رضا البطاوى
04-11-2019, 08:53 PM
نقد كتاب الإبادة لحكم الوضع على حديث «ذِكْرُ عَليٍّ عبادة»
الكتاب من تأليف حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي ومن إعداد مركز الأبحاث العقائدية الذى يرعاه السيستانى واما موضوعه فهو كما قال:
"فهذا جزء أفردته للكلام على حديث «ذِكر عليٍّ عبادة» وبيان رتبته، والردّ على مَن حكم بوضعه وعدم ثبوته، ووسمته بـ «الإبادة لحكم الوضع على حديث: ذِكْرُ عليٍّ عبادة»
وقد ذكر المؤلف أن الحديث له طريقين فقط فقال:
"اعلم أنّ هذا الحديث رواه الحسن بن صابر الكِسائي الكوفي، عن وكيع بن الجرّاح، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة
وقد رُويَ عنه من طريقين:
الأوّل: ما أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنبأنا أبو جابر يزيد بن عبد الله، أنبأنا محمّد بن عمر الجعابي، أنبأنا عبد الله بن يزيد ـ أبو محمّد ـ أنبأنا الحسن بن صابر الهاشمي، أنبأنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): ذِكر عليٍّ عبادة وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من هذا الطريق
والثاني: ما أخرجه أبو الحسن بن شاذان في المناقب قال: حدّثني القاضي المعافى بن زكريّا من حفظه، قال: حدّثني إبراهيم بن الفضل، قال: حدّثني الفضل بن يوسف، قال: حدّثني الحسن بن صابر، قال: حدّثني وكيع، قال: حدّثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): ذِكْر عليّ بن أبي طالب عبادة "
ومع هذا ذكر له رواية أخرى فقال :
"وقد روى هذه المتابعة الأمام الحافظ الفقيه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب)، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار ـ الفقيه الشافعي ـ بقراءتي عليه فأقرَّ به، قلت: أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان المزني ـ الملقّب بابن السقّا ـ الحافظ الواسطي، قال: حدّثني محمّد بن علي بن معمر الكوفي، حدّثنا حمدان بن المعافى، حدّثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): ذِكْرُ عليٍّ عبادة"
وأيضا :
"وقد روي الحديث أيضاً من طريق محمّد بن زكريّا الغلابي، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ في حديث ـ قال: قال رسول الله (ص): النظر إلى عليّ بن أبي طالبٍ عبادة، وذِكْره عبادة"
ونلاحظ التناقض بين الروايات الثلاث الأولى التى تقول أن ذكر على عبادة فقط بينما الرواية الأخيرة تقول أن النظر له عبادة والذكر عبادة
ونص الحديث وهو متنه يعيبه أنه لم يحدد ذكر على العبادى هل هو الذكر الحسن أو الذكر السيىء فطبقا للحديث الذاكر فيه حسنا كالذاكر فيه سوء كلاهما مثاب طبقا للحديث لأن الذكر هنا مطلق غير محدد
بالقطع هنا الذكر هو المعنى المعروف عند الناس وهو يخالف الذكر فى القرآن الذى يعنى طاعة الله ويعنى الوعظ ويعنى الكتاب وأحيانا معانى أخرى
والسؤال لماذا يختص على بهذا الذكر إذا كان محمد (ص)نفسه لم يطلب الله منا أن نذكره؟
الشرع ليس مدح لأشخاص حتى ولو كانوا رسلا وأئمة وإنما غايته الله طاعة الخالق وليس ذكر مخلوقين وإلا عدنا لملل الكفار التى هى تعظيم لأشخاص وذكرلهم
وقد قال المؤلف أنه سيرد على رد القوم للحديث من جهة المتن والإسناد فى قوله:
"وقد اختلف الرادّون لهذا الحديث في علّته، فأعلّه قوم من جهة الإسناد، وردّه آخرون من جهة المتن، ومنهم من أبطله من كلتا الجهتين، فيقع الكلام معهم في مقامين:"
ومع هذا لم نجد فى الكتاب سوى الرد على الإسناد فقط فى28 صفحة وهو ما سماه المقام الأول والرد دار على محورين:
الأول هو رد المؤلف جرح ابن حبان للحسن بن صابر وقد استغرق الرد معظم الكتاب حوالى26صفحة
الثانى هو رد المؤلف جرح الدارقطنى لمحمد بن زكريا الغلابى وقد ذكر فى صفحتين
والردود هى عبارة عن نقول من كتب أهل السنة وغالبها لا يتعلق بالحسن بن صابر ولا بالغلابى وإنما يتعلق بأمور ناقشها أهل الحديث فى كتبهم مثل:
أن من روى المناكير لا يرد حديثه إلا إذا كان وضاعا للأحاديث
قبول رواية الكثير من الشيعة
ومن ثم فأكثر من90% من صفحات الكتاب لا علاقة لها بالحديث ولا برواته وإنما بمسائل تتعلق بعلم الحديث
وما تعلق بالرد العلمى فى حكاية الحسن بن صابر هو سطور تتمثل فى التالى:
"ولم يتكلَّم فيه أحد من أئمّة الجرح والتعديل سوى ابن حبّان، ولم يُترجَم في غير كتابه، وأمّا الذهبي فإنّه مقلّد له في ذلك"
" ولم يوافق ابن حبّان على جرحه الحسن بن صابر أحدٌ ـ ولله الحمد ـممّن يُنْصف ويُعتبَر "
"أن يقال: إنّ وصف ابن صابر بكونه «منكَر الحديث» ماذا أراد به؟فإن عنى أنّه روى حديثاً واحداً، فهذا غلط فاحش، لاَنّ ابن حبّان نفسه روى له في كتاب المجروحين حديثاً آخر غير حديث الترجمة ـ كما مرّ ـ بل ظاهر قوله: «إنّه يروي عن أهل بلده» يعني الكوفة، يقتضي تعدّد أحاديثه، فتدبّر وإنْ قصد بقوله: «منكَر الحديث» أنّه لا تحلّ الرواية عنه ـ كما حكي عن البخاري ـ فإنّ ذلك جرح مبهم، يُردّ عليه، إذ لا يعرف للحسن بن صابر ما يوجب ردّ حديثه جملةً، بل لو صرّح ابن حبّان بذلك لم يؤخذ به، فقد رُدّ عليه مثله ـ كما مرّ آنفاً ـ وإنْ أراد بذلك الفردَ الذي لا متابع له ـ كما أطلقه أحمد بن حنبل ـ فإنّه منقوض بمتابعة غيره له ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ على أنّه لا يلزم من روايته المناكير ـ لو سُلّم ـ أن يكون ممّن لا يُحتجّ به، كما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من (الميزان) فجهالة حال ابن صابر ـ بل حتّى التكلّم فيه بنكارة الحديث ـ لا تضرّه في المقام، إذ قد توبِع على حديثه من طريق حمدان بن المعافى فبانَ، أنّه لم يتفرّد به"
هذه السطور التى لم تكمل صفحة كانت مغنية عن كل تلك الصفحات التى استهلكها المؤلف فى إثبات أن ابن حبان هو الأخر مجروح وكتابه فى الرجال معظمه أخطاء ردها رجال الحديث والغريب أنه بعد أن أشبع الرجل اتهامات وجعل كتابه لا فائدة منه فى علم الإسناد استشهد به على أن الرجل الثانى محمد بن زكريا الغلابى ثقة وحديثه مقبول فقال :
"فإن قيل:الحمل فيه على الغلابي، لاَنّه متّهم، وقال الدارقطني: يضع الحديث "قلت:هذا تعسّف وإسراف من الدارقطنيّ، ولم يتابعه عليه أحد، بل إنّ الذهبي ـ على تعنّته وتشدّده ـ اقتصر في ميزان الاعتدال على تضعيفه، وحكى عن ابن حبّان أنّه ذكره في الثقات وقال: يُعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة"
وهذا من ضمن التناقض فى المنهج فإما أن يرفض كلامه كله وإما أن يقبله كله ولكن أن يأخذ ما يهوى ويرفض ما يهوى فهذا ليس من المنهج العلمى
والغريب أنه فعل هذا مع الدار قطنى حيث قبل كلامه فى ابن حبان ولم يقبل كلامه فى الغلابى فأما قبوله للدارقطنى فيتضح من العبارات التالية:
" ومنها: قوله في محمّد بن الفضل السدوسي ـ المعروف بعارِم ـ شيخ البخاري، وقد احتجّ به الستّة ووثّقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي، وروى عنه البخاري أكثر من مائة حديث، كما حكاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن (الزهرة) "
وقوله"وقال أيضاً ـ بعد ذكر توثيقه عن الدارقطني ـ: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبّان الخسّاف المتهوّر؟"
وأما رفضه كلامه فهو:
"فإن قيل:الحمل فيه على الغلابي، لاَنّه متّهم، وقال الدارقطني: يضع الحديث "قلت:هذا تعسّف وإسراف من الدارقطنيّ، ولم يتابعه عليه أحد"
وبقيت كلمة وهى أن المؤلف حديد اللسان سباب فى أقوال مثل:
" وهذه عادة النواصب اللئام ـ قبّحهم الله تعالى وأخزاهم ـ في أكثر ما روي من مناقب آل النبيّ (ص)، وقلوبهم المنكَرة تنكِر ما ثبت في ذلك، حتّى إنّ أحدهم إذا لم يجد مطعناً في الإسناد قال ـ متعنّتاً ـ: في النفس من هذا الحديث شيءٌ، أو: إنّ القلب ليشهد ببطلانه، وما ذلك إلا من جفائهم للعترة الطاهرة المطهَّرة، وسعيهم في إطفاء نور الله تعالى"
"ومن تتبّع كلام الغويّ الجوزجاني وابن قايماز التركماني وأضرابهما من ألدّاء النواصب أذعن لما قلنا، أمّا فضائل خصومهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا ترى فيها شيئاً من ذلك التشدّد المقيت"
" إنّ هذه حيلة احتالها النواصب ـ أعداء الله وأعداء رسوله (ص)ـ لردّ أحاديث الفضائل والمناقب الواردة في عليّ وعترته الزكيّة، فزعموا أنّ راويها إذا كان متشيِّعاً فإنّ حديثه مردود"
والآن أترككم مع نص الكتاب فربما كان بعضكم أدرى منى فيكتب من الملاحظات ما لم ألاحظه:
"المقام الأوّل:
في الكلام على سنده فنقول، وبالله تعالى التوفيق:
قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: إسناده ضعيف، وكذا قال العزيزي في السراج المنير وكأنّهما قلّدا في ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير حيث رمز لضعف الحديث وقال السندروسي في الكشف الألهي: سنده واهٍ؛ وأخذه الألباني وزاد عليه قوله: جدّاً
قلت:
لم يتّهموا من رجال الإسناد ـ في ما وقفت عليه من كلامهم ـ الأ الحسن بن صابر، وأعلّوا الحديث به، وجعلوا الآفة فيه منه، ومعوَّلهم في ذلك كلام ابن حبّان فيه، فلنذكره ولنبيّن زيفه بحول الله وقوّته
قال في كتاب المجروحين: الحسن بن صابر الكسائي من أهل الكوفة، يروي عن وكيع بن الجرّاح وأهل بلده، روى عنه العراقيّون، منكَر الرواية جدّاً عن الأثبات، ممّن يأتي بالمتون الواهية عن الثقات بأسانيد متّصلة "ثمّ ساق له حديثاً مرفوعاً عن وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة وقال الذهبي بترجمته في ميزان الاعتدال: الحسن بن صابر الكسائي عن وكيع، قال ابن حبان: منكَر الحديث " ولم يتكلَّم فيه أحد من أئمّة الجرح والتعديل سوى ابن حبّان، ولم يُترجَم في غير كتابه، وأمّا الذهبي فإنّه مقلّد له في ذلك، فلا اعتداد بكلامه ومع ذلك فإنّ جرح ابن حبّان للكسائي مردود من وجوه:
الأوّل: أنّ ابن حبّان ـ هو نفسه ـ متَّهم مجروح، بل رُمي بالعظائم، ومن قلّة حيائه وعدم تعظيمه لحرمة رسول الله (ص)تكلّمه في عليّ بن موسى الرضا ، وقوله: إنّه يروي عن أبيه العجائب كأنّه كان يَهِم ويخطىَ ـ كما حكاه أبو سعد السمعاني في الأنساب وعلى من لا يحترم العترة الطاهرة من الله ما يستحقّه وحكى الذهبي بترجمته في (الميزان) و (التذكرة) عن أبي عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعيّة أنّه قال: غلط الغلط الفاحش في تصرّفاته قال الذهبي: صدق أبو عمرو، له أوهام يتبع بعضها بعضاً "
قلت:
وسيأتي ـ بعد هذا إن شاء الله ـ ذكر جملة من أوهامه في نقد الرجال
ومَن كان هذا حاله كيف يعوِّل اللبيب على كلامٍ انفرد به، ولا متابع له عليه الأ من اغترّ به؟!فتنبّه ـ يرحمك الله ـ
الثاني: أنّ الجهابذة النقّاد، وأئمّة الرجال والإسناد قد تكلَّموا في جرح ابن حبّان للرواة، وبيّنوا غلطه في كثير من أحكامه، فلنسرد هنا نتفاً من ذلك، لينجلي لك وَهْيُ كلامه، وينكشف خطؤه في حكمه وإبرامه، ولتذعن بصدق ما ادّعيْناه، ولا حول ولا قوّة إلا بالله فمنها: قوله في أفلح بن سعيد ـ أبي محمّد المدني ـ: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحلّ الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال "وأفلح هذا احتجّ به مسلم والنسائي، ووثّقه ابن معين وابن سعد وتنزّل الذهبي في ميزان الاعتدال للردّ عليه، فقال: ربما قصّب الثقة حتّى كأنّه لا يدري ما يخرج من رأسه "ومنها: قوله في سويد بن عمرو الكلبي: كان يقلب الأسانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية "
وردّه الذهبي في (الميزان) فقال: أسرف واجترأ وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: أفحش ابن حبّان القول فيه، ولم يأتِ بدليل
وقد احتجّ به مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، ووثّقه ابن معين
والنسائي والعجلي ومنها: طعنه في عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، وقد احتجّ به أبو داود والنسائي وابن ماجة، ووثّقه ابن معين وابن شاهين
قال الذهبي في ميزان الاعتدال: وأمّا ابن حبّان فإنّه يقعقع كعادته، فقال فيه: يروي عن قوم ضعفاء أشياء يدلِّسها عن الثقات، حتّى إذا سمعها المستمع لم يشكّ في وضعها، فلمّا كثر ذلك في أخباره أُلزقت به تلك الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلّها بحال "وتعقّبه الذهبي بأنّه لم يروِ في ترجمته شيئاً، ولو كان عنده له شيء موضوع لأسرع بإحضاره قال: وما علمتُ أنّ أحداً قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا: إنّه يدلِّس عن الهلكى، إنّما قالوا: يأتي عنهم بمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز الأ لتامّ المعرفة تامّ الورع "
قلت:
أمعِن نظر الأنصاف والتحقيق في هذا الحرف الأخير من كلامه، وليته بادر للردّ على ابن حبّان ـ في ترجمة ابن صابر ـ بمثل هذا، بل بأقلّ منه، مع أنّ القدح فيه أخفّ وأيسر من جرح الطرائفي، لكن هيهات أن تطاوعه نفسه على ذلك، بل أقرّ ابن حبّان على جرحه المجروح لكون الرجل روى حديث الباب، وتلك (شنشنة أعرفها من أخزم) بل ظنّي أنّ الكسائي لو كان يسلم من طعن ابن حبّان لَما كان يسلم من لسان ذلك الشامي الخبيث، الذي يغيظ ويستشيط ويأخذه الزَمَع إذا مرّ على منقبة من مناقب الأمام عليّ أمير المؤمنين ، وأهل البيت الطيّبين الطاهرين الكرام (قل موتوا بغيظكم إنّ الله عليمٌ بذات الصدور)ومن سرح نظره في تراجم رواة الفضائل من (الطبقات) و(الميزان) لشاهد بالعيان كيف يُجنّ الذهبي ويأخذ في وصم الرجل وطعنه وسبّه من غير ذنبٍ، عدا روايته الفضائل والمناقب، نسأل الله السلامة من مخازي النواصب
ومنها: قوله في محمّد بن الفضل السدوسي ـ المعروف بعارِم ـ شيخ البخاري، وقد احتجّ به الستّة ووثّقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي، وروى عنه البخاري أكثر من مائة حديث، كما حكاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن (الزهرة) ـ: اختلط في آخر عمره وتغيَّر حتّى كان لا يدري ما يحدّث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكّب عن حديثه في ما رواه المتأخّرون، فإن لم يعلم هذا من هذا تُرك الكُلّ، ولا يحتجّ بشيء منها "وتعقّبه الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبّان أن يسوق له حديثاً منكَراً، فأين ما زعم؟!
وقال أيضاً ـ بعد ذكر توثيقه عن الدارقطني ـ: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبّان الخسّاف المتهوّر؟
قلت:
فعُلم من هذا أنّ ابن حبّان قد يطلق القول في الراوي من دون مستند، فكيف يقبل جرحه للرواة؟!وإذا تأمّلت ما سُقناه لك هنا لا أراك تتوقّف في ردّ كلامه في الحسن ابن صابر، لا سيّما وأنّه متّهم في مثل هذا الكوفيّ، لاَنّه روى حديثاً في فضل ذِكر أمير المؤمنين الأمام عليٍّ ، وابن حبّان وأضرابه ممّن لا يطيبون نفساً بسماع ذلك، ولا يطيقون السكوت عليه ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ
الثالث: أنّ ابن حبّان له أوهام كثيرة يتبع بعضها بعضاً ـ كما قال الذهبيّ ـ، فيذكر الرجل في المجروحين ثمّ يذكره في الثقات، وهذا تناقض بيِّن، وتسامح غير هيِّن، فلذا أوجبت كثرة أوهامه سقوط كلامه!
فمن ذلك: ذكره دهثم بن قُرّان في الكتابين، قال الذهبيّ في (الميزان)
فذكره في الثقات فأساء، وقد ذكره أيضاً في الضعفاء فأجاد
ومن ذلك: ذكره زياد بن عبد الله النميريّ في المجروحين والثقات، قال الذهبي: فهذا تناقض ومن ذلك: ذكره عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت في كتابيه،قال الذهبي: قال ابن حبّان: فحش خلافه للاَثبات فاستحقّ الترك، وذكره أيضاً في الثقات، فتساقط قولاه
ومن غرائب أوهامه ما ذكره في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن حبّان في كتاب الثقات: «كان متقناً» ثمّ غفل غفلة شديدة فذكره في الضعفاء، وروى عن البخاري أنّه قال: تركناه قال ابن حجر: وهذا خطأ من ابن حبّان: نشأ عن حذفٍ؛ وذلك أنّ البخاريّ إنّما قال في تاريخه: «تركناه حيّاً سنة اثنتي عشرة» فسقط من نسخة ابن حبّان لفظة «حيّاً» فتغيَّر المعنى
الرابع: أنّ ابن حبّان من المتعنّتين المشّدّدين الّذين يجرحون الراوي بأدنى جرح، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أُولي الألباب، كأبي حاتم والنسائي وابن معين وابن القطّان ويحيى القطّان وغيرهم، فإنّهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنّت فيه ومن كان من الجارحين هذا ديدنه فإنّ توثيقه معتبر، وجرحه مردود، إلا إذا وافقه غيره ممّن يُنْصف ويُعتبَر ـ كما قال أبو الحسنات عبد الحيّ اللكنوي في الرفع والتكميل
قلت:
ولم يوافق ابن حبّان على جرحه الحسن بن صابر أحدٌ ـ ولله الحمد ـممّن يُنْصف ويُعتبَر وقال أيضاً: لا يحلّ لك أن تأخذ بقول كلّ جارحٍ في أيّ راوٍ كان، وإن كان ذلك الجارح من الأئمّة، أو من مشهوري علماء الأمّة، فكثيراً ما يوجد أمر يكون مانعاً من قبول جرحه، وحينئذٍ يحكم بردّ جرحه "وقال في الأجوبة الفاضلة: ابن حبّان له مبالغة في الجرح في بعض المواضع
قلت:
حسبك شهادة هذا الخرّيت المتضلّع والناقد المضطلع دليلاً على ردّ جرح ابن حبّان وأمثاله من المتعنّتين المشّدّدين، كيف لا (وشهد شاهدٌ من أهلها)
الخامس: أن يقال: إنّ وصف ابن صابر بكونه «منكَر الحديث» ماذا أراد به؟فإن عنى أنّه روى حديثاً واحداً، فهذا غلط فاحش، لاَنّ ابن حبّان نفسه روى له في كتاب المجروحين حديثاً آخر غير حديث الترجمة ـ كما مرّ ـ بل ظاهر قوله: «إنّه يروي عن أهل بلده» يعني الكوفة، يقتضي تعدّد أحاديثه، فتدبّر وإنْ قصد بقوله: «منكَر الحديث» أنّه لا تحلّ الرواية عنه ـ كما حكي عن البخاري ـ فإنّ ذلك جرح مبهم، يُردّ عليه، إذ لا يعرف للحسن بن صابر ما يوجب ردّ حديثه جملةً، بل لو صرّح ابن حبّان بذلك لم يؤخذ به، فقد رُدّ عليه مثله ـ كما مرّ آنفاً ـ وإنْ أراد بذلك الفردَ الذي لا متابع له ـ كما أطلقه أحمد بن حنبل ـ فإنّه منقوض بمتابعة غيره له ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ على أنّه لا يلزم من روايته المناكير ـ لو سُلّم ـ أن يكون ممّن لا يُحتجّ به، كما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من (الميزان): ما كلّ من روى المناكير يضعّف
وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: لو كان من روى شيئاً منكَراً استحقّ أن يُذكر في الضعفاء لَما سلم من المحدّثين أحد، لا سيّما المكثر منهم "وقال ابن دقيق العيد: قولهم: «روى مناكير» لا يقتضي بمجرّده ترك روايته، حتّى تكثر المناكير في روايته "
قلت:
وأنّى لابن حبّان إثبات ذلك في حقّ الكسائي، ومنه تعرف أنّ رميه الرجل بنكارة الحديث فيه تساهل، بل هو منكَر من القول وزور، فلا ينبغي أن يعرّج عليه، ولا يركن إليه
الكتاب من تأليف حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي ومن إعداد مركز الأبحاث العقائدية الذى يرعاه السيستانى واما موضوعه فهو كما قال:
"فهذا جزء أفردته للكلام على حديث «ذِكر عليٍّ عبادة» وبيان رتبته، والردّ على مَن حكم بوضعه وعدم ثبوته، ووسمته بـ «الإبادة لحكم الوضع على حديث: ذِكْرُ عليٍّ عبادة»
وقد ذكر المؤلف أن الحديث له طريقين فقط فقال:
"اعلم أنّ هذا الحديث رواه الحسن بن صابر الكِسائي الكوفي، عن وكيع بن الجرّاح، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة
وقد رُويَ عنه من طريقين:
الأوّل: ما أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنبأنا أبو جابر يزيد بن عبد الله، أنبأنا محمّد بن عمر الجعابي، أنبأنا عبد الله بن يزيد ـ أبو محمّد ـ أنبأنا الحسن بن صابر الهاشمي، أنبأنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): ذِكر عليٍّ عبادة وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من هذا الطريق
والثاني: ما أخرجه أبو الحسن بن شاذان في المناقب قال: حدّثني القاضي المعافى بن زكريّا من حفظه، قال: حدّثني إبراهيم بن الفضل، قال: حدّثني الفضل بن يوسف، قال: حدّثني الحسن بن صابر، قال: حدّثني وكيع، قال: حدّثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): ذِكْر عليّ بن أبي طالب عبادة "
ومع هذا ذكر له رواية أخرى فقال :
"وقد روى هذه المتابعة الأمام الحافظ الفقيه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب)، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار ـ الفقيه الشافعي ـ بقراءتي عليه فأقرَّ به، قلت: أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان المزني ـ الملقّب بابن السقّا ـ الحافظ الواسطي، قال: حدّثني محمّد بن علي بن معمر الكوفي، حدّثنا حمدان بن المعافى، حدّثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): ذِكْرُ عليٍّ عبادة"
وأيضا :
"وقد روي الحديث أيضاً من طريق محمّد بن زكريّا الغلابي، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ في حديث ـ قال: قال رسول الله (ص): النظر إلى عليّ بن أبي طالبٍ عبادة، وذِكْره عبادة"
ونلاحظ التناقض بين الروايات الثلاث الأولى التى تقول أن ذكر على عبادة فقط بينما الرواية الأخيرة تقول أن النظر له عبادة والذكر عبادة
ونص الحديث وهو متنه يعيبه أنه لم يحدد ذكر على العبادى هل هو الذكر الحسن أو الذكر السيىء فطبقا للحديث الذاكر فيه حسنا كالذاكر فيه سوء كلاهما مثاب طبقا للحديث لأن الذكر هنا مطلق غير محدد
بالقطع هنا الذكر هو المعنى المعروف عند الناس وهو يخالف الذكر فى القرآن الذى يعنى طاعة الله ويعنى الوعظ ويعنى الكتاب وأحيانا معانى أخرى
والسؤال لماذا يختص على بهذا الذكر إذا كان محمد (ص)نفسه لم يطلب الله منا أن نذكره؟
الشرع ليس مدح لأشخاص حتى ولو كانوا رسلا وأئمة وإنما غايته الله طاعة الخالق وليس ذكر مخلوقين وإلا عدنا لملل الكفار التى هى تعظيم لأشخاص وذكرلهم
وقد قال المؤلف أنه سيرد على رد القوم للحديث من جهة المتن والإسناد فى قوله:
"وقد اختلف الرادّون لهذا الحديث في علّته، فأعلّه قوم من جهة الإسناد، وردّه آخرون من جهة المتن، ومنهم من أبطله من كلتا الجهتين، فيقع الكلام معهم في مقامين:"
ومع هذا لم نجد فى الكتاب سوى الرد على الإسناد فقط فى28 صفحة وهو ما سماه المقام الأول والرد دار على محورين:
الأول هو رد المؤلف جرح ابن حبان للحسن بن صابر وقد استغرق الرد معظم الكتاب حوالى26صفحة
الثانى هو رد المؤلف جرح الدارقطنى لمحمد بن زكريا الغلابى وقد ذكر فى صفحتين
والردود هى عبارة عن نقول من كتب أهل السنة وغالبها لا يتعلق بالحسن بن صابر ولا بالغلابى وإنما يتعلق بأمور ناقشها أهل الحديث فى كتبهم مثل:
أن من روى المناكير لا يرد حديثه إلا إذا كان وضاعا للأحاديث
قبول رواية الكثير من الشيعة
ومن ثم فأكثر من90% من صفحات الكتاب لا علاقة لها بالحديث ولا برواته وإنما بمسائل تتعلق بعلم الحديث
وما تعلق بالرد العلمى فى حكاية الحسن بن صابر هو سطور تتمثل فى التالى:
"ولم يتكلَّم فيه أحد من أئمّة الجرح والتعديل سوى ابن حبّان، ولم يُترجَم في غير كتابه، وأمّا الذهبي فإنّه مقلّد له في ذلك"
" ولم يوافق ابن حبّان على جرحه الحسن بن صابر أحدٌ ـ ولله الحمد ـممّن يُنْصف ويُعتبَر "
"أن يقال: إنّ وصف ابن صابر بكونه «منكَر الحديث» ماذا أراد به؟فإن عنى أنّه روى حديثاً واحداً، فهذا غلط فاحش، لاَنّ ابن حبّان نفسه روى له في كتاب المجروحين حديثاً آخر غير حديث الترجمة ـ كما مرّ ـ بل ظاهر قوله: «إنّه يروي عن أهل بلده» يعني الكوفة، يقتضي تعدّد أحاديثه، فتدبّر وإنْ قصد بقوله: «منكَر الحديث» أنّه لا تحلّ الرواية عنه ـ كما حكي عن البخاري ـ فإنّ ذلك جرح مبهم، يُردّ عليه، إذ لا يعرف للحسن بن صابر ما يوجب ردّ حديثه جملةً، بل لو صرّح ابن حبّان بذلك لم يؤخذ به، فقد رُدّ عليه مثله ـ كما مرّ آنفاً ـ وإنْ أراد بذلك الفردَ الذي لا متابع له ـ كما أطلقه أحمد بن حنبل ـ فإنّه منقوض بمتابعة غيره له ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ على أنّه لا يلزم من روايته المناكير ـ لو سُلّم ـ أن يكون ممّن لا يُحتجّ به، كما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من (الميزان) فجهالة حال ابن صابر ـ بل حتّى التكلّم فيه بنكارة الحديث ـ لا تضرّه في المقام، إذ قد توبِع على حديثه من طريق حمدان بن المعافى فبانَ، أنّه لم يتفرّد به"
هذه السطور التى لم تكمل صفحة كانت مغنية عن كل تلك الصفحات التى استهلكها المؤلف فى إثبات أن ابن حبان هو الأخر مجروح وكتابه فى الرجال معظمه أخطاء ردها رجال الحديث والغريب أنه بعد أن أشبع الرجل اتهامات وجعل كتابه لا فائدة منه فى علم الإسناد استشهد به على أن الرجل الثانى محمد بن زكريا الغلابى ثقة وحديثه مقبول فقال :
"فإن قيل:الحمل فيه على الغلابي، لاَنّه متّهم، وقال الدارقطني: يضع الحديث "قلت:هذا تعسّف وإسراف من الدارقطنيّ، ولم يتابعه عليه أحد، بل إنّ الذهبي ـ على تعنّته وتشدّده ـ اقتصر في ميزان الاعتدال على تضعيفه، وحكى عن ابن حبّان أنّه ذكره في الثقات وقال: يُعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة"
وهذا من ضمن التناقض فى المنهج فإما أن يرفض كلامه كله وإما أن يقبله كله ولكن أن يأخذ ما يهوى ويرفض ما يهوى فهذا ليس من المنهج العلمى
والغريب أنه فعل هذا مع الدار قطنى حيث قبل كلامه فى ابن حبان ولم يقبل كلامه فى الغلابى فأما قبوله للدارقطنى فيتضح من العبارات التالية:
" ومنها: قوله في محمّد بن الفضل السدوسي ـ المعروف بعارِم ـ شيخ البخاري، وقد احتجّ به الستّة ووثّقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي، وروى عنه البخاري أكثر من مائة حديث، كما حكاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن (الزهرة) "
وقوله"وقال أيضاً ـ بعد ذكر توثيقه عن الدارقطني ـ: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبّان الخسّاف المتهوّر؟"
وأما رفضه كلامه فهو:
"فإن قيل:الحمل فيه على الغلابي، لاَنّه متّهم، وقال الدارقطني: يضع الحديث "قلت:هذا تعسّف وإسراف من الدارقطنيّ، ولم يتابعه عليه أحد"
وبقيت كلمة وهى أن المؤلف حديد اللسان سباب فى أقوال مثل:
" وهذه عادة النواصب اللئام ـ قبّحهم الله تعالى وأخزاهم ـ في أكثر ما روي من مناقب آل النبيّ (ص)، وقلوبهم المنكَرة تنكِر ما ثبت في ذلك، حتّى إنّ أحدهم إذا لم يجد مطعناً في الإسناد قال ـ متعنّتاً ـ: في النفس من هذا الحديث شيءٌ، أو: إنّ القلب ليشهد ببطلانه، وما ذلك إلا من جفائهم للعترة الطاهرة المطهَّرة، وسعيهم في إطفاء نور الله تعالى"
"ومن تتبّع كلام الغويّ الجوزجاني وابن قايماز التركماني وأضرابهما من ألدّاء النواصب أذعن لما قلنا، أمّا فضائل خصومهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا ترى فيها شيئاً من ذلك التشدّد المقيت"
" إنّ هذه حيلة احتالها النواصب ـ أعداء الله وأعداء رسوله (ص)ـ لردّ أحاديث الفضائل والمناقب الواردة في عليّ وعترته الزكيّة، فزعموا أنّ راويها إذا كان متشيِّعاً فإنّ حديثه مردود"
والآن أترككم مع نص الكتاب فربما كان بعضكم أدرى منى فيكتب من الملاحظات ما لم ألاحظه:
"المقام الأوّل:
في الكلام على سنده فنقول، وبالله تعالى التوفيق:
قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: إسناده ضعيف، وكذا قال العزيزي في السراج المنير وكأنّهما قلّدا في ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير حيث رمز لضعف الحديث وقال السندروسي في الكشف الألهي: سنده واهٍ؛ وأخذه الألباني وزاد عليه قوله: جدّاً
قلت:
لم يتّهموا من رجال الإسناد ـ في ما وقفت عليه من كلامهم ـ الأ الحسن بن صابر، وأعلّوا الحديث به، وجعلوا الآفة فيه منه، ومعوَّلهم في ذلك كلام ابن حبّان فيه، فلنذكره ولنبيّن زيفه بحول الله وقوّته
قال في كتاب المجروحين: الحسن بن صابر الكسائي من أهل الكوفة، يروي عن وكيع بن الجرّاح وأهل بلده، روى عنه العراقيّون، منكَر الرواية جدّاً عن الأثبات، ممّن يأتي بالمتون الواهية عن الثقات بأسانيد متّصلة "ثمّ ساق له حديثاً مرفوعاً عن وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة وقال الذهبي بترجمته في ميزان الاعتدال: الحسن بن صابر الكسائي عن وكيع، قال ابن حبان: منكَر الحديث " ولم يتكلَّم فيه أحد من أئمّة الجرح والتعديل سوى ابن حبّان، ولم يُترجَم في غير كتابه، وأمّا الذهبي فإنّه مقلّد له في ذلك، فلا اعتداد بكلامه ومع ذلك فإنّ جرح ابن حبّان للكسائي مردود من وجوه:
الأوّل: أنّ ابن حبّان ـ هو نفسه ـ متَّهم مجروح، بل رُمي بالعظائم، ومن قلّة حيائه وعدم تعظيمه لحرمة رسول الله (ص)تكلّمه في عليّ بن موسى الرضا ، وقوله: إنّه يروي عن أبيه العجائب كأنّه كان يَهِم ويخطىَ ـ كما حكاه أبو سعد السمعاني في الأنساب وعلى من لا يحترم العترة الطاهرة من الله ما يستحقّه وحكى الذهبي بترجمته في (الميزان) و (التذكرة) عن أبي عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعيّة أنّه قال: غلط الغلط الفاحش في تصرّفاته قال الذهبي: صدق أبو عمرو، له أوهام يتبع بعضها بعضاً "
قلت:
وسيأتي ـ بعد هذا إن شاء الله ـ ذكر جملة من أوهامه في نقد الرجال
ومَن كان هذا حاله كيف يعوِّل اللبيب على كلامٍ انفرد به، ولا متابع له عليه الأ من اغترّ به؟!فتنبّه ـ يرحمك الله ـ
الثاني: أنّ الجهابذة النقّاد، وأئمّة الرجال والإسناد قد تكلَّموا في جرح ابن حبّان للرواة، وبيّنوا غلطه في كثير من أحكامه، فلنسرد هنا نتفاً من ذلك، لينجلي لك وَهْيُ كلامه، وينكشف خطؤه في حكمه وإبرامه، ولتذعن بصدق ما ادّعيْناه، ولا حول ولا قوّة إلا بالله فمنها: قوله في أفلح بن سعيد ـ أبي محمّد المدني ـ: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحلّ الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال "وأفلح هذا احتجّ به مسلم والنسائي، ووثّقه ابن معين وابن سعد وتنزّل الذهبي في ميزان الاعتدال للردّ عليه، فقال: ربما قصّب الثقة حتّى كأنّه لا يدري ما يخرج من رأسه "ومنها: قوله في سويد بن عمرو الكلبي: كان يقلب الأسانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية "
وردّه الذهبي في (الميزان) فقال: أسرف واجترأ وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: أفحش ابن حبّان القول فيه، ولم يأتِ بدليل
وقد احتجّ به مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، ووثّقه ابن معين
والنسائي والعجلي ومنها: طعنه في عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، وقد احتجّ به أبو داود والنسائي وابن ماجة، ووثّقه ابن معين وابن شاهين
قال الذهبي في ميزان الاعتدال: وأمّا ابن حبّان فإنّه يقعقع كعادته، فقال فيه: يروي عن قوم ضعفاء أشياء يدلِّسها عن الثقات، حتّى إذا سمعها المستمع لم يشكّ في وضعها، فلمّا كثر ذلك في أخباره أُلزقت به تلك الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلّها بحال "وتعقّبه الذهبي بأنّه لم يروِ في ترجمته شيئاً، ولو كان عنده له شيء موضوع لأسرع بإحضاره قال: وما علمتُ أنّ أحداً قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا: إنّه يدلِّس عن الهلكى، إنّما قالوا: يأتي عنهم بمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز الأ لتامّ المعرفة تامّ الورع "
قلت:
أمعِن نظر الأنصاف والتحقيق في هذا الحرف الأخير من كلامه، وليته بادر للردّ على ابن حبّان ـ في ترجمة ابن صابر ـ بمثل هذا، بل بأقلّ منه، مع أنّ القدح فيه أخفّ وأيسر من جرح الطرائفي، لكن هيهات أن تطاوعه نفسه على ذلك، بل أقرّ ابن حبّان على جرحه المجروح لكون الرجل روى حديث الباب، وتلك (شنشنة أعرفها من أخزم) بل ظنّي أنّ الكسائي لو كان يسلم من طعن ابن حبّان لَما كان يسلم من لسان ذلك الشامي الخبيث، الذي يغيظ ويستشيط ويأخذه الزَمَع إذا مرّ على منقبة من مناقب الأمام عليّ أمير المؤمنين ، وأهل البيت الطيّبين الطاهرين الكرام (قل موتوا بغيظكم إنّ الله عليمٌ بذات الصدور)ومن سرح نظره في تراجم رواة الفضائل من (الطبقات) و(الميزان) لشاهد بالعيان كيف يُجنّ الذهبي ويأخذ في وصم الرجل وطعنه وسبّه من غير ذنبٍ، عدا روايته الفضائل والمناقب، نسأل الله السلامة من مخازي النواصب
ومنها: قوله في محمّد بن الفضل السدوسي ـ المعروف بعارِم ـ شيخ البخاري، وقد احتجّ به الستّة ووثّقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي، وروى عنه البخاري أكثر من مائة حديث، كما حكاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن (الزهرة) ـ: اختلط في آخر عمره وتغيَّر حتّى كان لا يدري ما يحدّث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكّب عن حديثه في ما رواه المتأخّرون، فإن لم يعلم هذا من هذا تُرك الكُلّ، ولا يحتجّ بشيء منها "وتعقّبه الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبّان أن يسوق له حديثاً منكَراً، فأين ما زعم؟!
وقال أيضاً ـ بعد ذكر توثيقه عن الدارقطني ـ: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبّان الخسّاف المتهوّر؟
قلت:
فعُلم من هذا أنّ ابن حبّان قد يطلق القول في الراوي من دون مستند، فكيف يقبل جرحه للرواة؟!وإذا تأمّلت ما سُقناه لك هنا لا أراك تتوقّف في ردّ كلامه في الحسن ابن صابر، لا سيّما وأنّه متّهم في مثل هذا الكوفيّ، لاَنّه روى حديثاً في فضل ذِكر أمير المؤمنين الأمام عليٍّ ، وابن حبّان وأضرابه ممّن لا يطيبون نفساً بسماع ذلك، ولا يطيقون السكوت عليه ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ
الثالث: أنّ ابن حبّان له أوهام كثيرة يتبع بعضها بعضاً ـ كما قال الذهبيّ ـ، فيذكر الرجل في المجروحين ثمّ يذكره في الثقات، وهذا تناقض بيِّن، وتسامح غير هيِّن، فلذا أوجبت كثرة أوهامه سقوط كلامه!
فمن ذلك: ذكره دهثم بن قُرّان في الكتابين، قال الذهبيّ في (الميزان)
فذكره في الثقات فأساء، وقد ذكره أيضاً في الضعفاء فأجاد
ومن ذلك: ذكره زياد بن عبد الله النميريّ في المجروحين والثقات، قال الذهبي: فهذا تناقض ومن ذلك: ذكره عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت في كتابيه،قال الذهبي: قال ابن حبّان: فحش خلافه للاَثبات فاستحقّ الترك، وذكره أيضاً في الثقات، فتساقط قولاه
ومن غرائب أوهامه ما ذكره في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن حبّان في كتاب الثقات: «كان متقناً» ثمّ غفل غفلة شديدة فذكره في الضعفاء، وروى عن البخاري أنّه قال: تركناه قال ابن حجر: وهذا خطأ من ابن حبّان: نشأ عن حذفٍ؛ وذلك أنّ البخاريّ إنّما قال في تاريخه: «تركناه حيّاً سنة اثنتي عشرة» فسقط من نسخة ابن حبّان لفظة «حيّاً» فتغيَّر المعنى
الرابع: أنّ ابن حبّان من المتعنّتين المشّدّدين الّذين يجرحون الراوي بأدنى جرح، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أُولي الألباب، كأبي حاتم والنسائي وابن معين وابن القطّان ويحيى القطّان وغيرهم، فإنّهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنّت فيه ومن كان من الجارحين هذا ديدنه فإنّ توثيقه معتبر، وجرحه مردود، إلا إذا وافقه غيره ممّن يُنْصف ويُعتبَر ـ كما قال أبو الحسنات عبد الحيّ اللكنوي في الرفع والتكميل
قلت:
ولم يوافق ابن حبّان على جرحه الحسن بن صابر أحدٌ ـ ولله الحمد ـممّن يُنْصف ويُعتبَر وقال أيضاً: لا يحلّ لك أن تأخذ بقول كلّ جارحٍ في أيّ راوٍ كان، وإن كان ذلك الجارح من الأئمّة، أو من مشهوري علماء الأمّة، فكثيراً ما يوجد أمر يكون مانعاً من قبول جرحه، وحينئذٍ يحكم بردّ جرحه "وقال في الأجوبة الفاضلة: ابن حبّان له مبالغة في الجرح في بعض المواضع
قلت:
حسبك شهادة هذا الخرّيت المتضلّع والناقد المضطلع دليلاً على ردّ جرح ابن حبّان وأمثاله من المتعنّتين المشّدّدين، كيف لا (وشهد شاهدٌ من أهلها)
الخامس: أن يقال: إنّ وصف ابن صابر بكونه «منكَر الحديث» ماذا أراد به؟فإن عنى أنّه روى حديثاً واحداً، فهذا غلط فاحش، لاَنّ ابن حبّان نفسه روى له في كتاب المجروحين حديثاً آخر غير حديث الترجمة ـ كما مرّ ـ بل ظاهر قوله: «إنّه يروي عن أهل بلده» يعني الكوفة، يقتضي تعدّد أحاديثه، فتدبّر وإنْ قصد بقوله: «منكَر الحديث» أنّه لا تحلّ الرواية عنه ـ كما حكي عن البخاري ـ فإنّ ذلك جرح مبهم، يُردّ عليه، إذ لا يعرف للحسن بن صابر ما يوجب ردّ حديثه جملةً، بل لو صرّح ابن حبّان بذلك لم يؤخذ به، فقد رُدّ عليه مثله ـ كما مرّ آنفاً ـ وإنْ أراد بذلك الفردَ الذي لا متابع له ـ كما أطلقه أحمد بن حنبل ـ فإنّه منقوض بمتابعة غيره له ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ على أنّه لا يلزم من روايته المناكير ـ لو سُلّم ـ أن يكون ممّن لا يُحتجّ به، كما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من (الميزان): ما كلّ من روى المناكير يضعّف
وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: لو كان من روى شيئاً منكَراً استحقّ أن يُذكر في الضعفاء لَما سلم من المحدّثين أحد، لا سيّما المكثر منهم "وقال ابن دقيق العيد: قولهم: «روى مناكير» لا يقتضي بمجرّده ترك روايته، حتّى تكثر المناكير في روايته "
قلت:
وأنّى لابن حبّان إثبات ذلك في حقّ الكسائي، ومنه تعرف أنّ رميه الرجل بنكارة الحديث فيه تساهل، بل هو منكَر من القول وزور، فلا ينبغي أن يعرّج عليه، ولا يركن إليه