رضا البطاوى
26-07-2020, 08:00 AM
قراءة فى كتاب عقيدة العادة عند الأشاعرة
مؤلف الكتاب هو جابر السميري وهو من أهل العصر ويدور الكتاب حول قضية العادة عند الأشاعرة وهم الذين يعتقدون اعتقاد أبو الحسن الأشعرى وفى هذا قال:
"فالبحث الذي نقدم له، يتناول قضية من أهم القضايا المتصلة بالفلسفة الطبيعية والعقدية على السواء لدى مدرسة ذاع صيتها ألا وهي مدرسة الأشعري وهذه القضية أسماها الأشاعرة (بالعادة) وهي تعني أنه لا شيء يؤثر في شيء ولا علة تؤثر في معلولها فالنار مثلا ليس لها أثر في الإحراق، وما يراه الناس من إحراق إنما هو عادة وإلف فقط وليس ناشئا عن علة في النار والله الخالق له بإطراد كلما التقت النار مع ما تحرقه دون أن يكون للنار أثر يذكر وهكذا لا حقيقة لطبائع الأشياء وحكموا على أنها فارغة من القوى ومن ثم التأثير في غيرها أو التأثير بقدرة الله-سبحانه- باعتبارها وسائط وهذا معناه أيضا إنكار لعلاقة الأسباب بمسبباتها وأن التلاقي بينهما ما هو إلا عادة فليس هناك أي علاقة ترابطية إلا ما يشاهده الإنسان بعينه والمشاهدة ليست حجة بمعنى: أن اطراد الموجودات وتسلسلها ليس قائما على الترابط (العلي) بل إن العادة وجريانها هما السبيل في إحساسنا بالتعاقب بين ما يقال أنه سبب وما يقال أنه مسبب، وإن وجود أحدهما في الذهن يلزمه –بالتداعي – وجود الآخر دون أن يكون هناك في الواقع رابطة (عليه) حقيقة "
العادة فى كتب القوم تعنى أن الناس يربطون بين الأشياء نتيجة تكرارها كثيرا ولكن ليس معنى هذا عندهم أن هذا ناتج بسبب ذلك
ويقول السميرى عن سبب هذا الاعتقاد عند القوم :
"والذي دفع الأشاعرة إلى هذا القول، مجادلتهم للطبائعيين الذين ينسبون للطبيعة كل التأثير والاستقلال بالفعل فردوا عليهم هذا الاعتقاد بأن نزعوا من الطبائع صفة الفاعلية وغلوا حتى صادروا ما للطبائع من صفات جوهرية بها تتمايز وتتغاير كالفرق بين الخد والبصر، مع أن القول بأنها لا تفعل استقلالا وإنما بإذن الله وهو القول الذي كان يجب أن يتوقفوا عنده دون الذهاب إلى آخر الشوط وإنكار حقائق الأشياء الأساسية مما أفسد عليهم طرقهم في إثبات التوحيد"
ولا يبدو أن السبب فى تلك المقولة هو جدال الطبائعيين وإنما إيجاد مبرر للآيات وهى المعجزات غير خرق قانون الطبيعة
وعاد فى المبحث التالى لتعريف العادة ونقل نقولا من كتب القوم فقال :
"المبحث الأول عقيدة العادة ومالها
المطلب الأول: مفهوم العادة عند الأشاعرة:
ليس هناك تلازم ضروري بين الأسباب والمسببات أو العلة والمعلول، يقول الغزالي: (الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببا، وبين ما يعتقد مسببا، ليس ضروريا عندنا) بل ليس هناك علاقة تسببية بين السبب والنتيجة (…بل كل شيئين ليس هذا ذاك، ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمنا لإثبات الآخر ولا نفيه متضمنا لنفي الآخر)
وإذا احتج عليهم إنسان بأنه يرى دائما الاحتراق يعقب النار، والإسكار يعقب الخمر، تعللوا في ذلك بأنه لا يرجع إلى تلازم بين الأسباب الطبيعية، وإنما هو نتيجة الاعتياد من رؤيتهما معا وفي ذلك يقول الباقلاني : (إن ما هو مشاهد في الحس لا يوجد ضرورة ولا وجوبا وإنما هو يجري مجرى العادة، بمعنى وجوده وتكراره على طريقة واحدة) ، ثم يأتي بعده الغزالي ويتوسع في إرجاع التلازم بين الأسباب الطبيعية ومسبباتها إلى حكم العادة ويرى أن (اللازمات يجوز أن تنفك عن الاقتران بما هو لازم لها، بل لزومه لحكم العادة)
وقال البغدادي: ( وأجازوا ـ أي الأشاعرة … أن يجمع الإنسان بين النار والقطن والحلفاء فلا تحرقها على نقض العادة) فليس لأية ظاهرة طبيعية فعل خاص يصدر عنها فليس في الخمر إسكار مثلا وأنه لا مقوم داخلي لأي جسم يجعل منه فاعلا إذ أن الأجسام منفصلة إلى أجزاء فهي جواهر فردة لا يربط بينها إلا بالقدرة الإلهية والسبب في الحقيقة لا أثر لها البتة بدليل إمكان انفكاك المسببات عن أسبابها ولكن اعتاد الناس وألفوا هذا الاقتران بينهما فحكموا بالضرورة وليس لديهم من حجة إلا المشاهدة يقول الغزالي (فإن اقترانها بما سبق من تقدير الله ـ سبحانه، يخلقها على التساوق لا لكونه ضروريا في نفسه بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة مع جز الرقبة) وإن كان الناس لم يألفوا هذه الأمور أو ألفوا بعضها، ولم يألفوا جز الرقبة مع بقاء الحياة (… فأما النار وهي جماد، فلا فعل لها، فما الدليل على أنها الفاعل، وليس لهم دليل إلا مشاهدة حصول الاحتراق…) فهي العادة لا أكثر وإلا فلا شيء يفعل في شيء
ويشرح البوطي عقيدة العادة عند الأشاعرة بالانقضاض على علاقة الأسباب بمسبباتها فيقول: (…وإذا فما معنى كون هذه الأمور أسبابا؟ إن معنى ذلك محصور في أن الله ـ عز وجل ـ ربط بينهما وبين أمور أخرى بمحض إرادته وقدرته فقط، فظهر استمرار هذا الارتباط أمامنا بمظهر السببية والتأثير فاستعرنا له كلا من هاتين الكلمتين على سبيل المجاز) وهذا معناه أنه لا يوجد سبب حقيقي ولا علة حقيقية لها تأثير في مسببها ومعلولها، ونفي السببية والعلية سمة واضحة في المذهب الأشعري بل يذهب البغدادي إلى القول بأن أهل السنة أجمعوا على أنه لا أثر البتة للطبائع (وضللوا من قال باختلاف الأجسام لاختلاف الطبائع) حتى بلغ الأمر بالأشاعرة تحقيقا لعقيدة العادة، وردا للسببية أن منعوا أن يقال للشيء احترق بالنار وإنما احترق عندها يقول الغزالي: (فقد تبين أن الوجود عند الشيء، لا يدل على أنه موجود به) فالأدلة الحسية المشاهدة لا تكفي عندهم في إثبات باء السببية وهكذا تم التعامل مع آيات الذكر الحكيم الواردة بباء السببية كما سيأتي وكذلك الآيات التي رتبت النتائج على الأسباب بل التجارب العلمية والأدلة العقلية لا تستقيم كأدلة عند الأشاعرة في رد عقيدة العادة ولهذا يقول الغزالي في معرض رده على المخالفين: (فما الدليل على أنها الفاعل؟ وليس لهم دليل، إلا مشاهدة حصول الاحتراق منذ ملاقاة النار والمشاهدة تدل على الحصول عندها، ولا تدل على الحصول بها) وكذلك التجارب العلمية لا تنهض كدليل على إثبات السببية يقول مصطفى صبري: ( ولا تقل أيها القارئ أن التردد في كون علة الاحتراق الفاعلية هي النار بعد مشاهدة النار مع كل حادثات الاحتراق، مكابرة ظاهرة، لأني أقول: على أي دليل قطعي الدلالة تبني حكمك هذا؟ فإن بنيته على التجربة المشاهدة فالتجربة لا تشاهد العلية لأن العلية أمر معنوي لا يرى، وإنما مدلول التجارب ومشهودها كون النار مجتمعة مع حادثة الاحتراق والجسم المحترق ودائرة حيثما دار، وإن بنيته على الدليل المنطقي فالمنطق لا يعترف بدلالة دوران شيء مع شيء ودوام اقترانه به على كون صلة أحدهما بالآخر صلة العلة بمعلولها…) أي لا بالمشاهدة ولا بالعقل ويزيد البوطي هذا الكلام وضوحا حيثما يقول: (… والعلم لا شأن له في الأشياء إلا أنه يصفها على ما هي عليه في أدق مظاهرها، ثم يمارس هذا الوصف بالتجربة في مجالات متكررة … وهيهات أن يتوصل العلم إلى أن مقارنة الأسباب بمسبباتها أمر حتمي لا مناص من تلازمها ولا حيلة لانفكاكها) وهكذا فإن الأشاعرة ينفون أن يكون هناك دليل من المشاهدة والعلم أو المنطق على ضرورة التسبب أو أن هذه الأدلة لا تنهض على أن تكون لضرورة التلازم بين الأسباب والمسببات وهذا يعني انتقاء نوع الأدلة كلية في إثبات العلاقة بين الأسباب الطبيعية وهم بهذا يغلقون باب البحث عن دليل حسي أو عقلي أو علمي"
أما السببية التى يسمونها طبيعة الأشياء فقد سماها الله السيرة أى الصفات الموجودة فى الشىء فالعصا كانت طبيعتها عدم الحركة وهو السكون طالما هى وحدها لم يحركها أحد وعندما غير الله سيرتها أى طبيعتها أى صفاتها تحركت وأصبحت حية ولذا خاف منها موسى(ص) ولذا طالبه الله بمسكها لأنه سيعيدها سيرتها الأولى وفى هذا قال تعالى :
"وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها فألقاها فإذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى"
وأما المثل الذى ضربوه وهو أن يجمع الإنسان بين النار والقطن والحلفاء فلا تحرقها كنقض للعادة فليس نقض للعادة وإنما سبب أخر أى بلفظهم عادة أخرى وهى أن النار لا تشتعل إذا كانت الحلفاء ومعها القطن مبلل أو رطب
إذا السبب الأول عندما ينتفى يكون هناك سبب أخر فالأسباب متعددة ومتنوعة
ومن الأمثلة التى ضربها الله فى السببية هو أن الشمس والقمر يسيران بتقدير معين بحيث لا يلحق أحدهما الاخر وأن القمر يعود لمنزلته الأولى كما قال تعالى :
"والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون"
ولو كانت السببية غير موجودة ما صحت حجة إبراهيم(ص) التى بهتت الكافر وهى أن قانون الشمس المجىء من الشرق ومن ثم على الكافر الإنسان بها من الغرب ومن ثم ما صح وصف الله بقوله :
"قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر"
ففى تلك الساعة حسب هذا المعتقد إبراهيم(ص) يكون كاذبا يجادل بالباطل نظرا لاحتمالية شروق الشمس من المغرب
وعاد السميرى لتناول سبب اختراع القوم للمقولة فقال:
"المطلب الثاني: دوافع القول بعقيدة العادة
أولا: يقول الشهرستاني http://vb.7mry.com/images/smilies/frown.gifصار أبو الحسن الاشعري إلى أن أخص وصف للإله هو القدرة على الاختراع، فلا يشاركه فيه غيره، ومن أثبت فيه شركه فقد أثبت إلهين) ولهذا أراد الأشاعرة أن يحافظوا على أخص وصف لله تعالى فلا ينسبوا لغيره صفة القادرية ولا الفاعلية ولا الإحداث لأن كل ذلك لا يليق إلا بالله ـ سبحانه ـ ولهذا يسوي الإمام أبو الحسن الأشعري بين هذه الألفاظ في المعنى، فالخلق، والفعل، والإحداث، والاختراع كلها بمعنى واحد وهي لا تليق إلا بالله وإذا أطلقت على الإنسان فإنه لا يراد بها إلا معنى الكسب لا حقيقة الفعل فهو يقول: (لا قادر عليه ـ أي على الفعل ـ أن يكون ما هو عليه من حقيقة أن يخترعه إلا الله) بمعنى لا أثر لقدرة الإنسان في فعله إلا الاكتساب ولهذا ذهب الأشاعرة إلى أن (القدرة الحادثة على رأينا، فإنها لا تؤثر، وليست مبدأ لأثر) إذن لا شغل لقدرة العبد إلا الاقتران أما أن يؤثر فلا ( وعندنا لا فرق إلا ما يعود إلى جريان العادة) هذا المبدأ الذي اهتم به الأشاعرة ـ وهو لا فاعلية ولا خالقية ولا إحداث ولا اختراع ـ كان الأساس في القول بعقيدة العادة وأنه لا أثر لشيء في شيء البتة وإلا ثبت الشرك فالعادة هي الكسب وكلاهما معناه اقتران شيء بشيء ويستدل الأشاعرة على ذلك بكثير من الآيات القرآنية، وأن الله أسند لنفسه الخلق فقال: (ذالكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) فاستحق العباد لاستحقاقه الخلق ويلاحظ ابن رشد أن من جملة الدوافع التي دفعت الأشاعرة إلى القول بالتجويز: (الهروب من القول بفعل القوى الطبيعية، والخوف من أن يدخل عليهم في القول بالأسباب الطبيعية أن يكون العالم صادرا عن سبب طبيعي) ولا شك فإن الأشاعرة ردوا على الطبائعيين اعتقادهم بأن الطبيعة خالقة أو أن لها أثرا في الأشياء بل الخالق الفاعل المحدث هو الله سبحانه يقول البوطي: (الواقع أن هذا القول لا يعتمد إلا على وهم مجرد، ذلك لأن الطبيعة لا تعطيك من واقعها إلا هذا الاقتران وهو يحد ذاته ليس أكثر من الاقتران مهما كان ثابتا ومستمرا) فلا شيء له أثر في شيء من نفسه بل ما يراه الناس إنما هو اقتران وانسجام ويقول آخر: ( ولا يقول لشيء من الأشياء في الكائنات بخاصة ناشئة من ذاته غير قابلة للإنفكاك عنه إلا طبيعي منكر للإله بالمرة) وهذا يعني القول بعدم تأثير الطبائع أو السبب أو إلغاء عملها في الوجود فلا سببية ولا طبيعية ويقول الأشاعرة (إن الكائنات بأجمعها مستندة إلى الله من غير واسطة) أي لا مكانة لواسطة الأسباب والمسببات في خلق أو تأثير (فالاعتراف مثلا بأن الشمس تعطي الحركة والحياة للأشياء يكون شركا)
ثانيا: رتب الأشاعرة على القول بعقيدة العادة ثبوت المعجزات الخارقة للعادة وعدم القول بها إنكار للمعجزات فقال الغزالي في معرض الرد على المخالفين: (وحكمهم بأن هذا الاقتران المشاهد في الوجود بين الأسباب والمسببات اقتران تلازم بالضرورة، وليس في المقدور، ولا في الإمكان إيجاد السبب دون المسبب، ولا وجود المسبب دون السبب ترتب عليه عدم إثبات المعجزات الخارقة للعادة مثل قلب العصا ثعبانا، وإحياء الموتى وشق القمر، ومن جعل مجاري العادات لازمة لزوما ضروريا أحال جميع ذلك)
ويناقش مصطفى صبري هذا الأمر وهو يرى أنه لا مانع لله أن يفعل ما شاء (فالله تعالى في عقيدة المؤمنين إذا شاء يسلب الأشياء ما جرت سنته فيها، ويكون هذا السلب خرقا منه للعادة لا خرقا للعقل حتى يكون محالا وكذا الكلام في إحراق النار ما تحرقه أنه كما يكون بإذن الله تعالى يكون كف النار عن الإحراق بأمر الله، ولا خرق بين الحالين بالنسبة إلى قدرة الله) ومعناه يستوي بالنسبة إلى قدرة الله أن تكون الأسباب مقترنة بالجواز أو بالضرورة، فلا شيء يمنع قدرة الله من أن يسلب النار مثلا عملها فلا تعود محرقة وهذا معنى ثبوت معجزة إبراهيم (ص) بأن النار لم يؤثر عليه ولهذا (فإن الله الذي أوجد سلسلة الأسباب والعلل قادر على تعطيل عمل هذه السلسلة، فلا تكون المعجزة خارقة بهذا الاعتبار ولا يختل قانون السببية) وهذا القول كأنه جمع بين ثبوت المعجزات وقانون السببية الذي يرى الأشاعرة عدم ثبوته وبطلانه بعقيدة العادة "
هذا المقولة جنونية تماما فمجرد قولهم أنهم قالوها لا يعنى أنهم من قالوها فهم ساعتها كذبة لأنه طبقا لهذا فالله هو القائل لكونه الفاعل وليس هم كما أنهم غير موجودين ولا يوجد جنة ولا نار طالما أن الله هو الفاعل لكل شىء والخلق لا يفعلون فيكون الله بهذا كاذب ظالم جاهل فكاذب تعالى عن ذلك علوا كبيرا لأنه جعل دخول الجنة بالفعل وهو العمل وهم لا يفعلون وهو ظالم لأنه يحاسب غيره على فعله هو وهو جاهل لأنه لا يعلم أنه هو والخلق واحد
السبب الرئيسى للمقولة حسب الكتب وليس حسب الحقيقة لأنه قد لا يوجد وجود للأشعرى ولا لأشياعه ولا لأقوالهم هو تفسير المعجزات بكونها ليست خرق لطبيعة الأشياء
والمعجزات وهى الآيات ليست خرقا للطبيعة وإنما استعمال الله أسباب أخرى فمثلا العصا الشجرية هناك حشرة مثل الخشبة تماما تتحرك وقد أصابتنى مرة فى جلدى ولا يمكن أن يظن إنسان أن هذا الشىء الرفيع الصلب هو كائن حى وليس جماد ومثلا اليد المنيرة فى الكون أزهار وحيوانات تصدر أنوار ومثلا المصابيح فى المشكاة داخلها النار ومع هذا لا تحرق من حولها ومثلا إحياء الموتى يشبهه موت الثمار ثم عودتها للحياة بالماء ومثلا الناقة التى تشرب ماء البلد تشبه الحيوانات المجترة التى تبتلع كميات كبيرة من الطعام
إذا الله يستعمل فى المعجزات قوانين موجودة فى مخلوقات أخرى لا يفكر الكافر فى وجودها ليخفيه كما قال تعالى " وما ترسل بالآيات إلا تخويفا"
فسبب حدوث المعجزات هو تخويف الكفار حتى يرتدعوا عن الظلم فهو يأتيهم بأشياء غريبة
ثم بين السميرى ما يترتب على تصديق المقولة فقال :
"المطلب الثالث: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة:
لم ير الأشاعرة العذر لأحد خالف في إثبات هذه العقيدة رغم صعوبة فهمها بل لمخالفتها لما يراه الناس بعيونهم ويلمسونه في حياتهم أثناء إجراء تجاربهم وملاحظاتهم، فالمسألة جد دقيقة وتحتاج إلى بذل الجهد واستحضار الأفهام فضلا على أن ظاهر القرآن والسنة ترجح كفة إثبات السببية وأن لا شيء يتحقق إلا بالسبب وأن من يخل بالأسباب يخالف الشرع
فكيف يقفز هذا الفاهم لهذه الأمور والمعتقد لها إلى عقيدة مخالفة كلية ألا وهي عقيدة العادة حيث يقال له إن التوحيد والإيمان لا يتم إلا على طائلة إنكار السببية وأنه بالإمكان الفصل بين النار وفعلها، وبين الموت وجز الرقبة إلى ما كان هنالك من أمور قد يحيل فهم العقيدة إلى المستحيلات غير أن الأشاعرة رأوا أن يحكموا على المخالف فيها بالكفر والفسق والضلال ويدعون الإجماع على ذلك يقول البوطي: (وإذ قد ثبت الدليل القطعي على ما قلناه، فقد كان جحود ذلك كفرا بإجماع المسلمين) ..فهؤلاء هم الطبائعيون الذين لا خلاف في كفرهم وهم الذين أشار إليهم الإمام الشاطبي في قوله: (فالالتفات إلى المسببات بالأسباب له ثلاث مراتب، إحداها، أن يدخل فيها على أنه فاعل للمسبب أو مولد له، فهذا شرك أو مضاه له، والسبب غيرفاعل بنفسه (والله خالق كل شيء) ويؤكد ابن تيمية هذا المعنى بقوله: (وإن فسر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ولا عائق مانع، فليس شيء من المخلوقات مؤثرا، بل الله وحده خالق كل شيء فلا شريك له ولا ند له) إذن الطبائع بنفسها لا تفعل إلا بإذن الله
أما الفرقة الثانية فهي التي تقول بأن كل شيء فيه قوة كافية أودعها الله فيه، فذكر أنهم اختلفوا فيه فمنهم من يكفروه، ومنهم من يفسقه وكلا الحكمين يعني بأنه ليس في الأشياء طبائع ومعاني يميزها عن بعضها البعض، وهناك حكم آخر أطلقه الغزالي ويفهم منه جواز اعتقاد ذلك دون تخوف على العقيدة يقول البوطي: (غير أن الإمام الغزالي لا يرى تنافيا بين أن تكون الأسباب الكونية جعلية … وبين أن يكون فيها تأثير أودعه الله عز وجل فيها يسلبه عنها عندما يشاء وهو يرى أن هذا هو الحق أي فالمسألة ليست مسألة مقارنة مجردة) وهذا القول لا ينسجم البتة مع القول الذي يلغي طبائع الأشياء، فهو على نقيض من قال بالعادة فعقيدة العادة كما تبين هي مجرد مقارنة دون تأثير
وأما الفرقة الثالثة، فهي الفرقة التي جعلت الاقتران ضروريا بين الأسباب ومسبباتها وأن الأسباب لا تؤثر إلا بإذن الله تعالى وأنه متى صحت الأسباب ترتب عليها المسببات، ولا تتخلف المسببات إلا بنقص في الأسباب فهذه الفرقة جاهلة بهذا الاعتقاد وإن اعتقدت بناء على ضرورة الاقتران الحاصل من الأسباب امتناع المعجزات وعدم النبوات فهي كافرة
أما الفرقة الرابعة: فهي الفرقة المرضى عنها وهي القائلة بعقيدة العادة، وهي التي لا ترى في الأشياء طبائع ولا معاني لها أي أثر"
القوم هنا يكفرون من لا يؤمن بالمقولة فى الأكثرية والأقلية تجعله فاسق مع أن اللفظين معناهما واحد مغ أنهم هم الكفرة فى تلك الحال لأنهم يكذبون أقوال فى القرآن مثل :
"وهو أعلم بما يفعلون"
"افعلوا الخير"
"إنه خبير بما تفعلون"
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
وهناك عشرات المواضع مثلها تثبت كون المخلوق فاعل
ثم تكلم السميرى عن نقد مفهوم العادة فقال:
"المبحث الثاني عقيدة العادة وما عليها المطلب الأول: نقد مفهوم العادة:
قال ابن رشد: (فهو لفظ مموه إذا حقق لم يكن تحته معنى إلا أنه فعل وضعي مثل ما نقول: جرت عادة فلان أن يفعل كذا وكذا يريد أنه يفعله في الأكثر، وإن كان هذا هكذا كانت الموجودات كلها وضعية ولم يكن هناك حكمة أصلا من قبلها ينسب إلى الفاعل أنه حكيم)، ويبين ابن رشد استخدامات هذا اللفظ ما يجوز منها وما لا يجوز فيقول: (ومحال أن يكون لله تعالى-عادة، فإن العادة ملكة يكتسبها الفاعل، توجب تكرر الفعل منه على الأكثر) ولكن يجوز بدلا من كلمة العادة بالنسبة لله أن يستخدم كلمة (السنة) فيقول: (والله عزوجل يقول: (ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا) فهو يرى أن كلمة السنة بالنسبة لله لا تتبدل ولا تتحول أبدا ودائما، أما (كلمة عادة) فإنها لم تطلق على الله في الكتاب ولا في السنة وهي لا تفيد إلا الأكثر وتدل على الملكة المكتسبة وكل ذلك لا يليق بالله سبحانه
ويؤيد ابن حزم هذا المعنى السابق بقوله: (وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سموا ما تأتي به الأنبياء من الآيات المعجزات خرق العادة لأنهم جعلوا امتناع شق القمر، وشق البحر… وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط…)
وعلى هذا لا يصح أن يطلق على خلق الله للأشياء والمسببات عادة، وكذلك على الأثر الطبائعي لأن أثرها يبقى مستمرا ما بقيت هي ولهذا يتساءل ابن رشد عن معنى عقيدة العادة فيقول: (فما أدري ما يريدون باسم العادة؟ هل يريدون أنها عادة الفاعل أو عادة الموجودات) "
وما نقله السميرى من بطون كتبهم لا يتحدث عن العادة عند الله والتى سماها ابن رشد سنة الله وهى القوانين التى شرعها كما فى القرآن
وتحدث السميرى عن أثر المقولة على التوحيد فقال :
"المطلب الثاني: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد:
يقول ابن رشد: (والقول بنفي الأسباب في الشاهد ليس له سبيل إلى إثبات سبب فاعل في الغائب، لأن الحكم على الغالب من ذلك إنما يكون من قبل الحكم بالشاهد فهؤلاء لا سبيل لهم إلى معرفة الله تعالى)ولا يخفى أن أقوى الأدلة التي استدلت بها الأشعرية على وجود الله وإثبات صفاته هو قياس الغائب على الشاهد يقول الأيجي: (احتج الأشاعرة بوجوه، الأول: ما اعتمد عليه القدماء، وهو قياس الغائب على الشاهد، فإن العلة والحد والشرط لا يختلف غائبا وشاهدا) فقولهم: لعقيدة العادة يبطل عليهم أدلتهم في معرفة الله
ويقول ابن تيمية: (ومن قال: إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله بها المخلوقات ليست أسبابا، أو أن وجودها كعدمها، وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي، كإقتران الدليل بالمدلول فقد جحد ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها) بل يعتبر ابن القيم وغيره عقيدة العادة عند الأشاعرة داعية لإساءة الظن بالتوحيد، وتسليطا لأعداء الرسل على ما جاءوا به (إن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق، والماء لا يغرق، والخبز لا يشبع، والسيف لا يقطع، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة، ولا هو سبب لهذا الأثر، وليس فيه قوة وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا بكذا وقالت: هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير، ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة الظن بالتوحيد، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاءوا به كما تراه عيانا في كتبهم ينفرون به الناس عن الإيمان) وقد
ولهذا رد ابن سينا على الطبائعيين الذين ينكرون السبب الأول، ويجعلون الطبائع هي الأولى والآخرة في الإبداع والخلق والتأثير (إن المواد للأجسام العالمية صنفان، صنف يختص بالتهيؤ لقبول صورة واحدة لا ضد لها، فيكون حدوثها على سبيل الإبداع لا على سبيل التكوين من شيء آخر وفقدها على سبيل الفناء لا سبيل الفساد إلى شيء آخر وإلى هذا يرجع قول الحكيم في كتبه إن السماء غير مكونة من شيء ولا فاسدة إلى شيء لأنها لا ضد لها لكن العامة من المتفلسفة صرفوا هذا القول إلى غير معناه فأمعنوا في الإلحاد والقول بقدم العالم فهذا صنف، وخصوه باسم الأثير، والصنف الثاني صنف مهيأ لقبول الصورة المتضادة فيتكون تارة هذا بالفعل وذلك بالقوة وتارة بالعكس وسموه العنصر فجعلوا الأجسام أثيرية وعنصرية)
وأخيرا: فإن القول بعقيدة العادة شأنه أن يخل بالنظام الكوني الذي يدل على وجود الخالق المبدع يقول ابن رشد: (وأما الذي قاد المتكلمين من الأشعرية إلى هذا القول فهو الهروب من القول بفعل الطبيعة التي ركبها الله تعالى في الموجودات التي ها هنا، كما ركب فيها النفوس وغير ذلك من الأسباب المؤثرة، فهربوا من القول بالأسباب لئلا يدخل عليهم القول بأن ها هنا أسبابا فاعلة غير الله، وهيهات! إذا كان مخترع الأسباب! وكونها أسبابا مؤثرة، هو بإذنه وحفظه……وقال: ولو علموا أن الطبيعة مصنوعة، وأنه لا شيء أدل على الصانع من وجود موجود بهذه الصفة في الأحكام، لعلموا أن القائل بنفي الطبيعة قد أسقط جزءا عظيما من موجودات الاستدلال على وجود الصانع بجحده جزءا من موجودات الله)
وناقش ابن رشد الأشاعرة في القضية السابقة قائلا (ولو علموا أنه يجب من جهة النظام الموجود في أفعال الطبيعة أن تكون موجودة عن صانع عالم وإلا كان النظام فيها بالاتفاق، لما احتاجوا أن ينكروا أفعال الطبيعة) بمعنى (لو رفعنا الأسباب والمسببات لم يكن ها هنا شيء يرد به على القائلين بالاتفاق، أعني الذين يقولون لا صانع ها هنا)"
وفى المبحث التالى بين أن مقولة العادة تكذب القرآن فقال :
"المطلب الثالث: عقيدة العادة مبطلة لظاهر القرآن
يقول ابن القيم: (أنه -سبحانه- ربط الأسباب بمسبباتها شرعا وقدرا، وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري، ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح قي العقول والفطر، ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء… والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى: (بما كنتم تعملون) المائدة: ، وقوله: (بما كنتم تكسبون) الأعراف: وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وكل موضع مرتب فيه الحكم الشرعي أو الجزائي على الوصف أفاد كونه سببا له كقوله سبحانه: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) المائدة: وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وهذا أكثر من أن يستوعب وكل موضع تضمن الشرط والجزاء أفاد سببية الشرط والجزاء وهو أكبر من أن يستوعب… وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلا لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب… ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطرة)
ويذكر ابن تيمية أيضا ما يلزم القائلين بإنكار الأسباب والطبائع من شنائع أنهم يسوون بين المختلفات ويخالفون القرآن يقول: (وكذلك أيضا لزمت من لا يثبت في المخلوقات أسبابا وقوى وطبائع ويقولون إن الله يفعل عندها لا بها فليلزم أن لا يكون فرق بين القادر والعاجز وأما أئمة السنة وجمهورهم فيقولون ما دل عليه الشرع والعقل، قال تعالى: (فسقناه إاى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) سورة الأعراف: ، وقال: (فأحيا به الأرض بعد موتها) البقرة: … إلى أن قال: ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يخبر الله تعالى أنه يحدث الحوادث بالأسباب، وكذلك دل الكتاب والسنة على إثبات القوى والطبائع التي جعلها الله في الحيوان) "
المقولة إذا هى تكذيب لأقوال الله فى القرآن من حيث إثبات فعل المخلوقات وكون كل نوع له سيرة أى طبيعة أى أفعال معينة
وفى الفقرة التالية بين أن المقولة مخالف لرأى التابعين ومن بعدهم فقال:
"المطلب الرابع: عقيدة العادة مخالفة لما كان عليه السلف الصالح
يقول السفاريني: (وأما مذهب السلف الصالح المثبتون للقدر من جميع الطوائف فإنهم يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وإن له قدرة واستطاعة حقيقية ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله تعالى ينبت النبات بالماء، وأن الله يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب، ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون بأن لها تأثيرا لفظا ومعنى، ولكن يقولون هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها والله تعالى خالق السبب والمسبب) فالسلف يثبتون فاعلية لقدرة الإنسان، وأثرا للأسباب الطبيعية ولكن يشترطون عدم استقلالية الفاعلية والأثر وهذا هو ظاهر القرآن الذي أثبت للإنسان فعلا، وللماء أثرا وهكذا… والجميع في النهاية يكون بخلق الله، فالخلق يتم في بعض صوره بوسائط هي قوى أودعها الله في مخلوقاته، فهو يخلق الأسباب ببعضها
..
وبين السميرى أن المقولة تبطل مبادىء العلوم فقال:
" المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم
ولما كان هذا النظام قائما على قانون السببية أو القوانين الطبيعية فإن إبطال الأسباب وإنكار الطبائع قتل لهذا النظام، وتجهيل له، وقلب للنظام العلمي فيه، يقول ابن رشد: (وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له، فإنه يلزم أن لا يكون ههنا شيء معلوم أصلا)
المطلب السادس:وجوب ترتب المسببات على الأسباب دون محذور كإنكار المعجزات والكرامات وما في حكمها العلاقة بين الأسباب والمسببات علاقة ضرورية ولا تتخلف المسببات عن أسبابها إلا إذا كان هناك فساد أو عارض أخل بالسبب ولهذا جعل العامري دلالة هذه العلاقة قوية على وجود الله تعالى، ثم ألزم من غير هذه العلاقة وجعلها جائزة أنه يلزمه ألا يستطيع أن يقيم الدليل على وجود الله تعالى
وكذلك قال الإمام الشاطبي: (كذلك البذر سبب لنبات الزرع والنكاح سبب للنسل كقوله: (وابتغوا ما كتب الله لكم)
ابن تيمية: (كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة، وعلى الذبح والإحراق بالنار والخنق بالحبل وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها ولا بد ما لم يمنع السببية مانع أو يعارض السبب ما هو أقوى منه وأشد اقتضاء…)
ونقل مصطفى صبري كلام (استوارت ميل) وهو كلام جيد غاية في الرد على من أنكر الضرورة فقال: (إن الله الذي أوجد سلسلة الأسباب والعلل قادر على تعطيل عمل هذه السلسلة فلا تكون المعجزة خارقة للعادة بهذا الاعتبار ولا يختل قانون السببية، فسبب المعجزة إرادة الله) وهذا معناه ليس من الضروري أن تتوقف صحة المعجزة على القول بالاقتران الجائز وهو عقيدة العادة بل القول بإمكان حصول المعجزة بإذن الله تعالى في حالة ما يشاء سبحانه وذلك يكون بكسر العلاقة بين الأسباب والمسببات أقوى في جعل الأسباب مقترنة جوازا بمسبباتها لعدم العلاقة الوثيقة بينهم على رأي من يرى ذلك"
ووضل السميرى إلى النتيجة التالية:
"والناظر في القرآن الكريم يجد دائما الأسباب متصلة بالمسببات إلا في حالات استثنائية وهي ما نسميه بالمعجزات، فمثلا العصى ميتة لا تتحرك ضرورة ولكن يشاء الله فيكسر الضرورة فتتحرك العصى وتكون المعجزة، وكذلك الحس يشهد بأن النار تحرق وهكذا خلقها الله تحرق ولكن إذا شاء الله سلبها الإحراق وكسر الضرورة وكانت المعجزة كما حصل لإبراهيم(ص)"
والخطأ هو كون المعجزات خرق للقوانين وهى ليست خرق لقانون وإنما عمل بقانون أخر موجود فى مخلوقات أخرى فمثلا خروج العيون بضرب الحجر يشبه البراكين عندما تخرج من الجبل كما تشبه ضروع الحيوانات عندما يضغط عليها ومثلا انشقاق البحر يشبه الانكسارات التى تحدث فى الزلازل
مؤلف الكتاب هو جابر السميري وهو من أهل العصر ويدور الكتاب حول قضية العادة عند الأشاعرة وهم الذين يعتقدون اعتقاد أبو الحسن الأشعرى وفى هذا قال:
"فالبحث الذي نقدم له، يتناول قضية من أهم القضايا المتصلة بالفلسفة الطبيعية والعقدية على السواء لدى مدرسة ذاع صيتها ألا وهي مدرسة الأشعري وهذه القضية أسماها الأشاعرة (بالعادة) وهي تعني أنه لا شيء يؤثر في شيء ولا علة تؤثر في معلولها فالنار مثلا ليس لها أثر في الإحراق، وما يراه الناس من إحراق إنما هو عادة وإلف فقط وليس ناشئا عن علة في النار والله الخالق له بإطراد كلما التقت النار مع ما تحرقه دون أن يكون للنار أثر يذكر وهكذا لا حقيقة لطبائع الأشياء وحكموا على أنها فارغة من القوى ومن ثم التأثير في غيرها أو التأثير بقدرة الله-سبحانه- باعتبارها وسائط وهذا معناه أيضا إنكار لعلاقة الأسباب بمسبباتها وأن التلاقي بينهما ما هو إلا عادة فليس هناك أي علاقة ترابطية إلا ما يشاهده الإنسان بعينه والمشاهدة ليست حجة بمعنى: أن اطراد الموجودات وتسلسلها ليس قائما على الترابط (العلي) بل إن العادة وجريانها هما السبيل في إحساسنا بالتعاقب بين ما يقال أنه سبب وما يقال أنه مسبب، وإن وجود أحدهما في الذهن يلزمه –بالتداعي – وجود الآخر دون أن يكون هناك في الواقع رابطة (عليه) حقيقة "
العادة فى كتب القوم تعنى أن الناس يربطون بين الأشياء نتيجة تكرارها كثيرا ولكن ليس معنى هذا عندهم أن هذا ناتج بسبب ذلك
ويقول السميرى عن سبب هذا الاعتقاد عند القوم :
"والذي دفع الأشاعرة إلى هذا القول، مجادلتهم للطبائعيين الذين ينسبون للطبيعة كل التأثير والاستقلال بالفعل فردوا عليهم هذا الاعتقاد بأن نزعوا من الطبائع صفة الفاعلية وغلوا حتى صادروا ما للطبائع من صفات جوهرية بها تتمايز وتتغاير كالفرق بين الخد والبصر، مع أن القول بأنها لا تفعل استقلالا وإنما بإذن الله وهو القول الذي كان يجب أن يتوقفوا عنده دون الذهاب إلى آخر الشوط وإنكار حقائق الأشياء الأساسية مما أفسد عليهم طرقهم في إثبات التوحيد"
ولا يبدو أن السبب فى تلك المقولة هو جدال الطبائعيين وإنما إيجاد مبرر للآيات وهى المعجزات غير خرق قانون الطبيعة
وعاد فى المبحث التالى لتعريف العادة ونقل نقولا من كتب القوم فقال :
"المبحث الأول عقيدة العادة ومالها
المطلب الأول: مفهوم العادة عند الأشاعرة:
ليس هناك تلازم ضروري بين الأسباب والمسببات أو العلة والمعلول، يقول الغزالي: (الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببا، وبين ما يعتقد مسببا، ليس ضروريا عندنا) بل ليس هناك علاقة تسببية بين السبب والنتيجة (…بل كل شيئين ليس هذا ذاك، ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمنا لإثبات الآخر ولا نفيه متضمنا لنفي الآخر)
وإذا احتج عليهم إنسان بأنه يرى دائما الاحتراق يعقب النار، والإسكار يعقب الخمر، تعللوا في ذلك بأنه لا يرجع إلى تلازم بين الأسباب الطبيعية، وإنما هو نتيجة الاعتياد من رؤيتهما معا وفي ذلك يقول الباقلاني : (إن ما هو مشاهد في الحس لا يوجد ضرورة ولا وجوبا وإنما هو يجري مجرى العادة، بمعنى وجوده وتكراره على طريقة واحدة) ، ثم يأتي بعده الغزالي ويتوسع في إرجاع التلازم بين الأسباب الطبيعية ومسبباتها إلى حكم العادة ويرى أن (اللازمات يجوز أن تنفك عن الاقتران بما هو لازم لها، بل لزومه لحكم العادة)
وقال البغدادي: ( وأجازوا ـ أي الأشاعرة … أن يجمع الإنسان بين النار والقطن والحلفاء فلا تحرقها على نقض العادة) فليس لأية ظاهرة طبيعية فعل خاص يصدر عنها فليس في الخمر إسكار مثلا وأنه لا مقوم داخلي لأي جسم يجعل منه فاعلا إذ أن الأجسام منفصلة إلى أجزاء فهي جواهر فردة لا يربط بينها إلا بالقدرة الإلهية والسبب في الحقيقة لا أثر لها البتة بدليل إمكان انفكاك المسببات عن أسبابها ولكن اعتاد الناس وألفوا هذا الاقتران بينهما فحكموا بالضرورة وليس لديهم من حجة إلا المشاهدة يقول الغزالي (فإن اقترانها بما سبق من تقدير الله ـ سبحانه، يخلقها على التساوق لا لكونه ضروريا في نفسه بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة مع جز الرقبة) وإن كان الناس لم يألفوا هذه الأمور أو ألفوا بعضها، ولم يألفوا جز الرقبة مع بقاء الحياة (… فأما النار وهي جماد، فلا فعل لها، فما الدليل على أنها الفاعل، وليس لهم دليل إلا مشاهدة حصول الاحتراق…) فهي العادة لا أكثر وإلا فلا شيء يفعل في شيء
ويشرح البوطي عقيدة العادة عند الأشاعرة بالانقضاض على علاقة الأسباب بمسبباتها فيقول: (…وإذا فما معنى كون هذه الأمور أسبابا؟ إن معنى ذلك محصور في أن الله ـ عز وجل ـ ربط بينهما وبين أمور أخرى بمحض إرادته وقدرته فقط، فظهر استمرار هذا الارتباط أمامنا بمظهر السببية والتأثير فاستعرنا له كلا من هاتين الكلمتين على سبيل المجاز) وهذا معناه أنه لا يوجد سبب حقيقي ولا علة حقيقية لها تأثير في مسببها ومعلولها، ونفي السببية والعلية سمة واضحة في المذهب الأشعري بل يذهب البغدادي إلى القول بأن أهل السنة أجمعوا على أنه لا أثر البتة للطبائع (وضللوا من قال باختلاف الأجسام لاختلاف الطبائع) حتى بلغ الأمر بالأشاعرة تحقيقا لعقيدة العادة، وردا للسببية أن منعوا أن يقال للشيء احترق بالنار وإنما احترق عندها يقول الغزالي: (فقد تبين أن الوجود عند الشيء، لا يدل على أنه موجود به) فالأدلة الحسية المشاهدة لا تكفي عندهم في إثبات باء السببية وهكذا تم التعامل مع آيات الذكر الحكيم الواردة بباء السببية كما سيأتي وكذلك الآيات التي رتبت النتائج على الأسباب بل التجارب العلمية والأدلة العقلية لا تستقيم كأدلة عند الأشاعرة في رد عقيدة العادة ولهذا يقول الغزالي في معرض رده على المخالفين: (فما الدليل على أنها الفاعل؟ وليس لهم دليل، إلا مشاهدة حصول الاحتراق منذ ملاقاة النار والمشاهدة تدل على الحصول عندها، ولا تدل على الحصول بها) وكذلك التجارب العلمية لا تنهض كدليل على إثبات السببية يقول مصطفى صبري: ( ولا تقل أيها القارئ أن التردد في كون علة الاحتراق الفاعلية هي النار بعد مشاهدة النار مع كل حادثات الاحتراق، مكابرة ظاهرة، لأني أقول: على أي دليل قطعي الدلالة تبني حكمك هذا؟ فإن بنيته على التجربة المشاهدة فالتجربة لا تشاهد العلية لأن العلية أمر معنوي لا يرى، وإنما مدلول التجارب ومشهودها كون النار مجتمعة مع حادثة الاحتراق والجسم المحترق ودائرة حيثما دار، وإن بنيته على الدليل المنطقي فالمنطق لا يعترف بدلالة دوران شيء مع شيء ودوام اقترانه به على كون صلة أحدهما بالآخر صلة العلة بمعلولها…) أي لا بالمشاهدة ولا بالعقل ويزيد البوطي هذا الكلام وضوحا حيثما يقول: (… والعلم لا شأن له في الأشياء إلا أنه يصفها على ما هي عليه في أدق مظاهرها، ثم يمارس هذا الوصف بالتجربة في مجالات متكررة … وهيهات أن يتوصل العلم إلى أن مقارنة الأسباب بمسبباتها أمر حتمي لا مناص من تلازمها ولا حيلة لانفكاكها) وهكذا فإن الأشاعرة ينفون أن يكون هناك دليل من المشاهدة والعلم أو المنطق على ضرورة التسبب أو أن هذه الأدلة لا تنهض على أن تكون لضرورة التلازم بين الأسباب والمسببات وهذا يعني انتقاء نوع الأدلة كلية في إثبات العلاقة بين الأسباب الطبيعية وهم بهذا يغلقون باب البحث عن دليل حسي أو عقلي أو علمي"
أما السببية التى يسمونها طبيعة الأشياء فقد سماها الله السيرة أى الصفات الموجودة فى الشىء فالعصا كانت طبيعتها عدم الحركة وهو السكون طالما هى وحدها لم يحركها أحد وعندما غير الله سيرتها أى طبيعتها أى صفاتها تحركت وأصبحت حية ولذا خاف منها موسى(ص) ولذا طالبه الله بمسكها لأنه سيعيدها سيرتها الأولى وفى هذا قال تعالى :
"وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها فألقاها فإذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى"
وأما المثل الذى ضربوه وهو أن يجمع الإنسان بين النار والقطن والحلفاء فلا تحرقها كنقض للعادة فليس نقض للعادة وإنما سبب أخر أى بلفظهم عادة أخرى وهى أن النار لا تشتعل إذا كانت الحلفاء ومعها القطن مبلل أو رطب
إذا السبب الأول عندما ينتفى يكون هناك سبب أخر فالأسباب متعددة ومتنوعة
ومن الأمثلة التى ضربها الله فى السببية هو أن الشمس والقمر يسيران بتقدير معين بحيث لا يلحق أحدهما الاخر وأن القمر يعود لمنزلته الأولى كما قال تعالى :
"والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون"
ولو كانت السببية غير موجودة ما صحت حجة إبراهيم(ص) التى بهتت الكافر وهى أن قانون الشمس المجىء من الشرق ومن ثم على الكافر الإنسان بها من الغرب ومن ثم ما صح وصف الله بقوله :
"قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر"
ففى تلك الساعة حسب هذا المعتقد إبراهيم(ص) يكون كاذبا يجادل بالباطل نظرا لاحتمالية شروق الشمس من المغرب
وعاد السميرى لتناول سبب اختراع القوم للمقولة فقال:
"المطلب الثاني: دوافع القول بعقيدة العادة
أولا: يقول الشهرستاني http://vb.7mry.com/images/smilies/frown.gifصار أبو الحسن الاشعري إلى أن أخص وصف للإله هو القدرة على الاختراع، فلا يشاركه فيه غيره، ومن أثبت فيه شركه فقد أثبت إلهين) ولهذا أراد الأشاعرة أن يحافظوا على أخص وصف لله تعالى فلا ينسبوا لغيره صفة القادرية ولا الفاعلية ولا الإحداث لأن كل ذلك لا يليق إلا بالله ـ سبحانه ـ ولهذا يسوي الإمام أبو الحسن الأشعري بين هذه الألفاظ في المعنى، فالخلق، والفعل، والإحداث، والاختراع كلها بمعنى واحد وهي لا تليق إلا بالله وإذا أطلقت على الإنسان فإنه لا يراد بها إلا معنى الكسب لا حقيقة الفعل فهو يقول: (لا قادر عليه ـ أي على الفعل ـ أن يكون ما هو عليه من حقيقة أن يخترعه إلا الله) بمعنى لا أثر لقدرة الإنسان في فعله إلا الاكتساب ولهذا ذهب الأشاعرة إلى أن (القدرة الحادثة على رأينا، فإنها لا تؤثر، وليست مبدأ لأثر) إذن لا شغل لقدرة العبد إلا الاقتران أما أن يؤثر فلا ( وعندنا لا فرق إلا ما يعود إلى جريان العادة) هذا المبدأ الذي اهتم به الأشاعرة ـ وهو لا فاعلية ولا خالقية ولا إحداث ولا اختراع ـ كان الأساس في القول بعقيدة العادة وأنه لا أثر لشيء في شيء البتة وإلا ثبت الشرك فالعادة هي الكسب وكلاهما معناه اقتران شيء بشيء ويستدل الأشاعرة على ذلك بكثير من الآيات القرآنية، وأن الله أسند لنفسه الخلق فقال: (ذالكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) فاستحق العباد لاستحقاقه الخلق ويلاحظ ابن رشد أن من جملة الدوافع التي دفعت الأشاعرة إلى القول بالتجويز: (الهروب من القول بفعل القوى الطبيعية، والخوف من أن يدخل عليهم في القول بالأسباب الطبيعية أن يكون العالم صادرا عن سبب طبيعي) ولا شك فإن الأشاعرة ردوا على الطبائعيين اعتقادهم بأن الطبيعة خالقة أو أن لها أثرا في الأشياء بل الخالق الفاعل المحدث هو الله سبحانه يقول البوطي: (الواقع أن هذا القول لا يعتمد إلا على وهم مجرد، ذلك لأن الطبيعة لا تعطيك من واقعها إلا هذا الاقتران وهو يحد ذاته ليس أكثر من الاقتران مهما كان ثابتا ومستمرا) فلا شيء له أثر في شيء من نفسه بل ما يراه الناس إنما هو اقتران وانسجام ويقول آخر: ( ولا يقول لشيء من الأشياء في الكائنات بخاصة ناشئة من ذاته غير قابلة للإنفكاك عنه إلا طبيعي منكر للإله بالمرة) وهذا يعني القول بعدم تأثير الطبائع أو السبب أو إلغاء عملها في الوجود فلا سببية ولا طبيعية ويقول الأشاعرة (إن الكائنات بأجمعها مستندة إلى الله من غير واسطة) أي لا مكانة لواسطة الأسباب والمسببات في خلق أو تأثير (فالاعتراف مثلا بأن الشمس تعطي الحركة والحياة للأشياء يكون شركا)
ثانيا: رتب الأشاعرة على القول بعقيدة العادة ثبوت المعجزات الخارقة للعادة وعدم القول بها إنكار للمعجزات فقال الغزالي في معرض الرد على المخالفين: (وحكمهم بأن هذا الاقتران المشاهد في الوجود بين الأسباب والمسببات اقتران تلازم بالضرورة، وليس في المقدور، ولا في الإمكان إيجاد السبب دون المسبب، ولا وجود المسبب دون السبب ترتب عليه عدم إثبات المعجزات الخارقة للعادة مثل قلب العصا ثعبانا، وإحياء الموتى وشق القمر، ومن جعل مجاري العادات لازمة لزوما ضروريا أحال جميع ذلك)
ويناقش مصطفى صبري هذا الأمر وهو يرى أنه لا مانع لله أن يفعل ما شاء (فالله تعالى في عقيدة المؤمنين إذا شاء يسلب الأشياء ما جرت سنته فيها، ويكون هذا السلب خرقا منه للعادة لا خرقا للعقل حتى يكون محالا وكذا الكلام في إحراق النار ما تحرقه أنه كما يكون بإذن الله تعالى يكون كف النار عن الإحراق بأمر الله، ولا خرق بين الحالين بالنسبة إلى قدرة الله) ومعناه يستوي بالنسبة إلى قدرة الله أن تكون الأسباب مقترنة بالجواز أو بالضرورة، فلا شيء يمنع قدرة الله من أن يسلب النار مثلا عملها فلا تعود محرقة وهذا معنى ثبوت معجزة إبراهيم (ص) بأن النار لم يؤثر عليه ولهذا (فإن الله الذي أوجد سلسلة الأسباب والعلل قادر على تعطيل عمل هذه السلسلة، فلا تكون المعجزة خارقة بهذا الاعتبار ولا يختل قانون السببية) وهذا القول كأنه جمع بين ثبوت المعجزات وقانون السببية الذي يرى الأشاعرة عدم ثبوته وبطلانه بعقيدة العادة "
هذا المقولة جنونية تماما فمجرد قولهم أنهم قالوها لا يعنى أنهم من قالوها فهم ساعتها كذبة لأنه طبقا لهذا فالله هو القائل لكونه الفاعل وليس هم كما أنهم غير موجودين ولا يوجد جنة ولا نار طالما أن الله هو الفاعل لكل شىء والخلق لا يفعلون فيكون الله بهذا كاذب ظالم جاهل فكاذب تعالى عن ذلك علوا كبيرا لأنه جعل دخول الجنة بالفعل وهو العمل وهم لا يفعلون وهو ظالم لأنه يحاسب غيره على فعله هو وهو جاهل لأنه لا يعلم أنه هو والخلق واحد
السبب الرئيسى للمقولة حسب الكتب وليس حسب الحقيقة لأنه قد لا يوجد وجود للأشعرى ولا لأشياعه ولا لأقوالهم هو تفسير المعجزات بكونها ليست خرق لطبيعة الأشياء
والمعجزات وهى الآيات ليست خرقا للطبيعة وإنما استعمال الله أسباب أخرى فمثلا العصا الشجرية هناك حشرة مثل الخشبة تماما تتحرك وقد أصابتنى مرة فى جلدى ولا يمكن أن يظن إنسان أن هذا الشىء الرفيع الصلب هو كائن حى وليس جماد ومثلا اليد المنيرة فى الكون أزهار وحيوانات تصدر أنوار ومثلا المصابيح فى المشكاة داخلها النار ومع هذا لا تحرق من حولها ومثلا إحياء الموتى يشبهه موت الثمار ثم عودتها للحياة بالماء ومثلا الناقة التى تشرب ماء البلد تشبه الحيوانات المجترة التى تبتلع كميات كبيرة من الطعام
إذا الله يستعمل فى المعجزات قوانين موجودة فى مخلوقات أخرى لا يفكر الكافر فى وجودها ليخفيه كما قال تعالى " وما ترسل بالآيات إلا تخويفا"
فسبب حدوث المعجزات هو تخويف الكفار حتى يرتدعوا عن الظلم فهو يأتيهم بأشياء غريبة
ثم بين السميرى ما يترتب على تصديق المقولة فقال :
"المطلب الثالث: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة:
لم ير الأشاعرة العذر لأحد خالف في إثبات هذه العقيدة رغم صعوبة فهمها بل لمخالفتها لما يراه الناس بعيونهم ويلمسونه في حياتهم أثناء إجراء تجاربهم وملاحظاتهم، فالمسألة جد دقيقة وتحتاج إلى بذل الجهد واستحضار الأفهام فضلا على أن ظاهر القرآن والسنة ترجح كفة إثبات السببية وأن لا شيء يتحقق إلا بالسبب وأن من يخل بالأسباب يخالف الشرع
فكيف يقفز هذا الفاهم لهذه الأمور والمعتقد لها إلى عقيدة مخالفة كلية ألا وهي عقيدة العادة حيث يقال له إن التوحيد والإيمان لا يتم إلا على طائلة إنكار السببية وأنه بالإمكان الفصل بين النار وفعلها، وبين الموت وجز الرقبة إلى ما كان هنالك من أمور قد يحيل فهم العقيدة إلى المستحيلات غير أن الأشاعرة رأوا أن يحكموا على المخالف فيها بالكفر والفسق والضلال ويدعون الإجماع على ذلك يقول البوطي: (وإذ قد ثبت الدليل القطعي على ما قلناه، فقد كان جحود ذلك كفرا بإجماع المسلمين) ..فهؤلاء هم الطبائعيون الذين لا خلاف في كفرهم وهم الذين أشار إليهم الإمام الشاطبي في قوله: (فالالتفات إلى المسببات بالأسباب له ثلاث مراتب، إحداها، أن يدخل فيها على أنه فاعل للمسبب أو مولد له، فهذا شرك أو مضاه له، والسبب غيرفاعل بنفسه (والله خالق كل شيء) ويؤكد ابن تيمية هذا المعنى بقوله: (وإن فسر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ولا عائق مانع، فليس شيء من المخلوقات مؤثرا، بل الله وحده خالق كل شيء فلا شريك له ولا ند له) إذن الطبائع بنفسها لا تفعل إلا بإذن الله
أما الفرقة الثانية فهي التي تقول بأن كل شيء فيه قوة كافية أودعها الله فيه، فذكر أنهم اختلفوا فيه فمنهم من يكفروه، ومنهم من يفسقه وكلا الحكمين يعني بأنه ليس في الأشياء طبائع ومعاني يميزها عن بعضها البعض، وهناك حكم آخر أطلقه الغزالي ويفهم منه جواز اعتقاد ذلك دون تخوف على العقيدة يقول البوطي: (غير أن الإمام الغزالي لا يرى تنافيا بين أن تكون الأسباب الكونية جعلية … وبين أن يكون فيها تأثير أودعه الله عز وجل فيها يسلبه عنها عندما يشاء وهو يرى أن هذا هو الحق أي فالمسألة ليست مسألة مقارنة مجردة) وهذا القول لا ينسجم البتة مع القول الذي يلغي طبائع الأشياء، فهو على نقيض من قال بالعادة فعقيدة العادة كما تبين هي مجرد مقارنة دون تأثير
وأما الفرقة الثالثة، فهي الفرقة التي جعلت الاقتران ضروريا بين الأسباب ومسبباتها وأن الأسباب لا تؤثر إلا بإذن الله تعالى وأنه متى صحت الأسباب ترتب عليها المسببات، ولا تتخلف المسببات إلا بنقص في الأسباب فهذه الفرقة جاهلة بهذا الاعتقاد وإن اعتقدت بناء على ضرورة الاقتران الحاصل من الأسباب امتناع المعجزات وعدم النبوات فهي كافرة
أما الفرقة الرابعة: فهي الفرقة المرضى عنها وهي القائلة بعقيدة العادة، وهي التي لا ترى في الأشياء طبائع ولا معاني لها أي أثر"
القوم هنا يكفرون من لا يؤمن بالمقولة فى الأكثرية والأقلية تجعله فاسق مع أن اللفظين معناهما واحد مغ أنهم هم الكفرة فى تلك الحال لأنهم يكذبون أقوال فى القرآن مثل :
"وهو أعلم بما يفعلون"
"افعلوا الخير"
"إنه خبير بما تفعلون"
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
وهناك عشرات المواضع مثلها تثبت كون المخلوق فاعل
ثم تكلم السميرى عن نقد مفهوم العادة فقال:
"المبحث الثاني عقيدة العادة وما عليها المطلب الأول: نقد مفهوم العادة:
قال ابن رشد: (فهو لفظ مموه إذا حقق لم يكن تحته معنى إلا أنه فعل وضعي مثل ما نقول: جرت عادة فلان أن يفعل كذا وكذا يريد أنه يفعله في الأكثر، وإن كان هذا هكذا كانت الموجودات كلها وضعية ولم يكن هناك حكمة أصلا من قبلها ينسب إلى الفاعل أنه حكيم)، ويبين ابن رشد استخدامات هذا اللفظ ما يجوز منها وما لا يجوز فيقول: (ومحال أن يكون لله تعالى-عادة، فإن العادة ملكة يكتسبها الفاعل، توجب تكرر الفعل منه على الأكثر) ولكن يجوز بدلا من كلمة العادة بالنسبة لله أن يستخدم كلمة (السنة) فيقول: (والله عزوجل يقول: (ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا) فهو يرى أن كلمة السنة بالنسبة لله لا تتبدل ولا تتحول أبدا ودائما، أما (كلمة عادة) فإنها لم تطلق على الله في الكتاب ولا في السنة وهي لا تفيد إلا الأكثر وتدل على الملكة المكتسبة وكل ذلك لا يليق بالله سبحانه
ويؤيد ابن حزم هذا المعنى السابق بقوله: (وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سموا ما تأتي به الأنبياء من الآيات المعجزات خرق العادة لأنهم جعلوا امتناع شق القمر، وشق البحر… وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط…)
وعلى هذا لا يصح أن يطلق على خلق الله للأشياء والمسببات عادة، وكذلك على الأثر الطبائعي لأن أثرها يبقى مستمرا ما بقيت هي ولهذا يتساءل ابن رشد عن معنى عقيدة العادة فيقول: (فما أدري ما يريدون باسم العادة؟ هل يريدون أنها عادة الفاعل أو عادة الموجودات) "
وما نقله السميرى من بطون كتبهم لا يتحدث عن العادة عند الله والتى سماها ابن رشد سنة الله وهى القوانين التى شرعها كما فى القرآن
وتحدث السميرى عن أثر المقولة على التوحيد فقال :
"المطلب الثاني: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد:
يقول ابن رشد: (والقول بنفي الأسباب في الشاهد ليس له سبيل إلى إثبات سبب فاعل في الغائب، لأن الحكم على الغالب من ذلك إنما يكون من قبل الحكم بالشاهد فهؤلاء لا سبيل لهم إلى معرفة الله تعالى)ولا يخفى أن أقوى الأدلة التي استدلت بها الأشعرية على وجود الله وإثبات صفاته هو قياس الغائب على الشاهد يقول الأيجي: (احتج الأشاعرة بوجوه، الأول: ما اعتمد عليه القدماء، وهو قياس الغائب على الشاهد، فإن العلة والحد والشرط لا يختلف غائبا وشاهدا) فقولهم: لعقيدة العادة يبطل عليهم أدلتهم في معرفة الله
ويقول ابن تيمية: (ومن قال: إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله بها المخلوقات ليست أسبابا، أو أن وجودها كعدمها، وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي، كإقتران الدليل بالمدلول فقد جحد ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها) بل يعتبر ابن القيم وغيره عقيدة العادة عند الأشاعرة داعية لإساءة الظن بالتوحيد، وتسليطا لأعداء الرسل على ما جاءوا به (إن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق، والماء لا يغرق، والخبز لا يشبع، والسيف لا يقطع، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة، ولا هو سبب لهذا الأثر، وليس فيه قوة وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا بكذا وقالت: هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير، ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة الظن بالتوحيد، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاءوا به كما تراه عيانا في كتبهم ينفرون به الناس عن الإيمان) وقد
ولهذا رد ابن سينا على الطبائعيين الذين ينكرون السبب الأول، ويجعلون الطبائع هي الأولى والآخرة في الإبداع والخلق والتأثير (إن المواد للأجسام العالمية صنفان، صنف يختص بالتهيؤ لقبول صورة واحدة لا ضد لها، فيكون حدوثها على سبيل الإبداع لا على سبيل التكوين من شيء آخر وفقدها على سبيل الفناء لا سبيل الفساد إلى شيء آخر وإلى هذا يرجع قول الحكيم في كتبه إن السماء غير مكونة من شيء ولا فاسدة إلى شيء لأنها لا ضد لها لكن العامة من المتفلسفة صرفوا هذا القول إلى غير معناه فأمعنوا في الإلحاد والقول بقدم العالم فهذا صنف، وخصوه باسم الأثير، والصنف الثاني صنف مهيأ لقبول الصورة المتضادة فيتكون تارة هذا بالفعل وذلك بالقوة وتارة بالعكس وسموه العنصر فجعلوا الأجسام أثيرية وعنصرية)
وأخيرا: فإن القول بعقيدة العادة شأنه أن يخل بالنظام الكوني الذي يدل على وجود الخالق المبدع يقول ابن رشد: (وأما الذي قاد المتكلمين من الأشعرية إلى هذا القول فهو الهروب من القول بفعل الطبيعة التي ركبها الله تعالى في الموجودات التي ها هنا، كما ركب فيها النفوس وغير ذلك من الأسباب المؤثرة، فهربوا من القول بالأسباب لئلا يدخل عليهم القول بأن ها هنا أسبابا فاعلة غير الله، وهيهات! إذا كان مخترع الأسباب! وكونها أسبابا مؤثرة، هو بإذنه وحفظه……وقال: ولو علموا أن الطبيعة مصنوعة، وأنه لا شيء أدل على الصانع من وجود موجود بهذه الصفة في الأحكام، لعلموا أن القائل بنفي الطبيعة قد أسقط جزءا عظيما من موجودات الاستدلال على وجود الصانع بجحده جزءا من موجودات الله)
وناقش ابن رشد الأشاعرة في القضية السابقة قائلا (ولو علموا أنه يجب من جهة النظام الموجود في أفعال الطبيعة أن تكون موجودة عن صانع عالم وإلا كان النظام فيها بالاتفاق، لما احتاجوا أن ينكروا أفعال الطبيعة) بمعنى (لو رفعنا الأسباب والمسببات لم يكن ها هنا شيء يرد به على القائلين بالاتفاق، أعني الذين يقولون لا صانع ها هنا)"
وفى المبحث التالى بين أن مقولة العادة تكذب القرآن فقال :
"المطلب الثالث: عقيدة العادة مبطلة لظاهر القرآن
يقول ابن القيم: (أنه -سبحانه- ربط الأسباب بمسبباتها شرعا وقدرا، وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري، ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح قي العقول والفطر، ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء… والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى: (بما كنتم تعملون) المائدة: ، وقوله: (بما كنتم تكسبون) الأعراف: وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وكل موضع مرتب فيه الحكم الشرعي أو الجزائي على الوصف أفاد كونه سببا له كقوله سبحانه: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) المائدة: وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وهذا أكثر من أن يستوعب وكل موضع تضمن الشرط والجزاء أفاد سببية الشرط والجزاء وهو أكبر من أن يستوعب… وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلا لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب… ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطرة)
ويذكر ابن تيمية أيضا ما يلزم القائلين بإنكار الأسباب والطبائع من شنائع أنهم يسوون بين المختلفات ويخالفون القرآن يقول: (وكذلك أيضا لزمت من لا يثبت في المخلوقات أسبابا وقوى وطبائع ويقولون إن الله يفعل عندها لا بها فليلزم أن لا يكون فرق بين القادر والعاجز وأما أئمة السنة وجمهورهم فيقولون ما دل عليه الشرع والعقل، قال تعالى: (فسقناه إاى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) سورة الأعراف: ، وقال: (فأحيا به الأرض بعد موتها) البقرة: … إلى أن قال: ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يخبر الله تعالى أنه يحدث الحوادث بالأسباب، وكذلك دل الكتاب والسنة على إثبات القوى والطبائع التي جعلها الله في الحيوان) "
المقولة إذا هى تكذيب لأقوال الله فى القرآن من حيث إثبات فعل المخلوقات وكون كل نوع له سيرة أى طبيعة أى أفعال معينة
وفى الفقرة التالية بين أن المقولة مخالف لرأى التابعين ومن بعدهم فقال:
"المطلب الرابع: عقيدة العادة مخالفة لما كان عليه السلف الصالح
يقول السفاريني: (وأما مذهب السلف الصالح المثبتون للقدر من جميع الطوائف فإنهم يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وإن له قدرة واستطاعة حقيقية ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله تعالى ينبت النبات بالماء، وأن الله يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب، ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون بأن لها تأثيرا لفظا ومعنى، ولكن يقولون هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها والله تعالى خالق السبب والمسبب) فالسلف يثبتون فاعلية لقدرة الإنسان، وأثرا للأسباب الطبيعية ولكن يشترطون عدم استقلالية الفاعلية والأثر وهذا هو ظاهر القرآن الذي أثبت للإنسان فعلا، وللماء أثرا وهكذا… والجميع في النهاية يكون بخلق الله، فالخلق يتم في بعض صوره بوسائط هي قوى أودعها الله في مخلوقاته، فهو يخلق الأسباب ببعضها
..
وبين السميرى أن المقولة تبطل مبادىء العلوم فقال:
" المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم
ولما كان هذا النظام قائما على قانون السببية أو القوانين الطبيعية فإن إبطال الأسباب وإنكار الطبائع قتل لهذا النظام، وتجهيل له، وقلب للنظام العلمي فيه، يقول ابن رشد: (وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له، فإنه يلزم أن لا يكون ههنا شيء معلوم أصلا)
المطلب السادس:وجوب ترتب المسببات على الأسباب دون محذور كإنكار المعجزات والكرامات وما في حكمها العلاقة بين الأسباب والمسببات علاقة ضرورية ولا تتخلف المسببات عن أسبابها إلا إذا كان هناك فساد أو عارض أخل بالسبب ولهذا جعل العامري دلالة هذه العلاقة قوية على وجود الله تعالى، ثم ألزم من غير هذه العلاقة وجعلها جائزة أنه يلزمه ألا يستطيع أن يقيم الدليل على وجود الله تعالى
وكذلك قال الإمام الشاطبي: (كذلك البذر سبب لنبات الزرع والنكاح سبب للنسل كقوله: (وابتغوا ما كتب الله لكم)
ابن تيمية: (كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة، وعلى الذبح والإحراق بالنار والخنق بالحبل وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها ولا بد ما لم يمنع السببية مانع أو يعارض السبب ما هو أقوى منه وأشد اقتضاء…)
ونقل مصطفى صبري كلام (استوارت ميل) وهو كلام جيد غاية في الرد على من أنكر الضرورة فقال: (إن الله الذي أوجد سلسلة الأسباب والعلل قادر على تعطيل عمل هذه السلسلة فلا تكون المعجزة خارقة للعادة بهذا الاعتبار ولا يختل قانون السببية، فسبب المعجزة إرادة الله) وهذا معناه ليس من الضروري أن تتوقف صحة المعجزة على القول بالاقتران الجائز وهو عقيدة العادة بل القول بإمكان حصول المعجزة بإذن الله تعالى في حالة ما يشاء سبحانه وذلك يكون بكسر العلاقة بين الأسباب والمسببات أقوى في جعل الأسباب مقترنة جوازا بمسبباتها لعدم العلاقة الوثيقة بينهم على رأي من يرى ذلك"
ووضل السميرى إلى النتيجة التالية:
"والناظر في القرآن الكريم يجد دائما الأسباب متصلة بالمسببات إلا في حالات استثنائية وهي ما نسميه بالمعجزات، فمثلا العصى ميتة لا تتحرك ضرورة ولكن يشاء الله فيكسر الضرورة فتتحرك العصى وتكون المعجزة، وكذلك الحس يشهد بأن النار تحرق وهكذا خلقها الله تحرق ولكن إذا شاء الله سلبها الإحراق وكسر الضرورة وكانت المعجزة كما حصل لإبراهيم(ص)"
والخطأ هو كون المعجزات خرق للقوانين وهى ليست خرق لقانون وإنما عمل بقانون أخر موجود فى مخلوقات أخرى فمثلا خروج العيون بضرب الحجر يشبه البراكين عندما تخرج من الجبل كما تشبه ضروع الحيوانات عندما يضغط عليها ومثلا انشقاق البحر يشبه الانكسارات التى تحدث فى الزلازل