رضا البطاوى
02-12-2019, 09:03 AM
نقد كتاب التحصين في صفات العارفين من العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول الكتاب من تأليف جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلي وموضوعه كما قال :
" فهذا مضمونه العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول عليهم الصلاة والسلام وسميته: " كتاب التحصين في صفات العارفين "
وقد ألفه الرجل على ثلاثة فصول الأول تصور العزلة والمراد معناها الثانى إباحة العزلة كما ظن من الروايات الثالث فوائد العزلة كما يظن الحلى
وقد قال فى تعريفها :
"(القطب الأول في تصورها)
"فنقول العزلة الانقطاع إلى الله تعالى في كهف جبل أو ظل مسجد أو زاوية بيت وقد يقال العزلة هي الفرار والوحشة عن الخلق والإستيناس بالحق وهو أعم من الأول ولا يتهيأ ذلك إلا لمن قويت نفسه على هجر فضول الدنيا ومشتهياتها وكانت نفسه وهواه وراء عقله كما هو معلوم من أوصاف العارفين"
هذا التعريف يخالف وحى الله فالله لم يبح العزلة وهى البعد عن البشر والعزلة التى يمكن أن يقال أنه اباحها وهى الاعتكاف تكون فى مكان فيه ناس فالاعتكاف يكون فى مساجد البيوت حيث يمكن أن يباشر زوجته وفى هذا قال تعالى "ولا تباشروهن وانتم عاكفون فى المساجد" فالمباشرة وهى الجماع لا تكون فى المساجد العامة وإنما فى مساجد البيوت وهى أى ركن فيه مصحف ومكان تتم الصلاة فيه
العزلة وهى البعد عن الخلق فير ممكن فى الإسلام لأنه عصيان لأمر الله بالتعاون على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
والعزلة عصيان لأحكام متعددة منها :
صلة الأرحام
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
الزواج
تربية الأولاد
صلاة الجمعة
الحج
وقد استدل الرجل على تعريفه العزلة بحكايات فقال:
" قال بعضهم لبعض الأمجاد وقد قال له سلنى حاجتك فقال: أولي تقول هذا ؟ ولي عبدان هما سيداك قال: ومن هما ؟ قال: الحرص والهوى فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك وقيل لذى النون المصرى: متى يصح عزلة الخلق ؟ قال إذا قويت على عزلة نفسك قال فمتى يصح طلب الزهد ؟ قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا جميع ما يشغلك عن الله أقول ولما كانت العزلة الفرار من الخلق والإقبال على الحق فما لم يفرغ القلب شهوات الدنيا ويقطع علائق التعلقات بها لم يقبل الله لشده ما به من الكدورات والحجب عن الوصول بل سلب لذه المناجاة والعبادة ولهذا ترى الصباغ يبالغ تنقيه الثوب من الوسخ وقلع الأثر الحاصل عليه الدسم وغيره قبل صبغه ليصير قابلا لإشراق أنوار الصبغ عليه فالتحلي بالفضائل مسبوق بالتخلي عن الرذائل وكذا الطبيب يبدأ بالإسهال لإخراج العفونات وإزالة الأخلاط المضرة ثم يبادر بعده بما يكون موجبا لصلاح البدن وقوة الأعضاء فما لم يخل البدن من العفونات لا ينفعه اصلاح الغذاء وما لم ينق الثوب من الوسخ والدسم لا يشرق عليه نور الصبغ وكذلك القلب ما لم ينق من الحرص وسورة الغضب وتقاضي الشهوة لم يكن محلا لإشراق الأنوار الإلهية بل لم يصلح لخدمه الربوبية"
وما قاله هنا من حكايات بعيد عن العزلة فعزلة القلب غير العزلة المكانية المحرمة فعزلة القلب عن غير الله مطلوبة وأما العزلة المكانية عن الناس فمحرمة
ثم روى الروايات التى ظن أنها مبيحة للعزلة فقال:
1 - فقد روي فيما أوحى الله تعالى إلى موسى أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعظم على خلقي وقطع نهاره بذكرى والزم نفسه خوفى وكف نفسه الشهوات من أجلى "
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة بل كلام عن وجوب التعامل مع الخلق بعدم التعظم عليهم
2 - قال عيسى بحق أقول لكم كما نظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حلاوة بحق أقول لكم كما أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت وبنصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق أقول لكم إن الزق إذا لم ينخرق يوشك يكون وعاء العسل كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية الحكمة"
هذا القول هو الأخر ليس دليلا على العزلة بل هو دليل على أن التعامل مع الخلق واجب حيث يشعر العابد بحلاوة العبادة من خلال التعب فى معاملة الناس بينما لو ابتعد عنهم لن يجد أى صعوبة ومن ثم لا حلاوة فى العبادة
3 - وروى فيما أوحى الله تعالى إلى داود يا داود حذر وأنذر اصحابك من كل الشهوات فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنى"
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة وإنما يتكلم عن الشهوات وحبها
4 - وفي الحديث من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة ويحتاج صاحبها إلى ثلاثة أشياء الأول قطع الطمع عن الخلق الثاني أن ييأس من شئ ويأنس بالله سبحانه كما سيجئ في صفاتهم حتى قال قائلهم عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت انسان فكدت أطير الثالث الهيبة بحيث لا يجرا الراغب في الدنيا ان يذكر بين يديه شيئا منها فربما ثارت نفسه وانبعثت ارادته وانتعشت شهواته فيحتاج قسرها وتأديبها ومجاهدتها وفي ذلك شغل شاغل له. "
الخطأ أن من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة فالأكل كشهوة محللة كما قال تعالى "كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا"أو للحصول على شهوة محللة كالجماع وأى شىء مباح من الله يدخل الحكمة فى القلب فإنما الشهوة الحرام هى التى تمنع الحكمة عن القلب
5 - ولقد كان رسول الله (ص) حين يدخل احدى زوجاته فيجد على بابها الستر وفيه التصاوير فيقول غيبيه عنى فانى إذا نظرت إليه ذكرت وزخارفها"
هذا القول ليس دليل على العزلة المكانية فالرجل يبعد نفسه عن الحرام بالبعد عما يشغله عن طاعة الله
ثم تناول الرجل إباحة العزبة المكانية فذكر الروايات التالية:
" (القطب الثاني في الاذن فيها) * والأخبار في ذلك لا تحصى كثرة فلنذكر ما يحضرنا
6 - الأول أبو عبد الله عن ابن أبي عمير عن بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح قال سمعت عبد الله يقول لولا الموضع الذي وضعني الله فيه لسرني أن أكون على رأس جبل لا أعرف الناس ولا يعرفونى حتى يأتيني الموت"
القول حرم العزلة بسبب إسلام الرجل فالإسلام يحتم التواجد فى مجتمع المسلمين كما طلب الله منهم الهجرة له فقال " والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"
فهنا اعتبر الذى لم يهاجر ليس له ولاية للمسلمين
7 - الثاني ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الانصاري قال قال لي أبو جعفر يا عبد الواحد ما يضرك أو ما يضر رجلا إذا كان على الحق ما قال له الناس ولو قالوا مجنون وما يضره وكان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت
8 - الثالث روى فضيل بن يسار عن أبي عبد قال ما يضر المؤمن ان يكون متفردا عن ولو على قلة جبل فأعادها ثلاث مرات
9 - الرابع عنه عن أبي جعفر ما يضر من عرفه الله الحق أن يكون على قله جبل يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت
10 - الخامس روى ابن فضال عن رفاعة بن عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا الله يقول ما يضر من كان على هذا الأمر ان لا يكون له ما يستظل به إلا الشجر ولا يأكل من ورقه :
الأقوال السابقة فى البعد عن الناس للجبل يتعارض كما قلنا مع كثير من الأحكام كتعاون المسلمين على الخير والزواج والنفقة على الأسرة وصلاة الجمعة وبر الأبوين والجيران والأصحاب والأقارب
11 - السادس روى ابن عباس عن (ص) انه قال ألا أخبركم بخير الناس منزله ؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله حتى يموت يقتل ألا أخبركم بالذى يليه ؟ قالوا بلى يا الله قال رجل في جبل يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعتزل شرار الناس ألا أخبركم بشر الناس منزلة الذي يسال بالله فلا يعطى به"
الخطأ هنا أن شر الناس منزلة الذي يسأل بالله فلا يعطى به وهو ما يناقض أن شرهم كما قال تعالى "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون"وشر الشرار المنافقين كما قال تعالى "إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار"
12 - السابع بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي الله قال طوبى لعبد نومه عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم في اعمالهم بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن"
هنا العزلة المطلوبة عزل النفس عن أعمال الناس المنكرة مع مصاحبتهم بالبدن
13 - الثامن أبو عبد الله عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر واسحاق بن جرير عن عبد الحميد أبي الديلم قال قال لي أبو عبد الله لا عليك ان لا يعرفك الناس ثلاثا يا عبد الحميد إن لله رسلا مشتغلين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق المشتغلين فاسأله بحق المستخفين"
الخطأ وجود رسل مشتغلين ورسل مستخفين وهو جنون فكيف يبلغ الرسول الخفى الرسالة وهو لا يتعامل مع الناس كى يبلغهم الرسالة وهو ما يتعارض مع قوله تعالى " بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"
14 - التاسع أبو عبد عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله قال قال الله تبارك وتعالى ان من اغبط اوليائي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاة أحسن عباده ربه بالغيب والله في السريره وكان غامضا في الناس ولم يشر بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنيه فقل تراثه وقلت بواكيه"
15 - العاشر أبو عبد الله عن النضر بن سويد عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم عن أبي قال قال رسول الله (ص) قال الله تبارك إن أغبط أوليائي عندي رجل خفيف ذو حظ من صلاة أحسن عباده ربه الغيب وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر حتى مات فقل تراثه وقلت بواكيه "
الخطأ المشترك بين الروايتين أن أسعد المسلمين المصلى العابد ربه بالغيب الذى لا يعرفه الناس وهو ما يخالف كون الأسعد وهو الأفضل المجاهد كما قال تعالى "وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
16 - الحادى عشر عكرمه عن عبد الله بن عمرو قال بينا نحن حول رسول الله (ص) إذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده الفتنة فقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وحقرت أمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابع قال فقمت إليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: الزم بيتك وامسك عليك لسانك وخذ ما تعرف وذر ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك وذر عنك العامة"
الخطأ لزوم البيت فى الفتنة وهو جنون من كل النواحى حيث يحرم نفسه وأهله من الرزق فيموت جوعا هو وهم ويحرم ما أوجب الله من العمل بالمشى فى مناكب الأرض كما قال تعالى "فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه" كما أن يعصى قوله تعالى بوجوب الإصلاح بين المسلمين كما قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"
17 - الثاني عشر عن النبي (ص) أحب إلى منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعمر ماله ويحفظ دينه ويعتزل"
نلاحظ الخبل فى الرواية أن حفظ الدين بكون بالاعتزال وكما قلنا صلاح الدين يكون بطاعة الدين فى كل شىء كالإصلاح بين المتقاتلين والتعاون على البر وهى أمور لا يمكن تحققها باعتزال الناس
18 - الثالث عشر روى أبو يوسف يعقوب بن يزيد جعفر بن الزبير عمن ذكره عن أبي عبد الله قال ان مما يحتج الله تبارك وتعالى به عبده يوم القيامة ان يقول الم اخمل ذكرك"
يتعارض القول بخمول الذكر مع قوله تعالى "ورفعنا لك ذكرك" كما يتعارض مع دعاء المسلمين بجعلهم أئمة يقتدى بهم كما دعوا الله قائلين "واجعلنا للمتقين إماما"
19 - الرابع عشر روى عن الصادق انه قال لحفص بن غياث في وصيه له مطوله يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا"
وصية تخالف كتاب الله فالمسلمون كلهم سواء ليس فيهم ذنب ولا رأس ولذا قال "إنما المؤمنون اخوة" وقال فى حكمهم أنه شركة اى سورى بين جميعهم فقال "وأمرهم شورى بينهم"
20 - الخامس عشر عنه للمعلى بن خنيس في كلام له من جملته يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية"
قول لا علاقة له بالعزلة
21 - السادس عشر عن أبي عبد الله قال له المعروف الكرخي أوصني يا بن رسول قال اقلل معارفك قال زدنى قال انكر من عرفت منهم قال زدنى قال حسبك "
الرجل هنا يأمر الرجل بالمنكر وهو الاقلال من المعارف وإنكار معرفة من يعرفهم وهو تعليم الكذب للرجل والمفروض فى المسلمين أن يتعارفوا كى يتعاونوا على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
22 - السابع عشر عن (ص) كفى بالرجل أن يشار إليه بالأصابع في دين دنيا"
الخطا ان معرفة الرجل بالدين او بالدنيا هلاك وهو كلام فارغ لأن معناه أن رسل الله(ص) هالكون لمعرفة الناس إياهم بسبب رسالاتهم التى يجب أن يبلغوها للناس
ثم تناول ما سماه فوائد العزلة فقال:
"(القطب الثالث في فوائدها وهي أمور) * الأول انها من حقائق الايمان 23 - روى عن النبي (ص) انه قال لا يستكمل العبد حقيقة الايمان يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف و يكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته"
الخطأ ان المسلم تكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته وهو كلام ليس صحيحا فالمسلم يريد كثرة حسناته وليس قلتها وهو يريد كثرة المسلمين وليس قلتهم وهو يريد كثرة الأمن والأمان فى الأرض ولا يريد قلته وهو يريد كثرة الصدق
" الثاني السلامه الرياء فقد قيل من استوحش من الوحدة واستأنس بالناس لم يسلم من الرياء:
24 - روى أبو عبد الله وفضال عن على بن النعمان عن يزيد بن خليفة قال أبو عبد الله ما يضر أحدكم إن كان على قلة جبل حتى ينتهى إليه أجله أتريدون تراءون الناس إن من يعمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله إن كل رياء شرك"
هنا الرجل على قلة الجبل وحده فكيف يعمل للناس وهو بعيد عنهم ؟
" الثالث السلامه من الخلق وحفظ الدين بالهرب:
25 - روى عن ابن مسعود قال قال رسول (ص) ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذى دين دينه إلا من يفر من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر كالثعلب بأشباله قالوا ومتى ذلك الزمان قال إذا لم ينل المعيشة بمعاصي الله فعند ذلك حلت العزوبة قالوا يا الله أمرتنا بالتزويج قال بلى ولكن إذا ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدى أبويه فإن يكن له أبوان فعلى يدى زوجته وولده فإن لم يكن زوجه ولا ولد فعلى يدى قرابته وجيرانه قالوا وكيف يا رسول الله قال يعيرونه لضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يوردونه موارد الهلكة"
هذه الكلام كلام من لا يعرف حكم الله فى الاضطرار فالمسلم الذى يضطر احضار رزقه بما يظن أنه حرام لا يهلك أم الله اباح للمسلم ان يفعل أفعال الكفار ما دام لا يوجد هناك محرج من هذا الرزق الحرام لأنه فى تلك الحالة مكره على الكفر كما قال تعالى " وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
"الرابع إنها توقر العرض وتستر الفاقة وترفع ثقل المكافأة:
" مر أويس القرنى براهب فقال يا راهب لم تخليت الدنيا ولزمت الوحدة ؟ فقال يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لأنست من نفسك يا فتى الوحدة رأس العبادة ما أنستها الفكرة فقال يا راهب ما اقل ما يجد العبد في الوحدة ؟ قال الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم وقال بعضهم جربت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت أخا ستر لي عورة ولا غفر لي ذنبا فيما بينى وبينه ولا واصلني إذا قاطعته ولا أمنته إذا غضب فاشتغال بهؤلاء حمق كثير "
بالقطع الوحدة هى الرهبانية التى اخترعها الناس زعما منهم أنهم يعبدون الله وهو شىء لم يكتبه الله عليهم كما قال "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"
"الخامس السلامه من آثام الخلق والوقوع فيهم والخلاص من تبعاتهم ولهذا قيل إذا كانت الفضيلة الجماعه فإن السلامة في العزلة قيل لراهب في صومعته لا تنزل فقال من مشى على وجه الأرض عثر وقيل لراهب من رهبان الصين يا راهب قال لست براهب إنما الراهب من رهب الله في سمائه وحمده نعمائه وصبر على بلائه ولا يزال فارا إلى ربه مستغفرا لذنبه وإنما أنا كلب عقور حبست نفسي في هذه الصومعة لئلا اعقر الناس"
الحكاية التى حكاها الرجل ليست دليلا على إباحة العزلة وإنما على تحريمها إلا فى حالة الاضطرار وهى أن يرتكب الإنسان الذنوب الكبرى مع الناس كالقتل والجرح
"السادس انها اقرب إلى السلامه ودليل قوه العقل
26 - قال الصادق عزت السلامة لقد خفى مطلبها فإن تكن في شئ فيوشك أن تكون الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون الصمت فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك ان تكون التخلي فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها وذكره في كشف الغمة عن سفيان الثوري"
ما ذكره الرجل من كون السلامة فى الخمول والصمت والتخلى ينافى أن الخاملون وهم الضعفاء من البشر دخلوا جهنم لأنهم تركوا الكبار يأخذون حقوقهم وهو الخمول والتخلى ويقودونهم إلى عصيان الله وفى هذا قال تعالى "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا
"وعنهم الصبر على الوحدة دليل قوه العقل السابع انها ترفه العمر وتحرسه عن الضياع وتقصره مصالح الاخرة ورضى الرب من النظر والفكر والاعتبار والذكر:
27 - قيل لراهب ما اصبرك على الوحدة ؟ قال أنا جليس ربى إذا شئت ان يناجيني قرأت كتبه وإذا شئت أناجيه صليت وقال بعضهم اتيت منقطعا فكأنى رأيته ينقبض فقلت له كأنك تكره أن تؤتى قال أجل قلت فما تستوحش قال وكيف استوحش ويقول انا جليس من ذكرني وقال بعضهم مررت بصديق وهو خلف سارية وحده فجئت فسلمت وجلست ما أجلسك إلى قلت رأيتك وحدك فاغتنمت وحدتك فقال أما انك لو لم تجلس إلى لكان خيرا لي وخيرا لك فاختر أما ان اقوم عنك فهو والله خير ولك وأما ان تقوم عنى فقلت بل اقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله بها فقال يا عبد الله اخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك وكتب حكيم إلى أخ له يا أخى إياك والإخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك فإذا ذهب يومك خسرت الدنيا والآخرة وخرج قوم إلى السفر فجازوا الطريق فانتهوا إلى صومعة راهب فقالوا يا راهب أين الطريق فأومى برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا راهب إنا سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال اسألوا وتكثروا فإن النهار لا يرجع والعمر لا يعود والطالب حثيث فقالوا على ما ذا الخلق غدا عند مليكهم ؟ فقال على نياتهم فعجب القوم كلامه ثم قالوا أوصنا فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما بلغ البغية ثم أرشدهم الطريق وأدخل رأسه في صومعته وقيل لراهب رؤى عليه مدرعة شعر سوداء ما الذي حملك على لبس السواد فقال هو لباس المحزونين وأنا أكبرهم فقيل له ومن أي شئ أنت محزون قال لأنى أصبت في نفسي وذلك انى قتلتها معركة الذنوب فأنا حزين عليها ثم أسيل دمعه فقيل ما الذي أبكاك الآن قال ذكرت يوما مضى من أجلى يحسن فيه عملي فبكائي لقلة الزاد وبعد المفازة وعقبه لا بد لي من صعودها ثم لا ادرى أين مهبطها الجنة ام إلى النار ثم انشد يقول يا باكيا يطوى المسافة عمره * بالله هل تدرى مكان نزولكا شمر وقم من قبل حطك في الثرى * في حفره تبلى لطول حلولكا"
بالقطع كما قلنا لم يشرع الله الوحدة فى مكان منعزل لأن هذه هى الرهبانية المبتدعة التى لم يشرعها الله
28 - وقال أمير المؤمنين في كلام طويل في ذم الدنيا إنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى بما فيه فليس بعائد ويوم أنت فيه يحق اغتنامه ويوم لا تدرى من أهله ولعلك راحل فيه فأما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع وغدا فإنما في يديك منه الامل فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته وان يكن يومك هذا آنسك بقدومه فقد كان طويل الغيبه عنك وهو سريع الرحله عنك فتزود منه وأحسن وداعه خذ بالثقة في العمل وإياك والاغترار بالأمل ولا تدخل عليك اليوم هم غد يكفى اليوم همه وغدا إذا حل لتشغله إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك وتكلفت إن تجمع يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل واشتد التعب وضعف العمل للأمل ولو خليت قلبك من الأمل تجد ذلك العمل والأمل منك في اليوم قد ضرك وجهين سوفت به في العمل وزدت به في الهم والحزن أو لا ترى ان الدنيا ساعة بين ساعتين ساعة مضت وساعة بقيت وساعة أنت فيها فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية والساعة التي أنت فيها منزله الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذمه إياك وحل النازل بك بالتجربة لك فإحسانك الثاوى يمحو اساءتك إلى الماضي فأدرك ما اضعت باغتنامك استقبلت واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك ولو أن مقبورا من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها آخرها تجعلها لولدك الذين لم يكن لك هم غيرهم أو يوم نرده اليك فتعمل فيه لنفسك لاختار يوما يستعتب فيه من سئ ما أسلف على جميع الدنيا يورثها لولده ومن خلفه فما يمنعك أيها المفرط المسوف ان تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك ألا تسعى في تحرير رقبتك وفكاك رقك ووقاء نفسك"
هذا الكلام ليس فيه أى كلام عن العزلة أو فائدة منها ولا حتى إباحتها فهو كلام عن اغتنام الوقت فى عمل الصالحات من أجل دخول الجنة
" الثامن انها عباده بانفرادها:
29 - روى أبو بصير قال سمعت عبد الله يقول العزلة عبادة إن أقل العتب الرجل قعوده في منزله"
الخطأ كون العزلة عبادة والسؤال أين الدليل القرآنى على إباحة العزلة ؟
30 - ومر عيسى رجل نائم فقال له قم فقال الرجل قد تركت الدنيا لأهلها فقال له نم مكانك اذن وقيل لحكيم الدنيا لمن ؟ قال لمن تركها فقيل له الآخرة لمن ؟ قال لمن طلبها وقال حكيم الدنيا دار خراب واخرب منها قلب يعمرها وقيل لعابد خذ حظك من الدنيا فإنك عنها قال الآن وجب ان لا آخذ حظى منها"
الخطأ تحريم الحظ من الدنيا وهو ما يخالف قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
فالله لم يحرم الحظ الحلال من الدنيا
"التاسع إنها عافية:
31 - على بن اسباط عن بعض رجاله رفعه قال أمير قوله المؤمنين يأتي على الناس زمان يكون العافية فيه عشرة اجزاء تسعة منها في اعتزال وواحدة في الصمت وقيل لبعض العلماء لو تحركت فتذكر ذكر غيرك قال لما رأيت معالى الامور مشفوعة بالتالف اقتصرت على الخمول ظنا منى بالعافية العاشر المتصف بها أحسن الناس حالا "
هذه الرواية هى خبل بتمكين الأغنياء من الدنيا دون اى مقاومة من جانب المظلومين وقد اخبرنا الله أن الظالم والمظلوم تارك الحقوق للظالم هو دخول الاثنين جهنم كما قال تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"
32 - روى محمد على عمن ذكره عن أبي حمزه عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أمير قوله المؤمنين يقول يأتي الناس زمان يكون فيه أحسن هم حالا من كان جالسا بيته"
وهذه الرواية مماثلة للسابقة فى دعوتها ترك الدنيا للظلمة يتمتعون بها دون أى مقاومة من جاني المظلومين وهو ما يؤدى بالكل للنار
" الحادى عشر ان المتصف بها سالم:
33 - قال أمير قوله المؤمنين وذلك زمان لا يسلم إلا كل مؤمن نومه ان شهد لم يعرف وان غاب لم يفتقد اولئك مصابيح الهدى وأعلام السرى يفتح الله باب الرحمه ويرفع عنهم ضر النقمة ليسوا بالمساييح وبالمذاييع البذر"
كلام لتمكين الظلمة من التمتع بالدنيا وحرمان المظلومين منها بعدم دفاعهم عن حقوقهم
"الثاني عشر ان المتصف بها من الأتقياء المحبوبين الله تعالى:
34 - قال النبي (ص) أن أحب العباد الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا وإذا خطبوا لم يزوجوا الثالث عشر المتصف بها من أهل الجنة"
الخطأ أن أحب العباد الله الأتقياء الأخفياء وهو ما يخالف كونهم المجاهدين كما قال تعالى "وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
35 - قال النبي ا لا أخبركم بأهل الجنة قالوا بلى يا الله قال كل اشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه به لو اقسم على الله لأبر قسمه الرابع عشر انها آيه الرضوان والمن من الله عز وجل"
الخطأ أن أهل الجنة كل اشعث أغبر ذى طمرين وهو كلام جنونى يتعارض مع أمر الله بالنظافة ومع أمر الله بأخذ الحلال من الرزق فى قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
36 - محمد بن على عن موسى بن سعدان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال لا يزال المؤمن راغبا عن الدنيا ونعيم أهلها حتى يمن الله عليه فإذا من عليه كانت الدنيا وأهلها حقيرة عنده كالجيفة يعافها يراها
37 - وروى بعض اصحابنا عن سعدان بن مسلم قال لا يزال العبد يرزقه الله الدنيا وبهجتها حتى يرتفع عنه الشك فيما عند ربه فإذا ارتفع الشك كانت الدنيا عنده كالطوف في الجوف يشتهى اخراجه"
الخطأ المشترك بين الروايتين هو اعتبار المؤمن الدنيا مكروهة يعافها وهو ما يخالف قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
" الخامس عشر ان المتصف بها يرفع الله قدره ويعلى ذكره:
38 - حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله من احب ان يذكر خمل ومن احب يخمل ذكر"
هذا كلام خبل فمن أراد الذكر كفرعون ذكر وخلد ذكره فى القرآن فليس كل من أراد الذكر خمل وليس كل من أراد الخمول خمل كمؤمن آل فرعون الذى خلد الله ذكره فى القرآن
"السادس عشر انها تقطع طريق الحق وتوصل إليه:
39 - روى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن القمى نزيل الرى في كتابه المنبئ عن زهد (ص) قال حدثنا أحمد بن على بن بلال قال عبد الرحمن بن حمدان قال حدثنا الحسن بن قال حدثنا أبو الحسن بشر بن أبي بشر البصري قال أخبرني الوليد بن عبد الواحد قال حدثنا حنان البصري عن اسحاق بن نوح عن محمد بن على عن سعيد زيد بن عمرو ابن نفيل قال سمعت النبي (ص) واقبل على بن زيد فقال يا أسامة بطريق الحق وإياك ان تختلج دونه بزهرة رغبات الدنيا وغضارة نعيمها وبائد سرورها وزائل عيشها فقال أسامة يا رسول الله ما ايسر ما يقطع به ذلك الطريق ؟ قال السهر الدائم والظما في الهواجر وكف النفس الشهوات وترك اتباع الهوى واجتناب ابناء يا أسامة عليك بالصوم فانه قربه إلى الله ولا شئ اطيب عند الله من ريح فم صائم ترك الطعام و الشراب لله رب العالمين وآثر الله على ما سواه وابتاع آخرته بدنياه فإن استطعت ان يأتيك الموت وجائع وكبدك ظمآن فافعل فانك تنال بذلك اشرف المنازل وتحل مع الابرار والشهداء والصالحين يا أسامة عليك بالسجود فانه اقرب ما يكون العبد من ربه كان ساجدا وما من عبد سجد لله سجده إلا كتب له بها حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له بها درجة واقبل الله عليه بوجهه وباهى به ملائكته يا أسامة عليك بالصلاة فانها افضل اعمال العباد لان الصلاة رأس الدين وعموده وذروه سنامه واحذر يا أسامة دعاء عباد الله انهكوا الابدان وصاحبوا الاحزان وأزالوا اللحوم وأذابوا الشحوم واظماوا الكبود واحرقوا الجلود بالأرياح والسمائم حتى غشيت منهم الابصار شوقا الواحد القهار فإن الله إذا نظر إليهم باهى بهم الملائكه وغشاهم بالرحمه بهم يدفع الله الزلازل والفتن ثم بكى رسول الله (ص) حتى علا بكاؤه واشتد نحيبه وزفيره وشهيقه وهاب القوم ان يكلموه فظنوا لأمر قد حدث من السماء ثم انه رفع رأسه فتنفس الصعداء ثم قال اوه اوه بؤسا لهذه الأم’ ما ذا يلقى من اطاع الله كيف يطردون ويضربون ويكذبون أجل انهم اطاعوا الله فاذلوهم بطاعة الله إلا ولا تقوم الساعة حتى يبغض الناس من اطاع الله ويحبون من عصى فقال عمر يا رسول الله والناس يومئذ الاسلام قال وأين الاسلام يومئذ يا عمر ان المسلم يومئذ كالغريب الشريد ذلك زمان يذهب فيه الاسلام ولا يبقى إلا اسمه ويندرس فيه القرآن فلا يبقى إلا رسمه قال عمر يا رسول الله وفيما يكذبون من اطاع ويطردونهم ويعذبونهم ؟ فقال يا عمر ترك القوم الطريق وركنوا إلى الدنيا ورفضوا الاخرة وأكلوا الطيبات ولبسوا الثياب المزينات وخدمتهم ابناء فارس والروم فهم يغتذون في طيب الطعام ولذيذ الشراب وزكى الريح ومشيد البنيان ومزخرف البيوت ومجد المجالس يتبرج الرجل منهم كما تتبرج الزوجه لزوجها وتتبرج النساء بالحلى والحلل المزينه رايتهم يومئذ بزى الملوك الجبابرة يتباهون بالجاه وأولياء الله عليهم العناء مشحبة الوانهم السهر ومنحنية اصلابهم من القيام قد لصقت بطونهم بظهورهم طول الصيام قد اذهلوا انفسهم وذبحوها بالعطش طلبا لرضى الله وشوقا إلى جزيل ثوابه وخوفا اليم عقابه فإذا تكلم منهم متكلم بحق أو تفوه بصدق قيل له اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلاله يتأولون الله على غير تأويله ويقولون من حرم زينه التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق واعلم أسامة ان اكثر الناس عند الله منزله يوم القيامة وأجزلهم ثوابا وأكرمهم مابا من طال في حزنه وكثر فيها همه ودام فيها غمه وكثر جوعه وعطشه اولئك الابرار الاتقياء الاخيار ان شهدوا يعرفوا وان غابوا لم يفتقدوا يا أسامة اولئك تعرفهم بقاع وتبكى إذا فقدتهم محاريبها فاتخذهم لنفسك كنزا وذخرا لعلك تنجو بهم من زلازل الدنيا وأهوال القيامة وإياك ان تدع ما هم فيه وعليه فتزل قدمك وتهوى في النار فتكون من الخاسرين واحذر يا أسامة ان تكون من الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون وللحاجة إلى بعض هذه الوصيه ولحسنها كرهت احذف منها شيئا ولرسول الله (ص) كلام في مثل هذا في صفه اولياء سبحانه احببت ايراده هنا " 40 - من الكتاب المذكور مرفوعا إلى النبي (ص) انه قال أ تدرون غمى ؟ وفي أي شئ تفكري ؟ وإلى أي شئ اشتاق ؟ قال أصحابه يا رسول الله ما علمنا بهذه من شئ أخبرنا بغمك وتفكرك وتشوقك ؟ قال النبي (ص) أخبركم شاء الله ثم تنفس وقال هاه شوقا إلى اخواني من بعدى فقال أبو ذر يا رسول الله ألسنا اخوانك ؟ قال لا انتم أصحابي واخواني يجيئون من بعدى شانهم شأن الانبياء قوم يفرون من الآباء والامهات ومن الإخوة والإخوات ومن القرابات كلهم ابتغاء مرضات الله يتركون المال ويذلون انفسهم بالتواضع لله لا يرغبون في الشهوات وفضول الدنيا مجتمعون في بيت من بيوت الله كأنهم غرباء محزونين لخوف النار وحب الجنة فمن يعلم قدرهم الله ليس بينهم قرابة ولا مال يعطون بها بعضهم لبعض اشفق الابن على الوالد ومن الوالد على الولد ومن الأخ على الأخ هاه شوقا إليهم يفرغون انفسهم من كد الدنيا و نعيمها بنجاة أنفسهم من عذاب الابد ودخول الجنة لمرضات الله واعلم يا أبا ذر ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا يا أبا ذر واحد منهم اكرم على الله من كل خلق الله على وجه الأرض يا أبا ذر قلوبهم الله وعملهم لله لو مرض احدهم له فضل عباده الف سنه صيام نهارها وقيام ليلها وان شئت حتى ازيدك أبا ذر قال نعم يا رسول الله زدنى قال لو ان احدا منهم مات فكانما مات من في السماء من فضله على الله وان شئت ازيدك قال نعم رسول الله زدنى قال يا أبا ذر لو ان أحدهم تؤذيه قمله ثيابه فله عند الله أجر أربعين حجه وأربعين عمره وأربعين غزوه وعتق اربعين نسمه من ولد اسماعيل ويدخل واحد منهم اثنى عشر الفا في شفاعته قال: فقلت سبحان الله وقالوا مثل قولى سبحان الله ارحمه بخلقه وألطفه وأكرمه على خلقه فقال (ص) أ تعجبون من قولى ؟ وان شئتم حتى ازيدكم قال أبو ذر نعم يا رسول الله زدنا فقال النبي (ص) يا أبا ذر لو ان احدا منهم اشتهى شهوه من شهوات فيصبر ولا يطلبها كان له من الاجر بذكر اهله يغتم ويتنفس كتب الله له بكل نفس الفى الف حسنه ومحا عنه الفى الف سيئه ورفع له الفى الف درجه وان شئت حتى ازيدك يا أبا ذر قال حبيبي الله زدنى ؟ قال لو ان احدا منهم يصبر مع اصحابه يقطعهم ويصبر في مثل جوعهم ومثل غمهم كان من الاجر كاجر سبعين ممن غزا معى غزوه تبوك وإن شئت حتى ازيدك ؟ قال نعم يا رسول الله زدنا قال لو ان احدا منهم وضع جبينه على الأرض ثم آه فتبكى ملائكه السماوات السبع لرحمتهم عليه قال الله تعالى يا ملائكتي ما لكم تبكون فيقولون الهنا وسيدنا وكيف لا نبكى ووليك على يقول في وجعه آه فيقول الله يا ملائكتي اشهدوا انتم انى راض عن عبدى بالذى يصبر في الشده ولا يطلب الراحه فتقول الملائكه يا الهنا وسيدنا تضر الشده بعبدك ووليك بعد ان تقول هذا القول فيقول الله يا ملائكتي ان وليى عندي كمثل نبى انبيائي ولو دعاني وليى وشفع في خلقي شفعته اكثر من سبعين الفا ولعبدي ووليى في جنتي ما يتمنى يا ملائكتي وعزتي وجلإلى لانا ارحم بوليى وانا خير من المال للتاجر والكسب للكاسب وفي الاخرة يعذب وليى ولا خوف عليه ثم قال رسول الله طوبى يا أبا ذر لو ان احدا منهم يصلى ركعتين في اصحابه افضل عند الله من رجل يعبد الله في جبل لبنان عمر نوح وان شئت حتى ازيدك يا أبا ذر ؟ قال نعم يا رسول الله قال لو ان احدا منهم يسبح تسبيحه خير له من ان يصير له جبال الدنيا ذهبا ونظره واحد منهم احب إلى من نظره إلى بيت الله الحرام ولو ان احدا منهم يموت في شده بين اصحابه اجر مقتول بين الركن والمقام وله اجر من يموت حرم الله ومن مات في حرم الله آمنه الله من الفزع الاكبر وادخله الجنة وان شئت حتى ازيدك يا أبا ذر قال نعم يا رسول الله قال يجلس إليهم قوم مقصرون مثقلون من الذنوب فلا يقومون من عندهم حتى ينظر إليهم فيرحمهم ويغفر لهم ذنوبهم لكرامتهم على الله ثم قال النبي (ص) المقصر منهم افضل عند الله من الف مجتهد من غيرهم يا أبا ذر ضحكهم عباده وفرحهم تسبيح ونومهم صدقه و انفاسهم جهاد وينظر الله إليهم في كل يوم ثلاث مرات يا أبا ذر انى إليهم لمشتاق ثم غمض عينيه وبكى شوقا ثم قال اللهم احفظهم وانصرهم على من خالف ولا تخذلهم واقر عينى بهم يوم القيامة إلا اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقال رسول الله (ص) من عرف الله منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنى نفسه بالصيام والقيام قالوا بابائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء اولياء الله ؟ قال ان اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا ونظروا فكان نظرهم عبره ونطقوا فكان نطقهم حكمه ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركه لو لا الاجال التي كتبت لم تقر ارواحهم في اجسادهم خوفا من العذاب وشوقا الثواب وقال احب عباد الله إلى الاتقياء الاخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا شهدوا لم يعرفوا اولئك ائمه الهدى ومصابيح العلم وقال ان المؤمن قيده القرآن عن كثير من هواء نفسه وشهوته فالصلاة كهفه والصيام جنته والصدقه فكاكه"
هذه الرواية مليئة بالمخالفات لكتاب الله ولن نذكرها كلها ولكننا نذكر بعضا منها :
الأول مخالفة أجور الأعمال التالية :
-لو ان أحدهم تؤذيه قمله ثيابه فله عند الله أجر أربعين حجه وأربعين عمره وأربعين غزوه وعتق اربعين نسمه من ولد اسماعيل ويدخل واحد منهم اثنى عشر الفا في شفاعته
- ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا
-وما من عبد سجد لله سجده إلا كتب له بها حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له بها درجة واقبل الله عليه بوجهه وباهى به ملائكته
41 - وسئل (ص) من اولياء الله قال الذين إذا راوا ذكروا الله
للأجور فى القرآن وهى أن العمل الصالح بعشر أو سبعمائة أو ألف وأربعمائة حسنة مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "وقال بسورة البقرة "مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء "كما أن المجاهدين هم أفضل الناس فى الثواب فهم المفضلون على الكل فى الدرجة مصداق لقوله بسورة النساء "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "كما أن لا أحد يأخذ أجر شىء لم يعمله أى لم يسعى له مصداق لقوله تعالى بسورة النجم "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "
الثانى اندراس القرآن وهو ما يخالف قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
الثالث أن الصلاة افضل العمل فى قولهم عليك بالصلاة فانها افضل اعمال العباد وهو ما يناقض أن الجهاد أفضل فى الثواب فهم المفضلون على الكل فى الدرجة مصداق لقوله "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة
والخطأ أن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك فى قولهم ولا شئ اطيب عند الله من ريح فم صائم وهو ما يخالف أن الله لا يفاضل بين الروائح لأنه خالقها كلها والأفضلية خة فى نفوس الخلق فى الدنيا
42 - وعنه (ص) قال قال الله تبارك وإذا علمت ان الغالب على عبدى الاشتغال بى نقلت شهوته مسألتي ومناجاتي فإذا كان عبدى كذلك فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو أولئك أوليائي حقا أولئك الأبطال حقا أولئك الذين إذا أردت أن أهلك أهل الأرض عقوبة زويتها عنهم من أجل اولئك الأبطال "
هنا الله يمنع الأولياء من السهو وهو ما يخالف أنه لا يمنع أحد من اى عمل حتى النبى(ص)جعله يسهو أى ينسى فقال له "واذكر ربك إذا نسيت"
ثم قرر الحلى حتم كتابه بذكر روايات تذم الدنيا فقال:
"ولنختم كتابنا هذا بذكر شئ من ذم الدنيا:
43 - قال رسول الله (ص) حب الدنيا رأس كل خطيئه
44 - وقال (ص) ما تعبد الله بشئ مثل الزهد في الدنيا
45 - وأوحى الله إلى موسى ان يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا فلن تأتين بكبيرة اشد منها
46 - ومر موسى برجل وهو يبكى ثم رجع وهو يبكى فقال موسى يا رب عبدك يبكى من مخافتك فقال يا بن عمران لو نزل دماغه مع دموع عينيه ورفع يديه حتى تسقطا لم أغفر له وهو يحب الدنيا"
الروايات السابقة ليست فى العزلة وإنما فى الزهد
47 - وقال ابن عباس يؤتى يوم القيامة بالدنيا صورة عجوز زرقاء شمطاء بادية انيابها مشوهه خلقتها وتشرف على الخلائق فيقول تعرفون هذه ؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه فيقول هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف في جهنم فتقول يا رب اتباعى واشياعي فيقول الله عز والحقوا بها اتباعها واشياعها قال بعضهم بلغني رجلا عرج بروحه فإذا امراه على قارعه الطريق عليها كل زينه الحلى والثياب وإذا لا يمر بها أحد جرحته فإذا هي ادبرت كانت أحسن شئ رآها وإذا هي اقبلت كانت اقبح شئ رآها الناس عجوز شمطاء زرقاء عمشاء قال قلت اعوذ بالله منك قالت والله لا يعيذك الله منى حتى تبغض الدرهم قلت من أنت قالت انا الدنيا"
نلاحظ الجنون وهو مجىء الدنيا فى الآخرة مع أن الله هدمها تماما فقال " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"
والأمر والأجن أن تدخل الدنيا النار وهل كانت الدنيا فرد من الثقلين المكلفين حتى تدخل النار ؟وهل كانت إلا مخلوق مأمور يطيع الله ؟
48 - وروى عيسى كشف له الدنيا فرآها في صوره عجوزة شمطاء عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقوك قالت بل كلهم قتلت قال عيسى بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف أهلكتهم واحدا واحدا ولا يكونون منك على حذر يا طالب الدنيا يغرك وجهها * ولتندمن إذا رأيت قفاها "
كما قلنا الدنيا جميلة وليست عجوزا شمطاء لأن الله خلق كل شىء حسن كما قال تعالى "الذى أحست كل شىء خلقه" فالأقبح هو الفرد الكافر وليس الدنيا
49 - وروى أن عيسى اشتد به المطر والرعد والبرق يوما فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه فرفعت خيمة من بعيد فأتاها فإذا فيها امرأه فحاد عنها فإذا هو بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده فقال إلهى جعلت لكل شئ مأوى ولم تجعل لي مأوى ؟ فأوحى الله إليه مأواك في مستقر رحمتى وعزتي لأزوجنك القيامة بمائه حوراء خلقتها بيدى ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام كل يوم منها كعمر الدنيا ولأمرن مناديا ينادى أين الزهاد الدنيا هلموا إلى عرس الزاهد عيسى ويل لصاحب كيف يموت ويتركها ويأمنها وتغره ويثق وتخذله ؟ ويل للمغترين كيف اتتهم ما يكرهون وفارقتهم يحبون وجاء بهم ما يوعدون ويل لمن كانت همه والخطايا عمله كيف يفتضح غدا عند الله "
الرواية بها العديد من الأخطاء نكتفى منها بأن الرواية تذكر أن عيسى(ص) لم يتزوج فى الدنيا وسيتم تزويجه فى ألآخرة وهو ما يناقض زواج كل الرسل (ص) وإنجابهم أولاد فى الدنيا كما قال تعالى : "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية"
50 - قيل اوحى الله إلى موسى يا موسى ما لك ولدار الظالمين انها ليست لك بدار فاخرج منها همك وفارقها بعقلك فليست الدار هي إلا للعامل فيها فنعمت الدار هي يا موسى انى مرصد للظالم آخذ للمظلوم منه "
لا علاقة للرواية بالعزلة
51 - وعن النبي (ص) موقوفة بين السماء والأرض منذ خلق الله لا ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدنى أوليائك نصيبا اليوم فيقول اسكتي يا لا شئ انى لم ارضك في الدنيا كيف أرضاك لهم اليوم"
52 - وقال (ص) ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل فإذا عرض لهم من شئ وثبوا عليه لا ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدنى اوليائك نصيبا اليوم فيقول اسكتي يا لا شئ انى لم ارضك في الدنيا كيف أرضاك لهم اليوم"
52 - وقال (ص) ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين نعم كانوا يصلون
" نلاحظ الخبل فى الروايات الثلاث وهو وجود الدنيا فى الآخرة مع أن الله هدمها تماما فقال " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"
ويصومون ويأخذون وهنا من الليل فإذا عرض لهم من شئ وثبوا عليه 53 - وتوفى رسول الله وما وضع لبنه على لبنه ولا قصبه على قصبه ورأى بعض اصحابه يبنى بيتا جص فقال ما أرى الأمر إلا أعجل من هذا وأنكر ذلك"
هذا الكلام يخالف بناء النبى(ص) لحجرات بيته فى المدينة وبناءه المسجد مع المسلمين
54 - وإلى هذا اشار عيسى حيث قال الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وهو مثال واضح فإن الحياة الدنيا معبر الآخرة فالمهد هو المثل الأول على القنطرة واللحد هو المثل الثاني وبينهما مسافة محدودة فمن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومنهم لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيف فلابد من العبور "
هنا الدنيا معبر للآخرة وليست مكروهة كما فى روايات سابقة
" فهذا مضمونه العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول عليهم الصلاة والسلام وسميته: " كتاب التحصين في صفات العارفين "
وقد ألفه الرجل على ثلاثة فصول الأول تصور العزلة والمراد معناها الثانى إباحة العزلة كما ظن من الروايات الثالث فوائد العزلة كما يظن الحلى
وقد قال فى تعريفها :
"(القطب الأول في تصورها)
"فنقول العزلة الانقطاع إلى الله تعالى في كهف جبل أو ظل مسجد أو زاوية بيت وقد يقال العزلة هي الفرار والوحشة عن الخلق والإستيناس بالحق وهو أعم من الأول ولا يتهيأ ذلك إلا لمن قويت نفسه على هجر فضول الدنيا ومشتهياتها وكانت نفسه وهواه وراء عقله كما هو معلوم من أوصاف العارفين"
هذا التعريف يخالف وحى الله فالله لم يبح العزلة وهى البعد عن البشر والعزلة التى يمكن أن يقال أنه اباحها وهى الاعتكاف تكون فى مكان فيه ناس فالاعتكاف يكون فى مساجد البيوت حيث يمكن أن يباشر زوجته وفى هذا قال تعالى "ولا تباشروهن وانتم عاكفون فى المساجد" فالمباشرة وهى الجماع لا تكون فى المساجد العامة وإنما فى مساجد البيوت وهى أى ركن فيه مصحف ومكان تتم الصلاة فيه
العزلة وهى البعد عن الخلق فير ممكن فى الإسلام لأنه عصيان لأمر الله بالتعاون على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
والعزلة عصيان لأحكام متعددة منها :
صلة الأرحام
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
الزواج
تربية الأولاد
صلاة الجمعة
الحج
وقد استدل الرجل على تعريفه العزلة بحكايات فقال:
" قال بعضهم لبعض الأمجاد وقد قال له سلنى حاجتك فقال: أولي تقول هذا ؟ ولي عبدان هما سيداك قال: ومن هما ؟ قال: الحرص والهوى فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك وقيل لذى النون المصرى: متى يصح عزلة الخلق ؟ قال إذا قويت على عزلة نفسك قال فمتى يصح طلب الزهد ؟ قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا جميع ما يشغلك عن الله أقول ولما كانت العزلة الفرار من الخلق والإقبال على الحق فما لم يفرغ القلب شهوات الدنيا ويقطع علائق التعلقات بها لم يقبل الله لشده ما به من الكدورات والحجب عن الوصول بل سلب لذه المناجاة والعبادة ولهذا ترى الصباغ يبالغ تنقيه الثوب من الوسخ وقلع الأثر الحاصل عليه الدسم وغيره قبل صبغه ليصير قابلا لإشراق أنوار الصبغ عليه فالتحلي بالفضائل مسبوق بالتخلي عن الرذائل وكذا الطبيب يبدأ بالإسهال لإخراج العفونات وإزالة الأخلاط المضرة ثم يبادر بعده بما يكون موجبا لصلاح البدن وقوة الأعضاء فما لم يخل البدن من العفونات لا ينفعه اصلاح الغذاء وما لم ينق الثوب من الوسخ والدسم لا يشرق عليه نور الصبغ وكذلك القلب ما لم ينق من الحرص وسورة الغضب وتقاضي الشهوة لم يكن محلا لإشراق الأنوار الإلهية بل لم يصلح لخدمه الربوبية"
وما قاله هنا من حكايات بعيد عن العزلة فعزلة القلب غير العزلة المكانية المحرمة فعزلة القلب عن غير الله مطلوبة وأما العزلة المكانية عن الناس فمحرمة
ثم روى الروايات التى ظن أنها مبيحة للعزلة فقال:
1 - فقد روي فيما أوحى الله تعالى إلى موسى أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعظم على خلقي وقطع نهاره بذكرى والزم نفسه خوفى وكف نفسه الشهوات من أجلى "
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة بل كلام عن وجوب التعامل مع الخلق بعدم التعظم عليهم
2 - قال عيسى بحق أقول لكم كما نظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حلاوة بحق أقول لكم كما أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت وبنصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق أقول لكم إن الزق إذا لم ينخرق يوشك يكون وعاء العسل كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية الحكمة"
هذا القول هو الأخر ليس دليلا على العزلة بل هو دليل على أن التعامل مع الخلق واجب حيث يشعر العابد بحلاوة العبادة من خلال التعب فى معاملة الناس بينما لو ابتعد عنهم لن يجد أى صعوبة ومن ثم لا حلاوة فى العبادة
3 - وروى فيما أوحى الله تعالى إلى داود يا داود حذر وأنذر اصحابك من كل الشهوات فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنى"
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة وإنما يتكلم عن الشهوات وحبها
4 - وفي الحديث من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة ويحتاج صاحبها إلى ثلاثة أشياء الأول قطع الطمع عن الخلق الثاني أن ييأس من شئ ويأنس بالله سبحانه كما سيجئ في صفاتهم حتى قال قائلهم عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت انسان فكدت أطير الثالث الهيبة بحيث لا يجرا الراغب في الدنيا ان يذكر بين يديه شيئا منها فربما ثارت نفسه وانبعثت ارادته وانتعشت شهواته فيحتاج قسرها وتأديبها ومجاهدتها وفي ذلك شغل شاغل له. "
الخطأ أن من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة فالأكل كشهوة محللة كما قال تعالى "كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا"أو للحصول على شهوة محللة كالجماع وأى شىء مباح من الله يدخل الحكمة فى القلب فإنما الشهوة الحرام هى التى تمنع الحكمة عن القلب
5 - ولقد كان رسول الله (ص) حين يدخل احدى زوجاته فيجد على بابها الستر وفيه التصاوير فيقول غيبيه عنى فانى إذا نظرت إليه ذكرت وزخارفها"
هذا القول ليس دليل على العزلة المكانية فالرجل يبعد نفسه عن الحرام بالبعد عما يشغله عن طاعة الله
ثم تناول الرجل إباحة العزبة المكانية فذكر الروايات التالية:
" (القطب الثاني في الاذن فيها) * والأخبار في ذلك لا تحصى كثرة فلنذكر ما يحضرنا
6 - الأول أبو عبد الله عن ابن أبي عمير عن بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح قال سمعت عبد الله يقول لولا الموضع الذي وضعني الله فيه لسرني أن أكون على رأس جبل لا أعرف الناس ولا يعرفونى حتى يأتيني الموت"
القول حرم العزلة بسبب إسلام الرجل فالإسلام يحتم التواجد فى مجتمع المسلمين كما طلب الله منهم الهجرة له فقال " والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"
فهنا اعتبر الذى لم يهاجر ليس له ولاية للمسلمين
7 - الثاني ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الانصاري قال قال لي أبو جعفر يا عبد الواحد ما يضرك أو ما يضر رجلا إذا كان على الحق ما قال له الناس ولو قالوا مجنون وما يضره وكان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت
8 - الثالث روى فضيل بن يسار عن أبي عبد قال ما يضر المؤمن ان يكون متفردا عن ولو على قلة جبل فأعادها ثلاث مرات
9 - الرابع عنه عن أبي جعفر ما يضر من عرفه الله الحق أن يكون على قله جبل يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت
10 - الخامس روى ابن فضال عن رفاعة بن عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا الله يقول ما يضر من كان على هذا الأمر ان لا يكون له ما يستظل به إلا الشجر ولا يأكل من ورقه :
الأقوال السابقة فى البعد عن الناس للجبل يتعارض كما قلنا مع كثير من الأحكام كتعاون المسلمين على الخير والزواج والنفقة على الأسرة وصلاة الجمعة وبر الأبوين والجيران والأصحاب والأقارب
11 - السادس روى ابن عباس عن (ص) انه قال ألا أخبركم بخير الناس منزله ؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله حتى يموت يقتل ألا أخبركم بالذى يليه ؟ قالوا بلى يا الله قال رجل في جبل يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعتزل شرار الناس ألا أخبركم بشر الناس منزلة الذي يسال بالله فلا يعطى به"
الخطأ هنا أن شر الناس منزلة الذي يسأل بالله فلا يعطى به وهو ما يناقض أن شرهم كما قال تعالى "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون"وشر الشرار المنافقين كما قال تعالى "إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار"
12 - السابع بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي الله قال طوبى لعبد نومه عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم في اعمالهم بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن"
هنا العزلة المطلوبة عزل النفس عن أعمال الناس المنكرة مع مصاحبتهم بالبدن
13 - الثامن أبو عبد الله عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر واسحاق بن جرير عن عبد الحميد أبي الديلم قال قال لي أبو عبد الله لا عليك ان لا يعرفك الناس ثلاثا يا عبد الحميد إن لله رسلا مشتغلين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق المشتغلين فاسأله بحق المستخفين"
الخطأ وجود رسل مشتغلين ورسل مستخفين وهو جنون فكيف يبلغ الرسول الخفى الرسالة وهو لا يتعامل مع الناس كى يبلغهم الرسالة وهو ما يتعارض مع قوله تعالى " بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"
14 - التاسع أبو عبد عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله قال قال الله تبارك وتعالى ان من اغبط اوليائي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاة أحسن عباده ربه بالغيب والله في السريره وكان غامضا في الناس ولم يشر بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنيه فقل تراثه وقلت بواكيه"
15 - العاشر أبو عبد الله عن النضر بن سويد عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم عن أبي قال قال رسول الله (ص) قال الله تبارك إن أغبط أوليائي عندي رجل خفيف ذو حظ من صلاة أحسن عباده ربه الغيب وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر حتى مات فقل تراثه وقلت بواكيه "
الخطأ المشترك بين الروايتين أن أسعد المسلمين المصلى العابد ربه بالغيب الذى لا يعرفه الناس وهو ما يخالف كون الأسعد وهو الأفضل المجاهد كما قال تعالى "وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
16 - الحادى عشر عكرمه عن عبد الله بن عمرو قال بينا نحن حول رسول الله (ص) إذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده الفتنة فقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وحقرت أمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابع قال فقمت إليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: الزم بيتك وامسك عليك لسانك وخذ ما تعرف وذر ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك وذر عنك العامة"
الخطأ لزوم البيت فى الفتنة وهو جنون من كل النواحى حيث يحرم نفسه وأهله من الرزق فيموت جوعا هو وهم ويحرم ما أوجب الله من العمل بالمشى فى مناكب الأرض كما قال تعالى "فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه" كما أن يعصى قوله تعالى بوجوب الإصلاح بين المسلمين كما قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"
17 - الثاني عشر عن النبي (ص) أحب إلى منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعمر ماله ويحفظ دينه ويعتزل"
نلاحظ الخبل فى الرواية أن حفظ الدين بكون بالاعتزال وكما قلنا صلاح الدين يكون بطاعة الدين فى كل شىء كالإصلاح بين المتقاتلين والتعاون على البر وهى أمور لا يمكن تحققها باعتزال الناس
18 - الثالث عشر روى أبو يوسف يعقوب بن يزيد جعفر بن الزبير عمن ذكره عن أبي عبد الله قال ان مما يحتج الله تبارك وتعالى به عبده يوم القيامة ان يقول الم اخمل ذكرك"
يتعارض القول بخمول الذكر مع قوله تعالى "ورفعنا لك ذكرك" كما يتعارض مع دعاء المسلمين بجعلهم أئمة يقتدى بهم كما دعوا الله قائلين "واجعلنا للمتقين إماما"
19 - الرابع عشر روى عن الصادق انه قال لحفص بن غياث في وصيه له مطوله يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا"
وصية تخالف كتاب الله فالمسلمون كلهم سواء ليس فيهم ذنب ولا رأس ولذا قال "إنما المؤمنون اخوة" وقال فى حكمهم أنه شركة اى سورى بين جميعهم فقال "وأمرهم شورى بينهم"
20 - الخامس عشر عنه للمعلى بن خنيس في كلام له من جملته يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية"
قول لا علاقة له بالعزلة
21 - السادس عشر عن أبي عبد الله قال له المعروف الكرخي أوصني يا بن رسول قال اقلل معارفك قال زدنى قال انكر من عرفت منهم قال زدنى قال حسبك "
الرجل هنا يأمر الرجل بالمنكر وهو الاقلال من المعارف وإنكار معرفة من يعرفهم وهو تعليم الكذب للرجل والمفروض فى المسلمين أن يتعارفوا كى يتعاونوا على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
22 - السابع عشر عن (ص) كفى بالرجل أن يشار إليه بالأصابع في دين دنيا"
الخطا ان معرفة الرجل بالدين او بالدنيا هلاك وهو كلام فارغ لأن معناه أن رسل الله(ص) هالكون لمعرفة الناس إياهم بسبب رسالاتهم التى يجب أن يبلغوها للناس
ثم تناول ما سماه فوائد العزلة فقال:
"(القطب الثالث في فوائدها وهي أمور) * الأول انها من حقائق الايمان 23 - روى عن النبي (ص) انه قال لا يستكمل العبد حقيقة الايمان يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف و يكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته"
الخطأ ان المسلم تكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته وهو كلام ليس صحيحا فالمسلم يريد كثرة حسناته وليس قلتها وهو يريد كثرة المسلمين وليس قلتهم وهو يريد كثرة الأمن والأمان فى الأرض ولا يريد قلته وهو يريد كثرة الصدق
" الثاني السلامه الرياء فقد قيل من استوحش من الوحدة واستأنس بالناس لم يسلم من الرياء:
24 - روى أبو عبد الله وفضال عن على بن النعمان عن يزيد بن خليفة قال أبو عبد الله ما يضر أحدكم إن كان على قلة جبل حتى ينتهى إليه أجله أتريدون تراءون الناس إن من يعمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله إن كل رياء شرك"
هنا الرجل على قلة الجبل وحده فكيف يعمل للناس وهو بعيد عنهم ؟
" الثالث السلامه من الخلق وحفظ الدين بالهرب:
25 - روى عن ابن مسعود قال قال رسول (ص) ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذى دين دينه إلا من يفر من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر كالثعلب بأشباله قالوا ومتى ذلك الزمان قال إذا لم ينل المعيشة بمعاصي الله فعند ذلك حلت العزوبة قالوا يا الله أمرتنا بالتزويج قال بلى ولكن إذا ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدى أبويه فإن يكن له أبوان فعلى يدى زوجته وولده فإن لم يكن زوجه ولا ولد فعلى يدى قرابته وجيرانه قالوا وكيف يا رسول الله قال يعيرونه لضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يوردونه موارد الهلكة"
هذه الكلام كلام من لا يعرف حكم الله فى الاضطرار فالمسلم الذى يضطر احضار رزقه بما يظن أنه حرام لا يهلك أم الله اباح للمسلم ان يفعل أفعال الكفار ما دام لا يوجد هناك محرج من هذا الرزق الحرام لأنه فى تلك الحالة مكره على الكفر كما قال تعالى " وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
"الرابع إنها توقر العرض وتستر الفاقة وترفع ثقل المكافأة:
" مر أويس القرنى براهب فقال يا راهب لم تخليت الدنيا ولزمت الوحدة ؟ فقال يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لأنست من نفسك يا فتى الوحدة رأس العبادة ما أنستها الفكرة فقال يا راهب ما اقل ما يجد العبد في الوحدة ؟ قال الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم وقال بعضهم جربت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت أخا ستر لي عورة ولا غفر لي ذنبا فيما بينى وبينه ولا واصلني إذا قاطعته ولا أمنته إذا غضب فاشتغال بهؤلاء حمق كثير "
بالقطع الوحدة هى الرهبانية التى اخترعها الناس زعما منهم أنهم يعبدون الله وهو شىء لم يكتبه الله عليهم كما قال "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"
"الخامس السلامه من آثام الخلق والوقوع فيهم والخلاص من تبعاتهم ولهذا قيل إذا كانت الفضيلة الجماعه فإن السلامة في العزلة قيل لراهب في صومعته لا تنزل فقال من مشى على وجه الأرض عثر وقيل لراهب من رهبان الصين يا راهب قال لست براهب إنما الراهب من رهب الله في سمائه وحمده نعمائه وصبر على بلائه ولا يزال فارا إلى ربه مستغفرا لذنبه وإنما أنا كلب عقور حبست نفسي في هذه الصومعة لئلا اعقر الناس"
الحكاية التى حكاها الرجل ليست دليلا على إباحة العزلة وإنما على تحريمها إلا فى حالة الاضطرار وهى أن يرتكب الإنسان الذنوب الكبرى مع الناس كالقتل والجرح
"السادس انها اقرب إلى السلامه ودليل قوه العقل
26 - قال الصادق عزت السلامة لقد خفى مطلبها فإن تكن في شئ فيوشك أن تكون الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون الصمت فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك ان تكون التخلي فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها وذكره في كشف الغمة عن سفيان الثوري"
ما ذكره الرجل من كون السلامة فى الخمول والصمت والتخلى ينافى أن الخاملون وهم الضعفاء من البشر دخلوا جهنم لأنهم تركوا الكبار يأخذون حقوقهم وهو الخمول والتخلى ويقودونهم إلى عصيان الله وفى هذا قال تعالى "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا
"وعنهم الصبر على الوحدة دليل قوه العقل السابع انها ترفه العمر وتحرسه عن الضياع وتقصره مصالح الاخرة ورضى الرب من النظر والفكر والاعتبار والذكر:
27 - قيل لراهب ما اصبرك على الوحدة ؟ قال أنا جليس ربى إذا شئت ان يناجيني قرأت كتبه وإذا شئت أناجيه صليت وقال بعضهم اتيت منقطعا فكأنى رأيته ينقبض فقلت له كأنك تكره أن تؤتى قال أجل قلت فما تستوحش قال وكيف استوحش ويقول انا جليس من ذكرني وقال بعضهم مررت بصديق وهو خلف سارية وحده فجئت فسلمت وجلست ما أجلسك إلى قلت رأيتك وحدك فاغتنمت وحدتك فقال أما انك لو لم تجلس إلى لكان خيرا لي وخيرا لك فاختر أما ان اقوم عنك فهو والله خير ولك وأما ان تقوم عنى فقلت بل اقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله بها فقال يا عبد الله اخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك وكتب حكيم إلى أخ له يا أخى إياك والإخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك فإذا ذهب يومك خسرت الدنيا والآخرة وخرج قوم إلى السفر فجازوا الطريق فانتهوا إلى صومعة راهب فقالوا يا راهب أين الطريق فأومى برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا راهب إنا سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال اسألوا وتكثروا فإن النهار لا يرجع والعمر لا يعود والطالب حثيث فقالوا على ما ذا الخلق غدا عند مليكهم ؟ فقال على نياتهم فعجب القوم كلامه ثم قالوا أوصنا فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما بلغ البغية ثم أرشدهم الطريق وأدخل رأسه في صومعته وقيل لراهب رؤى عليه مدرعة شعر سوداء ما الذي حملك على لبس السواد فقال هو لباس المحزونين وأنا أكبرهم فقيل له ومن أي شئ أنت محزون قال لأنى أصبت في نفسي وذلك انى قتلتها معركة الذنوب فأنا حزين عليها ثم أسيل دمعه فقيل ما الذي أبكاك الآن قال ذكرت يوما مضى من أجلى يحسن فيه عملي فبكائي لقلة الزاد وبعد المفازة وعقبه لا بد لي من صعودها ثم لا ادرى أين مهبطها الجنة ام إلى النار ثم انشد يقول يا باكيا يطوى المسافة عمره * بالله هل تدرى مكان نزولكا شمر وقم من قبل حطك في الثرى * في حفره تبلى لطول حلولكا"
بالقطع كما قلنا لم يشرع الله الوحدة فى مكان منعزل لأن هذه هى الرهبانية المبتدعة التى لم يشرعها الله
28 - وقال أمير المؤمنين في كلام طويل في ذم الدنيا إنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى بما فيه فليس بعائد ويوم أنت فيه يحق اغتنامه ويوم لا تدرى من أهله ولعلك راحل فيه فأما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع وغدا فإنما في يديك منه الامل فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته وان يكن يومك هذا آنسك بقدومه فقد كان طويل الغيبه عنك وهو سريع الرحله عنك فتزود منه وأحسن وداعه خذ بالثقة في العمل وإياك والاغترار بالأمل ولا تدخل عليك اليوم هم غد يكفى اليوم همه وغدا إذا حل لتشغله إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك وتكلفت إن تجمع يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل واشتد التعب وضعف العمل للأمل ولو خليت قلبك من الأمل تجد ذلك العمل والأمل منك في اليوم قد ضرك وجهين سوفت به في العمل وزدت به في الهم والحزن أو لا ترى ان الدنيا ساعة بين ساعتين ساعة مضت وساعة بقيت وساعة أنت فيها فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية والساعة التي أنت فيها منزله الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذمه إياك وحل النازل بك بالتجربة لك فإحسانك الثاوى يمحو اساءتك إلى الماضي فأدرك ما اضعت باغتنامك استقبلت واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك ولو أن مقبورا من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها آخرها تجعلها لولدك الذين لم يكن لك هم غيرهم أو يوم نرده اليك فتعمل فيه لنفسك لاختار يوما يستعتب فيه من سئ ما أسلف على جميع الدنيا يورثها لولده ومن خلفه فما يمنعك أيها المفرط المسوف ان تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك ألا تسعى في تحرير رقبتك وفكاك رقك ووقاء نفسك"
هذا الكلام ليس فيه أى كلام عن العزلة أو فائدة منها ولا حتى إباحتها فهو كلام عن اغتنام الوقت فى عمل الصالحات من أجل دخول الجنة
" الثامن انها عباده بانفرادها:
29 - روى أبو بصير قال سمعت عبد الله يقول العزلة عبادة إن أقل العتب الرجل قعوده في منزله"
الخطأ كون العزلة عبادة والسؤال أين الدليل القرآنى على إباحة العزلة ؟
30 - ومر عيسى رجل نائم فقال له قم فقال الرجل قد تركت الدنيا لأهلها فقال له نم مكانك اذن وقيل لحكيم الدنيا لمن ؟ قال لمن تركها فقيل له الآخرة لمن ؟ قال لمن طلبها وقال حكيم الدنيا دار خراب واخرب منها قلب يعمرها وقيل لعابد خذ حظك من الدنيا فإنك عنها قال الآن وجب ان لا آخذ حظى منها"
الخطأ تحريم الحظ من الدنيا وهو ما يخالف قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
فالله لم يحرم الحظ الحلال من الدنيا
"التاسع إنها عافية:
31 - على بن اسباط عن بعض رجاله رفعه قال أمير قوله المؤمنين يأتي على الناس زمان يكون العافية فيه عشرة اجزاء تسعة منها في اعتزال وواحدة في الصمت وقيل لبعض العلماء لو تحركت فتذكر ذكر غيرك قال لما رأيت معالى الامور مشفوعة بالتالف اقتصرت على الخمول ظنا منى بالعافية العاشر المتصف بها أحسن الناس حالا "
هذه الرواية هى خبل بتمكين الأغنياء من الدنيا دون اى مقاومة من جانب المظلومين وقد اخبرنا الله أن الظالم والمظلوم تارك الحقوق للظالم هو دخول الاثنين جهنم كما قال تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"
32 - روى محمد على عمن ذكره عن أبي حمزه عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أمير قوله المؤمنين يقول يأتي الناس زمان يكون فيه أحسن هم حالا من كان جالسا بيته"
وهذه الرواية مماثلة للسابقة فى دعوتها ترك الدنيا للظلمة يتمتعون بها دون أى مقاومة من جاني المظلومين وهو ما يؤدى بالكل للنار
" الحادى عشر ان المتصف بها سالم:
33 - قال أمير قوله المؤمنين وذلك زمان لا يسلم إلا كل مؤمن نومه ان شهد لم يعرف وان غاب لم يفتقد اولئك مصابيح الهدى وأعلام السرى يفتح الله باب الرحمه ويرفع عنهم ضر النقمة ليسوا بالمساييح وبالمذاييع البذر"
كلام لتمكين الظلمة من التمتع بالدنيا وحرمان المظلومين منها بعدم دفاعهم عن حقوقهم
"الثاني عشر ان المتصف بها من الأتقياء المحبوبين الله تعالى:
34 - قال النبي (ص) أن أحب العباد الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا وإذا خطبوا لم يزوجوا الثالث عشر المتصف بها من أهل الجنة"
الخطأ أن أحب العباد الله الأتقياء الأخفياء وهو ما يخالف كونهم المجاهدين كما قال تعالى "وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
35 - قال النبي ا لا أخبركم بأهل الجنة قالوا بلى يا الله قال كل اشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه به لو اقسم على الله لأبر قسمه الرابع عشر انها آيه الرضوان والمن من الله عز وجل"
الخطأ أن أهل الجنة كل اشعث أغبر ذى طمرين وهو كلام جنونى يتعارض مع أمر الله بالنظافة ومع أمر الله بأخذ الحلال من الرزق فى قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
36 - محمد بن على عن موسى بن سعدان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال لا يزال المؤمن راغبا عن الدنيا ونعيم أهلها حتى يمن الله عليه فإذا من عليه كانت الدنيا وأهلها حقيرة عنده كالجيفة يعافها يراها
37 - وروى بعض اصحابنا عن سعدان بن مسلم قال لا يزال العبد يرزقه الله الدنيا وبهجتها حتى يرتفع عنه الشك فيما عند ربه فإذا ارتفع الشك كانت الدنيا عنده كالطوف في الجوف يشتهى اخراجه"
الخطأ المشترك بين الروايتين هو اعتبار المؤمن الدنيا مكروهة يعافها وهو ما يخالف قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
" الخامس عشر ان المتصف بها يرفع الله قدره ويعلى ذكره:
38 - حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله من احب ان يذكر خمل ومن احب يخمل ذكر"
هذا كلام خبل فمن أراد الذكر كفرعون ذكر وخلد ذكره فى القرآن فليس كل من أراد الذكر خمل وليس كل من أراد الخمول خمل كمؤمن آل فرعون الذى خلد الله ذكره فى القرآن
"السادس عشر انها تقطع طريق الحق وتوصل إليه:
39 - روى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن القمى نزيل الرى في كتابه المنبئ عن زهد (ص) قال حدثنا أحمد بن على بن بلال قال عبد الرحمن بن حمدان قال حدثنا الحسن بن قال حدثنا أبو الحسن بشر بن أبي بشر البصري قال أخبرني الوليد بن عبد الواحد قال حدثنا حنان البصري عن اسحاق بن نوح عن محمد بن على عن سعيد زيد بن عمرو ابن نفيل قال سمعت النبي (ص) واقبل على بن زيد فقال يا أسامة بطريق الحق وإياك ان تختلج دونه بزهرة رغبات الدنيا وغضارة نعيمها وبائد سرورها وزائل عيشها فقال أسامة يا رسول الله ما ايسر ما يقطع به ذلك الطريق ؟ قال السهر الدائم والظما في الهواجر وكف النفس الشهوات وترك اتباع الهوى واجتناب ابناء يا أسامة عليك بالصوم فانه قربه إلى الله ولا شئ اطيب عند الله من ريح فم صائم ترك الطعام و الشراب لله رب العالمين وآثر الله على ما سواه وابتاع آخرته بدنياه فإن استطعت ان يأتيك الموت وجائع وكبدك ظمآن فافعل فانك تنال بذلك اشرف المنازل وتحل مع الابرار والشهداء والصالحين يا أسامة عليك بالسجود فانه اقرب ما يكون العبد من ربه كان ساجدا وما من عبد سجد لله سجده إلا كتب له بها حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له بها درجة واقبل الله عليه بوجهه وباهى به ملائكته يا أسامة عليك بالصلاة فانها افضل اعمال العباد لان الصلاة رأس الدين وعموده وذروه سنامه واحذر يا أسامة دعاء عباد الله انهكوا الابدان وصاحبوا الاحزان وأزالوا اللحوم وأذابوا الشحوم واظماوا الكبود واحرقوا الجلود بالأرياح والسمائم حتى غشيت منهم الابصار شوقا الواحد القهار فإن الله إذا نظر إليهم باهى بهم الملائكه وغشاهم بالرحمه بهم يدفع الله الزلازل والفتن ثم بكى رسول الله (ص) حتى علا بكاؤه واشتد نحيبه وزفيره وشهيقه وهاب القوم ان يكلموه فظنوا لأمر قد حدث من السماء ثم انه رفع رأسه فتنفس الصعداء ثم قال اوه اوه بؤسا لهذه الأم’ ما ذا يلقى من اطاع الله كيف يطردون ويضربون ويكذبون أجل انهم اطاعوا الله فاذلوهم بطاعة الله إلا ولا تقوم الساعة حتى يبغض الناس من اطاع الله ويحبون من عصى فقال عمر يا رسول الله والناس يومئذ الاسلام قال وأين الاسلام يومئذ يا عمر ان المسلم يومئذ كالغريب الشريد ذلك زمان يذهب فيه الاسلام ولا يبقى إلا اسمه ويندرس فيه القرآن فلا يبقى إلا رسمه قال عمر يا رسول الله وفيما يكذبون من اطاع ويطردونهم ويعذبونهم ؟ فقال يا عمر ترك القوم الطريق وركنوا إلى الدنيا ورفضوا الاخرة وأكلوا الطيبات ولبسوا الثياب المزينات وخدمتهم ابناء فارس والروم فهم يغتذون في طيب الطعام ولذيذ الشراب وزكى الريح ومشيد البنيان ومزخرف البيوت ومجد المجالس يتبرج الرجل منهم كما تتبرج الزوجه لزوجها وتتبرج النساء بالحلى والحلل المزينه رايتهم يومئذ بزى الملوك الجبابرة يتباهون بالجاه وأولياء الله عليهم العناء مشحبة الوانهم السهر ومنحنية اصلابهم من القيام قد لصقت بطونهم بظهورهم طول الصيام قد اذهلوا انفسهم وذبحوها بالعطش طلبا لرضى الله وشوقا إلى جزيل ثوابه وخوفا اليم عقابه فإذا تكلم منهم متكلم بحق أو تفوه بصدق قيل له اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلاله يتأولون الله على غير تأويله ويقولون من حرم زينه التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق واعلم أسامة ان اكثر الناس عند الله منزله يوم القيامة وأجزلهم ثوابا وأكرمهم مابا من طال في حزنه وكثر فيها همه ودام فيها غمه وكثر جوعه وعطشه اولئك الابرار الاتقياء الاخيار ان شهدوا يعرفوا وان غابوا لم يفتقدوا يا أسامة اولئك تعرفهم بقاع وتبكى إذا فقدتهم محاريبها فاتخذهم لنفسك كنزا وذخرا لعلك تنجو بهم من زلازل الدنيا وأهوال القيامة وإياك ان تدع ما هم فيه وعليه فتزل قدمك وتهوى في النار فتكون من الخاسرين واحذر يا أسامة ان تكون من الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون وللحاجة إلى بعض هذه الوصيه ولحسنها كرهت احذف منها شيئا ولرسول الله (ص) كلام في مثل هذا في صفه اولياء سبحانه احببت ايراده هنا " 40 - من الكتاب المذكور مرفوعا إلى النبي (ص) انه قال أ تدرون غمى ؟ وفي أي شئ تفكري ؟ وإلى أي شئ اشتاق ؟ قال أصحابه يا رسول الله ما علمنا بهذه من شئ أخبرنا بغمك وتفكرك وتشوقك ؟ قال النبي (ص) أخبركم شاء الله ثم تنفس وقال هاه شوقا إلى اخواني من بعدى فقال أبو ذر يا رسول الله ألسنا اخوانك ؟ قال لا انتم أصحابي واخواني يجيئون من بعدى شانهم شأن الانبياء قوم يفرون من الآباء والامهات ومن الإخوة والإخوات ومن القرابات كلهم ابتغاء مرضات الله يتركون المال ويذلون انفسهم بالتواضع لله لا يرغبون في الشهوات وفضول الدنيا مجتمعون في بيت من بيوت الله كأنهم غرباء محزونين لخوف النار وحب الجنة فمن يعلم قدرهم الله ليس بينهم قرابة ولا مال يعطون بها بعضهم لبعض اشفق الابن على الوالد ومن الوالد على الولد ومن الأخ على الأخ هاه شوقا إليهم يفرغون انفسهم من كد الدنيا و نعيمها بنجاة أنفسهم من عذاب الابد ودخول الجنة لمرضات الله واعلم يا أبا ذر ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا يا أبا ذر واحد منهم اكرم على الله من كل خلق الله على وجه الأرض يا أبا ذر قلوبهم الله وعملهم لله لو مرض احدهم له فضل عباده الف سنه صيام نهارها وقيام ليلها وان شئت حتى ازيدك أبا ذر قال نعم يا رسول الله زدنى قال لو ان احدا منهم مات فكانما مات من في السماء من فضله على الله وان شئت ازيدك قال نعم رسول الله زدنى قال يا أبا ذر لو ان أحدهم تؤذيه قمله ثيابه فله عند الله أجر أربعين حجه وأربعين عمره وأربعين غزوه وعتق اربعين نسمه من ولد اسماعيل ويدخل واحد منهم اثنى عشر الفا في شفاعته قال: فقلت سبحان الله وقالوا مثل قولى سبحان الله ارحمه بخلقه وألطفه وأكرمه على خلقه فقال (ص) أ تعجبون من قولى ؟ وان شئتم حتى ازيدكم قال أبو ذر نعم يا رسول الله زدنا فقال النبي (ص) يا أبا ذر لو ان احدا منهم اشتهى شهوه من شهوات فيصبر ولا يطلبها كان له من الاجر بذكر اهله يغتم ويتنفس كتب الله له بكل نفس الفى الف حسنه ومحا عنه الفى الف سيئه ورفع له الفى الف درجه وان شئت حتى ازيدك يا أبا ذر قال حبيبي الله زدنى ؟ قال لو ان احدا منهم يصبر مع اصحابه يقطعهم ويصبر في مثل جوعهم ومثل غمهم كان من الاجر كاجر سبعين ممن غزا معى غزوه تبوك وإن شئت حتى ازيدك ؟ قال نعم يا رسول الله زدنا قال لو ان احدا منهم وضع جبينه على الأرض ثم آه فتبكى ملائكه السماوات السبع لرحمتهم عليه قال الله تعالى يا ملائكتي ما لكم تبكون فيقولون الهنا وسيدنا وكيف لا نبكى ووليك على يقول في وجعه آه فيقول الله يا ملائكتي اشهدوا انتم انى راض عن عبدى بالذى يصبر في الشده ولا يطلب الراحه فتقول الملائكه يا الهنا وسيدنا تضر الشده بعبدك ووليك بعد ان تقول هذا القول فيقول الله يا ملائكتي ان وليى عندي كمثل نبى انبيائي ولو دعاني وليى وشفع في خلقي شفعته اكثر من سبعين الفا ولعبدي ووليى في جنتي ما يتمنى يا ملائكتي وعزتي وجلإلى لانا ارحم بوليى وانا خير من المال للتاجر والكسب للكاسب وفي الاخرة يعذب وليى ولا خوف عليه ثم قال رسول الله طوبى يا أبا ذر لو ان احدا منهم يصلى ركعتين في اصحابه افضل عند الله من رجل يعبد الله في جبل لبنان عمر نوح وان شئت حتى ازيدك يا أبا ذر ؟ قال نعم يا رسول الله قال لو ان احدا منهم يسبح تسبيحه خير له من ان يصير له جبال الدنيا ذهبا ونظره واحد منهم احب إلى من نظره إلى بيت الله الحرام ولو ان احدا منهم يموت في شده بين اصحابه اجر مقتول بين الركن والمقام وله اجر من يموت حرم الله ومن مات في حرم الله آمنه الله من الفزع الاكبر وادخله الجنة وان شئت حتى ازيدك يا أبا ذر قال نعم يا رسول الله قال يجلس إليهم قوم مقصرون مثقلون من الذنوب فلا يقومون من عندهم حتى ينظر إليهم فيرحمهم ويغفر لهم ذنوبهم لكرامتهم على الله ثم قال النبي (ص) المقصر منهم افضل عند الله من الف مجتهد من غيرهم يا أبا ذر ضحكهم عباده وفرحهم تسبيح ونومهم صدقه و انفاسهم جهاد وينظر الله إليهم في كل يوم ثلاث مرات يا أبا ذر انى إليهم لمشتاق ثم غمض عينيه وبكى شوقا ثم قال اللهم احفظهم وانصرهم على من خالف ولا تخذلهم واقر عينى بهم يوم القيامة إلا اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقال رسول الله (ص) من عرف الله منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنى نفسه بالصيام والقيام قالوا بابائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء اولياء الله ؟ قال ان اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا ونظروا فكان نظرهم عبره ونطقوا فكان نطقهم حكمه ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركه لو لا الاجال التي كتبت لم تقر ارواحهم في اجسادهم خوفا من العذاب وشوقا الثواب وقال احب عباد الله إلى الاتقياء الاخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا شهدوا لم يعرفوا اولئك ائمه الهدى ومصابيح العلم وقال ان المؤمن قيده القرآن عن كثير من هواء نفسه وشهوته فالصلاة كهفه والصيام جنته والصدقه فكاكه"
هذه الرواية مليئة بالمخالفات لكتاب الله ولن نذكرها كلها ولكننا نذكر بعضا منها :
الأول مخالفة أجور الأعمال التالية :
-لو ان أحدهم تؤذيه قمله ثيابه فله عند الله أجر أربعين حجه وأربعين عمره وأربعين غزوه وعتق اربعين نسمه من ولد اسماعيل ويدخل واحد منهم اثنى عشر الفا في شفاعته
- ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا ان للواحد منهم اجر سبعين بدريا
-وما من عبد سجد لله سجده إلا كتب له بها حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له بها درجة واقبل الله عليه بوجهه وباهى به ملائكته
41 - وسئل (ص) من اولياء الله قال الذين إذا راوا ذكروا الله
للأجور فى القرآن وهى أن العمل الصالح بعشر أو سبعمائة أو ألف وأربعمائة حسنة مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "وقال بسورة البقرة "مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء "كما أن المجاهدين هم أفضل الناس فى الثواب فهم المفضلون على الكل فى الدرجة مصداق لقوله بسورة النساء "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "كما أن لا أحد يأخذ أجر شىء لم يعمله أى لم يسعى له مصداق لقوله تعالى بسورة النجم "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "
الثانى اندراس القرآن وهو ما يخالف قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
الثالث أن الصلاة افضل العمل فى قولهم عليك بالصلاة فانها افضل اعمال العباد وهو ما يناقض أن الجهاد أفضل فى الثواب فهم المفضلون على الكل فى الدرجة مصداق لقوله "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة
والخطأ أن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك فى قولهم ولا شئ اطيب عند الله من ريح فم صائم وهو ما يخالف أن الله لا يفاضل بين الروائح لأنه خالقها كلها والأفضلية خة فى نفوس الخلق فى الدنيا
42 - وعنه (ص) قال قال الله تبارك وإذا علمت ان الغالب على عبدى الاشتغال بى نقلت شهوته مسألتي ومناجاتي فإذا كان عبدى كذلك فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو أولئك أوليائي حقا أولئك الأبطال حقا أولئك الذين إذا أردت أن أهلك أهل الأرض عقوبة زويتها عنهم من أجل اولئك الأبطال "
هنا الله يمنع الأولياء من السهو وهو ما يخالف أنه لا يمنع أحد من اى عمل حتى النبى(ص)جعله يسهو أى ينسى فقال له "واذكر ربك إذا نسيت"
ثم قرر الحلى حتم كتابه بذكر روايات تذم الدنيا فقال:
"ولنختم كتابنا هذا بذكر شئ من ذم الدنيا:
43 - قال رسول الله (ص) حب الدنيا رأس كل خطيئه
44 - وقال (ص) ما تعبد الله بشئ مثل الزهد في الدنيا
45 - وأوحى الله إلى موسى ان يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا فلن تأتين بكبيرة اشد منها
46 - ومر موسى برجل وهو يبكى ثم رجع وهو يبكى فقال موسى يا رب عبدك يبكى من مخافتك فقال يا بن عمران لو نزل دماغه مع دموع عينيه ورفع يديه حتى تسقطا لم أغفر له وهو يحب الدنيا"
الروايات السابقة ليست فى العزلة وإنما فى الزهد
47 - وقال ابن عباس يؤتى يوم القيامة بالدنيا صورة عجوز زرقاء شمطاء بادية انيابها مشوهه خلقتها وتشرف على الخلائق فيقول تعرفون هذه ؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه فيقول هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف في جهنم فتقول يا رب اتباعى واشياعي فيقول الله عز والحقوا بها اتباعها واشياعها قال بعضهم بلغني رجلا عرج بروحه فإذا امراه على قارعه الطريق عليها كل زينه الحلى والثياب وإذا لا يمر بها أحد جرحته فإذا هي ادبرت كانت أحسن شئ رآها وإذا هي اقبلت كانت اقبح شئ رآها الناس عجوز شمطاء زرقاء عمشاء قال قلت اعوذ بالله منك قالت والله لا يعيذك الله منى حتى تبغض الدرهم قلت من أنت قالت انا الدنيا"
نلاحظ الجنون وهو مجىء الدنيا فى الآخرة مع أن الله هدمها تماما فقال " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"
والأمر والأجن أن تدخل الدنيا النار وهل كانت الدنيا فرد من الثقلين المكلفين حتى تدخل النار ؟وهل كانت إلا مخلوق مأمور يطيع الله ؟
48 - وروى عيسى كشف له الدنيا فرآها في صوره عجوزة شمطاء عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقوك قالت بل كلهم قتلت قال عيسى بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف أهلكتهم واحدا واحدا ولا يكونون منك على حذر يا طالب الدنيا يغرك وجهها * ولتندمن إذا رأيت قفاها "
كما قلنا الدنيا جميلة وليست عجوزا شمطاء لأن الله خلق كل شىء حسن كما قال تعالى "الذى أحست كل شىء خلقه" فالأقبح هو الفرد الكافر وليس الدنيا
49 - وروى أن عيسى اشتد به المطر والرعد والبرق يوما فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه فرفعت خيمة من بعيد فأتاها فإذا فيها امرأه فحاد عنها فإذا هو بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده فقال إلهى جعلت لكل شئ مأوى ولم تجعل لي مأوى ؟ فأوحى الله إليه مأواك في مستقر رحمتى وعزتي لأزوجنك القيامة بمائه حوراء خلقتها بيدى ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام كل يوم منها كعمر الدنيا ولأمرن مناديا ينادى أين الزهاد الدنيا هلموا إلى عرس الزاهد عيسى ويل لصاحب كيف يموت ويتركها ويأمنها وتغره ويثق وتخذله ؟ ويل للمغترين كيف اتتهم ما يكرهون وفارقتهم يحبون وجاء بهم ما يوعدون ويل لمن كانت همه والخطايا عمله كيف يفتضح غدا عند الله "
الرواية بها العديد من الأخطاء نكتفى منها بأن الرواية تذكر أن عيسى(ص) لم يتزوج فى الدنيا وسيتم تزويجه فى ألآخرة وهو ما يناقض زواج كل الرسل (ص) وإنجابهم أولاد فى الدنيا كما قال تعالى : "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية"
50 - قيل اوحى الله إلى موسى يا موسى ما لك ولدار الظالمين انها ليست لك بدار فاخرج منها همك وفارقها بعقلك فليست الدار هي إلا للعامل فيها فنعمت الدار هي يا موسى انى مرصد للظالم آخذ للمظلوم منه "
لا علاقة للرواية بالعزلة
51 - وعن النبي (ص) موقوفة بين السماء والأرض منذ خلق الله لا ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدنى أوليائك نصيبا اليوم فيقول اسكتي يا لا شئ انى لم ارضك في الدنيا كيف أرضاك لهم اليوم"
52 - وقال (ص) ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل فإذا عرض لهم من شئ وثبوا عليه لا ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدنى اوليائك نصيبا اليوم فيقول اسكتي يا لا شئ انى لم ارضك في الدنيا كيف أرضاك لهم اليوم"
52 - وقال (ص) ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين نعم كانوا يصلون
" نلاحظ الخبل فى الروايات الثلاث وهو وجود الدنيا فى الآخرة مع أن الله هدمها تماما فقال " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"
ويصومون ويأخذون وهنا من الليل فإذا عرض لهم من شئ وثبوا عليه 53 - وتوفى رسول الله وما وضع لبنه على لبنه ولا قصبه على قصبه ورأى بعض اصحابه يبنى بيتا جص فقال ما أرى الأمر إلا أعجل من هذا وأنكر ذلك"
هذا الكلام يخالف بناء النبى(ص) لحجرات بيته فى المدينة وبناءه المسجد مع المسلمين
54 - وإلى هذا اشار عيسى حيث قال الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وهو مثال واضح فإن الحياة الدنيا معبر الآخرة فالمهد هو المثل الأول على القنطرة واللحد هو المثل الثاني وبينهما مسافة محدودة فمن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومنهم لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيف فلابد من العبور "
هنا الدنيا معبر للآخرة وليست مكروهة كما فى روايات سابقة