احسـ العالم ـاس
30-07-2003, 02:51 AM
لأول مرة.. بالأسماء والوقائع
أسماء -الخونة- الذين سلموا مفاتيح بغداد للأمريكان
نعم.. إنها الحقيقة المرة.. والكارثة الأليمة.. والنكسة التي لا ترد..
فقد استبيحت أرض العراق.. وسقطت عاصمة الرشيد.. ليس لضعف. أو جبن.. ليس لخوف أو تراجع.. بل بسبب 'طعنات مسمومة' ارتكبها بعض الموثوق فيهم بخسة ونذالة..
باعوا شرف بلدهم.. واستبدلوه ببضع سنوات في 'وكر الأعداء' وبضعة ملايين من الدولارات..
أهدروا كرامة أمتهم.. وخانوا حاضرها في مقابل مستقبل غامض مجهول.. آثروا شراءه ومقايضته بدماء الشهداء.. وتاريخ الوطن.. وماضيه المجيد.
أخذوا معهم بفعلتهم الشنعاء 'أمة كاملة' سقط جزء من بنيانها تحت سنابك مغول القرن.. لاندري.. كيف قبل من شرب من مياه دجلة والفرات أن يسلم للأعداء مفاتيح الحياة المتدفقة في شرايينهما الممتدة فوق خارطة العراق.. ولا ندري.. كيف لمن اؤتمن علي حاضرة الخلافة العباسية أن يسلم ذقن 'أبي جعفر المنصور' ورأس 'هارون الرشيد' ومرقد 'الإمام علي' وعتبات 'النجف الأشرف المقدسة' ومقام 'الإمام الحسين والإمام العباس' إلي من لا يعرف ربا.:. ولا دينا.. ليمنحه سلطة العبث بالمقدسات.. وانتهاك المحرمات.. والمس بالثوابت.. والوقوف عند بوابة الأمة في شرقها.. متأهبا للقفز فوق ما تبقي من 'قلاع' فوق خارطة العرب.
ھھھ
نعم.. إنها الحقيقة المؤلمة.. فلقد تأكد ما كنا نخشاه.. ونتخوفه.. ونحاول تحاشيه.. ليس تكذيبا للواقع المر.. ولكن إبعادا لظنون كنا ندرك أنها وقعت منذ سقوط بغداد.. بلا طلقة رصاص.. ولكن ما لم نكن ندركه.. أو نتخيله أن يكون الجرح بهذا العمق.. وأن تكون الطعنة بهذا النفاذ.. وأن تكون الخيانة.. والغدر.. ممن اؤتمن علي الأمانة.. وتحمل عبء مسئوليتها..
وقائع مريرة تكشفت.. وصفحات مؤلمة تفتحت.. لم تكن مصادرها تقارير أو وقائع.. أو مجرد روايات.. بل كانت رؤية مصادر بالغة الأهمية.. وصلتنا شهادتها المحملة بالأسماء.. والوقائع بعد أن عايشت الأحداث عن قرب.. وتجرعت كئوس مرارتها.. وامتلكت بيدها كل الحقائق التي كانت حتي وقت قريب مجرد 'أوراق غامضة'.. و'وقائع متناثرة' و'خيوط باهتة' و'ظلال غير مؤكدة'.
حي ن تصفحنا ما وصلنا من معلومات.. وروايات راح شعور باللامعقول يجتاح أوصالنا.. ويقتحم مشاعرنا.. ليغرس في أفئدتنا مزيدا من 'العلقم' الذي احتل موقع 'الهواء' في حياتنا هذه الأيام..
ھھھ
بخيط أسود.. جاءت روايات وقائع ما جري بعد أن أحاطت بالصورة من كل زواياها.. فجاءت الرواية متماسكة.. تحمل في داخلها أطراف أدلتها.. وتقدم في محيطها جوهر صحتها.. كاشفة أسماء 'من طعنوا بغداد في القلب' بعضهم تناثرت أسماؤهم فوق خارطة الاعلام.. وآخرون ظلت أسماؤهم 'طي الكتمان' بعد أن تعرضت هي الأخري لحصار الاخفاء.. حتي أخرجناها من سرداب عميق.. سوف تتسع دائرته أكثر.. فأكثر.. كلما ابتعدنا قليلا عن موقع وزمان الحدث.
البداية.. كانت محاولات أدمنتها الأجهزة الأمريكية والبريطانية جيدا.. التركيز علي شراء 'القطط السمينة' القادرة علي التأثير والفعل.. والقريبة جدا من مركز اتخاذ القرار.. و'القطط السمينة' هنا.. هي الدائرة المحيطة بالرئيس العراقي صدام حسين.. ولكن.. كيف الوصول إليهم.. وما هي المسالك والدروب التي تقود إلي 'فك شفراتهم' و'حل طلاسمهم'.
الطريق كان للأسف سالكا، بل ومعبدا ولطالما كرره المسئولون الأمريكون والبريط انيون.. حين أعلنوا في العديد من مؤتمراتهم الصحفية أنهم علي اتصال بكبار القادة العسكريين.. ورغم تكرار ذلك.. لكن يبدو أن القيادة العراقية التي أسلمت 'مراكزها الحساسة' لبعض ذوي القربي.. ظنت أن اختراق دائرة 'العصب العائلي' هي أقوي من كل المحاولات.. مهما كانت.. وأن فتح ثغرة في الجدار المحيط بمركز القرار هو المستحيل بعينه..
هكذا أسلمت القيادة العراقية ظهرها.. لمن أغمدوا سيوفهم فيها بلا شفقة.. وغرسوا خناجرهم في ظهر الوطن فباعوه.. ودمروه.
لقد سلك القطار الأمريكي طريق عدد من ضباط الجيش ورجال المخابرات السابقين.. متجها صوب محطة بعض العملاء الذين يجيدون الهبوط عند مواقع مؤثرة.. وقد كان لهم ما أرادوا.. فسرعان ما استقل قطارهم ثلة من ضعاف النفوس.. من ضباط وموظفين.. وشخصيات كانت موضع ثقة الرئيس العراقي صدام حسين.. وأركان حكمه.. وعبر هؤلاء راحت بوابات 'القطار' تحمل كميات لا بأس بها من المعلومات بالغة الأهمية..
وفيما 'القطار' مستغرق في سيره،، كانت ضربة قاصمة تصيب الرئيس العراقي صدام حسين.. فلقد تمكنوا من اصطياد أحد أبرز رجالاته. وأكثر المفضلين لديه.. وابن خالته 'الفريق ماهر سفيان التكريتي' قائد قوات الحرس الجمهوري الخاص.
الكل في العراق كان يعرف تفاصيل العلاقة الحميمة التي تربط الرجلين 'صدام وماهر'.. فلقد احتل موقعا فريدا في قلب الرئيس العراقي.. وكان معنيا بالحفاظ علي أمنه الشخصي، حيث تحمٌîل تلك المسئولية بجدية وكفاءة ومثابرة علي مدي سنوات طويلة مضت.. وكان بحكم موقعه المقرب.. معنيا بنقل التعليمات التي يصدرها صدام إلي العديد من الجهات العسكرية والمخابراتية في البلاد.. وهي معلومات تقع كلها تحت بند 'سري جدا'.. أي أنها تشكل 'قلب وعقل القرار العسكري والسياسي في العراق'..
ولكن.. يبقي السؤال: كيف استطاع الأمريكان الوصول إلي الفريق ماهر سفيان التكريتي.. وكيف نجحوا في تجنيده؟
ھھھ
بحسب المصادر الهامة ذاتها.. فإن عملية التجنيد سارت في دروب متعددة.. واتخذت مسارات متنوعة.. غير أن أكثر القنوات تأثيرا.. تمثلت في اتصالات أجراها عدد من الضباط الهاربين لديهم معرفة وثيقة به، مستخدمين في أداء مهمتهم شخصية عراقية 'كقناة مرور' إليه.. وهي من الشخصيات المقربة جدا إليه.
كان الوصول إلي مفاتيحه.. وفك شفرته يتحرك في اتجاهين متوازيين.. أولهما يقدم إغراءات لا قبل له بها.. تبدأ بعر ض مبلغ 25 مليون دولار تودع في حساب خاص به بالولايات المتحدة.. وتمتد إلي الايحاء بأنه قد يكون رجل العراق القادم.
أما ثانيهما.. فقد اشتمل علي تحذيره من مغبة الرفض.. أو التردد.. مستخدمين في ذلك كافة وسائل التأثير النفسي والجسدي.. ومنها أن معركة بغداد خاسرة... وأن مستقبل صدام حسين محكوم عليه بالانتهاء.. وأن أمريكا التي تخوض معركتها الفاصلة لن تتردد أبدا في فصف بغداد بالقنابل النووية التكتيكية إذا ما استعصت المدينة علي السقوط في يدها.
وما بين الإغراءات والتحذيرات.. وحيرة الرجل.. جاءته التطمينات بأن 'خيانته' سوف تبقي طي الكتمان ولن يعلم بها أحد.. وأنه وعائلته سينقلون فورا إلي الولايات المتحدة مع أول دخول للقوات الأمريكية إلي داخل بغداد.. وقبل أن يكتشف أحد 'صفقة الخيانة'.
ومع اكتمال فصول الصفقة.. كانت ملامح الخيانة قد بدأت تخيم فوق بغداد.. فالفريق ماهر سفيان التكريتي.. وبحكم قربه من الرئيس العراقي كان علي اطلاع تام بمختلف خطط المواجهة العراقية.. بل وكان من القلائل الذين يعرفون كل شيء.. فقد كان مصدر ثقة الرئيس و'مستودع أسراره'..
ولأنه كذلك.. فقد كانت الإجابة علي السؤال اللغز هي أكثر ما يشغل بال الأمريكيين الذين وجدوا في ماهر التكريتي 'البيضة الذهبية' القادرة علي منحهم السر الكبير.. كان السؤال المحير الذي رددته كل الدوائر الأمريكية هو عن سر هذه الثقة التي تكلم بها صدام حسين قبيل الغزو بأسابيع حين هدد من وصفهم بمغول العصر بالانتحار علي أسوار بغداد.. ولماذا لم يقل 'علي أبواب العراق'.. وماذا يعني بأسوار بغداد؟.. وهل يمتلك الرئيس العراقي خطة حقيقية للمقاومة.. أم أنه يïعًدٌ مفاجآت مذهلة للقوات الأمريكية.
ھھھ
وبقدر القلق الذي أصاب الأمريكان جراء هذه التساؤلات.. وبقدر شغفهم لمعرفة ما الذي تخفيه من ورائها.. بقدر ما كانت الاجابات متوافرة بشكل مذهل عند الفريق 'الخائن'.
كعربون لحسن النية.. ولإثبات عمالته المبكرة.. قدم الفريق الخائن رأس بغداد علي طبق من ذهب للأمريكان.. فلقد أبلغهم مبكرا عبر 'الوسيط' الذي فتح معه 'قناة الخيانة' أن ما أعلنه الرئيس العراقي لم ينبع من فراغ.. وإنما مبني علي حقائق وخطط تم وضعها.. وإقرارها لإغراق الأمريكيين في بحيرة من 'الدماء' إذا ما وصلوا إلي أسوار بغداد ومحيطها.. فلقد اعتمدت تلك الخطط علي الدفاع عن بغداد بمسافة تبعد 25 كيلو مترا م ن مركز العاصمة.. حيث تمكن العراق من تشييد سبعة خطوط دفاعية في مناطق الحقول الزراعية المحيطة ببغداد.. وأن الفاصل بين كل خط دفاعي والآخر نحو ألفين وخمسمائة متر وهي عبارة عن براميل من النفط الخام، ومادة تي. إن. تي، ومتفجرات أخري وضعت بعمق خمسة مترات، وتحيط ببغداد من كافة الاتجاهات.. حيث تضمنت الخطة ربط كافة هذه الخطوط الدفاعية بكنترول مركزي.
كانت الخطة المعدة تقضي باستدراج القوات الأمريكية للوصول الي المنطقة المحيطة ببغداد وهو ما أعلن عنه وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف وكانت تقضي بانتظار تمركز القوات الغازية وآلياتها في تلك المنطقة.. ثم يجري تفجير الخطوط الدفاعية من خلال الكنترول المركزي.. الأمر الذي سيحول تلك المنطقة إلي 'جهنم'.. ويوقع اعدادا هائلة من القتلي في صفوف القوات الأمريكية قدرتها التقارير والتوقعات العراقية بنحو 25 ألفا علي الأقل، معتبرة أن من شأن ذلك أن يدفع واشنطن للتراجع عن عدوانها، والبحث عن صيغة تفاهمية جراء هذا العدد الضخم من القتلي.
حين وصلت هذه المعلومات عبر وسيط الفريق الخائن إلي مقر القيادة العسكرية الأمريكية.. حدثت حالة من الانزعاج الشديد.. ووجد القادة العسك ريون الأمريكيون في رجلهم 'الخائن'.. وبما يشغله من موقع، وما يحظي به من ثقة، وبما هو مطلع عليه من معلومات.. القدرة علي القيام بالمهمة الرئيسية في مسلسل خيانته لوطنه.. ألا وهو إفشال المخطط الدفاعي الذي استعد به العراق لملاقاة مغول العصر عند أسوار بغداد..
وعبر سيناريو محكم.. قدم الأمريكيون للفريق الخائن ماهر سفيان التكريتي سلسلة من المطالب.. التي يمكن عبرها إجهاض المخطط.. واسقاط تهديدات صدام.. وتمثلت تلك المطالب.. فيما يلي:
أولا: سحب قطاعات الحرس الجمهوري الموجودة علي محوري 'الحلة بابل' وطريق 'بغداد الكوت' والزج بها في معركة.. أسموها 'معركة مطار بغداد الدولي'.. والقطاعات التي يتم سحبها تعد 'نخبة الحرس الخاص' وهي 'قوات المدينة المنورة وقوات نوبخذ نصر وقوات الفاروق'.
ثانيا: تقديم خريطة كاملة بالخطوط الدفاعية السبعة حول بغداد، والعمل علي ابطال مفعولها وتخريب الكنترول المركزي.
ثالثا: أن يصدر تعليماته بصرف عناصر القوات إلي بيوتها. وترك أسلحتها الثقيلة منها خاصة في مواقعها.
ھھھ
في هذا الوقت.. كانت وكالات الأنباء، والمحطات الفضائية تذيع أنباء عمليات الإنزال الأمريكية التي تمت بجوار مطار بغداد الدولي.. وبالتحديد في منطقة أبوغريب، التي تجاور إحدي المناطق السكنية، وأخري مكشوفة.. وإلي جوارها 'مانع مائي' يصعب اختراقه، والمسمي 'ذراع دجلة'.
وبالقرب من تلك المناطق.. توجد معسكرات خاصة لجماعة 'مجاهدي خلق' الإيرانية المعارضة لنظام الحكم الإيراني والتي احتضنها العراق بقيادة مسعود رجوي لسنوات طويلة.. وتحمل تبعات استضافتها في التوتر المتبادل والثارات الدفينة التي خيمت علي أجواء العلاقات الإيرانية العراقية.
وبدلا من أن يحفظ 'رجوي' وجماعته الجميل للعراق علي تحمل تبعاتهم طيلة هذه السنوات.. عقد هو الآخر صفقة مع القوات الأمريكية ضد النظام في العراق.. ليوجه بذلك طعنة أخري غادرة في مواجهة العراق الذي وفر له الأمن والحماية علي مدار سنين طويلة مضت.
فعبر عمليات تنسيق مع القوات الأمريكية.. انسحب 'مجاهدو خلق' من معسكراتهم القريبة من مطار بغداد بنحو 25 كيلو مترا، حيث استقرت قوات تلك الجماعة في منطقة 'نادي الفارس' بعد أن سلموا معسكراتهم السابقة للقوات الأمريكية.
حدث ذلك يوم السادس من ابريل عندما أعلنت القوات الأمريكية أنها تمكنت من الوصول الي 'مطار بغداد الدولي'.
بالقرب من مطار بغداد توجد قرية 'الرضوانية' التي تضم عددا من القصور الرئاسية، والتي يتواجد بالقرب منها لواءان عراقيان مجهزان بأحدث أنواع الأسلحة.. وفي مقدمة مهامهما توفير الحماية الخاصة..
كان آمر اللواء الأول قائدا عراقيا يدعي 'اللواء محمد مصطفي عزيز' قد أدرك بحسه العسكري، وعبر اطلاعه علي تحركات جماعة 'مجاهدي خلق' أن هناك 'خيانة' قد وقعت.. فحاول علي الفور الاتصال بقيادته.. إلا أن محاولاته باءت بالفشل.. فاستعاض عن ذلك بالتصرف التلقائي بعد أن قدر خطورة ما يحاك من حوله.. حيث قام بتحريك قواته، وافتعل برقية حرك بها القوات تحمل رقم 76/أ، وحدد ساعة الانشاء أو التحرك 35،7 مساء، وحملت البرقية توقيع 'صدام حسين'.. ثم سرعان ما بعث بها إلي آمر اللواء الثاني.
بمقتضي ذلك الأمر تحركت قوات اللواءين، حيث قامت بعملية التفاف عكسية خلف المنطقة المكشوفة بالقرب من المطار.. وهي منطقة 'بساتين'، حيث بدأت تلك القوات معركة عنيفة ضد القوات الأمريكية في الساعة 8.45 من مساء هذا اليوم.. تكبد فيها الأمريكان نحو أربعمائة جندي قتلوا.. فيما استشهد نحو 1500 من الضباط والجنود العراقيين.. وقيل ان اللواء 'محمد مصطفي عزيز' قائد اللواء العراقي الأول وقع في أسر القوات الأمريكية.
وبحسب وصف القادة العسكريين الأمريكيين فقد أطلقوا علي هذه المعركة 'معركة الليلة السوداء' والتي كانت واحدة من أخطر المعارك التي واجهت الأمريكيين فوق أرض العراق..
ھھھ
لم يكن 'ماهر سفيان التكريتي' هو الخائن الوحيد في صفوف القادة العسكريين العراقيين.. بل شاركه في سلوكه الخياني آخرون يتقدمهم 'الفريق أول حسين رشيد التكريتي' سكرتير القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، والذي مكن بخيانته القوات الأمريكية من الدخول إلي منطقة 'الدورة' انطلاقا من منطقة 'هور رجب' وتردد أن ضابط الارتباط الذي شارك في تنفيذ هذا الاتفاق هو ابنه 'الرائد علي حسين رشيد التكريتي' السكرتير الشخصي لقصي صدام حسين نجل الرئيس العراقي.. حيث قيل إنه تمت مكافأتهما بمبلغ 5 ملايين دولار.. بالاضافة الي ترحيلهما إلي الولايات المتحدة مع عائلاتهما.
وقد لعب الفريق حسين رشيد التكريتي الدور الأساسي في إصدار التعليمات للقوات المسلحة العراقية بمغادرة مواقعها استنادا إلي قرارات تم تزويرها ونسبتها لوزير الدفاع سلطان هاشم أحمد.. أما نجله 'الرائد عل ي' فقد قدم معلومات علي جانب كبير من الخطورة فيما يخص 'خطة تأمين بغداد' والتي كان قصي صدام حسين هو المشرف علي تنفيذها.
وفي ثلة الخونة.. كان هناك الضابط 'النقيب عدنان يوسف حسن' الذي كان يتولي مسئولية حماية بعض الأماكن الخاصة والبديلة للرئيس العراقي، حيث يوجد نحو (50) موقعا بديلا كان الرئيس صدام يتنقل بينها.. ويعقد فيها اجتماعاته بعيدا عن المواقع المعروفة.
كانت الأجهزة الأمنية المقربة من صدام حسين قد شككت في ولاء الضابط.. وراحت تتبعه، وترصد تحركاته، ثم ما لبثت أن توصلت إلي بعض المعلومات التي تشير إلي احتمال عمالته للاستخبارات الأمريكية..
عندما رفعت هذه المعلومات للرئيس العراقي، حاول التأكد بنفسه من هذه الشكوك.. فأوحي لبعض المقربين كي يبلغوه بأن هناك اجتماعا للقيادة العراقية سوف يعقد في 'مطعم الساعة' الذي يمتلكه مواطن مصري.. يدعي 'أبو وليد' وهو صديق شخصي لنجل الرئيس العراقي 'عدي'.
كان الاسم الرمزي لمطعم الساعة هو 'أبوجعفر المنصور'.. فذكر أمام الضابط الخائن أمرا بشأن تهيئة 'أبوجعفر المنصور' وذلك يوم السابع من ابريل..
وبالفعل.. جاء صدام في الموعد المحدد، وبصحبته نجله 'قصي' بسيارة تاكسي من نوع 'نيسان' وبعض الحراس من خلفه في سيارة أخري.. علي الفور دخل صدام ونجله وبعض الحرس الخاص من الباب الأمامي.. ثم خرجوا علي الفور من الباب الخلفي.. وما هي إلا بضع دقائق حتي كان المطعم والمنطقة المحيطة به تقصف بقنابل زنة 1000 رطل للقنبلة الواحدة.
هنا.. تأكد صدام من عمالة 'النقيب عدنان يوسف حسن' للأمريكيين.. فأمر بتفتيشه، حيث عثر معه علي التليفون المحمول 'الثريا' المربوط مباشرة بالأقمار الصناعية.. وعندما تمت مواجهته اعترف الضابط بعمالته.. فتم اعدامه علي الفور رميا بالرصاص.
ھھھ
لم يكن طريق الخيانة الذي أسقط بغداد قاصرا فقط علي العسكريين.. بل امتد ليشمل عددا من المدنيين العراقيين.. ومن بين هؤلاء موظف بالقصر الجمهوري يدعي 'عيسي عبدالأحد'.. فقد كان هذا الموظف علي علاقة مع أحد الضباط العراقيين الذي تمكن من الهرب من العراق في شهر يوليو عام ..2002 كان هذا الموظف يعمل في قصور الرضوانية.. وكان الضابط صاحب العلاقة الخاصة به برتبة عميد، ويدعي 'ماجد'، حيث تمكن من الحصول علي جواز سفر مزور دفع فيه مبلع (5 ملايين دينار عراقي).. حيث سجل أمام خانة الوظيفة في الجواز المزور مهنة 'تاجر' الأمر الذي مكنه من الهرب إلي الأردن.
كانت وسيلة الاتصال بين الموظف العامل بالقصر الجمهوري، والضابط الهارب 'سائق أردني' يعمل علي الخط العراقي الأردني، حيث تمكن 'العميد الهارب' من إغرائه بالمال، وتجنيده.. حيث كانت مهمته هي استلام المعلومات من الموظف 'عيسي عبدالأحد' حول تحركات صدام حسين داخل القصور، والغرف التي يستخدمها، وتوصيلها إلي العميد 'ماجد'.
وقد جاءت عملية سقوط هذا الموظف العراقي 'مصادفة' حيث ألقي القبض عليه.. بينما كان يهم بتسليم المعلومات إلي السائق الأردني، حيث جرت عملية اعدامه يوم 16 مارس.. أي قبل الحرب بأربعة أيام فقط.
لم يقتصر طابور الخونة عند هذا الحد.. بل ضم عددا غير قليل من ضباط المخابرات العسكرية والعامة.. الذين تم تجنيدهم من خلال اتصالات تولاها واحد من كبار ضباط المخابرات العراقية الذي اختلف مع نظام صدام حسين، وتمكن من الهرب إلي ألمانيا، حيث بدأ من هناك خطة لاصطياد 'خونة آخرين'، كانوا بالاضافة لمن سبق كشفهم الجسر الذي عبرت من فوقه القوات الأمريكية وهي بصدد احتلال حاضرة الخلافة.. 'بغداد الرشيد' التي ابتليت ببعض أبنائها.. فوقعت في أسر احتلال بغيض وجائر. . لا يدري أحد متي ينتهي.. وان كانت الثقة في طرده مهما طال أمده هي من المسلمات التي لايخالجنا الشك فيها.. فلقد أثبتت إرادة الشعوب دوما أنها الأقوي.. مهما طغي المحتل.. وتجبر
أسماء -الخونة- الذين سلموا مفاتيح بغداد للأمريكان
نعم.. إنها الحقيقة المرة.. والكارثة الأليمة.. والنكسة التي لا ترد..
فقد استبيحت أرض العراق.. وسقطت عاصمة الرشيد.. ليس لضعف. أو جبن.. ليس لخوف أو تراجع.. بل بسبب 'طعنات مسمومة' ارتكبها بعض الموثوق فيهم بخسة ونذالة..
باعوا شرف بلدهم.. واستبدلوه ببضع سنوات في 'وكر الأعداء' وبضعة ملايين من الدولارات..
أهدروا كرامة أمتهم.. وخانوا حاضرها في مقابل مستقبل غامض مجهول.. آثروا شراءه ومقايضته بدماء الشهداء.. وتاريخ الوطن.. وماضيه المجيد.
أخذوا معهم بفعلتهم الشنعاء 'أمة كاملة' سقط جزء من بنيانها تحت سنابك مغول القرن.. لاندري.. كيف قبل من شرب من مياه دجلة والفرات أن يسلم للأعداء مفاتيح الحياة المتدفقة في شرايينهما الممتدة فوق خارطة العراق.. ولا ندري.. كيف لمن اؤتمن علي حاضرة الخلافة العباسية أن يسلم ذقن 'أبي جعفر المنصور' ورأس 'هارون الرشيد' ومرقد 'الإمام علي' وعتبات 'النجف الأشرف المقدسة' ومقام 'الإمام الحسين والإمام العباس' إلي من لا يعرف ربا.:. ولا دينا.. ليمنحه سلطة العبث بالمقدسات.. وانتهاك المحرمات.. والمس بالثوابت.. والوقوف عند بوابة الأمة في شرقها.. متأهبا للقفز فوق ما تبقي من 'قلاع' فوق خارطة العرب.
ھھھ
نعم.. إنها الحقيقة المؤلمة.. فلقد تأكد ما كنا نخشاه.. ونتخوفه.. ونحاول تحاشيه.. ليس تكذيبا للواقع المر.. ولكن إبعادا لظنون كنا ندرك أنها وقعت منذ سقوط بغداد.. بلا طلقة رصاص.. ولكن ما لم نكن ندركه.. أو نتخيله أن يكون الجرح بهذا العمق.. وأن تكون الطعنة بهذا النفاذ.. وأن تكون الخيانة.. والغدر.. ممن اؤتمن علي الأمانة.. وتحمل عبء مسئوليتها..
وقائع مريرة تكشفت.. وصفحات مؤلمة تفتحت.. لم تكن مصادرها تقارير أو وقائع.. أو مجرد روايات.. بل كانت رؤية مصادر بالغة الأهمية.. وصلتنا شهادتها المحملة بالأسماء.. والوقائع بعد أن عايشت الأحداث عن قرب.. وتجرعت كئوس مرارتها.. وامتلكت بيدها كل الحقائق التي كانت حتي وقت قريب مجرد 'أوراق غامضة'.. و'وقائع متناثرة' و'خيوط باهتة' و'ظلال غير مؤكدة'.
حي ن تصفحنا ما وصلنا من معلومات.. وروايات راح شعور باللامعقول يجتاح أوصالنا.. ويقتحم مشاعرنا.. ليغرس في أفئدتنا مزيدا من 'العلقم' الذي احتل موقع 'الهواء' في حياتنا هذه الأيام..
ھھھ
بخيط أسود.. جاءت روايات وقائع ما جري بعد أن أحاطت بالصورة من كل زواياها.. فجاءت الرواية متماسكة.. تحمل في داخلها أطراف أدلتها.. وتقدم في محيطها جوهر صحتها.. كاشفة أسماء 'من طعنوا بغداد في القلب' بعضهم تناثرت أسماؤهم فوق خارطة الاعلام.. وآخرون ظلت أسماؤهم 'طي الكتمان' بعد أن تعرضت هي الأخري لحصار الاخفاء.. حتي أخرجناها من سرداب عميق.. سوف تتسع دائرته أكثر.. فأكثر.. كلما ابتعدنا قليلا عن موقع وزمان الحدث.
البداية.. كانت محاولات أدمنتها الأجهزة الأمريكية والبريطانية جيدا.. التركيز علي شراء 'القطط السمينة' القادرة علي التأثير والفعل.. والقريبة جدا من مركز اتخاذ القرار.. و'القطط السمينة' هنا.. هي الدائرة المحيطة بالرئيس العراقي صدام حسين.. ولكن.. كيف الوصول إليهم.. وما هي المسالك والدروب التي تقود إلي 'فك شفراتهم' و'حل طلاسمهم'.
الطريق كان للأسف سالكا، بل ومعبدا ولطالما كرره المسئولون الأمريكون والبريط انيون.. حين أعلنوا في العديد من مؤتمراتهم الصحفية أنهم علي اتصال بكبار القادة العسكريين.. ورغم تكرار ذلك.. لكن يبدو أن القيادة العراقية التي أسلمت 'مراكزها الحساسة' لبعض ذوي القربي.. ظنت أن اختراق دائرة 'العصب العائلي' هي أقوي من كل المحاولات.. مهما كانت.. وأن فتح ثغرة في الجدار المحيط بمركز القرار هو المستحيل بعينه..
هكذا أسلمت القيادة العراقية ظهرها.. لمن أغمدوا سيوفهم فيها بلا شفقة.. وغرسوا خناجرهم في ظهر الوطن فباعوه.. ودمروه.
لقد سلك القطار الأمريكي طريق عدد من ضباط الجيش ورجال المخابرات السابقين.. متجها صوب محطة بعض العملاء الذين يجيدون الهبوط عند مواقع مؤثرة.. وقد كان لهم ما أرادوا.. فسرعان ما استقل قطارهم ثلة من ضعاف النفوس.. من ضباط وموظفين.. وشخصيات كانت موضع ثقة الرئيس العراقي صدام حسين.. وأركان حكمه.. وعبر هؤلاء راحت بوابات 'القطار' تحمل كميات لا بأس بها من المعلومات بالغة الأهمية..
وفيما 'القطار' مستغرق في سيره،، كانت ضربة قاصمة تصيب الرئيس العراقي صدام حسين.. فلقد تمكنوا من اصطياد أحد أبرز رجالاته. وأكثر المفضلين لديه.. وابن خالته 'الفريق ماهر سفيان التكريتي' قائد قوات الحرس الجمهوري الخاص.
الكل في العراق كان يعرف تفاصيل العلاقة الحميمة التي تربط الرجلين 'صدام وماهر'.. فلقد احتل موقعا فريدا في قلب الرئيس العراقي.. وكان معنيا بالحفاظ علي أمنه الشخصي، حيث تحمٌîل تلك المسئولية بجدية وكفاءة ومثابرة علي مدي سنوات طويلة مضت.. وكان بحكم موقعه المقرب.. معنيا بنقل التعليمات التي يصدرها صدام إلي العديد من الجهات العسكرية والمخابراتية في البلاد.. وهي معلومات تقع كلها تحت بند 'سري جدا'.. أي أنها تشكل 'قلب وعقل القرار العسكري والسياسي في العراق'..
ولكن.. يبقي السؤال: كيف استطاع الأمريكان الوصول إلي الفريق ماهر سفيان التكريتي.. وكيف نجحوا في تجنيده؟
ھھھ
بحسب المصادر الهامة ذاتها.. فإن عملية التجنيد سارت في دروب متعددة.. واتخذت مسارات متنوعة.. غير أن أكثر القنوات تأثيرا.. تمثلت في اتصالات أجراها عدد من الضباط الهاربين لديهم معرفة وثيقة به، مستخدمين في أداء مهمتهم شخصية عراقية 'كقناة مرور' إليه.. وهي من الشخصيات المقربة جدا إليه.
كان الوصول إلي مفاتيحه.. وفك شفرته يتحرك في اتجاهين متوازيين.. أولهما يقدم إغراءات لا قبل له بها.. تبدأ بعر ض مبلغ 25 مليون دولار تودع في حساب خاص به بالولايات المتحدة.. وتمتد إلي الايحاء بأنه قد يكون رجل العراق القادم.
أما ثانيهما.. فقد اشتمل علي تحذيره من مغبة الرفض.. أو التردد.. مستخدمين في ذلك كافة وسائل التأثير النفسي والجسدي.. ومنها أن معركة بغداد خاسرة... وأن مستقبل صدام حسين محكوم عليه بالانتهاء.. وأن أمريكا التي تخوض معركتها الفاصلة لن تتردد أبدا في فصف بغداد بالقنابل النووية التكتيكية إذا ما استعصت المدينة علي السقوط في يدها.
وما بين الإغراءات والتحذيرات.. وحيرة الرجل.. جاءته التطمينات بأن 'خيانته' سوف تبقي طي الكتمان ولن يعلم بها أحد.. وأنه وعائلته سينقلون فورا إلي الولايات المتحدة مع أول دخول للقوات الأمريكية إلي داخل بغداد.. وقبل أن يكتشف أحد 'صفقة الخيانة'.
ومع اكتمال فصول الصفقة.. كانت ملامح الخيانة قد بدأت تخيم فوق بغداد.. فالفريق ماهر سفيان التكريتي.. وبحكم قربه من الرئيس العراقي كان علي اطلاع تام بمختلف خطط المواجهة العراقية.. بل وكان من القلائل الذين يعرفون كل شيء.. فقد كان مصدر ثقة الرئيس و'مستودع أسراره'..
ولأنه كذلك.. فقد كانت الإجابة علي السؤال اللغز هي أكثر ما يشغل بال الأمريكيين الذين وجدوا في ماهر التكريتي 'البيضة الذهبية' القادرة علي منحهم السر الكبير.. كان السؤال المحير الذي رددته كل الدوائر الأمريكية هو عن سر هذه الثقة التي تكلم بها صدام حسين قبيل الغزو بأسابيع حين هدد من وصفهم بمغول العصر بالانتحار علي أسوار بغداد.. ولماذا لم يقل 'علي أبواب العراق'.. وماذا يعني بأسوار بغداد؟.. وهل يمتلك الرئيس العراقي خطة حقيقية للمقاومة.. أم أنه يïعًدٌ مفاجآت مذهلة للقوات الأمريكية.
ھھھ
وبقدر القلق الذي أصاب الأمريكان جراء هذه التساؤلات.. وبقدر شغفهم لمعرفة ما الذي تخفيه من ورائها.. بقدر ما كانت الاجابات متوافرة بشكل مذهل عند الفريق 'الخائن'.
كعربون لحسن النية.. ولإثبات عمالته المبكرة.. قدم الفريق الخائن رأس بغداد علي طبق من ذهب للأمريكان.. فلقد أبلغهم مبكرا عبر 'الوسيط' الذي فتح معه 'قناة الخيانة' أن ما أعلنه الرئيس العراقي لم ينبع من فراغ.. وإنما مبني علي حقائق وخطط تم وضعها.. وإقرارها لإغراق الأمريكيين في بحيرة من 'الدماء' إذا ما وصلوا إلي أسوار بغداد ومحيطها.. فلقد اعتمدت تلك الخطط علي الدفاع عن بغداد بمسافة تبعد 25 كيلو مترا م ن مركز العاصمة.. حيث تمكن العراق من تشييد سبعة خطوط دفاعية في مناطق الحقول الزراعية المحيطة ببغداد.. وأن الفاصل بين كل خط دفاعي والآخر نحو ألفين وخمسمائة متر وهي عبارة عن براميل من النفط الخام، ومادة تي. إن. تي، ومتفجرات أخري وضعت بعمق خمسة مترات، وتحيط ببغداد من كافة الاتجاهات.. حيث تضمنت الخطة ربط كافة هذه الخطوط الدفاعية بكنترول مركزي.
كانت الخطة المعدة تقضي باستدراج القوات الأمريكية للوصول الي المنطقة المحيطة ببغداد وهو ما أعلن عنه وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف وكانت تقضي بانتظار تمركز القوات الغازية وآلياتها في تلك المنطقة.. ثم يجري تفجير الخطوط الدفاعية من خلال الكنترول المركزي.. الأمر الذي سيحول تلك المنطقة إلي 'جهنم'.. ويوقع اعدادا هائلة من القتلي في صفوف القوات الأمريكية قدرتها التقارير والتوقعات العراقية بنحو 25 ألفا علي الأقل، معتبرة أن من شأن ذلك أن يدفع واشنطن للتراجع عن عدوانها، والبحث عن صيغة تفاهمية جراء هذا العدد الضخم من القتلي.
حين وصلت هذه المعلومات عبر وسيط الفريق الخائن إلي مقر القيادة العسكرية الأمريكية.. حدثت حالة من الانزعاج الشديد.. ووجد القادة العسك ريون الأمريكيون في رجلهم 'الخائن'.. وبما يشغله من موقع، وما يحظي به من ثقة، وبما هو مطلع عليه من معلومات.. القدرة علي القيام بالمهمة الرئيسية في مسلسل خيانته لوطنه.. ألا وهو إفشال المخطط الدفاعي الذي استعد به العراق لملاقاة مغول العصر عند أسوار بغداد..
وعبر سيناريو محكم.. قدم الأمريكيون للفريق الخائن ماهر سفيان التكريتي سلسلة من المطالب.. التي يمكن عبرها إجهاض المخطط.. واسقاط تهديدات صدام.. وتمثلت تلك المطالب.. فيما يلي:
أولا: سحب قطاعات الحرس الجمهوري الموجودة علي محوري 'الحلة بابل' وطريق 'بغداد الكوت' والزج بها في معركة.. أسموها 'معركة مطار بغداد الدولي'.. والقطاعات التي يتم سحبها تعد 'نخبة الحرس الخاص' وهي 'قوات المدينة المنورة وقوات نوبخذ نصر وقوات الفاروق'.
ثانيا: تقديم خريطة كاملة بالخطوط الدفاعية السبعة حول بغداد، والعمل علي ابطال مفعولها وتخريب الكنترول المركزي.
ثالثا: أن يصدر تعليماته بصرف عناصر القوات إلي بيوتها. وترك أسلحتها الثقيلة منها خاصة في مواقعها.
ھھھ
في هذا الوقت.. كانت وكالات الأنباء، والمحطات الفضائية تذيع أنباء عمليات الإنزال الأمريكية التي تمت بجوار مطار بغداد الدولي.. وبالتحديد في منطقة أبوغريب، التي تجاور إحدي المناطق السكنية، وأخري مكشوفة.. وإلي جوارها 'مانع مائي' يصعب اختراقه، والمسمي 'ذراع دجلة'.
وبالقرب من تلك المناطق.. توجد معسكرات خاصة لجماعة 'مجاهدي خلق' الإيرانية المعارضة لنظام الحكم الإيراني والتي احتضنها العراق بقيادة مسعود رجوي لسنوات طويلة.. وتحمل تبعات استضافتها في التوتر المتبادل والثارات الدفينة التي خيمت علي أجواء العلاقات الإيرانية العراقية.
وبدلا من أن يحفظ 'رجوي' وجماعته الجميل للعراق علي تحمل تبعاتهم طيلة هذه السنوات.. عقد هو الآخر صفقة مع القوات الأمريكية ضد النظام في العراق.. ليوجه بذلك طعنة أخري غادرة في مواجهة العراق الذي وفر له الأمن والحماية علي مدار سنين طويلة مضت.
فعبر عمليات تنسيق مع القوات الأمريكية.. انسحب 'مجاهدو خلق' من معسكراتهم القريبة من مطار بغداد بنحو 25 كيلو مترا، حيث استقرت قوات تلك الجماعة في منطقة 'نادي الفارس' بعد أن سلموا معسكراتهم السابقة للقوات الأمريكية.
حدث ذلك يوم السادس من ابريل عندما أعلنت القوات الأمريكية أنها تمكنت من الوصول الي 'مطار بغداد الدولي'.
بالقرب من مطار بغداد توجد قرية 'الرضوانية' التي تضم عددا من القصور الرئاسية، والتي يتواجد بالقرب منها لواءان عراقيان مجهزان بأحدث أنواع الأسلحة.. وفي مقدمة مهامهما توفير الحماية الخاصة..
كان آمر اللواء الأول قائدا عراقيا يدعي 'اللواء محمد مصطفي عزيز' قد أدرك بحسه العسكري، وعبر اطلاعه علي تحركات جماعة 'مجاهدي خلق' أن هناك 'خيانة' قد وقعت.. فحاول علي الفور الاتصال بقيادته.. إلا أن محاولاته باءت بالفشل.. فاستعاض عن ذلك بالتصرف التلقائي بعد أن قدر خطورة ما يحاك من حوله.. حيث قام بتحريك قواته، وافتعل برقية حرك بها القوات تحمل رقم 76/أ، وحدد ساعة الانشاء أو التحرك 35،7 مساء، وحملت البرقية توقيع 'صدام حسين'.. ثم سرعان ما بعث بها إلي آمر اللواء الثاني.
بمقتضي ذلك الأمر تحركت قوات اللواءين، حيث قامت بعملية التفاف عكسية خلف المنطقة المكشوفة بالقرب من المطار.. وهي منطقة 'بساتين'، حيث بدأت تلك القوات معركة عنيفة ضد القوات الأمريكية في الساعة 8.45 من مساء هذا اليوم.. تكبد فيها الأمريكان نحو أربعمائة جندي قتلوا.. فيما استشهد نحو 1500 من الضباط والجنود العراقيين.. وقيل ان اللواء 'محمد مصطفي عزيز' قائد اللواء العراقي الأول وقع في أسر القوات الأمريكية.
وبحسب وصف القادة العسكريين الأمريكيين فقد أطلقوا علي هذه المعركة 'معركة الليلة السوداء' والتي كانت واحدة من أخطر المعارك التي واجهت الأمريكيين فوق أرض العراق..
ھھھ
لم يكن 'ماهر سفيان التكريتي' هو الخائن الوحيد في صفوف القادة العسكريين العراقيين.. بل شاركه في سلوكه الخياني آخرون يتقدمهم 'الفريق أول حسين رشيد التكريتي' سكرتير القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، والذي مكن بخيانته القوات الأمريكية من الدخول إلي منطقة 'الدورة' انطلاقا من منطقة 'هور رجب' وتردد أن ضابط الارتباط الذي شارك في تنفيذ هذا الاتفاق هو ابنه 'الرائد علي حسين رشيد التكريتي' السكرتير الشخصي لقصي صدام حسين نجل الرئيس العراقي.. حيث قيل إنه تمت مكافأتهما بمبلغ 5 ملايين دولار.. بالاضافة الي ترحيلهما إلي الولايات المتحدة مع عائلاتهما.
وقد لعب الفريق حسين رشيد التكريتي الدور الأساسي في إصدار التعليمات للقوات المسلحة العراقية بمغادرة مواقعها استنادا إلي قرارات تم تزويرها ونسبتها لوزير الدفاع سلطان هاشم أحمد.. أما نجله 'الرائد عل ي' فقد قدم معلومات علي جانب كبير من الخطورة فيما يخص 'خطة تأمين بغداد' والتي كان قصي صدام حسين هو المشرف علي تنفيذها.
وفي ثلة الخونة.. كان هناك الضابط 'النقيب عدنان يوسف حسن' الذي كان يتولي مسئولية حماية بعض الأماكن الخاصة والبديلة للرئيس العراقي، حيث يوجد نحو (50) موقعا بديلا كان الرئيس صدام يتنقل بينها.. ويعقد فيها اجتماعاته بعيدا عن المواقع المعروفة.
كانت الأجهزة الأمنية المقربة من صدام حسين قد شككت في ولاء الضابط.. وراحت تتبعه، وترصد تحركاته، ثم ما لبثت أن توصلت إلي بعض المعلومات التي تشير إلي احتمال عمالته للاستخبارات الأمريكية..
عندما رفعت هذه المعلومات للرئيس العراقي، حاول التأكد بنفسه من هذه الشكوك.. فأوحي لبعض المقربين كي يبلغوه بأن هناك اجتماعا للقيادة العراقية سوف يعقد في 'مطعم الساعة' الذي يمتلكه مواطن مصري.. يدعي 'أبو وليد' وهو صديق شخصي لنجل الرئيس العراقي 'عدي'.
كان الاسم الرمزي لمطعم الساعة هو 'أبوجعفر المنصور'.. فذكر أمام الضابط الخائن أمرا بشأن تهيئة 'أبوجعفر المنصور' وذلك يوم السابع من ابريل..
وبالفعل.. جاء صدام في الموعد المحدد، وبصحبته نجله 'قصي' بسيارة تاكسي من نوع 'نيسان' وبعض الحراس من خلفه في سيارة أخري.. علي الفور دخل صدام ونجله وبعض الحرس الخاص من الباب الأمامي.. ثم خرجوا علي الفور من الباب الخلفي.. وما هي إلا بضع دقائق حتي كان المطعم والمنطقة المحيطة به تقصف بقنابل زنة 1000 رطل للقنبلة الواحدة.
هنا.. تأكد صدام من عمالة 'النقيب عدنان يوسف حسن' للأمريكيين.. فأمر بتفتيشه، حيث عثر معه علي التليفون المحمول 'الثريا' المربوط مباشرة بالأقمار الصناعية.. وعندما تمت مواجهته اعترف الضابط بعمالته.. فتم اعدامه علي الفور رميا بالرصاص.
ھھھ
لم يكن طريق الخيانة الذي أسقط بغداد قاصرا فقط علي العسكريين.. بل امتد ليشمل عددا من المدنيين العراقيين.. ومن بين هؤلاء موظف بالقصر الجمهوري يدعي 'عيسي عبدالأحد'.. فقد كان هذا الموظف علي علاقة مع أحد الضباط العراقيين الذي تمكن من الهرب من العراق في شهر يوليو عام ..2002 كان هذا الموظف يعمل في قصور الرضوانية.. وكان الضابط صاحب العلاقة الخاصة به برتبة عميد، ويدعي 'ماجد'، حيث تمكن من الحصول علي جواز سفر مزور دفع فيه مبلع (5 ملايين دينار عراقي).. حيث سجل أمام خانة الوظيفة في الجواز المزور مهنة 'تاجر' الأمر الذي مكنه من الهرب إلي الأردن.
كانت وسيلة الاتصال بين الموظف العامل بالقصر الجمهوري، والضابط الهارب 'سائق أردني' يعمل علي الخط العراقي الأردني، حيث تمكن 'العميد الهارب' من إغرائه بالمال، وتجنيده.. حيث كانت مهمته هي استلام المعلومات من الموظف 'عيسي عبدالأحد' حول تحركات صدام حسين داخل القصور، والغرف التي يستخدمها، وتوصيلها إلي العميد 'ماجد'.
وقد جاءت عملية سقوط هذا الموظف العراقي 'مصادفة' حيث ألقي القبض عليه.. بينما كان يهم بتسليم المعلومات إلي السائق الأردني، حيث جرت عملية اعدامه يوم 16 مارس.. أي قبل الحرب بأربعة أيام فقط.
لم يقتصر طابور الخونة عند هذا الحد.. بل ضم عددا غير قليل من ضباط المخابرات العسكرية والعامة.. الذين تم تجنيدهم من خلال اتصالات تولاها واحد من كبار ضباط المخابرات العراقية الذي اختلف مع نظام صدام حسين، وتمكن من الهرب إلي ألمانيا، حيث بدأ من هناك خطة لاصطياد 'خونة آخرين'، كانوا بالاضافة لمن سبق كشفهم الجسر الذي عبرت من فوقه القوات الأمريكية وهي بصدد احتلال حاضرة الخلافة.. 'بغداد الرشيد' التي ابتليت ببعض أبنائها.. فوقعت في أسر احتلال بغيض وجائر. . لا يدري أحد متي ينتهي.. وان كانت الثقة في طرده مهما طال أمده هي من المسلمات التي لايخالجنا الشك فيها.. فلقد أثبتت إرادة الشعوب دوما أنها الأقوي.. مهما طغي المحتل.. وتجبر