ملكة الاحساس
02-08-2006, 11:08 AM
ورقة عمل مقدمة من السيدة سهيلة زين العابدين حمّاد عضوه المجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية، في الحلقة الدراسية التي نظمتها منظمة العفو الدولية بمناسبة إطلاق حملتها للحد من العنف ضد المرأة-الأردن 21-22 آذار 2004
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمين.
أما بعد...
في البداية أشكر منظمة العفو الدولية على دعوتها لي للمشاركة في هذه الإطلاقة، وهذه أول دعوة رسمية توجه ليس لإمرأة سعودية من إحدى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان فقط، وإنما هي أول دعوة رسمية من منظمة دولية توجه إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، هذه الجمعية الحديثة الولادة، و باسم الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وباسمي أشكر من الأعماق منظمة العفو الدولية على اعترافها الرسمي بهذه الجمعية الوليدة، كما أشكرها على هذه الدعوة، وأخصها بالشكر على تقديم دعوتها لي شخصياً.
لا ينكر ذو عقل و بصيرة أن مجتمعنا السعودي كغيره من المجتمعات فيه مواطن خلل، ومبعث الخلل في مجتمعنا السعودي هو نظرته الدونية للمرأة التي ترتب عليها إقصاء المرأة وتهميشها، وذلك لسيطرة بعض الأعراف والتقاليد والعادات المتنافية مع تعاليم الإسلام على مجتمعنا تارة، ولإرضاء أهواء بعض الرجال الذين يريدون بسط سيطرتهم على المرأة، وإذلالها، من جهة تارة ثانية ولسوء فهم بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المطهرة المتعلقة بالنساء؛ إذ أخضفعت تفسيراتها طبقاً للأعراف والتقاليد الجاهلية تارة ثالثة، وكل هذا طفا وظهر على السطح إثر فترات التراجع الحضاري التي نكبت بها الأمة الإسلامية، وعصور الجهل والعزلة التي فؤضت عليها منذ سقوط الدولة العباسية عام 656هـ.
هذا و سأحاول في هذه العجالة أن أتحدث عن قضيتين هامتين:
أولاهما: العنف الأسري ضد المرأة.
ثانيهما: الأنظمة والقوانين التي تعالج بها قضايا المرأة والأسرة في المملكة العربية.
وسأبدأ بالقضية الأولى، وهي العنف الأسري ضد المرأة في الممكلة العربية السعودية، من خلال قراءة سريعة منا إلى واقع المرأة السعودية نجد أنه قد ترتب على سيطرة الأعراف والعادات والتقاليد المتعارضة مع الإسلام، وإلباسهما لباس الإسلام، نظرة الرجل الدونية للمرأة، ومعاملتها معاملة ناقصي الأهلية في الدوائر الحكومية، وإعطاء ولي الأمر، أو الوكيل حقوقاً ليست له تجعل من المرأة ذليلة خاضعة خانعة للرجل، وترتب على هذا أمور جد خطيرة، ألخصها في الآتي:
1- حرمانها من حق التعليم، رغم أن الدولة فتحت للمرأة كل أبواب العلم والمعرفة وهناك أميات صغيرات، بل هناك من أولياء الأمور يحرمون بناتهم وزوجاتهم من حفظ كتاب الله، ويمنعونهن من الالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، وهذا عايشته بنفسي فترة رئاستي للمدارس النسوية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، و لعل ارتفاع نسبة الأمية بين السعوديات، وبلوغها أكثر من 18% خير شاهد على هذا، كما وجود ظاهرة الأميات الصغيرات يدعم هذا القول.
2-حرمانها من حق الإرث في بعض مناطق المملكة العربية السعودية، فالفتاة إن توفي والدها فلا ترثه، ويستأثر به إخواتها الذكور بدعوى حرصهم على عدم خروج أموال أبيهم لأجنبي _ أي خارج العائلة _ أي الزوج، في حين هم متزوجون من أجنبيات _ على حد تعبيرهم، وسيرثنهم، ولكن يحللون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، و يحرمون أخواتهم البنات من حق شرعي شرعه الخالق.
3-حرمانها من حق الولاية على نفسها و على مالها، مما ترتب عليه أمور خطيرة منها:
أ-اعتبر بعض أولياء الأمور أن هؤلاء النسوة الذين لهم حق الولاية عليهن أجسادهن، وأفكارهن، وأموالهن ملك لهم يستبيحونها وقتما شاءوا، فيأخذون من أموالهن ما يريدون، ولا يعطونهن منه إلا ما يريدونه، مع استباحة البعض منهم أجسادهن، فانتهاك المحارم قضية جديرة بالبحث والدراسة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية رغم أن الإسلام يحرمها، إلا أن طبيعة مجتمعاتنا تغطي على هذه الأمور خوفا من الفضيحة، ولكن تغطيتها لا يعني عدم وجودها، وإنما يزيدها تفاقماً، ولا بد من فتح ملفها لمعرفة أسبابها لعلاجها والقضاء عليها.
ب-عضل بعض أولياء الأمور بناتهم أو أخواتهم، بحرمانهن من الزواج حقهن الطبيعي في الحياة، لخدمة مصالحهم الشخصية، طمعاً في رواتبهن، وهناك من الأخوة من يمتنعون عن تزويج أخواتهم ليخدمنهم هم وأولادهم لأنه مطلقون أو أرامل، وعندما يكبر الأولاد، ويتزوج الأخوة، ويستغنون عن أخواتهم يتركونهن وحيدات، و لا يسألون عنهن، ولا يقضون لهن مستلزماتهن، مع أن أمولهن في أيديهم باعتبارم الوكلاء ، وقد تعيش الواحدة منهن في بلد وأخوها يعيش في بلد آخر، ولكن عندما تريد استخراج بطاقة شخصية أو تجديد جواز سفرها، أو السفر خارج المملكة لا يسمح لها إلا بموافقة هذا الولي، أو الوكيل.
4- حرمان المرأة غير المتزوجة، وغير المطلقة، وغير الموظفة من حق الاقتراض من صندوق التنمية العقاري ، وحق استقدام عاملة منزلية أو سائق.
5- عدم العدل بين الزوجات لدى كثير من الأزواج المعددين، والذين يعددون دون مبررات شرعية، ونجد البعض من يمنن على المرأة بزواجه أكثر من واحدة، بدعوى أنه انتشلها البؤس، ومن شبح العنوسة بزواجه منها.
6- تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمع لإصرار بعض القبائل على تزويج بناتها من ذات القبيلة، أو من أبناء العم، أو لعضل البنات من قبل بعض أولياء الأمور، وكذلك تفشي ظاهرة المطلقات الصغيرات، وضياع حقوقهن.
7- تنصل بعض الأزواج من واجب النفقة على زوجاتهم، وبيوتهم اعتماداً على راتب الزوجة، بل ركون بعض الأزواج إلى الدعة و الراحة، والقعود عن العمل، وتولي المرأة الإنفاق عليه وعلى البيت والأسرة.
8- عدم توفر مواصلات عامة للنساء، والاعتماد على السائقين الأجانب، مما يعرض بنات الأسرة على وجه الخصوص إلى مخاطر الاغتصاب والتحرش الجنسي من السائقين، إضافة إلى كثير من المشاكل، وتوجد إحصائية تقول: إن عدد السائقين الأجانب في البيوت السعودية 264 ألف سائق.
9- زواج المسيار، وما يترتب عليه من عدم توفر أركان الزواج و شروطه في الإسلام، وما من امتهان للمرأة ، واعتبار الزواج هو فقط للمتعة الجنسية.
10- إساءة بعض الأزواج لزوجاتهم، وضربهن ضرباً مبرحاً، وضرب الآباء لأولادهم ضرباً مبرحاَ، وهذه الظاهرة موجودة في كل المجتمعات، ففي فرنسا توجد إحصائية تقول إن مليون ونصف مليون امرأة فرنسية يعانين من ضرب الزوج، أو الصديق، ولعل مأساة موت الممثلة الفرنسية الشهيرة " ماري ترنتينيان" إثر تعرضها لضرب من صديقها كشف عن هذه المأساة التي تعيشها المرأة الفرنسية.
هذه باختصار مظاهر العنف الأسري داخل الأسرة السعودية، والتي يترتب عليه حرمان المرأة من كثير من حقوقها المالية كحق التصرف في مالها، إذ المتصرف فيه وكيلها زوجاَ كان أو أخاً، أو ابناً، و ملكيتها لمهرها، فهو خاص بها، ولا يحق للأب أو الزوج صرفه في تأثيث بيت الزوجية، وحرمانها من حق النفقة إن طلقت طلاقاً رجعياً، أو حق الحضانة، وغيرها من الحقوق، وهذا يذهب بنا إلى الحديث عن القضية الثانية، وهي قانون الأحوال الشخصية.
** قانون الأحوال الشخصية
نحن المطبق عندنا الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية كفلت للمرأة كافة حقوقها المالية والمعنوية والمادية، فالإسلام أعطى للمرأة أهلية حقوقية مالية كاملة، مثلها مثل الرجل تماماً، ولها الحق التصرف في مالها كما تشاء دون إذن أحد، كما أعطاها حق الولاية على مالها ملكاً وتنمية واستثماراً، فهي ذات ذمة مالية مستقلة، كما حفظ حق الزوجة، وحق المطلقة، وحق الأرملة، وحق الزوجة في طلب الطلاق أو الخلع إن لم ترغب في استمرار حياتها الزوجية، فلا عشرة بالإكراه، كما حفظ الإسلام حق البنت في الإرث، ولم يترك الإسلام كبيرة ولا صغيرة إلا و بينها، ولكن تواجه المرأة السعودية مشكلة في رفع دعاويها إلى القضاء، فالأعراف الاجتماعية تعتبر البنت التي تشكو في المحكمة أحد أقربائها ليست بنت أصول، والأصيلة هي التي تذهب إلى المحاكم، فالتربية الاجتماعية ربت المرأة في مجتمعنا على التنازلات، وعلى السكوت عن المطالبة بحقوقها، وهذا ضاعف من استبداد الرجل بها، وظلمها، وأخذ حقوقها، حتى نجد بعض الأزواج إن أرادت الزوجة فسخ وكالتها له يهددها بالطلاق إن فعلت ذلك، وإن تجرأت المرأة، ورفعت مظلمتها إلى المحكمة، طالت قضيتها، وأخذت سنوات وسنوات، وقد تصل إلى نتيجة، أو لا تصل.
بعد هذا العرض السريع لهاتين القضيتين لعل الأسئلة التي تفرض نفسها للطرح والمناقشة هي:
-ما الخطط المتبعة في عملية الإصلاح الاجتماعي، وما الأسس التي سنستند عليها في الإصلاح، وماهي آليات تنفيذها ؟
إجابةً عن السؤال الأول أقول: إن عملية الإصلاح الاجتماعي لن تتم إلا بالآتي:
1-تصحيح المفاهيم الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء، وهذا الجانب توليته من خلال كتابة المقالات وتأليف الكتب وإجراء اللقاءات التلفازية، والتحقيقات الصحفية التي تجرى معي، ولي كتاب سيصدر قريباً – إن شاء الله ــ بعنوان " الخطوط الحمراء "، أتحدث فيه عن الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام، وقد نشر على حلقات في ملحق الرسالة الذي يصدر عن جريدة المدينة.
2-مشاركة المرأة في حل قضاياها، بإتاحة الفرص لها بالمشاركة في الحياة العامة، بإعطائها كامل حقوقها السياسية، ومشاركتها في مؤسسات المجتمع المدني، فوجودها في مواقع صنع القرار سيساعدها على حل كثير من مشاكلها، ونيلها كامل حقوقها، كما سيغير من نظرة المجتمع لها.
2-إن حركة الإصلاح الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تستند على المطالبة بحقوق المرأة في الإسلام، والنظر إليها نظرة الإسلام، والنموذج الذي تقتدي به الحركة الإصلاحية الاجتماعية هو العهدين النبوي والراشدي حيث طبق فيها الإسلام التطبيق الأمثل، ونالت فيه المرأة كامل حقوقها، ومارستها، والصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن هن خير قدوة، وخير مثل، والمرأة السعودية لو نالت ما نالته الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن من حقوق لكانت أسعد نساء العالم، فالإسلام هو الذي احترم المرأة، وحفظ كيانها، وأنصفها الإنصاف كله أماً وزوجة، وأختاً وابنة، والحديث عن مكانة المرأة في الإسلام وحقوقها طويل، ويحتاج إلى ساعات طوال.
والمملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً لديها رغبة صادقة وجادة في الإصلاح، وبدأت عملياً في هذا الإصلاح بالآتي:
1-إعطائنا حرية التعبير في أجهز الإعلام المختلفة للتعبير عن مشاكلنا وقضايانا، وتحديد مطالبنا، بل فتحت باب الحوار بيننا، وبين الرجال لنصحح لهم مفاهيمهم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة.
3-إشراكنا في الحوارات الوطنية، وبدأنا في الحوار الوطني الثاني بعشرة نساء، وسنكون في الحوار الثالث إن شاء الله ، والمخصص عن المرأة ثلاثين امرأة مقابل ثلاثين رجلاً.
4-تفعيل المشاركة الشعبية، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، بالموافقة على إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
5-تشكيل المرأة ربع الجمعية العمومية للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وثلث المجلس التنفيذي، وهذه أول مرة تحدث في تاريخ المملكة العربية السعودية.
6-إن وجودي معكم وبينكم الآن كعضوة في الجمعية العمومية، والمجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ذو دلالة هامة تتطلب منا التوقف عندها وتأملها، وهي أنه لأول مرة في تاريخ المرأة السعودية تصبح في موضوع لصنع القرار، وبهذا تكون الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان هي أول من أعطاها هذا الحق الذي سلبه منها المجتمع بحكم سيطرة الأعراف والعادات والتقاليد، والمفاهيم الخاطئة للقوامة أنها قوامة مطلقة، أي كل الرجال قوامون على كل النساء، ووجود المرأة في مواقع صنع القرار يجعل لها القوامة على الرجل، وهذا مفهوم خاطئ، فالقوامة في الإسلام حددها الله عز وجل في قوله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )، فهي محصورة في نطاق الأسرة، ومشروطة بشرطين، هما: ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) بمعنى من هو أهل للقوامة، وليس كل الرجال مؤهلون للقوامة، فقد يكون الزوج أو الأب أو الأخ، أصيب بخلل عقلي، أو بشلل تام مقعد لا يتكلم ولا يتحرك، أو مريض بمرض نفسي لا يؤهله للقيادة والقوامة، أو يكون معتوهاً، أو مدمناً للمخدرات، أو الخمر، أو يكون قاتلاً فاسقاً مجرماً، ففي هذه الأحوال لا يكون مؤهلاً للقوامة.
والشرط الثاني: ( بما أنفقوا من أموالهم ) أي الإنفاق، فمن شروط القوامة الإنفاق على من هو قيم عليها، فالأب لا يكون قيماً على ابنته بمجرد انتقالها إلى بيت الزوجية؛ إذ يصبح زوجها هو القيم عليها، لأنه مسؤول عن نفقتها، وتلبية احتياجاتها.
أما مفهوم الولاية عند الغالبية لدينا أنه لا ولاية لمرأة، لفهمهم الخاطئ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوم الفرس عندما ولوا أمرهم لامرأة لعدم وجود رجال يصلحون للحكم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) فأخذ الأغلبية بعموم اللفظ، وقالوا: "لا ولاية لامرأة" مع أن الحديث جاء بخصوص السبب، ولم يأت لعموم اللفظ لوجود آية تعطي للمرأة حق الولاية لقوله تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) والسنة لا تناقض القرآن، وفيما يختص بالولاية الكبرى، أي تولي المرأة الحكم، فالله جل شأنه أثنى على ملكة سبأ، وأنها امرأة شورية، ولم يستنكر توليها الحكم، وبين أن قومها فلحوا في الدنيا والأخرة بإتباعها لسليمان عليه السلام ودخولها هي وقومها الإسلام، كما كانت دولتها قوية في فترة حكمها لها، يوضح هذا قوله تعالى: (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )، فقال لها قومها: ( قالوا نحن أولوا قوة وألوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ).
من هنا نجد أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قد كسرت حاجزين اجتماعيين كبيرين بإعطاء المرأة حق الولاية بعضويتها في الجمعية العومية، والمجلس التنفيذي في مؤسسة فيها رجال، لأننا لو نظرنا إلى جميع المؤسسات والجمعيات في المملكة التي بها أقسام نسائية لا يسمح للمرأة بعضوية جمعياتها العمومية، ولا مجالس إدارتها، وهذه أول خطوة عملية تخطوها الجمعية في طريق الإصلاح، وهو يؤكد على أن هذه الجمعية جادة في عملية الإصلاح لدرجة أن صاحب فكرة إنشائها، والساعي لجعلها حقيقة على أرض الواقع معالي الدكتور عبد الله بن عبيد والذي كان يرأس الاجتماع الأول للجمعية العمومية، قال عند بدء عملية الانتخاب إن قائمة الأسماء أمامكم، وبإمكانكم انتخاب رئيس الجمعية من أول اسم في القائمة إلى آخر اسم، وهذا يعني أن المرأة لها حق ترشيح نفسها لرئاسة الجمعية، وإن حصلت على غالبية الأصوات ستكون رئيسةً لها، وهذا يؤكد أن وجودنا نحن النساء في هذه الجمعية ليس صورياً، ووجودي الآن بينكم يؤكد هذا، وستلمسون بأنفسكم مدى فعالية دور المرأة في هذه الجمعية، وفي الحوار الوطني أيضاً من خلال الإنجازات التي سنحرزها – إن شاء الله – عبر لجان الجمعية، ومن خلال خطط العمل التي سوف نتقدم بها إليها، ومن المطالب التي سأسعى إلى تحقيقها وتفعيلها – إن شاء الله – من خلال مؤتمر الحوار الوطني القادم المخصص عن المرأة، ومن خلال الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وهذه المطالب التي سبق وأن نقلتها بعض الصحف وألخص هذه المطالب في التالي:
1-توسيع دائرة نطاق عمل المرأة بما ويتناسب مع طبيعتها الأنثوية ووفق ضوابط الشريعة الإسلامية.
2- توليها المناصب القيادية، ومنحها ذات الصلاحيات التي يتمتع بها زميلها الرجل.
3-منحها حق المشاركة السياسية في مختلف المجالات، ومنحها حق العضوية في مجلس الشورى في جميع لجانه بدون استثناء، وأن تكون العضوية في البداية بالتعيين حتى يتقبل المجتمع هذه المشاركة.
4-إنشاء محاكم للأسرة توجد بها هيئات استشارية نسائية مختصة تدرس القضايا المتعلقة بالأسرة، وتحقق فيها، وترفع تقاريرها إلى القضاة الذين ينظرون فيها.
5-أن تتبنى المجامع الفقهية تكوين لجان من علماء الشريعة الإسلامية الكبار ممن لهم باع طويل في الأحكام الشرعية، وكذلك رجال القانون المختصين في قوانين الأحوال الشخصية، لوضع قوانين للأحوال الشخصية مستنبطة من الشريعة الإسلامية، وتكون مهمة القانونيين الصياغة القانونية لها، لتوحد الأحكام القضائية المتعلقة بشؤون الأسرة، ولايترك الحكم فيها إلى اجتهاد القاضي الذي ينظر فيها، فقد يكون مستواها العلمي والفكري محدوداً، وقد يجني بحكمه على مستقبل أسرة بأكملها، كما قد تدخل الواسطات وأمور أخرى في عملية الحكم، ولكن عندما يكون النص مقنناً فلا يستطيع الإفلات منه.
6-إنشاء نقابات مهنية نسائية.
7-إعادة النظر في قوانين عمل المرأة، بحيث يراعى فيها مسؤولياتها الأسرية.
8-إعادة النظر في تعيين المرأة في القرى النائية مما يعرضها إلى مخاطر الاغتصاب وحوادث الطريق، ويهدد الكيان الأسري بالإنهيار لطول ساعات غيابها عن بيتها، وتوفير لها سبل الإقامة المريحة مع محرمها ريثما، يتحقق فيها الإكتفاء الذاتي من بناتها في المرأحل التعليمية المختلفة.
9-توفير وسائل الترفيه والتثقيف للمرأة بما يتفق وتعاليم الشريعة الإسلامية.
10-إعطاء المرأة حق المشاركة في المؤتمرات العربية والعالمية، وإن كان قد أعطيت هذا الحق مؤخراً بمشاركتها في ملتقى التربية والتعليم الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي مؤخراً في بيروت، ومشاركتي في هذا المؤتمر.
11-سفر المرأة البالغة الرشيد غير المتزوجة والأرملة خارج المملكة بدون ورقة إذن ولي الأمر أو الوكيل الذي لا يعيلهما.
12-للمرأة البالغة الرشيد حق تقديم دعاوى قضائية، وإستصدار بطاقة أحوالها، أو جواز سفرها بدون اشتراط وجود أو إذن الولي أو الوكيل.
13-عضوية المرأة العالمة الفقيهة في هيئة كبار العلماء والمجامع الفقيهية، لأن هناك من القضايا، المرأة العالمة الفقيهة أدرى بها من الرجل.
14-فتح كليات تقنية للبنات، وافتتاح أقسام لهن في الإعلام والعلوم السياسية، والهندسة الوراثية.
15-مساواة الطالبات بالطلبة في المعامل وتجهيزاتها والمراجع العلمية في مكتبات كلياتهن .
16-تقرير مادتي مكانة المرأة و حقوقها وواجباتها في الإسلام، والأسرة المسلمة على طلبة وطالبات المراحل الدراسية المتقدمة ليدرك كل من الفتى والفتاة ماله وما عليه.
17-تأمين مواصلات عامة للنساء تربط المدن بأحيائها ومستشفياتها ومدارسها وجامعاتها وكلياتها، و أسواقها وكافة مرافقها، للتمكن المرأة من قضاء مستلزماتها بأمان.
** الخاتمة
أخيراً أقول إن ما تشهده المملكة العربية السعودية الآن من خطوات إصلاحية إنما هي نابعة من داخلنا، ومن رغبة القيادة والحكومة والشعب في العملية الإصلاحية، ففكرة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لم تكن وليدة الأحداث التي نعيشها الآن، وإنما كانت قبل أحداث سبتمبر، وفكرة الحوار الوطني ناديت بها قبل اثني عشر عاماً، وعملية إصلاح المرأة السعودية طالبت بها قبل أكثر من ربع قرن، والذي يقول إن عمليات الإصلاح التي تشهدها المملكة نتيجة لضغوط دولية، أقول إن هذه الإصلاحات تعبر عن رغبة شعبية دعمتها وعززتها القيادة السياسية، ونحن أقدر على إصلاح ما بأنفسنا، وقد اجتمع أكثر من أربعين سيدة يمثلن النخبة من النساء في جميع مناطق المملكة لدراسة محاور الحوار الوطني الثالث الذي خصص عن المرأة، وتكونت ورش عمل لمناقشة المحور الشرعي والاقتصادي والتعليمي، ومحور عمل المرأة، وخرجت كل لجنة بتوصيات، ونوقشت من قبل جميع المشاركات، لترفع إلى مركز الحوار الوطني، فنحن جميعاً جادون في الإصلاح، وستشارك المرأة إن شاء الله في انتخابات المجالس البلدية، كما نجدها رشحت في مجلس إدارة الهيئة الصحفية الأهلية، كل هذا يؤكد أن عملية الإصلاح تسير بخطى وطيدة وسليمة، وفقنا الله جميعاً إلى ما فيه الخير والصلاح والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمين.
أما بعد...
في البداية أشكر منظمة العفو الدولية على دعوتها لي للمشاركة في هذه الإطلاقة، وهذه أول دعوة رسمية توجه ليس لإمرأة سعودية من إحدى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان فقط، وإنما هي أول دعوة رسمية من منظمة دولية توجه إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، هذه الجمعية الحديثة الولادة، و باسم الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وباسمي أشكر من الأعماق منظمة العفو الدولية على اعترافها الرسمي بهذه الجمعية الوليدة، كما أشكرها على هذه الدعوة، وأخصها بالشكر على تقديم دعوتها لي شخصياً.
لا ينكر ذو عقل و بصيرة أن مجتمعنا السعودي كغيره من المجتمعات فيه مواطن خلل، ومبعث الخلل في مجتمعنا السعودي هو نظرته الدونية للمرأة التي ترتب عليها إقصاء المرأة وتهميشها، وذلك لسيطرة بعض الأعراف والتقاليد والعادات المتنافية مع تعاليم الإسلام على مجتمعنا تارة، ولإرضاء أهواء بعض الرجال الذين يريدون بسط سيطرتهم على المرأة، وإذلالها، من جهة تارة ثانية ولسوء فهم بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المطهرة المتعلقة بالنساء؛ إذ أخضفعت تفسيراتها طبقاً للأعراف والتقاليد الجاهلية تارة ثالثة، وكل هذا طفا وظهر على السطح إثر فترات التراجع الحضاري التي نكبت بها الأمة الإسلامية، وعصور الجهل والعزلة التي فؤضت عليها منذ سقوط الدولة العباسية عام 656هـ.
هذا و سأحاول في هذه العجالة أن أتحدث عن قضيتين هامتين:
أولاهما: العنف الأسري ضد المرأة.
ثانيهما: الأنظمة والقوانين التي تعالج بها قضايا المرأة والأسرة في المملكة العربية.
وسأبدأ بالقضية الأولى، وهي العنف الأسري ضد المرأة في الممكلة العربية السعودية، من خلال قراءة سريعة منا إلى واقع المرأة السعودية نجد أنه قد ترتب على سيطرة الأعراف والعادات والتقاليد المتعارضة مع الإسلام، وإلباسهما لباس الإسلام، نظرة الرجل الدونية للمرأة، ومعاملتها معاملة ناقصي الأهلية في الدوائر الحكومية، وإعطاء ولي الأمر، أو الوكيل حقوقاً ليست له تجعل من المرأة ذليلة خاضعة خانعة للرجل، وترتب على هذا أمور جد خطيرة، ألخصها في الآتي:
1- حرمانها من حق التعليم، رغم أن الدولة فتحت للمرأة كل أبواب العلم والمعرفة وهناك أميات صغيرات، بل هناك من أولياء الأمور يحرمون بناتهم وزوجاتهم من حفظ كتاب الله، ويمنعونهن من الالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، وهذا عايشته بنفسي فترة رئاستي للمدارس النسوية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، و لعل ارتفاع نسبة الأمية بين السعوديات، وبلوغها أكثر من 18% خير شاهد على هذا، كما وجود ظاهرة الأميات الصغيرات يدعم هذا القول.
2-حرمانها من حق الإرث في بعض مناطق المملكة العربية السعودية، فالفتاة إن توفي والدها فلا ترثه، ويستأثر به إخواتها الذكور بدعوى حرصهم على عدم خروج أموال أبيهم لأجنبي _ أي خارج العائلة _ أي الزوج، في حين هم متزوجون من أجنبيات _ على حد تعبيرهم، وسيرثنهم، ولكن يحللون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، و يحرمون أخواتهم البنات من حق شرعي شرعه الخالق.
3-حرمانها من حق الولاية على نفسها و على مالها، مما ترتب عليه أمور خطيرة منها:
أ-اعتبر بعض أولياء الأمور أن هؤلاء النسوة الذين لهم حق الولاية عليهن أجسادهن، وأفكارهن، وأموالهن ملك لهم يستبيحونها وقتما شاءوا، فيأخذون من أموالهن ما يريدون، ولا يعطونهن منه إلا ما يريدونه، مع استباحة البعض منهم أجسادهن، فانتهاك المحارم قضية جديرة بالبحث والدراسة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية رغم أن الإسلام يحرمها، إلا أن طبيعة مجتمعاتنا تغطي على هذه الأمور خوفا من الفضيحة، ولكن تغطيتها لا يعني عدم وجودها، وإنما يزيدها تفاقماً، ولا بد من فتح ملفها لمعرفة أسبابها لعلاجها والقضاء عليها.
ب-عضل بعض أولياء الأمور بناتهم أو أخواتهم، بحرمانهن من الزواج حقهن الطبيعي في الحياة، لخدمة مصالحهم الشخصية، طمعاً في رواتبهن، وهناك من الأخوة من يمتنعون عن تزويج أخواتهم ليخدمنهم هم وأولادهم لأنه مطلقون أو أرامل، وعندما يكبر الأولاد، ويتزوج الأخوة، ويستغنون عن أخواتهم يتركونهن وحيدات، و لا يسألون عنهن، ولا يقضون لهن مستلزماتهن، مع أن أمولهن في أيديهم باعتبارم الوكلاء ، وقد تعيش الواحدة منهن في بلد وأخوها يعيش في بلد آخر، ولكن عندما تريد استخراج بطاقة شخصية أو تجديد جواز سفرها، أو السفر خارج المملكة لا يسمح لها إلا بموافقة هذا الولي، أو الوكيل.
4- حرمان المرأة غير المتزوجة، وغير المطلقة، وغير الموظفة من حق الاقتراض من صندوق التنمية العقاري ، وحق استقدام عاملة منزلية أو سائق.
5- عدم العدل بين الزوجات لدى كثير من الأزواج المعددين، والذين يعددون دون مبررات شرعية، ونجد البعض من يمنن على المرأة بزواجه أكثر من واحدة، بدعوى أنه انتشلها البؤس، ومن شبح العنوسة بزواجه منها.
6- تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمع لإصرار بعض القبائل على تزويج بناتها من ذات القبيلة، أو من أبناء العم، أو لعضل البنات من قبل بعض أولياء الأمور، وكذلك تفشي ظاهرة المطلقات الصغيرات، وضياع حقوقهن.
7- تنصل بعض الأزواج من واجب النفقة على زوجاتهم، وبيوتهم اعتماداً على راتب الزوجة، بل ركون بعض الأزواج إلى الدعة و الراحة، والقعود عن العمل، وتولي المرأة الإنفاق عليه وعلى البيت والأسرة.
8- عدم توفر مواصلات عامة للنساء، والاعتماد على السائقين الأجانب، مما يعرض بنات الأسرة على وجه الخصوص إلى مخاطر الاغتصاب والتحرش الجنسي من السائقين، إضافة إلى كثير من المشاكل، وتوجد إحصائية تقول: إن عدد السائقين الأجانب في البيوت السعودية 264 ألف سائق.
9- زواج المسيار، وما يترتب عليه من عدم توفر أركان الزواج و شروطه في الإسلام، وما من امتهان للمرأة ، واعتبار الزواج هو فقط للمتعة الجنسية.
10- إساءة بعض الأزواج لزوجاتهم، وضربهن ضرباً مبرحاً، وضرب الآباء لأولادهم ضرباً مبرحاَ، وهذه الظاهرة موجودة في كل المجتمعات، ففي فرنسا توجد إحصائية تقول إن مليون ونصف مليون امرأة فرنسية يعانين من ضرب الزوج، أو الصديق، ولعل مأساة موت الممثلة الفرنسية الشهيرة " ماري ترنتينيان" إثر تعرضها لضرب من صديقها كشف عن هذه المأساة التي تعيشها المرأة الفرنسية.
هذه باختصار مظاهر العنف الأسري داخل الأسرة السعودية، والتي يترتب عليه حرمان المرأة من كثير من حقوقها المالية كحق التصرف في مالها، إذ المتصرف فيه وكيلها زوجاَ كان أو أخاً، أو ابناً، و ملكيتها لمهرها، فهو خاص بها، ولا يحق للأب أو الزوج صرفه في تأثيث بيت الزوجية، وحرمانها من حق النفقة إن طلقت طلاقاً رجعياً، أو حق الحضانة، وغيرها من الحقوق، وهذا يذهب بنا إلى الحديث عن القضية الثانية، وهي قانون الأحوال الشخصية.
** قانون الأحوال الشخصية
نحن المطبق عندنا الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية كفلت للمرأة كافة حقوقها المالية والمعنوية والمادية، فالإسلام أعطى للمرأة أهلية حقوقية مالية كاملة، مثلها مثل الرجل تماماً، ولها الحق التصرف في مالها كما تشاء دون إذن أحد، كما أعطاها حق الولاية على مالها ملكاً وتنمية واستثماراً، فهي ذات ذمة مالية مستقلة، كما حفظ حق الزوجة، وحق المطلقة، وحق الأرملة، وحق الزوجة في طلب الطلاق أو الخلع إن لم ترغب في استمرار حياتها الزوجية، فلا عشرة بالإكراه، كما حفظ الإسلام حق البنت في الإرث، ولم يترك الإسلام كبيرة ولا صغيرة إلا و بينها، ولكن تواجه المرأة السعودية مشكلة في رفع دعاويها إلى القضاء، فالأعراف الاجتماعية تعتبر البنت التي تشكو في المحكمة أحد أقربائها ليست بنت أصول، والأصيلة هي التي تذهب إلى المحاكم، فالتربية الاجتماعية ربت المرأة في مجتمعنا على التنازلات، وعلى السكوت عن المطالبة بحقوقها، وهذا ضاعف من استبداد الرجل بها، وظلمها، وأخذ حقوقها، حتى نجد بعض الأزواج إن أرادت الزوجة فسخ وكالتها له يهددها بالطلاق إن فعلت ذلك، وإن تجرأت المرأة، ورفعت مظلمتها إلى المحكمة، طالت قضيتها، وأخذت سنوات وسنوات، وقد تصل إلى نتيجة، أو لا تصل.
بعد هذا العرض السريع لهاتين القضيتين لعل الأسئلة التي تفرض نفسها للطرح والمناقشة هي:
-ما الخطط المتبعة في عملية الإصلاح الاجتماعي، وما الأسس التي سنستند عليها في الإصلاح، وماهي آليات تنفيذها ؟
إجابةً عن السؤال الأول أقول: إن عملية الإصلاح الاجتماعي لن تتم إلا بالآتي:
1-تصحيح المفاهيم الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء، وهذا الجانب توليته من خلال كتابة المقالات وتأليف الكتب وإجراء اللقاءات التلفازية، والتحقيقات الصحفية التي تجرى معي، ولي كتاب سيصدر قريباً – إن شاء الله ــ بعنوان " الخطوط الحمراء "، أتحدث فيه عن الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام، وقد نشر على حلقات في ملحق الرسالة الذي يصدر عن جريدة المدينة.
2-مشاركة المرأة في حل قضاياها، بإتاحة الفرص لها بالمشاركة في الحياة العامة، بإعطائها كامل حقوقها السياسية، ومشاركتها في مؤسسات المجتمع المدني، فوجودها في مواقع صنع القرار سيساعدها على حل كثير من مشاكلها، ونيلها كامل حقوقها، كما سيغير من نظرة المجتمع لها.
2-إن حركة الإصلاح الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تستند على المطالبة بحقوق المرأة في الإسلام، والنظر إليها نظرة الإسلام، والنموذج الذي تقتدي به الحركة الإصلاحية الاجتماعية هو العهدين النبوي والراشدي حيث طبق فيها الإسلام التطبيق الأمثل، ونالت فيه المرأة كامل حقوقها، ومارستها، والصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن هن خير قدوة، وخير مثل، والمرأة السعودية لو نالت ما نالته الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن من حقوق لكانت أسعد نساء العالم، فالإسلام هو الذي احترم المرأة، وحفظ كيانها، وأنصفها الإنصاف كله أماً وزوجة، وأختاً وابنة، والحديث عن مكانة المرأة في الإسلام وحقوقها طويل، ويحتاج إلى ساعات طوال.
والمملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً لديها رغبة صادقة وجادة في الإصلاح، وبدأت عملياً في هذا الإصلاح بالآتي:
1-إعطائنا حرية التعبير في أجهز الإعلام المختلفة للتعبير عن مشاكلنا وقضايانا، وتحديد مطالبنا، بل فتحت باب الحوار بيننا، وبين الرجال لنصحح لهم مفاهيمهم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة.
3-إشراكنا في الحوارات الوطنية، وبدأنا في الحوار الوطني الثاني بعشرة نساء، وسنكون في الحوار الثالث إن شاء الله ، والمخصص عن المرأة ثلاثين امرأة مقابل ثلاثين رجلاً.
4-تفعيل المشاركة الشعبية، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، بالموافقة على إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
5-تشكيل المرأة ربع الجمعية العمومية للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وثلث المجلس التنفيذي، وهذه أول مرة تحدث في تاريخ المملكة العربية السعودية.
6-إن وجودي معكم وبينكم الآن كعضوة في الجمعية العمومية، والمجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ذو دلالة هامة تتطلب منا التوقف عندها وتأملها، وهي أنه لأول مرة في تاريخ المرأة السعودية تصبح في موضوع لصنع القرار، وبهذا تكون الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان هي أول من أعطاها هذا الحق الذي سلبه منها المجتمع بحكم سيطرة الأعراف والعادات والتقاليد، والمفاهيم الخاطئة للقوامة أنها قوامة مطلقة، أي كل الرجال قوامون على كل النساء، ووجود المرأة في مواقع صنع القرار يجعل لها القوامة على الرجل، وهذا مفهوم خاطئ، فالقوامة في الإسلام حددها الله عز وجل في قوله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )، فهي محصورة في نطاق الأسرة، ومشروطة بشرطين، هما: ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) بمعنى من هو أهل للقوامة، وليس كل الرجال مؤهلون للقوامة، فقد يكون الزوج أو الأب أو الأخ، أصيب بخلل عقلي، أو بشلل تام مقعد لا يتكلم ولا يتحرك، أو مريض بمرض نفسي لا يؤهله للقيادة والقوامة، أو يكون معتوهاً، أو مدمناً للمخدرات، أو الخمر، أو يكون قاتلاً فاسقاً مجرماً، ففي هذه الأحوال لا يكون مؤهلاً للقوامة.
والشرط الثاني: ( بما أنفقوا من أموالهم ) أي الإنفاق، فمن شروط القوامة الإنفاق على من هو قيم عليها، فالأب لا يكون قيماً على ابنته بمجرد انتقالها إلى بيت الزوجية؛ إذ يصبح زوجها هو القيم عليها، لأنه مسؤول عن نفقتها، وتلبية احتياجاتها.
أما مفهوم الولاية عند الغالبية لدينا أنه لا ولاية لمرأة، لفهمهم الخاطئ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوم الفرس عندما ولوا أمرهم لامرأة لعدم وجود رجال يصلحون للحكم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) فأخذ الأغلبية بعموم اللفظ، وقالوا: "لا ولاية لامرأة" مع أن الحديث جاء بخصوص السبب، ولم يأت لعموم اللفظ لوجود آية تعطي للمرأة حق الولاية لقوله تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) والسنة لا تناقض القرآن، وفيما يختص بالولاية الكبرى، أي تولي المرأة الحكم، فالله جل شأنه أثنى على ملكة سبأ، وأنها امرأة شورية، ولم يستنكر توليها الحكم، وبين أن قومها فلحوا في الدنيا والأخرة بإتباعها لسليمان عليه السلام ودخولها هي وقومها الإسلام، كما كانت دولتها قوية في فترة حكمها لها، يوضح هذا قوله تعالى: (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )، فقال لها قومها: ( قالوا نحن أولوا قوة وألوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ).
من هنا نجد أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قد كسرت حاجزين اجتماعيين كبيرين بإعطاء المرأة حق الولاية بعضويتها في الجمعية العومية، والمجلس التنفيذي في مؤسسة فيها رجال، لأننا لو نظرنا إلى جميع المؤسسات والجمعيات في المملكة التي بها أقسام نسائية لا يسمح للمرأة بعضوية جمعياتها العمومية، ولا مجالس إدارتها، وهذه أول خطوة عملية تخطوها الجمعية في طريق الإصلاح، وهو يؤكد على أن هذه الجمعية جادة في عملية الإصلاح لدرجة أن صاحب فكرة إنشائها، والساعي لجعلها حقيقة على أرض الواقع معالي الدكتور عبد الله بن عبيد والذي كان يرأس الاجتماع الأول للجمعية العمومية، قال عند بدء عملية الانتخاب إن قائمة الأسماء أمامكم، وبإمكانكم انتخاب رئيس الجمعية من أول اسم في القائمة إلى آخر اسم، وهذا يعني أن المرأة لها حق ترشيح نفسها لرئاسة الجمعية، وإن حصلت على غالبية الأصوات ستكون رئيسةً لها، وهذا يؤكد أن وجودنا نحن النساء في هذه الجمعية ليس صورياً، ووجودي الآن بينكم يؤكد هذا، وستلمسون بأنفسكم مدى فعالية دور المرأة في هذه الجمعية، وفي الحوار الوطني أيضاً من خلال الإنجازات التي سنحرزها – إن شاء الله – عبر لجان الجمعية، ومن خلال خطط العمل التي سوف نتقدم بها إليها، ومن المطالب التي سأسعى إلى تحقيقها وتفعيلها – إن شاء الله – من خلال مؤتمر الحوار الوطني القادم المخصص عن المرأة، ومن خلال الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وهذه المطالب التي سبق وأن نقلتها بعض الصحف وألخص هذه المطالب في التالي:
1-توسيع دائرة نطاق عمل المرأة بما ويتناسب مع طبيعتها الأنثوية ووفق ضوابط الشريعة الإسلامية.
2- توليها المناصب القيادية، ومنحها ذات الصلاحيات التي يتمتع بها زميلها الرجل.
3-منحها حق المشاركة السياسية في مختلف المجالات، ومنحها حق العضوية في مجلس الشورى في جميع لجانه بدون استثناء، وأن تكون العضوية في البداية بالتعيين حتى يتقبل المجتمع هذه المشاركة.
4-إنشاء محاكم للأسرة توجد بها هيئات استشارية نسائية مختصة تدرس القضايا المتعلقة بالأسرة، وتحقق فيها، وترفع تقاريرها إلى القضاة الذين ينظرون فيها.
5-أن تتبنى المجامع الفقهية تكوين لجان من علماء الشريعة الإسلامية الكبار ممن لهم باع طويل في الأحكام الشرعية، وكذلك رجال القانون المختصين في قوانين الأحوال الشخصية، لوضع قوانين للأحوال الشخصية مستنبطة من الشريعة الإسلامية، وتكون مهمة القانونيين الصياغة القانونية لها، لتوحد الأحكام القضائية المتعلقة بشؤون الأسرة، ولايترك الحكم فيها إلى اجتهاد القاضي الذي ينظر فيها، فقد يكون مستواها العلمي والفكري محدوداً، وقد يجني بحكمه على مستقبل أسرة بأكملها، كما قد تدخل الواسطات وأمور أخرى في عملية الحكم، ولكن عندما يكون النص مقنناً فلا يستطيع الإفلات منه.
6-إنشاء نقابات مهنية نسائية.
7-إعادة النظر في قوانين عمل المرأة، بحيث يراعى فيها مسؤولياتها الأسرية.
8-إعادة النظر في تعيين المرأة في القرى النائية مما يعرضها إلى مخاطر الاغتصاب وحوادث الطريق، ويهدد الكيان الأسري بالإنهيار لطول ساعات غيابها عن بيتها، وتوفير لها سبل الإقامة المريحة مع محرمها ريثما، يتحقق فيها الإكتفاء الذاتي من بناتها في المرأحل التعليمية المختلفة.
9-توفير وسائل الترفيه والتثقيف للمرأة بما يتفق وتعاليم الشريعة الإسلامية.
10-إعطاء المرأة حق المشاركة في المؤتمرات العربية والعالمية، وإن كان قد أعطيت هذا الحق مؤخراً بمشاركتها في ملتقى التربية والتعليم الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي مؤخراً في بيروت، ومشاركتي في هذا المؤتمر.
11-سفر المرأة البالغة الرشيد غير المتزوجة والأرملة خارج المملكة بدون ورقة إذن ولي الأمر أو الوكيل الذي لا يعيلهما.
12-للمرأة البالغة الرشيد حق تقديم دعاوى قضائية، وإستصدار بطاقة أحوالها، أو جواز سفرها بدون اشتراط وجود أو إذن الولي أو الوكيل.
13-عضوية المرأة العالمة الفقيهة في هيئة كبار العلماء والمجامع الفقيهية، لأن هناك من القضايا، المرأة العالمة الفقيهة أدرى بها من الرجل.
14-فتح كليات تقنية للبنات، وافتتاح أقسام لهن في الإعلام والعلوم السياسية، والهندسة الوراثية.
15-مساواة الطالبات بالطلبة في المعامل وتجهيزاتها والمراجع العلمية في مكتبات كلياتهن .
16-تقرير مادتي مكانة المرأة و حقوقها وواجباتها في الإسلام، والأسرة المسلمة على طلبة وطالبات المراحل الدراسية المتقدمة ليدرك كل من الفتى والفتاة ماله وما عليه.
17-تأمين مواصلات عامة للنساء تربط المدن بأحيائها ومستشفياتها ومدارسها وجامعاتها وكلياتها، و أسواقها وكافة مرافقها، للتمكن المرأة من قضاء مستلزماتها بأمان.
** الخاتمة
أخيراً أقول إن ما تشهده المملكة العربية السعودية الآن من خطوات إصلاحية إنما هي نابعة من داخلنا، ومن رغبة القيادة والحكومة والشعب في العملية الإصلاحية، ففكرة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لم تكن وليدة الأحداث التي نعيشها الآن، وإنما كانت قبل أحداث سبتمبر، وفكرة الحوار الوطني ناديت بها قبل اثني عشر عاماً، وعملية إصلاح المرأة السعودية طالبت بها قبل أكثر من ربع قرن، والذي يقول إن عمليات الإصلاح التي تشهدها المملكة نتيجة لضغوط دولية، أقول إن هذه الإصلاحات تعبر عن رغبة شعبية دعمتها وعززتها القيادة السياسية، ونحن أقدر على إصلاح ما بأنفسنا، وقد اجتمع أكثر من أربعين سيدة يمثلن النخبة من النساء في جميع مناطق المملكة لدراسة محاور الحوار الوطني الثالث الذي خصص عن المرأة، وتكونت ورش عمل لمناقشة المحور الشرعي والاقتصادي والتعليمي، ومحور عمل المرأة، وخرجت كل لجنة بتوصيات، ونوقشت من قبل جميع المشاركات، لترفع إلى مركز الحوار الوطني، فنحن جميعاً جادون في الإصلاح، وستشارك المرأة إن شاء الله في انتخابات المجالس البلدية، كما نجدها رشحت في مجلس إدارة الهيئة الصحفية الأهلية، كل هذا يؤكد أن عملية الإصلاح تسير بخطى وطيدة وسليمة، وفقنا الله جميعاً إلى ما فيه الخير والصلاح والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.