المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد رسالة فخر السودان على البيضان2


رضا البطاوى
28-05-2020, 08:48 AM
وهو كلام لا مجال فيه للفخر فالخالق خلق البياض والسواد مثلا فى العين فالفضل للخالق وليس للسواد أو البياض وكذلك الكلام فى الجبال وغيرها وقد أكمله بالكلام الفارغ التالى:
"وقال ذو الرُّمَّة:
لمياء في شفتيها حُوَّةٌ لمس وفي اللثات وفي أنيابها شنب
وأطيب الظِّلِّ وأبرده ما كان أسود وقال الراجز: " سود غرابيب كأظلال الحجر "قال حميد بن ثور:
ظللنا إلى كهفٍ وظلَّت ركابنا إلى مستكفاتٍ لهنَّ غروب
إلى شجرٍ ألمى الظلال كأنه رواهب أحرمن الشراب عذوب
وجعل الله الليل سكناً وجماما، والنهار للكسب والكدّ
والذي يدلُّ على أن السواد في وجه آخر مقرونٌ بالشدة والصرامة، والهيج والحركة، انتشار الحيَّات والعقارب وشدة سمومها بالليل، وهيج السباع واستكلابُها بالليل وتحرك الأوجاع وظهور الغيلان، هذه كلها بالليل
قال: وأشبهنا الليل من هذا الوجه
قالوا: وأبلغ ما تكون القائلة وأشفاها للنفس، وأسرع لمجيئها إذا أردتها، وأبطأ لذهابها إذا كرهتها، ما كان منها في الظلمة، عند إسبال الستور وإغلاق الأبواب
قالوا: وليس لونٌ أرسخ في جوهره وأثبت في حسنه من سواد
وقد جرى المثل في تبعيد الشيء: " لا ترى ذلك حتى يبيضَّ القار، وحتى يشيب الغراب "هو العرض الملاَّء عند الحكماء
وأكرم العطر المسك والعنبر، وهما أسودان
وأصلب الأحجار سُودها وقال أبو دهبلٍ الجمحيُّ يمدح الأزرق المخزوميَّ، وهو عبد الله بن عبد شمس بن المغيرة:
فإنَّ شكرك عندي لا انقضاء له ما دام بالجزع من لبنان جلمودُ
أنت الممدَّح والمُغلى به ثمناً إذ لا يعاتب صخر الجندل السُّود
والعرب تفخر بسواد اللون فإن قال: فعلام ذلك وهي تقول: فلانٌ هجانٌ، وأزهر وأبيض، وأغرُّ؟ قلنا: ليس تريد بهذا بياض الجلد، إنما تريد به كرم الجوهر ونقاءه وقد فخرت خضر محاربٍ بأنها سود، والسود عند العرب الخضر وقال الشَّماخ بن ضرار:
وراحت رواحاً من زرود فنازعت زبالة جلباباً من الليل أخضراوقال الراجز:
حتى انتضاني الصبح من ليلٍ خضرْ مثل انتضاء البطل السيف الذّكرْ
وهم يسمُّن الحديد أخضر لأنه صُلب؛ لأن الأخضر أسود
وقال الحارث بن حِلِّزة:
إذ رفعنا الجمال من سعف البح رين سيراً حتى نهاها الحساء
فهزمنا جمع ابن أمِّ قطام وله فارسةٌ خضراء
وقال المحاربيّ وهو يفخر بأنه من الخضر:
في خضر قيسٍ نماني كل ذي فخرٍ صعب المقادة آبي الضَّيم شعشاع
وبنو المغيرة خضر بني مخزوم قال عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ويقال إنها للفضل بن العبّاس اللِّهبي:
وأنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة في بيت العرب
من يساجلني يساجلْ ماجداً يملأ الدلو إلى عقد الكرب
خضر غسّان بنو جفنة الملوك؛ قال الغسّانيّ:
إن الخضارمة الخضر الذين ودوا أهل البريص نماني منهم الحكم"
وذكر الجاحظ كون بنى هاشم سود وكذلك الكثير من العرب فقال:
"وقد ذكر حسانٌ أو غيره الخضر من بني عكيم حين قال:
ولست من بني هاشمٍ في بيت مكرمةٍ ولا بني جمح الخضر الجلاعيد
قالوا: وكان ولد عبد المطلب العشرة السَّادة دُلْماً ضخما، نظر إليهم عامر بن الطُّفيل يطوفون كأنهم جمالٌ جونٌ، فقال: بهؤلاء تُمنع السَّدانة
وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخما وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق، وهم سودٌ وأدمٌ ودلْم قالوا: وقال النبي (ص): " بُعثت إلى الأحمر والأسود "
وقد علمت أنه لا يُقال للزِّنج والحبشة والنُّبة بيضٌ ولا حمر، وليس لهم اسمٌ إلا السُّود وقد علمنا أن الله عزّ وجل بعث نبيه إلى الناس كافة، وإلى العرب والعجم جميعاً فإذا قال: " بُعثت إلى الأحمر والأسود " ولسنا عنده حُمرٌ ولا بيض، فقد بُعث إلينا؛ فإنما عنانا بقوله " الأسود " ولا يخرج الناس من هذين الاسمين، فإن كانت العرب من الأحمر، فقد دخلت في عداد الروم والصَّقالبة، وفارس وخراسان وإن كانت من السُّود، فقد اشتَّق لها هذا الاسم من اسمنا وإنما قيل لهم وهم أدم وسمرٌ سودٌ، حين دخلوا معنا في جُملتنا، كما يجعل العرب الإناث من الذكور ذكورا وإذا كان النبي (ص) يعلم أن الزِّنج والحبشة والنوبة ليسوا بحمرٍ ولا بيض، وأنهم سود، وقد بعثه الله تعالى إلى الأسود والأحمر، فقد جعلنا والعرب سواء، ونكون نحن السُّود دونهم فإن كان اسم أسود وقع علينا فنحن السُّودان الخُلَّص، والعرب أشباه الخُلَّص فنحن المتقدِّمون في الدَّعوة وإذا كان اسمهم محمولاً على اسمنا؛ إذ كنَّا وحدنا يقال لنا سودٌ، ولا يقال لهم سودٌ إلا أن يكونوا معنا"
وهذا الكلام من ضمن الخبل فالله لم يقل أن الرسول(ص)بعث لذوة لونين وإنما قال بعث للناس جميعا كما قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقال "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا"
ثم دخل إلى الفخر بالعدد وهو كلام مؤلف كسابقه الغرض منه هو تكريه الناس فى بعضها البعض بسبب الألوان فقال :
"قالوا: وأنتم ترون كثرة العدد مجداً، ونحن أكثر الناس عدداً وولدا قالوا: ونحن صنفان: النَّمل والكلاب قالوا: ولو عدلْتم بالنَّمل العرب كلها لأربتْ عليها فكيف إذا قُرنت إليها الكلاب؟ ثم كيف إذا ضممتم إليها الحبشة والنُّوبة وفزَّان ومرو وزغاوة وغير ذلك من أنواع السُّودان؟ وليست قحطان من عدنان في شيء ونحن بالحبشة أشبه، وأرحامنا بهم أمسُّ من عدنان بقحطان وإن ذكرتم اختلاف اللُّغات؛ فإن لغة عجز *****، وقد تختلف اللغات والأصل واحد، وقد تتَّفق والنَّجْر مختلف ومن دخل أوائل خراسان وأواخرها، وأوائل الجبال وفارس وأواخها، علم أن اللغات قد تختلف لاختلاف طبائع البلدان والأصل واحد
قالوا: وأنتم لم تروا الزِّنج الذين هم الزنج قطُّ، وإنما رأيتم السَّبْي يجيء من سواحل قنبلة وغياضها وأوديتها، ومن مهنتنا وسفلتنا وعبيدنا، وليس لأهل قنبلة جمالٌ ولا عقول وقنبلة: اسم الموضع الذي ترفون منه سفنكم إلى ساحله لأن الزِّنج ضربان: قنبلة ولنجوية، كما أن العرب ضربان: قحطان وعدنان وأنتم لم تروا من أهل لنجوية أحداً قطُّ، لا من السواحل ولا من أهل الجوف، ولو رأيتموهم نسيتم الجمال والكمال فإن قلتم: وكيف ونحن لم نر زنجياً قط له عقل صبيٍّ أو امرأة؟ قلنا لكم: ومتى رأيتم من سَبْي السند والهند قوماً لهم عقول وعلم وأدب وأخلاق حتى تطلبوا ذلك فيما سقط إليكم من الزنج وقد تعلمون ما في الهند من الحساب وعلم النجوم وأسرار الطب، والخرط والنجر، والتصاوير والصناعات الكثيرة العجيبة، فكيف لم يتَّفق لكم مع كثرة ما سبيتم منهم واحدٌ على هذه الصفة، أو بعشْر هذه الصِّفة؟ فإن قلتم: أهل الشرف والعقل والعلم إنما ينزلون الواسطة، وبقرب دار الملك، وهؤلاء حاشيةٌ وأعلاجٌ وأكرة، ونُزَّال السواحل والآجام والفيوض والجزائر، من أكارٍ ومن صياد
قلنا: وذلك من رأيتم ومن لم تروا منا وجوابنا هو جوابكم لنا
قالوا: ولو أن الزِّنجيَّ والزنجيَّة إذا تناكحا بقيت أولادهما بعد الحيض والاحتلام ببلاد العراق، كانوا قد غلبوا على الدَّار بالعدد والجلد، والعلم والتدبير، ولكن ولد الهنديِّ والهنديّة، والروميِّ والروميّة، والخراسانيّ والخراسانيّة، يبقون فيكم وفي بلادكم كبقاء آبائهم وأمهاتهم، ولا يبقى ولد الزِّنجيَّين بعد الحيض والاحتلام على أنّا لا نصيب في عشرة آلافٍ، واحدٌ يبلغ ما ذكرنا، إلا أن يضرب الزّنجيُّ في غير الزِّنجيات، والزنجيّة في غير الزِّنج ولولا أن الزّنجي والزّنحيّة قليلاً ما يريدان من الغرائب والغرباء، لكْنَّا على حالٍ سنرى لرجال الزِّنج نسلاً كثيراً ولكنَّ الزّنجيّة لا تكاد تنشط لغير الزّنجيّ
قالوا: وكذلك البيضان منكم، لا يكادون ينشطون لطلب النَّسل من الزِّنجيات والزِّنجية أيضاً من الزِّنجي أسرع لقاحاً منها من الأبيض
قالوا: وأنتم لا تكادون تعدُّن ممن ولد له من صلبه مائة ولدٍ إلا أن يكون خليفةً، فيكون ذلك لكثرة الطَّروقة، ولا تجدون ذلك في سائركم والزِّنج لا تستكثر هذا ولا تستعظمه؛ لكثرته في بلادهم، لأن الزّنجية تلد نحواً من خمسين بطناً في نحو خمسين عاما، في كل بطنٍ اثنين، فيكون ذلك أكثر من تسعين لأنه يقال إن النساء لا يلدن إذا بلغن الستين إلا ما يحكى عن نساء قريشٍ خاصة والزّنج أحرص من خلق الله على نسائهم، ونساؤهم لهم كذلك، وهنَّ أطيب من غيرهنّ"
الرجل يحكى لنا عن كثرة عددهم وكونهم أكثر الناس إنجابا وهو كلام فارغ فكثرة العدد تعود لقضاء الله وليس للون البشر كما قال تعالى :
"لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما"
ثم قال كلاما مؤلفا أخر فقال :
"قالوا: فتأملوا قولنا واحتجاجنا؛ فإنا قد روينا الأخبار وقلنا الأشعار، وعرفناكم وعرفنا الأمم وقد كان الفرزدق أعلم الناس بالنساء، وكان جرب الأجناس كلها فلم يجد مثلهنّ، ولذلك تزوج أم مكّيّة الزنجية وأقام عليها، وترك النساء، للذي وجد عندها وفي ذلك قال:
يا رُبَّ خوْدٍ من بنات الزِّنج تمشي بتنُّورٍ شديد الوهج
أختم مثل القدح الخلْنج
وكانت دنانير بنت كعبوية الزِّنجي عند أعشى سليم، وكانت شديدة السواد، فرآها يوماً وقد خضبت يديها بالحناء، واكتحلت بالإثمد، فقال:
تخضب كفّاً بتكْتْ من زندها فتخضب الحناء من مسودِّها
كأنها والكحل في مرودِّها تكحل عينيها ببعض جلدها
فلما سمعت ذلك قالت:
وأقبح من لوني سواد عجانه على بشرٍ كالقلب أو هو أنصع
فسمَّوه أسود، وصاح به الصبيان فطلقها وقد كان صبيحة عرسها قال: إن الدنانير تكون سودا فقالت:
بياض الرأس أقبح من سوادي وشيب الحاجبين هو الفضوح
فأمسك عنها حيناً ثم عاودها، فلما فضحته طلقها قالوا: وإن نظر البضان إلى نساء السودان بغير عين الشهوة فكذلك السودان في نساء البضان على ان الشهوات عاداتٌ وأكثرها تقليد من ذلك أن أهل البصرة أشهى النساء عندهم الهنديات وبنات الهنديات والأغوار واليمن أشهى النساء عندهم الحبشيات وبنات الحبشيات وأهل الشام أشهى النساء عندهم الروميات وبنات الروميات وكل قومٍ فإنما يشتهون جلبهم وسبيهم إلا الشاذ، وليس الشاذ قياس قالوا: وأطيب الأفواه نكهةً، وأشدها عذوبةً، وأكثرها ريقاً، أفواه الزنج والكلاب من بين السِّباع أطيب أفواهاً منها قالوا: والسود ملاومٌ للعين، وإذا اعتلت فخيف عليها لم يكن لها دواءٌ خيرٌ من القعود في الظلمة وفي يد صاحبها خرقةٌ سوداء فالسواد للإبصار، وخير ما في الإنسان البصر"
وهذا الكلام كلام خبل فالناس متفاوتون فيما يحبون وفيما يفضلون من النساء وكذلك النساء فى الرجال ثم عاد إلى عدد السودان والبيضان فقال كلاما يعلمه الله وحده وهو كثرة هؤلاء عن هؤلاء فقال :
"وقالوا: والسودان أكثر من البيضان، لأن أكثر ما يعد البيضان فارس والجبال وخراسان، والروم والصقالبة وفرنجة والأبر، وشيئاً بعد ذلك قليلاً غير كثير والسودان يعدون الزنج والحبشة، وفزان وبربر، والقبط والنوبة، وزغاوة ومرو، والسند والهند، والقمار والدبيلا، والصين وماصين والبحر أكثر من البر، وجزائر البحر ما بين الصين والزنج مملوءةٌ سوداناً، كسرنديب، وكله، وأمل، وزابج وجزائرها إلى الهند إلى الصين إلى كابل وتلك السواحل
قالوا: وكان الأعمى الاشتيام يقول: السودان أكثر من البيضان، والصخر أكثر من الوحل، والرمل أكثر من التراب، والماء المالح أكثر من العذب
قالوا: ومنا العرب لا من البيضان؛ لقرب ألوانهم من ألواننا والهند أسفر ألواناً من العرب، وهم من السودان ولأن النبي (ص) قال: " بعثت إلى الأحمر والأسود " وقد علم الناس أن العرب ليست بحمر كما ذكرنا قبل هذا قال: فهذا المفخر لنا وللعرب على جميع البيضان إن أحبَّتْ ذلك العرب؛ وإن كرهته فإن المفخر لنا بالذي ذكرنا على الجميع"
ثم أدخلنا الرجل فى خرافة أخرى وهو الزابج من ملوكهم جبار لديه من الرجال والسلاح ما يسيطر به على أى أهل بلد فقال :
"قالوا: ولو لم نكثركم إلا بالزابج وحدها لفضلناكم بهم فضلاً مبيناً؛ وذلك أن ملك الزابج إن غضب على أهل مملكة ولم يتقوه بالخراج بعث ألف سنبوقة في كل سنبوقة ألف رجل على أن لا يجلدونهم ولا يقاتلونهم، ولكن يأمرهم أن يقيموا أبداً فيهم حتى يتَّقوهم بالخراج، فيكون ما يأكلون ويشربون ويغذون ويلبسون، أضر عليهم من مقدار الخراج المرار الكثيرة فإن اتقوهم بالخراج وإلا أرسل إليهم ألف سنبوقة أخرى، فلا يجد ذلك الملك بداً من أن يتقيه بكل ما طلب، ولا يأمن أن يغضب فيأتي عليه وعلى أهل مملكته
قالوا: ولقد نزل ملك الزابج على خليجٍ مرةً والخليج فراسخ في فراسخ، فبينما هو على مائدته وفي سرادقه على شواطئ الخليج، إذ سمع صارخةً فقال: ما هذا؟ وقطع الأكل قالوا: امرأةٌ سقط ابنها في هذا الخليج فأكله التمساح قال: وفي مكانٍ أنا فيه شيءٌ يشاركني في قتل الناس! ثم وثب فإذا هو في الخليج فلما رأوه الناس سقطوا عن آخرهم، فخضخضوه وهو فراسخ في فراسخ، حتى أخذوا تمساحٍ فيه أخذ يدٍ فقال: إن أهل الزابج وأغبابها أكثر من شطر أهل الأرض"
ثم تحدث حديث الغائب الذى لم يشاهد فتكلم عن أخر العمران وهو اليابسة فادعى أنه كله من السودان فقال :
"قالوا: وآخر العمران كله سودانٌ، وما استدار من أقاصي العمران أكثر من أهل الواسطة، كطوق الرحى الذي يلي الهواء، الذي هو أوسع وأكثر ذرعاً مما قصر عنه من فلك الرحى ولنعتبر ذلك بالجناح المطيف، لا يرى أحد ذرعه مع قلة عرضه، ونجده أكثر ذرعاً من نفس الدار وليس خلف الزابج بيضانٌ، وكذلك جميع بلاد السودان الساكنة في الأطراف وفي آخر أطواق العمران قالوا: فهذا دليل على أنّا أكثر، وإذا كنّا أكثر كنَّا أفخر وقد قال شاعركم:
ولست بالأكثر منه حصىً وإنما العزّة للكاثر"
ثم زعم كون القبط من السودان وأن منهم إبراهيم(ص) وإسماعيل(ص)فقال "
"قالوا: والقبط جنسٌ من السودان وقد طلب منهم خليل الرحمن الولد فولد له منهم نبيٌّ عظيم الشأن، وهو أبو العرب إسماعيل عليه السلام وطلب النبيُّ (ص) منهم الولد، وولد له إبراهيم، وكنَّاه به جبريل قالوا: والحجر الأسود من الجنَّة والنُّحاس إذا اشتد سواده كان أثمن وأجود فمن استنكر لون السواد فما في فرنجة والرُّوم والصقالبة من إفراط سبوطة الشعر والرّقّة والصهوبة، والحمرة في شعر الرأس واللِّحية، وبياض الحواجب والأشفار، أقبح وأسمج وليس في السودان مُغْرَب، ليس المغرب إلا فيكم ولا سواءٌ من لم تنضجه الأرحام وما جازت به حد التمام"
والكلام هنا ذم لخلقة الله وهو كلام لا يقوله إلا الكفار ثم تحدث الرجل عن كون سبب سواد الناس هو المنطقة التى يعيشون فيها فقال :
"قالوا: ولنا بعد معرفةٌ بالتفلسف والنظر، ونحن أثقف الناس ولنا في الأسرار حجة ونحن نقول: إن الله تعالى لم يجعلنا سوداً تشويهاً بخلقنا، ولكن البلد فعل ذلك بنا والحجة في ذلك أن في العرب قبائل سوداً كبني سليم بن منصور وكلُّ من نزل الحَّرة من غير بني سليمٍ كلهم سود وإنهم ليتخذون المماليك للرعي والسقاء، والمهنة والخدمة، من الأشبانيِّين ومن الروم نسائهم، فما يتوالدون ثلاثة أبطن حتى تنقلهم الحرّة إلى ألوان بني سليم ولقد بلغ من أمر تلك الحرة أن ظباءها ونعمها، وهوامها وذبابه، وثعالبها وشاءها وحميرها، وخيلها، وطيرها كلها سودٌ والسواد والبياض إنما من قبل خلقة البلدة، وما طبع الله عليه الماء والتربة، ومن قبل قرب الشمس وبعدها، وشدة حرها ولينها وليس ذلك من قبل مسخٍ ولا عقوبة، ولا تشويه ولا تقصير على أن بلاد بني سليم تجري مجرى بلاد الترك ومن رأى إبلهم ودوابهم وكل شيءٍ لهم تركيٍّ رآه شيئاً واحداً وكل شيءٍ لهم تركيُّ المنظر وربما رأى الغزاة دون العواصم أخلاط غنم الروم فلا يخفى عليهم غنم الروم من غنم الشام، للرُّوميَّة التي يرونها فيها وقد نرى الناس أبناء الأعراب والأعرابيات الذين وقعوا إلى خراسان فلا نشك أنهم علوج القرى وهذا موجودٌ في كل شيء وقد نرى جراد البقل والرِّيحان وديدانهما خضراً، ونرى قمل رأس الشاب سوداً، ونراها إذا ابيض رأسه بيضاً، ونراها إذا خُضِبت حمراً فليس سوادنا، معشر الزنج، إلا كسواد بني سليم ومن عددنا عليكم من قبائل العرب في صدر هذا الكلام وما إفراط سواد من اسودَّ من الناس إلا كإفراط بياض من ابيض من الناس وكذلك السمرة المتولدة من بينهما، وكذلك الزِّيّ والهيئات، وكذلك الصناعات، وكذلك المطاعم والشهوات"
وهذا ما يسمونه نظرية ألوان البشر تعود إلى المناخ الذى يعيشون فيه وهو كلام ليس مقبولا تماما لأن اصل البشر كان واحدا وله لون واحد ومع هذا خرجت منه كل الألوان فى أبنائه
ثم عاد فذكر اشعارا ذما ومدحا فى السودان فقال :
" وقد ذكر الشاعر، حين مدح أسيلم بن الأحنف الأسديَّ، سواد اليمانية فقال:
أسيلم ذاكم لا خفا بمكانه لعين تداحى أو لأذنٍ تسمَّع
من النَّفر الشُّمِّ الذين إذا انتموا وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
جلاً الأذفر الأحوى من المسك فرقه وطيب الدِّهان رأسه وهو أنزع
إذا النَّفر السود اليمانون حاولوا له حوك برديه أرقوا وأوسعوا
وقد عاب بعض البيضان عبد بني جعدة بلونه، فقال:
قد عاب لوني أقوامٌ فقلت لهم ما عاب لوني إلا مفرط الحمق
إن كان لوني فيه دعجةٌ كلفٌ حزن الإهاب فإني أبيض الخلقأرضي الصديق وأحمي الظعن معترضاً صدر القناة وأكنى كنه السَّرق
وكانت امرأة عمرو بن شأسٍ تجفو عرار بن عمرو، وكان ابن سوداء، فقال عمرو بن شأسٍ في ذلك، وفي صفة أبناء الحبشيات والزنجيات:
ألم يأتيها أني صحوت وأنني تخشعت حتى ما أعارم من عرم
وأطرق إطراق الشُّجاع، ولو يرى مساغاً لنابيه الشجاع لقد أزم
أرادت عراراً بالهون ومن يرد عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم
وإن عراراً إن يكن غير واضحٍ فإني أحب الجون ذا المنكب العمم
فإن كنت منِّي أو تحبين شيمتي فكوني له كالسمن ربت له الأدم وإلا فبيني مثل ما بان راكبٌ تزود خمساً ليس في سيره أتم"
ثم تحدث عن الهند وهو كلام لا علاقة له بالزنج والسواد فقال :
"وأما الهند فوجدناهم يقدمون في النجوم والحساب، ولهم الخطُّ الهندي خاصة، ويقدمون في الطبِّ، ولهم أسرار الطب وعلاج فاحش الأدواء خاصة ولهم خرط التماثيل ونحت الصور بالأصباغ تتخذ في المحاريب وأشباه ذلك ولهم الشطرنج، وهي أشرف لعبةٍ وأكثرها تدبيراً وفطنة ولهم السيوف القلعية، وهم ألعب الناس بها وأحذقهم ضرباً بها ولهم الرُّقى النافذة في السموم وفي الأوجاع ولهم غناءٌ معجب ولهم الكنكلة، وهي وترٌ واحدٌ يمد على قرعةٍ فيقوم مقام أوتاد العود والصنج ولهم ضروب الرقص والخفة، ولهم الثقافة عند الثقاف خاصة، ولهم مغرفة المناصفة، ولهم السحر والتدخين والدمازكية ولهم خطُّ جامعٌ لحروف اللغات، وخطوطٌ أيضاً كثيرة، ولهم شعرٌ كثير وخطب طوال، وطبٌّ في الفلسفة والأدب وعنهم أُخذ كتاب كليلة ودمنة ولهم رأيٌ ونجدةٌ، وليس لأحدٍ من أهل الصبر ما لهم ولهم من الزِّيّ الحسن والأخلاق المحمودة مثل الأخلَّة والقرن والسواك، والاحتباء، والفرق والخضاب وفيهم جمال وملحٌ واعتدال وطيب عرق وإلى نسائهم يضرب الأمثال ومن عندهم جاء الملوك بالعود الهندي الذي لا يعدله عود ومن عندهم خرج علم الفكر، وما إذا تكلم به على السم لم يضر وأصل حساب النجوم من عندهم أخذه الناس خاصةً وآدم عليه السلام إنما هبط من الجنة فصار ببلادهم"
ثم ذكر كلاما عن السند معتبرا إياهم والهنود من جملة السودان فقال :
"قالوا: ومن مفاخر الزنج حسن الخلق، وجودة الصوت وإنك لتجد ذلك في القيان إذا كنَّ من بنات السنْد وخصلةٌ أخرى: أنه لا يوجد في العبيد أطبخ من السندي، هو أطبع على طيب الطبخ كله ومن مفاخرهم أن الصيارفة لا يولون أكيستهم وبيوت صروفهم إلا السند وأولاد السند؛ لأنهم أنفذ في أمور الصرف، وأحفظ وآمن ولا يكاد أحدٌ أن يجد صاحب كيس صيرفيٍّ ومفاتيحه ابن روميٍّ ولا ابن خراساني ولقد بلغ من تبرك التجار بهم أن صيارفة البصرة وبنادرة البربهارات، لما رأوا ما كسب فرجٌ أبو روحٍ السندي لمولاه من المال والأرضين اشترى كل امرئٍ منهم غلاماً سندياً، طمعاً فيما كسب أبو روحٍ لمولاه
قال: وكان عبد الملك بن مروان يقول: " الأدغم سيد أهل المشرق " يعني عبيد الله بن أبي بكرة وكان أشد السودان سواداً وإياه يعني عبد الله بن حازم حيث يقول: حبشيٌّ حبشته حبشة"
وهذا الكتاب يبدو أن من كتبه جمع بعضه من مصادر شتى وبخياله قول السودان والبيضان ما لم يقولوا وفى نهايته قال الجاحظ الذى يبدو أن لم يؤلف الكتاب :
"فهذا جملة ما حضرنا من مفاخر السودان وقد قلنا قبل هذا في مفاخر قحطان، وسنقول في فخر عدنان على قحطان في كثير مما قالوا إن شاء الله"