محال وجود السهوعن السكون في حال إرادته للحركة فبطل جواز امتناع الإنسان مما قد فعل الإرادة له على ما شرحناه "
وقد بين أن إرادة الله تعالى لأفعال خلقه فهي أمره لهم بالأفعال فقال :
"فأما إرادة الله تعالى لأفعال خلقه فهي أمره لهم بالأفعال ووصفناه له بأنه يريد منه كذا إنما هو استعارة و مجاز و كذلك كل من وصف بأنه مريد لما ليس من فعله تعالى طريق الاستعارة والمجاز و قول القائل يريد مني فلان المصير إليه إنما معناه أنه يأمر بذلك و يأخذني به وأرادني فلان على كذا أي أمرني به فقولنا إن الله يريد من عباده الطاعة إنما معناه أنه يأمرهم بها وقد تعبر بالإرادة عن التمني والشهوة مجازا واتساعا فيقول الإنسان أنا أريد أن يكون كذا أي أتمناه و هذا الذي كنت أريده أي أشتهيه و تميل نفسي إليه والاستعارات في الإرادات كثيرة فأما كراهة الله تعالى للشيء فهو نهيه عنه وذلك مجاز كالإرادة فاعلمه"
وهو كلام غير صحيح فالله لا يأمرهم بالأفعال السيئة كما قال تعالى :
" قل إن الله لا يأمر بالفحشاء "
وأصل المسألة أن أفعال الإنس والجن هى من باب قوله تعالى :
"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
فالله يقدر الخلق على عمل الإيمان وعمل الكفر كما قال تعالى :
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
وإنما أمرهم فى شريعته بالإيمان ولم يأمرهم بالكفر
وتناول الرجل مسألة الرضا والغضب فقال :
"القول في الغضب و الرضا وهاتان صفتان لا تصح حقيقتهما إلا في المخلوق لأن الغضب هو نفور الطباع و الرضا ميلها و سكون النفس و وصف الله تعالى بالغضب والرضا إنما هو مجاز والمراد بذلك ثوابه وعقابه فرضاه وجود ثوابه و غضبه وجود عقابه فإذا قلنا رضي الله عنه فإنما نعني أثابه الله تعالى وإذا قلنا غضب الله عليه فإنا نريد عاقبه الله فإذا علق الغضب والرضا بأفعال العبد فالمراد بهما الأمر و النهي نقول إن الله يرضى الطاعة بمعنى يأمر بها ويغضب من المعصية بمعنى ينهى عنها
الإرادة "
والخطأ الذى وقع فيه الكثيرون هو اعتبار ما يسمى المجاز اللغوى فلا يوجد مجاز فى الشريعة وإنما هناك معانى متعددة للشىء الواحد فالمعنى يختلف من الخالق للمخلوق وما قاله الرجل من معانى الرضا والغضب فى الله صحيح
وقد تناول مسألة أخرى وهى :
"القول في الحب و البغض وهاتان الصفتان إنما يوصف الله تعالى بها مجازا لأن المحبة في الحقيقة ارتياح النفس إلى المحبوب و البغض ضد ذلك من الانزعاع و النفور الذي لا يجوز على التقديم فإذا قلنا إن الله عز و جل يحب المؤمن و يبغض الكافر فإنما نريد بذلك أنه ينعم على المؤمن و يعذب الكافر و إذا قلنا إنه يحب من عباده الطاعة و يبغض منهم المعصية جرى ذلك مجرى الأمر و النهي أيضا على المعنى الذي قدمنا في الغضب و الرضا"
وتناول أيضا مسألة السمع والبصر فقال :
"القول في سميع و بصير
اعلم أن السميع في الحقيقة هو مدرك الأصوات بحاسة سمعه و البصير هو مدرك المبصرات بحاسة بصره وهاتان صفتان لا يقال حقيقتهما في الله تعالى لأنه يدرك جميع المدركات بغير حواس ولا آلات فقولنا إنه سميع إنما معناه لا تخفى عليه المسموعات وقولنا بصير معناه أنه لا يغيب عنه شيء من المبصرات وأنه يعلم هذه الأشياء على حقائقها بنفسه لا بسمع و بصر ولا بمعان زائدة على معنى العلم و قد جاءت الآثار عن الأئمة ع بما يؤكد ما ذكرناه
قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى عن حماد عن حريز عن محمد بن سالم الثقفي قال قلت لأبي جعفر الباقر ع إن الإرادة قوما من أهل العراق يزعمون أن الله تعالى سميع بصير كما يعقلونه قال فقال تعالى الله تعالى إنما يعقل ذلك فيما كان بصفة المخلوق وليس الله تعالى كذلك وبإسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد مرسلا عن الرضا ع أنه قال في كلام له في التوحيد و صفة الله تعالى كذلك بأنه سميع أخبار بأنه تعالى لا يخفى عليه شي ء من الأصوات و ليس هذا على معنى تسميتنا بذلك و كذلك قولنا بصير فقد جمعنا الاسم و اختلف فينا المعنى و قولنا أيضا مدرك و راء لا يتعدى به معنى عالم فقولنا راء معناه عالم بجميع المرئيات و قولنا مدرك معناه عالم بجميع المدركات فهذه صفات المجازات "
كما قلنا اخترع القوم ما يسمونه المجاز وهو اختراع بشرى ارتبط بالفنون القولية كالشعر وهو اختراع لإضلال البشر عن المعانى التى أرادها الله فى شريعته فكل المعانى فى الشريعة حقيقية ولكن فى اللغة التى خلقها الله والبشر هم الذين حرفوا الكثير من المعانى عما وضعه الله لها حتى تضيع الشريعة ويحتار الناس فيما يقال