عبدالله العوفي
15-07-2006, 08:48 PM
هل يستخدم المعلمون الوسائل التقنية لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة؟
علي محمد هوساوي ـ الرياض
تشهد البشرية تقدمًا سريعًا متناميًا في جميع المجالات المتعلقة بحياة الإنسان، والجانب التربوي بصفة عامة والتعليمي خاصة واكب هذه التقدمات السريعة في حياة البشر وخاصة في الجانب المتعلق بتقنية المعلومات، وهذا ما دعا التربويين إلى إعادة النظر في طبيعة الوضع التربوي والسياسات التربوية كي تنسجم مع هذه التحولات السريعة وتواكب عصر الانفتاح المعلوماتي والعولمة والثورة التقنية. وحيث إن المهارة في استخدام التقنيات أصبحت من القضايا المهمة في كثير من المجتمعات المعاصر، بدأت العملية التعليمية الحديثة تركز على استخدام التقنيات في التعليم وتوظيفها بشكل يجعلها جزءًا أساسيًا في التعليم، وليست مجرد إضافة. والتلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة هم جزء من هذه المنظومة المستهدفة بتسخير التقنيات التعليمية في تربيتهم، وتحقيق أهداف عملية الدمج و«الخطة التربوية الفردية IEP» التي تتعامل مع التلميذ بشكل فردي بناء على إمكاناته وقدراته. ولن تتحقق هذه الأهداف جميعًا دون توفر عناصر أساسية مهمة كالمعلم الكفؤ وتوفير الوسائل التقنية الهادفة، والدعم المادي والفني.
التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة
إن مصطلح تكنولوجيا Technology يوناني الأصل، وهو مكون من مقطعين صوتيين الأول «تكنو Techno» ويقصد به «المهارة»، والثاني «لوجي Logy» ويقصد به «فن التعليم»، وبالتالي فإن هذا المصطلح يعني «مهارة فن التعليم» والذي يعني التطبيق المنظم للمعارف تحقيقًا لأهداف وأغراض علمية.
تعرف التقنيات «التكنولوجيا» التعليمية الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة «Assistive Technology» على حسب «IDEA 1997م» بأنها «أي مادة أو قطعة، أو نظام منتج، أو شيء معدل أو مصنوع وفقًا للطلب بهدف زيادة الكفاءة العلمية والوظيفية لذوي الاحتياجات الخاصة». ويكاد يجمع المتخصصون في هذا المجال على هذا التعريف الذي يشير إلى أن مسمى التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة لا يقتصر فقط على التقنية بمفهومها، ولكنه يعني أي مادة تستخدم لتعليم هذه الفئة. ومن هنا يمكن القول إننا عندما نذكر مصطلح التقنيات هنا، فليس المقصود بها فقط الأجهزة والإلكترونيات، وإنما يقصد بها أي وسيلة تعليمية تساعد في تسهيل فهم المادة العلمية، حتى إن كانت السبورة والطباشير والكتاب، تعتبر تقنيات تعليمية مساعدة «AT».
يقسم بعض الباحثين التقنيات التعليمية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة إلى قسمين رئيسين هما:
- التقنيات الإلكترونية «Electronic Tech» ومن أمثلتها الحاسب الآلي وبرامجه المختلفة، والتلفزيون التعليمي، والفيديو، ومسجل الكاسيت، وجهاز عرض البيانات Data Show والآلة الحاسبة وغيرها من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
- التقنيات غير الإلكترونية «No Electro Tech» ومن أمثلتها السبورة، والكتاب، والصور، والمجسمات، واللوجات، والسبورة الطباشيرية وغيرها من الوسائل غير الكهربائية أو الإلكترونية.
وهناك أيضًا من يقسم التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة إلى معقدة أو شديدة التعقيد، وتقنيات متوسطة، وأخرى بسيطة أو سهلة الاستخدام.
صفات الوسيلة التقنية الناجحة
ذكر الكثير من الصفات الواجب توفرها في الوسيلة التعليمية بصفة عامة لتكون فعالة وناجحة، وبالنسبة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة فإن التقنيات المستخدمة في تعليمهم لا بد أن يتوافر لها عدد من الخصائص، حيث إن الصفات الجيدة لهذه التقنيات توفر لها نسبة عالية من النجاح. وسنذكر هنا بعض أهم السمات الجيدة للتقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة:
- أن تكون نابعة من المنهج المدرسي.
- أن تساعد في تحقيق الأهداف العامة والخاصة للدرس.
- أن تكون مناسبة لمستوى التلاميذ.
- أن تحتوي على عنصر التشويق والجذب وتثير الانتباه والدافعية لدى التلاميذ.
- أن تكون سهلة وبسيطة وواضحة في عرض المعلومة بدون تعقيد.
- أن تتسم بمرونة الاستخدام وقابلية للتعديل والتطوير.
- أن تكون جيدة الصنع غير مكلفة وملائمة للمستوى المعرفي واللغوي والانفعالي والجسمي للتلاميذ.
- أن تكون ملائمة لفئة الإعاقة المراد تعليمها.
- أن تكون في حالة جيدة، فلا يكون الفيلم مقطعًا، والخريطة ممزقة، أو التسجيل الصوتي مشوشًا، أو جهاز الحاسوب بطيئًا جدًا.
صفات المعلمين
يعتبر المعلم العمود الفقري في مسألة استخدام التقنيات لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، فالمعلم الكفؤ القادر على استخدام التقنية بصورة إيجابية هو العامل الرئيسي في إنجاح دور الوسيلة التقنية.
فلذلك التقنية التعليمية تعتمد بشكل مباشر على المعلم في أدائها لأهدافها، وبدونه فإن تلك الوسائل التقنية تظل عديمة الجدوى مهما كانت درجة تطورها أو حداثتها. فمعلم التربية الخاصة الناجح هو الذي يملك الحس المهني والمهارة التربوية التي تمكنه من اختيار الوسيلة التقنية الناجحة والملائمة لاحتياجات تلاميذه الفردية والجمعية بما يخدم العمل التربوي داخل الصف الدراسي وخارجه. ومعلم التربية الخاصة بصفة عامة له خصوصيته المهنية، حيث إنه يتعامل مع فئة من التلاميذ تختلف في احتياجاتها عن التلاميذ العاديين، ولكنه مع ذلك لا يختلف عن المعلم العادي من حيث أهمية استخدامه للتقنية التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة ومن أهمها:
- قدرته على استخدام الوسيلة التقنية بصورة صحيحة، حيث لا يخفى على الجميع ما ينتج عن عدم كفاءة المعلم في هذا الجانب.
- اقتناعه بأهمية التقنية كوسيلة فعالة ومفيدة، فالمعلم الذي يفضل الطريقة التقليدية في التدريس لذوي الاحتياجات الخاصة لا يحالفه النجاح في أغلب الحالات. لذلك فقناعته الذاتية بأهمية تلك الوسائل هي البوابة التي يدخل منها النجاح إلى فصول هؤلاء التلاميذ.
- أن يحمل توجهات إيجابية نحو التقنيات التعليمية، حيث إن اقتناع المعلم بأهمية التقنيات غير كاف لنجاح المعلم في أداء عمله. ولكن يجب أن يحمل أفكارًا إيجابية وتوجهات غير سلبية نحو تلك الأجهزة.
- إلمامه بجوانب عديدة بالتقنيات من حيث مصادرها وتركيباتها والقدرة على التشغيل والصيانة البسيطة.
هناك بعض القواعد العامة التي يجب على معلم التربية الخاصة اتباعها عند استخدامه للتقنيات التعليمية، وهذه القواعد لا تخرج في الواقع عن القواعد العامة لمعلمي التعليم العام عند استخدامهم للوسائل التعليمية، وسنذكر هنا بإيجاز أهم تلك القواعد: فهناك مرحلة الإعداد: وهي تعني إعداد الوسيلة التقنية ورسم خطة الدرس، ثم تهيئة أذهان التلاميذ، وقبل هذا كله إعداد المكان والزمان المناسبين لاستخدام التقنيات.
ثم تأتي مرحلة استخدام التقنية. وفوائد الاستخدام كما أشرنا سابقًا تعتمد بشكل رئيسي على معلم التربية الخاصة وطريقته ومدى كفاءته، فعليه قبل استخدام التقنية أن يتأكد من سلامة الوسيلة، مثلاً وضوح الصوت والصورة عند عرض الأفلام، أو أن أصوات التسجيلات الصوتية سليمة، مما يتيح للجميع الاستفادة القصوى من تلك الوسائل وغيرها. وعلى المعلم أن يقيم وسيلته التقنية ليتعرف على مدى فعاليتها ومدى استفادة التلاميذ منها. فلا ينبغي أن تنتهي علاقة معلم التربية الخاصة بالوسيلة التقنية بمجرد الانتهاء من الدرس، ولكن عليه أن يقوم بعملية تقييم يقيس من خلالها (كما أسلفنا) مدى استفادة التلاميذ، وما هي نسبة تحقيق الأهداف العامة والخاصة.
جدير بالذكر أن هناك استمارات جاهزة لغرض التقييم للتقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة يمكن للمعلم الاستعانة بها، أو يمكنه أن يصمم استمارته الخاصة به والتي يجب أن تحتوي على المحاور الأساسية الخاصة بعملية التقييم.
فوائد استخدام التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة
إن استخدام التقنيات في حياة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة لها العديد من الفوائد التي تعود عليهم سواء من الناحية النفسية أو الأكاديمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. فمن الناحية النفسية أثبتت دراسات علمية عديدة أن لاستخدام بعض التقنيات كالحاسب الآلي مثلًا دورًا كبيرًا في خفض التوتر والانفعالات لدى التلاميذ، حيث تتوفر برمجيات software فيها الكثير من البرامج المسلية والألعاب الجميلة التي تدخل البهجة والسرور في نفوس هؤلاء التلاميذ، وبالتالي تخفف كثيرًا من حدة التوتر والقلق النفسي لديهم. ولذلك يستخدم كثير من المعلمين هذه الوسيلة كمعزز إيجابي أو سلبي في تعديل سلوك الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وهناك دراسة علمية أخيرة نوقشت كرسالة ماجستير بجامعة الملك سعود «فاعلية برنامج حاسوبي في تعديل سلوك النشاط الزائد وخفض وقت التعديل باستخدام تصميم العينة الفردي لفئة التخلف العقلي البسيط»، وأثبتت نتائج الدراسة فاعلية البرنامج الحاسوبي في تعديل سلوك النشاط الزائد للأطفال المتخلفين عقليًا بدرجة بسيطة، كما ظهر أيضًا من نتائج الدراسة تحسن بعض السلوكيات المصاحبة لسلوك النشاط الزائد كتشتت الانتباه والاندفاعية وفرط الحركة (سفر،1426م) كما أظهرت العديدمن الدراسات (ناشر 1997، والكاشف 2002، والرصيص 2003) فاعلية البرامج الحاسوبية في خفض التوتر والنشاط الزائد لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة .
كذلك أشارت دراسة (البغدادي 2003م) إلى فاعلية البرمجيات التعليمية في تعليم القراءة والعصف الذهني للأطفال ذوي الإعاقات السمعية. هذا بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الدراسات الأجنبية التي أثبتت فعالية التقنيات التعليمية المختلفة في علاج كثير من المشكلات السلوكية والنفسية للتلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أما من الناحية الأكاديمية فلا يكاد يخفى على الجميع ما تؤديه التقنيات التعليمية من تسهيل توصيل وشرح المعلومة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة والمساعدة في رفع مستواهم الأكاديمي. ومن الدراسات العربية في هذا الجانب دراسة (الدخيل 1421هـ) التي أثبتت وأكدت الدور الإيجابي للوسائط المتعددة كتقنية تعليمية في تحسين النطق والكلام للأطفال المتخلفين عقليًا بدرجة بسيطة، كما أثبتت دراسة (الرصيص 1424هـ) فاعلية البرامج التفاعلية كتقنية تعليمية باستخدام الحاسوب لتيسير تعليم مادة الرياضيات ونقل أثر التعليم إلى مواقف جديدة للتلاميذ المتخلفين عقليًا بدرجة بسيطة. وهذه الدراسات العربية ما هي إلا غيض من فيض هائل من الدراسات الأجنبية التي تعمقت في هذا الجانب وبحثت فيه كثيرًا. ولعل القارئ الكريم المهتم بهذه الدراسات يستطيع الدخول إلى أحد المواقع المتخصصة على الإنترنت مثل http//jset.uvlv.edu وهو الموقع الخاص بـ«Journal of Special Education Technology» أو موقع «AAMR.ORG » ومن ثم اختيار «Technology» فهذه المواقع المتخصصة تحمل الكثير من المعلومات التقنية، ومن نتائج الدراسات البحثية الأجنبية، ومن خلالها يستطيع المتصفح الدخول إلى مواقع عديدة ذات علاقة بالتقنيات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
أما من الناحية الاجتماعية فهناك نقطة مهمة جدًا أشارت إليها كثير من الدرسات العلمية، وهي أن استخدام بعض التقنيات كالحاسوب (مثلًا) ساعد كثيرًا في تكوين صداقات عديدة بين التلاميذ عندما يعملون كمجموعات أو يتبادلون الخبرات والمعلومات بينهم، أي أن التقنيات ساهمت في خروجهم من العزلة والانطوائية، ونمت فيهم روح العمل الجماعي وحب المشاركة وعلمتهم كثيرًا من القيم الاجتماعية من خلال احتكاكهم وتفاعلهم مع غيرهم من الأطفال.
أهم المعوقات في استخدام التقنيات
يواجه التلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة مجموعة من المعوقات والعراقيل التي تحد (أحيانًا) من قدرتهم على استخدام تقنيات التعليم، وبالتالي عدم الاستفادة القصوى منها، ولعلي أشير هنا إلى بعض أهم تلك العوائق ومنها:
- عدم إلمام معلم التربية الخاصة باستخدام بعض الوسائل.
- صعوبة الوسيلة التقنية أو تعقيدها واحتواؤها على عناصر كثيرة ومتشابهة بحيث تسبب الخلط للتلميذ.
- عدم جودة الوسيلة أو تعرضها المستمر للأعطال، وعدم إصلاحها أو صيانتها بصورة سريعة ومستمرة.
-بعد الوسيلة التقنية عن أهداف الدرس أو أهداف الخطة التربوية الفردية.
- وجود مشكلات أو إعاقات بدنية أو حسية أو ذهنية لدى التلاميذ.
التقنيات التعليمية في المملكة بين الواقع والمأمول
يحظى التعليم المدرسي في المملكة بدعم كبير من الدولة -رعاها الله- ممثلة في وزارة التربية والتعليم التي وفرت وما زالت توفر الكثير من الوسائل التقنية للمعلمين والتلاميذ كي تساعدهم في أداء رسالتهم التعليمية على أفضل وجه، ولعل مشروع «مراكز مصادر التعلم» في المدارس هو من أهم الدلائل على هذا الاهتمام بتوفير التقنية التعليمية للتلاميذ، حيث إن التعلم لم يعد يقتصر على وسيلة واحدة كالكتاب مثلًا، وإنما أصبح يعتمد على شبكة واسعة من مصادر المعلومات، ومركز مصادر التعلم يمثل قاعدة لهذه الشبكة من أجل تحسين البرامج التعليمية بهدف الارتقاء بالأداء الدراسي. وسيتمكن التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة الاستفادة من مراكز مصادر التعلم وذلك في المدارس التي يوجد بها فصول الدمج، (البرامج الملحقة بالمدارس العادية التي أصبحت ولله الحمد منتشرة في جميع أنحاء المملكة). وقد حرصت الوزارة ممثلة في الأمانة العامة للتربية الخاصة على أن يستفيد التلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة من هذه المراكز مثلهم مثل أقرانهم من الطلاب العاديين، حيث استعانت الأمانة «بالمجموعة الاستشارية التخصصية لتقنيات التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة» بعمل دراسة حصرية ووضع التصور المقترح الملائم لتكييف مراكز مصادر التعلم بما يخدم احتياجات طلاب التربية الخاصة المدموجين في مدارس التعلم العام. وقد قامت المجموعة الاستشارية بعمل الدراسة ووضعت تصوراتها ومقترحاتها حول التقنيات والأجهزة والوسائل المفترض وجودها. وتم الرفع بذلك لسعادة المشرف العام على التربية الخاصة، وبدوره قام برفعها إلى الجهات المختصة بالوزارة لتأمين تلك المستلزمات كي يستفيد منها هؤلاء التلاميذ. وهذا دليل كبير على حرص المسؤولين بالوزارة أو الأمانة واهتمامهم بفئة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة. وتتوفر التقنيات التعليمية في معاهد التربية الخاصة والبرامج الملحقة بالتعليم، ولكن السؤال الهام الذي ليس له إجابة شافية (على حد علم الكاتب) هل هذه الوسائل التقنية مستخدمة بشكل فعال ومثمر من قبل المعلمين؟ وهل يجيد جميع معلمي التربية الخاصة استعمال تلك التقنيات؟ وهل يحتاج المعلمون إلى دراسة أو ورش عمل تحقق الاستخدام الأمثل لتلك التقنيات بما يعود بالنفع على التلاميذ؟ كل هذه الأسئلة تحتاج إلى دراسات مستقبلية لتلقي الضوء على هذا الواقع، ولعل بعضها سيرى النور قريبًا، ولكن بصفة عامة فإن الواقع الميداني يحمل دلالات إيجابية وإن كان يحتاج إلى بعض التحسينات حتى تظهر الصورة في أبهى حلتها.
علي محمد هوساوي ـ الرياض
تشهد البشرية تقدمًا سريعًا متناميًا في جميع المجالات المتعلقة بحياة الإنسان، والجانب التربوي بصفة عامة والتعليمي خاصة واكب هذه التقدمات السريعة في حياة البشر وخاصة في الجانب المتعلق بتقنية المعلومات، وهذا ما دعا التربويين إلى إعادة النظر في طبيعة الوضع التربوي والسياسات التربوية كي تنسجم مع هذه التحولات السريعة وتواكب عصر الانفتاح المعلوماتي والعولمة والثورة التقنية. وحيث إن المهارة في استخدام التقنيات أصبحت من القضايا المهمة في كثير من المجتمعات المعاصر، بدأت العملية التعليمية الحديثة تركز على استخدام التقنيات في التعليم وتوظيفها بشكل يجعلها جزءًا أساسيًا في التعليم، وليست مجرد إضافة. والتلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة هم جزء من هذه المنظومة المستهدفة بتسخير التقنيات التعليمية في تربيتهم، وتحقيق أهداف عملية الدمج و«الخطة التربوية الفردية IEP» التي تتعامل مع التلميذ بشكل فردي بناء على إمكاناته وقدراته. ولن تتحقق هذه الأهداف جميعًا دون توفر عناصر أساسية مهمة كالمعلم الكفؤ وتوفير الوسائل التقنية الهادفة، والدعم المادي والفني.
التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة
إن مصطلح تكنولوجيا Technology يوناني الأصل، وهو مكون من مقطعين صوتيين الأول «تكنو Techno» ويقصد به «المهارة»، والثاني «لوجي Logy» ويقصد به «فن التعليم»، وبالتالي فإن هذا المصطلح يعني «مهارة فن التعليم» والذي يعني التطبيق المنظم للمعارف تحقيقًا لأهداف وأغراض علمية.
تعرف التقنيات «التكنولوجيا» التعليمية الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة «Assistive Technology» على حسب «IDEA 1997م» بأنها «أي مادة أو قطعة، أو نظام منتج، أو شيء معدل أو مصنوع وفقًا للطلب بهدف زيادة الكفاءة العلمية والوظيفية لذوي الاحتياجات الخاصة». ويكاد يجمع المتخصصون في هذا المجال على هذا التعريف الذي يشير إلى أن مسمى التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة لا يقتصر فقط على التقنية بمفهومها، ولكنه يعني أي مادة تستخدم لتعليم هذه الفئة. ومن هنا يمكن القول إننا عندما نذكر مصطلح التقنيات هنا، فليس المقصود بها فقط الأجهزة والإلكترونيات، وإنما يقصد بها أي وسيلة تعليمية تساعد في تسهيل فهم المادة العلمية، حتى إن كانت السبورة والطباشير والكتاب، تعتبر تقنيات تعليمية مساعدة «AT».
يقسم بعض الباحثين التقنيات التعليمية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة إلى قسمين رئيسين هما:
- التقنيات الإلكترونية «Electronic Tech» ومن أمثلتها الحاسب الآلي وبرامجه المختلفة، والتلفزيون التعليمي، والفيديو، ومسجل الكاسيت، وجهاز عرض البيانات Data Show والآلة الحاسبة وغيرها من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
- التقنيات غير الإلكترونية «No Electro Tech» ومن أمثلتها السبورة، والكتاب، والصور، والمجسمات، واللوجات، والسبورة الطباشيرية وغيرها من الوسائل غير الكهربائية أو الإلكترونية.
وهناك أيضًا من يقسم التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة إلى معقدة أو شديدة التعقيد، وتقنيات متوسطة، وأخرى بسيطة أو سهلة الاستخدام.
صفات الوسيلة التقنية الناجحة
ذكر الكثير من الصفات الواجب توفرها في الوسيلة التعليمية بصفة عامة لتكون فعالة وناجحة، وبالنسبة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة فإن التقنيات المستخدمة في تعليمهم لا بد أن يتوافر لها عدد من الخصائص، حيث إن الصفات الجيدة لهذه التقنيات توفر لها نسبة عالية من النجاح. وسنذكر هنا بعض أهم السمات الجيدة للتقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة:
- أن تكون نابعة من المنهج المدرسي.
- أن تساعد في تحقيق الأهداف العامة والخاصة للدرس.
- أن تكون مناسبة لمستوى التلاميذ.
- أن تحتوي على عنصر التشويق والجذب وتثير الانتباه والدافعية لدى التلاميذ.
- أن تكون سهلة وبسيطة وواضحة في عرض المعلومة بدون تعقيد.
- أن تتسم بمرونة الاستخدام وقابلية للتعديل والتطوير.
- أن تكون جيدة الصنع غير مكلفة وملائمة للمستوى المعرفي واللغوي والانفعالي والجسمي للتلاميذ.
- أن تكون ملائمة لفئة الإعاقة المراد تعليمها.
- أن تكون في حالة جيدة، فلا يكون الفيلم مقطعًا، والخريطة ممزقة، أو التسجيل الصوتي مشوشًا، أو جهاز الحاسوب بطيئًا جدًا.
صفات المعلمين
يعتبر المعلم العمود الفقري في مسألة استخدام التقنيات لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، فالمعلم الكفؤ القادر على استخدام التقنية بصورة إيجابية هو العامل الرئيسي في إنجاح دور الوسيلة التقنية.
فلذلك التقنية التعليمية تعتمد بشكل مباشر على المعلم في أدائها لأهدافها، وبدونه فإن تلك الوسائل التقنية تظل عديمة الجدوى مهما كانت درجة تطورها أو حداثتها. فمعلم التربية الخاصة الناجح هو الذي يملك الحس المهني والمهارة التربوية التي تمكنه من اختيار الوسيلة التقنية الناجحة والملائمة لاحتياجات تلاميذه الفردية والجمعية بما يخدم العمل التربوي داخل الصف الدراسي وخارجه. ومعلم التربية الخاصة بصفة عامة له خصوصيته المهنية، حيث إنه يتعامل مع فئة من التلاميذ تختلف في احتياجاتها عن التلاميذ العاديين، ولكنه مع ذلك لا يختلف عن المعلم العادي من حيث أهمية استخدامه للتقنية التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة ومن أهمها:
- قدرته على استخدام الوسيلة التقنية بصورة صحيحة، حيث لا يخفى على الجميع ما ينتج عن عدم كفاءة المعلم في هذا الجانب.
- اقتناعه بأهمية التقنية كوسيلة فعالة ومفيدة، فالمعلم الذي يفضل الطريقة التقليدية في التدريس لذوي الاحتياجات الخاصة لا يحالفه النجاح في أغلب الحالات. لذلك فقناعته الذاتية بأهمية تلك الوسائل هي البوابة التي يدخل منها النجاح إلى فصول هؤلاء التلاميذ.
- أن يحمل توجهات إيجابية نحو التقنيات التعليمية، حيث إن اقتناع المعلم بأهمية التقنيات غير كاف لنجاح المعلم في أداء عمله. ولكن يجب أن يحمل أفكارًا إيجابية وتوجهات غير سلبية نحو تلك الأجهزة.
- إلمامه بجوانب عديدة بالتقنيات من حيث مصادرها وتركيباتها والقدرة على التشغيل والصيانة البسيطة.
هناك بعض القواعد العامة التي يجب على معلم التربية الخاصة اتباعها عند استخدامه للتقنيات التعليمية، وهذه القواعد لا تخرج في الواقع عن القواعد العامة لمعلمي التعليم العام عند استخدامهم للوسائل التعليمية، وسنذكر هنا بإيجاز أهم تلك القواعد: فهناك مرحلة الإعداد: وهي تعني إعداد الوسيلة التقنية ورسم خطة الدرس، ثم تهيئة أذهان التلاميذ، وقبل هذا كله إعداد المكان والزمان المناسبين لاستخدام التقنيات.
ثم تأتي مرحلة استخدام التقنية. وفوائد الاستخدام كما أشرنا سابقًا تعتمد بشكل رئيسي على معلم التربية الخاصة وطريقته ومدى كفاءته، فعليه قبل استخدام التقنية أن يتأكد من سلامة الوسيلة، مثلاً وضوح الصوت والصورة عند عرض الأفلام، أو أن أصوات التسجيلات الصوتية سليمة، مما يتيح للجميع الاستفادة القصوى من تلك الوسائل وغيرها. وعلى المعلم أن يقيم وسيلته التقنية ليتعرف على مدى فعاليتها ومدى استفادة التلاميذ منها. فلا ينبغي أن تنتهي علاقة معلم التربية الخاصة بالوسيلة التقنية بمجرد الانتهاء من الدرس، ولكن عليه أن يقوم بعملية تقييم يقيس من خلالها (كما أسلفنا) مدى استفادة التلاميذ، وما هي نسبة تحقيق الأهداف العامة والخاصة.
جدير بالذكر أن هناك استمارات جاهزة لغرض التقييم للتقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة يمكن للمعلم الاستعانة بها، أو يمكنه أن يصمم استمارته الخاصة به والتي يجب أن تحتوي على المحاور الأساسية الخاصة بعملية التقييم.
فوائد استخدام التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة
إن استخدام التقنيات في حياة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة لها العديد من الفوائد التي تعود عليهم سواء من الناحية النفسية أو الأكاديمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. فمن الناحية النفسية أثبتت دراسات علمية عديدة أن لاستخدام بعض التقنيات كالحاسب الآلي مثلًا دورًا كبيرًا في خفض التوتر والانفعالات لدى التلاميذ، حيث تتوفر برمجيات software فيها الكثير من البرامج المسلية والألعاب الجميلة التي تدخل البهجة والسرور في نفوس هؤلاء التلاميذ، وبالتالي تخفف كثيرًا من حدة التوتر والقلق النفسي لديهم. ولذلك يستخدم كثير من المعلمين هذه الوسيلة كمعزز إيجابي أو سلبي في تعديل سلوك الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وهناك دراسة علمية أخيرة نوقشت كرسالة ماجستير بجامعة الملك سعود «فاعلية برنامج حاسوبي في تعديل سلوك النشاط الزائد وخفض وقت التعديل باستخدام تصميم العينة الفردي لفئة التخلف العقلي البسيط»، وأثبتت نتائج الدراسة فاعلية البرنامج الحاسوبي في تعديل سلوك النشاط الزائد للأطفال المتخلفين عقليًا بدرجة بسيطة، كما ظهر أيضًا من نتائج الدراسة تحسن بعض السلوكيات المصاحبة لسلوك النشاط الزائد كتشتت الانتباه والاندفاعية وفرط الحركة (سفر،1426م) كما أظهرت العديدمن الدراسات (ناشر 1997، والكاشف 2002، والرصيص 2003) فاعلية البرامج الحاسوبية في خفض التوتر والنشاط الزائد لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة .
كذلك أشارت دراسة (البغدادي 2003م) إلى فاعلية البرمجيات التعليمية في تعليم القراءة والعصف الذهني للأطفال ذوي الإعاقات السمعية. هذا بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الدراسات الأجنبية التي أثبتت فعالية التقنيات التعليمية المختلفة في علاج كثير من المشكلات السلوكية والنفسية للتلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أما من الناحية الأكاديمية فلا يكاد يخفى على الجميع ما تؤديه التقنيات التعليمية من تسهيل توصيل وشرح المعلومة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة والمساعدة في رفع مستواهم الأكاديمي. ومن الدراسات العربية في هذا الجانب دراسة (الدخيل 1421هـ) التي أثبتت وأكدت الدور الإيجابي للوسائط المتعددة كتقنية تعليمية في تحسين النطق والكلام للأطفال المتخلفين عقليًا بدرجة بسيطة، كما أثبتت دراسة (الرصيص 1424هـ) فاعلية البرامج التفاعلية كتقنية تعليمية باستخدام الحاسوب لتيسير تعليم مادة الرياضيات ونقل أثر التعليم إلى مواقف جديدة للتلاميذ المتخلفين عقليًا بدرجة بسيطة. وهذه الدراسات العربية ما هي إلا غيض من فيض هائل من الدراسات الأجنبية التي تعمقت في هذا الجانب وبحثت فيه كثيرًا. ولعل القارئ الكريم المهتم بهذه الدراسات يستطيع الدخول إلى أحد المواقع المتخصصة على الإنترنت مثل http//jset.uvlv.edu وهو الموقع الخاص بـ«Journal of Special Education Technology» أو موقع «AAMR.ORG » ومن ثم اختيار «Technology» فهذه المواقع المتخصصة تحمل الكثير من المعلومات التقنية، ومن نتائج الدراسات البحثية الأجنبية، ومن خلالها يستطيع المتصفح الدخول إلى مواقع عديدة ذات علاقة بالتقنيات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
أما من الناحية الاجتماعية فهناك نقطة مهمة جدًا أشارت إليها كثير من الدرسات العلمية، وهي أن استخدام بعض التقنيات كالحاسوب (مثلًا) ساعد كثيرًا في تكوين صداقات عديدة بين التلاميذ عندما يعملون كمجموعات أو يتبادلون الخبرات والمعلومات بينهم، أي أن التقنيات ساهمت في خروجهم من العزلة والانطوائية، ونمت فيهم روح العمل الجماعي وحب المشاركة وعلمتهم كثيرًا من القيم الاجتماعية من خلال احتكاكهم وتفاعلهم مع غيرهم من الأطفال.
أهم المعوقات في استخدام التقنيات
يواجه التلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة مجموعة من المعوقات والعراقيل التي تحد (أحيانًا) من قدرتهم على استخدام تقنيات التعليم، وبالتالي عدم الاستفادة القصوى منها، ولعلي أشير هنا إلى بعض أهم تلك العوائق ومنها:
- عدم إلمام معلم التربية الخاصة باستخدام بعض الوسائل.
- صعوبة الوسيلة التقنية أو تعقيدها واحتواؤها على عناصر كثيرة ومتشابهة بحيث تسبب الخلط للتلميذ.
- عدم جودة الوسيلة أو تعرضها المستمر للأعطال، وعدم إصلاحها أو صيانتها بصورة سريعة ومستمرة.
-بعد الوسيلة التقنية عن أهداف الدرس أو أهداف الخطة التربوية الفردية.
- وجود مشكلات أو إعاقات بدنية أو حسية أو ذهنية لدى التلاميذ.
التقنيات التعليمية في المملكة بين الواقع والمأمول
يحظى التعليم المدرسي في المملكة بدعم كبير من الدولة -رعاها الله- ممثلة في وزارة التربية والتعليم التي وفرت وما زالت توفر الكثير من الوسائل التقنية للمعلمين والتلاميذ كي تساعدهم في أداء رسالتهم التعليمية على أفضل وجه، ولعل مشروع «مراكز مصادر التعلم» في المدارس هو من أهم الدلائل على هذا الاهتمام بتوفير التقنية التعليمية للتلاميذ، حيث إن التعلم لم يعد يقتصر على وسيلة واحدة كالكتاب مثلًا، وإنما أصبح يعتمد على شبكة واسعة من مصادر المعلومات، ومركز مصادر التعلم يمثل قاعدة لهذه الشبكة من أجل تحسين البرامج التعليمية بهدف الارتقاء بالأداء الدراسي. وسيتمكن التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة الاستفادة من مراكز مصادر التعلم وذلك في المدارس التي يوجد بها فصول الدمج، (البرامج الملحقة بالمدارس العادية التي أصبحت ولله الحمد منتشرة في جميع أنحاء المملكة). وقد حرصت الوزارة ممثلة في الأمانة العامة للتربية الخاصة على أن يستفيد التلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة من هذه المراكز مثلهم مثل أقرانهم من الطلاب العاديين، حيث استعانت الأمانة «بالمجموعة الاستشارية التخصصية لتقنيات التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة» بعمل دراسة حصرية ووضع التصور المقترح الملائم لتكييف مراكز مصادر التعلم بما يخدم احتياجات طلاب التربية الخاصة المدموجين في مدارس التعلم العام. وقد قامت المجموعة الاستشارية بعمل الدراسة ووضعت تصوراتها ومقترحاتها حول التقنيات والأجهزة والوسائل المفترض وجودها. وتم الرفع بذلك لسعادة المشرف العام على التربية الخاصة، وبدوره قام برفعها إلى الجهات المختصة بالوزارة لتأمين تلك المستلزمات كي يستفيد منها هؤلاء التلاميذ. وهذا دليل كبير على حرص المسؤولين بالوزارة أو الأمانة واهتمامهم بفئة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة. وتتوفر التقنيات التعليمية في معاهد التربية الخاصة والبرامج الملحقة بالتعليم، ولكن السؤال الهام الذي ليس له إجابة شافية (على حد علم الكاتب) هل هذه الوسائل التقنية مستخدمة بشكل فعال ومثمر من قبل المعلمين؟ وهل يجيد جميع معلمي التربية الخاصة استعمال تلك التقنيات؟ وهل يحتاج المعلمون إلى دراسة أو ورش عمل تحقق الاستخدام الأمثل لتلك التقنيات بما يعود بالنفع على التلاميذ؟ كل هذه الأسئلة تحتاج إلى دراسات مستقبلية لتلقي الضوء على هذا الواقع، ولعل بعضها سيرى النور قريبًا، ولكن بصفة عامة فإن الواقع الميداني يحمل دلالات إيجابية وإن كان يحتاج إلى بعض التحسينات حتى تظهر الصورة في أبهى حلتها.