رضا البطاوى
24-06-2021, 07:32 AM
نقد كتاب أثر السياق في دلالة السكوت على الأحكام
مؤلف الكتاب هو حسن السيد حامد خطاب وهو يدور حول أثر السياق في دلالة السكوت على الأحكام والكتاب مبنى على باطل للتالى :
ان الحكام تؤخذ من الوحى المنزل وحده كما قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وفال " الظالمون" وقال" الفاسقون" وكله بنفس المعنى ومن ثم لا يوجد حكم إلا فيه نص كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"وقد استهل خطاب الكتاب بالمقدمة التالية:
" وبعد ,,,فيعد السكوت جزءا من البيان الذي علمه الله تعالى للإنسان في قوله تعالى: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان }
وهو وسيلة من وسائل البيان البشري, وله من وجوه البلاغة ما لا يوجد في الكلام, ويدل على أمور قد لا يدل عليها الألفاظ, فالمتكلم في بعض السياقات يؤثر الدلالة عليها بالسكوت؛ لأنه رأى دلالات, قد لايقوى عليها اللفظ أويطول به السياق ؛ ولهذا قد نرى في كثير من الأحيان السكوت جوابا؛ ولذا قال الحكماء: «الحكمة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت, والعاشر عزلة الناس» ومن ثم فإن البيان بالسكوت قسيم البيان باللفظ, ويحتل مرتبة عالية تلي البيان باللفظ, ولأنه الأكثر استخداما في حياة الرسول (ص) وقد أرسله الله تعالى ليبين للناس ما نزل إليهم, وكان يسكت أكثر مما يتكلم, وهذا دليل واضح على أن سكوته (ص) كان وسيلة من وسائل البيان, وهي وسيلة تحتاج إلى تحليل وفهم, كما أن كلامه (ص) يحتاج إلى تحليل وفهم لكن السكوت تارة يدل على الرضا, وتارة يدل على الرفض, وتارة يكون إقرارا, وتارة يكون إنكارا, ويختلف في دلالته على الحكم من شخص لآخر"
خطاب أخطأ عدة مرات فى المقدمة أولها أن السكون جزء من البيان وهو ما يخالف أن السكوت كما قال هو يعبر على الرضا, وتارة يدل على الرفض, وتارة يكون إقرارا, وتارة يكون إنكارا ومن ثم لا يمكن أن يكون بيانا لأن السكون يعنى أمورا مختلفة وثانيها أن الحكمة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت, والعاشر عزلة الناس فالصمت ليس حكمة بل يكون كفرا كما قال تعالى "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" والعزلة غير مطلوبة لتناقضها قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
وفى التمهيد استعرض معنى السكوت فقال :
"التمهيد
معنى السكوت في اللغة والاصطلاح والفرق بين السكوت, والإنصات, والصمت
أولا: معنى السكوت في اللغة:
السكوت في اللغة: الصمت وانقطاع الكلام قال الراغب: «السكوت مختص بترك الكلام» قال الرازي: «سكت: يسكت سكتا وسكوتا, وسكاتا, وسكت الغضب مثل: سكن» قال تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب} والسكتة بالفتح: داء, والسكيت: الدائم السكون والسكوت هو: ترك الكلام مع القدرة عليه والفرق بينه وبين الصمت والإنصات:
أن الإنصات هو: السكوت للاستماع يقال: أنصت إذا سكت, وأسكته فهو لازم ومتعد فهو أخص من السكوت وقيل الصمت هو: السكوت الطويل, أو السكوت مطلقا سواء كان قادرا على الكلام أو لا فهو أعم من السكوت
ثانيا: معنى السكوت اصطلاحا:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي للسكوت عن المعنى اللغوي, فقد ذكر الفقهاء أن السكوت هو ترك الكلام مع القدرة عليه, فهو مختص بترك الكلام, والعلاقة بينهما التضاد
قال الرازي: «ترك الكلام له أربعة أسماء: الصمت, والسكوت, والإنصات, والإصاخة, أما الصمت: فهو أعمها؛ لأنه يستعمل فيما يقوى على النطق, وما لا يقوى عليه وأما السكوت: فهو ترك الكلام لمن يقدر عليه وأما الإنصات: فهو سكوت مع استماع, ومتى انفصل أحدهما عن الآخر لا يقال له إنصات كما في قوله تعالى: {فاستمعوا له وأنصتوا} والإصاخة استماع إلى ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد»وعلى هذا فالسكوت نوع من الصمت, والصمت أعم منه بخلاف الإنصات والإصاخة فهي تعني معان محددة"
والسكوت القرآنى كما فى قوله" ولما سكت عن موسى الغضب" ليس سكوتا عن الكلام وإنما تعبير عن السكون النفسى والحركى بمعنى أن الغضب يعبر عنه بتعابير مختلفة مثل الحركية كإمساك موسى(ص) رأس أخيه هارون(ص)وجره نحوه ومثل رمى الألواح ومثل الكلام بالشتم
ثم حدثنا خطاب عن فضل السكوت فقال:
"ثالثا: فضل السكوت وحكمه:
الأصل في الإنسان السكوت ولا يتكلم إلا عندما يريد قضاء حاجاته, فالكلام يؤدي إلى التزام الإنسان بمسؤوليات وتبعات؛ ولهذا كان السكوت مطلوبا في حالات كثيرة, وخاصة الكلام الذي لا يفيد, أو الذي يحمل صاحبه على تبعات, وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يفيد أن الصمت والسكوت أفضل من الكلام في كثير من الحالات, ومن ذلك آيات كثيرة من أهمها ما يلي:
[أ] قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون} واللغو هو: الكلام الذي لا يفيد, فالسكوت أفضل منه
[ب] ما جاء في وصف عباد الرحمن بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما أي لا يتكلمون في الباطل وما لا يفيد قال تعالى: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}
[ج] ما جاء في أمر الله تعالى لمريم بالصمت عندما تعود إلى القوم ومعها وليدها عيسى ابن مريم (ص) قال تعالى: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} وقد كان الصيام عن الكلام مشروعا في شرع من قبلنا, ونهينا عنه فيما روي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص): « لا يتم بعد حلم ولا صمت يوم إلى الليل» وقد ورد في السنة ما يفيد أن الصمت والسكوت يكون أفضل من الكلام في حالات كثيرة, ومن ذلك أحاديث أهمها ما يلي:
[1] قوله (ص): «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال , وإضاعة المال, وكثرة السؤال»
[2] قوله (ص): «ذروني ما تركتكم, فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم, فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم, وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»
[3] وفي حديث معاذ بن جبل عندما سأل النبي (ص): وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أوعلى مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم "
[4] قوله (ص): «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ومعنى تركه ما لا يعنيه: ترك الأقوال والأفعال وفضول المباحات
[5] وما ورد في حديث سهل بن سعد: عن رسول الله (ص) أنه قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»
[6] ما روي عن أبي ذر أنه لقي رسول الله (ص) فقال له: «يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟»قال: بلى يا رسول الله, قال: «عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلها» فهذه الأحاديث يستفاد منها أن الصمت أولى من الكلام في حالات كثيرة, وأنه ينبغي للإنسان أن يتحكم في لسانه, ولا يتكلم إلا عندما تكون هناك ضرورة للكلام وإلا فالصمت أولى وقد روي عن السلف ما يؤيد ذلك قال عبد الله بن مسعود أنه قال: «والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان»
يريد أن السكوت والصمت أفضل من الكلام في حالات كثيرة؛ ولذا قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسان وليس يموت من ذلة القدم
ولهذا قيل في الأمثال: خير الكلام ما قل ودل , وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب, وذلك ترغيبا في الصمت في الحالات التي لا يأمن الإنسان فيها من الخوض فيما لا ينفع, والكلام فيما لا يفيد"
وما ذكره خطاب من أدلة لا يوجد منها فى القرآن دليل على الصمت ولم يذكره فيها صمت ولا سكوت والروايات الحديثية بعضها صحيح المعنى والبعض الأخر مناقض لنصوص قرآنية فالله لم يطلب منا الصمت وطلب منه القول وهو الكلام فقال:
"وقولوا للناس حسنا"
واعتبر الصامت عن قول الحق فى الشهادة كافر فقال " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"
ثم تساءل عن من هو الأفضل السكوت أم الكلام فقال:
"رابعا: هل السكوت أفضل من الكلام مطلقا؟
لا يمكن الحكم بأفضلية السكوت عن الكلام مطلقا ولا العكس, فقد يكون الكلام أفضل من السكوت, وقد يكون السكوت أفضل في حالات, وهذا أمر يختلف بحسب القرائن والأحوال, وكذلك قرر الفقهاء أن السكوت تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة:
فقد يكون حراما إذا كان على منكر فيجب أن ينكره بالقول أوالفعل
وقد يكون واجبا كما في سكوت المقتدي في الصلاة الجهرية عملا بقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}
وقوله (ص): «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد» وكذلك السكوت لاستماع الخطبة لقوله (ص): «من قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا فليس له من جمعته تلك شيء» وقد يكون مندوبا كما في سكوت الإمام بعد قراءة الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة, وذلك عند الحنابلة وبعض الشافعية وقد يكون الكلام واجبا: كما في القراءة في الصلاة وقد يكون الكلام حراما: كما في الغيبة مثلا فالسكوت عنه واجب وقد يكون الكلام مكروها: كما في إنشاء الشعر القبيح أو الترويج لبيع سلعة مثلا, فالحكم يختلف بحسب الأحوال
خامسا: هل السكوت أفضل من الكلام مطلقا؟
اختلف الفقهاء في هل السكوت أفضل أم الدعاء؟
يرى بعض العلماء من أهل الفتوى أن الدعاء مطلوب في كل وقت عملا بالآيات الدالة على الأمر بالدعاء كما في قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية}وقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}وعن أبي هريرة أن رسول (ص) قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له»
وعن عبدالله بن عمرو أن رسول الله (ص) قال: «من صمت نجا»
ويرى بعضهم أن ترك الدعاء أفضل استسلاما ورضا بقضاء الله تعالى, وهو مذهب الزهاد والصوفية, وأهل المعارف ويرى بعض الصوفية أنه يجب أن يكون العبد صاحب دعاء بلسانه, ورضا بقلبه ليجمع بين الأمرين:
وقال القشيري: «الأولى أن يقال أن الأوقات مختلفة, ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل, وفي بعضها السكوت أفضل, وإنما يعرف ذلك في الوقت, لأن علم الوقت يجعل في الوقت, فإذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء, فالدعاء منه أولى, وإذا وجد إشارة إلى السكوت فهو أفضل»
فليس في السكوت فائدة لذاته, وإنما لما يترتب عليه كما أن الكلام كذلك ليس مطلوبا لذاته, وإنما لآثاره؛ ولهذا قال (ص): «يا معاذ إنك ما صمت فإنك عالم فإذا تكلمت فلك أو عليك»
وقال الحكماء: الزم الصمت تعد حكيما جاهلا كنت أوعالما
لأن الكلام ينبئ عن عقل صاحبه وعلمه؛ ولذا قيل عقل المرء مخبوء تحت لسانه
وقد حكى أبو يوسف أن رجلا كان يجلس إليه فيطيل الصمت, فقال أبو يوسف: «ألا تسأل؟ قال: بلى- متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس
قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ قال: فتبسم أبو يوسف, وتمثل بقول جرير:
وفي الصمت ستر للغبي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلما
وقد دعا النبي (ص) المسلم أن يكون جامعا لأفضل الأقوال فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»
وقال: «طوبى لمن عمل بعمله وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله»وعن وهيب بن الورد قال: «الحكمة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت, والعاشر عزلة الناس» وعن وهب بن منبه: أجمع الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت وقال عمر بن عبد العزيز: «إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس, فاقتربوا منه, فإنه يلقن الحكمة» "
والسؤال عن الأفضلية كما استنتج خطاب وكما ذكر عن الفقهاء ليس له اجابة بهذا أو ذاك فهناك مواقف يحسن فيها الكلام وهناك مواقف يحسن فيها الصمت والروايات التى ذكرها خطاب منها روايات مناقضة لكتاب الله كرواية نزول الله للسماء الدنيا حالا فى المكان ومتجسدا وهو ما يناقض أنه ليس كخلقه يحل فى مكان او له حدود وفى هذا قال تعالى"ليس كمثله شىء" ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الرضا والإذن فقال:
"الفرع الأول أثر السياق في دلالة السكوت على الرضا والإذن:
السكوت عدم محض, ولكن مع سياقاته وقرائنه وملابساته يفهم منه دلالات يعبر عنها بالكلام, فيترجم السكوت إلى ألفاظ ومعاني لصيقة به بحسب السياق, فالسكوت عن البيان بيان, وهذه من أسرار اللغة كما قال الجرجاني: «فإنك ترى الذكر أفصح من الذكر, والصمت عن الإفادة أزيد إفادة, وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق, وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن» وذلك لأن السياق قد يستدعي ترك الكلام, وتحميل المعاني, والسكوت ليشترك المتلقي والساكت في رسم المراد وفهمه, كما أن هناك من الدلالات ما يتوارى اللفظ عنها مجازا أو عجزا أو رفعة, وساعتها يحسن السكوت ليحمل هذه المعاني إلى المتلقي ويفهمها على حسب ما وردت فيه من الملابسات, فالسياق له أثره في تحديد دلالة السكوت على الحكم الشرعي, فتارة يفهم من السكوت المشروعية, وتارة يفهم منه عدم المشروعية, وتارة يدل على الرضا والموافقة, وتارة يدل على الإنكار والرفض, وتارة يدل على الفرح, وتارة يدل على الغضب, وتارة يدل على الإثبات, وتارة يدل على النفي, ولا يحدد المعنى المراد, ولا يمكن وضوح الدلالة من السكوت بمفرده؛ لأنه عدم محض, وأنه لا ينسب إلى ساكت قول, وإنما بمساعدة السياق الحالي أوا لمقالي اللفظي أوالمعنوي, لما هو مقرر عند علماء اللغة أن من مكونات نظرية السياق مايلي :
أولا: سياق الحال و يتكون من عدة عناصر هي:
1 - الكلام (أو النص المنشأ نفسه)
2 - شخصية المتكلم وعلاقته بالنص
3 - شخصية السامع ومدى علاقته بالنص
4 - الموضوعات المتصلة بالكلام وموقفه
وهذا يعنى أن السياق أو القرائن الحالية أو المقامية تمتد لتشمل: المخاطب (المتكلم) وحقيقته (أو شخصيته)، والمخاطب (السامع – أو المتلقي) وشخصيته، وما يحيط بالخطاب من ظروف مادية ومعنوية, وأن الكلمة إذا أخذت بمعزل عن السياق تحتمل صنوفا من المعاني، فلا يعرف المراد منها على وجه التحديد, وفيما يلي بيان ذلك:
أولا: أثر السياق فى دلالة السكوت على الإباحة:
تتضح دلالة السكوت على الإباحة من قوله (ص): «إن الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها و سكت عن أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها»
وجه الدلالة: أن معنى ما سكت عنه الشرع رحمة بالمكلفين من غير نسيان, من غير أن يأمر به أوينهي عنه, أنه يبقى على الحكم الأصلي وهو الحل, فالأصل في الأشياء الحل ما لم يرد دليل بالحظر, فالسكوت هنا يفيد العفو عن الفاعل, والصفح عنه, يعني: الحل
والقرينة التي تدل على أن المراد بالسكوت هنا الحل هو دلالة سياق قوله: «من غير نسيان «يعني: مادام قد سكت عنها فلا تسألوا عنها, كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} فقد يؤدي السؤال عنها إلى الحظر, فالسكوت يعني الحل بدلالة السياق؛ ولهذا جاء في رواية قال (ص): «ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته (وما كان ربك نسيا)»
قوله: «وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها» أي: هناك أمور لم يأت النص عليها في الكتاب والسنة، فلا يشتغل في البحث عنها, والسؤال عنها، وذلك
مثل السؤال عن الحج في كل عام الذي أنكره الرسول (ص) على السائل، وقال: «ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» وكالسؤال عن تحريم شيء لم يحرم، فيترتب عليه التحريم بسبب السؤال، كما ثبت بيان خطورته في الحديث عن رسول الله (ص)، وبعد زمنه (ص) لا يسأل الأسئلة التي فيها تنطع وتكلف، والمعنى سكت عن أشياء فلم يفرضها ولم يوجبها ولم يحرمها، فلا يسأل عنها، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم}
قال ابن رجب: «وأما المسكوت عنه، فهو ما لم يذكر حكمه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفوا عنه لا حرج على فاعله»
وذكر ابن حجر أنها نزلت بسبب كثرة المسائل إما على سبيل الاستهزاء أوالامتحان, وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة
وهذا يعنى أنها تقيد بذلك المعنى على حسب سياق النزول"
ما ذكره خطاب من الروايات هنا مناقض لكتاب الله فالله لم يسكن عن شىء لأنه بين كل شىء وضع خطا تحت كل شىء فى قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء" وقال "وتفصيل كل شىء"ثم قال :
"ثانيا: أثر السياق فى دلالة السكوت على الرضا أو الإذن
لا خلاف بين الفقهاء على أنه على الولي أن يستأذن البنت البكر عند زواجها, وأنه لو استأذن الولي البكر البالغة العاقلة, فإما أن تصرح بالموافقة, وإما أن تسكت وقد اتفقوا على أن الرضا يتحقق منها بأحد الأمرين, إما الموافقة الصريحة, أو السكوت, فإذا استأذنها في زواجها فسكتت, فإن سكوتها يقوم مقام القول الصريح الدال على الرضا, بشرط ألا يكون هناك قرينة دالة على أن سكوتها يفهم منه الرفض, فسكوت البكر عند استئذانها للنكاح يعتبر رضا وإذنا ، دلالة سياقية حالية لكونها بكرا, وذلك لما ورد في الحديث أن النبي (ص) قال: «استأمروا النساء في أبضاعهن، قيل: إن البكر تستحي وتسكت، قال: هو إذنها وفي رواية أخرى: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها»
وجه الدلالة: دل الحديث على أن سكوت البكر البالغة في النكاح, يجعل بيانا لحالها التي توجب ذلك، وهو الحياء، فجعل سكوتها دليلا على الإجازة والرضا لدلالة حالها,
فالسكوت جعل إذنا في البكر، للحياء المانع لها من النطق وهو مختص بالأبكار؛ لأن الحياء يكون فيهن أكثر، فلا يقاس عليها الثيب, ويعد قرينة دالة على تفسير السكوت منها بالموافقة, والرضا على الخطبة, والإذن في عقدة النكاح؛ لدلالة حالها الذي يجعلها تختلف عن غيرها
الأدلة على اعتبار السكوت على الرضا من السنة والمعقول:
أما الدليل من السنة فأحاديث كثيرة منها مايلي:
[1] ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله يستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: (نعم) قلت: فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت؟ قال (ص): «سكاتها إذنها»
[2] قوله (ص): «الثيب أحق بنفسها من وليها, والبكر يستأذنها أبوها في نفسها, وإذنها صماتها, وربما قال وصمتها إقرارها»
وجه الدلالة: جعل النبي (ص) سكوت البكر دليلا على رضاها, مالم يكن هناك قرينة دالة على عدم الرضا, فيكتفى معها بالسكوت وأما الدليل من المعقول:فإن البكر يكتفى معها بالسكوت لحيائها, أو لشدة حيائها, أو الغالب عليها ذلك, فجعل السكوت منها دليلا على الرضا للحاجة إليه, والسكوت في معرض الحاجة بيان, فصح منها لغلبة حيائها المانعة من تصريحها بالقبول أمام وليها الأقرب وفرع الفقهاء على ذلك فروعا من أهمها ما يلي:
[أ] أن سكوت البكر عند خطبتها لا يعد خطبة؛ لأن السكوت لا يعتبر إلا للحاجة وهي منتفية في الخطبة
[2] أن البكر المراد استئذانها هي البكر البالغة إذ لا معنى لاستذان الصغيرة؛ لأنها لاتدري ما الإذن
[3] وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما؛ لأن العلة وهي: حياء البكر منها لا يتحقق إلا معهما, فهي تستحي منهما أكثر من غيرهما , والذي عليه الجمهور: استعمال الحديث في كل الأبكار
[4] لو زوجت البكر البالغة بغير إذنها لم يصح العقد, وهو مذهب الحنفية, والحنابلة, والليث, والأوزاعي, والثوري, ويرى مالك والشافعية وإسحاق وأحمد أنه يجوز للأب زواجها بغير إذنها ويرد عليهم: بعموم الأحاديث الدالة على أنه على الأب أن يستأذن موليته قبل زواجها
[5] يلحق بالسكوت الضحك والتبسم بغير استهزاء ومثل السكوت: الضحك بغير استهزاء، لأنه أدل على الرضا من السكوت، وكذا التبسم والبكاء بلا صوت إذا فهم منه عدم الرفض؛ لدلالة بكاها على الرضا ضمنا والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك، فإن تعارضت أو أشكل احتيط "
وكل ما قيل هنا من روايات مناقض لكتاب الله لم يقله النبى(ص) فالمرأة لابد ان تعبر بالقول عن الموافقة أو الرفض والواجب أن يسألها القاضى وهو وحدها معه لأن حتى الموافقة القولية قد تكون تحت ضغط ومن ثم صمت البكر ليس دليل على الموافقة وحتى كلامها أمام وليها لا يعمل به القاضى عند عقد القرآن فلابد أن يسألها وحدهما وهناك رواية تعارض تلك الرواية وهى رواية المراة التى ذهبت للنبى(ص) واعترضت على تزويج أبيها لها وهى"جاءت جارية بكراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -يعني: ليرفع قدره، كأن ابن أخيه كان خاملاً فأراد أن يرفع قدره بتزويجه بابنته- فخيّرها، فأجازت نكاح أبيها، وقالت: إنما أردت أن يعلم النساء أن ليس للأولياء عليهن سلطة"
ثم حدثنا فقال:
"ثالثا: أثر السياق فى دلالة سكوت الثيب على الرفض
يري جمهور الفقهاء على أنه يجب على الولي أن يستأمر الثيب في زواجها, ولابد معها من صريح الإذن, فلا يكتفى منها بالموافقة الضمنية وهي: السكوت فإذا استأذن الولي الثيب, فسكتت, فلا يكون سكوتها دليلا على رضاها, فإذا سكتت كان سكوتها رفضا؛ لأنها ليست كالبكر, فالسياق والحال مختلف؛ ولذا اختلف الحكم واستدلوا على ذلك بالسنة والمعقول:
أما الدليل من السنة فأحاديث منها مايلي:
[1] قوله (ص): «الثيب أحق بنفسها من وليها, والبكر يستأذنها أبوها في نفسها, وإذنها صماتها, وربما قال وصمتها إقرارها»
[2] قوله (ص): «ليس للولي مع الثيب أمر »
وجه الدلالة: أن الثيب لابد من إذنها قبل زواجها, وإذا وجب استئذانها, فإنه لابد من موافقتها موافقة صريحة بالقول, ولا يكفي سكوتها, فالسكوت منها ليس دليلا على الرضا
وأما الدليل من المعقول:فهو أن السكوت ليس دليلا في حق الثيب؛ لأنه بيان للحاجة, فاكتفى به مع البكر لحيائها, أما الثيب فليس كذلك وقال أبو حنيفة: هي كالبكر، وخالفه حتى صاحباه، واحتج له بأن علة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء, وهو باق في هذه وأجيب: بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر, وقابلها بالثيب, فدل على أن حكمهما مختلف " ثم تحدث عن التالى:
"الفرع الثاني أثر السياق فى دلالة السكوت على عدم الوجوب:
أولا: أثر السياق فى دلالة السكوت على عدم الوجوب:
من الأحكام التى يؤثر السياق فى استنباطها من السكوت, الدلالة على عدم الوجوب كما في قصة الأعرابي في الحج فيما روي عن أبي هريرة قال: «خطبنا رسول الله (ص) فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا, فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا, فقال رسول الله (ص) لو قلت نعم لوجبت, ولما استطعتم ,ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم, فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»
وجه الدلالة: أن الرجل سأل النبي (ص) عن وجوب الحج كل عام, فقال: أكل عام يا رسول الله؟ ولو قال (ص) نعم لوجب بدلالة السياق المقالي المفهوم من اللفظ (بقرينة صدر الكلام وقوله: إن الله فرض عليكم الحج, والسؤال المترتب عليه) فلو قال: نعم لوجب ولما استطاع الناس, ولو قال: لا لامتنع الناس عن الزيادة في الحج عن مرة والحج مفروض مرة واحدة على المستطيع فمن زاد فهو تطوع فما كان بحسن الجواب اللفظي في الحالتين, فلم يكن أفضل جوابا من السكوت وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله وقد دل السكوت على معان أهمها:
[أ] أن الحج غير مفروض كل عام , وهذا المعنى مفهوم من دلالة السياق في السؤال
[ب] أن الحج مفروض على العباد جملة, وهو مفهوم من سياق قوله (ص) في صدر الحديث: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»
[ج] أن الحج لا يجب تكراره, وهو مفهوم من السكوت عن السؤال: أكل عام يا رسول الله؟
] د [أن الحج مستحب تكراره للقادر عليه؛ لأنه ليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله فهذه المعاني مستفادة من السؤال ومن سكوت النبي (ص) , ومن حال المكلفين, وما تتطلبه فريضة الحج من الاستطاعة, فهذه كلها تحدد المعنى"
الرواية لا تصح فالحكم ليس بكلام النبى(ص) وإنما بكلام الوحى المنزل على الرسول(ص) والرواية تحرم ما أحل الله من السؤال فى قوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمونط فكثرة سؤال الجاهل واجبة
ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الرفض فقال:
"ثانيا: أثر السياق في دلالة السكوت على الرفض:
كما دل السياق أن السكوت قد يفيد الرضا أو المشروعية أو الحل دل أيضا على أنه قد يراد بالسكوت الرفض, وأن السكوت وسياقاته المتعددة هو أدل شيء فى الدلالة على المطلوب فى تلك الحالة, ومن هذه الدلالات ما يلي:
[أولا] ما روي عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله (ص) جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك, فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة, فقال رسول الله (ص): «هل عندك من شئ تصدقها إياه» فقال: ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله (ص): «إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا» قال: لا أجد شيئا قال: «فالتمس ولو خاتما من حديد» فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله (ص): «هل معك من القرآن شئ» قال: نعم سورة كذا, وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله (ص): «قد زوجتكها بما معك من القرآن» فسكوت النبي (ص) في هذه الحالة يدل على معان منها ما يلي:
[أ] أنه سكت حياء, حيث إنه (ص) كان أشد حياء من العذراء في خدرها, والبكر إذا سئلت في أمر الزواج غلب عليها الحياء
[ب] أنه سكت لعدم الرغبة في هذا الزواج بهذه الطريقة؛ حتى لا تكون سنة متبعة من بعد
قال ابن حجر: وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس من الرد جلست تنتظر الفرج وسكوته (ص) إما حياء من مواجهتها بالرد, وكان (ص) شديد الحياء جدا كما تقدم في صفته أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها وإما انتظارا للوحي وإما تفكرا في جواب يناسب المقام
[ج] أنه سكت لرفضه (ص) الزواج منها وفي التصريح بالرفض حرج لها, وإحراج , وهو (ص) لا يفعله
[د] أن سكوته دليل على القبول, لكن ليس قبولا للزواج منها, وإنما قبولا لمبدأ الهبة, وإلا لما سكت (ص)؛ لأنه لا يسكت على أمر منكر أمامه, أو غير شرعي
[هـ] أنه سكت انتظارا للوحي, فنزلت الآية بالتحليل والتخيير
[و] أنه سكت لعلمه أن أحد الصحابة سوف يتزوجها فانتظر كي يستأذنه فيها
وقد يقول قائل: ولماذا لم يرفض أو لم يرد (ص) بالرفض؟
والجواب فيما يلي:
[أ] أن رفضه قد يعيب بالمرأة فلا يتقدم أحد لخطبتها, لكن السكوت حفظ لمكانتها حتى تقدم لها أحد الصحابة
[ب] أن الرفض فيه حرج وإهانة لها خاصة أمام جمع من الصحابة
ثانيا: ما روي عن عائشة قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة, وإنا نريد الخير كما تريد عائشة, فقولي لرسول الله: يأمر الناس يهدوا له أين كان قالت: فذكرت له أم سلمة ذلك فسكت فلم يرد عليها شيئا, فأعادت الثانية فقالت فلم يرد عليها, فلما كانت الثالثة قال: «قال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه ما أنزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها"
وجه الدلالة: أن سكوت النبي (ص) دليل قاطع على رفضه, فكره (ص) مخاطبة الناس في شأن هداياهم, وقد فهمت السيدة أم سلمة ذلك لكنها أعادت ذلك لإلحاح زوجات النبي (ص) في ذلك"
الرواية خاطئة تتعارض مع كتاب الله لأن الله حدد المهر فجعله فريضة فقال " فإن أتيتم إحداهن قنطارا " والرواية الثانية لم تقع هى الأخرى لأن الملاك وهو جبريل (ص) لن ينزل فى حجرة نوم المرأة وهو معها تحت اللحاف ليرى عورة المرأة والرجل ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الإجماع فقال :
"الفرع الثالث أثر السياق في دلالة السكوت على الإجماع
الإجماع السكوتي معناه: هو أن يقول بعض المجتهدين قولا, وينتشر ذلك القول بين المجتهدين من أهل العصر, ولا يخالفه أحد, فعدم الإنكار أو إظهار رأي يخالفه أو سكوته هم عليه, يعد تقريرا منهم له فسكوت مجتهدي العصر على الرأي المنتشر بينهم هل يعد بمنزلة القول الصريح منهم فيصير كأنهم قالوا ذلك الرأي, فيصح إجماعا, فدلالة حال العلماء الذين سكتوا عن القول المعلن تقتضي الموافقة عليه, فدلالة الإجماع مستفادة من السياق الحالى لهم الدال على عدم الرفض والمقتضي للموافقة الضمنية
اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة آراء:
الرأي الأول: للحنفية , ورواية للشافعية , أن سكوت المجتهدين في تلك الحالة يعد إجماعا, وعللوا ذلك بما يأتي:
[1] لو شرط الموافقة القولية في كل إجماع لما تحقق إجماع
[2] جرت العادة في كل عصر بإفتاء الأكابر وسكوت الأصاغر, ويعد سكوتهم موافقة
الرأي الثاني: يرى داود والمرتضى والشافعية في قول أنه ليس بحجة؛ عملا بالقاعدة: لا ينسب إلى ساكت قول وأن السكوت محتمل لغير الموافق كالخوف والمهابة والتردد ونحوها, ومع الاحتمال يبطل الاستدلال
الرأي الثالث: يرى بعض الفقهاء أنه حجة في الفتيا فقط دون القضاء؛ لأن القضاء لا إجماع فيه أصلا
الرأي الرابع: يرى بعض الفقهاء أن الإجماع السكوتي لا يكون حجة إلا إذا كثر السكوت وتكرر, ولا يتحقق ذلك إلا في المسائل التي تعم فيها البلوى, وتكثر وتنتشرورجح السبكي: أنه حجة مطلقا واختلفوا في: هل هو حجة قطعية أم ظنية؟ على رأيين:
أولهما: يرى الحنفية أنه حجة قطعية
ثانيهما: يرى الآمدي والكرخي أنه إجماع ظني ولهذه المسألة تفصيلات كثيرة فى كتب الاصول"
قطعا لا يوجد حجى فى إجماع أو سكوت وكما قلت الحجة واحدة وهى الوحى المنزل كما قال تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وحدثنا عن دلالة السكوت على التقرير فقال:
"الفرع الرابع أثر السياق في دلالة السكوت على التقرير
تتعدد دلالات السكوت لتعدد دلالة السياقات التى يستعمل فيها, ومن تلك الاستعمالات السكوت من النبى (ص) حجة على جواز ما رأى ولم ينكره بخلاف سكوت غيره وهذا من خصائصه التى لا يشاركه فيها غيره
ومن المعلوم أن النبي (ص) مرسل من أجل البيان كما في قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} فمن مهاماته الأساسية بيان الشرع للناس, وقد كان سكوته أكثر من نطقه وكلامه, وهذا يعنى أن ذلك السكوت التشريعي تشريع وبيان لأحكام متعددة للناس, وقد قال (ص): «إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها و حرم أشياء فلا تنتهكوها وترك أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها»
وجه الدلالة: دل هذا الحديث على أن السكوت بيان؛ لأنه سكوت متعمد من غير نسيان, فهذا السكوت يفهم منه أمور من أهمها ما يلي:
الأمر الأول: أن ما سكت عنه فهو عفو, يعني معفو عنه, غير مؤاخذ به, فيكون حكمه على الحل, لو فعله الإنسان لا يؤاخذ به؛ لأنه لا إثم على فاعله, فهو مباح
الأمر الثاني: أن السكوت يعني الأمر, يعني ما سكت عنه من غير نسيان فاسكتوا أنتم عنه ولا تسألوا عنه, بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وهي دلالة مفهومة من السياق؛ لأنه في مجال تفصيل الحلال والحرام, وبيان الفرائض والحدود, فكأنه قال: ما أمر به فافعلوه , وما نهي عنه فلا تفعلوه, وما سكت عنه فلا تسألوا عنه
ولهذا كان سكوته (ص) في مواطن كثيرة دالا على المشروعية والإباحة لكن هذا السكوت لم يدل على محض المشروعية إلا لأنه سكوته (ص) , فليس سكوت أحد غيره (ص) معتبرا لهذا المعنى, فكانت دلالة الحال فى أنه النبى (ص) مقتضيه لأن يكون السكوت منه تقريرا للمشروعية في كل ما سكت عنه, وكذلك ظاهر السكوت من رسول الله (ص) في الشيء يراه يصنع بحضرته يحل محل الرضى به والتقرير له , وهو قسم من أقسام السنة النبوية , وهو ما يسمى بالسنة التقريرية, وهي أشياء كثيرة, وقد اتفقوا على أن تقرير النبي (ص) لما يفعل بحضرته, أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز؛ لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الإنكار فلا يقر على باطل، أما غيره فإن سكوته لا يدل على الجواز، لاحتمال أن يكون لم يتضح له الحكم, أولم يظهر له وجهه
ولهذا أمثلة كثيرة منها ما يلي:
[أ] سكوته (ص) عندما أكل الضب على مائدته, فدل هذا على مشروعية أكل الضب, وأنه مباح, ولم يأكل منه (ص) لبيان أن الأمر على السعة من أراد ان يأكل , ومن أراد ألا يأكل فلا يأكل, فلو قال: أكل الضب حلال, لكان ذلك بيانا بأنه سنة متبعة, ولكن هو أقل من ذلك, فمن أراد أن يفعله فلا حرج, ومن ترك فلا حرج وهذه مرتبة أقل من مرتبة الفعل أو الكلام, هذا السكوت مقرون بأنه سكوت النبي (ص) , فلا يدل سكوت غيره على ما يدل عليه سكوته (ص) , فدل السكوت على ما لم يدل عليه الكلام أو الفعل
[ب] سكوته (ص) على أكل الفرس بدليل ما روي عن أسماء قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله (ص) فأكلناه فدل هذا أيضا على أن الأمر على الإباحة العرفية من وجد نفسه لا تهابه فليأكل ومن لم تطب نفسه فلا يأكل, فلا يكون حراما ولو أكل منه (ص) لاقتدى به الناس وجعلوه سنة فالسكوت أقل دلالة على المشروعية من الفعل أو النهي, ومن ناحية أخرى لم يدل السكوت بمفرده على تلك الدلالة , ولكن الذي دل على ذلك كونه سكوت المعصوم (ص) , فليس السكوت من أحد غيره معتبرا بهذه الدلالة"
وقد سبق مناقشة رواية الحدود والسكوت وكونها مناقضة لكتاب الله حيث بين الله كل شىء فى الوحى وأما روايات الضب والفرس فلا يباح ذبح شىء منها أو أكله إلا فى حالة المجاعة وعدم وجود طعام غيرهم ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الحياء فقال:
"الفرع الخامس أثر السياق في دلالة السكوت على الحياء
من المتفق عليه أن لكل دين خلق, وخلق الإسلام الحياء, ولقد كان النبي (ص) أشد حياء من العذراء في خدرها, وكان يعرف حياؤه من سكوته, وإمساكه عن الكلام وخاصة في أمور النساء, ونلمس ذلك في مواطن كثيرة منها ما يلي:
[أ] ما روي عن عائشة أن امرأة سألت النبي (ص) عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: (خذي فرصة من مسك فتطهري بها) قالت كيف أتطهر؟ قال (تطهري بها) قالت كيف؟ قال: (سبحان الله تطهري) فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم
وجه الدلالة: أن سكوت النبي (ص) عن سؤال المرأة كان حياء, ولا يعني عدم العلم , فالسكوت لا يعني العدم, وإنما دل على الحياء النبوي, ولو كان من غيره لربما أجاب
[ب] ما روي عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله (ص) ونحن في مجلس سعد بن عبادة, فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله, فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله (ص) حتى تمنينا أنه لم يسأله, ثم قال رسول الله (ص): «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم»
وجه الدلالة: سكوته هنا يدل على أمور تفهم من السياق الحالى:
أولها: أنه (ص) سكت لأن السائل يسأل عن كيف نصلي عليك وقد أرمت, فهو لم يعرف قدره (ص) , وأنه ما كان ينبغي أن يسأل ذلك مادام أن الله قد أمر بها, فالله يصلي عليه وملائكته صلاة أبدية سرمدية, فكيف يصلي الله على من مات وصار رمادا فكان ينبغي للسائل أن يفهم ذلك ولا يسأل ذلك السؤال, فيفهم من سياق الآية ما يعنيه من السؤال, فالرد من المفترض أن يكون عتابا؛ ولهذا سكت عنه
ثانيا: أن السائل فهم أنه لا يمكن أن يأتي بالصلاة على النبي (ص) مادام الله يصلي عليه, فلا يمكن للبشر؛ ولذا قال النبي (ص): «قولوا اللهم صل على محمد » يعني: اطلبوا من الله أن يصلي علي مادام أنكم عرفتم أنكم لن تستطيعوا أن تصلوا علي
ثالثا: أن السائل أراد أن يصل إلى صيغة تحقق المطلوب الشرعي في الصلاة, فسكت النبي (ص)؛ ليقر ذلك الفهم عند السائل, أو سكت (ص) حياء؛ لأن المسألة تتعلق بشخصه (ص) , لكنه تكلم لأن الجواب مرتبط بتبليغ أوامر الله تعالى
وقوله فكيف نصلي عليك سؤال عن صفة الصلاة عليه وسكوت النبي (ص) يحتمل أن يكون لأنه لم يكن عنده في ذلك نص فأوحي إليه بذلك عند السؤال فكان سكوته لأجل الوحي إليه ويحتمل أن يكون ذلك مصروفا إليه فسكت مختارا وإنما تمنوا أنه لم يكن سأله لما خافوا أن يكون سكوته لأنه لم يرض السؤال "
وما سبق من روايات مناقض لكتاب الله فلا ينفع الحياء فى تعليم الدين فالرسول(ص) لن يستحى فى تعليم الأمة الأحكام وإلا كان مقصرا فى أداء وهو تبليغ الرسالة وهو ما لم يفعله لأنه أطاع قوله تعالى ""يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"
مؤلف الكتاب هو حسن السيد حامد خطاب وهو يدور حول أثر السياق في دلالة السكوت على الأحكام والكتاب مبنى على باطل للتالى :
ان الحكام تؤخذ من الوحى المنزل وحده كما قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وفال " الظالمون" وقال" الفاسقون" وكله بنفس المعنى ومن ثم لا يوجد حكم إلا فيه نص كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"وقد استهل خطاب الكتاب بالمقدمة التالية:
" وبعد ,,,فيعد السكوت جزءا من البيان الذي علمه الله تعالى للإنسان في قوله تعالى: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان }
وهو وسيلة من وسائل البيان البشري, وله من وجوه البلاغة ما لا يوجد في الكلام, ويدل على أمور قد لا يدل عليها الألفاظ, فالمتكلم في بعض السياقات يؤثر الدلالة عليها بالسكوت؛ لأنه رأى دلالات, قد لايقوى عليها اللفظ أويطول به السياق ؛ ولهذا قد نرى في كثير من الأحيان السكوت جوابا؛ ولذا قال الحكماء: «الحكمة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت, والعاشر عزلة الناس» ومن ثم فإن البيان بالسكوت قسيم البيان باللفظ, ويحتل مرتبة عالية تلي البيان باللفظ, ولأنه الأكثر استخداما في حياة الرسول (ص) وقد أرسله الله تعالى ليبين للناس ما نزل إليهم, وكان يسكت أكثر مما يتكلم, وهذا دليل واضح على أن سكوته (ص) كان وسيلة من وسائل البيان, وهي وسيلة تحتاج إلى تحليل وفهم, كما أن كلامه (ص) يحتاج إلى تحليل وفهم لكن السكوت تارة يدل على الرضا, وتارة يدل على الرفض, وتارة يكون إقرارا, وتارة يكون إنكارا, ويختلف في دلالته على الحكم من شخص لآخر"
خطاب أخطأ عدة مرات فى المقدمة أولها أن السكون جزء من البيان وهو ما يخالف أن السكوت كما قال هو يعبر على الرضا, وتارة يدل على الرفض, وتارة يكون إقرارا, وتارة يكون إنكارا ومن ثم لا يمكن أن يكون بيانا لأن السكون يعنى أمورا مختلفة وثانيها أن الحكمة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت, والعاشر عزلة الناس فالصمت ليس حكمة بل يكون كفرا كما قال تعالى "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" والعزلة غير مطلوبة لتناقضها قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
وفى التمهيد استعرض معنى السكوت فقال :
"التمهيد
معنى السكوت في اللغة والاصطلاح والفرق بين السكوت, والإنصات, والصمت
أولا: معنى السكوت في اللغة:
السكوت في اللغة: الصمت وانقطاع الكلام قال الراغب: «السكوت مختص بترك الكلام» قال الرازي: «سكت: يسكت سكتا وسكوتا, وسكاتا, وسكت الغضب مثل: سكن» قال تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب} والسكتة بالفتح: داء, والسكيت: الدائم السكون والسكوت هو: ترك الكلام مع القدرة عليه والفرق بينه وبين الصمت والإنصات:
أن الإنصات هو: السكوت للاستماع يقال: أنصت إذا سكت, وأسكته فهو لازم ومتعد فهو أخص من السكوت وقيل الصمت هو: السكوت الطويل, أو السكوت مطلقا سواء كان قادرا على الكلام أو لا فهو أعم من السكوت
ثانيا: معنى السكوت اصطلاحا:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي للسكوت عن المعنى اللغوي, فقد ذكر الفقهاء أن السكوت هو ترك الكلام مع القدرة عليه, فهو مختص بترك الكلام, والعلاقة بينهما التضاد
قال الرازي: «ترك الكلام له أربعة أسماء: الصمت, والسكوت, والإنصات, والإصاخة, أما الصمت: فهو أعمها؛ لأنه يستعمل فيما يقوى على النطق, وما لا يقوى عليه وأما السكوت: فهو ترك الكلام لمن يقدر عليه وأما الإنصات: فهو سكوت مع استماع, ومتى انفصل أحدهما عن الآخر لا يقال له إنصات كما في قوله تعالى: {فاستمعوا له وأنصتوا} والإصاخة استماع إلى ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد»وعلى هذا فالسكوت نوع من الصمت, والصمت أعم منه بخلاف الإنصات والإصاخة فهي تعني معان محددة"
والسكوت القرآنى كما فى قوله" ولما سكت عن موسى الغضب" ليس سكوتا عن الكلام وإنما تعبير عن السكون النفسى والحركى بمعنى أن الغضب يعبر عنه بتعابير مختلفة مثل الحركية كإمساك موسى(ص) رأس أخيه هارون(ص)وجره نحوه ومثل رمى الألواح ومثل الكلام بالشتم
ثم حدثنا خطاب عن فضل السكوت فقال:
"ثالثا: فضل السكوت وحكمه:
الأصل في الإنسان السكوت ولا يتكلم إلا عندما يريد قضاء حاجاته, فالكلام يؤدي إلى التزام الإنسان بمسؤوليات وتبعات؛ ولهذا كان السكوت مطلوبا في حالات كثيرة, وخاصة الكلام الذي لا يفيد, أو الذي يحمل صاحبه على تبعات, وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يفيد أن الصمت والسكوت أفضل من الكلام في كثير من الحالات, ومن ذلك آيات كثيرة من أهمها ما يلي:
[أ] قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون} واللغو هو: الكلام الذي لا يفيد, فالسكوت أفضل منه
[ب] ما جاء في وصف عباد الرحمن بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما أي لا يتكلمون في الباطل وما لا يفيد قال تعالى: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}
[ج] ما جاء في أمر الله تعالى لمريم بالصمت عندما تعود إلى القوم ومعها وليدها عيسى ابن مريم (ص) قال تعالى: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} وقد كان الصيام عن الكلام مشروعا في شرع من قبلنا, ونهينا عنه فيما روي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص): « لا يتم بعد حلم ولا صمت يوم إلى الليل» وقد ورد في السنة ما يفيد أن الصمت والسكوت يكون أفضل من الكلام في حالات كثيرة, ومن ذلك أحاديث أهمها ما يلي:
[1] قوله (ص): «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال , وإضاعة المال, وكثرة السؤال»
[2] قوله (ص): «ذروني ما تركتكم, فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم, فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم, وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»
[3] وفي حديث معاذ بن جبل عندما سأل النبي (ص): وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أوعلى مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم "
[4] قوله (ص): «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ومعنى تركه ما لا يعنيه: ترك الأقوال والأفعال وفضول المباحات
[5] وما ورد في حديث سهل بن سعد: عن رسول الله (ص) أنه قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»
[6] ما روي عن أبي ذر أنه لقي رسول الله (ص) فقال له: «يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟»قال: بلى يا رسول الله, قال: «عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلها» فهذه الأحاديث يستفاد منها أن الصمت أولى من الكلام في حالات كثيرة, وأنه ينبغي للإنسان أن يتحكم في لسانه, ولا يتكلم إلا عندما تكون هناك ضرورة للكلام وإلا فالصمت أولى وقد روي عن السلف ما يؤيد ذلك قال عبد الله بن مسعود أنه قال: «والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان»
يريد أن السكوت والصمت أفضل من الكلام في حالات كثيرة؛ ولذا قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسان وليس يموت من ذلة القدم
ولهذا قيل في الأمثال: خير الكلام ما قل ودل , وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب, وذلك ترغيبا في الصمت في الحالات التي لا يأمن الإنسان فيها من الخوض فيما لا ينفع, والكلام فيما لا يفيد"
وما ذكره خطاب من أدلة لا يوجد منها فى القرآن دليل على الصمت ولم يذكره فيها صمت ولا سكوت والروايات الحديثية بعضها صحيح المعنى والبعض الأخر مناقض لنصوص قرآنية فالله لم يطلب منا الصمت وطلب منه القول وهو الكلام فقال:
"وقولوا للناس حسنا"
واعتبر الصامت عن قول الحق فى الشهادة كافر فقال " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"
ثم تساءل عن من هو الأفضل السكوت أم الكلام فقال:
"رابعا: هل السكوت أفضل من الكلام مطلقا؟
لا يمكن الحكم بأفضلية السكوت عن الكلام مطلقا ولا العكس, فقد يكون الكلام أفضل من السكوت, وقد يكون السكوت أفضل في حالات, وهذا أمر يختلف بحسب القرائن والأحوال, وكذلك قرر الفقهاء أن السكوت تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة:
فقد يكون حراما إذا كان على منكر فيجب أن ينكره بالقول أوالفعل
وقد يكون واجبا كما في سكوت المقتدي في الصلاة الجهرية عملا بقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}
وقوله (ص): «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد» وكذلك السكوت لاستماع الخطبة لقوله (ص): «من قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا فليس له من جمعته تلك شيء» وقد يكون مندوبا كما في سكوت الإمام بعد قراءة الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة, وذلك عند الحنابلة وبعض الشافعية وقد يكون الكلام واجبا: كما في القراءة في الصلاة وقد يكون الكلام حراما: كما في الغيبة مثلا فالسكوت عنه واجب وقد يكون الكلام مكروها: كما في إنشاء الشعر القبيح أو الترويج لبيع سلعة مثلا, فالحكم يختلف بحسب الأحوال
خامسا: هل السكوت أفضل من الكلام مطلقا؟
اختلف الفقهاء في هل السكوت أفضل أم الدعاء؟
يرى بعض العلماء من أهل الفتوى أن الدعاء مطلوب في كل وقت عملا بالآيات الدالة على الأمر بالدعاء كما في قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية}وقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}وعن أبي هريرة أن رسول (ص) قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له»
وعن عبدالله بن عمرو أن رسول الله (ص) قال: «من صمت نجا»
ويرى بعضهم أن ترك الدعاء أفضل استسلاما ورضا بقضاء الله تعالى, وهو مذهب الزهاد والصوفية, وأهل المعارف ويرى بعض الصوفية أنه يجب أن يكون العبد صاحب دعاء بلسانه, ورضا بقلبه ليجمع بين الأمرين:
وقال القشيري: «الأولى أن يقال أن الأوقات مختلفة, ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل, وفي بعضها السكوت أفضل, وإنما يعرف ذلك في الوقت, لأن علم الوقت يجعل في الوقت, فإذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء, فالدعاء منه أولى, وإذا وجد إشارة إلى السكوت فهو أفضل»
فليس في السكوت فائدة لذاته, وإنما لما يترتب عليه كما أن الكلام كذلك ليس مطلوبا لذاته, وإنما لآثاره؛ ولهذا قال (ص): «يا معاذ إنك ما صمت فإنك عالم فإذا تكلمت فلك أو عليك»
وقال الحكماء: الزم الصمت تعد حكيما جاهلا كنت أوعالما
لأن الكلام ينبئ عن عقل صاحبه وعلمه؛ ولذا قيل عقل المرء مخبوء تحت لسانه
وقد حكى أبو يوسف أن رجلا كان يجلس إليه فيطيل الصمت, فقال أبو يوسف: «ألا تسأل؟ قال: بلى- متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس
قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ قال: فتبسم أبو يوسف, وتمثل بقول جرير:
وفي الصمت ستر للغبي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلما
وقد دعا النبي (ص) المسلم أن يكون جامعا لأفضل الأقوال فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»
وقال: «طوبى لمن عمل بعمله وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله»وعن وهيب بن الورد قال: «الحكمة عشرة أجزاء: تسعة في الصمت, والعاشر عزلة الناس» وعن وهب بن منبه: أجمع الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت وقال عمر بن عبد العزيز: «إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس, فاقتربوا منه, فإنه يلقن الحكمة» "
والسؤال عن الأفضلية كما استنتج خطاب وكما ذكر عن الفقهاء ليس له اجابة بهذا أو ذاك فهناك مواقف يحسن فيها الكلام وهناك مواقف يحسن فيها الصمت والروايات التى ذكرها خطاب منها روايات مناقضة لكتاب الله كرواية نزول الله للسماء الدنيا حالا فى المكان ومتجسدا وهو ما يناقض أنه ليس كخلقه يحل فى مكان او له حدود وفى هذا قال تعالى"ليس كمثله شىء" ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الرضا والإذن فقال:
"الفرع الأول أثر السياق في دلالة السكوت على الرضا والإذن:
السكوت عدم محض, ولكن مع سياقاته وقرائنه وملابساته يفهم منه دلالات يعبر عنها بالكلام, فيترجم السكوت إلى ألفاظ ومعاني لصيقة به بحسب السياق, فالسكوت عن البيان بيان, وهذه من أسرار اللغة كما قال الجرجاني: «فإنك ترى الذكر أفصح من الذكر, والصمت عن الإفادة أزيد إفادة, وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق, وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن» وذلك لأن السياق قد يستدعي ترك الكلام, وتحميل المعاني, والسكوت ليشترك المتلقي والساكت في رسم المراد وفهمه, كما أن هناك من الدلالات ما يتوارى اللفظ عنها مجازا أو عجزا أو رفعة, وساعتها يحسن السكوت ليحمل هذه المعاني إلى المتلقي ويفهمها على حسب ما وردت فيه من الملابسات, فالسياق له أثره في تحديد دلالة السكوت على الحكم الشرعي, فتارة يفهم من السكوت المشروعية, وتارة يفهم منه عدم المشروعية, وتارة يدل على الرضا والموافقة, وتارة يدل على الإنكار والرفض, وتارة يدل على الفرح, وتارة يدل على الغضب, وتارة يدل على الإثبات, وتارة يدل على النفي, ولا يحدد المعنى المراد, ولا يمكن وضوح الدلالة من السكوت بمفرده؛ لأنه عدم محض, وأنه لا ينسب إلى ساكت قول, وإنما بمساعدة السياق الحالي أوا لمقالي اللفظي أوالمعنوي, لما هو مقرر عند علماء اللغة أن من مكونات نظرية السياق مايلي :
أولا: سياق الحال و يتكون من عدة عناصر هي:
1 - الكلام (أو النص المنشأ نفسه)
2 - شخصية المتكلم وعلاقته بالنص
3 - شخصية السامع ومدى علاقته بالنص
4 - الموضوعات المتصلة بالكلام وموقفه
وهذا يعنى أن السياق أو القرائن الحالية أو المقامية تمتد لتشمل: المخاطب (المتكلم) وحقيقته (أو شخصيته)، والمخاطب (السامع – أو المتلقي) وشخصيته، وما يحيط بالخطاب من ظروف مادية ومعنوية, وأن الكلمة إذا أخذت بمعزل عن السياق تحتمل صنوفا من المعاني، فلا يعرف المراد منها على وجه التحديد, وفيما يلي بيان ذلك:
أولا: أثر السياق فى دلالة السكوت على الإباحة:
تتضح دلالة السكوت على الإباحة من قوله (ص): «إن الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها و سكت عن أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها»
وجه الدلالة: أن معنى ما سكت عنه الشرع رحمة بالمكلفين من غير نسيان, من غير أن يأمر به أوينهي عنه, أنه يبقى على الحكم الأصلي وهو الحل, فالأصل في الأشياء الحل ما لم يرد دليل بالحظر, فالسكوت هنا يفيد العفو عن الفاعل, والصفح عنه, يعني: الحل
والقرينة التي تدل على أن المراد بالسكوت هنا الحل هو دلالة سياق قوله: «من غير نسيان «يعني: مادام قد سكت عنها فلا تسألوا عنها, كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} فقد يؤدي السؤال عنها إلى الحظر, فالسكوت يعني الحل بدلالة السياق؛ ولهذا جاء في رواية قال (ص): «ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته (وما كان ربك نسيا)»
قوله: «وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها» أي: هناك أمور لم يأت النص عليها في الكتاب والسنة، فلا يشتغل في البحث عنها, والسؤال عنها، وذلك
مثل السؤال عن الحج في كل عام الذي أنكره الرسول (ص) على السائل، وقال: «ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» وكالسؤال عن تحريم شيء لم يحرم، فيترتب عليه التحريم بسبب السؤال، كما ثبت بيان خطورته في الحديث عن رسول الله (ص)، وبعد زمنه (ص) لا يسأل الأسئلة التي فيها تنطع وتكلف، والمعنى سكت عن أشياء فلم يفرضها ولم يوجبها ولم يحرمها، فلا يسأل عنها، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم}
قال ابن رجب: «وأما المسكوت عنه، فهو ما لم يذكر حكمه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفوا عنه لا حرج على فاعله»
وذكر ابن حجر أنها نزلت بسبب كثرة المسائل إما على سبيل الاستهزاء أوالامتحان, وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة
وهذا يعنى أنها تقيد بذلك المعنى على حسب سياق النزول"
ما ذكره خطاب من الروايات هنا مناقض لكتاب الله فالله لم يسكن عن شىء لأنه بين كل شىء وضع خطا تحت كل شىء فى قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء" وقال "وتفصيل كل شىء"ثم قال :
"ثانيا: أثر السياق فى دلالة السكوت على الرضا أو الإذن
لا خلاف بين الفقهاء على أنه على الولي أن يستأذن البنت البكر عند زواجها, وأنه لو استأذن الولي البكر البالغة العاقلة, فإما أن تصرح بالموافقة, وإما أن تسكت وقد اتفقوا على أن الرضا يتحقق منها بأحد الأمرين, إما الموافقة الصريحة, أو السكوت, فإذا استأذنها في زواجها فسكتت, فإن سكوتها يقوم مقام القول الصريح الدال على الرضا, بشرط ألا يكون هناك قرينة دالة على أن سكوتها يفهم منه الرفض, فسكوت البكر عند استئذانها للنكاح يعتبر رضا وإذنا ، دلالة سياقية حالية لكونها بكرا, وذلك لما ورد في الحديث أن النبي (ص) قال: «استأمروا النساء في أبضاعهن، قيل: إن البكر تستحي وتسكت، قال: هو إذنها وفي رواية أخرى: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها»
وجه الدلالة: دل الحديث على أن سكوت البكر البالغة في النكاح, يجعل بيانا لحالها التي توجب ذلك، وهو الحياء، فجعل سكوتها دليلا على الإجازة والرضا لدلالة حالها,
فالسكوت جعل إذنا في البكر، للحياء المانع لها من النطق وهو مختص بالأبكار؛ لأن الحياء يكون فيهن أكثر، فلا يقاس عليها الثيب, ويعد قرينة دالة على تفسير السكوت منها بالموافقة, والرضا على الخطبة, والإذن في عقدة النكاح؛ لدلالة حالها الذي يجعلها تختلف عن غيرها
الأدلة على اعتبار السكوت على الرضا من السنة والمعقول:
أما الدليل من السنة فأحاديث كثيرة منها مايلي:
[1] ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله يستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: (نعم) قلت: فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت؟ قال (ص): «سكاتها إذنها»
[2] قوله (ص): «الثيب أحق بنفسها من وليها, والبكر يستأذنها أبوها في نفسها, وإذنها صماتها, وربما قال وصمتها إقرارها»
وجه الدلالة: جعل النبي (ص) سكوت البكر دليلا على رضاها, مالم يكن هناك قرينة دالة على عدم الرضا, فيكتفى معها بالسكوت وأما الدليل من المعقول:فإن البكر يكتفى معها بالسكوت لحيائها, أو لشدة حيائها, أو الغالب عليها ذلك, فجعل السكوت منها دليلا على الرضا للحاجة إليه, والسكوت في معرض الحاجة بيان, فصح منها لغلبة حيائها المانعة من تصريحها بالقبول أمام وليها الأقرب وفرع الفقهاء على ذلك فروعا من أهمها ما يلي:
[أ] أن سكوت البكر عند خطبتها لا يعد خطبة؛ لأن السكوت لا يعتبر إلا للحاجة وهي منتفية في الخطبة
[2] أن البكر المراد استئذانها هي البكر البالغة إذ لا معنى لاستذان الصغيرة؛ لأنها لاتدري ما الإذن
[3] وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما؛ لأن العلة وهي: حياء البكر منها لا يتحقق إلا معهما, فهي تستحي منهما أكثر من غيرهما , والذي عليه الجمهور: استعمال الحديث في كل الأبكار
[4] لو زوجت البكر البالغة بغير إذنها لم يصح العقد, وهو مذهب الحنفية, والحنابلة, والليث, والأوزاعي, والثوري, ويرى مالك والشافعية وإسحاق وأحمد أنه يجوز للأب زواجها بغير إذنها ويرد عليهم: بعموم الأحاديث الدالة على أنه على الأب أن يستأذن موليته قبل زواجها
[5] يلحق بالسكوت الضحك والتبسم بغير استهزاء ومثل السكوت: الضحك بغير استهزاء، لأنه أدل على الرضا من السكوت، وكذا التبسم والبكاء بلا صوت إذا فهم منه عدم الرفض؛ لدلالة بكاها على الرضا ضمنا والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك، فإن تعارضت أو أشكل احتيط "
وكل ما قيل هنا من روايات مناقض لكتاب الله لم يقله النبى(ص) فالمرأة لابد ان تعبر بالقول عن الموافقة أو الرفض والواجب أن يسألها القاضى وهو وحدها معه لأن حتى الموافقة القولية قد تكون تحت ضغط ومن ثم صمت البكر ليس دليل على الموافقة وحتى كلامها أمام وليها لا يعمل به القاضى عند عقد القرآن فلابد أن يسألها وحدهما وهناك رواية تعارض تلك الرواية وهى رواية المراة التى ذهبت للنبى(ص) واعترضت على تزويج أبيها لها وهى"جاءت جارية بكراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -يعني: ليرفع قدره، كأن ابن أخيه كان خاملاً فأراد أن يرفع قدره بتزويجه بابنته- فخيّرها، فأجازت نكاح أبيها، وقالت: إنما أردت أن يعلم النساء أن ليس للأولياء عليهن سلطة"
ثم حدثنا فقال:
"ثالثا: أثر السياق فى دلالة سكوت الثيب على الرفض
يري جمهور الفقهاء على أنه يجب على الولي أن يستأمر الثيب في زواجها, ولابد معها من صريح الإذن, فلا يكتفى منها بالموافقة الضمنية وهي: السكوت فإذا استأذن الولي الثيب, فسكتت, فلا يكون سكوتها دليلا على رضاها, فإذا سكتت كان سكوتها رفضا؛ لأنها ليست كالبكر, فالسياق والحال مختلف؛ ولذا اختلف الحكم واستدلوا على ذلك بالسنة والمعقول:
أما الدليل من السنة فأحاديث منها مايلي:
[1] قوله (ص): «الثيب أحق بنفسها من وليها, والبكر يستأذنها أبوها في نفسها, وإذنها صماتها, وربما قال وصمتها إقرارها»
[2] قوله (ص): «ليس للولي مع الثيب أمر »
وجه الدلالة: أن الثيب لابد من إذنها قبل زواجها, وإذا وجب استئذانها, فإنه لابد من موافقتها موافقة صريحة بالقول, ولا يكفي سكوتها, فالسكوت منها ليس دليلا على الرضا
وأما الدليل من المعقول:فهو أن السكوت ليس دليلا في حق الثيب؛ لأنه بيان للحاجة, فاكتفى به مع البكر لحيائها, أما الثيب فليس كذلك وقال أبو حنيفة: هي كالبكر، وخالفه حتى صاحباه، واحتج له بأن علة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء, وهو باق في هذه وأجيب: بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر, وقابلها بالثيب, فدل على أن حكمهما مختلف " ثم تحدث عن التالى:
"الفرع الثاني أثر السياق فى دلالة السكوت على عدم الوجوب:
أولا: أثر السياق فى دلالة السكوت على عدم الوجوب:
من الأحكام التى يؤثر السياق فى استنباطها من السكوت, الدلالة على عدم الوجوب كما في قصة الأعرابي في الحج فيما روي عن أبي هريرة قال: «خطبنا رسول الله (ص) فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا, فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا, فقال رسول الله (ص) لو قلت نعم لوجبت, ولما استطعتم ,ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم, فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»
وجه الدلالة: أن الرجل سأل النبي (ص) عن وجوب الحج كل عام, فقال: أكل عام يا رسول الله؟ ولو قال (ص) نعم لوجب بدلالة السياق المقالي المفهوم من اللفظ (بقرينة صدر الكلام وقوله: إن الله فرض عليكم الحج, والسؤال المترتب عليه) فلو قال: نعم لوجب ولما استطاع الناس, ولو قال: لا لامتنع الناس عن الزيادة في الحج عن مرة والحج مفروض مرة واحدة على المستطيع فمن زاد فهو تطوع فما كان بحسن الجواب اللفظي في الحالتين, فلم يكن أفضل جوابا من السكوت وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله وقد دل السكوت على معان أهمها:
[أ] أن الحج غير مفروض كل عام , وهذا المعنى مفهوم من دلالة السياق في السؤال
[ب] أن الحج مفروض على العباد جملة, وهو مفهوم من سياق قوله (ص) في صدر الحديث: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»
[ج] أن الحج لا يجب تكراره, وهو مفهوم من السكوت عن السؤال: أكل عام يا رسول الله؟
] د [أن الحج مستحب تكراره للقادر عليه؛ لأنه ليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله فهذه المعاني مستفادة من السؤال ومن سكوت النبي (ص) , ومن حال المكلفين, وما تتطلبه فريضة الحج من الاستطاعة, فهذه كلها تحدد المعنى"
الرواية لا تصح فالحكم ليس بكلام النبى(ص) وإنما بكلام الوحى المنزل على الرسول(ص) والرواية تحرم ما أحل الله من السؤال فى قوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمونط فكثرة سؤال الجاهل واجبة
ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الرفض فقال:
"ثانيا: أثر السياق في دلالة السكوت على الرفض:
كما دل السياق أن السكوت قد يفيد الرضا أو المشروعية أو الحل دل أيضا على أنه قد يراد بالسكوت الرفض, وأن السكوت وسياقاته المتعددة هو أدل شيء فى الدلالة على المطلوب فى تلك الحالة, ومن هذه الدلالات ما يلي:
[أولا] ما روي عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله (ص) جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك, فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة, فقال رسول الله (ص): «هل عندك من شئ تصدقها إياه» فقال: ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله (ص): «إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا» قال: لا أجد شيئا قال: «فالتمس ولو خاتما من حديد» فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله (ص): «هل معك من القرآن شئ» قال: نعم سورة كذا, وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله (ص): «قد زوجتكها بما معك من القرآن» فسكوت النبي (ص) في هذه الحالة يدل على معان منها ما يلي:
[أ] أنه سكت حياء, حيث إنه (ص) كان أشد حياء من العذراء في خدرها, والبكر إذا سئلت في أمر الزواج غلب عليها الحياء
[ب] أنه سكت لعدم الرغبة في هذا الزواج بهذه الطريقة؛ حتى لا تكون سنة متبعة من بعد
قال ابن حجر: وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس من الرد جلست تنتظر الفرج وسكوته (ص) إما حياء من مواجهتها بالرد, وكان (ص) شديد الحياء جدا كما تقدم في صفته أنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها وإما انتظارا للوحي وإما تفكرا في جواب يناسب المقام
[ج] أنه سكت لرفضه (ص) الزواج منها وفي التصريح بالرفض حرج لها, وإحراج , وهو (ص) لا يفعله
[د] أن سكوته دليل على القبول, لكن ليس قبولا للزواج منها, وإنما قبولا لمبدأ الهبة, وإلا لما سكت (ص)؛ لأنه لا يسكت على أمر منكر أمامه, أو غير شرعي
[هـ] أنه سكت انتظارا للوحي, فنزلت الآية بالتحليل والتخيير
[و] أنه سكت لعلمه أن أحد الصحابة سوف يتزوجها فانتظر كي يستأذنه فيها
وقد يقول قائل: ولماذا لم يرفض أو لم يرد (ص) بالرفض؟
والجواب فيما يلي:
[أ] أن رفضه قد يعيب بالمرأة فلا يتقدم أحد لخطبتها, لكن السكوت حفظ لمكانتها حتى تقدم لها أحد الصحابة
[ب] أن الرفض فيه حرج وإهانة لها خاصة أمام جمع من الصحابة
ثانيا: ما روي عن عائشة قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة, وإنا نريد الخير كما تريد عائشة, فقولي لرسول الله: يأمر الناس يهدوا له أين كان قالت: فذكرت له أم سلمة ذلك فسكت فلم يرد عليها شيئا, فأعادت الثانية فقالت فلم يرد عليها, فلما كانت الثالثة قال: «قال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه ما أنزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها"
وجه الدلالة: أن سكوت النبي (ص) دليل قاطع على رفضه, فكره (ص) مخاطبة الناس في شأن هداياهم, وقد فهمت السيدة أم سلمة ذلك لكنها أعادت ذلك لإلحاح زوجات النبي (ص) في ذلك"
الرواية خاطئة تتعارض مع كتاب الله لأن الله حدد المهر فجعله فريضة فقال " فإن أتيتم إحداهن قنطارا " والرواية الثانية لم تقع هى الأخرى لأن الملاك وهو جبريل (ص) لن ينزل فى حجرة نوم المرأة وهو معها تحت اللحاف ليرى عورة المرأة والرجل ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الإجماع فقال :
"الفرع الثالث أثر السياق في دلالة السكوت على الإجماع
الإجماع السكوتي معناه: هو أن يقول بعض المجتهدين قولا, وينتشر ذلك القول بين المجتهدين من أهل العصر, ولا يخالفه أحد, فعدم الإنكار أو إظهار رأي يخالفه أو سكوته هم عليه, يعد تقريرا منهم له فسكوت مجتهدي العصر على الرأي المنتشر بينهم هل يعد بمنزلة القول الصريح منهم فيصير كأنهم قالوا ذلك الرأي, فيصح إجماعا, فدلالة حال العلماء الذين سكتوا عن القول المعلن تقتضي الموافقة عليه, فدلالة الإجماع مستفادة من السياق الحالى لهم الدال على عدم الرفض والمقتضي للموافقة الضمنية
اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة آراء:
الرأي الأول: للحنفية , ورواية للشافعية , أن سكوت المجتهدين في تلك الحالة يعد إجماعا, وعللوا ذلك بما يأتي:
[1] لو شرط الموافقة القولية في كل إجماع لما تحقق إجماع
[2] جرت العادة في كل عصر بإفتاء الأكابر وسكوت الأصاغر, ويعد سكوتهم موافقة
الرأي الثاني: يرى داود والمرتضى والشافعية في قول أنه ليس بحجة؛ عملا بالقاعدة: لا ينسب إلى ساكت قول وأن السكوت محتمل لغير الموافق كالخوف والمهابة والتردد ونحوها, ومع الاحتمال يبطل الاستدلال
الرأي الثالث: يرى بعض الفقهاء أنه حجة في الفتيا فقط دون القضاء؛ لأن القضاء لا إجماع فيه أصلا
الرأي الرابع: يرى بعض الفقهاء أن الإجماع السكوتي لا يكون حجة إلا إذا كثر السكوت وتكرر, ولا يتحقق ذلك إلا في المسائل التي تعم فيها البلوى, وتكثر وتنتشرورجح السبكي: أنه حجة مطلقا واختلفوا في: هل هو حجة قطعية أم ظنية؟ على رأيين:
أولهما: يرى الحنفية أنه حجة قطعية
ثانيهما: يرى الآمدي والكرخي أنه إجماع ظني ولهذه المسألة تفصيلات كثيرة فى كتب الاصول"
قطعا لا يوجد حجى فى إجماع أو سكوت وكما قلت الحجة واحدة وهى الوحى المنزل كما قال تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وحدثنا عن دلالة السكوت على التقرير فقال:
"الفرع الرابع أثر السياق في دلالة السكوت على التقرير
تتعدد دلالات السكوت لتعدد دلالة السياقات التى يستعمل فيها, ومن تلك الاستعمالات السكوت من النبى (ص) حجة على جواز ما رأى ولم ينكره بخلاف سكوت غيره وهذا من خصائصه التى لا يشاركه فيها غيره
ومن المعلوم أن النبي (ص) مرسل من أجل البيان كما في قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} فمن مهاماته الأساسية بيان الشرع للناس, وقد كان سكوته أكثر من نطقه وكلامه, وهذا يعنى أن ذلك السكوت التشريعي تشريع وبيان لأحكام متعددة للناس, وقد قال (ص): «إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها و حرم أشياء فلا تنتهكوها وترك أشياء من غير نسيان من ربكم و لكن رحمة منه لكم فأقبلوا و لا تبحثوا فيها»
وجه الدلالة: دل هذا الحديث على أن السكوت بيان؛ لأنه سكوت متعمد من غير نسيان, فهذا السكوت يفهم منه أمور من أهمها ما يلي:
الأمر الأول: أن ما سكت عنه فهو عفو, يعني معفو عنه, غير مؤاخذ به, فيكون حكمه على الحل, لو فعله الإنسان لا يؤاخذ به؛ لأنه لا إثم على فاعله, فهو مباح
الأمر الثاني: أن السكوت يعني الأمر, يعني ما سكت عنه من غير نسيان فاسكتوا أنتم عنه ولا تسألوا عنه, بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وهي دلالة مفهومة من السياق؛ لأنه في مجال تفصيل الحلال والحرام, وبيان الفرائض والحدود, فكأنه قال: ما أمر به فافعلوه , وما نهي عنه فلا تفعلوه, وما سكت عنه فلا تسألوا عنه
ولهذا كان سكوته (ص) في مواطن كثيرة دالا على المشروعية والإباحة لكن هذا السكوت لم يدل على محض المشروعية إلا لأنه سكوته (ص) , فليس سكوت أحد غيره (ص) معتبرا لهذا المعنى, فكانت دلالة الحال فى أنه النبى (ص) مقتضيه لأن يكون السكوت منه تقريرا للمشروعية في كل ما سكت عنه, وكذلك ظاهر السكوت من رسول الله (ص) في الشيء يراه يصنع بحضرته يحل محل الرضى به والتقرير له , وهو قسم من أقسام السنة النبوية , وهو ما يسمى بالسنة التقريرية, وهي أشياء كثيرة, وقد اتفقوا على أن تقرير النبي (ص) لما يفعل بحضرته, أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز؛ لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الإنكار فلا يقر على باطل، أما غيره فإن سكوته لا يدل على الجواز، لاحتمال أن يكون لم يتضح له الحكم, أولم يظهر له وجهه
ولهذا أمثلة كثيرة منها ما يلي:
[أ] سكوته (ص) عندما أكل الضب على مائدته, فدل هذا على مشروعية أكل الضب, وأنه مباح, ولم يأكل منه (ص) لبيان أن الأمر على السعة من أراد ان يأكل , ومن أراد ألا يأكل فلا يأكل, فلو قال: أكل الضب حلال, لكان ذلك بيانا بأنه سنة متبعة, ولكن هو أقل من ذلك, فمن أراد أن يفعله فلا حرج, ومن ترك فلا حرج وهذه مرتبة أقل من مرتبة الفعل أو الكلام, هذا السكوت مقرون بأنه سكوت النبي (ص) , فلا يدل سكوت غيره على ما يدل عليه سكوته (ص) , فدل السكوت على ما لم يدل عليه الكلام أو الفعل
[ب] سكوته (ص) على أكل الفرس بدليل ما روي عن أسماء قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله (ص) فأكلناه فدل هذا أيضا على أن الأمر على الإباحة العرفية من وجد نفسه لا تهابه فليأكل ومن لم تطب نفسه فلا يأكل, فلا يكون حراما ولو أكل منه (ص) لاقتدى به الناس وجعلوه سنة فالسكوت أقل دلالة على المشروعية من الفعل أو النهي, ومن ناحية أخرى لم يدل السكوت بمفرده على تلك الدلالة , ولكن الذي دل على ذلك كونه سكوت المعصوم (ص) , فليس السكوت من أحد غيره معتبرا بهذه الدلالة"
وقد سبق مناقشة رواية الحدود والسكوت وكونها مناقضة لكتاب الله حيث بين الله كل شىء فى الوحى وأما روايات الضب والفرس فلا يباح ذبح شىء منها أو أكله إلا فى حالة المجاعة وعدم وجود طعام غيرهم ثم حدثنا عن دلالة السكوت على الحياء فقال:
"الفرع الخامس أثر السياق في دلالة السكوت على الحياء
من المتفق عليه أن لكل دين خلق, وخلق الإسلام الحياء, ولقد كان النبي (ص) أشد حياء من العذراء في خدرها, وكان يعرف حياؤه من سكوته, وإمساكه عن الكلام وخاصة في أمور النساء, ونلمس ذلك في مواطن كثيرة منها ما يلي:
[أ] ما روي عن عائشة أن امرأة سألت النبي (ص) عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: (خذي فرصة من مسك فتطهري بها) قالت كيف أتطهر؟ قال (تطهري بها) قالت كيف؟ قال: (سبحان الله تطهري) فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم
وجه الدلالة: أن سكوت النبي (ص) عن سؤال المرأة كان حياء, ولا يعني عدم العلم , فالسكوت لا يعني العدم, وإنما دل على الحياء النبوي, ولو كان من غيره لربما أجاب
[ب] ما روي عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله (ص) ونحن في مجلس سعد بن عبادة, فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله, فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله (ص) حتى تمنينا أنه لم يسأله, ثم قال رسول الله (ص): «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم»
وجه الدلالة: سكوته هنا يدل على أمور تفهم من السياق الحالى:
أولها: أنه (ص) سكت لأن السائل يسأل عن كيف نصلي عليك وقد أرمت, فهو لم يعرف قدره (ص) , وأنه ما كان ينبغي أن يسأل ذلك مادام أن الله قد أمر بها, فالله يصلي عليه وملائكته صلاة أبدية سرمدية, فكيف يصلي الله على من مات وصار رمادا فكان ينبغي للسائل أن يفهم ذلك ولا يسأل ذلك السؤال, فيفهم من سياق الآية ما يعنيه من السؤال, فالرد من المفترض أن يكون عتابا؛ ولهذا سكت عنه
ثانيا: أن السائل فهم أنه لا يمكن أن يأتي بالصلاة على النبي (ص) مادام الله يصلي عليه, فلا يمكن للبشر؛ ولذا قال النبي (ص): «قولوا اللهم صل على محمد » يعني: اطلبوا من الله أن يصلي علي مادام أنكم عرفتم أنكم لن تستطيعوا أن تصلوا علي
ثالثا: أن السائل أراد أن يصل إلى صيغة تحقق المطلوب الشرعي في الصلاة, فسكت النبي (ص)؛ ليقر ذلك الفهم عند السائل, أو سكت (ص) حياء؛ لأن المسألة تتعلق بشخصه (ص) , لكنه تكلم لأن الجواب مرتبط بتبليغ أوامر الله تعالى
وقوله فكيف نصلي عليك سؤال عن صفة الصلاة عليه وسكوت النبي (ص) يحتمل أن يكون لأنه لم يكن عنده في ذلك نص فأوحي إليه بذلك عند السؤال فكان سكوته لأجل الوحي إليه ويحتمل أن يكون ذلك مصروفا إليه فسكت مختارا وإنما تمنوا أنه لم يكن سأله لما خافوا أن يكون سكوته لأنه لم يرض السؤال "
وما سبق من روايات مناقض لكتاب الله فلا ينفع الحياء فى تعليم الدين فالرسول(ص) لن يستحى فى تعليم الأمة الأحكام وإلا كان مقصرا فى أداء وهو تبليغ الرسالة وهو ما لم يفعله لأنه أطاع قوله تعالى ""يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"