رضا البطاوى
18-11-2019, 08:55 AM
قراءة فى كتاب الرسالة الحجة
موضوع هذا الكتاب هو رسالة الربيع ومخلد بن العمرد ووائل في أمر الفرقة التي كانت بالمشرق والمغرب، حول حكم صلاة الجمعة، وامرأة أتت بشبه زنى، والقول في المتأولين للتشبيه وهؤلاء الأشخاص هم علماء وزعماء عند الفرقة الإباضية
الكتاب رغم كونه فى قسم الفقه بالمكتبة الإباضية الشاملة إلا إنه كتاب تاريخى يحكى تطورات الأحداث بسبب تلك المسائل الثلاث واقتتال الناس بسببها فى شمال أفريقية
الكتاب هو تأريخ لفترة من عمر الإباضية وتستهل الرسالة بالعنوان التالى :
"كلام أصحاب شعيب في المسائل الثلاث:
وقد بلغنا أنه ألقي إلى قبلهم منطق ليس من كلام المسلمين، ولا مما ينفع به أحدا منهم؛ وإنا نعلمكم بذلك - إن شاء الله إن شبابا من شباب المسلمين سمعوه من عامة المسلمين، فنطقوا به، وأقبل بعضهم يسأل عنه بعضا، حتى بلغ ذلك إلى أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة بعض فتيان المسلمين، فاستفتاه عنه، فغضب عليه غضبا شديدا، ولا نظنه إلا أنه قد برئ منه، وقال له: «ليس هذا من كلام المسلمين، ولا أهل الدين والورع؛ هذا من كلام الشياطين» وأخرجه من منزله، وطرده
استغاثة سهل بن صالح بحاجب الطائي:
فخرج من عنده، فاستغاث بحاجب فقال له: «إني دخلت على أبي عبيدة، فسألته واستفتيته عن أمر تنازع فيه أهل قبلتنا ممن يفارقنا ، وسألونا، فأحببت أن أسأل عنه المسلمين، وأعرف قولهم فيه فظن أبو عبيدة أن ذلك الكلام قد رضيت به وأراه عدلا، فغضب علي وشتمني وطردني، وإنما كنت سائلا متفقها، ولم أشعر أن المسلمين يكرهون المنطق فيه والمراجعة فأدركني يا أبا مودود »فأرسل حاجب الربيع بن حبيب فقال: «قل له: إن سهل بن صالح أتاني يبكي، ويذكر أنك سخطت عليه وطردته، في كلام سألك عنه، وأنه أخبرني أنه ليس مما يرضى به، وإنما جاء سائلا متفقها، وأنه ليس بالذي يعود إلى ذكر شيء منه، فإقبل منه رحمك الله» فكف عنه، ولم يزل في ذلك حتى ذهبا جميعا، فسكت عن ذلك المنطق، وأميت ذكره، فلم يسمع أحد من المسلمين يذكره، حتى توفي أشياخ المسلمين وذهبوا ."
من الفقرة السابقة نعلم أن خلافا حدث بين علماء القوم وطلاب العلم بسبب عدم إجابة العلماء على المسائل الثلاث خوفا من الفتنة بين الناس وأن الطلاب اقتنعوا بما قيل لهم ولكن بعد زمن أعيد طرح المسائل مرة أخرى وأجاب الشباب الجدد فى الفقرة التالية:
"إظهار شعيب وصاحباه لبدعهم:
ثم بلغنا منذ نحو سنتين عن شعيب بن المعرف ، وأبي المؤرج ، وعبد الله بن عبد العزيز ، أنهم يتكلمون به، ويخفونه فيما بينهم من المسلمين
فنظر في ذلك الربيع بن حبيب، وغيره من هم الصمت والرفق بينهم، إذ لم يظهروه ويدعوا إليه المسلمين فلم يزل ذلك أمر شعيب وصاحبيه، حتى توفي عبد الله بن القاسم أبو عبيدة الصغير ، والفضل بن جندب ، وناس من أهل البصرة من أهل الفضل فلما رأى شعيب وصاحباه ذلك، أظهروه ودعوا إليه أهل الضعف من الرجال والنساء، وكتبوا به الكتب إلى كل من يرجون أن يتابعهم عليه؛ واستقبلوا به الربيع بن حبيب - وخاصموه، فلما رأى مكرر ذلك الربيع لم يسعه الصمت عنهم؛ ثم تكلم فذكر الذي مضى عليه أوائل المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم "
الفقرة السابقة تبين أن الربيع بن حبيب وهو فقيه المذهب لما وجد الشباب قد نشروا الفتنة أجاب على المسائل الثلاث فيما روى الكتاب فقال:
"مسألة صلاة الجمعة:
ثم ذكر أن قوما - ممن يقر بالإسلام - يزعمون أن الفضل في ألا يجمع المسلمون مع أيمة قومنا ، لما أحدثوا واعلموا أن الجمعة فريضة من فرائض الله، واجبة على المسلمين في كتاب الله المنزل، حيث يقول: {يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله، وذروا البيع ذلكم خير لكم, إن كنتم تعلمون}، ففرض الله الجمعة، وهي: ركعتان يعلن فيهما بالقراءة؛ وفي غير الجمعة أربع ركعات، لا يعلن فيهن بالقراءة وهي مفروضة على كل مسلم، مع كل مسلم وفاجر ، إذا صلاها لوقتها، وأتم ركوعها وسجودها مضى على ذلك المسلمون ، ليس بينهم فيه اختلاف ولا منازعة "
مسألة المرأة التي أتت بشبه زنى:
وذكر الربيع أيضا أنهم يقولون في امرأة كانت مقرة بأمر المسلمين، ثم ابتليت فأحدثت أمرا منكرا: أن دخل عليها جماعة من رجال، يشربون النبيذ المسكر، فتقوم على رؤوسهم، تسقيهم ذلك الشراب الخبيث، متبرجة ليس عليها خمار ولا جلباب ، كاشفة عن رأسها ثم يقوم إليها من أحب منهم يصيب منها حاجته، غير أنه لا يدخل فرجه في فرجها، ولكن بين الفخذين وفوق الفرج؛ كلما فرغ واحد قام إليها اخر، يصيبون منها كلهم شهوتهم، و تصيب هي منهم شهوتها؛ وإن كان لها ابن فيهم، فأصاب منها مثل الذي أصاب غيره يكون ذلك منها مجلسا بعد مجلس، لا تتوب ولا تستغفر الله فيزعمون أنها ليست بكافرة بدين، ومن كفرها بدين فهو مفتر على الله "
وأما شباب المذهب فلم يسكتوا على فتوى إمام المذهب فى وقته فحاجوه كما جاء تحت العنوان التالى:
"محاججة شعيب وأصحابه للربيع:
وإن شعيبا، وابن عبد العزيز، وأيوب بن إبراهيم دخلوا على الربيع في منزله، فقالوا: «اقرأ علينا اية من القران لما تكفرون هذه المرأة المتبرجة»؛ فجادلوه أشد المجادلة فهذا في أمر هذه المرأة"
مسألة حكم أهل القبلة:
ومن قول شعيب وصاحبيه، أنهم قالوا: «إن بعض أهل قبلتنا مشركون، حلال دماؤهم، حرام مناكحتهم، وذبائحهم» وبعضهم يقول: «هم مجوس» وبعضهم يقول: «هم بمنزلة أهل الأوثان، ومن شك في شركهم فهو مشرك مثلهم، يحل منه ما يحل منهم، ويحرم منه ما يحرم منهم»
في منطق عظيم كثير نطقوا به، يكثر ذكره في الكتاب
وقد مضى المسلمون - وهم يخالفون الصفرية ، والأزارقة ،
وجميع الخوارج على أن سموا أهل القبلة مشركين، وحكموا فيهم بحكم نبي الله - عليه السلام - في المشركين؛ فعلى هذا فارق المسلمون أصناف الخوارج كلها "
قبل أن نكمل حكاية ما حدث بسبب المسائل الثلاث نبين الأخطاء فيها وهى :
الأول صلاة الجمعة مع كل مسلم وفاجر وهو كلام جنونى فالفاجر هو الكافر ولا تصلى الجمعة مع كافر إلا من اكره لكون الفجرة يرهقون فى النار كما قال تعالى:
"ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة "
الثانى أن أهل القبلة لا يشركون وأما القبلة فشىء مشترك بين المسلمين وبعض الفرق كمشركى مكة حيث كانوا يتخذونها قبلة ومصلى كما ذكر قوله تعالى :
"وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية"
والتعبير الذى لا تستعمله الفرقة وهو المسلمون لأنهم عند أنفسهم المسلمون كما ورد فى عدة تعابير فى هذا الكتاب كما فى القول :
"فلما سمع ذلك منهم الربيع، واستيقن بما هم عليه، وكلموه به، لم يسعه إلا أن يجمع المسلمين، فينهاهم أن يقبلوا ذلك من أحد من الناس دعاهم إليه" وأيضا قول الكتاب:
"فقدم رسولاهم مكة، وبها الربيع وجماعة المسلمين"
وبعض تلك المسائل تبين لنا أن تعريف الزنى المجنون عند الفرق المختلفة وهو دخول القضيب فى المهبل جعل البعض يتحايل على الشره فأباح كل صور الزنى فالزانى والزانية فى المسألة يفعلان كل شىء عدا إدخال القضيب فى المهبل ومع هذا اعتبروا هذا ليس بزنى وقريب منه فى عصرنا ما تعتنقه بعض الفتيات الزانيات من فعل كل شىء عدا إدخال القضيب فى المهبل ويبحن إدخاله فى الشرج ويزعمن أنهن شريفات لأن غشاء البكارة سليم
الزنى هو إتيان أى تلامس جسدى بشهوة كالتقبيل والتحسيس والدعك
وأما شباب المذهب الجدد فلم يكتفوا بحكاية المسائل الثلاث بل زادوا عليها تشبيه الله بخلقه وهو ما رده الربيع عليهم كما فى الفقرة التالية:
"فلما قال ذلك المسلمون، ولم يجامعوهم عليه، أقبلوا يزينون بدعتهم، فقالوا: «إن بعض قومنا يقولون إنه بلغنا: "أن الله تبارك وتعالى خلق خلقا على صورته" »ويقولون: «إن الله ينزل من السماء السابعة فيباهي الملائكة بأهل عرفة يوم عرفة» لم ينكر الأوائل نص هذه الأحاديث ولا حقيقتها، وإنما أنكروا على المتأولين تأويلهم لها بما يوهم التشبيه وجاءوا بما يكثر ذكره، وقد كان هذا يذكر عن بعض قومنا، قبل أن يولد شعيب وصاحباه واباؤهم، وقد سمع ذلك أشياخ المسلمين قبلهم ممن يروى عنهم، فلم يسموهم بذلك مشركين، ولا حكموا عليهم بحكم المشركين، ولم يكن ذلك من رأي أحد من المسلمين في دار تقيتهم ، ولا ممن خرج منهم مجاهدا مظهرا لأمره ، كان منه ما يقول هؤلاء النفر
فلما رأوا ألا حجة لهم في شيء من ذلك، أقبلوا يقولون فيمن قال: «إن لله قبلا ودبرا، وإنه ينزل في قفص» ، وما لا يستطيع أحد أن يلفظ به لسانه، لعظيم ما يجيئون به، مما لم نسمع به من أحد من أهل القبلة يصف به الرب، ولا من أحد من المشركين يقطعون على ضعفاء المسلمين بالمسائل ليقيموا به دعوتهم وكلامهم؛ وهذا كلام عظيم لا يجترئ عليه إلا جريء على الله، جاهل بعظمته "
وقد نهى الربيع جماعته عن إتياع هؤلاء الشباب كما جاء فى العنوان التالى:
جمع الربيع للمسلمين في أمرهم:
فلما سمع ذلك منهم الربيع، واستيقن بما هم عليه، وكلموه به، لم يسعه إلا أن يجمع المسلمين، فينهاهم أن يقبلوا ذلك من أحد من الناس دعاهم إليه، أو زينه لهم؛ فذكر وعاب من تكلم في شيء من هذه الأمور بخلاف ما مضى عليه المسلمون في الجمعة، وفي شأن المرأة الخبيثة الفاسقة، وفي شأن ما تكلموا به من تشريك أهل القبلة وأمر الناس أن يأخذوا بالأمر الذي مضى عليه المسلمون، وذلك منذ ثلاث سنين فلما سمع بذلك شعيب وصاحباه، أظهروا بدعتهم ، ودعوا إليها؛ فلم يجبهم - والحمد لله - أحد يعرف دينه"
وأحد الشباب وهو شعيب لما لم يجد مجيبين لدعوته خرج لمصر يدعو الناس لما قاله وهو ما جاء فى الفقرة التالية:
"خروج شعيب من البصرة إلى مصر:
ثم إن شعيبا خرج مستخفيا من البصرة لا يعلم به الربيع ولا غيره من المسلمين، ولا أين يوجد إلا خاصته الذين هم على رأيه فقدم مصر، وبلغتهم وفاة ابن رستم وإن شعيبا وأبا المتوكل ونفرا من أهل مصر كانوا في مجلس لهم؛ وإن شعيبا تكلم فزعم أن الربيع بن حبيب كذاب، خائن، مخلف، جاهل فشهد عليه بذلك رجلان من المسلمين شهدا ذلك المجلس، وهما من صلحاء المسلمين وخيارهم "
وذهب شعيب لتيهرت دون أن يشاور جماعة الإباضيين فيها وهو ما أتى بالفقرة التالية:
"خروج شعيب من مصر إلى تيهرت:
فلم يلبث شعيب أن خرج بغير مشاورة من أهل مصر، ولا رأي منهم، ولقد نهاه خيارهم أن يخرج إلى المغرب، فخرج وهو عند المسلمين بأقبح المنازل، حتى قدم على عبد الوهاب وقد كان من أمر أبي قدامة وأصحابه ما قد كان، من منازعتهم إمامهم عبد الوهاب فقال أبو قدامة وناس من أصحابه لعبد الوهاب: «اعتزل أمرنا، حتى نولي أمرنا غيرك»
فكثرت منازعتهم في ذلك، حتى استقام رأيهم على أن يبعثوا رسولين ويكف بعضهم عن بعض حتى يرجع إليهم رسولاهم وجواب كتابهم من عند المسلمين فما أتاهم من قبل المسلمين أخذوا به، واجتمعوا عليه "
وأثمرت دعوة شعيب ثمرتها فأيده البعض واختلفت الجماعة فأرسلوا رسولين للربيع ليفتيهم فيما أتى به شعيب وهو ما جاء بالفقرة التالية:
وصول رسولي أهل المغرب إلى مكة:
فقدم رسولاهم مكة، وبها الربيع وجماعة المسلمين، فقرأوا كتابهم، وسألوهم، ثم نظروا واجتهدوا، ولم يألوا جهدا فيما يوافق الهدى والعدل، وفيما يصلح الله به أمر المسلمين فكتبوا به، وبعثوا به مع رسوليهم، فلم يصل الرسولان، ولا كتابهما الذي رجوا منفعته، وصلاح أمرهم فيه "
ثم حدثت الحرب بين الفريقين فريق شعيب وفريق عبد الوهاب وهو قول الفقرة التالية:
"خروج أبي قدامة وشعيب على الإمام:
حتى خرج أبو قدامة وأصحابه فعسكروا حيث شاء الله؛ ثم إن أبا قدامة ومن معه ساروا إلى عبد الوهاب والمسلمين - وهم في منازلهم -، وبدأوا بالقتال فاقتتلوا فقتل من بلغ أجله فقدم الحاج فكان فيهم من كان مع عبد الوهاب والمسلمين، ومنهم من كان مع أبي قدامة ومن معه؛ فذكروا أن السير كان من أبي قدامة وأصحابه إلى المسلمين، وأن عبد الوهاب كان مقيما في منزله وعسكره، حتى غشيهم أبو قدامة ومن معه، وقامت البينة العدول فيما علمنا أن البدأة كانت من أبي قدامة، وأن شعيبا كان الرسول فيما بينهم، وأمر أصحاب أبي قدامة بالمسير والقتال، وزعم أن دم عبد الوهاب ومن معه حلال وشجع القوم، وهو أمر بذلك، وأعجلهم عن أن يأتي رسولاهم وجواب كتابهم وكان تصديق ذلك عند المسلمين على شعيب أنه لما كان من قتل أصحاب أبي قدامة ما كان، خرج منها شعيب، وقدم اطرابلس فأظهر البراءة وبراءة الأشخاص - وولاية الأشخاص - واجبة عند الإباضية، كما تجب براءة الجملة - وولاية الجملة - لما ورد من الأدلة في القران والسنة من عبد الوهاب ومن معه، وأحل دماءهم، واستقبل الحاج، فأظهر مثل ذلك"
وأفتى الربيع بهلاك شهيب ومن معه إن لم يتوبوا من بغيهم وهو قول الفقرة الاتية:
"رأي الربيع والمسلمين في فتنة النكار:
"فلما رأى الربيع والمسلمون معه ما كان من شعيب، ومن مسير أبي قدامة ومن قبله، نظروا واجتهدوا في النظر لله ولدينه، ولأهل دينه، فرأوا أن من عمل بمثل ما عمل به شعيب فهو هالك، بريء من الإسلام حتى يتوب ويراجع الحق فأظهروا البراءة منه، حيث لم يسعهم إلا ذلك وهم أهل بغي وعدوان، وأن أصحاب أبي قدامة ومن قتل منهم قتل باغيا معتديا ، ومن بغي منهم فهو هالك، إلا من تاب وندم، وراجع الحق وأهله، فمن تاب لم يعير بما كان منه، وقبل ذلك منه "
ونصح الربيع جماعته بألا يفتتنوا بشعيب ومن معه فقال فى الفقرة التالية:
"النهي عن الافتتان:
فاتقوا الله يا معشر المسلمين، فعليكم بالذي كان عليه أسلافكم من ولاة المسلمين وأيمتهم، وأهل الفضل منهم؛ واتركوا ما أحدث هؤلاء النفر، وما جاءوا به وتكلموا فيه، وأدخلوه على المسلمين؛ فإنهم يروون عن النبي - عليه السلام -: «إن كل حدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة »
خلاصة أحكام المسائل السابقة:
فلا تشكوا في الجمعة أنها فريضة من فرائض الله، وهي ركعتان يوم الجمعة مع الإمام ولا تشكوا في هذه المرأة الفاسقة أنها كافرة، فإنه لا يشك فيها ولا في أمرها، ولا يرخص في ذلك إلا من لا يعرف دينه
ولا تشكوا ليس أهل قبلتنا شرك، فيحكم عليهم حكم رسول الله - عليه السلام - في ملل الشرك وإياكم أن تنطقوا بهذا المنطق العظيم في الرب تبارك وتعالى، وبما تكلم هؤلاء السفهاء؛ فقد حرم الله على المؤمنين ذلك، وتقدم إليهم ووعظهم وأوعدهم في كتابه المنزل على لسان نبيه - عليه السلام - في خلق من خلقه، فقد سمعتموه وهو ما أنزل في عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - زوج النبي - عليه السلام - حين ابتليت بما ابتليت به، وتكلم في أمرها قوم ، فأنزل الله وحيا من السماء، فقال: {إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا اذ سمعتموه ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا وقالوا: هذا إفك مبين * لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، فإذ لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم, الكاذبون}
ثم لم يرض بذلك حتى قال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * اذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}
ثم لم يدع أن قال لهم: {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مومنين * ويبين الله لكم الايات والله عليم حكيم}
وعيدا منه بعد وعيد، حيث تكلموا بما بلغهم فيمن رمى عائشة - رضي الله عنها - ثم دلهم، ونصحهم، ونهاهم، ووعظهم أن يعودوا ويتكلموا بما تكلم به أهل المعصية فانظروا كم بين حرمة الله وحرمة عائشة- رضي الله عنها -، وأن الله ليس له مثل ولا شبه، والله أعظم وأجل من أن يذكر أو يتمارى فيه، بما تكلم أهل الجهل فيه والجرأة عليه ومن شبهه بخلقه وهذا كلام لم نسمعه من أحد من أهل القبلة ولا من أهل الشرك، ولا تكلم به - فيما نعلم - إلا قوم من هؤلاء الرهط، ولما علموا وأيقنوا أن أهل العلم، والورع، والفضل، والمعرفة بالله وعظمته، وما جاء من نهي الله في خلق من خلقه بما عظم من القول في ذلك من أمر عائشة، فعلموا أن المسلمين لا يجيبونهم في تلك الألفاظ الشنيعة ، تعظيما لله وتنزيها أن يذكر الله بشيء من ذلك أقبلوا يقولون فيهم: «ما منعهم أن يجيبوا إلا الضعف وقلة العلم بالخصومات»؛ وقد كذبوا، بل منعهم من ذلك العلم بما في ذلك من الإثم، والعلم بالله أنه متعال عن ذلك
خاتمة ووصية:
فاتقوا الله واجتنبوا هذا الكلام وأهله، وإياكم والتكلف بما لا يعنيكم، فإن لكم فيما يعنيكم شغلا لمن اشتغل به ولا يبلغن المسلمين عنكم إلا الموافقة للعدل والحق، واجتناب الباطل وأهله، فإن ذلك خير لكم وأسلم، وأعفى لكم وفقنا الله وإياكم في جميع أمورنا للحق والعدل، ولما يوافق الله ويرضيه ، ويجعل بقاءنا وخروجنا خروج المسلمين غير مداهنين ولا محادين فانظروا فيما كتبنا به إليكم نظر أهل الدين، فما فهمتم فاقبلوه، وما لم تفهموا فراجعوا فيه يأتكم البيان والفرق - إن شاء الله- "
هذه نصيحة الربيع لمن معه ورغم ما فيها من أقوال أختلف فيها معه فحديث الإفك لم يكن فى عائشة ولا فى امرأة واحدة وإنما كان حديثا فى أعراض بعض المسلمات وبعض المسلمين معا بدليل قوله تعالى "ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا" وقوله ""إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين امنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والاخرة"
فحديث الإفك يماثله فى عصرنا ما يسمى بتبادل الزوجات والأزواج
موضوع هذا الكتاب هو رسالة الربيع ومخلد بن العمرد ووائل في أمر الفرقة التي كانت بالمشرق والمغرب، حول حكم صلاة الجمعة، وامرأة أتت بشبه زنى، والقول في المتأولين للتشبيه وهؤلاء الأشخاص هم علماء وزعماء عند الفرقة الإباضية
الكتاب رغم كونه فى قسم الفقه بالمكتبة الإباضية الشاملة إلا إنه كتاب تاريخى يحكى تطورات الأحداث بسبب تلك المسائل الثلاث واقتتال الناس بسببها فى شمال أفريقية
الكتاب هو تأريخ لفترة من عمر الإباضية وتستهل الرسالة بالعنوان التالى :
"كلام أصحاب شعيب في المسائل الثلاث:
وقد بلغنا أنه ألقي إلى قبلهم منطق ليس من كلام المسلمين، ولا مما ينفع به أحدا منهم؛ وإنا نعلمكم بذلك - إن شاء الله إن شبابا من شباب المسلمين سمعوه من عامة المسلمين، فنطقوا به، وأقبل بعضهم يسأل عنه بعضا، حتى بلغ ذلك إلى أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة بعض فتيان المسلمين، فاستفتاه عنه، فغضب عليه غضبا شديدا، ولا نظنه إلا أنه قد برئ منه، وقال له: «ليس هذا من كلام المسلمين، ولا أهل الدين والورع؛ هذا من كلام الشياطين» وأخرجه من منزله، وطرده
استغاثة سهل بن صالح بحاجب الطائي:
فخرج من عنده، فاستغاث بحاجب فقال له: «إني دخلت على أبي عبيدة، فسألته واستفتيته عن أمر تنازع فيه أهل قبلتنا ممن يفارقنا ، وسألونا، فأحببت أن أسأل عنه المسلمين، وأعرف قولهم فيه فظن أبو عبيدة أن ذلك الكلام قد رضيت به وأراه عدلا، فغضب علي وشتمني وطردني، وإنما كنت سائلا متفقها، ولم أشعر أن المسلمين يكرهون المنطق فيه والمراجعة فأدركني يا أبا مودود »فأرسل حاجب الربيع بن حبيب فقال: «قل له: إن سهل بن صالح أتاني يبكي، ويذكر أنك سخطت عليه وطردته، في كلام سألك عنه، وأنه أخبرني أنه ليس مما يرضى به، وإنما جاء سائلا متفقها، وأنه ليس بالذي يعود إلى ذكر شيء منه، فإقبل منه رحمك الله» فكف عنه، ولم يزل في ذلك حتى ذهبا جميعا، فسكت عن ذلك المنطق، وأميت ذكره، فلم يسمع أحد من المسلمين يذكره، حتى توفي أشياخ المسلمين وذهبوا ."
من الفقرة السابقة نعلم أن خلافا حدث بين علماء القوم وطلاب العلم بسبب عدم إجابة العلماء على المسائل الثلاث خوفا من الفتنة بين الناس وأن الطلاب اقتنعوا بما قيل لهم ولكن بعد زمن أعيد طرح المسائل مرة أخرى وأجاب الشباب الجدد فى الفقرة التالية:
"إظهار شعيب وصاحباه لبدعهم:
ثم بلغنا منذ نحو سنتين عن شعيب بن المعرف ، وأبي المؤرج ، وعبد الله بن عبد العزيز ، أنهم يتكلمون به، ويخفونه فيما بينهم من المسلمين
فنظر في ذلك الربيع بن حبيب، وغيره من هم الصمت والرفق بينهم، إذ لم يظهروه ويدعوا إليه المسلمين فلم يزل ذلك أمر شعيب وصاحبيه، حتى توفي عبد الله بن القاسم أبو عبيدة الصغير ، والفضل بن جندب ، وناس من أهل البصرة من أهل الفضل فلما رأى شعيب وصاحباه ذلك، أظهروه ودعوا إليه أهل الضعف من الرجال والنساء، وكتبوا به الكتب إلى كل من يرجون أن يتابعهم عليه؛ واستقبلوا به الربيع بن حبيب - وخاصموه، فلما رأى مكرر ذلك الربيع لم يسعه الصمت عنهم؛ ثم تكلم فذكر الذي مضى عليه أوائل المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم "
الفقرة السابقة تبين أن الربيع بن حبيب وهو فقيه المذهب لما وجد الشباب قد نشروا الفتنة أجاب على المسائل الثلاث فيما روى الكتاب فقال:
"مسألة صلاة الجمعة:
ثم ذكر أن قوما - ممن يقر بالإسلام - يزعمون أن الفضل في ألا يجمع المسلمون مع أيمة قومنا ، لما أحدثوا واعلموا أن الجمعة فريضة من فرائض الله، واجبة على المسلمين في كتاب الله المنزل، حيث يقول: {يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله، وذروا البيع ذلكم خير لكم, إن كنتم تعلمون}، ففرض الله الجمعة، وهي: ركعتان يعلن فيهما بالقراءة؛ وفي غير الجمعة أربع ركعات، لا يعلن فيهن بالقراءة وهي مفروضة على كل مسلم، مع كل مسلم وفاجر ، إذا صلاها لوقتها، وأتم ركوعها وسجودها مضى على ذلك المسلمون ، ليس بينهم فيه اختلاف ولا منازعة "
مسألة المرأة التي أتت بشبه زنى:
وذكر الربيع أيضا أنهم يقولون في امرأة كانت مقرة بأمر المسلمين، ثم ابتليت فأحدثت أمرا منكرا: أن دخل عليها جماعة من رجال، يشربون النبيذ المسكر، فتقوم على رؤوسهم، تسقيهم ذلك الشراب الخبيث، متبرجة ليس عليها خمار ولا جلباب ، كاشفة عن رأسها ثم يقوم إليها من أحب منهم يصيب منها حاجته، غير أنه لا يدخل فرجه في فرجها، ولكن بين الفخذين وفوق الفرج؛ كلما فرغ واحد قام إليها اخر، يصيبون منها كلهم شهوتهم، و تصيب هي منهم شهوتها؛ وإن كان لها ابن فيهم، فأصاب منها مثل الذي أصاب غيره يكون ذلك منها مجلسا بعد مجلس، لا تتوب ولا تستغفر الله فيزعمون أنها ليست بكافرة بدين، ومن كفرها بدين فهو مفتر على الله "
وأما شباب المذهب فلم يسكتوا على فتوى إمام المذهب فى وقته فحاجوه كما جاء تحت العنوان التالى:
"محاججة شعيب وأصحابه للربيع:
وإن شعيبا، وابن عبد العزيز، وأيوب بن إبراهيم دخلوا على الربيع في منزله، فقالوا: «اقرأ علينا اية من القران لما تكفرون هذه المرأة المتبرجة»؛ فجادلوه أشد المجادلة فهذا في أمر هذه المرأة"
مسألة حكم أهل القبلة:
ومن قول شعيب وصاحبيه، أنهم قالوا: «إن بعض أهل قبلتنا مشركون، حلال دماؤهم، حرام مناكحتهم، وذبائحهم» وبعضهم يقول: «هم مجوس» وبعضهم يقول: «هم بمنزلة أهل الأوثان، ومن شك في شركهم فهو مشرك مثلهم، يحل منه ما يحل منهم، ويحرم منه ما يحرم منهم»
في منطق عظيم كثير نطقوا به، يكثر ذكره في الكتاب
وقد مضى المسلمون - وهم يخالفون الصفرية ، والأزارقة ،
وجميع الخوارج على أن سموا أهل القبلة مشركين، وحكموا فيهم بحكم نبي الله - عليه السلام - في المشركين؛ فعلى هذا فارق المسلمون أصناف الخوارج كلها "
قبل أن نكمل حكاية ما حدث بسبب المسائل الثلاث نبين الأخطاء فيها وهى :
الأول صلاة الجمعة مع كل مسلم وفاجر وهو كلام جنونى فالفاجر هو الكافر ولا تصلى الجمعة مع كافر إلا من اكره لكون الفجرة يرهقون فى النار كما قال تعالى:
"ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة "
الثانى أن أهل القبلة لا يشركون وأما القبلة فشىء مشترك بين المسلمين وبعض الفرق كمشركى مكة حيث كانوا يتخذونها قبلة ومصلى كما ذكر قوله تعالى :
"وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية"
والتعبير الذى لا تستعمله الفرقة وهو المسلمون لأنهم عند أنفسهم المسلمون كما ورد فى عدة تعابير فى هذا الكتاب كما فى القول :
"فلما سمع ذلك منهم الربيع، واستيقن بما هم عليه، وكلموه به، لم يسعه إلا أن يجمع المسلمين، فينهاهم أن يقبلوا ذلك من أحد من الناس دعاهم إليه" وأيضا قول الكتاب:
"فقدم رسولاهم مكة، وبها الربيع وجماعة المسلمين"
وبعض تلك المسائل تبين لنا أن تعريف الزنى المجنون عند الفرق المختلفة وهو دخول القضيب فى المهبل جعل البعض يتحايل على الشره فأباح كل صور الزنى فالزانى والزانية فى المسألة يفعلان كل شىء عدا إدخال القضيب فى المهبل ومع هذا اعتبروا هذا ليس بزنى وقريب منه فى عصرنا ما تعتنقه بعض الفتيات الزانيات من فعل كل شىء عدا إدخال القضيب فى المهبل ويبحن إدخاله فى الشرج ويزعمن أنهن شريفات لأن غشاء البكارة سليم
الزنى هو إتيان أى تلامس جسدى بشهوة كالتقبيل والتحسيس والدعك
وأما شباب المذهب الجدد فلم يكتفوا بحكاية المسائل الثلاث بل زادوا عليها تشبيه الله بخلقه وهو ما رده الربيع عليهم كما فى الفقرة التالية:
"فلما قال ذلك المسلمون، ولم يجامعوهم عليه، أقبلوا يزينون بدعتهم، فقالوا: «إن بعض قومنا يقولون إنه بلغنا: "أن الله تبارك وتعالى خلق خلقا على صورته" »ويقولون: «إن الله ينزل من السماء السابعة فيباهي الملائكة بأهل عرفة يوم عرفة» لم ينكر الأوائل نص هذه الأحاديث ولا حقيقتها، وإنما أنكروا على المتأولين تأويلهم لها بما يوهم التشبيه وجاءوا بما يكثر ذكره، وقد كان هذا يذكر عن بعض قومنا، قبل أن يولد شعيب وصاحباه واباؤهم، وقد سمع ذلك أشياخ المسلمين قبلهم ممن يروى عنهم، فلم يسموهم بذلك مشركين، ولا حكموا عليهم بحكم المشركين، ولم يكن ذلك من رأي أحد من المسلمين في دار تقيتهم ، ولا ممن خرج منهم مجاهدا مظهرا لأمره ، كان منه ما يقول هؤلاء النفر
فلما رأوا ألا حجة لهم في شيء من ذلك، أقبلوا يقولون فيمن قال: «إن لله قبلا ودبرا، وإنه ينزل في قفص» ، وما لا يستطيع أحد أن يلفظ به لسانه، لعظيم ما يجيئون به، مما لم نسمع به من أحد من أهل القبلة يصف به الرب، ولا من أحد من المشركين يقطعون على ضعفاء المسلمين بالمسائل ليقيموا به دعوتهم وكلامهم؛ وهذا كلام عظيم لا يجترئ عليه إلا جريء على الله، جاهل بعظمته "
وقد نهى الربيع جماعته عن إتياع هؤلاء الشباب كما جاء فى العنوان التالى:
جمع الربيع للمسلمين في أمرهم:
فلما سمع ذلك منهم الربيع، واستيقن بما هم عليه، وكلموه به، لم يسعه إلا أن يجمع المسلمين، فينهاهم أن يقبلوا ذلك من أحد من الناس دعاهم إليه، أو زينه لهم؛ فذكر وعاب من تكلم في شيء من هذه الأمور بخلاف ما مضى عليه المسلمون في الجمعة، وفي شأن المرأة الخبيثة الفاسقة، وفي شأن ما تكلموا به من تشريك أهل القبلة وأمر الناس أن يأخذوا بالأمر الذي مضى عليه المسلمون، وذلك منذ ثلاث سنين فلما سمع بذلك شعيب وصاحباه، أظهروا بدعتهم ، ودعوا إليها؛ فلم يجبهم - والحمد لله - أحد يعرف دينه"
وأحد الشباب وهو شعيب لما لم يجد مجيبين لدعوته خرج لمصر يدعو الناس لما قاله وهو ما جاء فى الفقرة التالية:
"خروج شعيب من البصرة إلى مصر:
ثم إن شعيبا خرج مستخفيا من البصرة لا يعلم به الربيع ولا غيره من المسلمين، ولا أين يوجد إلا خاصته الذين هم على رأيه فقدم مصر، وبلغتهم وفاة ابن رستم وإن شعيبا وأبا المتوكل ونفرا من أهل مصر كانوا في مجلس لهم؛ وإن شعيبا تكلم فزعم أن الربيع بن حبيب كذاب، خائن، مخلف، جاهل فشهد عليه بذلك رجلان من المسلمين شهدا ذلك المجلس، وهما من صلحاء المسلمين وخيارهم "
وذهب شعيب لتيهرت دون أن يشاور جماعة الإباضيين فيها وهو ما أتى بالفقرة التالية:
"خروج شعيب من مصر إلى تيهرت:
فلم يلبث شعيب أن خرج بغير مشاورة من أهل مصر، ولا رأي منهم، ولقد نهاه خيارهم أن يخرج إلى المغرب، فخرج وهو عند المسلمين بأقبح المنازل، حتى قدم على عبد الوهاب وقد كان من أمر أبي قدامة وأصحابه ما قد كان، من منازعتهم إمامهم عبد الوهاب فقال أبو قدامة وناس من أصحابه لعبد الوهاب: «اعتزل أمرنا، حتى نولي أمرنا غيرك»
فكثرت منازعتهم في ذلك، حتى استقام رأيهم على أن يبعثوا رسولين ويكف بعضهم عن بعض حتى يرجع إليهم رسولاهم وجواب كتابهم من عند المسلمين فما أتاهم من قبل المسلمين أخذوا به، واجتمعوا عليه "
وأثمرت دعوة شعيب ثمرتها فأيده البعض واختلفت الجماعة فأرسلوا رسولين للربيع ليفتيهم فيما أتى به شعيب وهو ما جاء بالفقرة التالية:
وصول رسولي أهل المغرب إلى مكة:
فقدم رسولاهم مكة، وبها الربيع وجماعة المسلمين، فقرأوا كتابهم، وسألوهم، ثم نظروا واجتهدوا، ولم يألوا جهدا فيما يوافق الهدى والعدل، وفيما يصلح الله به أمر المسلمين فكتبوا به، وبعثوا به مع رسوليهم، فلم يصل الرسولان، ولا كتابهما الذي رجوا منفعته، وصلاح أمرهم فيه "
ثم حدثت الحرب بين الفريقين فريق شعيب وفريق عبد الوهاب وهو قول الفقرة التالية:
"خروج أبي قدامة وشعيب على الإمام:
حتى خرج أبو قدامة وأصحابه فعسكروا حيث شاء الله؛ ثم إن أبا قدامة ومن معه ساروا إلى عبد الوهاب والمسلمين - وهم في منازلهم -، وبدأوا بالقتال فاقتتلوا فقتل من بلغ أجله فقدم الحاج فكان فيهم من كان مع عبد الوهاب والمسلمين، ومنهم من كان مع أبي قدامة ومن معه؛ فذكروا أن السير كان من أبي قدامة وأصحابه إلى المسلمين، وأن عبد الوهاب كان مقيما في منزله وعسكره، حتى غشيهم أبو قدامة ومن معه، وقامت البينة العدول فيما علمنا أن البدأة كانت من أبي قدامة، وأن شعيبا كان الرسول فيما بينهم، وأمر أصحاب أبي قدامة بالمسير والقتال، وزعم أن دم عبد الوهاب ومن معه حلال وشجع القوم، وهو أمر بذلك، وأعجلهم عن أن يأتي رسولاهم وجواب كتابهم وكان تصديق ذلك عند المسلمين على شعيب أنه لما كان من قتل أصحاب أبي قدامة ما كان، خرج منها شعيب، وقدم اطرابلس فأظهر البراءة وبراءة الأشخاص - وولاية الأشخاص - واجبة عند الإباضية، كما تجب براءة الجملة - وولاية الجملة - لما ورد من الأدلة في القران والسنة من عبد الوهاب ومن معه، وأحل دماءهم، واستقبل الحاج، فأظهر مثل ذلك"
وأفتى الربيع بهلاك شهيب ومن معه إن لم يتوبوا من بغيهم وهو قول الفقرة الاتية:
"رأي الربيع والمسلمين في فتنة النكار:
"فلما رأى الربيع والمسلمون معه ما كان من شعيب، ومن مسير أبي قدامة ومن قبله، نظروا واجتهدوا في النظر لله ولدينه، ولأهل دينه، فرأوا أن من عمل بمثل ما عمل به شعيب فهو هالك، بريء من الإسلام حتى يتوب ويراجع الحق فأظهروا البراءة منه، حيث لم يسعهم إلا ذلك وهم أهل بغي وعدوان، وأن أصحاب أبي قدامة ومن قتل منهم قتل باغيا معتديا ، ومن بغي منهم فهو هالك، إلا من تاب وندم، وراجع الحق وأهله، فمن تاب لم يعير بما كان منه، وقبل ذلك منه "
ونصح الربيع جماعته بألا يفتتنوا بشعيب ومن معه فقال فى الفقرة التالية:
"النهي عن الافتتان:
فاتقوا الله يا معشر المسلمين، فعليكم بالذي كان عليه أسلافكم من ولاة المسلمين وأيمتهم، وأهل الفضل منهم؛ واتركوا ما أحدث هؤلاء النفر، وما جاءوا به وتكلموا فيه، وأدخلوه على المسلمين؛ فإنهم يروون عن النبي - عليه السلام -: «إن كل حدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة »
خلاصة أحكام المسائل السابقة:
فلا تشكوا في الجمعة أنها فريضة من فرائض الله، وهي ركعتان يوم الجمعة مع الإمام ولا تشكوا في هذه المرأة الفاسقة أنها كافرة، فإنه لا يشك فيها ولا في أمرها، ولا يرخص في ذلك إلا من لا يعرف دينه
ولا تشكوا ليس أهل قبلتنا شرك، فيحكم عليهم حكم رسول الله - عليه السلام - في ملل الشرك وإياكم أن تنطقوا بهذا المنطق العظيم في الرب تبارك وتعالى، وبما تكلم هؤلاء السفهاء؛ فقد حرم الله على المؤمنين ذلك، وتقدم إليهم ووعظهم وأوعدهم في كتابه المنزل على لسان نبيه - عليه السلام - في خلق من خلقه، فقد سمعتموه وهو ما أنزل في عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - زوج النبي - عليه السلام - حين ابتليت بما ابتليت به، وتكلم في أمرها قوم ، فأنزل الله وحيا من السماء، فقال: {إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا اذ سمعتموه ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا وقالوا: هذا إفك مبين * لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، فإذ لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم, الكاذبون}
ثم لم يرض بذلك حتى قال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * اذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}
ثم لم يدع أن قال لهم: {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مومنين * ويبين الله لكم الايات والله عليم حكيم}
وعيدا منه بعد وعيد، حيث تكلموا بما بلغهم فيمن رمى عائشة - رضي الله عنها - ثم دلهم، ونصحهم، ونهاهم، ووعظهم أن يعودوا ويتكلموا بما تكلم به أهل المعصية فانظروا كم بين حرمة الله وحرمة عائشة- رضي الله عنها -، وأن الله ليس له مثل ولا شبه، والله أعظم وأجل من أن يذكر أو يتمارى فيه، بما تكلم أهل الجهل فيه والجرأة عليه ومن شبهه بخلقه وهذا كلام لم نسمعه من أحد من أهل القبلة ولا من أهل الشرك، ولا تكلم به - فيما نعلم - إلا قوم من هؤلاء الرهط، ولما علموا وأيقنوا أن أهل العلم، والورع، والفضل، والمعرفة بالله وعظمته، وما جاء من نهي الله في خلق من خلقه بما عظم من القول في ذلك من أمر عائشة، فعلموا أن المسلمين لا يجيبونهم في تلك الألفاظ الشنيعة ، تعظيما لله وتنزيها أن يذكر الله بشيء من ذلك أقبلوا يقولون فيهم: «ما منعهم أن يجيبوا إلا الضعف وقلة العلم بالخصومات»؛ وقد كذبوا، بل منعهم من ذلك العلم بما في ذلك من الإثم، والعلم بالله أنه متعال عن ذلك
خاتمة ووصية:
فاتقوا الله واجتنبوا هذا الكلام وأهله، وإياكم والتكلف بما لا يعنيكم، فإن لكم فيما يعنيكم شغلا لمن اشتغل به ولا يبلغن المسلمين عنكم إلا الموافقة للعدل والحق، واجتناب الباطل وأهله، فإن ذلك خير لكم وأسلم، وأعفى لكم وفقنا الله وإياكم في جميع أمورنا للحق والعدل، ولما يوافق الله ويرضيه ، ويجعل بقاءنا وخروجنا خروج المسلمين غير مداهنين ولا محادين فانظروا فيما كتبنا به إليكم نظر أهل الدين، فما فهمتم فاقبلوه، وما لم تفهموا فراجعوا فيه يأتكم البيان والفرق - إن شاء الله- "
هذه نصيحة الربيع لمن معه ورغم ما فيها من أقوال أختلف فيها معه فحديث الإفك لم يكن فى عائشة ولا فى امرأة واحدة وإنما كان حديثا فى أعراض بعض المسلمات وبعض المسلمين معا بدليل قوله تعالى "ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا" وقوله ""إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين امنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والاخرة"
فحديث الإفك يماثله فى عصرنا ما يسمى بتبادل الزوجات والأزواج