رضا البطاوى
18-07-2020, 07:53 AM
قراءة فى كتاب صفات الرب جل وعلا
مؤلف الكتاب هو الواسطي وقد استهل الواسطى الكتاب بالنصيحة في صفات الرب فقال أن المطلوب منا هو:
"نصفه بما وصف به نفسه من الصفات التي توجب عظمته وقدسه مما أنزله في كتابه وبينه رسول الله (ص)في خطابه ونؤمن بأنه الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم السميع البصير العليم القدير الرحمن الرحيم الملك القدوس العظيم لطيف خبير قريب مجيب متكلم شاء فعال لما يريد يقبض ويبسط ويرضى ويغضب ويحب ويبغض ويكره ويضحك ويأمر وينهى ذو الوجه الكريم والسمع السميع والبصر البصير والكلام المبين واليدين والقبضتين والمقدرة والسلطان والعظمة والامتنان لم يزل كذلك ولا يزال استوى على عرشه فبان من خلقه ولا يخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ وهو في ذاته ولا يشبهه شئ من مخلوقاته ولا تمثل بشئ من جوارح مبتدعاته بل هي صفات لائقة بجلاله وعظمته لا تتخيل كيفيتها الظنون ولا تراها في الدنيا العيون بل نؤمن بحقائقها وثبوتها ونصف الرب سبحانه وتعالى بها وننفي عنها تأويل المتأولين وتعطيل الجاحدين وتمثيل المشبهين فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله وليس معبوده ذلك بإله "
وهذه المقدمة بها أخطاء وتناقضات:
الأول وصف الله بأنه يضحك فالرجل جاء قبلها بالصفة وضدها فقال يقبض ويبسط ويرضى ويغضب ويحب ويبغض وعندما ذكر الضحك لم يقل بأنه يبكى حتى يكون الكلام متوازن والضحك الله هو خالقه كما قال تعالى "وأنه أضحك وأبكى"بينما الضحك مفعول أى مخلوق يحدث من المخلوقين وهو عملية استغراب والاستغراب يعنى العلم بالشىء بعد الجهل به فالله مضحك وليس ضاحك وإلا كان جاهلا تعالى عن ذلك
الثانى نفى وجود تشابه بين الله وخلقه فقال "ولا يشبهه شئ من مخلوقاته" ومع هذا أثبت التشابه بذكر اليدين والقبضتين مع أنها في القرآن قبضة واحدة كما قال تعالى "والأرض جميعا قبضته يوم القيامة"
وقد ذكر الواسطى سبب تأليفه الكتاب فقال :
"وبعد فهذه نصيحة كتبتها إلى اخواني في الله أهل الصدق والصفاء والاخلاص والوفاء لما تعين على محبتهم في الله ونصيحتهم في صفات الله فإن المرء لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ..وأعرفهم أيدهم الله بتأييده ووفقهم لطاعته ومزيده أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل مسألة الصفات ومسألة الفوقية ومسالة الحرف والصوت في القرآن المجيد وكنت متحيرا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها أو إمرارها أو الوقوف فيها أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل فأجد النصوص في كتاب الله وسنة رسوله(ص) ناطقة مبينة لحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من تأول الاستواء بالقهر والاستيلاء وتأول النزول بنزول الأمر وتأول اليدين ولا بالنعمتين والقدرتين وتأول القدم بقدم صدق عند ربهم وأمثال ذلك ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله معنى قائما بالذات بلا حرف ولا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها قوم لهم في صدري منزلة مثل بعض فقهاء الاشعرية الشافعيين لأني على مذهب الشافعي عرفت منهم فرائض ديني وأحكامه فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم ثم إنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبى إليها وأجد الكدر والظلمة منها وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره المتململ لم من قلبه في تقلبه تغيره وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني واجد الرسول (ص)قد صرح بها مخبرا عن ربه واصفا له بها وأعلم بالاضطرار أنه كان يحضر في مجلسه الشريف العالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي الجافي
ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان (ص)يصف بها ربه لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها حدثنا كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمون مثل تأويلهم الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر وغير ذلك ولم أجد عنه (ص)انه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفة ربه من الفوقية واليدين وغيرهما مثل أن ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية المرتبة ويد النعمة وغير ذلك"
الواسطى هنا ينقد تأويل القوم للصفات التى يظن أنها جسدية مع أنه طالب به بقوله "ولا يشبهه شئ من مخلوقاته ولا تمثل بشئ من جوارح مبتدعاته"وقال " وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه"
فهنا يخاف التشبيه وهذا هو عينه ما فعله القوم الذين أولوا الكلمات التى تعنى أشياء جسدية في ظنهم
والمشكلة كانت ولا زالت عند من أثبتوا الصفات بلا تأويل أنهم يعتقدون أن كلمات مثل يد وقبضة وعين ووجه تعنى الأعضاء الجسدية مع أنهم يستعملون فى كلامهم العادى تلك الكلمات بمعانى أخرى فيستعملون يدا بمعنى معروفا كما في قولهم إن له يدا عندى ومثل قولهم عين ماء وهو عينه أى هو نفسه ومثل قولهم وجه الكلام أى مراد الكلام ومثل قولهم قبض على اللص أى سيطر عليه أى أمسكه ومثل قوله قبض على الأمر أى تولى زمامه
هذه هى المشكلة سببها اعتقادهم أن الكلمة لها معنى واحد فقط مع أن الكلمة في القرآن نفسه وردت بمعانى متعددة
الرجل وقع في نفس المشكلة فقال :
"وأجد الله عز وجل يقول الرحمن على العرش استوى وقال خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش في سبعة مواضع وقال الله تعالى يخافون ربهم من فوقهم وقال الله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال الله تعالى بل رفعه الله إليه وقال الله تعالى أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا وقال الله تعالى قل نزله روح القدس من ربك وقال الله عن فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ولهذا قال وإني لأظنه كاذبا وقال من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"
الرجل كغيره وقع في نفس المشكلة هنا فهنا أخذ كلمة استوى بمعنى جلس فوق الشىء كما في القول "لتستووا على ظهوره" ونسى أن كلمات الجذر تعنى معانى اخرى مثل " لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون "فالاستواء هنا العدل أى التعادل ومثلا كلمة العرش أخذوها على أنها كرسى كما في قوله تعالى " نكروا لها عرشها" بينما لها معانى أخرى مثل الساكن أو المساكن كما في قوله تعالى " "أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها "ومثل كون العرش بمعنى المسكون كما في قوله تعالى "وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات"
وومن ثم فالاستواء على العرش طبقا لتلك المعانى يعنى عدل النظام وهو نفسه السيطرة على ملك الكون
ونجد الرجل هنا يستشهد بكلام كافر على معتقده وهو" يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا " وهو يستنتج كلاما غريبا وهو "وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ولهذا قال وإني لأظنه كاذبا" فهنا صدق فرعون موسى(ص) بينما هو كذبه كما قال تعالى "فكذب وتولى"
فكلام فرعون ليس هو كلام الله ولا يجوز الاستشهاد بكلام كافر قصه الله في القرآن
والغريب هو أن الرجل كغيره يتناسى آيات في القرآن تنسف معتقدهم وتوجب معتقد أخر وهو كون الله فى الأرض كما في السماء وهى قوله تعالى ""وهو الله فى السموات وفى الأرض" وقوله "ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"
بالقطع هذه الآيات تنسف معتقد كون الله فى السماء وحدها وتثبت معتقد الحلولية تماما طبقا لمذهب القوم فى عدم التأويل ولكن الله فسرها في القرآن بكونه إله من فى السماء وإله من فى الأرض
وأما البعض الأخر فاعتبر الله فى السماء واحتجوا بقوله تعالى "يخافون ربهم من فوقهم "فعندهم أن الله فوق الملائكة فى السماء كما احتجوا بأحاديث كلها كاذبة كحديث الجارية التى أشارت إلى أن الله فى السماء فأيدها من زعموا أنه الرسول (ص)وهو قول لم يخرج من فيه كما احتجوا بقوله فى سورة الملك"أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا"وهذه الأقوال لابد أن تفسر كما فى سورة الزخرف "وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله "فمعنى ما فى سورة الملك هل أمنتم إله من فى السماء أن يبعث عليكم حاصبا ولأن القوم بهذا جعلوا الله فى الأرض أيضا لأنه يقول فى سورة الأنعام "وهو الله فى السموات وفى الأرض "فهنا الله فى الأرض كما فى السماء ومن ثم لا حجة لهم فى كونه فى السماء فقط ولكنه ليس فى أى منهما لأن تفسيره وهو الله إله من فى السموات وإله من فى الأرض كما بسورة الزخرف ،زد على هذا أن الله كان موجودا قبل خلق السماء فلما يكون فى السماء وهو منزه عن المكان ؟ .
وأما احتجاجهم بقوله "ورفعناه مكانا عليا "وقوله "بل رفعه الله إليه "وقوله "ورافعك إلى "فهو مردود لأن الرفع هنا للجنة وهى الربوة ذات القرار والمعين التى رفع المسيح (ص)وأمه إليها كما فى قوله بسورة المائدة "وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "والجنة والنار أيضا فى السماء لقوله تعالى بسورة الذاريات "وفى السماء رزقكم وما توعدون "فالموعود هو الجنة والنار مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات " وأيضا"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم "فالله رفع إدريس(ص)والمسيح(ص) للجنة
وأما احتجاجهم بقوله "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه "فمعناه منه يقبل إتباع الحديث الطيب أى الفعل الصالح يقبله أى يرضاه فالله يقبل الإسلام من الناس وهو إتباع الكلام الطيب وهو نفسه العمل الصالح فالله ليس فى جهة حتى يصعد بمعنى يعلو له كما أن الله ينسخ أى يسجل العمل فى الكتب المنشرة مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون "زد على هذا أن كل الأعمال مسجلة من قبل عملها وهو خلقها مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد "ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها "فما الحاجة لصعودها إذا كانت معروفة من قبل وهنا أتكلم على تصديق كلامهم أن الله فى السماء وهو ما لا أصدقه كما أن كلمة إليه فى "إليه يصعد" لا تعنى الوصول لذات الله التى ليست فى السماء وإنما تعنى الوصول لما يريد من الكتاب أو الجنة أو النار مثلها مثل الظل الذى يقبضه الله إليه فى قوله تعالى بسورة الفرقان "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا "فالظل الذى يقبضه الله يقبضه فى الأرض وليس فى السماء ومن ثم فكلمة إلى الله تعنى أمره الذى يريد ولذا فكل شىء يعود إلى الله فى السموات أو فى الأرض حسبما يقرر الله مصداق لقوله تعالى بسورة هود"إليه يرجع الأمر كله "
وأما احتجاجهم بقول فرعون "أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه كاذبا " فاحتجاج باطل فقول الكافر وهنا زعيم كفار قومه لا يحتج به فى شريعة الله على حكم شرعى لأننا لو فعلنا هذا لكانت أقوال الكفار فى القرآن كلها أدلة على صحة أقوالهم الباطلة مثل أن له ولد وأنه ثالث ثلاثة
وأما احتجاجهم بتدبير الأمر من السماء للأرض "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض "
وأما احتجاجهم بقوله "يخافون ربهم من فوقهم "فلا يعنى أن الله أعلى الملائكة لأن الخوف من الله يعنى خوف عذابه مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء"قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه " فالمدعوين من دون الله منهم الملائكة لأن بعض الكفرة يزعمون عبادتهم وهم يخافون عذاب الله وهو النار التى فى السماء مصداق لقوله تعالى بسورة الذاريات "وفى السماء رزقكم وما توعدون "ومن الموعود النار مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم "زد على هذا أن عذاب الله يأتى من فوق ومن تحت مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم "وقوله بسورة العنكبوت "يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم "
ثم تناول الرجل ما سماه الأدلة في الحديث فقال :
ثم أجد الرسول (ص)لما أراد الله ان يخصه بقربه عرج به من سماء إلى سماء حتى كان قاب قوسين أو أدنى ثم قوله (ص)في الحديث الصحيح للجارية أين الله فقالت في السماء فلم ينكر عليها بحضرة أصحابه كي لا يتوهموا أن الأمر خلاف ما هو عليه بل أقرها وقال اعتقها فإنها مؤمنة وعن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله أفلا أعتقها قال ادعها فدعوناها فقال لها أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت انت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة وقوله (ص)الراحمون يرحمهم الرحمن إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
الخطأ الإقرار بأن الله فى السماء وهو يخالف أن الله ليس فى مكان لقوله تعالى "ليس كمثله شىء "فإذا كانت المخلوقات فى مكان فالله لا يشبهها ومن ثم فهو ليس فى مكان
"وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله (ص)يقول من اشتكى
منكم بأسا أو اشتكى اخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء والأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ أخرجه أبو داود "
الخطأ أن الدعاء ومنه الرقى التى هى كلام تشفى الأمراض وما شاكلها وهو تخريف لأن لو كان الدعاء ومنه الرقى تشفى فالسؤال الآن لماذا خلق الله الأدوية ووصف بعضها فى القرآن مثل عسل النحل بقوله "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس "ولو كان النبى – وهو لم يقل حديث مما ورد فى الكتاب كله ولو كان النبى يعلم بأثر الدعاء أو الرقية لشفى نفسه والصحابة من الأمراض ولشفى الناس باعتبار أن هذا معجزة أم أنه كان يأمر الناس بها وينسى نفسه ؟
"وعن أبي سعيد الخدري قال بعث علي من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصل في ترابها فقسمها رسول الله (ص)بين أربعة زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل شك عمارة فوجد من ذلك بعض الصحابة من الأنصار وغيرهم فقال رسول الله (ص)ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء مساء وصباحا أخرجه البخاري ومسلم "
الخطأ توزيع النبى(ص) الذهب على أربعة تأليفا لقلوبهم وهو تخريف لأن النبى (ص)يعلم أن المال لا يؤلف قلبا على الإسلام ولو كان مال الدنيا مصداق لقوله تعالى "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم "فكيف يخالف أمر الله ؟قطعا هذا لم يحدث
"وعن ابن ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله (ص)أن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل الحديث "
الخطأ أن الميت تحضره الملائكة في الأرض وهو ما يخالف أن الملائكة في السموات لا تنزل للأرض لعدم اطمئنانها فيها كما قال تعالى " قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
"وعن أبي هريرة ان رسول الله (ص)قال والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها زوجها أخرجه البخاري ومسلم"
بالقطع الرواية ناقصة شىء إلا أن تكون حائضا أو حاجة أو معتمرة ومن ثم فهى لا تمت للنبى (ص)بصلة
"وعن أبي داود ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله (ص)فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان قال هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة وأما اثنتان وأما ثلاثة وسبعون سنة ثم السماء فوق ذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء الى وسماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله عز وجل فوق ذلك "
والخطأ الأول أن الله فوق السموات ويخالف هذا أن الله لا يوصف بالفوقية أو التحتية لأنه لا يشبه خلقه فى وجود الجهات مصداق لقوله "ليس كمثله شىء "والخطأ الأخر هو حمل الأوعال للعرش ويخالف هذا أن الملائكة هى التى تحمل العرش مصداق لقوله تعالى "والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "
"وعن أبي هريرة سمعت رسول الله (ص)يقول إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق الخلق ان رحمتي سبقت غضبي وهو عنده فوق العرش أخرجه البخاري"
الخبل هنا أن الكتاب المكتوب وهو مخلوق كتب قبل خلق الخلق فكيف يكون الخلق كالكتاب وما كتب به وفيه والعرش موجودين وهم لم يخلقوا بعد؟
" وعن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك أن سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة قال له رسول الله (ص)لقد حكمت حكما حكم الله به من فوق سبعة ارقعة "
الرواية هنا لا أصل لها فى القرآن فلم يذكر الله بنو قريظة والحكم الذى حكمت به الرواية يخالف حكم الله فالله لم يحكم بقتل الناس مقاتلين وغير مقاتلين ولم يحكم بسبى الأطفال والنساء فهذه أحكام شيطانية تتناقض مع قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
"وحديث المعراج عن أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم أن نبي الله (ص)حدثهم على ليلة اسرى به وساق الحديث إلى ان قال فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم وليلة قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فأساله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثل ذلك فرجعت الى ربي فوضع عني عشرا خمس مرات في كلها يقول رجعت إلى موسى ثم رجعت إلى ربي أخرجه البخاري ومسلم"
الخبل هنا أن الله وضع فى كل مرة من الخمس عشر صلوات وهو قوله " فرجعت الى ربي فوضع عني عشرا خمس مرات في كلها"ومعنى هذا أن رفع حكم الصلاة كليا لأنها فرضها خمسين رفعهم جميعا
وعن أبي هريرة ان رسول الله (ص)قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو بهم اعلم كيف تركتم عبادي الحديث متفق عليه "
الخطأ وجود الملائكة مع الإنسان فى الأرض ليلا ونهارا وهو ما يخالف أن الملائكة لا تنزل الأرض لعدم اطمئنانها مصداق لقوله تعالى "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "وقوله "وكم من ملك فى السموات "
"وعن أبن عمر قال لما قبض رسول الله (ص)دخل عليه أبو بكر فأكب عليه وقبل وجهه وقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا وقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت رواه البخاري "
الرواية بلفظ فى السماء ليست فى صحيح البخارى وإنما فى التاريخ الكبير له وشتان ما بين هذا وذلك عند أهل الحديث
"وعن محمد بن فضل عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر عن أنس بن مالك قال كانت زينب تفتخر على أزواج النبي (ص)وتقول إن الله زوجني من السماء وفي لفظ زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فوق سبع سموات اخرجه البخاري "
لم يزوج الله زينب النبى(ص) فالاسم غير مذكور فى المصحف وإنما اباح زوجات الأدعياء عند طلاقهن أو وفاة أزواجهم لمن نسبوا إليهم لكونهم لا صلة قرابة بينهم كما قال تعالى "فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعياءهم إذا قضوا منهن وطرا"
"وفي حديث جبير بن مطعم قال قال رسول الله (ص)إن الله فوق عرشه فوق سماواته وسماواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي (ص)بيده مثل القبة "
هنا العرش فوق السموات والله فوقه تعالى عن ذلك وهو ما يناقض كل الروايات التى ذكرت كون الله تعالى عن ذلك فى السماء هنا كما يناقض الوجود الإلهى على العرش وجود الكتاب المزعوم فى الرواية التى سبق ذكرها وهى "عن أبي هريرة سمعت رسول الله (ص)يقول إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق الخلق ان رحمتي سبقت غضبي وهو عنده فوق العرش أخرجه البخاري"
"وحديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله (ص)من لم يرحم من في الأرض لم يرحمه من في السماء "
الخطأ هنا وجوب رحمة فى الأرض جميعا وهو ما يخالف وجوب إذلال الكفار المحاربين كما قال تعالى "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار" وقال "يا أيها الذين أمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين"
"وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص)لما أسري به مرت به رائحة طيبة فقال يا جبريل ما هذه الرائحة فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وكانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنته ابي فقالت لا بل رب أبيك فأخبرت أباها فدعا بها فقال ألك رب غيري قالت ربي وربك الله الذي في السماء وأمر بنقرة نحاس فأحميت ثم دعا بها وبولدها فألقاهما فيها الحديث رواه الدارمي وغيره "
حكاية لا أصل لها فى القرآن كما ان النبى(ص) فى رحلة المعراج لم يدخل الجنة حتى يشم الرائحة وإنما وقف عندها عند السدرة التى رأى ما حولها كما قال تعالى "ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى"
فلو كان لها وجود كمؤمن آل فرعون لذكرها كما ذكره
"وروى الدارمي وغيره باسناده إلى أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله (ص)لما ألقي إبراهيم في النار قال اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك "
الخطأ كون إبراهيم(ص) الذى كان يعبد الله فى الأرض عند رميه فى النار وهو ما يخالف إيمان لوط(ص) به فكانا اثنين وفى هذا قال تعالى "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم"
ولم يكتف الواسطى بهذه الروايات بل زاد التالى وهو روايات كلام مكرر لم تقع فى الحقيقة فقال :
"وأما الآثار عن الصحابة في ذلك فكثيرة منها قول عمر عن خولة لما استوقفته ابن فوقف لها فسئل عنها فقال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات"
هنا الله حسب الرواية ليس فى السموات وإنما فوقها أى ليس فى الكون وهو ما يناقض روايات كونه فى السماء
" وعبد الله بن رواحة لما وقع على جارية له فقالت امرأته فعلتها فقال أما أنا فأقرأ القرآن فقالت أما أنت فلا تقرأ القرآن وأنت جنب فقال شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا وان العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام ملائكة الاله مسومينا "
الخبل هنا أن العرش طاف على الماء وهو ما يناقض حمل الملائكة له كما قال تعالى " الذين يحملون العرش ومن حوله"
"وابن عباس لما دخل على عائشة وهي في النزع فقال كنت أحب نساء رسول الله (ص)إلى رسول الله (ص)ولم يكن يحب إلا طيبا وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات وكذلك نجد أكابر العلماء كعبد الله بن المبارك صرح بمثل ذلك "
هنا الله حسب الرواية ليس فى السموات وإنما فوقها أى ليس فى الكون وهو ما يناقض روايات كونه فى السماء
روى عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا الحسن بن الصباح قال ثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قيل له كيف نعرف ربنا قال بانه فوق السماء على العرش بائن من خلقه "
فى الرواية كيف يكون بائن عن الخلق وهو على مخلوق اسمه العرش؟
وبين الواسطى كيف ظهر له ما ظنه الحق فى المسائل فقال :
"فصل فلم أزل في هذه الحيرة والاضطراب قوله من اختلاف المذاهب والأقوال حتى لطف الله بي وكشف لهذا الضعيف عن وجه الحق كشفا اطمأن إليه خاطره وسكن به سره وتبرهن الحق في نوره وأنا واصف بعض ذلك إن شاء الله تعالى والذي شرح الله صدري له في حكم هذه المسائل الثلاث العلو والفوقية والاستواء الأولى
مسألة العلو وهو ان الله عز وجل كان ولا مكان ولا عرش ولا ماء ولا فضاء ولا هواء ولا خلاء ولا ملاء وأنه كان منفردا في قدمه وأزليته متوحدا في فردانيته سبحانه وتعالى في تلك الفردانية لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شئ غيره هو سابق التحت والفوق اللذين هما جهتا العالم وهما لا زمان له والرب تعالى في تلك الفردانية منزه عن لوازم الحدوث فلما اقتضت الارادة المقدسة بخلق الاكوان المحدثة المخلوقة العدودة له ذوات الجهات اقتضت الارادة أن يكون الكون له جهات من العلو والسفل وهو سبحانه منزه عن صفات الحدوث فكون الأكوان وجعل لها جهتي العلو والسفل واقتضت الحكمة الالهية ان يكون الكون في جهة التحت لكونه مربوبا مخلوقا واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون المحدث لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت والرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته وفردانيته لم يحدث له في ذاته ولا في صفاته ما لم يكن في قدمه وأزليته فهو الآن كما كان لكن لما احدث المربوب المخلوق ذا الجهات والحدود والخلاء والملاء والفوقية والتحتية كان مقتضى حكم العظمة للربوبية ان يكون فوق ملكه وان تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون فإذا أشير إليه بشئ يستحيل أن يشار إليه من الجهة التحتية أو من جهة اليمنة أو اليسرة بل لا يليق ان يشار إليه إلا من جهة العلو والفوقية ثم الإشارة هي بحسب الكون وحدوثه وأسفله فالإشارة تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة وتقع على عظمة الرب وتعالى كما يليق به لا كما يقع على الحقيقة المعتدلة عندنا في أعلى جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم وتلك إشارة إلى إثبات إذا علم ذلك فالاستواء صفة له كانت في قدمه لكن لم يظهر حكمها إلا عند خلق العرش كما أن الحساب صفة قديمة له لا يظهر حكمها إلا في الآخرة وكذلك التجلي في الآخرة لا يظهر حكمه إلا في محله فإذا علم ذلك فالأمر الذي يهرب المتأولون منه حيث أولوا الفوقية بفوقية المرتبة والاستواء بالاستيلاء فنحن اشد الناس هربا من ذلك وتنزيها للباري سبحانه وتعالى عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره بل بحد تتميز به عظمة ذاته عن مخلوقاته والإشارة إلى الجهة إنما هو بحسب الكون وأسفله إذ لا يمكن الإشارة إليه إلا هكذا وهو في قدمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث وليس في القدم فوقية ولا تحتية وإن من هو محصور في التحت لا يمكنه معرفة بارئه إلا من فوقه فتقع الإشارة إلى العرش حقيقة إشارة معقولة وتنتهي الجهات عند العرش ويبقى ما وراءه لا يدركه العقل ولا يكيفه الوهم فتقع الإشارة عليه كما يليق به مجملا مثبتا لا مكيفا ولا ممثلا وجه آخر من البيان هو أن الرب سبحانه ثابت الوجود ثابت الذات له ذات مقدسة متميزة عن مخلوقاته يتجلى يوم القيامة للأبصار ويحاسب العالم فلا يجهل ثبوت ذاته وتمييزها عن مخلوقاته فإذا ثبت ذلك فقد أوجد الأكوان في محل وحيز وهو سبحانه في قدمه منزه عن المحل والحيز فيستحيل شرعا وعقلا عند حدوث العالم أن يحل فيه أو يختلط به لأن القديم لا يحل في الحادث وليس هو محلا للحوادث فلزم أن يكون بائنا عنه وإذا كان بائنا عنه فيستحيل أن يكون العالم في جهة الفوق وان يكون الرب سبحانه في جهة التحت هذا محال شرعا وعقلا فيلزم أن يكون فوقه بالفوقية اللائقة به التي لا تكيف ولا تمثل بل يعلم من حيث الجملة والثبوت لا من حيث التمثيل والتكييف وقد سبق الكلام في أن الإشارة إلى الجهة إنما هو باعتبارنا ذلك لأنا في محل وحيز وحد والقدم لا فوق فيه ولا جهة واستحالة علوها عليه فلا يمكن معرفته والإشارة بالدعاء إليه إلا من جهة الفوق لأنها أنسب الجهات إليه وهو غير محصور فيها بل هو كما كان في أزليته وقدمه فإذا أراد المحدث أن يشير إلى القديم فلا يمكنه ذلك إلا بالإشارة إلى الجهة الفوقية لأن المشير في محل له فوق وتحت والمشار إليه قديم باعتبار قدمه لا فوق هناك ولا تحت وباعتبار حدوثنا وتسفلنا محمد هو فوقنا فإذا أشرنا إليه تقع الإشارة عليه كما يليق به لا كما نتوهمه في الفوقية المنسوبة إلى الأجسام لكنا نعلمها من جهة الاجمال والثبوت لا جهة التمثيل والله الموفق للصواب ومن عرف هيئة العالم ومراكزه من علم الهيئة وأنه ليس له الا جهتا العلو والسفل ثم اعتقد بينونية إلى خالقه عن العالم فمن لوازم البينونة أن يكون فوقه لأن جميع جهات العالم فوق وليس إلا المراكز وهو الوسط"
الواسطى هنا ناقض نفسه عدة مرات فهو يقول أن لا وجود للجهات بالنسبة لله وإنما قولنا فوق هو التعبير اللائق وليس الحقيقى فمرات قال أن الجهات اثنين فوق وتحت أى أعلى وأسفل كأقواله:
"لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شئ غيره هو سابق التحت والفوق اللذين هما جهتا العالم"
" فكون الأكوان وجعل لها جهتي العلو والسفل "
وهو ما يناقض وجود جهات اخرى كما فى قوله:
"إذ لا فوق فيها ولا تحت فإذا أشير إليه بشئ يستحيل أن يشار إليه من الجهة التحتية أو من جهة اليمنة أو اليسرة"
وهو ينفى أن الله كان له جهة قبل أن يخلق الخلق بقولع:
"وهو في قدمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث وليس في القدم فوقية ولا تحتية"
وهو يقول بالتعبير اللائق وهو تعبير باطل لأن على حد قوله الحقيقة أنه لا جهة له لأنه الجهة تثبت صفة الجسمية له وهو قوله:
"بل لا يليق ان يشار إليه إلا من جهة العلو وتقع على عظمة الرب وتعالى كما يليق به لا كما يقع على الحقيقة المعتدلة عندنا في أعلى جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم"
ورغم أنه قال بعدم التكييف والتمثيل المجهول فإنه عاد لها فقال :
"فيلزم أن يكون فوقه بالفوقية اللائقة به التي لا تكيف ولا تمثل بل يعلم من حيث الجملة والثبوت لا من حيث التمثيل والتكييف "
وقى الفصل التالى تكلم عن التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا وفوقيته واستواءه فقال:
" فصل إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبه التأويل وعماوة كان التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته والحق واضح في ذلك والصدر ينشرح له فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل تأويل الاستواء بالاستيلاء وغيره والوقوف في ذلك جهل وعي مع ان الرب سبحانه وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها فوقوفنا أبو عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياه فما وصف لنا نفسه بها الا لنثبت ما وصف به نفسه ولا نقف في ذلك وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة فمن وفقه الله للاثبات بلا تحريف ولا تكييف ولا وقوف فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى"
ثم حاول فى الفصل التالى بيان اتهامات الذين أولوا الصفات وبيان اتهامات أمثاله لهم فقال :
" فصل والذي شرح الله به صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوقين فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله به نفسه ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى فنقول لا ريب إنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله تعالى ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا أو وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا فكما أنهم يقولون حياته ليست بعرض وعلمه كذلك وبصره كذلك هي صفات كما يليق به لا كما يليق بنا فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان وليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلق ثابت كثبوت السمع والبصر غير مكيف وكذلك نزوله ثابت كعلوم معلوم غير مكيف بحركة وانتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلاله وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة له من حيث التكييف والتحديد فيكون المؤمن بها مبصرا من وجه أعمى من وجه مبصرا من حيث الاثبات والوجود أعمى من حيث التكييف والتحديد وبها يحصل الجمع بين الاثبات لما وصف الله به نفسه وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف وذلك هو مراد الله تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل ولا فرق بين الاستواء والسمع ولا بين النزول والبصر لأن الكل ورد في النص فإن قالوا لنا في الاستواء شبهتم نقول لهم في السمع شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض وإن قالوا لا عرض بل كما يليق به قلنا في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم فكما لا يجعلونها أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا مما يوصف به المخلوق وليس من الانصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجون إلى التأويل والتحريف فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض فما يلزموننا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم في هذه الصفات من العرضية وما ينزهون ربهم به في الصفات السبع وينفونه عنه من عوارض الجسم فيها فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبوننا فيها الى التشبيه عبد سواء بسواء ومن انصف عرف ما قلناه واعتقده وقبل نصيحتنا ودان الله بإثبات جميع صفاته هذه تلك ونفى عن جميعها التعطيل والتشبيه والتأويل والوقوف وهذا مراد الله تعالى منا في ذلك لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا عليه هذه وأولناها أبي كان كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية"
بالقطع الله حكم فى المسائل كلها بقوله " ليس كمثله شىء"ومن ثم كل كلام خرج عن هذه الجملة فهو خبل وإن ادعى أصحابه كونهم على الحق متمسكين بما ظنوا أنه كلام النبى(ص) والنبى (ص) منه برىء فلا يقدر على أن يخالف كلام الله
وزعم الواسطى بهذا الكلام أنه حل المسائل الثلاث مع انه ذكر أن ما قاله ليس الحقيقة وأنه ما سماه التعبير اللائق وهو ما يعنى أن يكذب وإثبات عظمة الله لا تكون بالكذب وفى ظنه قال :
"فصل وإذا ظهر هذا التأويل وبان انحلت الثلاث مسائل بأسرها وهي 1 - مسألة الصفات من النزول والوجه واليد وأمثالها 2 - ومسألة العلو والاستواء 3 - مسألة الحرف والصوت اما مسألة العلو فقد مر ما فتحه الله تعالى وأما مسألة الصفات فتساق مساق مسألة العلو ولا يفهم منها ما يفهم من صفات المخلوقين بل يوصف الرب تعالى بها كما يليق بجلاله وعظمته فينزل كما يليق بجلاله وعظمته ويداه كما يليق بجلاله وعظمته ووجه الكريم كما يليق بجلاله وعظمته وكيف ينكر الوجه الكريم ويحرف وقد قال سبحانه وتعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال (ص)في دعائه (نسألك لذة النظر الى وجهك) وإذا ثبتت صفة الوجه بهذا الحديث وبغيره من الآيات والنصوص فكذلك صفة اليدين والضحك والتعجب ولا يفهم من جميع ذلك إلا ما يليق بالله عز وجل بعظمته لا ما يليق بالمخلوقات من الأعضاء والجوارح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
وإذا ثبت هذا الحكم في الوجه فكذلك في اليدين والقبضتين والقدم والضحك والتعجب كل ذلك كما يليق بجلال الله وعظمته فيحصل بذلك اثبات ما وصف الله به نفسه في كتابه وفي سنة رسوله ويحصل ايضا نفي التشبيه والتكييف في صفاته ويحصل أيضا ترك التأويل والتحريف المؤدي إلى التعطيل ويحصل بذلك أيضا عدم الوقوف بإثبات الصفات وحقائقها على ما يليق بجلال الله وعظمته لا على ما نعقل نحن من صفات المخلوقين فصل وأما مسألة الحرف والصوت فتساق هذا المساق فإن الله تعالى قد نكلم بالقرآن المجيد بجميع حروفه فقال تعالى المص وقال ق والقرآن المجيد وكذلك جاء الحديث فينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب
"وفي الحديث لا اقول ألم حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف فهؤلاء ما فهموا من كلام الله إلا ما فهموه من كلام المخلوقين فقالوا إذا قلنا بالحرف فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللهوات وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الحلق والحنجرة فعملوا بهذا من التخبيط كما عملوا فيما تقدم من الصفات والتحقيق هو أن الله تعالى تكلم بالحروف كما يليق بجلاله وعظمته فإنه قادر والقادر لا يحتاج إلى جوارح ولا إلى
لهوات وكذلك له صوت يليق به يسمع ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة فكلام الله كما يليق به وصوته كما يليق به ولا ننفي الحرف والصوت عن كلامه سبحانه لافتقارهما منا إلى الجوارح واللهوات فإنهما في جناب الحق لا يفتقران إلى ذلك وهذا ينشرح الصدر له ويستريح الانسان به من التعسف والتكلف بقوله هذا عبارة عن ذلك فإن قيل هذا الذي يقرؤه القارئ هو عين قراءة الله وعين تكلمه هو
قلنا لا بل القارئ يؤدي كلام الله والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مؤديا مبلغا ولفظ القارئ في غير القرآن مخلوق وفي القرآن لا يتميز اللفظ المؤدى عن الكلام المؤدى عنه ولهذا منع السلف عن قول لفظي بالقرآن مخلوق لأنه لا يتميز كما منعوا عن قول لفظي بالقرآن غير مخلوق فإن لفظ العبد في غير التلاوة مخلوق وفي التلاوة مسكوت عنه كيلا يؤدي الكلام في ذلك إلى القول بخلق القرآن وما أمر السلف بالسكوت عنه يجب السكوت عنه والله الموفق والمعين"
" فصل العبد إذا أيقن أن الله تعالى فوق السماء عال على عرشه بلا حصر ولا كيفية وانه الآن في صفاته كما كان في قدمه كان لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه ومن لا يعرف ربه بأنه فوق السماء على عرشه فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده لكن ربما عرفه بسمعه وبصره وقدمه وتلك بلا هذا معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن الهه الذي يعبده فوق الأشياء فإذا دخل في الصلاة وكبر توجه قلبه والى جهة العرش منزها له تعالى مفردا له كما افرده في قدمه وأزليته عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا (ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه وأزليته إلا بها لأنا محدثون والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة فتقع تلك الإشارة إلى ربه كما يليق بعظمته لا كما يتوهمه هو من نفسه ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه وهو معهم بعلمه وسمعه وبصره وإحاطته وقدرته ومشيئته وذاته فوق الاشياء فوق العرش ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أشرق قلبه واسنار وأضاء بأنوار المعرفة الإيمان وعكفت أشعة العظمة على قلبه وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره وقوي إيمانه ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول وذاق حينئذ شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده وتكون الجارية راعية الغنم اعلم بالله منه فإنها قالت في السماء عرفته بأنه في السماء لما قال لها رسول الله (ص)يا جارية أين الله قالت في السماء واقرها على ذلك فإن في تأتي بمعنى على كقوله يتيهون في الأرض أي على الأرض وكقوله لأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل فمن تكون الجارية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنواع المعرفة والإيمان ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ما ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصرا من وجه أعمى من وجه كما سبق مبصرا من جهة الاثبات والوجود والتحقيق أعمى من جهة الحصر والتحديد والتكييف فإنه إذا علم ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد بركته ونوره عاجلا وآجلا ولا ينبئك مثل خبير والله الموفق والمعين
فصل وقد تقرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية كقوله يخافون ربهم من فوقهم إليه يصعد الكلم الطيب وهو القاهر فوق عباده لأن فوقيته سبحانه وتعالى وعلوه على كل شئ ذاتي له فهو العلي بالذات والعلو صفته اللائقة به كما أن السفول والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه والعلو والسفل حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه وهو سبحانه على بالذات كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه متسفل بالذات وهو سبحانه العلي على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فيحيي هذا ويميت هذا ويمرض هذا ويشفي هذا ويعز هذا ويذل هذا وهو الحي القيوم القائم بنفسه وكل شئ قائم به فرحم الله عبدا وصلت إليه هذه الرسالة ولم يعالجها بالانكار وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل وأطراف النهار وتأمل النصوص في الصفات وفكر بعقله في نزولها وفي المعنى الذي نزلت له وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة الرب بها والتوجه إليه منها واثباته له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته بلا تأويل ولا تعطل ولا تكييف ولا تمثيل ولا جمود ولا وقوف وفي ذلك بلاغ لمن اعتبر وكفاية لمن استبصر"
نفس الكلام الذى سبق أن قاله من التمسك بمعنى واحد للكلمة وهو أن الكلمات تعنى معنى واحدا هو المعنى الجسدى وإعادة لنفس الكلام وبنفس الاستشهادات الخاطئة التى سبق مناقشتها مع أن كلام القرآن وكلام الناس لغويين وغيرهم يثبت أن للكلمة معانى متعددة وهو ما يحل مشكلة المشاكل فى العقيدة الجسدية المزعومة
ما زاده هنا هو مسألة الصوت والقرآن وهو نفس الكلام وهو أن القرآن الموجود فى المصاحف والمنطوق بأصواتنا وبصوت جبريل(ص) وبصوت النبى(ص) هو مخلوق أما كونه كلام الله أى مراده فليس بمخلوق فما هو داخل النطاق الخلقى أى الكونى مخلوق والمسألة ليست بحاجة لفلسفة ولا لروايات ولا لغير هذا لأن النص يقول "والله خلقكم وما تعملون" ومن ضمن العمل قراءة القرآن وهو نطقه وكتابته
مؤلف الكتاب هو الواسطي وقد استهل الواسطى الكتاب بالنصيحة في صفات الرب فقال أن المطلوب منا هو:
"نصفه بما وصف به نفسه من الصفات التي توجب عظمته وقدسه مما أنزله في كتابه وبينه رسول الله (ص)في خطابه ونؤمن بأنه الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم السميع البصير العليم القدير الرحمن الرحيم الملك القدوس العظيم لطيف خبير قريب مجيب متكلم شاء فعال لما يريد يقبض ويبسط ويرضى ويغضب ويحب ويبغض ويكره ويضحك ويأمر وينهى ذو الوجه الكريم والسمع السميع والبصر البصير والكلام المبين واليدين والقبضتين والمقدرة والسلطان والعظمة والامتنان لم يزل كذلك ولا يزال استوى على عرشه فبان من خلقه ولا يخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ وهو في ذاته ولا يشبهه شئ من مخلوقاته ولا تمثل بشئ من جوارح مبتدعاته بل هي صفات لائقة بجلاله وعظمته لا تتخيل كيفيتها الظنون ولا تراها في الدنيا العيون بل نؤمن بحقائقها وثبوتها ونصف الرب سبحانه وتعالى بها وننفي عنها تأويل المتأولين وتعطيل الجاحدين وتمثيل المشبهين فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله وليس معبوده ذلك بإله "
وهذه المقدمة بها أخطاء وتناقضات:
الأول وصف الله بأنه يضحك فالرجل جاء قبلها بالصفة وضدها فقال يقبض ويبسط ويرضى ويغضب ويحب ويبغض وعندما ذكر الضحك لم يقل بأنه يبكى حتى يكون الكلام متوازن والضحك الله هو خالقه كما قال تعالى "وأنه أضحك وأبكى"بينما الضحك مفعول أى مخلوق يحدث من المخلوقين وهو عملية استغراب والاستغراب يعنى العلم بالشىء بعد الجهل به فالله مضحك وليس ضاحك وإلا كان جاهلا تعالى عن ذلك
الثانى نفى وجود تشابه بين الله وخلقه فقال "ولا يشبهه شئ من مخلوقاته" ومع هذا أثبت التشابه بذكر اليدين والقبضتين مع أنها في القرآن قبضة واحدة كما قال تعالى "والأرض جميعا قبضته يوم القيامة"
وقد ذكر الواسطى سبب تأليفه الكتاب فقال :
"وبعد فهذه نصيحة كتبتها إلى اخواني في الله أهل الصدق والصفاء والاخلاص والوفاء لما تعين على محبتهم في الله ونصيحتهم في صفات الله فإن المرء لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ..وأعرفهم أيدهم الله بتأييده ووفقهم لطاعته ومزيده أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل مسألة الصفات ومسألة الفوقية ومسالة الحرف والصوت في القرآن المجيد وكنت متحيرا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها أو إمرارها أو الوقوف فيها أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل فأجد النصوص في كتاب الله وسنة رسوله(ص) ناطقة مبينة لحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من تأول الاستواء بالقهر والاستيلاء وتأول النزول بنزول الأمر وتأول اليدين ولا بالنعمتين والقدرتين وتأول القدم بقدم صدق عند ربهم وأمثال ذلك ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله معنى قائما بالذات بلا حرف ولا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها قوم لهم في صدري منزلة مثل بعض فقهاء الاشعرية الشافعيين لأني على مذهب الشافعي عرفت منهم فرائض ديني وأحكامه فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم ثم إنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبى إليها وأجد الكدر والظلمة منها وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره المتململ لم من قلبه في تقلبه تغيره وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني واجد الرسول (ص)قد صرح بها مخبرا عن ربه واصفا له بها وأعلم بالاضطرار أنه كان يحضر في مجلسه الشريف العالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي الجافي
ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان (ص)يصف بها ربه لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها حدثنا كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمون مثل تأويلهم الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر وغير ذلك ولم أجد عنه (ص)انه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفة ربه من الفوقية واليدين وغيرهما مثل أن ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية المرتبة ويد النعمة وغير ذلك"
الواسطى هنا ينقد تأويل القوم للصفات التى يظن أنها جسدية مع أنه طالب به بقوله "ولا يشبهه شئ من مخلوقاته ولا تمثل بشئ من جوارح مبتدعاته"وقال " وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه"
فهنا يخاف التشبيه وهذا هو عينه ما فعله القوم الذين أولوا الكلمات التى تعنى أشياء جسدية في ظنهم
والمشكلة كانت ولا زالت عند من أثبتوا الصفات بلا تأويل أنهم يعتقدون أن كلمات مثل يد وقبضة وعين ووجه تعنى الأعضاء الجسدية مع أنهم يستعملون فى كلامهم العادى تلك الكلمات بمعانى أخرى فيستعملون يدا بمعنى معروفا كما في قولهم إن له يدا عندى ومثل قولهم عين ماء وهو عينه أى هو نفسه ومثل قولهم وجه الكلام أى مراد الكلام ومثل قولهم قبض على اللص أى سيطر عليه أى أمسكه ومثل قوله قبض على الأمر أى تولى زمامه
هذه هى المشكلة سببها اعتقادهم أن الكلمة لها معنى واحد فقط مع أن الكلمة في القرآن نفسه وردت بمعانى متعددة
الرجل وقع في نفس المشكلة فقال :
"وأجد الله عز وجل يقول الرحمن على العرش استوى وقال خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش في سبعة مواضع وقال الله تعالى يخافون ربهم من فوقهم وقال الله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال الله تعالى بل رفعه الله إليه وقال الله تعالى أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا وقال الله تعالى قل نزله روح القدس من ربك وقال الله عن فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ولهذا قال وإني لأظنه كاذبا وقال من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"
الرجل كغيره وقع في نفس المشكلة هنا فهنا أخذ كلمة استوى بمعنى جلس فوق الشىء كما في القول "لتستووا على ظهوره" ونسى أن كلمات الجذر تعنى معانى اخرى مثل " لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون "فالاستواء هنا العدل أى التعادل ومثلا كلمة العرش أخذوها على أنها كرسى كما في قوله تعالى " نكروا لها عرشها" بينما لها معانى أخرى مثل الساكن أو المساكن كما في قوله تعالى " "أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها "ومثل كون العرش بمعنى المسكون كما في قوله تعالى "وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات"
وومن ثم فالاستواء على العرش طبقا لتلك المعانى يعنى عدل النظام وهو نفسه السيطرة على ملك الكون
ونجد الرجل هنا يستشهد بكلام كافر على معتقده وهو" يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا " وهو يستنتج كلاما غريبا وهو "وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ولهذا قال وإني لأظنه كاذبا" فهنا صدق فرعون موسى(ص) بينما هو كذبه كما قال تعالى "فكذب وتولى"
فكلام فرعون ليس هو كلام الله ولا يجوز الاستشهاد بكلام كافر قصه الله في القرآن
والغريب هو أن الرجل كغيره يتناسى آيات في القرآن تنسف معتقدهم وتوجب معتقد أخر وهو كون الله فى الأرض كما في السماء وهى قوله تعالى ""وهو الله فى السموات وفى الأرض" وقوله "ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"
بالقطع هذه الآيات تنسف معتقد كون الله فى السماء وحدها وتثبت معتقد الحلولية تماما طبقا لمذهب القوم فى عدم التأويل ولكن الله فسرها في القرآن بكونه إله من فى السماء وإله من فى الأرض
وأما البعض الأخر فاعتبر الله فى السماء واحتجوا بقوله تعالى "يخافون ربهم من فوقهم "فعندهم أن الله فوق الملائكة فى السماء كما احتجوا بأحاديث كلها كاذبة كحديث الجارية التى أشارت إلى أن الله فى السماء فأيدها من زعموا أنه الرسول (ص)وهو قول لم يخرج من فيه كما احتجوا بقوله فى سورة الملك"أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا"وهذه الأقوال لابد أن تفسر كما فى سورة الزخرف "وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله "فمعنى ما فى سورة الملك هل أمنتم إله من فى السماء أن يبعث عليكم حاصبا ولأن القوم بهذا جعلوا الله فى الأرض أيضا لأنه يقول فى سورة الأنعام "وهو الله فى السموات وفى الأرض "فهنا الله فى الأرض كما فى السماء ومن ثم لا حجة لهم فى كونه فى السماء فقط ولكنه ليس فى أى منهما لأن تفسيره وهو الله إله من فى السموات وإله من فى الأرض كما بسورة الزخرف ،زد على هذا أن الله كان موجودا قبل خلق السماء فلما يكون فى السماء وهو منزه عن المكان ؟ .
وأما احتجاجهم بقوله "ورفعناه مكانا عليا "وقوله "بل رفعه الله إليه "وقوله "ورافعك إلى "فهو مردود لأن الرفع هنا للجنة وهى الربوة ذات القرار والمعين التى رفع المسيح (ص)وأمه إليها كما فى قوله بسورة المائدة "وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "والجنة والنار أيضا فى السماء لقوله تعالى بسورة الذاريات "وفى السماء رزقكم وما توعدون "فالموعود هو الجنة والنار مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات " وأيضا"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم "فالله رفع إدريس(ص)والمسيح(ص) للجنة
وأما احتجاجهم بقوله "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه "فمعناه منه يقبل إتباع الحديث الطيب أى الفعل الصالح يقبله أى يرضاه فالله يقبل الإسلام من الناس وهو إتباع الكلام الطيب وهو نفسه العمل الصالح فالله ليس فى جهة حتى يصعد بمعنى يعلو له كما أن الله ينسخ أى يسجل العمل فى الكتب المنشرة مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون "زد على هذا أن كل الأعمال مسجلة من قبل عملها وهو خلقها مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد "ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها "فما الحاجة لصعودها إذا كانت معروفة من قبل وهنا أتكلم على تصديق كلامهم أن الله فى السماء وهو ما لا أصدقه كما أن كلمة إليه فى "إليه يصعد" لا تعنى الوصول لذات الله التى ليست فى السماء وإنما تعنى الوصول لما يريد من الكتاب أو الجنة أو النار مثلها مثل الظل الذى يقبضه الله إليه فى قوله تعالى بسورة الفرقان "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا "فالظل الذى يقبضه الله يقبضه فى الأرض وليس فى السماء ومن ثم فكلمة إلى الله تعنى أمره الذى يريد ولذا فكل شىء يعود إلى الله فى السموات أو فى الأرض حسبما يقرر الله مصداق لقوله تعالى بسورة هود"إليه يرجع الأمر كله "
وأما احتجاجهم بقول فرعون "أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه كاذبا " فاحتجاج باطل فقول الكافر وهنا زعيم كفار قومه لا يحتج به فى شريعة الله على حكم شرعى لأننا لو فعلنا هذا لكانت أقوال الكفار فى القرآن كلها أدلة على صحة أقوالهم الباطلة مثل أن له ولد وأنه ثالث ثلاثة
وأما احتجاجهم بتدبير الأمر من السماء للأرض "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض "
وأما احتجاجهم بقوله "يخافون ربهم من فوقهم "فلا يعنى أن الله أعلى الملائكة لأن الخوف من الله يعنى خوف عذابه مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء"قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه " فالمدعوين من دون الله منهم الملائكة لأن بعض الكفرة يزعمون عبادتهم وهم يخافون عذاب الله وهو النار التى فى السماء مصداق لقوله تعالى بسورة الذاريات "وفى السماء رزقكم وما توعدون "ومن الموعود النار مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم "زد على هذا أن عذاب الله يأتى من فوق ومن تحت مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم "وقوله بسورة العنكبوت "يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم "
ثم تناول الرجل ما سماه الأدلة في الحديث فقال :
ثم أجد الرسول (ص)لما أراد الله ان يخصه بقربه عرج به من سماء إلى سماء حتى كان قاب قوسين أو أدنى ثم قوله (ص)في الحديث الصحيح للجارية أين الله فقالت في السماء فلم ينكر عليها بحضرة أصحابه كي لا يتوهموا أن الأمر خلاف ما هو عليه بل أقرها وقال اعتقها فإنها مؤمنة وعن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله أفلا أعتقها قال ادعها فدعوناها فقال لها أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت انت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة وقوله (ص)الراحمون يرحمهم الرحمن إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
الخطأ الإقرار بأن الله فى السماء وهو يخالف أن الله ليس فى مكان لقوله تعالى "ليس كمثله شىء "فإذا كانت المخلوقات فى مكان فالله لا يشبهها ومن ثم فهو ليس فى مكان
"وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله (ص)يقول من اشتكى
منكم بأسا أو اشتكى اخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء والأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ أخرجه أبو داود "
الخطأ أن الدعاء ومنه الرقى التى هى كلام تشفى الأمراض وما شاكلها وهو تخريف لأن لو كان الدعاء ومنه الرقى تشفى فالسؤال الآن لماذا خلق الله الأدوية ووصف بعضها فى القرآن مثل عسل النحل بقوله "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس "ولو كان النبى – وهو لم يقل حديث مما ورد فى الكتاب كله ولو كان النبى يعلم بأثر الدعاء أو الرقية لشفى نفسه والصحابة من الأمراض ولشفى الناس باعتبار أن هذا معجزة أم أنه كان يأمر الناس بها وينسى نفسه ؟
"وعن أبي سعيد الخدري قال بعث علي من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصل في ترابها فقسمها رسول الله (ص)بين أربعة زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل شك عمارة فوجد من ذلك بعض الصحابة من الأنصار وغيرهم فقال رسول الله (ص)ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء مساء وصباحا أخرجه البخاري ومسلم "
الخطأ توزيع النبى(ص) الذهب على أربعة تأليفا لقلوبهم وهو تخريف لأن النبى (ص)يعلم أن المال لا يؤلف قلبا على الإسلام ولو كان مال الدنيا مصداق لقوله تعالى "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم "فكيف يخالف أمر الله ؟قطعا هذا لم يحدث
"وعن ابن ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله (ص)أن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل الحديث "
الخطأ أن الميت تحضره الملائكة في الأرض وهو ما يخالف أن الملائكة في السموات لا تنزل للأرض لعدم اطمئنانها فيها كما قال تعالى " قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
"وعن أبي هريرة ان رسول الله (ص)قال والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها زوجها أخرجه البخاري ومسلم"
بالقطع الرواية ناقصة شىء إلا أن تكون حائضا أو حاجة أو معتمرة ومن ثم فهى لا تمت للنبى (ص)بصلة
"وعن أبي داود ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله (ص)فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان قال هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة وأما اثنتان وأما ثلاثة وسبعون سنة ثم السماء فوق ذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء الى وسماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله عز وجل فوق ذلك "
والخطأ الأول أن الله فوق السموات ويخالف هذا أن الله لا يوصف بالفوقية أو التحتية لأنه لا يشبه خلقه فى وجود الجهات مصداق لقوله "ليس كمثله شىء "والخطأ الأخر هو حمل الأوعال للعرش ويخالف هذا أن الملائكة هى التى تحمل العرش مصداق لقوله تعالى "والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "
"وعن أبي هريرة سمعت رسول الله (ص)يقول إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق الخلق ان رحمتي سبقت غضبي وهو عنده فوق العرش أخرجه البخاري"
الخبل هنا أن الكتاب المكتوب وهو مخلوق كتب قبل خلق الخلق فكيف يكون الخلق كالكتاب وما كتب به وفيه والعرش موجودين وهم لم يخلقوا بعد؟
" وعن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك أن سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة قال له رسول الله (ص)لقد حكمت حكما حكم الله به من فوق سبعة ارقعة "
الرواية هنا لا أصل لها فى القرآن فلم يذكر الله بنو قريظة والحكم الذى حكمت به الرواية يخالف حكم الله فالله لم يحكم بقتل الناس مقاتلين وغير مقاتلين ولم يحكم بسبى الأطفال والنساء فهذه أحكام شيطانية تتناقض مع قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
"وحديث المعراج عن أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم أن نبي الله (ص)حدثهم على ليلة اسرى به وساق الحديث إلى ان قال فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم وليلة قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فأساله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثل ذلك فرجعت الى ربي فوضع عني عشرا خمس مرات في كلها يقول رجعت إلى موسى ثم رجعت إلى ربي أخرجه البخاري ومسلم"
الخبل هنا أن الله وضع فى كل مرة من الخمس عشر صلوات وهو قوله " فرجعت الى ربي فوضع عني عشرا خمس مرات في كلها"ومعنى هذا أن رفع حكم الصلاة كليا لأنها فرضها خمسين رفعهم جميعا
وعن أبي هريرة ان رسول الله (ص)قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو بهم اعلم كيف تركتم عبادي الحديث متفق عليه "
الخطأ وجود الملائكة مع الإنسان فى الأرض ليلا ونهارا وهو ما يخالف أن الملائكة لا تنزل الأرض لعدم اطمئنانها مصداق لقوله تعالى "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "وقوله "وكم من ملك فى السموات "
"وعن أبن عمر قال لما قبض رسول الله (ص)دخل عليه أبو بكر فأكب عليه وقبل وجهه وقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا وقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت رواه البخاري "
الرواية بلفظ فى السماء ليست فى صحيح البخارى وإنما فى التاريخ الكبير له وشتان ما بين هذا وذلك عند أهل الحديث
"وعن محمد بن فضل عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر عن أنس بن مالك قال كانت زينب تفتخر على أزواج النبي (ص)وتقول إن الله زوجني من السماء وفي لفظ زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فوق سبع سموات اخرجه البخاري "
لم يزوج الله زينب النبى(ص) فالاسم غير مذكور فى المصحف وإنما اباح زوجات الأدعياء عند طلاقهن أو وفاة أزواجهم لمن نسبوا إليهم لكونهم لا صلة قرابة بينهم كما قال تعالى "فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعياءهم إذا قضوا منهن وطرا"
"وفي حديث جبير بن مطعم قال قال رسول الله (ص)إن الله فوق عرشه فوق سماواته وسماواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي (ص)بيده مثل القبة "
هنا العرش فوق السموات والله فوقه تعالى عن ذلك وهو ما يناقض كل الروايات التى ذكرت كون الله تعالى عن ذلك فى السماء هنا كما يناقض الوجود الإلهى على العرش وجود الكتاب المزعوم فى الرواية التى سبق ذكرها وهى "عن أبي هريرة سمعت رسول الله (ص)يقول إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق الخلق ان رحمتي سبقت غضبي وهو عنده فوق العرش أخرجه البخاري"
"وحديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله (ص)من لم يرحم من في الأرض لم يرحمه من في السماء "
الخطأ هنا وجوب رحمة فى الأرض جميعا وهو ما يخالف وجوب إذلال الكفار المحاربين كما قال تعالى "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار" وقال "يا أيها الذين أمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين"
"وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص)لما أسري به مرت به رائحة طيبة فقال يا جبريل ما هذه الرائحة فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وكانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنته ابي فقالت لا بل رب أبيك فأخبرت أباها فدعا بها فقال ألك رب غيري قالت ربي وربك الله الذي في السماء وأمر بنقرة نحاس فأحميت ثم دعا بها وبولدها فألقاهما فيها الحديث رواه الدارمي وغيره "
حكاية لا أصل لها فى القرآن كما ان النبى(ص) فى رحلة المعراج لم يدخل الجنة حتى يشم الرائحة وإنما وقف عندها عند السدرة التى رأى ما حولها كما قال تعالى "ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى"
فلو كان لها وجود كمؤمن آل فرعون لذكرها كما ذكره
"وروى الدارمي وغيره باسناده إلى أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله (ص)لما ألقي إبراهيم في النار قال اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك "
الخطأ كون إبراهيم(ص) الذى كان يعبد الله فى الأرض عند رميه فى النار وهو ما يخالف إيمان لوط(ص) به فكانا اثنين وفى هذا قال تعالى "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم"
ولم يكتف الواسطى بهذه الروايات بل زاد التالى وهو روايات كلام مكرر لم تقع فى الحقيقة فقال :
"وأما الآثار عن الصحابة في ذلك فكثيرة منها قول عمر عن خولة لما استوقفته ابن فوقف لها فسئل عنها فقال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات"
هنا الله حسب الرواية ليس فى السموات وإنما فوقها أى ليس فى الكون وهو ما يناقض روايات كونه فى السماء
" وعبد الله بن رواحة لما وقع على جارية له فقالت امرأته فعلتها فقال أما أنا فأقرأ القرآن فقالت أما أنت فلا تقرأ القرآن وأنت جنب فقال شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا وان العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام ملائكة الاله مسومينا "
الخبل هنا أن العرش طاف على الماء وهو ما يناقض حمل الملائكة له كما قال تعالى " الذين يحملون العرش ومن حوله"
"وابن عباس لما دخل على عائشة وهي في النزع فقال كنت أحب نساء رسول الله (ص)إلى رسول الله (ص)ولم يكن يحب إلا طيبا وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات وكذلك نجد أكابر العلماء كعبد الله بن المبارك صرح بمثل ذلك "
هنا الله حسب الرواية ليس فى السموات وإنما فوقها أى ليس فى الكون وهو ما يناقض روايات كونه فى السماء
روى عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا الحسن بن الصباح قال ثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قيل له كيف نعرف ربنا قال بانه فوق السماء على العرش بائن من خلقه "
فى الرواية كيف يكون بائن عن الخلق وهو على مخلوق اسمه العرش؟
وبين الواسطى كيف ظهر له ما ظنه الحق فى المسائل فقال :
"فصل فلم أزل في هذه الحيرة والاضطراب قوله من اختلاف المذاهب والأقوال حتى لطف الله بي وكشف لهذا الضعيف عن وجه الحق كشفا اطمأن إليه خاطره وسكن به سره وتبرهن الحق في نوره وأنا واصف بعض ذلك إن شاء الله تعالى والذي شرح الله صدري له في حكم هذه المسائل الثلاث العلو والفوقية والاستواء الأولى
مسألة العلو وهو ان الله عز وجل كان ولا مكان ولا عرش ولا ماء ولا فضاء ولا هواء ولا خلاء ولا ملاء وأنه كان منفردا في قدمه وأزليته متوحدا في فردانيته سبحانه وتعالى في تلك الفردانية لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شئ غيره هو سابق التحت والفوق اللذين هما جهتا العالم وهما لا زمان له والرب تعالى في تلك الفردانية منزه عن لوازم الحدوث فلما اقتضت الارادة المقدسة بخلق الاكوان المحدثة المخلوقة العدودة له ذوات الجهات اقتضت الارادة أن يكون الكون له جهات من العلو والسفل وهو سبحانه منزه عن صفات الحدوث فكون الأكوان وجعل لها جهتي العلو والسفل واقتضت الحكمة الالهية ان يكون الكون في جهة التحت لكونه مربوبا مخلوقا واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون المحدث لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت والرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته وفردانيته لم يحدث له في ذاته ولا في صفاته ما لم يكن في قدمه وأزليته فهو الآن كما كان لكن لما احدث المربوب المخلوق ذا الجهات والحدود والخلاء والملاء والفوقية والتحتية كان مقتضى حكم العظمة للربوبية ان يكون فوق ملكه وان تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون فإذا أشير إليه بشئ يستحيل أن يشار إليه من الجهة التحتية أو من جهة اليمنة أو اليسرة بل لا يليق ان يشار إليه إلا من جهة العلو والفوقية ثم الإشارة هي بحسب الكون وحدوثه وأسفله فالإشارة تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة وتقع على عظمة الرب وتعالى كما يليق به لا كما يقع على الحقيقة المعتدلة عندنا في أعلى جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم وتلك إشارة إلى إثبات إذا علم ذلك فالاستواء صفة له كانت في قدمه لكن لم يظهر حكمها إلا عند خلق العرش كما أن الحساب صفة قديمة له لا يظهر حكمها إلا في الآخرة وكذلك التجلي في الآخرة لا يظهر حكمه إلا في محله فإذا علم ذلك فالأمر الذي يهرب المتأولون منه حيث أولوا الفوقية بفوقية المرتبة والاستواء بالاستيلاء فنحن اشد الناس هربا من ذلك وتنزيها للباري سبحانه وتعالى عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره بل بحد تتميز به عظمة ذاته عن مخلوقاته والإشارة إلى الجهة إنما هو بحسب الكون وأسفله إذ لا يمكن الإشارة إليه إلا هكذا وهو في قدمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث وليس في القدم فوقية ولا تحتية وإن من هو محصور في التحت لا يمكنه معرفة بارئه إلا من فوقه فتقع الإشارة إلى العرش حقيقة إشارة معقولة وتنتهي الجهات عند العرش ويبقى ما وراءه لا يدركه العقل ولا يكيفه الوهم فتقع الإشارة عليه كما يليق به مجملا مثبتا لا مكيفا ولا ممثلا وجه آخر من البيان هو أن الرب سبحانه ثابت الوجود ثابت الذات له ذات مقدسة متميزة عن مخلوقاته يتجلى يوم القيامة للأبصار ويحاسب العالم فلا يجهل ثبوت ذاته وتمييزها عن مخلوقاته فإذا ثبت ذلك فقد أوجد الأكوان في محل وحيز وهو سبحانه في قدمه منزه عن المحل والحيز فيستحيل شرعا وعقلا عند حدوث العالم أن يحل فيه أو يختلط به لأن القديم لا يحل في الحادث وليس هو محلا للحوادث فلزم أن يكون بائنا عنه وإذا كان بائنا عنه فيستحيل أن يكون العالم في جهة الفوق وان يكون الرب سبحانه في جهة التحت هذا محال شرعا وعقلا فيلزم أن يكون فوقه بالفوقية اللائقة به التي لا تكيف ولا تمثل بل يعلم من حيث الجملة والثبوت لا من حيث التمثيل والتكييف وقد سبق الكلام في أن الإشارة إلى الجهة إنما هو باعتبارنا ذلك لأنا في محل وحيز وحد والقدم لا فوق فيه ولا جهة واستحالة علوها عليه فلا يمكن معرفته والإشارة بالدعاء إليه إلا من جهة الفوق لأنها أنسب الجهات إليه وهو غير محصور فيها بل هو كما كان في أزليته وقدمه فإذا أراد المحدث أن يشير إلى القديم فلا يمكنه ذلك إلا بالإشارة إلى الجهة الفوقية لأن المشير في محل له فوق وتحت والمشار إليه قديم باعتبار قدمه لا فوق هناك ولا تحت وباعتبار حدوثنا وتسفلنا محمد هو فوقنا فإذا أشرنا إليه تقع الإشارة عليه كما يليق به لا كما نتوهمه في الفوقية المنسوبة إلى الأجسام لكنا نعلمها من جهة الاجمال والثبوت لا جهة التمثيل والله الموفق للصواب ومن عرف هيئة العالم ومراكزه من علم الهيئة وأنه ليس له الا جهتا العلو والسفل ثم اعتقد بينونية إلى خالقه عن العالم فمن لوازم البينونة أن يكون فوقه لأن جميع جهات العالم فوق وليس إلا المراكز وهو الوسط"
الواسطى هنا ناقض نفسه عدة مرات فهو يقول أن لا وجود للجهات بالنسبة لله وإنما قولنا فوق هو التعبير اللائق وليس الحقيقى فمرات قال أن الجهات اثنين فوق وتحت أى أعلى وأسفل كأقواله:
"لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شئ غيره هو سابق التحت والفوق اللذين هما جهتا العالم"
" فكون الأكوان وجعل لها جهتي العلو والسفل "
وهو ما يناقض وجود جهات اخرى كما فى قوله:
"إذ لا فوق فيها ولا تحت فإذا أشير إليه بشئ يستحيل أن يشار إليه من الجهة التحتية أو من جهة اليمنة أو اليسرة"
وهو ينفى أن الله كان له جهة قبل أن يخلق الخلق بقولع:
"وهو في قدمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث وليس في القدم فوقية ولا تحتية"
وهو يقول بالتعبير اللائق وهو تعبير باطل لأن على حد قوله الحقيقة أنه لا جهة له لأنه الجهة تثبت صفة الجسمية له وهو قوله:
"بل لا يليق ان يشار إليه إلا من جهة العلو وتقع على عظمة الرب وتعالى كما يليق به لا كما يقع على الحقيقة المعتدلة عندنا في أعلى جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم"
ورغم أنه قال بعدم التكييف والتمثيل المجهول فإنه عاد لها فقال :
"فيلزم أن يكون فوقه بالفوقية اللائقة به التي لا تكيف ولا تمثل بل يعلم من حيث الجملة والثبوت لا من حيث التمثيل والتكييف "
وقى الفصل التالى تكلم عن التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا وفوقيته واستواءه فقال:
" فصل إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبه التأويل وعماوة كان التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته والحق واضح في ذلك والصدر ينشرح له فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل تأويل الاستواء بالاستيلاء وغيره والوقوف في ذلك جهل وعي مع ان الرب سبحانه وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها فوقوفنا أبو عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياه فما وصف لنا نفسه بها الا لنثبت ما وصف به نفسه ولا نقف في ذلك وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة فمن وفقه الله للاثبات بلا تحريف ولا تكييف ولا وقوف فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى"
ثم حاول فى الفصل التالى بيان اتهامات الذين أولوا الصفات وبيان اتهامات أمثاله لهم فقال :
" فصل والذي شرح الله به صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوقين فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله به نفسه ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى فنقول لا ريب إنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله تعالى ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا أو وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا فكما أنهم يقولون حياته ليست بعرض وعلمه كذلك وبصره كذلك هي صفات كما يليق به لا كما يليق بنا فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان وليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلق ثابت كثبوت السمع والبصر غير مكيف وكذلك نزوله ثابت كعلوم معلوم غير مكيف بحركة وانتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلاله وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة له من حيث التكييف والتحديد فيكون المؤمن بها مبصرا من وجه أعمى من وجه مبصرا من حيث الاثبات والوجود أعمى من حيث التكييف والتحديد وبها يحصل الجمع بين الاثبات لما وصف الله به نفسه وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف وذلك هو مراد الله تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل ولا فرق بين الاستواء والسمع ولا بين النزول والبصر لأن الكل ورد في النص فإن قالوا لنا في الاستواء شبهتم نقول لهم في السمع شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض وإن قالوا لا عرض بل كما يليق به قلنا في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم فكما لا يجعلونها أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا مما يوصف به المخلوق وليس من الانصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجون إلى التأويل والتحريف فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض فما يلزموننا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم في هذه الصفات من العرضية وما ينزهون ربهم به في الصفات السبع وينفونه عنه من عوارض الجسم فيها فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبوننا فيها الى التشبيه عبد سواء بسواء ومن انصف عرف ما قلناه واعتقده وقبل نصيحتنا ودان الله بإثبات جميع صفاته هذه تلك ونفى عن جميعها التعطيل والتشبيه والتأويل والوقوف وهذا مراد الله تعالى منا في ذلك لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا عليه هذه وأولناها أبي كان كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية"
بالقطع الله حكم فى المسائل كلها بقوله " ليس كمثله شىء"ومن ثم كل كلام خرج عن هذه الجملة فهو خبل وإن ادعى أصحابه كونهم على الحق متمسكين بما ظنوا أنه كلام النبى(ص) والنبى (ص) منه برىء فلا يقدر على أن يخالف كلام الله
وزعم الواسطى بهذا الكلام أنه حل المسائل الثلاث مع انه ذكر أن ما قاله ليس الحقيقة وأنه ما سماه التعبير اللائق وهو ما يعنى أن يكذب وإثبات عظمة الله لا تكون بالكذب وفى ظنه قال :
"فصل وإذا ظهر هذا التأويل وبان انحلت الثلاث مسائل بأسرها وهي 1 - مسألة الصفات من النزول والوجه واليد وأمثالها 2 - ومسألة العلو والاستواء 3 - مسألة الحرف والصوت اما مسألة العلو فقد مر ما فتحه الله تعالى وأما مسألة الصفات فتساق مساق مسألة العلو ولا يفهم منها ما يفهم من صفات المخلوقين بل يوصف الرب تعالى بها كما يليق بجلاله وعظمته فينزل كما يليق بجلاله وعظمته ويداه كما يليق بجلاله وعظمته ووجه الكريم كما يليق بجلاله وعظمته وكيف ينكر الوجه الكريم ويحرف وقد قال سبحانه وتعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال (ص)في دعائه (نسألك لذة النظر الى وجهك) وإذا ثبتت صفة الوجه بهذا الحديث وبغيره من الآيات والنصوص فكذلك صفة اليدين والضحك والتعجب ولا يفهم من جميع ذلك إلا ما يليق بالله عز وجل بعظمته لا ما يليق بالمخلوقات من الأعضاء والجوارح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
وإذا ثبت هذا الحكم في الوجه فكذلك في اليدين والقبضتين والقدم والضحك والتعجب كل ذلك كما يليق بجلال الله وعظمته فيحصل بذلك اثبات ما وصف الله به نفسه في كتابه وفي سنة رسوله ويحصل ايضا نفي التشبيه والتكييف في صفاته ويحصل أيضا ترك التأويل والتحريف المؤدي إلى التعطيل ويحصل بذلك أيضا عدم الوقوف بإثبات الصفات وحقائقها على ما يليق بجلال الله وعظمته لا على ما نعقل نحن من صفات المخلوقين فصل وأما مسألة الحرف والصوت فتساق هذا المساق فإن الله تعالى قد نكلم بالقرآن المجيد بجميع حروفه فقال تعالى المص وقال ق والقرآن المجيد وكذلك جاء الحديث فينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب
"وفي الحديث لا اقول ألم حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف فهؤلاء ما فهموا من كلام الله إلا ما فهموه من كلام المخلوقين فقالوا إذا قلنا بالحرف فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللهوات وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الحلق والحنجرة فعملوا بهذا من التخبيط كما عملوا فيما تقدم من الصفات والتحقيق هو أن الله تعالى تكلم بالحروف كما يليق بجلاله وعظمته فإنه قادر والقادر لا يحتاج إلى جوارح ولا إلى
لهوات وكذلك له صوت يليق به يسمع ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة فكلام الله كما يليق به وصوته كما يليق به ولا ننفي الحرف والصوت عن كلامه سبحانه لافتقارهما منا إلى الجوارح واللهوات فإنهما في جناب الحق لا يفتقران إلى ذلك وهذا ينشرح الصدر له ويستريح الانسان به من التعسف والتكلف بقوله هذا عبارة عن ذلك فإن قيل هذا الذي يقرؤه القارئ هو عين قراءة الله وعين تكلمه هو
قلنا لا بل القارئ يؤدي كلام الله والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مؤديا مبلغا ولفظ القارئ في غير القرآن مخلوق وفي القرآن لا يتميز اللفظ المؤدى عن الكلام المؤدى عنه ولهذا منع السلف عن قول لفظي بالقرآن مخلوق لأنه لا يتميز كما منعوا عن قول لفظي بالقرآن غير مخلوق فإن لفظ العبد في غير التلاوة مخلوق وفي التلاوة مسكوت عنه كيلا يؤدي الكلام في ذلك إلى القول بخلق القرآن وما أمر السلف بالسكوت عنه يجب السكوت عنه والله الموفق والمعين"
" فصل العبد إذا أيقن أن الله تعالى فوق السماء عال على عرشه بلا حصر ولا كيفية وانه الآن في صفاته كما كان في قدمه كان لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه ومن لا يعرف ربه بأنه فوق السماء على عرشه فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده لكن ربما عرفه بسمعه وبصره وقدمه وتلك بلا هذا معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن الهه الذي يعبده فوق الأشياء فإذا دخل في الصلاة وكبر توجه قلبه والى جهة العرش منزها له تعالى مفردا له كما افرده في قدمه وأزليته عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا (ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه وأزليته إلا بها لأنا محدثون والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة فتقع تلك الإشارة إلى ربه كما يليق بعظمته لا كما يتوهمه هو من نفسه ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه وهو معهم بعلمه وسمعه وبصره وإحاطته وقدرته ومشيئته وذاته فوق الاشياء فوق العرش ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أشرق قلبه واسنار وأضاء بأنوار المعرفة الإيمان وعكفت أشعة العظمة على قلبه وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره وقوي إيمانه ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول وذاق حينئذ شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده وتكون الجارية راعية الغنم اعلم بالله منه فإنها قالت في السماء عرفته بأنه في السماء لما قال لها رسول الله (ص)يا جارية أين الله قالت في السماء واقرها على ذلك فإن في تأتي بمعنى على كقوله يتيهون في الأرض أي على الأرض وكقوله لأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل فمن تكون الجارية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنواع المعرفة والإيمان ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ما ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصرا من وجه أعمى من وجه كما سبق مبصرا من جهة الاثبات والوجود والتحقيق أعمى من جهة الحصر والتحديد والتكييف فإنه إذا علم ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد بركته ونوره عاجلا وآجلا ولا ينبئك مثل خبير والله الموفق والمعين
فصل وقد تقرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية كقوله يخافون ربهم من فوقهم إليه يصعد الكلم الطيب وهو القاهر فوق عباده لأن فوقيته سبحانه وتعالى وعلوه على كل شئ ذاتي له فهو العلي بالذات والعلو صفته اللائقة به كما أن السفول والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه والعلو والسفل حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه وهو سبحانه على بالذات كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه متسفل بالذات وهو سبحانه العلي على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فيحيي هذا ويميت هذا ويمرض هذا ويشفي هذا ويعز هذا ويذل هذا وهو الحي القيوم القائم بنفسه وكل شئ قائم به فرحم الله عبدا وصلت إليه هذه الرسالة ولم يعالجها بالانكار وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل وأطراف النهار وتأمل النصوص في الصفات وفكر بعقله في نزولها وفي المعنى الذي نزلت له وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة الرب بها والتوجه إليه منها واثباته له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته بلا تأويل ولا تعطل ولا تكييف ولا تمثيل ولا جمود ولا وقوف وفي ذلك بلاغ لمن اعتبر وكفاية لمن استبصر"
نفس الكلام الذى سبق أن قاله من التمسك بمعنى واحد للكلمة وهو أن الكلمات تعنى معنى واحدا هو المعنى الجسدى وإعادة لنفس الكلام وبنفس الاستشهادات الخاطئة التى سبق مناقشتها مع أن كلام القرآن وكلام الناس لغويين وغيرهم يثبت أن للكلمة معانى متعددة وهو ما يحل مشكلة المشاكل فى العقيدة الجسدية المزعومة
ما زاده هنا هو مسألة الصوت والقرآن وهو نفس الكلام وهو أن القرآن الموجود فى المصاحف والمنطوق بأصواتنا وبصوت جبريل(ص) وبصوت النبى(ص) هو مخلوق أما كونه كلام الله أى مراده فليس بمخلوق فما هو داخل النطاق الخلقى أى الكونى مخلوق والمسألة ليست بحاجة لفلسفة ولا لروايات ولا لغير هذا لأن النص يقول "والله خلقكم وما تعملون" ومن ضمن العمل قراءة القرآن وهو نطقه وكتابته