رضا البطاوى
24-10-2020, 08:17 AM
قراءة فى كتاب كونوا على الخير أعوانا
الكتاب من تأليف محمد صالح المنجد وهو يدور حول التعاون كما قال المنجد فى مقدمته:
"فقد جاء الإسلام بالأمر بالتعاون على البر والخير والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} سورة المائدة
وما أحوجنا في هذا الزمان الذي انتشر فيه الشر وانحسر فيه الخير وقل المعينون عليه أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وندعو إليها ونحث عليها لما فيها من الخير العظيم والنفع العميم من إقامة أمر الدين وتقوية المصلحين، وكسر الشر ومحاصرة المفسدين"
واستهله المنجد بذكر الإعانة فى اللغة فقال:
"الإعانة ومرادفاتها في اللغة
قال صاحب الألفاظ المؤتلفة:باب الإعانة:
يقال أعانه وأجاره وأيده ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره وظافره وظاهره ومالأه، والعون: الظهير، ورجل معوان كثير المعونة للناس واستعان به فأعانه وعاونه وفي الدعاء: «رب أعني ولا تعن علي» وتعاون القوم أعان بعضهم بعضا...."
ثم نقل نقولا فى تعريف التعاون فقال :
معنى التعاون شرعا:
قال عبد الرحمن السعدي " الإعانة هي: الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين، بكل قول يبعث عليها، وبكل فعل كذلك " (تيسير الكريم الرحمن 2 / 238 بتصرف يسير)
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} فقال: هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه (حلية الأولياء 7 / 284)
يقول القرطبي في تفسيره: (وتعاونوا على البر والتقوى: هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليعن بعضكم بعضا، وتحاثوا على أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي (ص)أنه قال: «الدال على الخير كفاعله» الجامع لأحكام القرآن 3 / 6 / 33
وقال القاسمي في تفسيره: (لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون، أمروا - إثر ما نهوا عنه - بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي) (محاسن التأويل 3 / 22)وقال ابن القيم في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} الآيةhttp://vb.7mry.com/images/smilies/frown.gifاشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله) (زاد المهاجر 1 / 6-7) "
وتلك التعاريف بعيدة كل البعد عن معنى التعاون الذى يعانى الاشتراك فى عمل ما سواء كان خيرا أو شرا فالسعدى يقول الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها فهنا المأمور واحد بينما التعاون اشتراك لأن الله خاطب الجمع فقال "وتعاونوا" ومن ثم لا يوجد تعاون مفرد وتعريف ابن عيينة هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه فيه نفس الخطأ وهو العمل به والدعوة له وهذا عمل مفرد وتعريف القرطبى الوحيد الصحيح ونقل المنجد أهمية التعاون عن زاد المهاجر فقال:
ثم بين أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال: " والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا، فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه لبعضه (زاد المهاجر 1 / 13)فالإنسان ضعيف بوصفه فردا، قوي باجتماعه مع الآخرين، وشعور الإنسان بهذا الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال، فأمر الله العباد أن يجعلوا تعاونهم على البر والتقوى"
وتناول المنجد الفروق بين البر والتقوى، والإثم والعدوان فقال:
"الفرق بين البر والتقوى، والإثم والعدوان:
قيل البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكل بر تقوى، وكل تقوى بر وقيل: البر يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب، وقد ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته (انظر الجامع لأحكام القرآن 6 / 47) و" البر هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين، والتقوى في هذه الآية:اسم جامع، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة (تيسير الكريم الرحمن 2 / 238)وقال ابن القيم مفرقا بينهما: " وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها فإن البر مطلوب لذاته إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه (زاد المهاجر 1 / 11)"
فيما سبق بين المنجد أن البر والتقوى بمعنى واحد أو بمعنيين فى الآية والحق أنهما بمعنى واحد فى الآية ثم نقل عن السعدى أن الإثم شىء والعدوان شىء فقال:
"أما الفرق بين الإثم والعدوان:
فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: ( {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وهو التجري على المعاصي التي يأثم صاحبها"والعدوان" وهو التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه) (تيسير الكريم الرحمن 2 / 239)"
والإثم والعدوان هو بمعنى واحد فكل ذنب إثم وكل عدوان هو أى اعتداء على أحكام الله بعصيانها إثم
وجاءنا المنجد بتعريف البر بالبر فقال:
"ومن القواعد المؤكدة في التعاون:
أن المعاونة على البر بر:
قال البيهقي " الثالث والخمسون من شعب الإيمان؛ وهو باب في التعاون على البر والتقوى قال الله عز وجل {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر بر لأنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها بالجماعة " (شعب الإيمان 6 / 101) ثم ساق حديث رسول الله (ص)حيث قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من الظلم، فذلك نصره» أخرجه البخاري برقم 2444
ومعنى هذا أن الظالم مظلوم من جهته كما قال الله عز وجل {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه} فكما ينبغي أن ينصر المظلوم إذا كان غير نفس الظالم ليدفع الظلم عنه كذلك ينبغي أن ينصر إذا كان نفس الظالم"
ومعنى كلامه أن الاشتراك فى البر وهو طاعة الله عمل صالح ثم مقل عن ابن خلدون أن التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها فقال:
"التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها:
يقول ابن خلدون في مقدمته:
الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكن وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيء لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه (مقدمة ابن خلدون 1 / 429)
وبين أهمية الاجتماع والتعاون لبني البشر وذكر أن التعاون يحصل به من الثمرة أكثر من حاجات المتعاونين فقال:
(قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه وأنهم متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافا، فالقوت من الحنطة مثلا لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد ونجار للآلات وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت فإنه حينئذ قوت لأضعافهم مرات فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم) انتهى (مقدمة ابن خلدون ج: 1 ص: 360)
ويقول في موضع آخر فيه مزيد بيان: (إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصلح حياتها ولا بقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفية له بمادة حياته منه ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري هب أنه يأكل حبا من غير علاج؛ فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه؛ الزراعة والحصاد والدارس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل، ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم) (مقدمة ابن خلدون 2 / 272-274) "
وما نقله عن ابن خلدون عغن وجود فطرة مولود بها التاس هو محض باطل فالناس يولدون دون اى معرفة سابقة كما قال تعالى ""والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
فمعارف الناس مكتسبة فهم يتعلمون التعاون من خلال للأسرة وغيرها واستنتج المنجد التالى من كلام ابن خلدون:
"وهذا الكلام يدل قطعا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كل منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من المجتمع، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان ولا غنى له عنهما، وأن تعاون المجموعة لا ينتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد ويفيض وهذا كلام عام في الأمور الدينية والدنيوية"
وهو هنا يتكلم عن توزيع مهام العمل على الناس كى يقدروا على أن يعيشوا مها من خلال ثم تكلم عن أسباب التعاون فقال:
"فأما بالنسبة للتعاون الشرعي فإن الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البر والتقوى والمشاركة في الخير عدة ومنها:
- تحصيل ثواب امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}
- زيادة الأجر والمضاعفة: قال ابن القيم (فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة؛ فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة غيره له في الصلاة، فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر بل قد قيل إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين، وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النبي (ص)«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» ، ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم، وقد أخبر الله سبحانه عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين كنوح وإبراهيم ومحمد (ص) (الروح 1/ 128)
- الحاجة: فإن كثيرا من الأهداف والمشاريع الإسلامية لا يمكن تحقيقها فرديا، ولهذا قيل: لا يعجز القوم إذا تعاونوا
- إتقان العمل وسهولة القيام به يكون أبلغ مع التعاون والعمل الجماعي وذلك أن الاشتراك في العمل مع آخرين يجعله أخف مشقة وأسهل لتوزع الحمل على الجميع"
والرجل هنا يعدد الأسباب الدنيوية والأخروية مها ولكن سبب التعاون واحد دنيوى وهو طاعة الله ويترتب عليه الثانى وهو الحصول على الثواب وهو الجنة فى الأخرة
وتعرض المنجد للتعاون المأمور به فقال:
"والتعاون المأمور به في الآية:
الأول: تعاون على البر والتقوى؛ من الجهاد وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستيفاء الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها، يقول القرطبي في تفسيره: (والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» ، ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عما هو عليه) (الجامع لأحكام القرآن 6 / 47)
والتعاون المنهي عنه في الآية: التعاون على الإثم والعدوان؛ كالإعانة على سفك دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو انتهاك عرض مصون، أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك "
وبين الرجل وسائل المعاونة فقال :
"والمعاونة تكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول والرأي"
ثم تحدث عن مجالات التعاون فى رأيه فقسمها وقال:
"أولا: التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين:
ويكون ذلك بنصرة الإسلام وأهله، فقد حض الله تعالى عباده المؤمنين على نصرة دينه وأوليائه، ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة بشتى الوسائل المشروعة، فقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله} الصف: 14، أي يساعدني في الدعوة إلى الله (البداية والنهاية 2 / 85)
ولهذا ينبغي أن يتعاون المسلم مع أخيه المسلم في الدعوة إلى الله، ليشد أزره ويتقوى به كما قال الله تعالى لموسى عليه السلام: {سنشد عضدك بأخيك} (القصص: 35) ، وقال ورقة بن نوفل للنبي (ص)" وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " أي أعاونك وأؤيدك في نشر دعوتك، وقال جابر «مكث رسول الله (ص)بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة» رواه الإمام أحمد في مسنده 13934
ومن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين: جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله عز وجل، ومشاركة أهل الدعوة الإسلامية في الحروب ضد أهل الكفر والضلال، وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل الله؛ وقد تعاون الصحابة في الجهاد في مشاهد كثيرة ومواقف متنوعة ومن ذلك حفر الخندق وأصابهم في ذلك ما أصابهم فصبروا، فعن جابر أنه قال: «لما حفر النبي (ص)وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي (ص)على بطنه حجرا من الجوع» أخرجه البخاري برقم 4101ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي (ص)التعاون على قتل مدعي النبوة، وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون النبي (ص)فعن جابر بن عبد الله عن النبي (ص)أنه قال: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن سلمة، فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال: قل» ، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: والله لتملنه (ليزيد ضجركم منه) قال:إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، فقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين، فقال: نعم ارهنوني، قالوا: أي شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال: فارهنوني أبناءكم؟ قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة (يعني السلاح) ، فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي لطعنة بليل لأجاب، فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا - أي أطيب - أتأذن لي أن أشم رأسك، قال: نعم، فشمه، ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي، قال: نعم، فلما استمكن منه، قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي (ص)فأخبروه (أخرجه البخاري برقم 4037) وقال ابن عبد البر في ترجمة زياد بن حنظلة التميمي: له صحبة، وهو الذي بعثه الرسول (ص)إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة وطليحة والأسود (بغية الطلب في تاريخ حلب 9 / 3916) "
وبعد مما قاله المنجد ونقله لا أساس له وإنما هو روايات مفتراة فرواية قتل كعب فيها روايات كثيرة متناقضة تجعلها فى النهاية لم تحدث ثم بين الوجه الثانى فقال :
"ثانيا: التعاون على إقامة العبادات:
جاء عن أبي موسى الأشعري في خطبة خطبها في قوم: (فانظروا رحمكم الله واعقلوا وأحكموا الصلاة واتقوا الله فيها وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان فإن الله عز وجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى والصلاة أفضل البر) (طبقات الحنابلة 1 / 354) ومن أمثلة ذلك:
التعاون على قيام الليل:
كان أهل البيت الواحد من أوائل هذه الأمة يتوزعون الليل أثلاثا يصلي هذا ثلثا ثم يوقظ الثاني فيصلي ثلثا ثم يوقظ الثالث فيصلي الثلث الأخير عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا (سير أعلام النبلاء 2 / 609)وكان الحسن بن صالح وأخوه علي وأمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما وصياما فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادي يعني لا ينام بالليل (أنظر حلية الأولياء 7 / 328)
ثالثا: التعاون في بناء المساجد:
قال الله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون} {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة:17 - 18
وقد أورد البخاري في صحيحه بابا في التعاون في بناء المساجد، وسطر فيه أحاديثا تبين بوضوح مدى التعاون بين النبي (ص)وأصحابه في بناء المسجد النبوي فعن أبي سعيد في ذكر بناء المسجد قال «كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي (ص)فينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال يقول عمار أعوذ بالله من الفتن» (رواه البخاري 428)
وقام المسلمون يعمرون المساجد في البلاد التي فتحوها، قال بعض الشعراء في وصف مسجد الكوفة لما بني على أربعة أساطين ضخمة لم يحدث فيها خلل ولا عيب:
بنى زياد لذكر الله مصنعة من الحجارة لم تعمل من الطين
لولا تعاون أيدي الإنس ترفعها إذا لقلنا من أعمال الشياطين
(فتوح البلدان 1 / 342)"
الروايات الموجودة هنا تخالف كتاب الله فرواية الضيافة سبعا تخالف المعروف من كونها ثلاثا وصحابى عالم كأبى هريرة لا يمكن أن يكون ثقيلا فيقيم عند الرجل سبعة أبام والرواية عن الصيام والقيام تخالف كتاب الله قلا يوجد صوم تطوع ولا نافلة لكون الصوم عقوبة عند الله على الجرائم والله لا يبيح فرض الناس العقوبات على أنفسهم ورواية قتل عمار فهى من الغيب الذى لا يعلمه النبى(ص) كما قال تعالى " ولا أعلم الغيب" وقال " ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" فكيف يعلم الغيب ؟
ثم ذكر ومجالا رابها للتعاون فى ظنه فقال :
رابعا: التعاون في مجال طلب العلم:
وهذا باب من التعاون يكفي في معرفته مطالعة كتب السير الغاصة بالقصص التي بلغت من التعاون أوجه، فهذا عمر يقول: كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي (ص)فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك الحديث رواه البخاري 4792" وكان عمر مؤاخيا أوس بن خولي لا يسمع شيئا إلا حدثه ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه , وقوله (جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره) أي من الحوادث الكائنة عند النبي (ص) وفي رواية "إذا غاب وشهدت أتيته بما يكون من رسول الله (ص)" وفي رواية الطيالسي "يحضر رسول الله (ص)إذا غبت وأحضره إذا غاب ويخبرني وأخبره " وفي رواية " لا يسمع شيئا إلا حدثه به ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه به " (باختصار من فتح الباري: شرح الحديث السابق: كتاب النكاح)
وقد تعرض لطالب العلم ضائقة خلال طلبه فيهب إخوانه لمعاونته: قال عمر بن حفص الأشقر: كنا مع محمد بن إسماعيل (وهو البخاري) بالبصرة نكتب الحديث ففقدناه أياما فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان وقد نفذ ما عنده ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوبا وكسوناه ثم اندفع معنا في كتابة الحديث (تاريخ بغداد 2 / 13) وقد يعين العالم من ليس من أهل العلم ويحتسب بالإنفاق عليه أجر تفريغ العالم وطالب العلم للتدريس والطلب: قال هياج بن عبيد كان لرافع قدم في الزهد وإنما تفقه الشيخ أبو إسحاق وأبو يعلى بن الفراء بمعاونة رافع لهما لأنه كان يحمل وينفق عليهما (سير أعلام النبلاء 18 / 52)
ويدخل في التعاون العلمي: التعاون في تأليف الكتب، فقد جاء في ترجمة الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي أنه " ولع بتخريج أحاديث الإحياء ورافق الزيلعي الحنفي في تخريجه أحاديث الكشاف وأحاديث الهداية فكانا يتعاونان " (طبقات الشافعية ج: 4 ص: 30) فاستفدنا من ذلك تخريج ثلاثة كتب صارت من أهم المراجع لطلاب الحديث ومن هذا الباب أيضا شرح المواد الدراسية من الخبير بها للقاصر عن فهمها، وكان بعض نبلاء المسلمين يشتري المصاحف والألواح ويوزعها على أطفال الكتاتيب معونة لهم على حفظ القرآن الكريم"
والروايات التى يستشهد بها على بهض أوجه التعاون العلمى التى هى صحيحة ولكن الاستشهادات عليها كحكاية عرى البخارى هى من ضمن الخبل الذى لا يصدق لأن رجل عالم مثله كما يروى لا يمكن أن يتبرع بملابسه كلها أو يبيعها ويجلس عريانا
وبين المجال الخامس فقال ك
خامسا: التعاون في الدعوة والتعليم وإنكار المنكر:
فهذا يقترح فكرة لموضوع وهذا يجمع قصصا واقعية عنه وهذا يعمل بحثا ميدانيا أو استبيانا حول الموضوع وآخر يجمع الأدلة الشرعية وكلام العلماء بشأنه وهذا يحشد الشواهد والأبيات الشعرية المتعلقة به وآخر أوتي موهبة في التحدث يلقيه في محاضرة تسير بها الركبان أو كاتب مجيد يخط بأسلوبه ذلك المحتوى من العمل المشترك في رسالة أو كتاب يؤثر في نفوس القراء وعالم أو طالب علم لديه - مما فتح الله به عليه - ما يقدمه في دورة علمية، وآخر يملك خبرة إدارية يسير بها أعمالها وثالث عنده مال يبذله لإسكان الطلاب الفقراء وإعاشتهم فترة الدورة، وهكذا وعصرنا الذي نعيش فيه يحتاج كثيرا إلى الأعمال المشتركة والبركة مع الجماعة
وفي مجال إنكار المنكر تعاون عظيم أيضا: فهذا يجمع معلومات عن المنكر ويستقصي خبره في المجتمع وهذا يبحث حكمه شرعا وثالث يعين على إيصاله إلى من ينكره ويغيره، وآخر يخطب عنه ويحذر منه
وهذا الاشتراك في العمل الصالح له اجر عظيم وقد قال رسول الله (ص)«إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به والممد به» رواه الترمذي 1561 وقال: هذا حديث حسن صحيح
فلا بد أن تكون هناك أدوار تكاملية إذا أن كثيرا من المشروعات وأمور الدين لا يمكن القيام بها فرديا، وإتاحة المجال للتخصصات المختلفة أن تعمل بتعاون سيثمر نتائج باهرة"
الكلام هنا صالح وهو لا يوجد فى المجتمع المسلم الحقيقى لأن العلم فيه موجود لا يحتاج لتلك الأمور لكونه محفوظ كله ولا يحتاج للبحث عنه أو تفسيره أو غير هذا ولكن نتيجة حياة الناس فى مجتمعات الفساد أصبحت تلك الوجوه من التهاون مطلوبة
ووضح التعاون فى المجال السادس فقال:
"سادسا: المعاونة في إقامة الأنشطة الخيرية والأعمال الإسلامية
والمشاركة فيها بالنفس والمال، والجود عليها بالوقت، والحث على الحضور، وتكثير السواد فيها، وحسن استقبال روادها، وإتقان وضع برامجها وترتيب جداولها، وشحذ الهمم لتنفيذ مهامها، والعمل على تحقيق مقاصدها، ونشر فكرتها، وتصحيح مسيرتها، والذب عنها، وحراسة أهلها، ومقاومة محاولات هدمها وإعاقتها
وباب التعاون في القيام بحقوق المسلمين واسع، ويدخل ضمنه مجالات متعددة، منها:
إعانة الملهوف:
عن يزيد بن الأسود قال لقد أدركت أقواما من سلف هذه الأمة قد كان الرجل إذا وقع أى هوي أو دجلة نادى يا لعباد الله فيتواثبون إليه فيستخرجونه ودابته مما هو فيه ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة فنادى يا لعباد الله فتواثب الناس إليه فما أدركت إلا مقاصه في الطين فلأن أكون أدركت من متاعه شيئا فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها (شعب الإيمان 6 / 107)فانظر أخي المسلم كيف كان السلف الصالح يتفانون في إغاثة الملهوف وإعانته على نازلته وضرورته
إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات:
عن أبي ذر قال «قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل - وفي رواية أي العمل أفضل - قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال قلت أي الرقاب أفضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا - وفي رواية وأغلاها ثمنا - قال قلت أرأيت إن لم أفعل قال تعين صانعا أو تصنع لأخرق» الحديث رواه مسلم 84 وهو في صحيح البخاري بلفظ «تعين ضايعا»
وعند قوله أن تعين صانعا (ضايعا) أو تصنع لأخرق نتذكر القصة العظيمة التي قصها علينا ربنا تبارك وتعالى في سورة الكهف:{ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا} {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا} {فأتبع سببا} آتيناه من كل شيء سببا أي من أسباب التمكين من الجنود وآلات الحرب وأعطيناه الأسباب والوسائل، وهذا يعني أن صاحب الإمكانات تكون التبعة التي عليه أكثر من غيره بسبب ما أعطاه الله ثم قال عز وجل{حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} {قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} {قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} {قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا} سورة الكهف، ففي هذه الآيات صورة من صور التعاون على الخير ودفع الشر وصد حملات المفسدين
...ومن صور التعاون العامة؛ ما جاء في آداب الطريق وقد جمعها الحافظ ابن حجر في قوله:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
التعاون في مواجهة شدائد العيش:
من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل بعض الناس أغنياء، والبعض الآخر فقراء؛ ليساعد بعضهم بعضا، خاصة في أمور معاشهم، ومعاونتهم على شظف الدنيا، ومواساتهم فيها، ويشهد لذلك ما رواه البخاري عن أبي موسى أنه قال قال النبي (ص)«إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» (صحيح البخاري 2306)قوله: (إذا أرملوا) أي فني زادهم , وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة، وفي الحديث: فضيلة الإيثار والمواساة , واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضا والله أعلم
تعاون أصحاب المسئوليات فيما بينهم:
لعل من أهم صور التعاون؛ تعاون كل من تجمعهم مهمة واحدة لإنجاز هذه المهمة على الوجه الذي يرضي الله تعالى، وهذا هو مفهوم توجيه النبي (ص)حين بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن حيث قال «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا» (رواه البخاري 2811)وتلك الوصية النبوية جاءت لتؤصل عند جميع المسلمين دور التعاون في إنجاح جميع الأعمال والمهام حتى العظيم منها، ولهذا كان من أوائل ما اهتم به الرسول (ص)حين قدم المدينة عقد أسباب التعاون، وكان ذلك بأن آخى بين المهاجرين والأنصار ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء (سير أعلام النبلاء 1 / 143) ؛ وذلك لأن المعاونة تورث المحبة والترابط
وقد قيل لسعيد بن عامر بن حذيم: إن أهل الشام يحبونك؟ قال: لأني أعاونهم وأواسيهم"
هذا الكلام حسن ولكن كما قلت يعيب الكثير منه النقول التى ينقلها من الروايات فالكثير منها كما قلنا يعارض كتاب الله وقد وضح أن صور التعاون كثيرة فقال:
"هذا وصور التعاون على البر والتقوى كثيرة جدا لا يمكن حصرها ومجال الاستدلال بتلك الآية الجامعة الفاذة واسع جدا وهذا الذهبي رحمه الله لم يستدل من القرآن على مشروعية التعزية إلا بها فقال" واعلم رحمك الله أن التعزية هي التصبير وذكر ما يسلي صاحب الميت ويخفف حزنه ويهون مصيبته وهي مستحبة لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أيضا داخلة في قول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} ، وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية واعلم أن التعزية - وهي الأمر بالصبر - مستحب قبل الدفن وبعده قال أصحاب الشافعي من حين يموت الميت (الكبائر 1 / 188) "
وقد بين المنجد أن للتعاون أصول وضوابط فقال:
"وللتعاون أصول وضوابط حتى ذكر بعض المصنفين علما يسمى " بالسياسة المدنية " بعد ذكره علم تدبير المنزل فقال في أبجد العلوم:
أ - علم التدبير المنزلي والحكمة المنزلية: وهي العلم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والولد والمالك والمملوك ونحو ذلك، وفائدة هذا العلم ان تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود
ب - علم السياسة المدنية: وهو علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة وفائدته أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان (أبجد العلوم 2 / 246)وهذا من أهم مقاصد المدنية؛ ألا وهو التعاون على أمور المعيشة، ومصالح الأبدان والنفوس، فكيف إذن إذا كان التعاون من أجل مصلحة الدين؟"
وتلك العلوم بعضها نافع والبعض الأخر ضار فالبيوت والجماعة لا يصلحها سوى ما قاله الله
وتناول المنجد ما سماه التهاون على الشيطان والمراد به التعاون على عدك طاعة غير الله أى عدم التعاون على الإثم والعدوان فقال:
"التعاون على الشيطان:
ورد في بعض الآثار في صفة المؤمن «أخو المؤمن يتعاونان على الفتان» : أي الشيطان والتعاون على الشيطان: أن يتناهيا عن اتباعه والافتتان بخدعه (الفائق 3 / 102)ولا يجوز لمسلم أن يعاون الشيطان على أخيه المسلم كما دل عليه حديث أبي هريرة «أتي النبي (ص)برجل قد شرب قال اضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان» رواه البخاري 6777
قال ابن حجر:ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان ووقع عند أبي داود من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره «ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه» زاد فيه أيضا بعد الضرب " ثم قال رسول الله (ص)لأصحابه «بكتوه» وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله , وقد فسره في الخبر بقوله " فأقبلوا عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل , ما خشيت الله جل ثناؤه , ما استحييت من رسول الله (ص)ثم أرسلوه " وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب " ثمقال عليه الصلاة والسلام: «بكتوه فبكتوه , ثم أرسله» ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن "
والشيطان ليس إلا هوى نفس الفرد أو إنسان يزين له المعصية كما قال تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"
وتعرض الرجل للتعاون على الإثم والعدوان ووضح بعض أمثلته فقال:
"الضرب الثاني من ضروب التعاون: التعاون على الإثم والعدوان
وقد جاء النهي الصريح في كتاب الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ، وكما تتعدد صور التعاون على البر والتقوى فكذلك تتعدد ضروب التعاون على الإثم، وحيث إن المقصود الأساس في هذه الرسالة الحث على التعاون على الخير فأكتفي بهذه الصور للعكس ومن ذلك:
التعاون على إقامة الشرك والكفر:
وهذا له ضروب كثيرة ومن أمثلته المعاونة في بناء المساجد والأضرحة والقباب على القبور وجعل السدنة الذين يأخذون النذور والقرابين وجمع التبرعات لصيانتها وترميمها، ومن هذا الباب أيضا المعاونة على بناء كنائس النصارى
ومن القصص الجيدة في إنكار ذلك أبيات أرسلت لابن شهاب لما عاون عرب طور سيناء على بناء البيعة بعكبرابل من شروط أهل الذمة التي ذكرها العلماء: " أن لا يحدثوا كنيسة وأن يعاونوا المسلمين ويرشدوهم ويصلحوا الجسور فإن تركوا شيئا من ذلك فلا ذمة لهم " معجم البلدان ج: 1 ص: 57ولذلك كان من البلية والفساد العظيم فتح مجالات التعاون مع النصارى وغيرهم من أعداء الإسلام؛ لما يترتب على ذلك من هدم القيم الإسلامية والمثل العليا للأمة
...الاستعانة بالشياطين على السحر والاعتداء وإيذاء المسلمين وكذلك الاستعانة بهم على سائر الحرام، قال ابن القيم في كلامه عن العشق: فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر أو استخدام أو نحو ذلك ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر، فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول مقصوده؛ وهذا ليس ببعيد من الكفر، والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان انتهى (الجواب الكافي 1 / 154)
التعاون على إحياء البدع وإقامتها:
ومن ذلك المشاركة في مجالس الذكر المبتدعة والإنفاق عليها والدعوة إليها والتشجيع على غشيانها وفتح مجالات البدع المختلفة ولا يفعل هذا إلا أعداء السنة والجهلة بها وما أحييت بدعة إلا وأميتت سنة
أن يعاون الظلمة بأخذ المكوس ويكون في زمرة العمال الظلمة المترصدين في الطرق وغيرها (انظر أبجد العلوم 2 / 58)
أن يدل رجلا على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضر له سكينا وهذا يحرم لقوله: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (شعب الإيمان 1 / 268)
المعاونة في الأغاني نظما وتلحينا وتنظيما لحفلاتها وتسجيلها ونشرها، قال في شعب الإيمان 4 / 281 ويحرم كذلك تجهيز الشعر للمغنين
المعاونة على المنكر عموما:
وشر المراتب في المنكر بعد ارتكابه المعاونة عليه ثم الرضا ثم المداهنة ثم السكوت عن الإنكار وعلى المسلم أن يصبر على أذى من يخالفهم لأجل منكرهم
وفي ذلك يقول ابن تيمية "وذلك أن كثيرا من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه ويبغضون من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة من موالاة كل قوم لموافقيهم ومعاداتهم لمخالفيهم وكذلك في أمور الدنيا والشهوات كثيرا ما يختار أهلها ويؤثرون من يشاركهم في أمورهم وشهواتهم إما للمعاونة على ذلك كما في المتغلبين من أهل الرياسات وقطاع الطريق ونحو ذلك وإما لتلذذهم بالموافقة كما في المجتمعين على شرب الخمر مثلا فإنهم يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير إما حسدا له على ذلك وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويحمد دونهم وإما لئلا يكون له عليهم حجة وإما لخوفهم من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع ذلك إليهم ولئلا يكونوا تحت منته وخطره ونحو ذلك من الأسباب (الاستقامة 2 / 256)وفي رفض التعاون على الإثم والعدوان يقول ابن القيم:" الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات واعتقادات فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجه آخر؛ فلا بد له من الناس ومخالطتهم ولا ينفك عن موافقتهم أو مخالفتهم وفي الموافقة ألم وعذاب إذا كانت على باطل وفي المخالفة ألم وعذاب إذا لم يوافق أهواءهم واعتقاداتهم وإراداتهم ولا ريب أن ألم المخالفة لهم في باطلهم أسهل وأيسر من الألم المترتب على موافقتهم، واعتبر هذا بمن يطلبون منه الموافقة على ظلم أو فاحشة أو شهادة زور أو المعاونة على محرم فإن لم يوافقهم آذوه وظلموه وعادوه ولكن له العاقبة والنصرة عليهم إن صبر واتقى، وإن وافقهم فرارا من ألم المخالفة أعقبه ذلك من الألم أعظم مما فر منه والغالب أنهم يسلطون عليه فيناله من الألم منهم أضعاف ما ناله من اللذة أولا بموافقتهم فمعرفة هذا ومراعاته من أنفع ما للعبد، فألم يسير يعقب لذة عظيمة دائمة أولى بالاحتمال من لذة يسيرة تعقب ألما عظيما دائما والتوفيق بيد الله5 (إغاثة اللهفان 2 / 193) "
وما قاله كلام صحيح إلا ما ندر مثل المعاونة في الأغاني نظما وتلحينا وتنظيما لحفلاتها وتسجيلها ونشرها فالأغانى ليست كلها محرمة حتى تذكر دون تحديد فالكلام الطيب فى الأغانى مباح وأى كلام حسن مأمور به بأى وسيلة كما قال تعالى " وقولوا للناس حسنا"
الكتاب من تأليف محمد صالح المنجد وهو يدور حول التعاون كما قال المنجد فى مقدمته:
"فقد جاء الإسلام بالأمر بالتعاون على البر والخير والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} سورة المائدة
وما أحوجنا في هذا الزمان الذي انتشر فيه الشر وانحسر فيه الخير وقل المعينون عليه أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وندعو إليها ونحث عليها لما فيها من الخير العظيم والنفع العميم من إقامة أمر الدين وتقوية المصلحين، وكسر الشر ومحاصرة المفسدين"
واستهله المنجد بذكر الإعانة فى اللغة فقال:
"الإعانة ومرادفاتها في اللغة
قال صاحب الألفاظ المؤتلفة:باب الإعانة:
يقال أعانه وأجاره وأيده ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره وظافره وظاهره ومالأه، والعون: الظهير، ورجل معوان كثير المعونة للناس واستعان به فأعانه وعاونه وفي الدعاء: «رب أعني ولا تعن علي» وتعاون القوم أعان بعضهم بعضا...."
ثم نقل نقولا فى تعريف التعاون فقال :
معنى التعاون شرعا:
قال عبد الرحمن السعدي " الإعانة هي: الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين، بكل قول يبعث عليها، وبكل فعل كذلك " (تيسير الكريم الرحمن 2 / 238 بتصرف يسير)
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} فقال: هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه (حلية الأولياء 7 / 284)
يقول القرطبي في تفسيره: (وتعاونوا على البر والتقوى: هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليعن بعضكم بعضا، وتحاثوا على أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي (ص)أنه قال: «الدال على الخير كفاعله» الجامع لأحكام القرآن 3 / 6 / 33
وقال القاسمي في تفسيره: (لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون، أمروا - إثر ما نهوا عنه - بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي) (محاسن التأويل 3 / 22)وقال ابن القيم في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} الآيةhttp://vb.7mry.com/images/smilies/frown.gifاشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله) (زاد المهاجر 1 / 6-7) "
وتلك التعاريف بعيدة كل البعد عن معنى التعاون الذى يعانى الاشتراك فى عمل ما سواء كان خيرا أو شرا فالسعدى يقول الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها فهنا المأمور واحد بينما التعاون اشتراك لأن الله خاطب الجمع فقال "وتعاونوا" ومن ثم لا يوجد تعاون مفرد وتعريف ابن عيينة هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه فيه نفس الخطأ وهو العمل به والدعوة له وهذا عمل مفرد وتعريف القرطبى الوحيد الصحيح ونقل المنجد أهمية التعاون عن زاد المهاجر فقال:
ثم بين أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال: " والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا، فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه لبعضه (زاد المهاجر 1 / 13)فالإنسان ضعيف بوصفه فردا، قوي باجتماعه مع الآخرين، وشعور الإنسان بهذا الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال، فأمر الله العباد أن يجعلوا تعاونهم على البر والتقوى"
وتناول المنجد الفروق بين البر والتقوى، والإثم والعدوان فقال:
"الفرق بين البر والتقوى، والإثم والعدوان:
قيل البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكل بر تقوى، وكل تقوى بر وقيل: البر يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب، وقد ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته (انظر الجامع لأحكام القرآن 6 / 47) و" البر هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين، والتقوى في هذه الآية:اسم جامع، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة (تيسير الكريم الرحمن 2 / 238)وقال ابن القيم مفرقا بينهما: " وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها فإن البر مطلوب لذاته إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه (زاد المهاجر 1 / 11)"
فيما سبق بين المنجد أن البر والتقوى بمعنى واحد أو بمعنيين فى الآية والحق أنهما بمعنى واحد فى الآية ثم نقل عن السعدى أن الإثم شىء والعدوان شىء فقال:
"أما الفرق بين الإثم والعدوان:
فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: ( {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وهو التجري على المعاصي التي يأثم صاحبها"والعدوان" وهو التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه) (تيسير الكريم الرحمن 2 / 239)"
والإثم والعدوان هو بمعنى واحد فكل ذنب إثم وكل عدوان هو أى اعتداء على أحكام الله بعصيانها إثم
وجاءنا المنجد بتعريف البر بالبر فقال:
"ومن القواعد المؤكدة في التعاون:
أن المعاونة على البر بر:
قال البيهقي " الثالث والخمسون من شعب الإيمان؛ وهو باب في التعاون على البر والتقوى قال الله عز وجل {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر بر لأنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها بالجماعة " (شعب الإيمان 6 / 101) ثم ساق حديث رسول الله (ص)حيث قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من الظلم، فذلك نصره» أخرجه البخاري برقم 2444
ومعنى هذا أن الظالم مظلوم من جهته كما قال الله عز وجل {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه} فكما ينبغي أن ينصر المظلوم إذا كان غير نفس الظالم ليدفع الظلم عنه كذلك ينبغي أن ينصر إذا كان نفس الظالم"
ومعنى كلامه أن الاشتراك فى البر وهو طاعة الله عمل صالح ثم مقل عن ابن خلدون أن التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها فقال:
"التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها:
يقول ابن خلدون في مقدمته:
الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكن وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيء لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه (مقدمة ابن خلدون 1 / 429)
وبين أهمية الاجتماع والتعاون لبني البشر وذكر أن التعاون يحصل به من الثمرة أكثر من حاجات المتعاونين فقال:
(قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه وأنهم متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافا، فالقوت من الحنطة مثلا لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد ونجار للآلات وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت فإنه حينئذ قوت لأضعافهم مرات فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم) انتهى (مقدمة ابن خلدون ج: 1 ص: 360)
ويقول في موضع آخر فيه مزيد بيان: (إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصلح حياتها ولا بقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفية له بمادة حياته منه ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري هب أنه يأكل حبا من غير علاج؛ فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه؛ الزراعة والحصاد والدارس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل، ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم) (مقدمة ابن خلدون 2 / 272-274) "
وما نقله عن ابن خلدون عغن وجود فطرة مولود بها التاس هو محض باطل فالناس يولدون دون اى معرفة سابقة كما قال تعالى ""والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
فمعارف الناس مكتسبة فهم يتعلمون التعاون من خلال للأسرة وغيرها واستنتج المنجد التالى من كلام ابن خلدون:
"وهذا الكلام يدل قطعا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كل منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من المجتمع، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان ولا غنى له عنهما، وأن تعاون المجموعة لا ينتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد ويفيض وهذا كلام عام في الأمور الدينية والدنيوية"
وهو هنا يتكلم عن توزيع مهام العمل على الناس كى يقدروا على أن يعيشوا مها من خلال ثم تكلم عن أسباب التعاون فقال:
"فأما بالنسبة للتعاون الشرعي فإن الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البر والتقوى والمشاركة في الخير عدة ومنها:
- تحصيل ثواب امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}
- زيادة الأجر والمضاعفة: قال ابن القيم (فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة؛ فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة غيره له في الصلاة، فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر بل قد قيل إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين، وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النبي (ص)«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» ، ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم، وقد أخبر الله سبحانه عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين كنوح وإبراهيم ومحمد (ص) (الروح 1/ 128)
- الحاجة: فإن كثيرا من الأهداف والمشاريع الإسلامية لا يمكن تحقيقها فرديا، ولهذا قيل: لا يعجز القوم إذا تعاونوا
- إتقان العمل وسهولة القيام به يكون أبلغ مع التعاون والعمل الجماعي وذلك أن الاشتراك في العمل مع آخرين يجعله أخف مشقة وأسهل لتوزع الحمل على الجميع"
والرجل هنا يعدد الأسباب الدنيوية والأخروية مها ولكن سبب التعاون واحد دنيوى وهو طاعة الله ويترتب عليه الثانى وهو الحصول على الثواب وهو الجنة فى الأخرة
وتعرض المنجد للتعاون المأمور به فقال:
"والتعاون المأمور به في الآية:
الأول: تعاون على البر والتقوى؛ من الجهاد وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستيفاء الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها، يقول القرطبي في تفسيره: (والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» ، ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عما هو عليه) (الجامع لأحكام القرآن 6 / 47)
والتعاون المنهي عنه في الآية: التعاون على الإثم والعدوان؛ كالإعانة على سفك دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو انتهاك عرض مصون، أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك "
وبين الرجل وسائل المعاونة فقال :
"والمعاونة تكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول والرأي"
ثم تحدث عن مجالات التعاون فى رأيه فقسمها وقال:
"أولا: التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين:
ويكون ذلك بنصرة الإسلام وأهله، فقد حض الله تعالى عباده المؤمنين على نصرة دينه وأوليائه، ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة بشتى الوسائل المشروعة، فقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله} الصف: 14، أي يساعدني في الدعوة إلى الله (البداية والنهاية 2 / 85)
ولهذا ينبغي أن يتعاون المسلم مع أخيه المسلم في الدعوة إلى الله، ليشد أزره ويتقوى به كما قال الله تعالى لموسى عليه السلام: {سنشد عضدك بأخيك} (القصص: 35) ، وقال ورقة بن نوفل للنبي (ص)" وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " أي أعاونك وأؤيدك في نشر دعوتك، وقال جابر «مكث رسول الله (ص)بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة» رواه الإمام أحمد في مسنده 13934
ومن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين: جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله عز وجل، ومشاركة أهل الدعوة الإسلامية في الحروب ضد أهل الكفر والضلال، وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل الله؛ وقد تعاون الصحابة في الجهاد في مشاهد كثيرة ومواقف متنوعة ومن ذلك حفر الخندق وأصابهم في ذلك ما أصابهم فصبروا، فعن جابر أنه قال: «لما حفر النبي (ص)وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي (ص)على بطنه حجرا من الجوع» أخرجه البخاري برقم 4101ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي (ص)التعاون على قتل مدعي النبوة، وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون النبي (ص)فعن جابر بن عبد الله عن النبي (ص)أنه قال: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن سلمة، فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال: قل» ، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: والله لتملنه (ليزيد ضجركم منه) قال:إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، فقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين، فقال: نعم ارهنوني، قالوا: أي شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال: فارهنوني أبناءكم؟ قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة (يعني السلاح) ، فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي لطعنة بليل لأجاب، فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا - أي أطيب - أتأذن لي أن أشم رأسك، قال: نعم، فشمه، ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي، قال: نعم، فلما استمكن منه، قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي (ص)فأخبروه (أخرجه البخاري برقم 4037) وقال ابن عبد البر في ترجمة زياد بن حنظلة التميمي: له صحبة، وهو الذي بعثه الرسول (ص)إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة وطليحة والأسود (بغية الطلب في تاريخ حلب 9 / 3916) "
وبعد مما قاله المنجد ونقله لا أساس له وإنما هو روايات مفتراة فرواية قتل كعب فيها روايات كثيرة متناقضة تجعلها فى النهاية لم تحدث ثم بين الوجه الثانى فقال :
"ثانيا: التعاون على إقامة العبادات:
جاء عن أبي موسى الأشعري في خطبة خطبها في قوم: (فانظروا رحمكم الله واعقلوا وأحكموا الصلاة واتقوا الله فيها وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان فإن الله عز وجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى والصلاة أفضل البر) (طبقات الحنابلة 1 / 354) ومن أمثلة ذلك:
التعاون على قيام الليل:
كان أهل البيت الواحد من أوائل هذه الأمة يتوزعون الليل أثلاثا يصلي هذا ثلثا ثم يوقظ الثاني فيصلي ثلثا ثم يوقظ الثالث فيصلي الثلث الأخير عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا (سير أعلام النبلاء 2 / 609)وكان الحسن بن صالح وأخوه علي وأمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما وصياما فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادي يعني لا ينام بالليل (أنظر حلية الأولياء 7 / 328)
ثالثا: التعاون في بناء المساجد:
قال الله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون} {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة:17 - 18
وقد أورد البخاري في صحيحه بابا في التعاون في بناء المساجد، وسطر فيه أحاديثا تبين بوضوح مدى التعاون بين النبي (ص)وأصحابه في بناء المسجد النبوي فعن أبي سعيد في ذكر بناء المسجد قال «كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي (ص)فينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال يقول عمار أعوذ بالله من الفتن» (رواه البخاري 428)
وقام المسلمون يعمرون المساجد في البلاد التي فتحوها، قال بعض الشعراء في وصف مسجد الكوفة لما بني على أربعة أساطين ضخمة لم يحدث فيها خلل ولا عيب:
بنى زياد لذكر الله مصنعة من الحجارة لم تعمل من الطين
لولا تعاون أيدي الإنس ترفعها إذا لقلنا من أعمال الشياطين
(فتوح البلدان 1 / 342)"
الروايات الموجودة هنا تخالف كتاب الله فرواية الضيافة سبعا تخالف المعروف من كونها ثلاثا وصحابى عالم كأبى هريرة لا يمكن أن يكون ثقيلا فيقيم عند الرجل سبعة أبام والرواية عن الصيام والقيام تخالف كتاب الله قلا يوجد صوم تطوع ولا نافلة لكون الصوم عقوبة عند الله على الجرائم والله لا يبيح فرض الناس العقوبات على أنفسهم ورواية قتل عمار فهى من الغيب الذى لا يعلمه النبى(ص) كما قال تعالى " ولا أعلم الغيب" وقال " ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" فكيف يعلم الغيب ؟
ثم ذكر ومجالا رابها للتعاون فى ظنه فقال :
رابعا: التعاون في مجال طلب العلم:
وهذا باب من التعاون يكفي في معرفته مطالعة كتب السير الغاصة بالقصص التي بلغت من التعاون أوجه، فهذا عمر يقول: كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي (ص)فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك الحديث رواه البخاري 4792" وكان عمر مؤاخيا أوس بن خولي لا يسمع شيئا إلا حدثه ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه , وقوله (جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره) أي من الحوادث الكائنة عند النبي (ص) وفي رواية "إذا غاب وشهدت أتيته بما يكون من رسول الله (ص)" وفي رواية الطيالسي "يحضر رسول الله (ص)إذا غبت وأحضره إذا غاب ويخبرني وأخبره " وفي رواية " لا يسمع شيئا إلا حدثه به ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه به " (باختصار من فتح الباري: شرح الحديث السابق: كتاب النكاح)
وقد تعرض لطالب العلم ضائقة خلال طلبه فيهب إخوانه لمعاونته: قال عمر بن حفص الأشقر: كنا مع محمد بن إسماعيل (وهو البخاري) بالبصرة نكتب الحديث ففقدناه أياما فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان وقد نفذ ما عنده ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوبا وكسوناه ثم اندفع معنا في كتابة الحديث (تاريخ بغداد 2 / 13) وقد يعين العالم من ليس من أهل العلم ويحتسب بالإنفاق عليه أجر تفريغ العالم وطالب العلم للتدريس والطلب: قال هياج بن عبيد كان لرافع قدم في الزهد وإنما تفقه الشيخ أبو إسحاق وأبو يعلى بن الفراء بمعاونة رافع لهما لأنه كان يحمل وينفق عليهما (سير أعلام النبلاء 18 / 52)
ويدخل في التعاون العلمي: التعاون في تأليف الكتب، فقد جاء في ترجمة الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي أنه " ولع بتخريج أحاديث الإحياء ورافق الزيلعي الحنفي في تخريجه أحاديث الكشاف وأحاديث الهداية فكانا يتعاونان " (طبقات الشافعية ج: 4 ص: 30) فاستفدنا من ذلك تخريج ثلاثة كتب صارت من أهم المراجع لطلاب الحديث ومن هذا الباب أيضا شرح المواد الدراسية من الخبير بها للقاصر عن فهمها، وكان بعض نبلاء المسلمين يشتري المصاحف والألواح ويوزعها على أطفال الكتاتيب معونة لهم على حفظ القرآن الكريم"
والروايات التى يستشهد بها على بهض أوجه التعاون العلمى التى هى صحيحة ولكن الاستشهادات عليها كحكاية عرى البخارى هى من ضمن الخبل الذى لا يصدق لأن رجل عالم مثله كما يروى لا يمكن أن يتبرع بملابسه كلها أو يبيعها ويجلس عريانا
وبين المجال الخامس فقال ك
خامسا: التعاون في الدعوة والتعليم وإنكار المنكر:
فهذا يقترح فكرة لموضوع وهذا يجمع قصصا واقعية عنه وهذا يعمل بحثا ميدانيا أو استبيانا حول الموضوع وآخر يجمع الأدلة الشرعية وكلام العلماء بشأنه وهذا يحشد الشواهد والأبيات الشعرية المتعلقة به وآخر أوتي موهبة في التحدث يلقيه في محاضرة تسير بها الركبان أو كاتب مجيد يخط بأسلوبه ذلك المحتوى من العمل المشترك في رسالة أو كتاب يؤثر في نفوس القراء وعالم أو طالب علم لديه - مما فتح الله به عليه - ما يقدمه في دورة علمية، وآخر يملك خبرة إدارية يسير بها أعمالها وثالث عنده مال يبذله لإسكان الطلاب الفقراء وإعاشتهم فترة الدورة، وهكذا وعصرنا الذي نعيش فيه يحتاج كثيرا إلى الأعمال المشتركة والبركة مع الجماعة
وفي مجال إنكار المنكر تعاون عظيم أيضا: فهذا يجمع معلومات عن المنكر ويستقصي خبره في المجتمع وهذا يبحث حكمه شرعا وثالث يعين على إيصاله إلى من ينكره ويغيره، وآخر يخطب عنه ويحذر منه
وهذا الاشتراك في العمل الصالح له اجر عظيم وقد قال رسول الله (ص)«إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به والممد به» رواه الترمذي 1561 وقال: هذا حديث حسن صحيح
فلا بد أن تكون هناك أدوار تكاملية إذا أن كثيرا من المشروعات وأمور الدين لا يمكن القيام بها فرديا، وإتاحة المجال للتخصصات المختلفة أن تعمل بتعاون سيثمر نتائج باهرة"
الكلام هنا صالح وهو لا يوجد فى المجتمع المسلم الحقيقى لأن العلم فيه موجود لا يحتاج لتلك الأمور لكونه محفوظ كله ولا يحتاج للبحث عنه أو تفسيره أو غير هذا ولكن نتيجة حياة الناس فى مجتمعات الفساد أصبحت تلك الوجوه من التهاون مطلوبة
ووضح التعاون فى المجال السادس فقال:
"سادسا: المعاونة في إقامة الأنشطة الخيرية والأعمال الإسلامية
والمشاركة فيها بالنفس والمال، والجود عليها بالوقت، والحث على الحضور، وتكثير السواد فيها، وحسن استقبال روادها، وإتقان وضع برامجها وترتيب جداولها، وشحذ الهمم لتنفيذ مهامها، والعمل على تحقيق مقاصدها، ونشر فكرتها، وتصحيح مسيرتها، والذب عنها، وحراسة أهلها، ومقاومة محاولات هدمها وإعاقتها
وباب التعاون في القيام بحقوق المسلمين واسع، ويدخل ضمنه مجالات متعددة، منها:
إعانة الملهوف:
عن يزيد بن الأسود قال لقد أدركت أقواما من سلف هذه الأمة قد كان الرجل إذا وقع أى هوي أو دجلة نادى يا لعباد الله فيتواثبون إليه فيستخرجونه ودابته مما هو فيه ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة فنادى يا لعباد الله فتواثب الناس إليه فما أدركت إلا مقاصه في الطين فلأن أكون أدركت من متاعه شيئا فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها (شعب الإيمان 6 / 107)فانظر أخي المسلم كيف كان السلف الصالح يتفانون في إغاثة الملهوف وإعانته على نازلته وضرورته
إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات:
عن أبي ذر قال «قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل - وفي رواية أي العمل أفضل - قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال قلت أي الرقاب أفضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا - وفي رواية وأغلاها ثمنا - قال قلت أرأيت إن لم أفعل قال تعين صانعا أو تصنع لأخرق» الحديث رواه مسلم 84 وهو في صحيح البخاري بلفظ «تعين ضايعا»
وعند قوله أن تعين صانعا (ضايعا) أو تصنع لأخرق نتذكر القصة العظيمة التي قصها علينا ربنا تبارك وتعالى في سورة الكهف:{ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا} {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا} {فأتبع سببا} آتيناه من كل شيء سببا أي من أسباب التمكين من الجنود وآلات الحرب وأعطيناه الأسباب والوسائل، وهذا يعني أن صاحب الإمكانات تكون التبعة التي عليه أكثر من غيره بسبب ما أعطاه الله ثم قال عز وجل{حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} {قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} {قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} {قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا} سورة الكهف، ففي هذه الآيات صورة من صور التعاون على الخير ودفع الشر وصد حملات المفسدين
...ومن صور التعاون العامة؛ ما جاء في آداب الطريق وقد جمعها الحافظ ابن حجر في قوله:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
التعاون في مواجهة شدائد العيش:
من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل بعض الناس أغنياء، والبعض الآخر فقراء؛ ليساعد بعضهم بعضا، خاصة في أمور معاشهم، ومعاونتهم على شظف الدنيا، ومواساتهم فيها، ويشهد لذلك ما رواه البخاري عن أبي موسى أنه قال قال النبي (ص)«إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» (صحيح البخاري 2306)قوله: (إذا أرملوا) أي فني زادهم , وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة، وفي الحديث: فضيلة الإيثار والمواساة , واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضا والله أعلم
تعاون أصحاب المسئوليات فيما بينهم:
لعل من أهم صور التعاون؛ تعاون كل من تجمعهم مهمة واحدة لإنجاز هذه المهمة على الوجه الذي يرضي الله تعالى، وهذا هو مفهوم توجيه النبي (ص)حين بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن حيث قال «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا» (رواه البخاري 2811)وتلك الوصية النبوية جاءت لتؤصل عند جميع المسلمين دور التعاون في إنجاح جميع الأعمال والمهام حتى العظيم منها، ولهذا كان من أوائل ما اهتم به الرسول (ص)حين قدم المدينة عقد أسباب التعاون، وكان ذلك بأن آخى بين المهاجرين والأنصار ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء (سير أعلام النبلاء 1 / 143) ؛ وذلك لأن المعاونة تورث المحبة والترابط
وقد قيل لسعيد بن عامر بن حذيم: إن أهل الشام يحبونك؟ قال: لأني أعاونهم وأواسيهم"
هذا الكلام حسن ولكن كما قلت يعيب الكثير منه النقول التى ينقلها من الروايات فالكثير منها كما قلنا يعارض كتاب الله وقد وضح أن صور التعاون كثيرة فقال:
"هذا وصور التعاون على البر والتقوى كثيرة جدا لا يمكن حصرها ومجال الاستدلال بتلك الآية الجامعة الفاذة واسع جدا وهذا الذهبي رحمه الله لم يستدل من القرآن على مشروعية التعزية إلا بها فقال" واعلم رحمك الله أن التعزية هي التصبير وذكر ما يسلي صاحب الميت ويخفف حزنه ويهون مصيبته وهي مستحبة لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أيضا داخلة في قول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} ، وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية واعلم أن التعزية - وهي الأمر بالصبر - مستحب قبل الدفن وبعده قال أصحاب الشافعي من حين يموت الميت (الكبائر 1 / 188) "
وقد بين المنجد أن للتعاون أصول وضوابط فقال:
"وللتعاون أصول وضوابط حتى ذكر بعض المصنفين علما يسمى " بالسياسة المدنية " بعد ذكره علم تدبير المنزل فقال في أبجد العلوم:
أ - علم التدبير المنزلي والحكمة المنزلية: وهي العلم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والولد والمالك والمملوك ونحو ذلك، وفائدة هذا العلم ان تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود
ب - علم السياسة المدنية: وهو علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة وفائدته أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان (أبجد العلوم 2 / 246)وهذا من أهم مقاصد المدنية؛ ألا وهو التعاون على أمور المعيشة، ومصالح الأبدان والنفوس، فكيف إذن إذا كان التعاون من أجل مصلحة الدين؟"
وتلك العلوم بعضها نافع والبعض الأخر ضار فالبيوت والجماعة لا يصلحها سوى ما قاله الله
وتناول المنجد ما سماه التهاون على الشيطان والمراد به التعاون على عدك طاعة غير الله أى عدم التعاون على الإثم والعدوان فقال:
"التعاون على الشيطان:
ورد في بعض الآثار في صفة المؤمن «أخو المؤمن يتعاونان على الفتان» : أي الشيطان والتعاون على الشيطان: أن يتناهيا عن اتباعه والافتتان بخدعه (الفائق 3 / 102)ولا يجوز لمسلم أن يعاون الشيطان على أخيه المسلم كما دل عليه حديث أبي هريرة «أتي النبي (ص)برجل قد شرب قال اضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان» رواه البخاري 6777
قال ابن حجر:ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان ووقع عند أبي داود من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره «ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه» زاد فيه أيضا بعد الضرب " ثم قال رسول الله (ص)لأصحابه «بكتوه» وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله , وقد فسره في الخبر بقوله " فأقبلوا عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل , ما خشيت الله جل ثناؤه , ما استحييت من رسول الله (ص)ثم أرسلوه " وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب " ثمقال عليه الصلاة والسلام: «بكتوه فبكتوه , ثم أرسله» ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن "
والشيطان ليس إلا هوى نفس الفرد أو إنسان يزين له المعصية كما قال تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"
وتعرض الرجل للتعاون على الإثم والعدوان ووضح بعض أمثلته فقال:
"الضرب الثاني من ضروب التعاون: التعاون على الإثم والعدوان
وقد جاء النهي الصريح في كتاب الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ، وكما تتعدد صور التعاون على البر والتقوى فكذلك تتعدد ضروب التعاون على الإثم، وحيث إن المقصود الأساس في هذه الرسالة الحث على التعاون على الخير فأكتفي بهذه الصور للعكس ومن ذلك:
التعاون على إقامة الشرك والكفر:
وهذا له ضروب كثيرة ومن أمثلته المعاونة في بناء المساجد والأضرحة والقباب على القبور وجعل السدنة الذين يأخذون النذور والقرابين وجمع التبرعات لصيانتها وترميمها، ومن هذا الباب أيضا المعاونة على بناء كنائس النصارى
ومن القصص الجيدة في إنكار ذلك أبيات أرسلت لابن شهاب لما عاون عرب طور سيناء على بناء البيعة بعكبرابل من شروط أهل الذمة التي ذكرها العلماء: " أن لا يحدثوا كنيسة وأن يعاونوا المسلمين ويرشدوهم ويصلحوا الجسور فإن تركوا شيئا من ذلك فلا ذمة لهم " معجم البلدان ج: 1 ص: 57ولذلك كان من البلية والفساد العظيم فتح مجالات التعاون مع النصارى وغيرهم من أعداء الإسلام؛ لما يترتب على ذلك من هدم القيم الإسلامية والمثل العليا للأمة
...الاستعانة بالشياطين على السحر والاعتداء وإيذاء المسلمين وكذلك الاستعانة بهم على سائر الحرام، قال ابن القيم في كلامه عن العشق: فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر أو استخدام أو نحو ذلك ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر، فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول مقصوده؛ وهذا ليس ببعيد من الكفر، والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان انتهى (الجواب الكافي 1 / 154)
التعاون على إحياء البدع وإقامتها:
ومن ذلك المشاركة في مجالس الذكر المبتدعة والإنفاق عليها والدعوة إليها والتشجيع على غشيانها وفتح مجالات البدع المختلفة ولا يفعل هذا إلا أعداء السنة والجهلة بها وما أحييت بدعة إلا وأميتت سنة
أن يعاون الظلمة بأخذ المكوس ويكون في زمرة العمال الظلمة المترصدين في الطرق وغيرها (انظر أبجد العلوم 2 / 58)
أن يدل رجلا على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضر له سكينا وهذا يحرم لقوله: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (شعب الإيمان 1 / 268)
المعاونة في الأغاني نظما وتلحينا وتنظيما لحفلاتها وتسجيلها ونشرها، قال في شعب الإيمان 4 / 281 ويحرم كذلك تجهيز الشعر للمغنين
المعاونة على المنكر عموما:
وشر المراتب في المنكر بعد ارتكابه المعاونة عليه ثم الرضا ثم المداهنة ثم السكوت عن الإنكار وعلى المسلم أن يصبر على أذى من يخالفهم لأجل منكرهم
وفي ذلك يقول ابن تيمية "وذلك أن كثيرا من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه ويبغضون من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة من موالاة كل قوم لموافقيهم ومعاداتهم لمخالفيهم وكذلك في أمور الدنيا والشهوات كثيرا ما يختار أهلها ويؤثرون من يشاركهم في أمورهم وشهواتهم إما للمعاونة على ذلك كما في المتغلبين من أهل الرياسات وقطاع الطريق ونحو ذلك وإما لتلذذهم بالموافقة كما في المجتمعين على شرب الخمر مثلا فإنهم يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير إما حسدا له على ذلك وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويحمد دونهم وإما لئلا يكون له عليهم حجة وإما لخوفهم من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع ذلك إليهم ولئلا يكونوا تحت منته وخطره ونحو ذلك من الأسباب (الاستقامة 2 / 256)وفي رفض التعاون على الإثم والعدوان يقول ابن القيم:" الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات واعتقادات فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجه آخر؛ فلا بد له من الناس ومخالطتهم ولا ينفك عن موافقتهم أو مخالفتهم وفي الموافقة ألم وعذاب إذا كانت على باطل وفي المخالفة ألم وعذاب إذا لم يوافق أهواءهم واعتقاداتهم وإراداتهم ولا ريب أن ألم المخالفة لهم في باطلهم أسهل وأيسر من الألم المترتب على موافقتهم، واعتبر هذا بمن يطلبون منه الموافقة على ظلم أو فاحشة أو شهادة زور أو المعاونة على محرم فإن لم يوافقهم آذوه وظلموه وعادوه ولكن له العاقبة والنصرة عليهم إن صبر واتقى، وإن وافقهم فرارا من ألم المخالفة أعقبه ذلك من الألم أعظم مما فر منه والغالب أنهم يسلطون عليه فيناله من الألم منهم أضعاف ما ناله من اللذة أولا بموافقتهم فمعرفة هذا ومراعاته من أنفع ما للعبد، فألم يسير يعقب لذة عظيمة دائمة أولى بالاحتمال من لذة يسيرة تعقب ألما عظيما دائما والتوفيق بيد الله5 (إغاثة اللهفان 2 / 193) "
وما قاله كلام صحيح إلا ما ندر مثل المعاونة في الأغاني نظما وتلحينا وتنظيما لحفلاتها وتسجيلها ونشرها فالأغانى ليست كلها محرمة حتى تذكر دون تحديد فالكلام الطيب فى الأغانى مباح وأى كلام حسن مأمور به بأى وسيلة كما قال تعالى " وقولوا للناس حسنا"