رضا البطاوى
15-03-2021, 07:19 AM
قراءة فى كتاب أثر إختلاف الدار على العقوبات الشرعية
الكتاب من تأليف عامر بن عيسى اللهو وهو يدور حول اختلاف عقوبة الجريمة الواحدة بسبب اختلاف الدار المرتكبة فيها وفى هذا قال فى مقدمته:
"أما بعد فهذا بحث في مسألة أثر اختلاف الدار على العقوبات الشرعية وهذه المسألة مسألة مهمة إذ يترتب على العلم بها إيقاع العقوبة على وجهها الصحيح، وذلك أخذا من النصوص الشرعية، وأقوال الفقهاء، والله أسأل أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه"
وفى التمهيد بين اللهو أن الإسلام دين غير مرتبط بمكان ما وإنما دين للناس جميعا فقال:
"تمهيد:
الأصل في الشريعة الإسلامية أنها شريعة عالمية لا مكانية، جاءت للعالم كله لا لجزء منه، وللناس جميعا لا لبعضهم، فهي شريعة الكافة لا يختص بها قوم دون قوم، ولا جنس دون جنس، ولا قارة دون قارة، وهي شريعة العالم كله، يخاطب بها المسلم وغير المسلم، وساكن البلاد الإسلامية، وساكن البلاد غير الإسلامية؛ ولكن لما كان الناس لا يؤمنون بها جميعا، ولا يمكن فرضها عليهم فرضا، فقد قضت ظروف الإمكان أن لا تطبق الشريعة إلا على البلاد التي يدخلها سلطان المسلمين دون غيرها من البلاد، وهكذا أصبح تطبيق الشريعة الإسلامية مرتبطا بسلطان المسلمين وقوتهم "
وبعد ذلك عرف اللهو الدار وأنواعها فقال:
"تعريف الدار وأنواعها:
تعريف الدار لغة: هي في الأصل كل ما يدار عليه الجدار، ويشمل مسكن الإنسان وتوابعه قال ابن منظور: كل موضع حل به قوم، فهو دارهم
وأما عند الفقهاء، فإنهم يقصدون بها البلد من حيث حال أهلها من حيث الإسلام والكفر، ولذا فإنهم يقسمون الدار إلى أقسام:
دار إسلام: وهي البلاد التي غلب فيها المسلمون وكانوا فيها آمنين يحكمون بأحكام الإسلام
دار كفر: وهي البلاد التي يكون فيها المسلمون قلة والحكم فيها بغير أحكام الإسلام
ودار الكفر تنقسم إلى قسمين:
1) دار الحرب: وهي أراضي الدولة الكافرة التي أعلنت الحرب على المسلمين
2) دار العهد: وهي أراضي الدولة الكافرة التي ارتبطت بمعاهدات عدم اعتداء مع المسلمين
ولعل مما يوضح هذين القسمين ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس ما قال: ((كان المشركون على منزلتين من النبي (ص)والمؤمنين؛ كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه )) الحديث
وأما من يسكن دار الإسلام من غير المسلمين فهم على صنفين:
الصنف الأول: هم المستأمنون، قال الإمام ابن القيم: وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن؛ فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه ولعل مما يدل لذلك قوله تعالى: :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "
فالمستأمن هو الذي يقيم في ديار المسلمين بعقد أمان إقامة غير دائمة
والصنف الثاني: هم الذميون، وهم الكفار الذين يستولي المسلمون على ديارهم، فتحكم بالإسلام، ويلتزمون أحكامه، ويدفعون الجزية
ودليل ذلك قوله تعالى: :قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"ط
ما قاله اللهو هنا من تقسيم الدور والتفريق بين أنواع الكفار كلام صحيح لا غبار عليه ثم حدثنا عن جرائم الذميين فقال:
"ولا يلزم الذميون بكل أحكام الإسلام وإنما يلزمون فقط بما لا يتعارض مع معتقدهم،فتقام عليهم الحدود فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنا والقتل، عند الترافع إلى المسلمين لقوله تعالى: :فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إذا كان المتخاصمون منهم وأما ما لا يعتقدون تحريمه كشرب الخمر، فلا يقام عليهم الحد فيه "
والخطأ فى الفقرة السابقة هو أن الذميين يلزمون فقط بما لا يتعارض مع معتقدهم وهو كلام يتنافى مع وجوب تحكيم شرع الله فى الأماكن العامة كافة فى أرض المسلمين كما قال تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
الذميون يلزمون بأحكام الإسلام فى الأماكن العامة وأما داخل بيوتهم ومعابدهم فهم أحرار ومن ثم فأحكام الإسلام تنفذ عليهم لأن الأديان تحل جرائم فى الإسلام مثل اليهودية التى تحل القرض الربوى لغير اليهود ففى سغر التثنية " لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا "ومثل الهندوسية التى تحل الزنى ومن ضمنه ما يسمونه اللواط خطـأ كما قال كتاب الكاما سوترا ومن ثم لا يمكن إحلال هذه الجرائم داخل دولة المسلمين ويعاقب عليها الذميون
ثم قال عن اختلاف مرتكبى الجرائم:
" وبعد هذا التمهيد المختصر في بيان تقسيمات الدار أقول: إن الجريمة إما أن تقع من المسلم على المسلم أو على غيره، أو من غير المسلم على المسلم؛ كما أنها إما أن تكون في دار الإسلام أو غيرها، فعلى ذلك يمكن أن تقسم هذه الاحتمالات إلى المسائل التالية:
المسألة الأولى: إقامة العقوبة على المستأمن في دار الإسلام:
المسألة الثانية: إقامة العقوبة للمستأمن في دار الإسلام
المسألة الثالثة: إقامة العقوبة على المسلم والذمي في دار الحرب
والآن إلى بيان هذه المسائل وتفصيلها"
وتناوزل أولا جرائم المستأمن فى دولة المسلمين فقال:
"المسألة الأولى: إقامة العقوبة على المستأمن في دار الإسلام:
صورة المسألة: أن يقع من المستأمن جناية أو ما يوجب حدا؛ كأن يقتل أو يسرق أو يزني أو نحو ذلك، فهل يقام عليه الحد أو لا؟
- اتفق الفقهاء على أن المستأمن في دار الإسلام إذا قتل عمدا، فإنه يقتل لقول الله تعالى: :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ولما جاء أن النبي (ص)قتل يهوديا، عندما رض اليهودي رأس جارية من الأنصار فقتلها وسواء أكان المقتول مسلما أم ذميا أم مستأمنا
وأما إذا ارتكب المستأمن الجرائم التي توجب حدا، فقد اختلف الفقهاء في إقامة الحد عليه فذهب الأحناف إلى التفريق في الحدود بين ما كان حقا خالصا لله تعالى، وهي جميع الحدود ما عدا حد القذف، وبين ما كان حقا للمسلم وهو حد القذف؛ لذلك فما كان من الحدود حقا لله فلا يقام على المستأمن، فإذا زنى أو سرق أو قطع الطريق، فلا يقام عليه الحد، وعلة ذلك: أنه لم يدخل دار الإسلام على سبيل الإقامة والتوطن بل على سبيل العارية؛ ليعاملنا ونعامله وأما إذا قذف مسلما أو ذميا فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه لما طلب الأمان من المسلمين فقد التزم أمانهم عن الإيذاء بنفسه وظهر حكم الإسلام في حقه))
وقد وافقهم الشافعية في أصح الأوجه عندهم، فقالوا بعدم إقامة حد الزنا على المستأمن أو حد السرقة لعدم التزام المستأمن بذلك وأما عند المالكية فالمشهور من المذهب أن المستأمن إن زنى فإنه يقتل؛ لأنه نقض العهد وعند الحنابلة يقام عليه الحد، ولا يسقط بإسلامه"
قطعا أى جريمة ترتكب فى أرض المسلمين لابد أن ينفذ فيها حكم الله لقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
فالمستأمن إذا ارتكب ما يخالف قانون العقوبات الإسلامى عوقب على أى جريمة بعقوبتها إذا لم يكن جاهلا بالعقوبة وهذا فائدة تعليم المستأمنين وهم المستجيرين القرآن عند نزولهم بلاد المسلمين ومن ثم لا يجل تركهم يتحركون فى البلاد قبل تلقينهم أحكام الإسلام
ثم بين اللهو مسألة ظن أنها مستحدثة فى عصرنا وهى ما يسمونه الحصانة الدبلوماسية فقال:
"- ومن المسائل المعاصرة في هذه المسألة: مسألة سفراء الدول غير الإسلامية لدى الدول الإسلامية، وكذلك الممثلون السياسيون، فهل يقال إنهم لا يخضعون في العقوبات إلا لقانون بلادهم؟
يقول الشيخ محمد أبو زهرة ((لا شك أن هذا عرف سياسي، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، ولكن يجب أن نعلم أن العرف إنما يؤخذ به إذا لم يخالف نصا شرعيا لقول النبي (ص) ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)) وعلى ذلك نقول: أنه إذا اشترط صراحة في التمثيل عدم إقامة الحدود على الممثلين السياسيين، فإن الشرط يكون باطلا، وإذا كان العرف على أنهم يعفون من إقامة الحدود عليهم، فهو عرف فاسد يعارض النصوص فلا يلتفت إليه هذا تطبيق رأي جمهور الفقهاء
أما تطبيق رأي الحنفية الذي يجعل شرط إقامة الحد الولاية الحكمية - أي بالنسبة للمستأمنين- ولذا لا تقام الحدود عليهم، فإنه يتسع لإعفاء الممثلين السياسيين من إقامتها؛ ولكن يجب أن ينبه إلى أن من يرتكب ما يوجب إقامة الحد منهم يخرج فورا حتى لا يكون بقاؤه فيه تحريض على الفساد، ودعوة إليه)) "
فى الإسلام لا يوجد حصانة لأحد حتى ولو كان نبى فقد توعد الله نبيه(ص) بالعقاب لو افترى عليه فقال "ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين" وقال أنه لو ترك الوحى ركونا للكفار لعذبه دنيا وأخرة فقال "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا"
ومن ثم فلا حصانة لسفير ولا لأى كان من الكفار الذميين إذا ارتكبوا جريمة على أرض المسلمين حتى ولو أدى تطبيق العقاب لقيام حرب بين المسلمين ودولته
ثم قال عن ارتكاب جريمة فى حق المستأمن فى دولة المسلمين:
"المسألة الثانية: إقامة العقوبة للمستأمن في دار الإسلام:
صورة المسألة أن يكون المقتول هو المستأمن، فلا يخلو إما أن يكون القاتل مسلما أو ذميا أو مستأمنا فإن كان مستأمنا فلا خلاف في قتله كما تقدم، وإن كان القاتل مسلما، فقد ذهب الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية إلى أنه لا يقتل المسلم بالمستأمن وكلهم قالوا إلا الحنفية: ولا بالذمي واستدلوا على ذلك بحديث علي عن النبي (ص)أنه قال: (لا يقتل مسلم بكافر) ، فلفظ الكافر نكرة في سياق النفي فاشتمل على جنس الكفار عموما وأما الحنفية فقالوا بأن المسلم يقتل بالذمي دون المستأمن واستدلوا على ذلك بما يلي:
1) عمومات نصوص القصاص، نحو قوله تبارك وتعالى: :ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون"
2) أن رسول الله (ص)أقاد مؤمنا بذمي، وقال: ((أنا أحق من وفى ذمته))
3) القياس على المسلم بجامع عصمة الدم في كل
وأجابوا عن الاستدلال بالحديث بأن المراد من الكافر المستأمن؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام ((لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)) عطف قوله، ((ولا ذو عهد في عهده)) على المسلم فكان معناه لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد به - أي بكافر - وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله (ص)((لا يقتل مسلم بكافر)) يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصيصه بإضمار، وقوله: ((ولا ذو عهد)) كلام مبتدأ: أي لا يقتل ذو العهد لأجل عهده وأما إذا كان القاتل عمدا هو الذمي، فقد اختلف الفقهاء في القصاص للمستأمن على قولين:
القول الأول: ذهب أكثر الحنفية إلى عدم القصاص من الذمي للمستأمن
وعللوا ذلك: بأن عصمة المستأمن ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام، فكانت في عصمته شبهة العدم
والغريب في الأمر أن الحنفية يقولون بقتل المسلم بالذمي كما تقدم، ولا يقولون بقتل الذمي بالمستأمن، وهذا مما يضعف قولهم لأن المساواة حاصلة بين الذمي والمستأمن في الدين والعصمة، بخلاف المسلم مع الذمي فلا مساواة، ثم إنه جار على قاعدة القياس
القول الثاني: ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب القصاص على الذمي في النفس وما دونها فلا يحق الاعتداء عليه بغير حق
وسبب الخلاف في هذه المسألة هو أن الأحناف بنوا قولهم على الأخذ بالاستحسان الذي هو من أصول مذهبهم، فعدلوا بهذه المسألة عن حكم نظيرها وهو القتل إلى عدم قتل الذمي استحسانا قال ابن عابدين عن الذمي: هو بمثله - أي المستأمن - قياسا للمساواة لا استحسانا لقيام المبيح وهو عزمه على المحاربة بالعود "
فى الإسلام ى يوجد فرق بين أن يكون المرتكب فى حقه الجريمة كافرا أو مسلما فالعقوبة واحدة للكل فغن كان المقتول مستأمنا قتل قاتل وإن كانم مجروحا جرح الجارج له كما قال تعالى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص" وقال" كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى"
فلم يشترط الله فى الآيات دين لأن كل النفوس والجسام سواء فى الحماية
ثم تناول اللهو قتل الكافر الحر لعبد مسلم فقال:
"- مسألة: إذا قتل الكافر الحر - ذميا كان أو مستأمنا - العبد المسلم، فهل يقتل به؟
تعود هذه المسألة إلى مسألة قتل الحر بالعبد، فذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الحر لا يقتل بالعبد، واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: :ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد
2) قول علي : ((من السنة أن لا يقتل حر بعبد))
3) لا يقطع طرف الحر بطرف العبد فأولى أن لا يقتل به
وذهب الحنفية إلى أن الحر يقتل بالعبد، واستدلوا بما يأتي:
1) عمومات نصوص القصاص من غير فصل بين الحر والعبد
2) الحكمة من مشروعية القصاص هي الحياة، وهذا لا يحصل إلا بإيجاب القصاص بين الحر والعبد
وأجابوا عن الاستدلال بالآية أنها لا تنفي أن يكون قتل الحر بالعبد قصاصا؛ لأن التنصيص لا يدل على التخصيص، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح والله أعلم وبناء على ذلك، فإن الحنفية يرون قتل الكافر الحر - ذميا كان أو مستأمنا - بالعبد المسلم؛ لأن ذلك من مقتضى قولهم المتقدم لأنهم يرون قتل الحر المسلم بالعبد، فقتل الكافر به من باب أولىوأما الجمهور فإنهم يرون أن الكافر الحر لا يقتل بالمسلم العبد وعليه قيمته، والحنابلة يقولون: إن الكافر يقتل لنقضه العهد، فإن قتل المسلم ينتقض به العهد "
لا يوجد فى الإسلام فرق بين الحر والعبد فى الحماية فالنفس محرم قتلها ايا كانت ومن قتل كان لوليه قتل قاتله كما قال تعالى :
"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"
وقد غفل الفقهاء عن التفسير الصحيح لقوله تعالى " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى" فمعناها الرجل بالرجل أى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى فلو أنه أراد المعنى الشائع لقال نفس الكلام عن الأنثى ولكن الله قصد أن كل حر هو عبد له سبحانه وإلا كان قتل قاتل الأنثى محرم لعدم ورود النص فى ذلك ولكنه عندما قال القصاص فى القتلى فكل ما خلفها وما لم يرد فيها يعنى قتل القاتل مقابل القتيل أيا كان نوعه أو أيا كان وضعه المالى أو دينه قالقصاص فى القتلى شامل لكل شىء
ثم قال:
"المسألة الثالثة: إقامة العقوبة على المسلم في دار الحرب:
اختلف الفقهاء في إقامة الحد على المسلم إذا فعل الجريمة في دار الحرب على قولين:
القول الأول: أن المسلم إذا زنا في دار الحرب، أو سرق، أو قذف مسلما لا يؤخذ بشيء من ذلك، وكذلك إذا قتل مسلما لا يؤخذ بالقصاص وإن كان عمدا، ولو فعل شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحد أيضا، ويضمن الدية خطأ كان أو عمدا، إلا إذا غزا الخليفة مع المسلمين فله أن يقيم الحدود، وهذا قول الحنفية واستدلوا على ذلك بأن إمام المسلمين لا يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب لعدم الولاية، ولو رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحد؛ لأن الفعل لم يقع موجبا أصلا - أي موجبا للقصاص - لتعذر الاستيفاء إلا بالمنعة والمنعة منعدمة، ولأن كونه في دار الحرب أورث شبهة في الوجوب، والقصاص لا يجب مع الشبهة
القول الثاني: أن من ارتكب جريمة في دار الحرب، فإنه يقام عليه الحد ولو في دار الحرب،وهذا مذهب المالكية والشافعية والظاهرية، وهو قول الإمام الأوزاعي في غير القطع في السرقة حيث قال: ((من أمر على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار أقام الحدود في عسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع))
واستدلوا على ذلك بأنه لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "ويقول :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وسن رسول الله (ص)على الزاني الثيب الرجم، وحد الله القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر
القول الثالث: لا تقام الحدود في دار الحرب، وإنما تؤخر إقامتها حتى يرجع إلى دار الإسلام، وهذا قول الحنابلة، وإسحاق بن راهويه، وهو قول الأوزاعي في حد القطع فقط كما تقدمواستدلوا على تأخير الحدود، بما روى بسر بن أبي أرطاة ، أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق بختية، فقال: لولا أني سمعت رسول الله (ص)يقول: ((لا تقطع الأيدي في الغزاة)) لقطعت يدك وروي أن عمر كتب إلى الناس ((أن لا يجلدن أمير جيش، ولا سرية رجلا من المسلمين حدا وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا؛ لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار)) ولأنه إجماع الصحابة والذي يظهر أن هذا القول هو الأقرب للصواب لصحة حديث بسر وصراحته، مع اعتضاده بأثر عمر فعلى ذلك يكون مخصصا لعمومات الأدلة في إقامة الحدود، ويكون من باب المصلحة جمعا بين الأدلة"
ينبغى التفرقة فى هذه المسألة بين حالين :
الأول وجود المسلم فى أرض المحاربين وحده وهذا المسلم إذا ارتكب جريمة يكون إما ارتكبها من باب الإكراه على الكفر حتى لا يعذبه الكفار مثل شرب الخمر أو الزنى وهذا ليس عليه عقاب لقوله تعالى :
"وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
وأما إذا ارتكب جريمة مخالفة للإسلام متعمدا دون إكراه فى أرض الكفار المحاربين ولم يعاقب عليها فى تلك الأرض فلا عقاب عليه إذا عاد إلى أرض المسلمين تائبا من تلك الجريمة ولكنه عليه أن يكفر عنها فمثلا إذا قتل أحد فلابد أن يحرر رقبة مؤمنة فإن لم يقدر يصوم شهرين متتابعين
الثانى وجود المسلم مع المجاهدين فى أرض المحاربين للقتال فإذا ارتكب جريمة كاغتصاب امرأة أو قتل أطفالا أو شيوخا أو عجزة فى أثناء الحرب وجب عقابه بقتله فليس هذا من أفعال الجهاد لأنه قتل لنفوس غير محاربة وانتهاك لحدود الله وأما تنفيذ العقاب فيكون فورى ولا يؤجل إذا استولى المسلمين على البلدة لأنه هذا يكون قد ضرب مثل سوء يجعل السكان لا يسلمون بسبب أفعاله ولكن إذا وجدوا العدل ينفذ أمامهم فسوف يرغبون فى الإسلام الذى لا يفرق بين حقوق هذا وذاك
ثم حدثنا عن الجرائم فى دار المعاهدين فقال:
"وبالنسبة للمسلمين في ديار الكفر غير الحربية إذا ارتكبوا جريمة الزنا أو شرب الخمر أو غيرها مع ثبوت ذلك عليهم، فإن الواجب إقامة الحد بحسب القدرة والاستطاعة على ذلك، أما إذا لم يستطع إمام المسلمين إقامة الحدود في تلك البلاد، فلا بأس بتأخيرها حتى رجوع مرتكبيها إلى دار الإسلام فيقيمها عليهم؛ لكن لا تسقط عنهم بحال من الأحوال "
الجرائم المرتكبة من مسلم فى دار العهد كشرب الخمر والزنى ليس عليها أى عقاب إذا عادوا لدار المسلمين تائبين لأنه لا يوجد أربعة شهود على الزنى ولا يوجد شهود على شرب الخمر وحتى الاعتراف لا يفيد فى تلك الأحوال لأن الزنى يتطلب وجوب اعتراف الطرف الثانى وحضوره لأرض المسلمين للاعتراف بجرم الزنى وإلا اعتبر جريمة رمى أى شهادة زور والاعتراف بشرب الخمر إذا كان علنيا عوقب وأما إذا لم يكن علنيا فى عقاب والله يتوب على من تاب ولا يحق له أن يكشف سار الله عليه
ثم تعرض لقتل مسلم في دار الحرب يظن أنه كافر فقال:
"- مسألة: من قتل مسلما في دار الحرب يظنه كافرا:
لا خلاف بين الفقهاء في أن هذه الصورة من قبيل قتل الخطأ، فلا توجب قصاصا؛ لكنهم اختلفوا في وجوب الدية مع الكفارة على قولين:
القول الأول: وجوب الدية والكفارة، وهو قول الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: :ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله
2) لأنه قتل مسلما خطأ فوجبت ديته كما لو كان في دار الإسلام
القول الثاني: وجوب الكفارة دون الدية، وهو الأظهر من مذهب الشافعية، ورواية عند الحنابلة، وهي المذهب واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: :فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة " فتركه لذكر الدية في هذا القسم مع ذكرها في الذي قبله ظاهر في أنها غير واجبة
2) لأن المسلم أسقط حرمته بإقامته في دار الحرب "
قتل المؤمن الذى يقيم متخفيا فى دار الحرب عقوبته تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين كما قال تعالى" فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ثم تناول مسألة دخول الكافر الكعبة للاحتماء فيهت فقال:
- مسألة: لو لجأ الحربي إلى الحرم فهل يقتل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يقتل بل يضيق عليه حتى يموت أو يخرج، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " وقوله سبحانه: :ومن دخله كان آمنا
2) قول النبي (ص)عن مكة: ((لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما"
القول الثاني: أنه يقتل في الحرم، وهذا مذهب المالكية والشافعية واستدلوا بما يلي:
1) ما روي في حديث أبي شريح - -: ((إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدم))
2) قد أمر النبي (ص)بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة
3) أنه حيوان أبيح دمه لعصيانه فأشبه الكلب العقور
وأجيب عن الآيات السابقة أنها منسوخة بآية "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " أو أنها إخبار عما كان في زمن الجاهلية بدليل قوله :أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " وأما الحديث فإن النهي فيه قد يحمل على سفك الدم لغير موجب شرعي والراجح هو القول الثاني لقوة الأدلة وصراحتها وعمومها - والله أعلم –"
أدلة المسألة فى القول الثانى لا قيمة فالنبى(ص) لم يقلها ولم يفعلها والفيصل فى المسألة هو عدم قتل الحربى فى الحرم إلا إذا قاتل المسلمين وفى هذا قال تعالى :
"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم"
ووصف الكافر بكونه حيوان كالكلب هو وصف خاطىء فلا يجوز وصف إنسان بذلك مع أن كل الناس حيوانات بمعنى أن لهم حياة ولكن المراد من التعبير هنا هو السب والذم
الكتاب من تأليف عامر بن عيسى اللهو وهو يدور حول اختلاف عقوبة الجريمة الواحدة بسبب اختلاف الدار المرتكبة فيها وفى هذا قال فى مقدمته:
"أما بعد فهذا بحث في مسألة أثر اختلاف الدار على العقوبات الشرعية وهذه المسألة مسألة مهمة إذ يترتب على العلم بها إيقاع العقوبة على وجهها الصحيح، وذلك أخذا من النصوص الشرعية، وأقوال الفقهاء، والله أسأل أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه"
وفى التمهيد بين اللهو أن الإسلام دين غير مرتبط بمكان ما وإنما دين للناس جميعا فقال:
"تمهيد:
الأصل في الشريعة الإسلامية أنها شريعة عالمية لا مكانية، جاءت للعالم كله لا لجزء منه، وللناس جميعا لا لبعضهم، فهي شريعة الكافة لا يختص بها قوم دون قوم، ولا جنس دون جنس، ولا قارة دون قارة، وهي شريعة العالم كله، يخاطب بها المسلم وغير المسلم، وساكن البلاد الإسلامية، وساكن البلاد غير الإسلامية؛ ولكن لما كان الناس لا يؤمنون بها جميعا، ولا يمكن فرضها عليهم فرضا، فقد قضت ظروف الإمكان أن لا تطبق الشريعة إلا على البلاد التي يدخلها سلطان المسلمين دون غيرها من البلاد، وهكذا أصبح تطبيق الشريعة الإسلامية مرتبطا بسلطان المسلمين وقوتهم "
وبعد ذلك عرف اللهو الدار وأنواعها فقال:
"تعريف الدار وأنواعها:
تعريف الدار لغة: هي في الأصل كل ما يدار عليه الجدار، ويشمل مسكن الإنسان وتوابعه قال ابن منظور: كل موضع حل به قوم، فهو دارهم
وأما عند الفقهاء، فإنهم يقصدون بها البلد من حيث حال أهلها من حيث الإسلام والكفر، ولذا فإنهم يقسمون الدار إلى أقسام:
دار إسلام: وهي البلاد التي غلب فيها المسلمون وكانوا فيها آمنين يحكمون بأحكام الإسلام
دار كفر: وهي البلاد التي يكون فيها المسلمون قلة والحكم فيها بغير أحكام الإسلام
ودار الكفر تنقسم إلى قسمين:
1) دار الحرب: وهي أراضي الدولة الكافرة التي أعلنت الحرب على المسلمين
2) دار العهد: وهي أراضي الدولة الكافرة التي ارتبطت بمعاهدات عدم اعتداء مع المسلمين
ولعل مما يوضح هذين القسمين ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس ما قال: ((كان المشركون على منزلتين من النبي (ص)والمؤمنين؛ كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه )) الحديث
وأما من يسكن دار الإسلام من غير المسلمين فهم على صنفين:
الصنف الأول: هم المستأمنون، قال الإمام ابن القيم: وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن؛ فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه ولعل مما يدل لذلك قوله تعالى: :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "
فالمستأمن هو الذي يقيم في ديار المسلمين بعقد أمان إقامة غير دائمة
والصنف الثاني: هم الذميون، وهم الكفار الذين يستولي المسلمون على ديارهم، فتحكم بالإسلام، ويلتزمون أحكامه، ويدفعون الجزية
ودليل ذلك قوله تعالى: :قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"ط
ما قاله اللهو هنا من تقسيم الدور والتفريق بين أنواع الكفار كلام صحيح لا غبار عليه ثم حدثنا عن جرائم الذميين فقال:
"ولا يلزم الذميون بكل أحكام الإسلام وإنما يلزمون فقط بما لا يتعارض مع معتقدهم،فتقام عليهم الحدود فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنا والقتل، عند الترافع إلى المسلمين لقوله تعالى: :فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إذا كان المتخاصمون منهم وأما ما لا يعتقدون تحريمه كشرب الخمر، فلا يقام عليهم الحد فيه "
والخطأ فى الفقرة السابقة هو أن الذميين يلزمون فقط بما لا يتعارض مع معتقدهم وهو كلام يتنافى مع وجوب تحكيم شرع الله فى الأماكن العامة كافة فى أرض المسلمين كما قال تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
الذميون يلزمون بأحكام الإسلام فى الأماكن العامة وأما داخل بيوتهم ومعابدهم فهم أحرار ومن ثم فأحكام الإسلام تنفذ عليهم لأن الأديان تحل جرائم فى الإسلام مثل اليهودية التى تحل القرض الربوى لغير اليهود ففى سغر التثنية " لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا "ومثل الهندوسية التى تحل الزنى ومن ضمنه ما يسمونه اللواط خطـأ كما قال كتاب الكاما سوترا ومن ثم لا يمكن إحلال هذه الجرائم داخل دولة المسلمين ويعاقب عليها الذميون
ثم قال عن اختلاف مرتكبى الجرائم:
" وبعد هذا التمهيد المختصر في بيان تقسيمات الدار أقول: إن الجريمة إما أن تقع من المسلم على المسلم أو على غيره، أو من غير المسلم على المسلم؛ كما أنها إما أن تكون في دار الإسلام أو غيرها، فعلى ذلك يمكن أن تقسم هذه الاحتمالات إلى المسائل التالية:
المسألة الأولى: إقامة العقوبة على المستأمن في دار الإسلام:
المسألة الثانية: إقامة العقوبة للمستأمن في دار الإسلام
المسألة الثالثة: إقامة العقوبة على المسلم والذمي في دار الحرب
والآن إلى بيان هذه المسائل وتفصيلها"
وتناوزل أولا جرائم المستأمن فى دولة المسلمين فقال:
"المسألة الأولى: إقامة العقوبة على المستأمن في دار الإسلام:
صورة المسألة: أن يقع من المستأمن جناية أو ما يوجب حدا؛ كأن يقتل أو يسرق أو يزني أو نحو ذلك، فهل يقام عليه الحد أو لا؟
- اتفق الفقهاء على أن المستأمن في دار الإسلام إذا قتل عمدا، فإنه يقتل لقول الله تعالى: :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ولما جاء أن النبي (ص)قتل يهوديا، عندما رض اليهودي رأس جارية من الأنصار فقتلها وسواء أكان المقتول مسلما أم ذميا أم مستأمنا
وأما إذا ارتكب المستأمن الجرائم التي توجب حدا، فقد اختلف الفقهاء في إقامة الحد عليه فذهب الأحناف إلى التفريق في الحدود بين ما كان حقا خالصا لله تعالى، وهي جميع الحدود ما عدا حد القذف، وبين ما كان حقا للمسلم وهو حد القذف؛ لذلك فما كان من الحدود حقا لله فلا يقام على المستأمن، فإذا زنى أو سرق أو قطع الطريق، فلا يقام عليه الحد، وعلة ذلك: أنه لم يدخل دار الإسلام على سبيل الإقامة والتوطن بل على سبيل العارية؛ ليعاملنا ونعامله وأما إذا قذف مسلما أو ذميا فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه لما طلب الأمان من المسلمين فقد التزم أمانهم عن الإيذاء بنفسه وظهر حكم الإسلام في حقه))
وقد وافقهم الشافعية في أصح الأوجه عندهم، فقالوا بعدم إقامة حد الزنا على المستأمن أو حد السرقة لعدم التزام المستأمن بذلك وأما عند المالكية فالمشهور من المذهب أن المستأمن إن زنى فإنه يقتل؛ لأنه نقض العهد وعند الحنابلة يقام عليه الحد، ولا يسقط بإسلامه"
قطعا أى جريمة ترتكب فى أرض المسلمين لابد أن ينفذ فيها حكم الله لقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
فالمستأمن إذا ارتكب ما يخالف قانون العقوبات الإسلامى عوقب على أى جريمة بعقوبتها إذا لم يكن جاهلا بالعقوبة وهذا فائدة تعليم المستأمنين وهم المستجيرين القرآن عند نزولهم بلاد المسلمين ومن ثم لا يجل تركهم يتحركون فى البلاد قبل تلقينهم أحكام الإسلام
ثم بين اللهو مسألة ظن أنها مستحدثة فى عصرنا وهى ما يسمونه الحصانة الدبلوماسية فقال:
"- ومن المسائل المعاصرة في هذه المسألة: مسألة سفراء الدول غير الإسلامية لدى الدول الإسلامية، وكذلك الممثلون السياسيون، فهل يقال إنهم لا يخضعون في العقوبات إلا لقانون بلادهم؟
يقول الشيخ محمد أبو زهرة ((لا شك أن هذا عرف سياسي، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، ولكن يجب أن نعلم أن العرف إنما يؤخذ به إذا لم يخالف نصا شرعيا لقول النبي (ص) ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)) وعلى ذلك نقول: أنه إذا اشترط صراحة في التمثيل عدم إقامة الحدود على الممثلين السياسيين، فإن الشرط يكون باطلا، وإذا كان العرف على أنهم يعفون من إقامة الحدود عليهم، فهو عرف فاسد يعارض النصوص فلا يلتفت إليه هذا تطبيق رأي جمهور الفقهاء
أما تطبيق رأي الحنفية الذي يجعل شرط إقامة الحد الولاية الحكمية - أي بالنسبة للمستأمنين- ولذا لا تقام الحدود عليهم، فإنه يتسع لإعفاء الممثلين السياسيين من إقامتها؛ ولكن يجب أن ينبه إلى أن من يرتكب ما يوجب إقامة الحد منهم يخرج فورا حتى لا يكون بقاؤه فيه تحريض على الفساد، ودعوة إليه)) "
فى الإسلام لا يوجد حصانة لأحد حتى ولو كان نبى فقد توعد الله نبيه(ص) بالعقاب لو افترى عليه فقال "ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين" وقال أنه لو ترك الوحى ركونا للكفار لعذبه دنيا وأخرة فقال "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا"
ومن ثم فلا حصانة لسفير ولا لأى كان من الكفار الذميين إذا ارتكبوا جريمة على أرض المسلمين حتى ولو أدى تطبيق العقاب لقيام حرب بين المسلمين ودولته
ثم قال عن ارتكاب جريمة فى حق المستأمن فى دولة المسلمين:
"المسألة الثانية: إقامة العقوبة للمستأمن في دار الإسلام:
صورة المسألة أن يكون المقتول هو المستأمن، فلا يخلو إما أن يكون القاتل مسلما أو ذميا أو مستأمنا فإن كان مستأمنا فلا خلاف في قتله كما تقدم، وإن كان القاتل مسلما، فقد ذهب الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية إلى أنه لا يقتل المسلم بالمستأمن وكلهم قالوا إلا الحنفية: ولا بالذمي واستدلوا على ذلك بحديث علي عن النبي (ص)أنه قال: (لا يقتل مسلم بكافر) ، فلفظ الكافر نكرة في سياق النفي فاشتمل على جنس الكفار عموما وأما الحنفية فقالوا بأن المسلم يقتل بالذمي دون المستأمن واستدلوا على ذلك بما يلي:
1) عمومات نصوص القصاص، نحو قوله تبارك وتعالى: :ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون"
2) أن رسول الله (ص)أقاد مؤمنا بذمي، وقال: ((أنا أحق من وفى ذمته))
3) القياس على المسلم بجامع عصمة الدم في كل
وأجابوا عن الاستدلال بالحديث بأن المراد من الكافر المستأمن؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام ((لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)) عطف قوله، ((ولا ذو عهد في عهده)) على المسلم فكان معناه لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد به - أي بكافر - وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله (ص)((لا يقتل مسلم بكافر)) يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصيصه بإضمار، وقوله: ((ولا ذو عهد)) كلام مبتدأ: أي لا يقتل ذو العهد لأجل عهده وأما إذا كان القاتل عمدا هو الذمي، فقد اختلف الفقهاء في القصاص للمستأمن على قولين:
القول الأول: ذهب أكثر الحنفية إلى عدم القصاص من الذمي للمستأمن
وعللوا ذلك: بأن عصمة المستأمن ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام، فكانت في عصمته شبهة العدم
والغريب في الأمر أن الحنفية يقولون بقتل المسلم بالذمي كما تقدم، ولا يقولون بقتل الذمي بالمستأمن، وهذا مما يضعف قولهم لأن المساواة حاصلة بين الذمي والمستأمن في الدين والعصمة، بخلاف المسلم مع الذمي فلا مساواة، ثم إنه جار على قاعدة القياس
القول الثاني: ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب القصاص على الذمي في النفس وما دونها فلا يحق الاعتداء عليه بغير حق
وسبب الخلاف في هذه المسألة هو أن الأحناف بنوا قولهم على الأخذ بالاستحسان الذي هو من أصول مذهبهم، فعدلوا بهذه المسألة عن حكم نظيرها وهو القتل إلى عدم قتل الذمي استحسانا قال ابن عابدين عن الذمي: هو بمثله - أي المستأمن - قياسا للمساواة لا استحسانا لقيام المبيح وهو عزمه على المحاربة بالعود "
فى الإسلام ى يوجد فرق بين أن يكون المرتكب فى حقه الجريمة كافرا أو مسلما فالعقوبة واحدة للكل فغن كان المقتول مستأمنا قتل قاتل وإن كانم مجروحا جرح الجارج له كما قال تعالى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص" وقال" كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى"
فلم يشترط الله فى الآيات دين لأن كل النفوس والجسام سواء فى الحماية
ثم تناول اللهو قتل الكافر الحر لعبد مسلم فقال:
"- مسألة: إذا قتل الكافر الحر - ذميا كان أو مستأمنا - العبد المسلم، فهل يقتل به؟
تعود هذه المسألة إلى مسألة قتل الحر بالعبد، فذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الحر لا يقتل بالعبد، واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: :ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد
2) قول علي : ((من السنة أن لا يقتل حر بعبد))
3) لا يقطع طرف الحر بطرف العبد فأولى أن لا يقتل به
وذهب الحنفية إلى أن الحر يقتل بالعبد، واستدلوا بما يأتي:
1) عمومات نصوص القصاص من غير فصل بين الحر والعبد
2) الحكمة من مشروعية القصاص هي الحياة، وهذا لا يحصل إلا بإيجاب القصاص بين الحر والعبد
وأجابوا عن الاستدلال بالآية أنها لا تنفي أن يكون قتل الحر بالعبد قصاصا؛ لأن التنصيص لا يدل على التخصيص، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح والله أعلم وبناء على ذلك، فإن الحنفية يرون قتل الكافر الحر - ذميا كان أو مستأمنا - بالعبد المسلم؛ لأن ذلك من مقتضى قولهم المتقدم لأنهم يرون قتل الحر المسلم بالعبد، فقتل الكافر به من باب أولىوأما الجمهور فإنهم يرون أن الكافر الحر لا يقتل بالمسلم العبد وعليه قيمته، والحنابلة يقولون: إن الكافر يقتل لنقضه العهد، فإن قتل المسلم ينتقض به العهد "
لا يوجد فى الإسلام فرق بين الحر والعبد فى الحماية فالنفس محرم قتلها ايا كانت ومن قتل كان لوليه قتل قاتله كما قال تعالى :
"ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا"
وقد غفل الفقهاء عن التفسير الصحيح لقوله تعالى " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى" فمعناها الرجل بالرجل أى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى فلو أنه أراد المعنى الشائع لقال نفس الكلام عن الأنثى ولكن الله قصد أن كل حر هو عبد له سبحانه وإلا كان قتل قاتل الأنثى محرم لعدم ورود النص فى ذلك ولكنه عندما قال القصاص فى القتلى فكل ما خلفها وما لم يرد فيها يعنى قتل القاتل مقابل القتيل أيا كان نوعه أو أيا كان وضعه المالى أو دينه قالقصاص فى القتلى شامل لكل شىء
ثم قال:
"المسألة الثالثة: إقامة العقوبة على المسلم في دار الحرب:
اختلف الفقهاء في إقامة الحد على المسلم إذا فعل الجريمة في دار الحرب على قولين:
القول الأول: أن المسلم إذا زنا في دار الحرب، أو سرق، أو قذف مسلما لا يؤخذ بشيء من ذلك، وكذلك إذا قتل مسلما لا يؤخذ بالقصاص وإن كان عمدا، ولو فعل شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحد أيضا، ويضمن الدية خطأ كان أو عمدا، إلا إذا غزا الخليفة مع المسلمين فله أن يقيم الحدود، وهذا قول الحنفية واستدلوا على ذلك بأن إمام المسلمين لا يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب لعدم الولاية، ولو رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحد؛ لأن الفعل لم يقع موجبا أصلا - أي موجبا للقصاص - لتعذر الاستيفاء إلا بالمنعة والمنعة منعدمة، ولأن كونه في دار الحرب أورث شبهة في الوجوب، والقصاص لا يجب مع الشبهة
القول الثاني: أن من ارتكب جريمة في دار الحرب، فإنه يقام عليه الحد ولو في دار الحرب،وهذا مذهب المالكية والشافعية والظاهرية، وهو قول الإمام الأوزاعي في غير القطع في السرقة حيث قال: ((من أمر على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار أقام الحدود في عسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع))
واستدلوا على ذلك بأنه لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "ويقول :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وسن رسول الله (ص)على الزاني الثيب الرجم، وحد الله القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر
القول الثالث: لا تقام الحدود في دار الحرب، وإنما تؤخر إقامتها حتى يرجع إلى دار الإسلام، وهذا قول الحنابلة، وإسحاق بن راهويه، وهو قول الأوزاعي في حد القطع فقط كما تقدمواستدلوا على تأخير الحدود، بما روى بسر بن أبي أرطاة ، أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق بختية، فقال: لولا أني سمعت رسول الله (ص)يقول: ((لا تقطع الأيدي في الغزاة)) لقطعت يدك وروي أن عمر كتب إلى الناس ((أن لا يجلدن أمير جيش، ولا سرية رجلا من المسلمين حدا وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا؛ لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار)) ولأنه إجماع الصحابة والذي يظهر أن هذا القول هو الأقرب للصواب لصحة حديث بسر وصراحته، مع اعتضاده بأثر عمر فعلى ذلك يكون مخصصا لعمومات الأدلة في إقامة الحدود، ويكون من باب المصلحة جمعا بين الأدلة"
ينبغى التفرقة فى هذه المسألة بين حالين :
الأول وجود المسلم فى أرض المحاربين وحده وهذا المسلم إذا ارتكب جريمة يكون إما ارتكبها من باب الإكراه على الكفر حتى لا يعذبه الكفار مثل شرب الخمر أو الزنى وهذا ليس عليه عقاب لقوله تعالى :
"وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
وأما إذا ارتكب جريمة مخالفة للإسلام متعمدا دون إكراه فى أرض الكفار المحاربين ولم يعاقب عليها فى تلك الأرض فلا عقاب عليه إذا عاد إلى أرض المسلمين تائبا من تلك الجريمة ولكنه عليه أن يكفر عنها فمثلا إذا قتل أحد فلابد أن يحرر رقبة مؤمنة فإن لم يقدر يصوم شهرين متتابعين
الثانى وجود المسلم مع المجاهدين فى أرض المحاربين للقتال فإذا ارتكب جريمة كاغتصاب امرأة أو قتل أطفالا أو شيوخا أو عجزة فى أثناء الحرب وجب عقابه بقتله فليس هذا من أفعال الجهاد لأنه قتل لنفوس غير محاربة وانتهاك لحدود الله وأما تنفيذ العقاب فيكون فورى ولا يؤجل إذا استولى المسلمين على البلدة لأنه هذا يكون قد ضرب مثل سوء يجعل السكان لا يسلمون بسبب أفعاله ولكن إذا وجدوا العدل ينفذ أمامهم فسوف يرغبون فى الإسلام الذى لا يفرق بين حقوق هذا وذاك
ثم حدثنا عن الجرائم فى دار المعاهدين فقال:
"وبالنسبة للمسلمين في ديار الكفر غير الحربية إذا ارتكبوا جريمة الزنا أو شرب الخمر أو غيرها مع ثبوت ذلك عليهم، فإن الواجب إقامة الحد بحسب القدرة والاستطاعة على ذلك، أما إذا لم يستطع إمام المسلمين إقامة الحدود في تلك البلاد، فلا بأس بتأخيرها حتى رجوع مرتكبيها إلى دار الإسلام فيقيمها عليهم؛ لكن لا تسقط عنهم بحال من الأحوال "
الجرائم المرتكبة من مسلم فى دار العهد كشرب الخمر والزنى ليس عليها أى عقاب إذا عادوا لدار المسلمين تائبين لأنه لا يوجد أربعة شهود على الزنى ولا يوجد شهود على شرب الخمر وحتى الاعتراف لا يفيد فى تلك الأحوال لأن الزنى يتطلب وجوب اعتراف الطرف الثانى وحضوره لأرض المسلمين للاعتراف بجرم الزنى وإلا اعتبر جريمة رمى أى شهادة زور والاعتراف بشرب الخمر إذا كان علنيا عوقب وأما إذا لم يكن علنيا فى عقاب والله يتوب على من تاب ولا يحق له أن يكشف سار الله عليه
ثم تعرض لقتل مسلم في دار الحرب يظن أنه كافر فقال:
"- مسألة: من قتل مسلما في دار الحرب يظنه كافرا:
لا خلاف بين الفقهاء في أن هذه الصورة من قبيل قتل الخطأ، فلا توجب قصاصا؛ لكنهم اختلفوا في وجوب الدية مع الكفارة على قولين:
القول الأول: وجوب الدية والكفارة، وهو قول الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: :ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله
2) لأنه قتل مسلما خطأ فوجبت ديته كما لو كان في دار الإسلام
القول الثاني: وجوب الكفارة دون الدية، وهو الأظهر من مذهب الشافعية، ورواية عند الحنابلة، وهي المذهب واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: :فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة " فتركه لذكر الدية في هذا القسم مع ذكرها في الذي قبله ظاهر في أنها غير واجبة
2) لأن المسلم أسقط حرمته بإقامته في دار الحرب "
قتل المؤمن الذى يقيم متخفيا فى دار الحرب عقوبته تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين كما قال تعالى" فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ثم تناول مسألة دخول الكافر الكعبة للاحتماء فيهت فقال:
- مسألة: لو لجأ الحربي إلى الحرم فهل يقتل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا يقتل بل يضيق عليه حتى يموت أو يخرج، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1) قوله تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " وقوله سبحانه: :ومن دخله كان آمنا
2) قول النبي (ص)عن مكة: ((لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما"
القول الثاني: أنه يقتل في الحرم، وهذا مذهب المالكية والشافعية واستدلوا بما يلي:
1) ما روي في حديث أبي شريح - -: ((إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدم))
2) قد أمر النبي (ص)بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة
3) أنه حيوان أبيح دمه لعصيانه فأشبه الكلب العقور
وأجيب عن الآيات السابقة أنها منسوخة بآية "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " أو أنها إخبار عما كان في زمن الجاهلية بدليل قوله :أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " وأما الحديث فإن النهي فيه قد يحمل على سفك الدم لغير موجب شرعي والراجح هو القول الثاني لقوة الأدلة وصراحتها وعمومها - والله أعلم –"
أدلة المسألة فى القول الثانى لا قيمة فالنبى(ص) لم يقلها ولم يفعلها والفيصل فى المسألة هو عدم قتل الحربى فى الحرم إلا إذا قاتل المسلمين وفى هذا قال تعالى :
"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم"
ووصف الكافر بكونه حيوان كالكلب هو وصف خاطىء فلا يجوز وصف إنسان بذلك مع أن كل الناس حيوانات بمعنى أن لهم حياة ولكن المراد من التعبير هنا هو السب والذم