رضا البطاوى
21-08-2020, 09:04 AM
قراءة فى كتاب عثمان بن مظعون
الكتاب تأليف فارس تبريزيان الحسون وهو من أهل العصر وهو ينتمى للمذهب الشيعى وقد استهل الكتاب بالدفاع عن الشيعة بكونهم يحترمون الصحابة ويجلونهم فقال:
"إن الذي حرضني على انتخاب هذا الموضوع والكتابة عنه جهات عديدة، أهمها شبهة وجهت ـ ولا تزال توجه ـ إلى الشيعة: بأنهم لا يحترمون صحابة رسول الله (ص)، ويقعون فيهم سبا وطعنا
وهذه الشبهة لا أساس لها من الصحة، فإن الشيعة تضع وافر احترامها في صحابة رسول الله (ص)وتعظمهم،وتقتدي بهم، وتجعلهم منارا تستنير به، أولئك الذين لم يرتدوا ولم يبدلوا ولم يبدعوا في الدين وبقوا على منهج النبي (ص) فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل على الجميع حتى الصحابة، فمن كان منهم على دين محمد (ص)ومات وهو على يقين من أمره، ولم يشك في دينه، فتجعله في أعلى القمم، وتقتدي به، ومن أبدع وشك في نبيه ودينه وبدل وغير، فالشيعة وكل حر جعل العقل إمامه يرفضه وينبذه ولايقتدي به، لانه إذا اقتدى به اقتدى ببدعته وضلاله وشكه وأما ما روي من أحاديث عن النبي (ص)أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، واحفظوني في أصحابي، ولا تسبوا أصحابي و فهي أحاديث ضعيفة السند، غير قابلة للاعتماد عليها، ومع فرض صحة سندها، فإنها محمولة على الاصحاب الذين بقوا على الدين، والتزموا بشرائط الصحبة، لا أولئك الذين بدلوا وغيروا وأبدعوا، وحاشا لرسول الله (ص)أن يأمر أمته باتباع من أبدع وغير، وشك فى دينه، لمجرد أنه صحابي والقرآن والحديث شاهدان على هذا المطلب، وهو ليس كل صحابي وكل من له صحبة مع الرسول (ص)يجب الاقتداء به واحترامه قال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)
وقال تعالى: ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، الدالة على أن في الأصحاب منافقين وغير مؤمنين بالله ولا برسوله"
كعادة المذهبيين نجد الرجل يفعل التالى :
أولا يضعف الروايات المنسوبة لأهل المذاهب الأخرى وهو قوله "وأما ما روي من أحاديث عن النبي (ص)أصحابي كالنجوم فهي أحاديث ضعيفة السند، غير قابلة للاعتماد عليها "
ثانيا يلوى عنق الآيات فهو يستشهد بآيات فى المنافقين على أنها فى الصحابة أى الذين آمنوا بمحمد(ص)وهو مصطلح لم يأت فى القرآن فيقول " ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله"
وحتى الآية الأولى "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما" ليس فيها أى دليل على أحد نكث بالعهد من المؤمنين وليس فى القرآن اسم من أسماء المنافقين أو حتى المؤمنين وهم الصحابة عدا زيد ومن ثم لا سبيل لمعرفة المرتدين والمنافقين من الصحابة الذين يتحدث عنهم
وكعادة المذهبيين أيضا نجده لا يذكر أن كل المؤمنين رضى الله عنهم ورضوا عنه كما فى قوله تعالى "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم"وقوله:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون "
ثم قال فارس عن الروايات التى فى مذهبه:
"وأما الأحاديث فكثيرة جدا، منها:
قوله (ص)في خطبة حجة الوداع: فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
وقوله (ص): أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربي أصحابي ! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك
وقوله (ص): إني أيها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول: قد عرفتكم، ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى
وقوله (ص)لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟ فقال رسول الله (ص): بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي"
فالشيعة تقتدي بالصحابة الصلحاء المتقين، الذين آمنوا بالله ورسوله وماتوا وهم على يقين مما هم عليه، كعثمان بن مظعون الذي عقدنا لأجله هذه الرسالة الوجيزة، حتى نتعرف على جوانب من حياته، ونجعلها قدوة نقتدي بها فإن الشيعة مطبقة على عدالته ووثاقته، وجعله في أعلى مرتبة الصالحين والمتقين، ومن الذين أبلوا بلاء حسنا في صدر الإسلام، وجاهدوا بكل ما لديهم من قوة لاجل إعلاء كلمة الإسلام، حتى قال الشيخ المامقاني: فالرجل فوق مرتبة الوثاقة والعدالة وحاولت في هذه الرسالة أن أعتمد على مصادر الفريقين، ليخرج البحث متكاملا"
كالعادة الرجل يستشهد بروايات ليست روايات مذهبه وحده لأنها متكررة فى كتب المذاهب الأخرى مع أنها مخالفة للقرآن فى وجود الحوض الذى لا وجود له فى القرآن رغم وجود روايات كثيرة تتحدث عنه والمخالفة أن الحوض وهو العين أى النهر لكل مسلم اثنان كما قال تعالى " "ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان"
كما أن تلك الروايات تخالف أن النبى(ص) لا يعلم الغيب فكيف علم بارتداد فلان وعلان وهو لا يعرف أسماء المنافقين كما قال تعالى "ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" ؟
اسنتهل فارس كلامه عن عثمان بنسله وصفاته فقال:
"اسمه ونسبه وصفته:
عثمان بن مظعون ـ بالظاء المعجمة ـ بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، الجمحي القرشي، ويكنى أبا السائب وكان شديد الأدمة، ليس بالقصير ولا بالطويل، كبير اللحية، عريضها وقيل: كان عثمان بن مظعون أخا النبي (ص)من الرضاعة
ولادته
ولد في عصر ملؤه الجهل وانحطاط القيم الانسانية، في عصر كان يسوده الظلم والجور، وعدم مراعاة حقوق الانسان، لكنه لم ينخرط في سلك أهل عصره، بل جعل عقله قائده وراشده، وسلك في حياته مسلك العقلاء والحكماء، حتى قيل: إنه كان من حكماء العرب في الجاهلية"
الكلام حتى هنا ليس فيه أى فائدة فليس عصر النبى(ص) وعثمان من كان عصرا جاهليا وحده فمعظم العصور بما فيها عصرنا عصور جاهلية يغلب عليها الفساد والفواحش ومنها الخمور
ثم جاء فارس للموضوع الأساسى وهو تحريم عثمان الخمر فقال:
"تحريمه الخمر في الجاهلية:
ومما يدل على حكمته قبل الإسلام، وسمو عقله، ما اتفق عليه أصحاب السير والتاريخ من أنه حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال:
لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي، أو: ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد
وقيل: إنه لما حرمت الخمر، أتي وهو بالعوالي، فقيل له: يا عثمان قد حرمت الخمر، فقال: تبا لها، قد كان بصري فيها ثاقبا
وتنظر البعض في ذيل الكلام، وهو: وقيل إنه لما حرمت الخمر أتي وهو بالعوالي، وذكروا وجه النظر بأن آية التحريم نزلت بعد وفاة عثمان
وأقول: عند أكثر أهل السنة أن الآية الثالثة في تحريم الخمر تدل على التحريم، والآية الاولى والثانية لا يستفاد منهما التحريم، وعند الشيعة أن الآية الاولى تدل على التحريم، والثانية والثالثة مؤكدتان للحكم، فلعل القول بأنه لما حرمت الخمر قيل لعثمان: يا عثمان قد حرمت الخمر فقال:، ناظر إلى الآية الاولى، والله العالم"
الرجل هنا يتكلم عن شخصية مسلم فما أدخل الشيعة والسنة فى الموضوع وأيامه لم يكن فيها لا سنة ولا شيعة؟
ثم أكمل كلامه فقال :
"ومع اتفاق كل المصادر على أن عثمان بن مظعون حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، فقد أخرج ابن المنذر، عن سعيد ابن جبير قال: لما نزلت: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)شربها قوم لقوله: (منافع للناس)، وتركها قوم لقوله: (إثم كبير)،منهم: عثمان بن مظعون وهذا افتراء صريح على هذا الصحابي الجليل، فإنه متى شربها حتى تركها؟وهذا ـ أيضا ـ يدل على أن أول آية في الخمر ـ وهي: (يسألونك عن الخمر والميسر) ـ نزلت في حياة عثمان، وهي دالة على التحريم في نظر الشيعة"
نفس العادة وشرب الرجل للخمر او عدم شربه لها لن يؤثر عليه فقد رضى الله عن المؤمنين وكلهم تابوا بعد شربهم أو حرموا شرب الخمروكالعادة يذكر الروايات القادخة فى الرجل غند المذاهب الأخرى ويترك مثلا الروايات المادحة مثل "
3165 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ"سنن أبو داود"وأيضا ما ورد فى البخارى:
7003 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِى اللَّيْثُ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ - امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ قُرْعَةً قَالَتْ فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَأَنْزَلْنَاهُ فِى أَبْيَاتِنَا ، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِى أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ » فَقُلْتُ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَّا هُوَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِى » فَقَالَتْ وَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا أطرافه 1243 ، 2687 ، 3929 ، 7004 ، 7018 - تحفة 18338"
وذكر الرجل أن العلويين والشيعة سموا أولادهم باسم عثمان بن مظعون وليس عثمان بن عفان فقال:
"التسمية بعثمان:
ولسمو مرتبة عثمان بن مظعون وقربه من الله ـ تعالى ـ ونبيه (ص)، ومكانته العالية في قلوب المؤمنين، سمى الكثير من الاولياء والصلحاء أولادهم بـ(عثمان)؛ لشدة تعلقهم بعثمان بن مظعون ومحبتهم له وإحياء لذكراه
ذكر الثقفي في تاريخه، عن هبيرة بن مريم، قال: كنا جلوسا عند علي ، فدعا ابنه عثمان، فقال له: يا عثمان، ثم قال: إني لم اسمه باسم عثمان، إنما سميته باسم عثمان بن مظعون
وفي زيارة الناحية المقدسة: السلام على عثمان ابن أمير المؤمنين سمي عثمان بن مظعون
وروي ـ أيضا ـ عن علي أنه قال: إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون"
وهو كلام ليست منه فائدة فاسم عثمان ليس متعلقا بأى عثمان وإنما هو كلمة من كلمات اللغة التى خلقها الله ثم تحدث عن عائلته فقال:
"أسرته:
أمه: سخيلة بنت العنبس بن وهبان ـ أهبان ـ بن وهب بن حذافة بن جمح
وإخوته: عبد الله بن مظعون، توفي سنة 30 هـ، وقدامة بن مظعون، مات سنة 36 هـ
وأولاده: السائب، وعبد الرحمن، أمهما خولة بنت حكيم وزوجته: خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة الاوقص السلمية، ويقال لها: خويلة
وهي التي قالت لرسول الله (ص)بعد وفاة خديجة: يا رسول الله، ألا تتزوج ؟ قال: من ؟ قالت: إن شئت بكرا، وإن شئت ثيبا، قال: فمن البكر؟ قالت: بنت أبي بكر، قال: ومن الثيب ؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول قال: فاذهبي فاذكريهما علي، فذهبت إلى أبويهما وخطبتهما، فقبلا وتزوجهما وروت خولة عدة أحاديث عن رسول الله (ص)لان وذكر أنها إحدى خالات النبي (ص)"
كلام لا يفيدنا بحكم أو موعظة ورواية التزويج تزويج سودة بإذن والدها مستبعد لكونها كانت كبيرة السن كمل ان الروايات ألأخرى تقول أن من زوجها هو أخو السكران حاطب بن عمرو زوجها الذى مات
ثم تكلم فارس عن إسلام عثمان فقال :
"إسلامه:
وأسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلا، انطلق هو وجماعة حتى أتوا رسول الله (ص)، فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعا، وذلك قبل دخول رسول الله (ص)دار الارقم وقبل أن يدعو فيها
وروي أن عثمان بن مظعون قال: نزلت آية: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) على النبي (ص)وأنا عنده، وذكر أنه شاهد رسول الله (ص)على غير حالته الطبيعية، فلما سأله: يا رسول الله (ص)ما رأيتك فعلت الذي فعلت اليوم، ما حالك ؟ قال رسول الله (ص): ولقد رأيته ؟ فأجابه عثمان: نعم، قال رسول الله: ذاك جبرئيل لم يكن لي همة غيره، ثم تلا عليه رسول الله (ص)ما أنزل عليه قال عثمان: فقمت من عند رسول الله (ص)معجبا بالذي رأيت، فأتيت أبا طالب وقرأت ما أوحي إلى النبي، فعجب أبو طالب، وقال: يا آل غالب اتبعوه ترشدوا وتفلحوا، فو الله ما يدعو إلا إلى مكارم الاخلاقوروي أيضا: أن عثمان قال: كان أول إسلامي حبا من رسول الله (ص)، ثم تحقق ذلك اليوم لما شاهدت الوحي إليه، واستقر الايمان في قلبي"
كلام لا يمكن التحقق منه تصديقا أو تكذيبا صن ذكر ما ظن أنه ألآيات النازلة فى الرجل فقال:
الآيات النازلة في عثمان:
1 ـ (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)
قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)نزلت في علي وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وأصحاب لهم رضي الله عنهم
2 ـ (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)نزلت في عدة من الصحابة،منهم: عثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وسلمان، حرموا على أنفسهم الشهوات وهموا بالاخصاء وروي: أن عليا وعثمان بن مظعون ونفرا من أصحاب رسول الله (ص)تعاقدوا أن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ولا يأتوا النساء، ولايأكلوا اللحم، فبلغ ذلك رسول الله، فأنزل الله تعالى: وروي عن أبي عبد الله نزلت في علي وبلال وعثمان بن مظعون، فأما علي فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون فانه حلف أن لا ينكح أبدا
ولما أخبر النبي (ص)نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات، ألا أني أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) ورويت أحاديث كثيرة بهذا المعنى، نكتفي منها بهذا المقدار
3 ـ (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين)نزلت في عدة منهم عثمان بن مظعون، وكان عثمان قد هم بطلاق زوجته وأن يختصي ويحرم اللحم والطيب، فرد عليه النبي وانزل في ذلك:
4 ـ (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم)
قال الشيخ الطبرسي: وقيل إن الابكم أبي بن خلف، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن مظعون، عن عطاء"
ما سبق كلام باطل فالآيات التى لم تحدد أشخاصا بعينهم كزيد أو زوجتى النبى(ص) أو صاحبه فى الغار هى آيات عامة ليس هناك سبب لنزولها لأنها احكام عامة
وبعد هذا ذكر كلام على فى عثمان بقوله:
"وصف أمير المؤمنين لعثمان:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا، فإن قال بد القائلين ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفا مستضعفا، فإن جاء الجد فهو ليث غاب وصل واد، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا، وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه، وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل، وكان اذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه فعليكم بهذه الاخلاق فالزموها وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير"
والمشار إليه بـ(كان لي فيما مضى أخ في الله) عثمان بن مظعون على أحد الأقوال، وقيل: أبوذر، وقيل: غيرهما ويدل على أن المراد بالأخ هنا عثمان بن مظعون ما ورد من وصف أمير المؤمنين لعثمان بالأخ، كقوله في وجه تسمية ولده بعثمان: إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون
وكان عثمان بن مظعون من الملازمين لأمير المؤمنين ، حتى نشاهد أن اكثر الآيات النازلة في حق عثمان هي في حق علي وسائر أصحابه
ولو كان من المقدر أن يبقى عثمان بعد وفاة رسول الله (ص)لكنت تراه يقف موقف سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد في قبال الأحداث، ولشاهدته من حواري أمير المؤمنين "
فارس هنا بعد أن ذكر ان كلمة المدح فى عثمان وعاد وشكك فى ذلك حيث قال أنها فيه أو فى أبى ذر أو فى غيرهم ومن ثم لا قيمة للكلمة لعدم معرفة من قيلت فيه حقا
ثم نكلم عن تعذيب قريش لعثمان وهجرته فقال:
"تعذيب قريش لعثمان وهجرته وزهده:
وبعد أن أسلم عثمان وأعلن إسلامه، واجهته قريش بالاذى والسطوة، كما هو ديدنها مع رسول الله (ص)وأصحابه وكانت بنو جمح تؤذي عثمان وتضربه وهو فيهم ذو سطوة وقدر ولما اشتد أذى المشركين على الذين أسلموا، وفتن منهم من فتن،أذن الله سبحانه لهم بالهجرة الاولى إلى أرض الحبشة، التي كانت متجرا لقريش يجدون فيها رفقا من الرزق وأمانا فخرجوا متسللين سرا، وأميرهم عثمان بن مظعون، فيسر الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار، فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة، وخرجت قريش في أثرهم، ولما وصلوا البحر لم يدركوا منهم أحدا ومكث عثمان بن مظعون وأصحابه في الحبشة، حتى بلغهم أن قريشا قد أسلمت، فأقبلوا نحو مكة، وما إن اقتربوا منها حتى عرفوا أن قريشا لم تسلم، وأنها ما زالت على عدائها لرسول الله (ص)فثقل عليهم أن يرجعوا، وتخوفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار من بعض أهل مكة، فمكثوا مكانهم حتى دخل كل رجل منهم بجوار من بعض أهل مكة، ودخل عثمان بن مظعون مكة بجوار الوليد بن المغيرة ولما رأى عثمان ما يلقى رسول الله (ص)وأصحابه من الأذى والبلاء، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة، قال: والله، إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الاذى والبلاء في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي فمضى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، وقد كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه الى رسول الله (ص)، فلي به وأصحابه أسوة فقال الوليد: فلعلك يا بن أخي أوذيت أو انتهكت ؟ قال عثمان: لا، ولكن أرضى بجوار الله ولا أريد أن استجير بغيره قال: فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية فانطلقا، حتى أتيا المسجد فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، فقال عثمان: قد صدق، قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكني أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره ومر عثمان بن مظعون بمجلس من قريش، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي ينشدهم: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»فقال عثمان: صدقت فقال لبيد: «وكل نعيم لا محالة زائل»فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول أبدا فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم ؟فقال رجل: إن هذا سفيه من سفهائنا قد فارق ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان، فقام إليه ذلك الرجل، فلطم عينه فخضرها فقال الوليد بن المغيرة لعثمان: إن كانت عينك لغنية عما أصابها، لم رددت جواري ؟فقال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة لمثل ما أصاب أختها في الله، لا حاجة لي في جوارك
وفي بعض المصادر:
فقال الوليد: هل لك في جواري ؟ فقال عثمان: لا أرب لي في جوار أحد الا في جوار الله ثم قال عثمان بن مظعون فيما أصيب من عينه:
فان تك عيني في رضا الرب نالها يدا ملحد في الدين ليس بمهتد
فقد عوض الرحمن منها ثوابه ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فإني وإن قلتم غوي مضلل سفيه على دين الرسول محمد
أريد بذاك الله والحق ديننا على رغم من يبغي علينا ويعتدي
وقال أبو طالب رضى الله عنه ـ وقد غضب لعثمان بن مظعون حين عذبته قريش ونالت منه
أمن تذكر دهر غير مأمون أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون
أمن تذكر أقوام ذوي سفه يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
ألا ترون ـ أذل الله جمعكم ـ أنا غضبنا لعثمان بن مظعون
ونمنع الضيم من يبغي مضامتنا بكل مطرد في الكف مسنون
ومرهقات كأن الملح خالطها يشفى بها الداء من هام المجانين
حتى تقر رجال لا حلوم لها بعد الصعوبة بالاسماح واللينأو تؤمنوا بكتاب منزل، عجب على نبي كموسى أو كذي النون
وذكر مثل هذه الابيات أبو نعيم الاصفهاني، منسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قالها فيما أصاب من عين عثمان بن مظعون:
أمن تذكر دهر غير مأمون أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون
أمن تذكر أقوام ذوي سفه يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
لا ينتهون عن الفحشاء ما سلموا والغدر فيهم سبيل غير مأمون
ألا ترون ـ أقل الله خيرهم ـ أنا غضبنا لعثمان بن مظعون
إذ يلطمون ولا يخشون مقلته طعنا دراكا وضربا غير مأفون
فسوف يجزيهم إن لم يمت عجلا كيلا بكيل جزاء غير مغبون
واشتد البلاء من قريش على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم، ولقوا منها تعنيفا شديدا، وصعب عليها ما بلغها عن النجاشي من حسن جواره لهم، فأذن لهم رسول الله بالخروج مرة ثانية إلى أرض الحبشة
وهل خرج معهم عثمان بن مظعون ؟ صرح بهجرته ـ مرة ثانية ـ إلى أرض الحبشة ابن سعد بالاعتماد على رواية محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر، والنووي وفيه نظر، لان الذين هاجروا الهجرة الاولى رجعوا إلى مكة قبل الهجرة النبوية، والذين هاجروا الهجرة الثانية رجعوا عام خيبر، أي بعد وفاة عثمان بن مظعون الذي اشترك في حرب بدر، وهي قبل خيبر ولعل منشأ الاشتباه تصريح البعض بمهاجرة عثمان الهجرتين فحملوه على الاولى والثانية للحبشة، والظاهر أن الاولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة
وصرح ابن الاثير الجزري: أن عثمان بن مظعون هاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الاولى مع جماعة من المسلمين، وذكر كيفية رجوعه وما جرى له مع لبيد وقال: ثم هاجر عثمان إلى المدينة وشهد بدرا وقال البعض: قد ذكر في هذه الهجرة الثانية جماعة ممن شهد بدرا، فإما أن يكون هذا وهما، وإما أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر، فتكون لهم ثلاث قدمات: قدمة قبل الهجرة، وقدمة قبل بدر، وقدمة عامر خيبر، ولذلك قال ابن سعد وغيره: إنهم لما سمعوا هجرة رسول الله (ص)إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثمان نسوة، فمات منهم رجلان بمكة،وحبس بمكة سبعة، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا وعلى أي حال، فهجرة عثمان بن مظعون من مكة إلى المدينة أمر مقطوع به، فقد هاجر هو وأخواه قدامة وعبد الله وابنه السائب إلى المدينة، ونزلوا على عبد الله بن سلمة العجلاني، وقيل: على خذام بن وديعة
قال الواقدي: آل مظعون ممن أوعب في الخروج إلى الهجرة رجالهم ونساؤهم، وغلقت بيوتهم بمكة وروي عن أم العلاء، قالت: نزل رسول الله (ص)والمهاجرون معه المدينة في الهجرة، فتشاحت الانصار فيهم أن ينزلوهم في منازلهم، حتى اقترعوا عليهم، فطار لنا عثمان بن مظعون على القرعة، تعني: وقع في سهمنا وأما زهده وقناعته بالشيء القليل وتركه الدنيا فيدل عليه: ما روي من أنه دخل يوما المسجد، وعليه نمرة قد تخللت فرقعها بقطعة من فروة، فرق له رسول الله (ص)، ورق أصحابه لرقته، فقال: كيف أنتم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى، وسترتم البيوت كما تستر الكعبة ؟ قالوا: وددنا أن ذلك قد كان يا رسول الله فأصبنا الرخاء والعيش، قال: فإن ذلك لكائن، وأنتم اليوم خير من اولئك"
كل هذه الروايات عن الهجرة إلى الحبشة لا دليل عليها من القرآن فلم يرد ذكر هذه الهجرة فى أى نص تصريحا أو تلميحا فالهجرة كانت ليثرب أى المدينة فقط
ثم تحدث عن المؤاخاة وجهاد عثمان فى بدر فقال:
"مؤاخاته واشتراكه في بدر:
آخى رسول الله (ص)بين عثمان بن مظعون وبين أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري وشهد عثمان بن مظعون بدرا باتفاق المؤرخين وأسر حنظلة بن قبيصة بن حذافة على يد عثمان بن مظعون ليلا وقتل أوس بن المغيرة بن لوذان على يد علي وعثمان بن مظعون"
ثم تكلم عن قلة رواياته لموته المبكر بعد الهجرة فقال :
"عثمان والرواية:
كان عثمان بن مظعون من الاوائل الذين أسلموا، ومن الاوائل الذين لبوا نداء ربهم، وتوفي في حياة رسول الله (ص)في بادى الإسلام، ونال درجة عالية بعد وفاته بصلاة رسول الله (ص)عليه، ولم يرو عن رسول الله (ص)إلا قليلا، وذلك لعدم دركه من زمان الإسلام إلا أوائله
فيروي عثمان بن مظعون عن رسول الله (ص)لا، ورواياته عن رسول الله قليلة جدا ويروي عن عثمان بن مظعون: عبد الله بن جابر وسعد بن مسعود الكناني (الكندي) "
ثم نحدث عن عبادته فقال :
عبادته واجتهاده واعتزاله النساء وحياؤه:
كان عثمان ـ رضوان الله عليه ـ من أشد الناس اجتهادا في العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل ووصل به الحد في العبادة أنه ترك وتجنب الشهوات بالمرة، واعتزل النساء حتى روي: أن زوجته دخلت على نساء النبي (ص)فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك ؟ فما في قريش أغنى من بعلك ! قالت: ما لنا منه شيء، أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم فدخل النبي (ص)، فذكرن ذلك له، فلقيه النبي (ص)، فقال: أمالك بي أسوة؟ قال: بأبي وأمي وما ذاك ؟ قال: تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قال: إني لافعل، قال: لا تفعل، إن لعينيك عليك حقا، وإن لجسدك حقا، وإن لاهلك حقا، فصل ونم وصم وافطر وفي رواية أخرى: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح
وفي رواية أخرى قال النبي (ص): إني آتي النساء وأفطر بالنهار وأنام الليل، فمن رغب عن سنتي فليس مني، وأنزل الله ـ تعالى ـ: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)
فأتتهن زوجة عثمان بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناسوروي: أن عثمان قال: يا رسول الله (ص)! لا أحب أن ترى امرأتي عورتي، قال: ولم ؟ قال: استحيي من ذلك، قال: إن الله قد جعلها لك لباسا، وجعلك لباسا لها ، فلما أدبر قال رسول الله (ص): إن ابن مظعون لحيي ستير
الرهبانية والسياحة والتبتل:
خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الانسان ليكون نواة صالحة، وكائنا عاملا في كل نواحي الحياة الانسانية، وليس من حكمة خلق الله للانسان أن يترهب ويعتزل المجتمع، ويعيش لوحده يعبد ربه وفي بادى الإسلام كانت فكرة الرهبانية، وترك المجتمع والملذات الدنيوية، تدور في خلد بعض المتدينين، وذلك لشدة تدينهم وحرصهم على العبادة وترك الدنيا
ومن الاوائل الذين فكروا بالرهبانية والسياحة عثمان بن مظعون ـ رضوان الله عليه ـ فإنه أول ما أقدم عليه من عمل هو: أنه كان يقوم الليل ويصوم النهار، وترك زوجته بالمرة، وبعدها استأذن رسول الله (ص)في الرهبانية والسياحة والتبتل وطلاق زوجته والخصاء، فنهاه عن ذلك ورده عليه فعن ابن شهاب: أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الارض، فقال له رسول الله (ص): أليس لك في أسوة حسنة ؟ فأنا آتي النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى وروي أيضا عن عثمان أنه قال: قلت لرسول الله (ص): يا رسول الله! أردت أن أسألك عن أشياء، فقال: وما هي يا عثمان ؟ قال: قلت: إني أردت أن أترهب، قال: لا تفعل يا عثمان، فان ترهب أمتي القعود في المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة
قال: فإني أردت يا رسول الله ! أن أختصي، قال (ص): لا تفعل يا عثمان، فإن اختصاء أمتي الصيام وروي أيضا أنه قال لرسول الله (ص): إن نفسي تحدثني بالسياحة وأن ألحق الجبال، قال: يا عثمان لا تفعل، فإن سياحة أمتي الغزو والجهاد وروي: أنه اتخذ بيتا يتعبد فيه، فأتاه النبي (ص)، فأخذ بعضادتي البيت وقال: يا عثمان ، إن الله لم يبعثني بالرهبانية ـ مرتين أو ثلاثا ـ، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة وروي عنه ـ أيضا ـ أنه قال: يا رسول الله ! إني رجل تشق علي العزبة في المغازي، أفتأذن لي في الخصاء ؟ قال: لا، ولكن عليك بالصوم، فانه مجفر (محصن) وروي عنه ـ أيضا ـ: أنه هم بطلاق زوجته، وأن يختصي ويحرم اللحم والطيب،فرد عليه النبي(ص)، وانزل في ذلك: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين)
وروي أيضا: أنه توفي ابن لعثمان بن مظعون، فاشتد حزنه عليه، حتى اتخذ داره مسجدا يتعبد فيه، فبلغ ذلك رسول الله، فأتاه، فقال له: يا عثمان، إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، يا عثمان بن مظعون ! للجنة ثمانية أبواب، وللنار سبعة أبواب، فما يسرك أن لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك آخذا بحجزتك يشفع لك الى ربك، قال: بلى "
أطبقت المذاهب على أن عثمان كان يريد التبتل ولكن النبى(ص) نهاه عنها فانتهى
ثم ذكر فارس شعر عثمان القليل فقال:
"شعره :
ولم يكن عثمان من الشعراء المعروفين، لكنه كان قادرا على نظم الشعر، والذي وصل إلينا شيء منه وقد مرت منه عدة أبيات في فصل تعذيب قريش لعثمان وهجرته فمن شعره حينما هاجر إلى أرض الحبشة، وبلغه أن أمية ابن خلف شتمه، فقال:
أتيم بن عمرو الذي فار ضغنه ومن دونه الشرمان والترك أجمع
أأخرجتني من بطن مكة آمنا وألحقتني من صرح بيضاء تقدع ؟
تريش نبالا لا يؤاتيك ريشها وتبري نبالا ريشها لك أجمع
فكيف إذا نابتك يوما ملمة وأسلمك الاوباش ما كنت تجمع ؟"
ثم ذكر الخلاف فى تاريخ وفاته فقال :
"وفاته:
نص كثير من المؤرخين: على أن عثمان بن مظعون أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأما تاريخ وفاته، فإنه كان بعد أن شهد بدرا، وفي تحديد تاريخ وفاته عدة أقوال:
(أ) في شعبان بعد سنتين ونصف من الهجرة
(ب) في السنة الثانية من الهجرة
(ج) بعد اثنين وعشرين شهرا من مقدم رسول الله (ص)إلى المدينة، وهذا يدل على أنه توفي في أواخر سنة اثنتين
(د) بعد مقدم رسول الله (ص)إلى المدينة بستة أشهر وهذا إنما يكون بعد مقدمه من غزوة بدر، لأنه لم يختلف أحد في أنه شهدها
وذكرت أم العلاء أن عثمان بن مظعون اشتكى عندهم، وقالت: مرضناه، فلما توفي جعلناه في أثوابه فدخل عليه رسول الله (ص)، فأكب عليه يقبله ويقول: رحمك الله يا عثمان، ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك شيئا وحديث تقبيل رسول الله (ص)لعثمان وهو ميت نقله الكل وبصور مختلفة، فبعض ذكر أنه قبله ـ بعد الغسل والتكفين ـ بين عينيه، والآخر ذكر أنه قبله على خده وبكى رسول الله (ص)على عثمان بن مظعون طويلا، ودموعه تسيل على خد عثمان بن مظعون وأما ما روي من أنه لما مات عثمان دخل عليه النبي (ص)فأكب عليه، فرفع رأسه، فرأوا أثر البكاء، ثم جثا الثانية، ثم رفع رأسه، فرأوه يبكي، ثم جثا الثالثة، فرفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه يبكي، فبكى القوم، فقال: مه هذا من الشيطان، ثم قال: أستغفر الله، أبا السائب لقد خرجت منها ولم تلبس منها بشيء فغير صحيح، لأنه فيه جعل البكاء من الشيطان، مع أنه ثبت من طريق الفريقين أن النبي (ص)بكى على ابنه ابراهيم، وفاضت عيناه على بنت بنته، وأنه بكى على عثمان بن مظعون كما ذكرنا قبل قليل وذكرنا مصادره
ويؤيده أيضا ما روي عن ابن عباس: لما ماتت ابنة لرسول الله (ص)، قال رسول الله (ص): ألحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، فبكت النساء، فجعل عمر بن الخطاب يضربهن بسوطه، فأخذ رسول الله بيده (ص)وقال: مهلا يا عمر، ثم قال رسول الله (ص): ابكين، وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله (ص): إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان ومع ما كان عليه عثمان بن مظعون من عظيم الدرجة والسبق إلى الايمان، فقد سمع رسول الله (ص)امرأة تقول:
هنيئا لك أبا السائب الجنة، أو: أذهب عنك أبا السائب ! شهادتي عليك لقد أكرمك الله، أو طب أبا السائب ! نفسا إنك في الجنة
فقال لها رسول الله (ص): وما يدريك، أو ما علمك بذلك ؟
فقالت: يا رسول الله ! أبو السائب، أو كان يا رسول الله ! يصوم النهار ويصلي الليل، أو فارسك وصاحبك، أو: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فمن فقال رسول الله (ص): والله ما نعلم إلا خيرا ثم قال: حسبك أن تقولي: كان يحب الله ـ عز وجل ـ ورسوله، أو أجل ما رأينا إلا خيرا أنا رسول الله والله ما أدري ما يصنع بي، أو أما هو فقد جاءه اليقين والله، إني لأرجو الخير، وإني لرسول الله، وما أدري ما يفعل بي
واختلفت المصادر في ذكر اسم المرأة التي قالت هذا القول لرسول الله (ص)، فبعضها ذكرت أنها زوجته أم السائب، وفي بعضها أنها أم العلاء الانصارية، وفي بعضها أنها أم خارجة بن زيد، وفي بعضها أنها عجوز
وكذلك اختلفت المصادر في كيفية وقوعها، ففي بعضها أنها قالت هذا القول وراء جنازته، وفي بعضها أنها قالت هذا القول لما وضع في قبره، وفي بعضها لما قبر، وفي بعضها غير هذا
وعلى كل حال فإن ما قاله رسول الله (ص)لم يكن نقصا في درجة عثمان بن مظعون، أو تشكيكا فيه، لأنه قرنه بنفسه، ووصفه بصفات المتقين، ولكن كان قوله (ص)تعليما لنا، بأن الانسان مهما كثرت عبادته واتقي لابد من أن يبقى بين الخوف والرجاء، ولا يجزم بأنه من أهل الجنة ومن عباد الله المقربين، ويدل على كراهية جزم الانسان بأنه من أهل الجنة
وروي عن رسول الله (ص)أنه قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون: ذهبت ولم تلبس منها بشيء وروي أنه لما رفع عثمان على السرير قال النبي (ص): طوباك (طوبى لك) يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها
وتحدث أم العلاء : بأنها رأت في المنام لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله (ص)، فقال: ذلك عمله وحظي عثمان بن مظعون بصلاة رسول الله (ص)عليه، وبمشاركته في تشييعه ودفنه، فقد كان (ص)قائما على شفير القبر الذي نزل فيه كل من عبد الله بن مظعون، والسائب بن عثمان بن مظعون، ومعمر بن الحارث ولما انتهى الدفن، قال النبي (ص)لرجل: هلم تلك الصخرة فاجعلها عند قبر أخي أعرفه بها، أدفن إليه من دفنت من أهلي (أهله)، فقام الرجل فلم يطقها، فاحتملها رسول الله (ص)حتى شوهد بياض ساعديه، ووضعها عند قبره، وقال: هذا قبر فرطنا، وكان الحجر بمثابة العلامة وكان رسول الله (ص)يزور قبر عثمان بن مظعون واتفق أصحاب السير والتاريخ أن أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، إلا نادرا ممن ذكر أن أسعد بن زرارة أول من دفن بالبقيع ولم يكن البقيع قبل دفن عثمان مقبرة، وكان يقال له: بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد وروي أنه (ص)أمر أن يبسط على قبر عثمان بن مظعون ثوب، وهو أول قبر بسط عليه ثوب وروي أيضا أنه (ص)رش قبر عثمان بن مظعون بالماء بعد أن سوى عليه التراب وقيل: إن أول من تبعه إبراهيم ابن النبي (ص)، فلما توفي قال رسول الله (ص): الحق بسلفنا (بسلفك) الصالح عثمان بن مظعون، ودفن ابراهيم إلى جنب عثمان
ولما ماتت ابنة لرسول الله (ص)قال رسول الله (ص): الحقي بسلفنا الخير (الصالح) عثمان بن مظعون وأصحابه
وكان إذا مات ميت قال النبي (ص): قدموه على فرطنا، نعم الفرط لأمتي عثمان بن مظعون، فيدفن عند عثمان بن مظعون
ولما توفي عثمان بن مظعون قالت زوجته:
يا عين جودي بدمع غير ممنون على رزية عثمان بن مظعون
على امرىء بات في رضوان خالقه طوبى له من فقيد الشخص مدفون
طاب البقيع له سكنى وغرقد هوأشرقت أرضه من بعد تفتين
وأورث القلب حزنا لا انقطاع له حتى الممات فما ترقى له شوني"
ما مضى من روايات فى الفقرات السابقة قام فارس بنقد بعضه نقدا حسنا وقد ذكر أن الروايات متناقضة وقد جمعها فقط ليكمل ما ورد عن الرجل فى الكتب ليكون الكتاب كاملا عن شخصيته
الكتاب تأليف فارس تبريزيان الحسون وهو من أهل العصر وهو ينتمى للمذهب الشيعى وقد استهل الكتاب بالدفاع عن الشيعة بكونهم يحترمون الصحابة ويجلونهم فقال:
"إن الذي حرضني على انتخاب هذا الموضوع والكتابة عنه جهات عديدة، أهمها شبهة وجهت ـ ولا تزال توجه ـ إلى الشيعة: بأنهم لا يحترمون صحابة رسول الله (ص)، ويقعون فيهم سبا وطعنا
وهذه الشبهة لا أساس لها من الصحة، فإن الشيعة تضع وافر احترامها في صحابة رسول الله (ص)وتعظمهم،وتقتدي بهم، وتجعلهم منارا تستنير به، أولئك الذين لم يرتدوا ولم يبدلوا ولم يبدعوا في الدين وبقوا على منهج النبي (ص) فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل على الجميع حتى الصحابة، فمن كان منهم على دين محمد (ص)ومات وهو على يقين من أمره، ولم يشك في دينه، فتجعله في أعلى القمم، وتقتدي به، ومن أبدع وشك في نبيه ودينه وبدل وغير، فالشيعة وكل حر جعل العقل إمامه يرفضه وينبذه ولايقتدي به، لانه إذا اقتدى به اقتدى ببدعته وضلاله وشكه وأما ما روي من أحاديث عن النبي (ص)أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، واحفظوني في أصحابي، ولا تسبوا أصحابي و فهي أحاديث ضعيفة السند، غير قابلة للاعتماد عليها، ومع فرض صحة سندها، فإنها محمولة على الاصحاب الذين بقوا على الدين، والتزموا بشرائط الصحبة، لا أولئك الذين بدلوا وغيروا وأبدعوا، وحاشا لرسول الله (ص)أن يأمر أمته باتباع من أبدع وغير، وشك فى دينه، لمجرد أنه صحابي والقرآن والحديث شاهدان على هذا المطلب، وهو ليس كل صحابي وكل من له صحبة مع الرسول (ص)يجب الاقتداء به واحترامه قال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)
وقال تعالى: ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، الدالة على أن في الأصحاب منافقين وغير مؤمنين بالله ولا برسوله"
كعادة المذهبيين نجد الرجل يفعل التالى :
أولا يضعف الروايات المنسوبة لأهل المذاهب الأخرى وهو قوله "وأما ما روي من أحاديث عن النبي (ص)أصحابي كالنجوم فهي أحاديث ضعيفة السند، غير قابلة للاعتماد عليها "
ثانيا يلوى عنق الآيات فهو يستشهد بآيات فى المنافقين على أنها فى الصحابة أى الذين آمنوا بمحمد(ص)وهو مصطلح لم يأت فى القرآن فيقول " ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله"
وحتى الآية الأولى "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما" ليس فيها أى دليل على أحد نكث بالعهد من المؤمنين وليس فى القرآن اسم من أسماء المنافقين أو حتى المؤمنين وهم الصحابة عدا زيد ومن ثم لا سبيل لمعرفة المرتدين والمنافقين من الصحابة الذين يتحدث عنهم
وكعادة المذهبيين أيضا نجده لا يذكر أن كل المؤمنين رضى الله عنهم ورضوا عنه كما فى قوله تعالى "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم"وقوله:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون "
ثم قال فارس عن الروايات التى فى مذهبه:
"وأما الأحاديث فكثيرة جدا، منها:
قوله (ص)في خطبة حجة الوداع: فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
وقوله (ص): أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربي أصحابي ! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك
وقوله (ص): إني أيها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول: قد عرفتكم، ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى
وقوله (ص)لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟ فقال رسول الله (ص): بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي"
فالشيعة تقتدي بالصحابة الصلحاء المتقين، الذين آمنوا بالله ورسوله وماتوا وهم على يقين مما هم عليه، كعثمان بن مظعون الذي عقدنا لأجله هذه الرسالة الوجيزة، حتى نتعرف على جوانب من حياته، ونجعلها قدوة نقتدي بها فإن الشيعة مطبقة على عدالته ووثاقته، وجعله في أعلى مرتبة الصالحين والمتقين، ومن الذين أبلوا بلاء حسنا في صدر الإسلام، وجاهدوا بكل ما لديهم من قوة لاجل إعلاء كلمة الإسلام، حتى قال الشيخ المامقاني: فالرجل فوق مرتبة الوثاقة والعدالة وحاولت في هذه الرسالة أن أعتمد على مصادر الفريقين، ليخرج البحث متكاملا"
كالعادة الرجل يستشهد بروايات ليست روايات مذهبه وحده لأنها متكررة فى كتب المذاهب الأخرى مع أنها مخالفة للقرآن فى وجود الحوض الذى لا وجود له فى القرآن رغم وجود روايات كثيرة تتحدث عنه والمخالفة أن الحوض وهو العين أى النهر لكل مسلم اثنان كما قال تعالى " "ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان"
كما أن تلك الروايات تخالف أن النبى(ص) لا يعلم الغيب فكيف علم بارتداد فلان وعلان وهو لا يعرف أسماء المنافقين كما قال تعالى "ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" ؟
اسنتهل فارس كلامه عن عثمان بنسله وصفاته فقال:
"اسمه ونسبه وصفته:
عثمان بن مظعون ـ بالظاء المعجمة ـ بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، الجمحي القرشي، ويكنى أبا السائب وكان شديد الأدمة، ليس بالقصير ولا بالطويل، كبير اللحية، عريضها وقيل: كان عثمان بن مظعون أخا النبي (ص)من الرضاعة
ولادته
ولد في عصر ملؤه الجهل وانحطاط القيم الانسانية، في عصر كان يسوده الظلم والجور، وعدم مراعاة حقوق الانسان، لكنه لم ينخرط في سلك أهل عصره، بل جعل عقله قائده وراشده، وسلك في حياته مسلك العقلاء والحكماء، حتى قيل: إنه كان من حكماء العرب في الجاهلية"
الكلام حتى هنا ليس فيه أى فائدة فليس عصر النبى(ص) وعثمان من كان عصرا جاهليا وحده فمعظم العصور بما فيها عصرنا عصور جاهلية يغلب عليها الفساد والفواحش ومنها الخمور
ثم جاء فارس للموضوع الأساسى وهو تحريم عثمان الخمر فقال:
"تحريمه الخمر في الجاهلية:
ومما يدل على حكمته قبل الإسلام، وسمو عقله، ما اتفق عليه أصحاب السير والتاريخ من أنه حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال:
لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي، أو: ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد
وقيل: إنه لما حرمت الخمر، أتي وهو بالعوالي، فقيل له: يا عثمان قد حرمت الخمر، فقال: تبا لها، قد كان بصري فيها ثاقبا
وتنظر البعض في ذيل الكلام، وهو: وقيل إنه لما حرمت الخمر أتي وهو بالعوالي، وذكروا وجه النظر بأن آية التحريم نزلت بعد وفاة عثمان
وأقول: عند أكثر أهل السنة أن الآية الثالثة في تحريم الخمر تدل على التحريم، والآية الاولى والثانية لا يستفاد منهما التحريم، وعند الشيعة أن الآية الاولى تدل على التحريم، والثانية والثالثة مؤكدتان للحكم، فلعل القول بأنه لما حرمت الخمر قيل لعثمان: يا عثمان قد حرمت الخمر فقال:، ناظر إلى الآية الاولى، والله العالم"
الرجل هنا يتكلم عن شخصية مسلم فما أدخل الشيعة والسنة فى الموضوع وأيامه لم يكن فيها لا سنة ولا شيعة؟
ثم أكمل كلامه فقال :
"ومع اتفاق كل المصادر على أن عثمان بن مظعون حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، فقد أخرج ابن المنذر، عن سعيد ابن جبير قال: لما نزلت: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)شربها قوم لقوله: (منافع للناس)، وتركها قوم لقوله: (إثم كبير)،منهم: عثمان بن مظعون وهذا افتراء صريح على هذا الصحابي الجليل، فإنه متى شربها حتى تركها؟وهذا ـ أيضا ـ يدل على أن أول آية في الخمر ـ وهي: (يسألونك عن الخمر والميسر) ـ نزلت في حياة عثمان، وهي دالة على التحريم في نظر الشيعة"
نفس العادة وشرب الرجل للخمر او عدم شربه لها لن يؤثر عليه فقد رضى الله عن المؤمنين وكلهم تابوا بعد شربهم أو حرموا شرب الخمروكالعادة يذكر الروايات القادخة فى الرجل غند المذاهب الأخرى ويترك مثلا الروايات المادحة مثل "
3165 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ"سنن أبو داود"وأيضا ما ورد فى البخارى:
7003 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِى اللَّيْثُ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ - امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ قُرْعَةً قَالَتْ فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَأَنْزَلْنَاهُ فِى أَبْيَاتِنَا ، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِى أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ » فَقُلْتُ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَّا هُوَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِى » فَقَالَتْ وَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا أطرافه 1243 ، 2687 ، 3929 ، 7004 ، 7018 - تحفة 18338"
وذكر الرجل أن العلويين والشيعة سموا أولادهم باسم عثمان بن مظعون وليس عثمان بن عفان فقال:
"التسمية بعثمان:
ولسمو مرتبة عثمان بن مظعون وقربه من الله ـ تعالى ـ ونبيه (ص)، ومكانته العالية في قلوب المؤمنين، سمى الكثير من الاولياء والصلحاء أولادهم بـ(عثمان)؛ لشدة تعلقهم بعثمان بن مظعون ومحبتهم له وإحياء لذكراه
ذكر الثقفي في تاريخه، عن هبيرة بن مريم، قال: كنا جلوسا عند علي ، فدعا ابنه عثمان، فقال له: يا عثمان، ثم قال: إني لم اسمه باسم عثمان، إنما سميته باسم عثمان بن مظعون
وفي زيارة الناحية المقدسة: السلام على عثمان ابن أمير المؤمنين سمي عثمان بن مظعون
وروي ـ أيضا ـ عن علي أنه قال: إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون"
وهو كلام ليست منه فائدة فاسم عثمان ليس متعلقا بأى عثمان وإنما هو كلمة من كلمات اللغة التى خلقها الله ثم تحدث عن عائلته فقال:
"أسرته:
أمه: سخيلة بنت العنبس بن وهبان ـ أهبان ـ بن وهب بن حذافة بن جمح
وإخوته: عبد الله بن مظعون، توفي سنة 30 هـ، وقدامة بن مظعون، مات سنة 36 هـ
وأولاده: السائب، وعبد الرحمن، أمهما خولة بنت حكيم وزوجته: خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة الاوقص السلمية، ويقال لها: خويلة
وهي التي قالت لرسول الله (ص)بعد وفاة خديجة: يا رسول الله، ألا تتزوج ؟ قال: من ؟ قالت: إن شئت بكرا، وإن شئت ثيبا، قال: فمن البكر؟ قالت: بنت أبي بكر، قال: ومن الثيب ؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول قال: فاذهبي فاذكريهما علي، فذهبت إلى أبويهما وخطبتهما، فقبلا وتزوجهما وروت خولة عدة أحاديث عن رسول الله (ص)لان وذكر أنها إحدى خالات النبي (ص)"
كلام لا يفيدنا بحكم أو موعظة ورواية التزويج تزويج سودة بإذن والدها مستبعد لكونها كانت كبيرة السن كمل ان الروايات ألأخرى تقول أن من زوجها هو أخو السكران حاطب بن عمرو زوجها الذى مات
ثم تكلم فارس عن إسلام عثمان فقال :
"إسلامه:
وأسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلا، انطلق هو وجماعة حتى أتوا رسول الله (ص)، فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعا، وذلك قبل دخول رسول الله (ص)دار الارقم وقبل أن يدعو فيها
وروي أن عثمان بن مظعون قال: نزلت آية: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) على النبي (ص)وأنا عنده، وذكر أنه شاهد رسول الله (ص)على غير حالته الطبيعية، فلما سأله: يا رسول الله (ص)ما رأيتك فعلت الذي فعلت اليوم، ما حالك ؟ قال رسول الله (ص): ولقد رأيته ؟ فأجابه عثمان: نعم، قال رسول الله: ذاك جبرئيل لم يكن لي همة غيره، ثم تلا عليه رسول الله (ص)ما أنزل عليه قال عثمان: فقمت من عند رسول الله (ص)معجبا بالذي رأيت، فأتيت أبا طالب وقرأت ما أوحي إلى النبي، فعجب أبو طالب، وقال: يا آل غالب اتبعوه ترشدوا وتفلحوا، فو الله ما يدعو إلا إلى مكارم الاخلاقوروي أيضا: أن عثمان قال: كان أول إسلامي حبا من رسول الله (ص)، ثم تحقق ذلك اليوم لما شاهدت الوحي إليه، واستقر الايمان في قلبي"
كلام لا يمكن التحقق منه تصديقا أو تكذيبا صن ذكر ما ظن أنه ألآيات النازلة فى الرجل فقال:
الآيات النازلة في عثمان:
1 ـ (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)
قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)نزلت في علي وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وأصحاب لهم رضي الله عنهم
2 ـ (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)نزلت في عدة من الصحابة،منهم: عثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وسلمان، حرموا على أنفسهم الشهوات وهموا بالاخصاء وروي: أن عليا وعثمان بن مظعون ونفرا من أصحاب رسول الله (ص)تعاقدوا أن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ولا يأتوا النساء، ولايأكلوا اللحم، فبلغ ذلك رسول الله، فأنزل الله تعالى: وروي عن أبي عبد الله نزلت في علي وبلال وعثمان بن مظعون، فأما علي فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون فانه حلف أن لا ينكح أبدا
ولما أخبر النبي (ص)نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات، ألا أني أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) ورويت أحاديث كثيرة بهذا المعنى، نكتفي منها بهذا المقدار
3 ـ (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين)نزلت في عدة منهم عثمان بن مظعون، وكان عثمان قد هم بطلاق زوجته وأن يختصي ويحرم اللحم والطيب، فرد عليه النبي وانزل في ذلك:
4 ـ (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم)
قال الشيخ الطبرسي: وقيل إن الابكم أبي بن خلف، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن مظعون، عن عطاء"
ما سبق كلام باطل فالآيات التى لم تحدد أشخاصا بعينهم كزيد أو زوجتى النبى(ص) أو صاحبه فى الغار هى آيات عامة ليس هناك سبب لنزولها لأنها احكام عامة
وبعد هذا ذكر كلام على فى عثمان بقوله:
"وصف أمير المؤمنين لعثمان:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا، فإن قال بد القائلين ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفا مستضعفا، فإن جاء الجد فهو ليث غاب وصل واد، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا، وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه، وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل، وكان اذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه فعليكم بهذه الاخلاق فالزموها وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير"
والمشار إليه بـ(كان لي فيما مضى أخ في الله) عثمان بن مظعون على أحد الأقوال، وقيل: أبوذر، وقيل: غيرهما ويدل على أن المراد بالأخ هنا عثمان بن مظعون ما ورد من وصف أمير المؤمنين لعثمان بالأخ، كقوله في وجه تسمية ولده بعثمان: إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون
وكان عثمان بن مظعون من الملازمين لأمير المؤمنين ، حتى نشاهد أن اكثر الآيات النازلة في حق عثمان هي في حق علي وسائر أصحابه
ولو كان من المقدر أن يبقى عثمان بعد وفاة رسول الله (ص)لكنت تراه يقف موقف سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد في قبال الأحداث، ولشاهدته من حواري أمير المؤمنين "
فارس هنا بعد أن ذكر ان كلمة المدح فى عثمان وعاد وشكك فى ذلك حيث قال أنها فيه أو فى أبى ذر أو فى غيرهم ومن ثم لا قيمة للكلمة لعدم معرفة من قيلت فيه حقا
ثم نكلم عن تعذيب قريش لعثمان وهجرته فقال:
"تعذيب قريش لعثمان وهجرته وزهده:
وبعد أن أسلم عثمان وأعلن إسلامه، واجهته قريش بالاذى والسطوة، كما هو ديدنها مع رسول الله (ص)وأصحابه وكانت بنو جمح تؤذي عثمان وتضربه وهو فيهم ذو سطوة وقدر ولما اشتد أذى المشركين على الذين أسلموا، وفتن منهم من فتن،أذن الله سبحانه لهم بالهجرة الاولى إلى أرض الحبشة، التي كانت متجرا لقريش يجدون فيها رفقا من الرزق وأمانا فخرجوا متسللين سرا، وأميرهم عثمان بن مظعون، فيسر الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار، فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة، وخرجت قريش في أثرهم، ولما وصلوا البحر لم يدركوا منهم أحدا ومكث عثمان بن مظعون وأصحابه في الحبشة، حتى بلغهم أن قريشا قد أسلمت، فأقبلوا نحو مكة، وما إن اقتربوا منها حتى عرفوا أن قريشا لم تسلم، وأنها ما زالت على عدائها لرسول الله (ص)فثقل عليهم أن يرجعوا، وتخوفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار من بعض أهل مكة، فمكثوا مكانهم حتى دخل كل رجل منهم بجوار من بعض أهل مكة، ودخل عثمان بن مظعون مكة بجوار الوليد بن المغيرة ولما رأى عثمان ما يلقى رسول الله (ص)وأصحابه من الأذى والبلاء، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة، قال: والله، إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الاذى والبلاء في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي فمضى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، وقد كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه الى رسول الله (ص)، فلي به وأصحابه أسوة فقال الوليد: فلعلك يا بن أخي أوذيت أو انتهكت ؟ قال عثمان: لا، ولكن أرضى بجوار الله ولا أريد أن استجير بغيره قال: فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية فانطلقا، حتى أتيا المسجد فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، فقال عثمان: قد صدق، قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكني أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره ومر عثمان بن مظعون بمجلس من قريش، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي ينشدهم: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»فقال عثمان: صدقت فقال لبيد: «وكل نعيم لا محالة زائل»فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول أبدا فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم ؟فقال رجل: إن هذا سفيه من سفهائنا قد فارق ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان، فقام إليه ذلك الرجل، فلطم عينه فخضرها فقال الوليد بن المغيرة لعثمان: إن كانت عينك لغنية عما أصابها، لم رددت جواري ؟فقال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة لمثل ما أصاب أختها في الله، لا حاجة لي في جوارك
وفي بعض المصادر:
فقال الوليد: هل لك في جواري ؟ فقال عثمان: لا أرب لي في جوار أحد الا في جوار الله ثم قال عثمان بن مظعون فيما أصيب من عينه:
فان تك عيني في رضا الرب نالها يدا ملحد في الدين ليس بمهتد
فقد عوض الرحمن منها ثوابه ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فإني وإن قلتم غوي مضلل سفيه على دين الرسول محمد
أريد بذاك الله والحق ديننا على رغم من يبغي علينا ويعتدي
وقال أبو طالب رضى الله عنه ـ وقد غضب لعثمان بن مظعون حين عذبته قريش ونالت منه
أمن تذكر دهر غير مأمون أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون
أمن تذكر أقوام ذوي سفه يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
ألا ترون ـ أذل الله جمعكم ـ أنا غضبنا لعثمان بن مظعون
ونمنع الضيم من يبغي مضامتنا بكل مطرد في الكف مسنون
ومرهقات كأن الملح خالطها يشفى بها الداء من هام المجانين
حتى تقر رجال لا حلوم لها بعد الصعوبة بالاسماح واللينأو تؤمنوا بكتاب منزل، عجب على نبي كموسى أو كذي النون
وذكر مثل هذه الابيات أبو نعيم الاصفهاني، منسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قالها فيما أصاب من عين عثمان بن مظعون:
أمن تذكر دهر غير مأمون أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون
أمن تذكر أقوام ذوي سفه يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
لا ينتهون عن الفحشاء ما سلموا والغدر فيهم سبيل غير مأمون
ألا ترون ـ أقل الله خيرهم ـ أنا غضبنا لعثمان بن مظعون
إذ يلطمون ولا يخشون مقلته طعنا دراكا وضربا غير مأفون
فسوف يجزيهم إن لم يمت عجلا كيلا بكيل جزاء غير مغبون
واشتد البلاء من قريش على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم، ولقوا منها تعنيفا شديدا، وصعب عليها ما بلغها عن النجاشي من حسن جواره لهم، فأذن لهم رسول الله بالخروج مرة ثانية إلى أرض الحبشة
وهل خرج معهم عثمان بن مظعون ؟ صرح بهجرته ـ مرة ثانية ـ إلى أرض الحبشة ابن سعد بالاعتماد على رواية محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر، والنووي وفيه نظر، لان الذين هاجروا الهجرة الاولى رجعوا إلى مكة قبل الهجرة النبوية، والذين هاجروا الهجرة الثانية رجعوا عام خيبر، أي بعد وفاة عثمان بن مظعون الذي اشترك في حرب بدر، وهي قبل خيبر ولعل منشأ الاشتباه تصريح البعض بمهاجرة عثمان الهجرتين فحملوه على الاولى والثانية للحبشة، والظاهر أن الاولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة
وصرح ابن الاثير الجزري: أن عثمان بن مظعون هاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الاولى مع جماعة من المسلمين، وذكر كيفية رجوعه وما جرى له مع لبيد وقال: ثم هاجر عثمان إلى المدينة وشهد بدرا وقال البعض: قد ذكر في هذه الهجرة الثانية جماعة ممن شهد بدرا، فإما أن يكون هذا وهما، وإما أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر، فتكون لهم ثلاث قدمات: قدمة قبل الهجرة، وقدمة قبل بدر، وقدمة عامر خيبر، ولذلك قال ابن سعد وغيره: إنهم لما سمعوا هجرة رسول الله (ص)إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثمان نسوة، فمات منهم رجلان بمكة،وحبس بمكة سبعة، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا وعلى أي حال، فهجرة عثمان بن مظعون من مكة إلى المدينة أمر مقطوع به، فقد هاجر هو وأخواه قدامة وعبد الله وابنه السائب إلى المدينة، ونزلوا على عبد الله بن سلمة العجلاني، وقيل: على خذام بن وديعة
قال الواقدي: آل مظعون ممن أوعب في الخروج إلى الهجرة رجالهم ونساؤهم، وغلقت بيوتهم بمكة وروي عن أم العلاء، قالت: نزل رسول الله (ص)والمهاجرون معه المدينة في الهجرة، فتشاحت الانصار فيهم أن ينزلوهم في منازلهم، حتى اقترعوا عليهم، فطار لنا عثمان بن مظعون على القرعة، تعني: وقع في سهمنا وأما زهده وقناعته بالشيء القليل وتركه الدنيا فيدل عليه: ما روي من أنه دخل يوما المسجد، وعليه نمرة قد تخللت فرقعها بقطعة من فروة، فرق له رسول الله (ص)، ورق أصحابه لرقته، فقال: كيف أنتم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى، وسترتم البيوت كما تستر الكعبة ؟ قالوا: وددنا أن ذلك قد كان يا رسول الله فأصبنا الرخاء والعيش، قال: فإن ذلك لكائن، وأنتم اليوم خير من اولئك"
كل هذه الروايات عن الهجرة إلى الحبشة لا دليل عليها من القرآن فلم يرد ذكر هذه الهجرة فى أى نص تصريحا أو تلميحا فالهجرة كانت ليثرب أى المدينة فقط
ثم تحدث عن المؤاخاة وجهاد عثمان فى بدر فقال:
"مؤاخاته واشتراكه في بدر:
آخى رسول الله (ص)بين عثمان بن مظعون وبين أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري وشهد عثمان بن مظعون بدرا باتفاق المؤرخين وأسر حنظلة بن قبيصة بن حذافة على يد عثمان بن مظعون ليلا وقتل أوس بن المغيرة بن لوذان على يد علي وعثمان بن مظعون"
ثم تكلم عن قلة رواياته لموته المبكر بعد الهجرة فقال :
"عثمان والرواية:
كان عثمان بن مظعون من الاوائل الذين أسلموا، ومن الاوائل الذين لبوا نداء ربهم، وتوفي في حياة رسول الله (ص)في بادى الإسلام، ونال درجة عالية بعد وفاته بصلاة رسول الله (ص)عليه، ولم يرو عن رسول الله (ص)إلا قليلا، وذلك لعدم دركه من زمان الإسلام إلا أوائله
فيروي عثمان بن مظعون عن رسول الله (ص)لا، ورواياته عن رسول الله قليلة جدا ويروي عن عثمان بن مظعون: عبد الله بن جابر وسعد بن مسعود الكناني (الكندي) "
ثم نحدث عن عبادته فقال :
عبادته واجتهاده واعتزاله النساء وحياؤه:
كان عثمان ـ رضوان الله عليه ـ من أشد الناس اجتهادا في العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل ووصل به الحد في العبادة أنه ترك وتجنب الشهوات بالمرة، واعتزل النساء حتى روي: أن زوجته دخلت على نساء النبي (ص)فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك ؟ فما في قريش أغنى من بعلك ! قالت: ما لنا منه شيء، أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم فدخل النبي (ص)، فذكرن ذلك له، فلقيه النبي (ص)، فقال: أمالك بي أسوة؟ قال: بأبي وأمي وما ذاك ؟ قال: تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قال: إني لافعل، قال: لا تفعل، إن لعينيك عليك حقا، وإن لجسدك حقا، وإن لاهلك حقا، فصل ونم وصم وافطر وفي رواية أخرى: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح
وفي رواية أخرى قال النبي (ص): إني آتي النساء وأفطر بالنهار وأنام الليل، فمن رغب عن سنتي فليس مني، وأنزل الله ـ تعالى ـ: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)
فأتتهن زوجة عثمان بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناسوروي: أن عثمان قال: يا رسول الله (ص)! لا أحب أن ترى امرأتي عورتي، قال: ولم ؟ قال: استحيي من ذلك، قال: إن الله قد جعلها لك لباسا، وجعلك لباسا لها ، فلما أدبر قال رسول الله (ص): إن ابن مظعون لحيي ستير
الرهبانية والسياحة والتبتل:
خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الانسان ليكون نواة صالحة، وكائنا عاملا في كل نواحي الحياة الانسانية، وليس من حكمة خلق الله للانسان أن يترهب ويعتزل المجتمع، ويعيش لوحده يعبد ربه وفي بادى الإسلام كانت فكرة الرهبانية، وترك المجتمع والملذات الدنيوية، تدور في خلد بعض المتدينين، وذلك لشدة تدينهم وحرصهم على العبادة وترك الدنيا
ومن الاوائل الذين فكروا بالرهبانية والسياحة عثمان بن مظعون ـ رضوان الله عليه ـ فإنه أول ما أقدم عليه من عمل هو: أنه كان يقوم الليل ويصوم النهار، وترك زوجته بالمرة، وبعدها استأذن رسول الله (ص)في الرهبانية والسياحة والتبتل وطلاق زوجته والخصاء، فنهاه عن ذلك ورده عليه فعن ابن شهاب: أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الارض، فقال له رسول الله (ص): أليس لك في أسوة حسنة ؟ فأنا آتي النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى وروي أيضا عن عثمان أنه قال: قلت لرسول الله (ص): يا رسول الله! أردت أن أسألك عن أشياء، فقال: وما هي يا عثمان ؟ قال: قلت: إني أردت أن أترهب، قال: لا تفعل يا عثمان، فان ترهب أمتي القعود في المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة
قال: فإني أردت يا رسول الله ! أن أختصي، قال (ص): لا تفعل يا عثمان، فإن اختصاء أمتي الصيام وروي أيضا أنه قال لرسول الله (ص): إن نفسي تحدثني بالسياحة وأن ألحق الجبال، قال: يا عثمان لا تفعل، فإن سياحة أمتي الغزو والجهاد وروي: أنه اتخذ بيتا يتعبد فيه، فأتاه النبي (ص)، فأخذ بعضادتي البيت وقال: يا عثمان ، إن الله لم يبعثني بالرهبانية ـ مرتين أو ثلاثا ـ، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة وروي عنه ـ أيضا ـ أنه قال: يا رسول الله ! إني رجل تشق علي العزبة في المغازي، أفتأذن لي في الخصاء ؟ قال: لا، ولكن عليك بالصوم، فانه مجفر (محصن) وروي عنه ـ أيضا ـ: أنه هم بطلاق زوجته، وأن يختصي ويحرم اللحم والطيب،فرد عليه النبي(ص)، وانزل في ذلك: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين)
وروي أيضا: أنه توفي ابن لعثمان بن مظعون، فاشتد حزنه عليه، حتى اتخذ داره مسجدا يتعبد فيه، فبلغ ذلك رسول الله، فأتاه، فقال له: يا عثمان، إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله، يا عثمان بن مظعون ! للجنة ثمانية أبواب، وللنار سبعة أبواب، فما يسرك أن لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك آخذا بحجزتك يشفع لك الى ربك، قال: بلى "
أطبقت المذاهب على أن عثمان كان يريد التبتل ولكن النبى(ص) نهاه عنها فانتهى
ثم ذكر فارس شعر عثمان القليل فقال:
"شعره :
ولم يكن عثمان من الشعراء المعروفين، لكنه كان قادرا على نظم الشعر، والذي وصل إلينا شيء منه وقد مرت منه عدة أبيات في فصل تعذيب قريش لعثمان وهجرته فمن شعره حينما هاجر إلى أرض الحبشة، وبلغه أن أمية ابن خلف شتمه، فقال:
أتيم بن عمرو الذي فار ضغنه ومن دونه الشرمان والترك أجمع
أأخرجتني من بطن مكة آمنا وألحقتني من صرح بيضاء تقدع ؟
تريش نبالا لا يؤاتيك ريشها وتبري نبالا ريشها لك أجمع
فكيف إذا نابتك يوما ملمة وأسلمك الاوباش ما كنت تجمع ؟"
ثم ذكر الخلاف فى تاريخ وفاته فقال :
"وفاته:
نص كثير من المؤرخين: على أن عثمان بن مظعون أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأما تاريخ وفاته، فإنه كان بعد أن شهد بدرا، وفي تحديد تاريخ وفاته عدة أقوال:
(أ) في شعبان بعد سنتين ونصف من الهجرة
(ب) في السنة الثانية من الهجرة
(ج) بعد اثنين وعشرين شهرا من مقدم رسول الله (ص)إلى المدينة، وهذا يدل على أنه توفي في أواخر سنة اثنتين
(د) بعد مقدم رسول الله (ص)إلى المدينة بستة أشهر وهذا إنما يكون بعد مقدمه من غزوة بدر، لأنه لم يختلف أحد في أنه شهدها
وذكرت أم العلاء أن عثمان بن مظعون اشتكى عندهم، وقالت: مرضناه، فلما توفي جعلناه في أثوابه فدخل عليه رسول الله (ص)، فأكب عليه يقبله ويقول: رحمك الله يا عثمان، ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك شيئا وحديث تقبيل رسول الله (ص)لعثمان وهو ميت نقله الكل وبصور مختلفة، فبعض ذكر أنه قبله ـ بعد الغسل والتكفين ـ بين عينيه، والآخر ذكر أنه قبله على خده وبكى رسول الله (ص)على عثمان بن مظعون طويلا، ودموعه تسيل على خد عثمان بن مظعون وأما ما روي من أنه لما مات عثمان دخل عليه النبي (ص)فأكب عليه، فرفع رأسه، فرأوا أثر البكاء، ثم جثا الثانية، ثم رفع رأسه، فرأوه يبكي، ثم جثا الثالثة، فرفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه يبكي، فبكى القوم، فقال: مه هذا من الشيطان، ثم قال: أستغفر الله، أبا السائب لقد خرجت منها ولم تلبس منها بشيء فغير صحيح، لأنه فيه جعل البكاء من الشيطان، مع أنه ثبت من طريق الفريقين أن النبي (ص)بكى على ابنه ابراهيم، وفاضت عيناه على بنت بنته، وأنه بكى على عثمان بن مظعون كما ذكرنا قبل قليل وذكرنا مصادره
ويؤيده أيضا ما روي عن ابن عباس: لما ماتت ابنة لرسول الله (ص)، قال رسول الله (ص): ألحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، فبكت النساء، فجعل عمر بن الخطاب يضربهن بسوطه، فأخذ رسول الله بيده (ص)وقال: مهلا يا عمر، ثم قال رسول الله (ص): ابكين، وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله (ص): إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان ومع ما كان عليه عثمان بن مظعون من عظيم الدرجة والسبق إلى الايمان، فقد سمع رسول الله (ص)امرأة تقول:
هنيئا لك أبا السائب الجنة، أو: أذهب عنك أبا السائب ! شهادتي عليك لقد أكرمك الله، أو طب أبا السائب ! نفسا إنك في الجنة
فقال لها رسول الله (ص): وما يدريك، أو ما علمك بذلك ؟
فقالت: يا رسول الله ! أبو السائب، أو كان يا رسول الله ! يصوم النهار ويصلي الليل، أو فارسك وصاحبك، أو: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فمن فقال رسول الله (ص): والله ما نعلم إلا خيرا ثم قال: حسبك أن تقولي: كان يحب الله ـ عز وجل ـ ورسوله، أو أجل ما رأينا إلا خيرا أنا رسول الله والله ما أدري ما يصنع بي، أو أما هو فقد جاءه اليقين والله، إني لأرجو الخير، وإني لرسول الله، وما أدري ما يفعل بي
واختلفت المصادر في ذكر اسم المرأة التي قالت هذا القول لرسول الله (ص)، فبعضها ذكرت أنها زوجته أم السائب، وفي بعضها أنها أم العلاء الانصارية، وفي بعضها أنها أم خارجة بن زيد، وفي بعضها أنها عجوز
وكذلك اختلفت المصادر في كيفية وقوعها، ففي بعضها أنها قالت هذا القول وراء جنازته، وفي بعضها أنها قالت هذا القول لما وضع في قبره، وفي بعضها لما قبر، وفي بعضها غير هذا
وعلى كل حال فإن ما قاله رسول الله (ص)لم يكن نقصا في درجة عثمان بن مظعون، أو تشكيكا فيه، لأنه قرنه بنفسه، ووصفه بصفات المتقين، ولكن كان قوله (ص)تعليما لنا، بأن الانسان مهما كثرت عبادته واتقي لابد من أن يبقى بين الخوف والرجاء، ولا يجزم بأنه من أهل الجنة ومن عباد الله المقربين، ويدل على كراهية جزم الانسان بأنه من أهل الجنة
وروي عن رسول الله (ص)أنه قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون: ذهبت ولم تلبس منها بشيء وروي أنه لما رفع عثمان على السرير قال النبي (ص): طوباك (طوبى لك) يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها
وتحدث أم العلاء : بأنها رأت في المنام لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله (ص)، فقال: ذلك عمله وحظي عثمان بن مظعون بصلاة رسول الله (ص)عليه، وبمشاركته في تشييعه ودفنه، فقد كان (ص)قائما على شفير القبر الذي نزل فيه كل من عبد الله بن مظعون، والسائب بن عثمان بن مظعون، ومعمر بن الحارث ولما انتهى الدفن، قال النبي (ص)لرجل: هلم تلك الصخرة فاجعلها عند قبر أخي أعرفه بها، أدفن إليه من دفنت من أهلي (أهله)، فقام الرجل فلم يطقها، فاحتملها رسول الله (ص)حتى شوهد بياض ساعديه، ووضعها عند قبره، وقال: هذا قبر فرطنا، وكان الحجر بمثابة العلامة وكان رسول الله (ص)يزور قبر عثمان بن مظعون واتفق أصحاب السير والتاريخ أن أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، إلا نادرا ممن ذكر أن أسعد بن زرارة أول من دفن بالبقيع ولم يكن البقيع قبل دفن عثمان مقبرة، وكان يقال له: بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد وروي أنه (ص)أمر أن يبسط على قبر عثمان بن مظعون ثوب، وهو أول قبر بسط عليه ثوب وروي أيضا أنه (ص)رش قبر عثمان بن مظعون بالماء بعد أن سوى عليه التراب وقيل: إن أول من تبعه إبراهيم ابن النبي (ص)، فلما توفي قال رسول الله (ص): الحق بسلفنا (بسلفك) الصالح عثمان بن مظعون، ودفن ابراهيم إلى جنب عثمان
ولما ماتت ابنة لرسول الله (ص)قال رسول الله (ص): الحقي بسلفنا الخير (الصالح) عثمان بن مظعون وأصحابه
وكان إذا مات ميت قال النبي (ص): قدموه على فرطنا، نعم الفرط لأمتي عثمان بن مظعون، فيدفن عند عثمان بن مظعون
ولما توفي عثمان بن مظعون قالت زوجته:
يا عين جودي بدمع غير ممنون على رزية عثمان بن مظعون
على امرىء بات في رضوان خالقه طوبى له من فقيد الشخص مدفون
طاب البقيع له سكنى وغرقد هوأشرقت أرضه من بعد تفتين
وأورث القلب حزنا لا انقطاع له حتى الممات فما ترقى له شوني"
ما مضى من روايات فى الفقرات السابقة قام فارس بنقد بعضه نقدا حسنا وقد ذكر أن الروايات متناقضة وقد جمعها فقط ليكمل ما ورد عن الرجل فى الكتب ليكون الكتاب كاملا عن شخصيته