رضا البطاوى
10-10-2020, 07:56 AM
قراءة فى كتاب مفهوم الدين في الاصطلاح الإسلامي
الكتاب يدور حول تحديد مفهوم الدين وقد تحدث الكاتب عن تحديد القرآن مفهوم الدين فى أربعة أمور فقال :
"لقد حدد القرآن الكريم مفهوم الدين في أربعة أركان أساسية : -
أولا السلطة العليا ذات الحاكمية ، وهي في الإسلام سلطة الله تعالى
ثانيا الطاعة والإذعان لتلك السلطة
ثالثا مجموعة النظم العقدية والفكرية والتشريعات العملية المندرجة تحت حكم تلك السلطة العليا
رابعا الجزاء المتحصل لاتباع هذا الدين والمخاطبين به على مدى قبولهم وإخلاصهم له أو تمردهم عليه ويمكن القول باختصار أن الدين هو الإيمان بذات إلهية جديرة بالطاعة والعبادة من خلال النصوص التي تحدد صفات تلك الذات ، وتبين القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها "
خلط الكاتب هنا بين الدين كدين وبين الدين فى نفس الإنسان فالدين فى القرآن هو حكم ألله أى مجموعة الأحكام التى تنظم كل شىء فى حياة الإنسان كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وسمى الله هذه الأحكام الإسلام كما قال تعالى " إن الدين عند الله الإسلام"
وأما الخضوع والإذعان والإيمان والطاعة فهذه أمور نفسية فالدين شىء والمعتنق للدين شىء أخر
ثم تحدث الكاتب عن كون الدين فطرة أى شىء يولد به الإنسان فاستدل بأمور فقال :
"الشواهد العقلية:
أولا : إن فطرة التدين أصيلة في الإنسان ، وهذا أمر لا يقبل المراء بناء على الشواهد التاريخية والواقعية ومع أن علماء المقابلة بين الأديان على اختلاف مللهم متفقون على تأصل العقيدة الدينية في طبائع بني الإنسان ، إلا أنهم لم يتفقوا على أصل الباعث لهذه العقيدة "
وبالقطع مفهوم الفطرة التى يولد بها الإنسان مفهوم خاطىء فالإنسان يولد صفحة بيضاء ليس فيها علم بأى شىء كما قال تعالى :
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
ثم بين أن البحاثة فى دول الكفر تحدثوا عن باعث التدين فقال:
"ولكن بالمناقشة الموضوعية نستطيع أن نقرر ما يلي : -
أ- اتجه الكثير من الباحثين في هذا الموضوع إلى القول بأن الأسطورة هي الباعث الأساسي على نزعة الإنسان إلى التدين ، وهذه النظرة تجعل نزعة التدين نزعة طارئة تتكون في النفس البشرية بتأثير خارجي نتيجة سماع ثم تصديق مجموعة من الأساطير المتوارثة عبر الأجيال ومن الواضح أن هذا الرأي لا يفسر النزعة الفطرية المتأصلة في النفس البشرية عند مختلف الشعوب والثقافات في جميع مراحل التاريخ البشري ، وهو ما اتفق عليه مؤرخو الديانات والحضارات البشرية ، كما أنه لا يعطي تفسيرا مقنعا لذلك الأثر العجيب المتجدد الذي أحدثه الدين ولا يزال في تاريخ وواقع الأمم والشعوب
ب- تفسير بعض الباحثين للسلوك التعبدي في المجتمعات الوثنية على أنه نابع من الشعور بالرهبة تجاه الكائنات شديدة الضخامة والتي تبدو شديدة القوة والإبهار كالجبال والنجوم مثلا ، وبالتالي تخيل نوع من الحياة تتمتع به هذه الكائنات كمقدمة للتوجه لها بالدعاء أو المخاطبة بصورة من الصور التي تتطور إلى عبادة تخترع لها الطقوس وتقدم فيها القرابين
ويناقش هذا الرأي كما يلي :
أ-هذا الرأي يقر ضمنا بوجود نزعة إلى البحث عن معبود وبشعور الإنسان بوجوب عظمة هذا المعبود
ب- إن تعدد الكائنات المعبودة في المجتمعات الوثنية وعدم الاقتصار على عبادة كائن واحد كالجبل مثلا أو أحد النجوم أو الأصنام يدل على أن الإنسان في حقيقة الأمر يبحث عن قوة عليا مسيطرة ويتخيل وجودها في مجموع المعبودات التي يتخذها وهذا يدل على شعوره المتأصل بالحاجة إلى قوة خارجية يمكن اللجوء إليها عندما لا تفلح القوى المادية التي يحسها حوله في إجابة طلبه وتحقيق غايته "
وحكاية الباعث على التدين ما قيل عنها عبث فالحكاية تعود إلى أمر من اثنين :
الأول التقليد وهو الاقتداء بالآباء كما قال تعالى على لسان الكفار :
" إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"
وهذا الدين الكفرى تم اختراعه من قبل تحالف الحكام والأغنياء والكهنة كما قال تعالى" وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها"
الثانى البحث عن الخالق للوصول للعدل كما فى قصة إبراهيم(ص)وهو التفكير فيمن خلق الكون وكيف نظمه وكيف يطاع
ثم قال أن البحث عن القوة العليا غريزة فى النفس فقال :
"ثانيا :
إن ظاهرة التدين ، المتمثلة في البحث عن قوة عليا ، تعم البشر جميعهم ، ولا يستغنون عنها بغريزة من الغرائز الأخرى كحب البقاء ، أو حب النوع ، أو حب المعرفة ، أو حب الوطن أو غير ذلك من الغرائز كما أنه ظهر في العالم عباقرة دينيون لا يهدءون بما يجيش في نفوسهم من قوة الشعور بالمجهول وكان يمكن أن يوصف هؤلاء العباقرة بالجنون إذا لم يكن هذا المجهول يستحق الاهتمام من كل إنسان ، ولكن الواقع غير ذلك فهو أحق من جميع الموجودات بالاهتمام وقد أصبح للحاسة الدينية أهمية كبيرة في حياة البشر العلمية أيضا ، حيث جعلت عالم الخفاء(الغيب) مما يمكن أن يؤمن به الإنسان في حياته العملية بدلا مما كان عليه بحسبانه عالما للأوهام والخيالات فكان ذلك فتحا علميا إذ لم ينحصر أثره في عالم التدين والاعتقاد لأنه وسع آفاق الوجود وفتح البصيرة للبحث في عالم غير عالم المحسوسات ولو ظل الإنسان ينكر كل شيء لا يحسه لما خسر بذلك الديانات وحدها بل لخسر معها العلوم والمعارف والقيم الخلقية والأدبية "
هذه المقولة هى نفسها مقولة الفطرة التى سبق أن قلت أنها لا وجود بها بمعنى أن الإنسان مولود بها
ثم بين أن الإنسان محتاج للدين فقال:
"ثالثا :
إن الدين لم يكن لازما من لوازم الجماعات البشرية لأنه مصلحة وطنية أو حاجة حياتية حيوية ، لأن الدين قد وجد قبل وجود الأوطان ، ولأن الحاجة الحيوية تتحقق أغراضها في كل زمن وتتوافر أسبابها في كل حالة ولا يزال الإنسان بعد تحقق هذه الأغراض في حاجة إلى الدين لكن الدين كان لازما لأنه يقرر مكان الإنسان الفرد في الكون أو في الحياة ، ويبين للإنسان العلاقات بين الكائنات جميعا ويبين مصدر الحياة ولأن الإنسان لا يقنع بالحياة المحدودة ، فهو يسعى إلى حياة الخلود ويريد لنفسه أن تتصل بالكون كله في أوسع مداه "
التحدث عن حاجة الإنسان للدين كأن الناس شىء واحد خطأ فكل واحد يحتاج دين معين ليحقق ما يريد ولذا قال تعالى "إن سعيكم لشتى "
فمثلا الحاكم يحتاج الدين ليسيطر على أموال الناس وأنفسهم ومثلا تاجر يحتاجه لتحليل الحرام فى الإسلام كبيع الحشيش وبيع ما يسمى العبيد والإماء وتاجر أخر يحتاجه ليكسب قوت يومه بالحلال ومثلا البغية تحتاج لدين يحلل لها الفاحشة
ثم تكلم عن الفضول المعرفى لمعرفة المجهول فقال :
"رابعا :
وإذا اتفقنا على أن طبيعة الإنسان تشتمل على رغبة ملحة في البقاء وعلى فضول جارف للاطلاع على المجهول خارج حدود المحسوسات ، فإن نزعة التدين والشعور بوجود قوة عليا مسيطرة تصبح من الصفات اللازمة للنفس السوية غير المتناقضة ، لأن وجود هذه القوة العالمة المطلقة التي تدير شئون الكون هو وحده القادر على إعطاء معنى متناسق لهذه المشاعر البشرية الجارفة التي لا يمكن تجاهلها ويعد التيقن من وجود هذه القوة يكون التصرف الطبيعي هو السعي إلى وجود نوع من الاتصال بينها وبين الإنسان ، وهو ما يتم في الواقع عن طريق الرسل الكرام الذين يبعثهم الله سبحانه وتعالى إلى البشر ليعلموهم ما يجب عليهم تجاه الخالق القوي الجبار "
وهذا الفضول ليس موجودا فى كل البشر فهناك أناس لا يفكرون فى ذلك المجهول وهناك ناس لا يريدون البقاء
وبين الكاتب ان تفسيرات الباحثين غير مقنعة وعاد لموضوع النزعة وهو الفطرة فقال :
"خامسا :إن تفسيرات الباحثين في الديانات الذين يتجاهلون ما تقرره الكتب السماوية لنزعة التدين ونشأة الدين يكتنفها جميعا كثير من الغموض والتناقضات ، إذ تقوم جميعها على التخمين والحدس فالذي لم يختلفوا فيه مطلقا هو أصالة هذه النزعة في الإنسان ، ولهذا فإن النهج الموضوعي يستلزم الرجوع إلى المصادر الأخرى غير البشرية للوقوف على المعلومات الصحيحة عن حقيقة النزعة وهذا ما فسره الإسلام وجلاه بصورة واضحة لا لبس فيها ، إذ يقرر أن الإنسان مفطور على التدين ، قال الله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله }وقال رسول الله (ص): « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » وهذه الفطرة هي الميثاق الذي أخذه الله تعالى من بني آدم وذلك في قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا }
فالإسلام ينظر إلى هذا الأمر نظرة واضحة بسيطة مفادها أن نزعة التدين هي نزعة فطرية أصلية وضعها خالق الإنسان "جل وعلا" في النفس البشرية السوية ليجعلها تتوق دائما إلى البحث عن المعبود القوي العزيز المتفرد في عظمته ،ولتكون النفس مهيأة لتلقي أوامر خالقها التي تأتيها عن طريق رسله وكتبه فتستشعر ما فيها من الحق وتحس تجاهه بألفة ومودة كما تشعر بالشك والاضطراب تجاه ما يناقضه ويضاده "
الغريب فى استدلال الرجل بالرواية على الفطرة يناقض منطوق الرواية فى كون الأبوين هما من يعلمان المولود الدين أيا كان نوعه ومن ثم لا توجد فطرة أى إسلام يولد به الإنسان والفطرة فى الآية تعنى الدين الذى نزله الله على الناس
ثم تكلم الكاتب غن الفطرة فى الإسلام فقال :
نظرة الإسلام للفطرة:
"أولا : إن الله تعالى خلق الإنسان وجعله مفطورا على معرفة ربه وعبادته ، وقد ثبت ذلك في نصوص كثيرة ؛ منها : -
أ- قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }
ب- وقال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
ج- وقال النبي (ص): « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه »
د-وقال رسول الله (ص): « إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاجتالتهم »"
هذه الأدلة لا تدل على الفطرة التى يولد بها الإنسان حيث يولد خاليا من أى علم بشىء كما قال تعالى :
"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
وآية الذرية هنا لا تعنى النسل لأن الله قال أنهم بنى آدم ومن ثم فلو أخذ من كل بنى أى ولد لآدم فلن يكون هناك ذرية فالذرية هنا تعنى الميثاق فالله أخذ من الناس الميثاق فقال" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"
كما أن الله عرف الفطرة بأنها اقامة الدين فقال "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله"
ومعنى فطرة الناس عليهم أن أبلغهم أى أوصلهم الرسالة وهى الدين كما قال تعالى "ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون"
ثم أكمل الكاتب نفس أمر الفطرة وما ترتب عليه فقال:
"ثانيا : إن هذه الفطرة توصل الإنسان إلى المعرفة الإجمالية بخالقه وتشعره بصلته به وأنه إلهه وخالقه ، لذا فإنه لا بد لهذه الفطرة من تزكية وتنمية وذلك لا يكون إلا بوحي من الله تعالى بواسطة رسله
ثالثا : إن لهذه الفطرة في الإنسان حتى تقوم بدورها الطبيعي ركنين هما
أ- القلب السليم : وهو القلب المؤمن الذي لم يتأثر بالشياطين من الجن والإنس ، بل ظل على فطرته وسلامته التي ينتج عنها الاعتقاد الصحيح وكلما كان التأثر والانحراف أقل في هذا القلب كلما ازداد قبوله للحق وتعلقه به
ب- العقل الصحيح : وهو العقل النقي الصافي غير المنساق لمؤثرات الهوى والشهوة ، المهيأ لاحترام الحقائق وقبول الحق ، الرافض للوهم والخرافة"
التفريق بين القلب السليم والعقل الصحيح خاطىء فهما شىء واحد كما قال تعالى "أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها"
كما بين وجود غرائز تبنى عليها الحياة فقال:
"رابعا : إن الإنسان بطبعه قد فطر على أمور وغرائز تعد من دعائم حياته المادية والمعنوية مثل حب الحياة وحب المال والولد وحب الملذات ، وحب النساء وحب الاختلاط مع جنسه ، وغير ذلك
غير أن الإسلام وضع ضوابط لهذه الغرائز حيث لا يتجاوز المرء مداه في الأخذ منها فينغمس فيها ففي شهوة الأكل والشرب جعل ضابطا عاما هو عدم الإسراف قال تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } ولقضاء شهوة الجنس والعاطفة شرع الزواج : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } ولشهوة التملك جعل الله السبيل لذلك التعامل المشروع : { وأحل الله البيع وحرم الربا }"
وهو كلام خاطىء فكما قلنا الإنسان لا يعلم شيئا عند ولادته فلا يعلم بيعا ولا شراء ولا يعرف الملكية ومن حوله من يشغلون القدرات الكامنة عنده فعندما تضع الأم ثديها فى فمه تعلمه الأكل وهكذا تشتغل القدرات الكامنة
كما وضح أن الشريعة موافقة للفطرة فقال:
"خامسا : إن الله تعالى أنزل شريعته وجعلها مناسبة للفطرة السليمة ولم يرد فيها شيء يصادم الفطرة البشرية وكل أمر شرعي يخطر ببال أحد أنه مخالف للفطرة فإنه لا يخلو من أحد احتمالين :
الأول : أن يكون أمرا شرعيا صحيحا موافقا للفطرة ، وإنما توهمه الشخصي مخالفا للفطرة الثاني : أنه يخالف الفطرة فعلا ولكنه ليس أمرا شرعيا صحيحا وإن نسبه الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى لذلك قال الله تعالى : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها }
ومعلوم أن الأمر الشرعي إذا خالف الفطرة كان فيه حرج وعسر وخروج عن المعتاد وتكليف بما لا يطاق وذلك كله مما تبرأت منه الشريعة الإسلامية
أما ما قد يحسه أبناء بعض المجتمعات من صعوبة تطبيق بعض شرائع الإسلام أو حتى الالتزام بها فإن مرده إلى أن هذه المجتمعات في أغلب أحوالها بعيدة عن تطبيق المنهج الإسلامي ، ومن خصائص الإسلام أنه جاء مهيمنا على كل جوانب الحياة التعبدية والحياتية والاجتماعية والنفسية وهو نظام متكامل يؤخذ ويطبق جملة واحدة ولا يجوز الاقتصار على أحد جوانبه في مجتمع لا يطبق بقية الجوانب
وقد عاب القرآن الكريم على من ينتقي من شرائع الإسلام ما يناسبه ويترك ما عداه وتوعده بالخزي والعذاب,
قال الله تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون }"
وهو كلام لا أساس له فكما قلت لا توجد فطرة فى النفس المولودة لعدم علمها بأى شىء ومن ثم لا يوجد توافق بين الشرع والنفس وإلا ما كفر أحد من الناس لو كانت تلك الفطرة موجودة
ثم تحدث الرجل عن مصادر التلقى فقال:
"مصادر التلقي :
المصدر الأول :الخبر الصادق من الله تعالى :
يكون الله تعالى مصدرا مباشرا للمعرفة البشرية في أمور الاعتقاد وغيرها بثلاث طرق كما في قوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية ثلاث مراتب للإخبار لا تكون إلا للأنبياء ، وهذه المراتب هي :
1 / تكليم الله تعالى عبده يقظة بلا وساطة ، كما كلم موسى (ص) { وكلم الله موسى تكليما } وقال تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه }
2 / مرتبة الوحي المختص بالأنبياء كما قال تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده }
3 / إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري فيوحي إليه عن الله تعالى ما أمره أن يوصله إليه
المصدر الثاني :الفطرة التي جعلها الله تعالى غريزة في الإنسان :
لقد سبق البيان أن الفطرة لمسائل الاعتقاد إجمالي يهيئ المرء لقبول ما يأتيه من الله تعالى من تفضيل
المصدر الثالث :العقل :
وهو أيضا يوصل الإنسان إلى المعرفة الإجمالية في بعض المسائل مثل وجود الخالق تعالى وأنه ليس كمثله شيء أما تفاصيل ذلك وما حجب عن الإنسان من علم الغيب وغير ذلك فلا بد فيه مع العقل من نور الوحي الذي يرشد العقل ويدله عليه "
قطعا المعرفة مصادرها متعددة فالتجربة أول المصادر المعرفية عند ولادة الطفل كتجربة الثدى أو الرضاعة وبعد هذا تجد الحواس وبعد هذا نجد حاسة السمع كمصدر لتلقى المعرفة من الناس وعند تعلم القراءة والكتابة تصبح الكتب مصدر للمعرفة فالأطفال لا يتلقون شىء من الله وليس عندهم فطرة بمعنى معرفة كامنة للنص الذى ذكرناه مرارا والعقل غير موجود عند الأطفال لأنه يتكون بمرور الزمن بدليل أن الوصول للرشد وهو العقل يكون بعد سن النكاح وهو البلوغ كما قال تعالى " "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"
ثم ذكر شواهد من عقلية وطبيعية كدليل على الحاجة لله وقد وفقع فى كثير منها فقال:
"الشواهد العقلية :
أ-إن الأمور المتعلقة بما وراء المادة - الغيبيات - ليست مما يقع في حدود الحواس ، فمن المنطقي ألا تكون تلك الحواس قادرة على إدراك ما يقع في ذلك المجال كما أن العقل وهو يتمتع بقدرات محدودة ويتقيد بعاملي الزمان والمكان لا يستطيع أن يحيط علما بما هو خارج عن حدوده فضلا عن أن يحيط بعلم ما لا حد له
ب- إن صانع الآلة هو أدرى الناس بها فالله تعالى هو صانع الكون وما فيه ، وهو صانع الإنسان وخالقه ، وعليه فإنه تعالى أعلم بخلقه وما يصلحهم ، كما أنه أعلم بنفسه وما غيبه عن خلقه وبناء على ذلك فإن أصدق خبر فيما يخص ذلك إنما يكون من الله تعالى كما قال تعالى : { ولا ينبئك مثل خبير }
شواهد من الطبيعة
أ- إن من المشاهد أن الإنسان عندما يحتاج إلى معرفة أمر من الأمور فإنه يتجه بسؤاله إلى الجهة أو إلى الشخص الذي يظن أنه عنده علم بذلك فالمريض يسأل الطبيب حتى يصف له دواء مرضه وكذلك الطفل يظن أن أباه هو أعرف الناس لذا يتوجه إليه بكل سؤال يخطر بباله
إن هناك كثيرا من الأمور الغائبة عن علم الإنسان مع اتصاله بها كالروح وحقيقة النوم وحقيقة الحياة وكثير من الظواهر الطبيعية التي يعجز الإنسان عن تفسيرها ، فمن الأولى أن يعجز عن تفسير الغيبيات أو إدراكها "
ثم تكلم الكاتب عن الدين والعلم مفرقا بينهما مع أن الدين عند الله هو العلم وكل شىء داخل فيه ولكنه هنا تكلم عن مصادر تلقى العلم مبينا ان الإنسان زاد كمية معارفه بما اخترعه من آلات ولكنها تظل محدودة بعالمنا الظاهر فقال:
"بين الدين والعلم
تتمثل مجالات المعرفة في عالمي الغيب والشهادة أو العالم المادي المحسوس وعالم ما وراء المادة والإنسان في معرفته يعتمد على ما يتوفر لديه من الأدوات والوسائل المستخدمة للوصول إلى المعرفة والمتمثلة في الحوادث والأجهزة التي توسع من مدارك الحواس ، ومن المعلوم ضرورة أن الحواس تتمتع بقدرات محدودة ، وقد عمل الإنسان على زيادة تلك القدرات بالأجهزة العلمية التي أعانت على توسيع مجال إدراك حواسه ، إلا أنه مع ذلك يظل مقيدا في معرفته بقدرات تلك الأجهزة ، وهي أيضا محدودة القدرات بالضرورة وبناء على هذا فإن المعرفة الإنسانية عن طريق الحواس والأجهزة تظل محدودة في عالم الشهادة ، وهي مع ذلك لم تبلغ من العلم إلا قليلا ، إذ أن المجال الذي تعيش فيه ، والمجال الذي استطاع الإنسان أن يكتشفه من مجرتنا الشمسية لا يمثل سوى قطره في بحر لجي فمعرفة الإنسان التي يحصل عليها في عالم المادة تتوقف على منهجيته المعرفية عن طريق الحواس ، وهو محكوم بالزمان والمكان في الإطار الممكن أما عالم الغيب فتتوقف معرفة الإنسان فيه على الإخبار الصادق الذي يبلغه عن مصدر يتمتع بالعلم المطلق الذي يتجاوز محدودية الحواس وحاجزي الزمان
والمكان ، وهذا المصدر هو الله سبحانه وتعالى فإذا ثبت للإنسان صحة الخبر من حيث نسبته إلى مصدره وهو الله تعالى فإن ذلك الخبر يقتضي صدق المخبر به وعلم الإنسان في علم المادة عبارة عن اكتشاف سنن الله تعالى في خلقه ، وعلى هذا فإنه يستحيل أن تتناقض الحقيقة العلمية اليقينية مع الحقيقة الدينية ، لأن كلاهما من الله تعالى ، فهذه آياته في الآفاق وتلك آياته في التنزيل ، وقد قال الله تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } وقال تعالى : { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد }"
يصر الكاتب فى الفقرة على أن الحقيقة الدينية شىء والحقيقة العلمية شىء أخر ولكنهما متفقتين وما دامتا متفقتين فهما شىء واحد
الكتاب يدور حول تحديد مفهوم الدين وقد تحدث الكاتب عن تحديد القرآن مفهوم الدين فى أربعة أمور فقال :
"لقد حدد القرآن الكريم مفهوم الدين في أربعة أركان أساسية : -
أولا السلطة العليا ذات الحاكمية ، وهي في الإسلام سلطة الله تعالى
ثانيا الطاعة والإذعان لتلك السلطة
ثالثا مجموعة النظم العقدية والفكرية والتشريعات العملية المندرجة تحت حكم تلك السلطة العليا
رابعا الجزاء المتحصل لاتباع هذا الدين والمخاطبين به على مدى قبولهم وإخلاصهم له أو تمردهم عليه ويمكن القول باختصار أن الدين هو الإيمان بذات إلهية جديرة بالطاعة والعبادة من خلال النصوص التي تحدد صفات تلك الذات ، وتبين القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها "
خلط الكاتب هنا بين الدين كدين وبين الدين فى نفس الإنسان فالدين فى القرآن هو حكم ألله أى مجموعة الأحكام التى تنظم كل شىء فى حياة الإنسان كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وسمى الله هذه الأحكام الإسلام كما قال تعالى " إن الدين عند الله الإسلام"
وأما الخضوع والإذعان والإيمان والطاعة فهذه أمور نفسية فالدين شىء والمعتنق للدين شىء أخر
ثم تحدث الكاتب عن كون الدين فطرة أى شىء يولد به الإنسان فاستدل بأمور فقال :
"الشواهد العقلية:
أولا : إن فطرة التدين أصيلة في الإنسان ، وهذا أمر لا يقبل المراء بناء على الشواهد التاريخية والواقعية ومع أن علماء المقابلة بين الأديان على اختلاف مللهم متفقون على تأصل العقيدة الدينية في طبائع بني الإنسان ، إلا أنهم لم يتفقوا على أصل الباعث لهذه العقيدة "
وبالقطع مفهوم الفطرة التى يولد بها الإنسان مفهوم خاطىء فالإنسان يولد صفحة بيضاء ليس فيها علم بأى شىء كما قال تعالى :
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
ثم بين أن البحاثة فى دول الكفر تحدثوا عن باعث التدين فقال:
"ولكن بالمناقشة الموضوعية نستطيع أن نقرر ما يلي : -
أ- اتجه الكثير من الباحثين في هذا الموضوع إلى القول بأن الأسطورة هي الباعث الأساسي على نزعة الإنسان إلى التدين ، وهذه النظرة تجعل نزعة التدين نزعة طارئة تتكون في النفس البشرية بتأثير خارجي نتيجة سماع ثم تصديق مجموعة من الأساطير المتوارثة عبر الأجيال ومن الواضح أن هذا الرأي لا يفسر النزعة الفطرية المتأصلة في النفس البشرية عند مختلف الشعوب والثقافات في جميع مراحل التاريخ البشري ، وهو ما اتفق عليه مؤرخو الديانات والحضارات البشرية ، كما أنه لا يعطي تفسيرا مقنعا لذلك الأثر العجيب المتجدد الذي أحدثه الدين ولا يزال في تاريخ وواقع الأمم والشعوب
ب- تفسير بعض الباحثين للسلوك التعبدي في المجتمعات الوثنية على أنه نابع من الشعور بالرهبة تجاه الكائنات شديدة الضخامة والتي تبدو شديدة القوة والإبهار كالجبال والنجوم مثلا ، وبالتالي تخيل نوع من الحياة تتمتع به هذه الكائنات كمقدمة للتوجه لها بالدعاء أو المخاطبة بصورة من الصور التي تتطور إلى عبادة تخترع لها الطقوس وتقدم فيها القرابين
ويناقش هذا الرأي كما يلي :
أ-هذا الرأي يقر ضمنا بوجود نزعة إلى البحث عن معبود وبشعور الإنسان بوجوب عظمة هذا المعبود
ب- إن تعدد الكائنات المعبودة في المجتمعات الوثنية وعدم الاقتصار على عبادة كائن واحد كالجبل مثلا أو أحد النجوم أو الأصنام يدل على أن الإنسان في حقيقة الأمر يبحث عن قوة عليا مسيطرة ويتخيل وجودها في مجموع المعبودات التي يتخذها وهذا يدل على شعوره المتأصل بالحاجة إلى قوة خارجية يمكن اللجوء إليها عندما لا تفلح القوى المادية التي يحسها حوله في إجابة طلبه وتحقيق غايته "
وحكاية الباعث على التدين ما قيل عنها عبث فالحكاية تعود إلى أمر من اثنين :
الأول التقليد وهو الاقتداء بالآباء كما قال تعالى على لسان الكفار :
" إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"
وهذا الدين الكفرى تم اختراعه من قبل تحالف الحكام والأغنياء والكهنة كما قال تعالى" وكذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها"
الثانى البحث عن الخالق للوصول للعدل كما فى قصة إبراهيم(ص)وهو التفكير فيمن خلق الكون وكيف نظمه وكيف يطاع
ثم قال أن البحث عن القوة العليا غريزة فى النفس فقال :
"ثانيا :
إن ظاهرة التدين ، المتمثلة في البحث عن قوة عليا ، تعم البشر جميعهم ، ولا يستغنون عنها بغريزة من الغرائز الأخرى كحب البقاء ، أو حب النوع ، أو حب المعرفة ، أو حب الوطن أو غير ذلك من الغرائز كما أنه ظهر في العالم عباقرة دينيون لا يهدءون بما يجيش في نفوسهم من قوة الشعور بالمجهول وكان يمكن أن يوصف هؤلاء العباقرة بالجنون إذا لم يكن هذا المجهول يستحق الاهتمام من كل إنسان ، ولكن الواقع غير ذلك فهو أحق من جميع الموجودات بالاهتمام وقد أصبح للحاسة الدينية أهمية كبيرة في حياة البشر العلمية أيضا ، حيث جعلت عالم الخفاء(الغيب) مما يمكن أن يؤمن به الإنسان في حياته العملية بدلا مما كان عليه بحسبانه عالما للأوهام والخيالات فكان ذلك فتحا علميا إذ لم ينحصر أثره في عالم التدين والاعتقاد لأنه وسع آفاق الوجود وفتح البصيرة للبحث في عالم غير عالم المحسوسات ولو ظل الإنسان ينكر كل شيء لا يحسه لما خسر بذلك الديانات وحدها بل لخسر معها العلوم والمعارف والقيم الخلقية والأدبية "
هذه المقولة هى نفسها مقولة الفطرة التى سبق أن قلت أنها لا وجود بها بمعنى أن الإنسان مولود بها
ثم بين أن الإنسان محتاج للدين فقال:
"ثالثا :
إن الدين لم يكن لازما من لوازم الجماعات البشرية لأنه مصلحة وطنية أو حاجة حياتية حيوية ، لأن الدين قد وجد قبل وجود الأوطان ، ولأن الحاجة الحيوية تتحقق أغراضها في كل زمن وتتوافر أسبابها في كل حالة ولا يزال الإنسان بعد تحقق هذه الأغراض في حاجة إلى الدين لكن الدين كان لازما لأنه يقرر مكان الإنسان الفرد في الكون أو في الحياة ، ويبين للإنسان العلاقات بين الكائنات جميعا ويبين مصدر الحياة ولأن الإنسان لا يقنع بالحياة المحدودة ، فهو يسعى إلى حياة الخلود ويريد لنفسه أن تتصل بالكون كله في أوسع مداه "
التحدث عن حاجة الإنسان للدين كأن الناس شىء واحد خطأ فكل واحد يحتاج دين معين ليحقق ما يريد ولذا قال تعالى "إن سعيكم لشتى "
فمثلا الحاكم يحتاج الدين ليسيطر على أموال الناس وأنفسهم ومثلا تاجر يحتاجه لتحليل الحرام فى الإسلام كبيع الحشيش وبيع ما يسمى العبيد والإماء وتاجر أخر يحتاجه ليكسب قوت يومه بالحلال ومثلا البغية تحتاج لدين يحلل لها الفاحشة
ثم تكلم عن الفضول المعرفى لمعرفة المجهول فقال :
"رابعا :
وإذا اتفقنا على أن طبيعة الإنسان تشتمل على رغبة ملحة في البقاء وعلى فضول جارف للاطلاع على المجهول خارج حدود المحسوسات ، فإن نزعة التدين والشعور بوجود قوة عليا مسيطرة تصبح من الصفات اللازمة للنفس السوية غير المتناقضة ، لأن وجود هذه القوة العالمة المطلقة التي تدير شئون الكون هو وحده القادر على إعطاء معنى متناسق لهذه المشاعر البشرية الجارفة التي لا يمكن تجاهلها ويعد التيقن من وجود هذه القوة يكون التصرف الطبيعي هو السعي إلى وجود نوع من الاتصال بينها وبين الإنسان ، وهو ما يتم في الواقع عن طريق الرسل الكرام الذين يبعثهم الله سبحانه وتعالى إلى البشر ليعلموهم ما يجب عليهم تجاه الخالق القوي الجبار "
وهذا الفضول ليس موجودا فى كل البشر فهناك أناس لا يفكرون فى ذلك المجهول وهناك ناس لا يريدون البقاء
وبين الكاتب ان تفسيرات الباحثين غير مقنعة وعاد لموضوع النزعة وهو الفطرة فقال :
"خامسا :إن تفسيرات الباحثين في الديانات الذين يتجاهلون ما تقرره الكتب السماوية لنزعة التدين ونشأة الدين يكتنفها جميعا كثير من الغموض والتناقضات ، إذ تقوم جميعها على التخمين والحدس فالذي لم يختلفوا فيه مطلقا هو أصالة هذه النزعة في الإنسان ، ولهذا فإن النهج الموضوعي يستلزم الرجوع إلى المصادر الأخرى غير البشرية للوقوف على المعلومات الصحيحة عن حقيقة النزعة وهذا ما فسره الإسلام وجلاه بصورة واضحة لا لبس فيها ، إذ يقرر أن الإنسان مفطور على التدين ، قال الله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله }وقال رسول الله (ص): « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » وهذه الفطرة هي الميثاق الذي أخذه الله تعالى من بني آدم وذلك في قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا }
فالإسلام ينظر إلى هذا الأمر نظرة واضحة بسيطة مفادها أن نزعة التدين هي نزعة فطرية أصلية وضعها خالق الإنسان "جل وعلا" في النفس البشرية السوية ليجعلها تتوق دائما إلى البحث عن المعبود القوي العزيز المتفرد في عظمته ،ولتكون النفس مهيأة لتلقي أوامر خالقها التي تأتيها عن طريق رسله وكتبه فتستشعر ما فيها من الحق وتحس تجاهه بألفة ومودة كما تشعر بالشك والاضطراب تجاه ما يناقضه ويضاده "
الغريب فى استدلال الرجل بالرواية على الفطرة يناقض منطوق الرواية فى كون الأبوين هما من يعلمان المولود الدين أيا كان نوعه ومن ثم لا توجد فطرة أى إسلام يولد به الإنسان والفطرة فى الآية تعنى الدين الذى نزله الله على الناس
ثم تكلم الكاتب غن الفطرة فى الإسلام فقال :
نظرة الإسلام للفطرة:
"أولا : إن الله تعالى خلق الإنسان وجعله مفطورا على معرفة ربه وعبادته ، وقد ثبت ذلك في نصوص كثيرة ؛ منها : -
أ- قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }
ب- وقال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
ج- وقال النبي (ص): « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه »
د-وقال رسول الله (ص): « إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاجتالتهم »"
هذه الأدلة لا تدل على الفطرة التى يولد بها الإنسان حيث يولد خاليا من أى علم بشىء كما قال تعالى :
"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
وآية الذرية هنا لا تعنى النسل لأن الله قال أنهم بنى آدم ومن ثم فلو أخذ من كل بنى أى ولد لآدم فلن يكون هناك ذرية فالذرية هنا تعنى الميثاق فالله أخذ من الناس الميثاق فقال" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"
كما أن الله عرف الفطرة بأنها اقامة الدين فقال "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله"
ومعنى فطرة الناس عليهم أن أبلغهم أى أوصلهم الرسالة وهى الدين كما قال تعالى "ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون"
ثم أكمل الكاتب نفس أمر الفطرة وما ترتب عليه فقال:
"ثانيا : إن هذه الفطرة توصل الإنسان إلى المعرفة الإجمالية بخالقه وتشعره بصلته به وأنه إلهه وخالقه ، لذا فإنه لا بد لهذه الفطرة من تزكية وتنمية وذلك لا يكون إلا بوحي من الله تعالى بواسطة رسله
ثالثا : إن لهذه الفطرة في الإنسان حتى تقوم بدورها الطبيعي ركنين هما
أ- القلب السليم : وهو القلب المؤمن الذي لم يتأثر بالشياطين من الجن والإنس ، بل ظل على فطرته وسلامته التي ينتج عنها الاعتقاد الصحيح وكلما كان التأثر والانحراف أقل في هذا القلب كلما ازداد قبوله للحق وتعلقه به
ب- العقل الصحيح : وهو العقل النقي الصافي غير المنساق لمؤثرات الهوى والشهوة ، المهيأ لاحترام الحقائق وقبول الحق ، الرافض للوهم والخرافة"
التفريق بين القلب السليم والعقل الصحيح خاطىء فهما شىء واحد كما قال تعالى "أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها"
كما بين وجود غرائز تبنى عليها الحياة فقال:
"رابعا : إن الإنسان بطبعه قد فطر على أمور وغرائز تعد من دعائم حياته المادية والمعنوية مثل حب الحياة وحب المال والولد وحب الملذات ، وحب النساء وحب الاختلاط مع جنسه ، وغير ذلك
غير أن الإسلام وضع ضوابط لهذه الغرائز حيث لا يتجاوز المرء مداه في الأخذ منها فينغمس فيها ففي شهوة الأكل والشرب جعل ضابطا عاما هو عدم الإسراف قال تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } ولقضاء شهوة الجنس والعاطفة شرع الزواج : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } ولشهوة التملك جعل الله السبيل لذلك التعامل المشروع : { وأحل الله البيع وحرم الربا }"
وهو كلام خاطىء فكما قلنا الإنسان لا يعلم شيئا عند ولادته فلا يعلم بيعا ولا شراء ولا يعرف الملكية ومن حوله من يشغلون القدرات الكامنة عنده فعندما تضع الأم ثديها فى فمه تعلمه الأكل وهكذا تشتغل القدرات الكامنة
كما وضح أن الشريعة موافقة للفطرة فقال:
"خامسا : إن الله تعالى أنزل شريعته وجعلها مناسبة للفطرة السليمة ولم يرد فيها شيء يصادم الفطرة البشرية وكل أمر شرعي يخطر ببال أحد أنه مخالف للفطرة فإنه لا يخلو من أحد احتمالين :
الأول : أن يكون أمرا شرعيا صحيحا موافقا للفطرة ، وإنما توهمه الشخصي مخالفا للفطرة الثاني : أنه يخالف الفطرة فعلا ولكنه ليس أمرا شرعيا صحيحا وإن نسبه الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى لذلك قال الله تعالى : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها }
ومعلوم أن الأمر الشرعي إذا خالف الفطرة كان فيه حرج وعسر وخروج عن المعتاد وتكليف بما لا يطاق وذلك كله مما تبرأت منه الشريعة الإسلامية
أما ما قد يحسه أبناء بعض المجتمعات من صعوبة تطبيق بعض شرائع الإسلام أو حتى الالتزام بها فإن مرده إلى أن هذه المجتمعات في أغلب أحوالها بعيدة عن تطبيق المنهج الإسلامي ، ومن خصائص الإسلام أنه جاء مهيمنا على كل جوانب الحياة التعبدية والحياتية والاجتماعية والنفسية وهو نظام متكامل يؤخذ ويطبق جملة واحدة ولا يجوز الاقتصار على أحد جوانبه في مجتمع لا يطبق بقية الجوانب
وقد عاب القرآن الكريم على من ينتقي من شرائع الإسلام ما يناسبه ويترك ما عداه وتوعده بالخزي والعذاب,
قال الله تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون }"
وهو كلام لا أساس له فكما قلت لا توجد فطرة فى النفس المولودة لعدم علمها بأى شىء ومن ثم لا يوجد توافق بين الشرع والنفس وإلا ما كفر أحد من الناس لو كانت تلك الفطرة موجودة
ثم تحدث الرجل عن مصادر التلقى فقال:
"مصادر التلقي :
المصدر الأول :الخبر الصادق من الله تعالى :
يكون الله تعالى مصدرا مباشرا للمعرفة البشرية في أمور الاعتقاد وغيرها بثلاث طرق كما في قوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية ثلاث مراتب للإخبار لا تكون إلا للأنبياء ، وهذه المراتب هي :
1 / تكليم الله تعالى عبده يقظة بلا وساطة ، كما كلم موسى (ص) { وكلم الله موسى تكليما } وقال تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه }
2 / مرتبة الوحي المختص بالأنبياء كما قال تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده }
3 / إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري فيوحي إليه عن الله تعالى ما أمره أن يوصله إليه
المصدر الثاني :الفطرة التي جعلها الله تعالى غريزة في الإنسان :
لقد سبق البيان أن الفطرة لمسائل الاعتقاد إجمالي يهيئ المرء لقبول ما يأتيه من الله تعالى من تفضيل
المصدر الثالث :العقل :
وهو أيضا يوصل الإنسان إلى المعرفة الإجمالية في بعض المسائل مثل وجود الخالق تعالى وأنه ليس كمثله شيء أما تفاصيل ذلك وما حجب عن الإنسان من علم الغيب وغير ذلك فلا بد فيه مع العقل من نور الوحي الذي يرشد العقل ويدله عليه "
قطعا المعرفة مصادرها متعددة فالتجربة أول المصادر المعرفية عند ولادة الطفل كتجربة الثدى أو الرضاعة وبعد هذا تجد الحواس وبعد هذا نجد حاسة السمع كمصدر لتلقى المعرفة من الناس وعند تعلم القراءة والكتابة تصبح الكتب مصدر للمعرفة فالأطفال لا يتلقون شىء من الله وليس عندهم فطرة بمعنى معرفة كامنة للنص الذى ذكرناه مرارا والعقل غير موجود عند الأطفال لأنه يتكون بمرور الزمن بدليل أن الوصول للرشد وهو العقل يكون بعد سن النكاح وهو البلوغ كما قال تعالى " "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"
ثم ذكر شواهد من عقلية وطبيعية كدليل على الحاجة لله وقد وفقع فى كثير منها فقال:
"الشواهد العقلية :
أ-إن الأمور المتعلقة بما وراء المادة - الغيبيات - ليست مما يقع في حدود الحواس ، فمن المنطقي ألا تكون تلك الحواس قادرة على إدراك ما يقع في ذلك المجال كما أن العقل وهو يتمتع بقدرات محدودة ويتقيد بعاملي الزمان والمكان لا يستطيع أن يحيط علما بما هو خارج عن حدوده فضلا عن أن يحيط بعلم ما لا حد له
ب- إن صانع الآلة هو أدرى الناس بها فالله تعالى هو صانع الكون وما فيه ، وهو صانع الإنسان وخالقه ، وعليه فإنه تعالى أعلم بخلقه وما يصلحهم ، كما أنه أعلم بنفسه وما غيبه عن خلقه وبناء على ذلك فإن أصدق خبر فيما يخص ذلك إنما يكون من الله تعالى كما قال تعالى : { ولا ينبئك مثل خبير }
شواهد من الطبيعة
أ- إن من المشاهد أن الإنسان عندما يحتاج إلى معرفة أمر من الأمور فإنه يتجه بسؤاله إلى الجهة أو إلى الشخص الذي يظن أنه عنده علم بذلك فالمريض يسأل الطبيب حتى يصف له دواء مرضه وكذلك الطفل يظن أن أباه هو أعرف الناس لذا يتوجه إليه بكل سؤال يخطر بباله
إن هناك كثيرا من الأمور الغائبة عن علم الإنسان مع اتصاله بها كالروح وحقيقة النوم وحقيقة الحياة وكثير من الظواهر الطبيعية التي يعجز الإنسان عن تفسيرها ، فمن الأولى أن يعجز عن تفسير الغيبيات أو إدراكها "
ثم تكلم الكاتب عن الدين والعلم مفرقا بينهما مع أن الدين عند الله هو العلم وكل شىء داخل فيه ولكنه هنا تكلم عن مصادر تلقى العلم مبينا ان الإنسان زاد كمية معارفه بما اخترعه من آلات ولكنها تظل محدودة بعالمنا الظاهر فقال:
"بين الدين والعلم
تتمثل مجالات المعرفة في عالمي الغيب والشهادة أو العالم المادي المحسوس وعالم ما وراء المادة والإنسان في معرفته يعتمد على ما يتوفر لديه من الأدوات والوسائل المستخدمة للوصول إلى المعرفة والمتمثلة في الحوادث والأجهزة التي توسع من مدارك الحواس ، ومن المعلوم ضرورة أن الحواس تتمتع بقدرات محدودة ، وقد عمل الإنسان على زيادة تلك القدرات بالأجهزة العلمية التي أعانت على توسيع مجال إدراك حواسه ، إلا أنه مع ذلك يظل مقيدا في معرفته بقدرات تلك الأجهزة ، وهي أيضا محدودة القدرات بالضرورة وبناء على هذا فإن المعرفة الإنسانية عن طريق الحواس والأجهزة تظل محدودة في عالم الشهادة ، وهي مع ذلك لم تبلغ من العلم إلا قليلا ، إذ أن المجال الذي تعيش فيه ، والمجال الذي استطاع الإنسان أن يكتشفه من مجرتنا الشمسية لا يمثل سوى قطره في بحر لجي فمعرفة الإنسان التي يحصل عليها في عالم المادة تتوقف على منهجيته المعرفية عن طريق الحواس ، وهو محكوم بالزمان والمكان في الإطار الممكن أما عالم الغيب فتتوقف معرفة الإنسان فيه على الإخبار الصادق الذي يبلغه عن مصدر يتمتع بالعلم المطلق الذي يتجاوز محدودية الحواس وحاجزي الزمان
والمكان ، وهذا المصدر هو الله سبحانه وتعالى فإذا ثبت للإنسان صحة الخبر من حيث نسبته إلى مصدره وهو الله تعالى فإن ذلك الخبر يقتضي صدق المخبر به وعلم الإنسان في علم المادة عبارة عن اكتشاف سنن الله تعالى في خلقه ، وعلى هذا فإنه يستحيل أن تتناقض الحقيقة العلمية اليقينية مع الحقيقة الدينية ، لأن كلاهما من الله تعالى ، فهذه آياته في الآفاق وتلك آياته في التنزيل ، وقد قال الله تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } وقال تعالى : { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد }"
يصر الكاتب فى الفقرة على أن الحقيقة الدينية شىء والحقيقة العلمية شىء أخر ولكنهما متفقتين وما دامتا متفقتين فهما شىء واحد