احسـ العالم ـاس
05-08-2003, 10:11 PM
بقلم: فهمي هويدي
اخبار الخليج
ينتاب المرء شعور تختلط فيه الحيرة مع الفزع إزاء طرح فكرة إرسال قوات حفظ سلام عربية إلى العراق. أما الحيرة فلأننا لا نعرف على وجه التحديد ما إذا كانت تلك القوات ستحمي العراقيين من قوات الاحتلال. أم ستحمي قوات الاحتلال من العراقيين. أما الفزع فسببه الخشية من أن يكون المستهدف من الإرسال هو الاحتمال الثاني وليس الأول.
(1) حين اتصلت هاتفيا بالدكتور أحمد يوسف مدير معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية لكي استطلع رأيه في الموضوع. كان تعليقه المباشر أن هذا كلام سابق لأوانه بكثير. وأن الفكرة جزء من الشائعات الكثيرة التي تتردد في العالم العربي هذه الأيام. أجريت اتصالا مماثلا مع الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة. قال لي بصورة تلقائية: إن ذلك مستحيل. ولا يمكن أن يحدث. وكانت مفاجأة الاثنين شديدة حين قلت لهما: إن المسألة ليست شائعة ولا هي فكرة افتراضية. وانها وردت في سياق خبر نشر على أربعة أعمدة في جريدة الأهرام يوم 30/.7 تحت عنوان يقول بوضوح: بمشاركة 13 دولة (عربية) - لجنة المتابعة الوزارية تناقش يوم الثلاثاء المقبل (اليوم 5/8) إرسال قوات حفظ سلام عربية إلى العراق. وتحت العنوان تفاصيل جدول الأعمال المعروض على اللجنة التي تفرعت عن قمة شرم الشيخ. كان أهمها وأخطرها ذلك البند الذي أبرزه العنوان. فهمت من المكالمة أن الدكتور أحمد يوسف كان خارج مصر. ولم تتح له فرصة قراءة صحفها. بينما الدكتور حسن نافعة كان قد قضى يومه كله في الكلية. وأجل مطالعته للصحف إلى المساء. وحين حدثته لم يكن قد علم بالخبر بعد. وما أثار انتباهي أن الاثنين طرحا سؤالا واحدا حين قرأت الخبر على كل منهما هو: هل يمكن أن تقوم القوات العربية بدور الشرطة التي تحمي الأمريكيين؟ كان واضحا أن السؤال نافيا واستنكاريا وليس استفهاميا. كأن كل واحد أراد أن يقول: «لا يمكن أن تقوم القوات العربية بهذا الدور«. أضاف الدكتور أحمد يوسف ان تزامن الحديث عن إرسال تلك القوات مع تصاعد المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية التي أصبحت تتكبد قتيلا أو اثنين في المتوسط يوميا. لا يدع مجالا للشك في أن الاقتراح (المطلب إن شئت الدقة) أمريكي وليس عربيا أو عراقيا. والمعلومات المتوافرة تشير بوضوح إلى أن الجامعة العربية أو لجنة المتابعة لم تتلقيا أي طلب من أي دولة عربية بهذا الخصوص. في الوقت ذاته لا توجد جهة عراقية يمكن أن تتقدم بطلب من ذلك القبيل. وخصوصا أن مسألة تمثيل العراق لدى الجامعة وغيرها من المنظمات أو المحافل الدولية لم تحسم بعد. حتى بعدما أضفى مجلس الأمن شرعية على سلطة الاحتلال الأمريكي. في تناقض مدهش مع موقفه السابق الرافض لتمويل الولايات المتحدة مبدأ إعلان الحرب على العراق واحتلالها. حتى بدا كأن مجلس الأمن رفض الحرب ثم عاد وقبل بنتائجها!
(2) إذا كان صحيحا أن الولايات المتحدة هي التي طلبت إرسال قوات عربية إلى العراق. فالأصح أن ذلك الطلب الذي وجه إلى عدد من دول العالم الأخرى وثيق الصلة بتداعيات الورطة الأمريكية المستحكمة هناك. التي تحدثت عن تجلياتها في الأسبوع الماضي. وقلت: إنهم لا يستطيعون البقاء هناك بسبب المقاومة والخسائر البشرية اليومية. كما أنهم لا يستطيعون المغادرة من دون أن يحققوا أيا من أهدافهم الاستراتيجية التي ابتغوها. وهو المأزق الذي دفع عددا كبيرا من الكتاب والمعلقين السياسيين الأمريكيين إلى المطالبة بإشراك المجتمع الدولي في تسيير الأمور وحفظ الأمن في العراق. حتى لا تتحمل الولايات المتحدة وحدها الثمن الباهظ الذي يتطلبه الاستمرار هناك. غير أن ذلك المطلب وإن بدا مخرجا من الناحية الواقعية. الا أنه يضع واشنطون في مواجهة مأزق آخر. فهي إذا لجأت إلى مجلس الأمن لإرسال قوة سلام إلى العراق. فإن ذلك قد يعني دورا أكبر للمنظمة الدولية. يتعارض مع الرغبة الأمريكية في الحرص على أن تبقى صاحبة القرار في بغداد للانفراد بالمغانم المرجوة. من عقود الإعمار إلى النفط. وإذا ما استعانت بحلف الأطلنطي. فإن ذلك قد يؤدي إلى إشراك بلدان مثل ألمانيا وفرنسا. في العملية. وهو ما لا ترحب به واشنطون لما هو معروف من أن البلدين كانا من أقوى معارضي الحرب من البداية. لكي تتجنب مثل هذه المحاذير. فإن الولايات المتحدة آثرت أن تعتمد على الاتصالات الثنائية مع الدول «الصديقة« لترتيب الأمر. وهي تتطلع من وراء ذلك إلى أن تضرب عصفورين بحجر واحد. من ناحية تريد أن تظل ممسكة بزمام الأمور في العراق. ومن ناحية ثانية فهي تأمل في ألا تدفع وحدها ثمن البقاء هناك. وتتطلع إلى أن تورط غيرها في ذلك الثمن. وحبذا لو حمل غيرها العبء كله وتولى عملية التصدي للمقاومة. ذلك أن استمرار قتل الجنود الأمريكيين في العراق يهدد مستقبل الرئيس بوش ويبدد فرصة إعادة انتخابه مرة ثانية. وقد استشهدت في الأسبوع الماضي بما كتبه في هذا الصدد النائب السابق لرئيس المخابرات الأمريكية جراهام فوللر. وذكر فيه أن الإدارة الأمريكية لا تحتمل استمرار قتل جندي أمريكي كل يوم لمدة ستة أشهر. إنهم يريدون أن يفوزوا بالجائزة. لكنهم أشد ما يكونون حرصا على أن يدفع غيرهم ثمنها. وقد كنت شاهدا على واقعة من هذا القبيل في باكستان. حين ظلت المخابرات المركزية الأمريكية تراقب وتتتبع هناك لعدة أسابيع العضو القيادي في منظمة القاعدة «خالد الشيخ محمد« الذي قيل: إنه العقل المدبر للهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر. وطيلة تلك المدة لم تكن السلطات الباكستانية على علم بالموضوع. ولكن في اليوم الذي تحدد لاقتحام مقر إقامته وإلقاء القبض عليه هو ومن معه. أخبرت السلطات الباكستانية بالعملية. ولم يكن الهدف من الإبلاغ هو إحاطة الباكستانيين بما سيجري. ولكن كان الهدف هو رغبة الأمريكيين في الاستعانة برجال الأمن الباكستانيين في الجانب المتعلق بالاقتحام. لأنهم توقعوا أن تحدث مقاومة مسلحة من جانب خالد الشيخ ومن معه. وخشوا أن يقتل بعض الأمريكيين من جراء ذلك. مما قد يحدث صداه السلبي في واشنطون. لذلك فإنهم آثروا أن يكون الباكستانيون وليس الأمريكيون هم من يقوم بدور رأس الحربة في الهجوم. لكي يتلقوا الضربة الأولى. وتكون الرصاصات الافتتاحية موجهة إلى صدورهم ومن نصيبهم. ومن ثم لكي يكون الجرحى أو القتلى منهم وليس من جانب الأمريكيين.
(3) وجود قوات عربية في العراق يُعد من وجهة النظر الأمريكية حلا نموذجيا للإشكال - لماذا؟ - لأسباب عدة. إليك بعضها:
* يحقق للولايات المتحدة مرادها في إقصاء الأمم المتحدة. واستبعاد الحلفاء غير المرغوب فيهم في حلف الناتو. وفي الوقت ذاته فإنه سوف يحسن كثيرا من صورة الإدارة الأمريكية أمام الرأي العام العالمي الذي خرجت جماهيره معارضة للحرب. إذ سيجد الجميع أن الأشقاء العرب بشحمهم ودمائهم قد ذهبوا «متعاونين« مع قوات الاحتلال.
* يعني اعتراف الدول العربية بشرعية الاحتلال الذي يصل إلى حد الإسهام في تأمين وجوده. ويعني ضمنا وبالضرورة إسقاط قرار قمة بيروت الذي صدر في العام الماضي. معتبرا ان العدوان على العراق عدوان على الأمة العربية.
* إذا كان اشتراك الأمم المتحدة أو الحلفاء في «الناتو« لن يطلق يد الولايات المتحدة في العراق كما تتمنى. فإن وجود قوات عربية سيربح الأمريكيين كثيرا. من ناحية لأن الأجواء العربية السائدة أكثر «تجاوبا« وانصياعا للإدارة الأمريكية. ثم ان ذلك الوجود سيرفع عن واشنطون عبء التكاليف المادية المترتبة عليه. وهي التي أبدت استعدادا لنقل الجنود فقط إلى العراق. أما رواتبهم ونفقات إعاشتهم فإنها لم تبد استعدادا لتحملها. الأمر الذي أدى إلى تردد العديد من دول العالم الثالث في إرسال قوات من جانبها. في حين أن المشكلة قد لا تكون واردة في الحالة العربية. حيث يفترض أن تقوم الدول النفطية بما يجب في هذا الصدد.
* قد يؤدي ذلك الوجود العربي إلى تخفيف حدة المقاومة ضد القوات الأمريكية. التي ينتظر أن تبقى في هذه الحالة خارج المدن. إذ قد تتردد عناصر المقاومة في القيام بعملياتها إذا ما وجدت أن ضحاياها سيكونون من بين «الأشقاء العرب«. ورغم أن إحدى الجماعات هددت باستهداف القوات العربية إذا ما قدمت إلى العراق. فإنه ليس معروفا على وجه الدقة ما إذا كان هناك إجماع بين المقاومين على هذا الرأي أم لا.
* وإذا ذهبنا إلى أبعد في محاولة قراءة السيناريو غير البريء للتوريط العربي في العراق فسنجد أن إرسال قوات عربية من شأنه أن يضع أكثر من لغم في العلاقات العراقية العربية. وينبغي ألا ينسى في هذا الصدد أن عددا غير قليل من الشخصيات العراقية «المتعاونة« مع سلطة الاحتلال لا يكنون ودا للعالم العربي.
وهو الموقف الذي عبّر عنه رئيس ما يسمى بالمؤتمر الوطني العراقي السيد أحمد جلبي في تصريحات عدة. وعلى شاشة قناة «الجزيرة«. وليس سرا أن إسرائيل أقامت علاقات جيدة مع معارضي الرئيس السابق صدام حسين وخصوصا الذين أقاموا بالولايات المتحدة. وكانت جماعة المؤتمر «الوطني« في مقدمة هؤلاء.
وقد زاروا إسرائيل أكثر من مرة. وفي المقدمة منهم السيد جلبي نفسه. لقد اتهم العرب من قبل بعض القيادات الجديدة في العراق بأنهم مالأوا الرئيس السابق وأيدوه. وإذا أرسلت قوات عربية في هذه المرحلة. فسيضيف آخرون أن العرب ساندوا الاحتلال وأعانوه ناهيك عما قد يثار من لغط حول وجود قوات سنية في بلد أغلبيته شيعية. وصدى ذلك اللغط ليس في العراق وحده. ولكن في الدول العربية الأخرى التي يعيش فيها الشيعة. لا تقف المسألة عند حد «تلغيم« العلاقات العربية العراقية. ولكن تلغيم العلاقات العربية العربية وارد أيضا. ليس فقط بين دول ستؤيد إرسال القوات ودول أخرى سترفض وتدين هذه الخطوة أو تجرحها. ولكن أيضا بين الأنظمة التي ستقبل بذلك وبين شعوبها التي عارضت الحرب من البداية. وسوف يتضاعف سخطها إذا ما أرسلت قوات عربية إلى العراق في وجود سلطة الاحتلال.
(4) هذا الذي نقوله ليس غائبا عن الطرف العربي. الذي قيل لي: إنه يرفض من حيث المبدأ فكرة القيام بدور الشرطي لحماية الأمريكيين ناهيك عن التصدي للمقاومة العراقية. وفهمت أن هناك أفكارا ومناقشات عدة انصبت حول الموضوع خلال الأسابيع الأخيرة. فطرحت فكرة إرسال خبراء عرب (ليسوا عسكريين) للمشاركة في إعادة بناء النظام الجديد. وتحدث آخرون عن إرسال قوات رمزية وليست مقاتلة. في حالة استمرار الضغوط الأمريكية. وهناك من اشترط أن تتمركز تلك القوات خارج المناطق الشيعية. وبعيدا عن النقاط الساخنة. بحيث يكون الوجود العسكري العربي في أضيق الحدود التي تجعل منه حضورا «أدبيا« وليس حضورا فاعلا. خلال المشاورات طرحت وجهة نظر قبلت بفكرة وجود القوات العربية بالعراق. أملا في أن يكون ذلك عنصرا مشجعا للأمريكيين على الإسراع بعملية الانسحاب. وإذا ما تحقق ذلك فإن الوجود سيصبح لصالح الاستقرار في العراق وليس ضده. واستند هؤلاء إلى معلومات قادمة من الولايات المتحدة تشير إلى تنامي الصوت الداعي إلى الانسحاب في أوساط «المحافظين التقليديين« أو القدامى الذين يختلفون مع المحافظين الجدد في تطلعاتهم الامبراطورية. ومنطق القدامى يقول: إنه إذا كان النظام البعثي السابق قد شكل خطرا على المصالح أو الأمن القومي الأمريكي. فهذا النظام سقط وطويت صفحته. ومن ثم فمبرر الوجود الأمريكي لم يعد قائما وخصوصا أنه صار مكلفا تكلفة باهظة على مستوى الخسائر البشرية والأعباء المالية. هذا الكلام رد عليه آخرون مستبعدين تماما فكرة الانسحاب الأمريكي من العراق قبل أن تحقق الولايات المتحدة أيا من أهدافها ومصالحها الاستراتيجية. وان المخططين الأمريكيين يعرفون ذلك جيدا. وهم يريدون قوات عربية ليس للإسراع بالخروج ولكن لتأمين إقامتهم الممتدة. وفي رأي هؤلاء أن المحافظين القدامى لم يعودوا أصحاب تأثير قوي في السياسة الأمريكية وان المحافظين الجدد وحلفاءهم من المنظمات الصهيونية نجحوا في بسط سلطاتهم على القرار السياسي الأمريكي. الأمر الذي يحجب ويصادر أي تأثير لدعاة الانسحاب والتركيز على المشاكل الداخلية الأمريكية. إحدى المشكلات التي تواجه الطرف العربي لا تكمن في كثافة الضغوط الأمريكية فحسب وإنما في أن الأمريكيين يدعون أن ما فعلوه في العراق هو جزء من مقاومة الإرهاب (رغم أنه لم يثبت وجود أي علاقة بين النظام البعثي وتنظيم القاعدة مثلا). ويحاولون إقناع الدول العربية بالتالي بأن امتناعها أو ترددها في المشاركة في إيفاد قوات عسكرية إلى العراق هو من قبيل التقاعس عن خوض المعركة ضد الإرهاب. وتلك مسألة حساسة لدى بعض الدول العربية التي تحاول واشنطون لي أذرعتها من جراء اشتراك بعض أبنائها في أحداث 11 سبتمبر.
(5) يرى الدكتور أحمد يوسف أن ثمة حلا وحيدا مشرفا لحل الإشكال. وعلى حد تعبيره فإنه إذا كان الأمريكيون في ورطة. فهم المسئولون عنها أولا. ثم أنه لا يعقل أن يطالبوا الدول العربية بأن تخرجهم من ورطتهم ناهيك عن أن تتورط معهم. والحل الذي يراه هو أن يتم إرسال قوات سلام عربية في إطار اتفاق سياسي واضح. يحدد أجلا للانسحاب الأمريكي من العراق ويضع جدولا زمنيا لذلك الانسحاب وهو ما حدث مع الكويت في عام 1961 حين هددت بالاحتلال من جانب العراق. واستدعى حاكمها الشيخ صباح السالم قوات بريطانية لحماية بلاده. حينذاك اجتمع مجلس الجامعة العربية وأعلن وقوفه إلى جانب الكويت في حقها في الاستقلال. وقرر المساهمة في تأمين ذلك الحق للكويتيين. لكنه اشترط انسحاب القوات البريطانية التي تم استدعاؤها. قبل أن تتوجه قوة سلام عربية إلى الكويت. وهو ما حدث بالفعل. وأنهى الأزمة في حينها بكرامة وسلام. السؤال الذي يطرح نفسه حين تستدعى هذه القصة إلى الذاكرة هو: هل تستطيع الدول العربية أن تكرر هذا الموقف الآن؟ وإجابة السؤال ستدلنا على ما إذا كان التاريخ عندنا يسير إلى الأمام أم إلى الوراء!
اخبار الخليج
ينتاب المرء شعور تختلط فيه الحيرة مع الفزع إزاء طرح فكرة إرسال قوات حفظ سلام عربية إلى العراق. أما الحيرة فلأننا لا نعرف على وجه التحديد ما إذا كانت تلك القوات ستحمي العراقيين من قوات الاحتلال. أم ستحمي قوات الاحتلال من العراقيين. أما الفزع فسببه الخشية من أن يكون المستهدف من الإرسال هو الاحتمال الثاني وليس الأول.
(1) حين اتصلت هاتفيا بالدكتور أحمد يوسف مدير معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية لكي استطلع رأيه في الموضوع. كان تعليقه المباشر أن هذا كلام سابق لأوانه بكثير. وأن الفكرة جزء من الشائعات الكثيرة التي تتردد في العالم العربي هذه الأيام. أجريت اتصالا مماثلا مع الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة. قال لي بصورة تلقائية: إن ذلك مستحيل. ولا يمكن أن يحدث. وكانت مفاجأة الاثنين شديدة حين قلت لهما: إن المسألة ليست شائعة ولا هي فكرة افتراضية. وانها وردت في سياق خبر نشر على أربعة أعمدة في جريدة الأهرام يوم 30/.7 تحت عنوان يقول بوضوح: بمشاركة 13 دولة (عربية) - لجنة المتابعة الوزارية تناقش يوم الثلاثاء المقبل (اليوم 5/8) إرسال قوات حفظ سلام عربية إلى العراق. وتحت العنوان تفاصيل جدول الأعمال المعروض على اللجنة التي تفرعت عن قمة شرم الشيخ. كان أهمها وأخطرها ذلك البند الذي أبرزه العنوان. فهمت من المكالمة أن الدكتور أحمد يوسف كان خارج مصر. ولم تتح له فرصة قراءة صحفها. بينما الدكتور حسن نافعة كان قد قضى يومه كله في الكلية. وأجل مطالعته للصحف إلى المساء. وحين حدثته لم يكن قد علم بالخبر بعد. وما أثار انتباهي أن الاثنين طرحا سؤالا واحدا حين قرأت الخبر على كل منهما هو: هل يمكن أن تقوم القوات العربية بدور الشرطة التي تحمي الأمريكيين؟ كان واضحا أن السؤال نافيا واستنكاريا وليس استفهاميا. كأن كل واحد أراد أن يقول: «لا يمكن أن تقوم القوات العربية بهذا الدور«. أضاف الدكتور أحمد يوسف ان تزامن الحديث عن إرسال تلك القوات مع تصاعد المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية التي أصبحت تتكبد قتيلا أو اثنين في المتوسط يوميا. لا يدع مجالا للشك في أن الاقتراح (المطلب إن شئت الدقة) أمريكي وليس عربيا أو عراقيا. والمعلومات المتوافرة تشير بوضوح إلى أن الجامعة العربية أو لجنة المتابعة لم تتلقيا أي طلب من أي دولة عربية بهذا الخصوص. في الوقت ذاته لا توجد جهة عراقية يمكن أن تتقدم بطلب من ذلك القبيل. وخصوصا أن مسألة تمثيل العراق لدى الجامعة وغيرها من المنظمات أو المحافل الدولية لم تحسم بعد. حتى بعدما أضفى مجلس الأمن شرعية على سلطة الاحتلال الأمريكي. في تناقض مدهش مع موقفه السابق الرافض لتمويل الولايات المتحدة مبدأ إعلان الحرب على العراق واحتلالها. حتى بدا كأن مجلس الأمن رفض الحرب ثم عاد وقبل بنتائجها!
(2) إذا كان صحيحا أن الولايات المتحدة هي التي طلبت إرسال قوات عربية إلى العراق. فالأصح أن ذلك الطلب الذي وجه إلى عدد من دول العالم الأخرى وثيق الصلة بتداعيات الورطة الأمريكية المستحكمة هناك. التي تحدثت عن تجلياتها في الأسبوع الماضي. وقلت: إنهم لا يستطيعون البقاء هناك بسبب المقاومة والخسائر البشرية اليومية. كما أنهم لا يستطيعون المغادرة من دون أن يحققوا أيا من أهدافهم الاستراتيجية التي ابتغوها. وهو المأزق الذي دفع عددا كبيرا من الكتاب والمعلقين السياسيين الأمريكيين إلى المطالبة بإشراك المجتمع الدولي في تسيير الأمور وحفظ الأمن في العراق. حتى لا تتحمل الولايات المتحدة وحدها الثمن الباهظ الذي يتطلبه الاستمرار هناك. غير أن ذلك المطلب وإن بدا مخرجا من الناحية الواقعية. الا أنه يضع واشنطون في مواجهة مأزق آخر. فهي إذا لجأت إلى مجلس الأمن لإرسال قوة سلام إلى العراق. فإن ذلك قد يعني دورا أكبر للمنظمة الدولية. يتعارض مع الرغبة الأمريكية في الحرص على أن تبقى صاحبة القرار في بغداد للانفراد بالمغانم المرجوة. من عقود الإعمار إلى النفط. وإذا ما استعانت بحلف الأطلنطي. فإن ذلك قد يؤدي إلى إشراك بلدان مثل ألمانيا وفرنسا. في العملية. وهو ما لا ترحب به واشنطون لما هو معروف من أن البلدين كانا من أقوى معارضي الحرب من البداية. لكي تتجنب مثل هذه المحاذير. فإن الولايات المتحدة آثرت أن تعتمد على الاتصالات الثنائية مع الدول «الصديقة« لترتيب الأمر. وهي تتطلع من وراء ذلك إلى أن تضرب عصفورين بحجر واحد. من ناحية تريد أن تظل ممسكة بزمام الأمور في العراق. ومن ناحية ثانية فهي تأمل في ألا تدفع وحدها ثمن البقاء هناك. وتتطلع إلى أن تورط غيرها في ذلك الثمن. وحبذا لو حمل غيرها العبء كله وتولى عملية التصدي للمقاومة. ذلك أن استمرار قتل الجنود الأمريكيين في العراق يهدد مستقبل الرئيس بوش ويبدد فرصة إعادة انتخابه مرة ثانية. وقد استشهدت في الأسبوع الماضي بما كتبه في هذا الصدد النائب السابق لرئيس المخابرات الأمريكية جراهام فوللر. وذكر فيه أن الإدارة الأمريكية لا تحتمل استمرار قتل جندي أمريكي كل يوم لمدة ستة أشهر. إنهم يريدون أن يفوزوا بالجائزة. لكنهم أشد ما يكونون حرصا على أن يدفع غيرهم ثمنها. وقد كنت شاهدا على واقعة من هذا القبيل في باكستان. حين ظلت المخابرات المركزية الأمريكية تراقب وتتتبع هناك لعدة أسابيع العضو القيادي في منظمة القاعدة «خالد الشيخ محمد« الذي قيل: إنه العقل المدبر للهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر. وطيلة تلك المدة لم تكن السلطات الباكستانية على علم بالموضوع. ولكن في اليوم الذي تحدد لاقتحام مقر إقامته وإلقاء القبض عليه هو ومن معه. أخبرت السلطات الباكستانية بالعملية. ولم يكن الهدف من الإبلاغ هو إحاطة الباكستانيين بما سيجري. ولكن كان الهدف هو رغبة الأمريكيين في الاستعانة برجال الأمن الباكستانيين في الجانب المتعلق بالاقتحام. لأنهم توقعوا أن تحدث مقاومة مسلحة من جانب خالد الشيخ ومن معه. وخشوا أن يقتل بعض الأمريكيين من جراء ذلك. مما قد يحدث صداه السلبي في واشنطون. لذلك فإنهم آثروا أن يكون الباكستانيون وليس الأمريكيون هم من يقوم بدور رأس الحربة في الهجوم. لكي يتلقوا الضربة الأولى. وتكون الرصاصات الافتتاحية موجهة إلى صدورهم ومن نصيبهم. ومن ثم لكي يكون الجرحى أو القتلى منهم وليس من جانب الأمريكيين.
(3) وجود قوات عربية في العراق يُعد من وجهة النظر الأمريكية حلا نموذجيا للإشكال - لماذا؟ - لأسباب عدة. إليك بعضها:
* يحقق للولايات المتحدة مرادها في إقصاء الأمم المتحدة. واستبعاد الحلفاء غير المرغوب فيهم في حلف الناتو. وفي الوقت ذاته فإنه سوف يحسن كثيرا من صورة الإدارة الأمريكية أمام الرأي العام العالمي الذي خرجت جماهيره معارضة للحرب. إذ سيجد الجميع أن الأشقاء العرب بشحمهم ودمائهم قد ذهبوا «متعاونين« مع قوات الاحتلال.
* يعني اعتراف الدول العربية بشرعية الاحتلال الذي يصل إلى حد الإسهام في تأمين وجوده. ويعني ضمنا وبالضرورة إسقاط قرار قمة بيروت الذي صدر في العام الماضي. معتبرا ان العدوان على العراق عدوان على الأمة العربية.
* إذا كان اشتراك الأمم المتحدة أو الحلفاء في «الناتو« لن يطلق يد الولايات المتحدة في العراق كما تتمنى. فإن وجود قوات عربية سيربح الأمريكيين كثيرا. من ناحية لأن الأجواء العربية السائدة أكثر «تجاوبا« وانصياعا للإدارة الأمريكية. ثم ان ذلك الوجود سيرفع عن واشنطون عبء التكاليف المادية المترتبة عليه. وهي التي أبدت استعدادا لنقل الجنود فقط إلى العراق. أما رواتبهم ونفقات إعاشتهم فإنها لم تبد استعدادا لتحملها. الأمر الذي أدى إلى تردد العديد من دول العالم الثالث في إرسال قوات من جانبها. في حين أن المشكلة قد لا تكون واردة في الحالة العربية. حيث يفترض أن تقوم الدول النفطية بما يجب في هذا الصدد.
* قد يؤدي ذلك الوجود العربي إلى تخفيف حدة المقاومة ضد القوات الأمريكية. التي ينتظر أن تبقى في هذه الحالة خارج المدن. إذ قد تتردد عناصر المقاومة في القيام بعملياتها إذا ما وجدت أن ضحاياها سيكونون من بين «الأشقاء العرب«. ورغم أن إحدى الجماعات هددت باستهداف القوات العربية إذا ما قدمت إلى العراق. فإنه ليس معروفا على وجه الدقة ما إذا كان هناك إجماع بين المقاومين على هذا الرأي أم لا.
* وإذا ذهبنا إلى أبعد في محاولة قراءة السيناريو غير البريء للتوريط العربي في العراق فسنجد أن إرسال قوات عربية من شأنه أن يضع أكثر من لغم في العلاقات العراقية العربية. وينبغي ألا ينسى في هذا الصدد أن عددا غير قليل من الشخصيات العراقية «المتعاونة« مع سلطة الاحتلال لا يكنون ودا للعالم العربي.
وهو الموقف الذي عبّر عنه رئيس ما يسمى بالمؤتمر الوطني العراقي السيد أحمد جلبي في تصريحات عدة. وعلى شاشة قناة «الجزيرة«. وليس سرا أن إسرائيل أقامت علاقات جيدة مع معارضي الرئيس السابق صدام حسين وخصوصا الذين أقاموا بالولايات المتحدة. وكانت جماعة المؤتمر «الوطني« في مقدمة هؤلاء.
وقد زاروا إسرائيل أكثر من مرة. وفي المقدمة منهم السيد جلبي نفسه. لقد اتهم العرب من قبل بعض القيادات الجديدة في العراق بأنهم مالأوا الرئيس السابق وأيدوه. وإذا أرسلت قوات عربية في هذه المرحلة. فسيضيف آخرون أن العرب ساندوا الاحتلال وأعانوه ناهيك عما قد يثار من لغط حول وجود قوات سنية في بلد أغلبيته شيعية. وصدى ذلك اللغط ليس في العراق وحده. ولكن في الدول العربية الأخرى التي يعيش فيها الشيعة. لا تقف المسألة عند حد «تلغيم« العلاقات العربية العراقية. ولكن تلغيم العلاقات العربية العربية وارد أيضا. ليس فقط بين دول ستؤيد إرسال القوات ودول أخرى سترفض وتدين هذه الخطوة أو تجرحها. ولكن أيضا بين الأنظمة التي ستقبل بذلك وبين شعوبها التي عارضت الحرب من البداية. وسوف يتضاعف سخطها إذا ما أرسلت قوات عربية إلى العراق في وجود سلطة الاحتلال.
(4) هذا الذي نقوله ليس غائبا عن الطرف العربي. الذي قيل لي: إنه يرفض من حيث المبدأ فكرة القيام بدور الشرطي لحماية الأمريكيين ناهيك عن التصدي للمقاومة العراقية. وفهمت أن هناك أفكارا ومناقشات عدة انصبت حول الموضوع خلال الأسابيع الأخيرة. فطرحت فكرة إرسال خبراء عرب (ليسوا عسكريين) للمشاركة في إعادة بناء النظام الجديد. وتحدث آخرون عن إرسال قوات رمزية وليست مقاتلة. في حالة استمرار الضغوط الأمريكية. وهناك من اشترط أن تتمركز تلك القوات خارج المناطق الشيعية. وبعيدا عن النقاط الساخنة. بحيث يكون الوجود العسكري العربي في أضيق الحدود التي تجعل منه حضورا «أدبيا« وليس حضورا فاعلا. خلال المشاورات طرحت وجهة نظر قبلت بفكرة وجود القوات العربية بالعراق. أملا في أن يكون ذلك عنصرا مشجعا للأمريكيين على الإسراع بعملية الانسحاب. وإذا ما تحقق ذلك فإن الوجود سيصبح لصالح الاستقرار في العراق وليس ضده. واستند هؤلاء إلى معلومات قادمة من الولايات المتحدة تشير إلى تنامي الصوت الداعي إلى الانسحاب في أوساط «المحافظين التقليديين« أو القدامى الذين يختلفون مع المحافظين الجدد في تطلعاتهم الامبراطورية. ومنطق القدامى يقول: إنه إذا كان النظام البعثي السابق قد شكل خطرا على المصالح أو الأمن القومي الأمريكي. فهذا النظام سقط وطويت صفحته. ومن ثم فمبرر الوجود الأمريكي لم يعد قائما وخصوصا أنه صار مكلفا تكلفة باهظة على مستوى الخسائر البشرية والأعباء المالية. هذا الكلام رد عليه آخرون مستبعدين تماما فكرة الانسحاب الأمريكي من العراق قبل أن تحقق الولايات المتحدة أيا من أهدافها ومصالحها الاستراتيجية. وان المخططين الأمريكيين يعرفون ذلك جيدا. وهم يريدون قوات عربية ليس للإسراع بالخروج ولكن لتأمين إقامتهم الممتدة. وفي رأي هؤلاء أن المحافظين القدامى لم يعودوا أصحاب تأثير قوي في السياسة الأمريكية وان المحافظين الجدد وحلفاءهم من المنظمات الصهيونية نجحوا في بسط سلطاتهم على القرار السياسي الأمريكي. الأمر الذي يحجب ويصادر أي تأثير لدعاة الانسحاب والتركيز على المشاكل الداخلية الأمريكية. إحدى المشكلات التي تواجه الطرف العربي لا تكمن في كثافة الضغوط الأمريكية فحسب وإنما في أن الأمريكيين يدعون أن ما فعلوه في العراق هو جزء من مقاومة الإرهاب (رغم أنه لم يثبت وجود أي علاقة بين النظام البعثي وتنظيم القاعدة مثلا). ويحاولون إقناع الدول العربية بالتالي بأن امتناعها أو ترددها في المشاركة في إيفاد قوات عسكرية إلى العراق هو من قبيل التقاعس عن خوض المعركة ضد الإرهاب. وتلك مسألة حساسة لدى بعض الدول العربية التي تحاول واشنطون لي أذرعتها من جراء اشتراك بعض أبنائها في أحداث 11 سبتمبر.
(5) يرى الدكتور أحمد يوسف أن ثمة حلا وحيدا مشرفا لحل الإشكال. وعلى حد تعبيره فإنه إذا كان الأمريكيون في ورطة. فهم المسئولون عنها أولا. ثم أنه لا يعقل أن يطالبوا الدول العربية بأن تخرجهم من ورطتهم ناهيك عن أن تتورط معهم. والحل الذي يراه هو أن يتم إرسال قوات سلام عربية في إطار اتفاق سياسي واضح. يحدد أجلا للانسحاب الأمريكي من العراق ويضع جدولا زمنيا لذلك الانسحاب وهو ما حدث مع الكويت في عام 1961 حين هددت بالاحتلال من جانب العراق. واستدعى حاكمها الشيخ صباح السالم قوات بريطانية لحماية بلاده. حينذاك اجتمع مجلس الجامعة العربية وأعلن وقوفه إلى جانب الكويت في حقها في الاستقلال. وقرر المساهمة في تأمين ذلك الحق للكويتيين. لكنه اشترط انسحاب القوات البريطانية التي تم استدعاؤها. قبل أن تتوجه قوة سلام عربية إلى الكويت. وهو ما حدث بالفعل. وأنهى الأزمة في حينها بكرامة وسلام. السؤال الذي يطرح نفسه حين تستدعى هذه القصة إلى الذاكرة هو: هل تستطيع الدول العربية أن تكرر هذا الموقف الآن؟ وإجابة السؤال ستدلنا على ما إذا كان التاريخ عندنا يسير إلى الأمام أم إلى الوراء!