احسـ العالم ـاس
09-08-2003, 10:47 PM
9
أنهى فريق تابع للسفارة الأميركية في الرياض استجواب السعودي عمر البيومي الذي واجه التحقيق سابقاً في الولايات المتحدة وبريطانيا.
ومع ان السلطات الأميركية أخلت سبيله منذ مدة، إلا أن الحكومة السعودية سمحت باستجوابه مرة ثالثة بهدف تحديد دوره وتبرئته من الاتهامات التي حملها تقرير لجنة الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ، خصوصاً أن المقاطع المحذوفة بالحبر الأسود والتي تشمل 28 صفحة من أصل 900، تركت للمخيلات الخصبة فرصة تسريب اجتهادات لا تمت الى الحقيقة بصلة. وخشية أن تفتح الصفحات السود مجال التأويل والتفسير، سارعت السعودية الى المطالبة بضرورة نشر المقاطع المحذوفة، معلنة عن استعدادها لتوضيح كل المعلومات المرتبطة بعلاقتها مع الولايات المتحدة.
وانتقد الأمير سلطان بن عبدالعزيز التقرير "لكونه يحمل رأي اثنين أو ثلاثة من أعضاء اللجنة الذين دأبوا على مهاجمة المملكة لأسباب معروفة"، مؤكداً ان الرئيس بوش وجميع أعضاء الكونغرس لا يوافقون على هذه السفاهات. وحرص وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل أثناء اجتماعه بالرئيس بوش في واشنطن، على المطالبة بضرورة نشر المقاطع المحذوفة من تقرير الكونغرس لكي يتسنى للمسؤولين السعوديين الرد عليها. وقال ان المصارحة في مثل هذه المسائل المعقدة تسمح للشعبين الأميركي والسعودي بالتعاطي مع مشكلة الارهاب بموضوعية وتفهّم، خصوصاً إذا كُشفت كل الأوراق الملغاة. وادعى الرئيس بوش ان البيت الأبيض امتنع عن نشر الأجزاء المحذوفة لأسباب تمس الأمن القومي الأميركي. وكان واضحاً ان جواب الرئيس ضاعف من حجم الالتباس والغموض، لأن مسألة الأمن القومي تعتبر المشجب السياسي الذي تعلق عليه الإدارة كل الحجج الواهية.
وهكذا استغل السناتور بوب غراهام ـ أحد مرشحي الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة ـ الجدل القائم ليطالب بنشر الفصل المحذوف لأن ذلك، في رأيه، يساعد على مراجعة وتقويم العلاقة السعودية ـ الأميركية. وهذا ما أشار اليه في تعليقه السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، الذي وصف الصفحات المحذوفة، بأنها "شائعات يستخدمها البعض للاساءة والافتراء على شعب المملكة".
تقول مصادر مطلعة في واشنطن ان الصفحات المحذوفة تتطرق الى سلسلة مواضيع خارجية بينها موضوع "طالبان" و"القاعدة". وتحت عنوان "نتائج مناقشات بعض قضايا الأمن القومي الحساسة"، تروي هذه الصفحات حكاية المساعدة المالية التي قدمها الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السابق والسفير الحالي للسعودية في لندن، لـ"طالبان"، أي المساعدة التي بلغت 11 مليون دولار دفعت لشراء أجهزة اتصالات متطورة من اليابان. والملاحظ ان التقرير اهمل ذكر تاريخ تقديم المساعدة لكي لا يحرج الادارة الأميركية السابقة، التي ساهمت سياسياً وعملياً ومادياً في خلق "طالبان" وتوفير أفضل الظروف الديبلوماسية الملائمة للاعتراف بها. وكان واضحاً من طريقة عرض المعلومات ان لجنة الصياغة تجاهلت ذكر التوقيت لكي توحي للرأي العام الأميركي ان المساعدة قدمت عقب انفجار الخلاف بين واشنطن و"طالبان". وفي جزء آخر من الصفحات المحذوفة يدعي مصدر مسؤول في الادارة الأميركية ان الحكومة السعودية رفضت التعاون منذ سنة 1996 بشأن أمور تتعلق بأسامة بن لادن.
في حديث شامل مع القناة التلفزيونية البريطانية الرابعة، أجاب السفير الأمير تركي الفيصل على الأسئلة المتعلقة بدوره ودور المملكة، فقال: "نحن جميعاً في المملكة غاضبون من هذا التقرير. ذلك ان مضمونه يتعارض مع موقف الرئيس بوش الذي أعرب مراراً عن امتنانه لتعاون المملكة مع الولايات المتحدة في مواجهة الارهاب. من هنا نطالب بضرورة نشر الأجزاء المحذوفة كي يتسنى لنا الاطلاع عليها ومناقشتها". وفي حديث آخر مع الاذاعة الايرلندية اعترف الأمير السفير تركي الفيصل ان بلاده تعاونت مع واشنطن في موضوع مكافحة الارهاب، حتى قبل احداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001. وأعلن انه انتقل الى كابول آخر مرة ليجتمع بالمسؤولين في حركة "طالبان" ويدعوهم الى تسليم أسامة بن لادن بحيث تتم محاكمته في السعودية.
في الجزء الأخير من الصفحات الـ28 تتناول لجنة وضع التقرير مسألة تمويل الحركات الدينية، متهمة المملكة باستخدام الجمعيات الانسانية والخيرية للتسلل الى المواقع الحساسة بحيث أصبحت التبرعات السخية مصدر تهديد جدي للأمن القومي الأميركي. وتشير بعض المقاطع الى المساعدات الخيرية التي قدمتها حرم السفير السعودي في واشنطن، وكيف وجدت هذه التبرعات طريقها الى بعض منفذي هجمات 11 أيلول. وتزامن نشر هذا التقرير مع حادث اعتقال سبعة أشخاص اتهمهم مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) بتمويل الارهاب لكونهم قدموا دعماً لمنظمة "العسكر الطيبة" التي تضم متشددين مسلمين من كشمير الهندية. وقبل التأكد من هوياتهم سارع رئيس قسم الشؤون القانونية في وزارة الخزانة الأميركية ديفيد اوفهاوسر، الى اتهام السعودية "بتمويل حركات وهابية ببلايين الدولارات، الأمر الذي يؤدي الى نقل تأثيرها ونفوذها الى الولايات المتحدة". ودعمه في هذا المنطق عدد من شيوخ الكونغرس وخبراء في القطاع الخاص اعلنوا بلسان رئيس اللجنة القضائية السناتور الجمهوري جون كيل، "ان المشكلة التي تواجهها أميركا تتمثل في قيام دولة ترعى ارهابيي الايديولوجيات المتطرفة، وتمولهم، وتؤمن لهم مكان التجنيد والبنى التحتية".
وأخذ التقرير على ادارتي بوش وسلفه كلينتون أنهما لم تحاولا عرقلة الشبكة المالية لتنظيم "القاعدة" عندما قررت اجهزة الاستخبارات ضربها عام 1997. وحملت اللجنة أيضاً مكتب التحقيقات الفيديرالي المسؤولية لعدم متابعة الاتهامات ضد الأفراد السعوديين، بما في ذلك مجموعة من رجال الأعمال والشخصيات الدينية.
وواضح من الايحاءات السياسية ان لجنة الصياغة تعمدت الاشارة الى الرئيسين بوش وكلينتون، واعتبرت تصرفهما محابياً للسعودية، الأمر الذي أوقع الأذى لاحقاً. ويبدو أن قرار البيت الأبيض بحذف الصفحات المسيئة للمملكة، نابع من حاجة الرئيس بوش الى الحفاظ على خيط الثقة والتعاون مع المملكة، اضافة الى الشعور بأن لجنة الكونغرس تريد توظيف مواقفه المترددة لشن حملة تشهير ضده. وخشية أن يستغل معارضو التقارب الأميركي ـ السعودي هذه الثغرات من أجل توسيع هوة الاختلاف، وصف وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل اتهامات الكونغرس بأنها "خطيرة... وخطيرة جداً لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها". والسبب ان تدخل البيت الأبيض لحذف 28 صفحة يعتبرها مسيئة للأمن القومي، لا يعني ان هذه الصفحات ستحذف من التقرير الأصلي. ومعنى هذا ان اتهاماتها ستظل معلقة فوق رؤوس المسؤولين السعوديين مثل سيف ديموكليس، وان الكونغرس يستطيع اعتمادها كمعلومات ثابتة ما لم تعمل المملكة على توضيحها وازالتها. والمعروف ان هناك دعوى جماعية رفعت باسم مئتي رجل أعمال سعودي قامت السلطات الأميركية بتجميد أموالهم من دون سند قانوني أو تهمة مباشرة. ويتوقع محامون أميركيون من أصول عربية، أن يستخدم القضاء تقرير الكونغرس لكي يكرر ما فعله ضد الايرانيين بعد احتجاز رهائن السفارة في طهران، أو ما فعله ضد ليبيا إثر حادثة لوكربي.
ولقد اعترف أكثر من مسؤول ليبي ان بلاده اضطرت الى اجراء تسوية مع واشنطن، ارتضت بموجبها لأن تدفع تعويضات تقدر قيمتها بثلاثة بلايين دولار كثمن لرفع الحظر والحصار. وفي السنة الماضية رفع ستمئة شخص من ذوي ضحايا هجمات 11 أيلول، دعوى جماعية ضد شخصيات ومصارف سعودية ودولة السودان، مطالبين بتعويضات خيالية وأرقام فلكية وصلت الى 113 تريليون دولار. واستناداً الى دراسة طبية نشرها هذا الاسبوع الباحث فيليب لاندريغان، فإن دعوى جماعية يجري اعدادها في مكتب أحد محامي واشنطن ضد السعودية. وتظهر الدراسة ان النساء الحوامل (182) اللواتي كن في محيط مبنى التجارة العالمية لدى وقوع الهجوم، تعرضن لانجاب أطفال أصغر حجماً مرتين أكثر من اللواتي كن في مانهاتن الشمالية. كل ذلك بسبب الغبار والدخان الكثيف.
ولا يستبعد أن تضم هذه الدراسة الى تقرير الكونغرس بعدما ثبت ان الدعاوى الجماعية أصبحت عملاً مربحاً في الولايات المتحدة. والشاهد على ذلك ان القضية المرفوعة ضد شركات التبغ انتهت بتسوية قدرت بـ145 بليون دولار للمدعين في ولاية فلوريدا وحدها.
ما هي العبرة المستقاة من كل ما تقدم؟
وهل صحيح ان الادارة الأميركية تتحرك في فراغ، أم ان هناك خطة مرسومة لدفع الأمور الى زاوية الاختلاف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؟
يؤكد خبراء الدفاع ان السرعة التي حُسمت بها حرب العراق، أعطت فريق الصقور في البيت الأبيض قوة اضافية استغلها لتحقيق استراتيجيته. ويتمثل هذا الفريق بديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز وكوندوليزا رايس. أي الفريق الذي تطلق عليه الصحافة لقب "المحافظون الجدد". ويلتقي هؤلاء في نظرة متشابهة لدور أميركا، مع ايديولوجية اليمين الليكودي الاسرائيلي المطالب بتغيير خريطة الشرق الأوسط. ويرى هذا الفريق ان المجتمع العراقي ـ وليس السعودي ـ مرشح لأن يكون قاعدة واسعة لنشر القيم الديموقراطية والحرية والثقافة الغربية. وهو يتطلع الى المملكة العربية السعودية، كما يتطلع الى الفاتيكان، أي كمصدر لنشر دعوة دينية يصعب تغيير قواعدها الراسخة ومنطلقاتها الثابتة بحيث تصبح يابان عربية. وبناء على هذه النظرة شجع الليكوديون عملية ضرب العراق من خلال منظور أميركي ـ اسرائيلي مشترك يتحرك تحت شعار "بناك"، أي "المشروع لقرن اميركي جديد". ويستثني هذا المشروع دولتين من التغيير هما تركيا واسرائيل، بسبب ارتباطهما الاستراتيجي بواشنطن ونجاحهما المتواصل في استئصال شأفة الارهاب!
وباتجاه هذا المنحى كتبت مجلة "لونوفيل اوبزرفاتور" الفرنسية تحليلاً قالت فيه ان احتلال العراق هدفه تطويق السعودية. ذلك انه البلد العربي الضامن لاستئناف الصادرات النفطية الضرورية في حال توقف الضخ من آبار المملكة. ومن المؤكد ان نشر قواعـــد عسكرية فوق أرضه سيضــــع ايران والسعودية وسورية والأردن تحت مظلة التهديد المتواصل. لهذه الأسباب وسواهـــــا شجعـــــت اسرائيل بواسطة "المحافظين الجدد" قرار ضرب العراق لكي تقربه منها وتبعد السعوديــــة عن الولايـــات المتحـــدة!
أنهى فريق تابع للسفارة الأميركية في الرياض استجواب السعودي عمر البيومي الذي واجه التحقيق سابقاً في الولايات المتحدة وبريطانيا.
ومع ان السلطات الأميركية أخلت سبيله منذ مدة، إلا أن الحكومة السعودية سمحت باستجوابه مرة ثالثة بهدف تحديد دوره وتبرئته من الاتهامات التي حملها تقرير لجنة الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ، خصوصاً أن المقاطع المحذوفة بالحبر الأسود والتي تشمل 28 صفحة من أصل 900، تركت للمخيلات الخصبة فرصة تسريب اجتهادات لا تمت الى الحقيقة بصلة. وخشية أن تفتح الصفحات السود مجال التأويل والتفسير، سارعت السعودية الى المطالبة بضرورة نشر المقاطع المحذوفة، معلنة عن استعدادها لتوضيح كل المعلومات المرتبطة بعلاقتها مع الولايات المتحدة.
وانتقد الأمير سلطان بن عبدالعزيز التقرير "لكونه يحمل رأي اثنين أو ثلاثة من أعضاء اللجنة الذين دأبوا على مهاجمة المملكة لأسباب معروفة"، مؤكداً ان الرئيس بوش وجميع أعضاء الكونغرس لا يوافقون على هذه السفاهات. وحرص وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل أثناء اجتماعه بالرئيس بوش في واشنطن، على المطالبة بضرورة نشر المقاطع المحذوفة من تقرير الكونغرس لكي يتسنى للمسؤولين السعوديين الرد عليها. وقال ان المصارحة في مثل هذه المسائل المعقدة تسمح للشعبين الأميركي والسعودي بالتعاطي مع مشكلة الارهاب بموضوعية وتفهّم، خصوصاً إذا كُشفت كل الأوراق الملغاة. وادعى الرئيس بوش ان البيت الأبيض امتنع عن نشر الأجزاء المحذوفة لأسباب تمس الأمن القومي الأميركي. وكان واضحاً ان جواب الرئيس ضاعف من حجم الالتباس والغموض، لأن مسألة الأمن القومي تعتبر المشجب السياسي الذي تعلق عليه الإدارة كل الحجج الواهية.
وهكذا استغل السناتور بوب غراهام ـ أحد مرشحي الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة ـ الجدل القائم ليطالب بنشر الفصل المحذوف لأن ذلك، في رأيه، يساعد على مراجعة وتقويم العلاقة السعودية ـ الأميركية. وهذا ما أشار اليه في تعليقه السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، الذي وصف الصفحات المحذوفة، بأنها "شائعات يستخدمها البعض للاساءة والافتراء على شعب المملكة".
تقول مصادر مطلعة في واشنطن ان الصفحات المحذوفة تتطرق الى سلسلة مواضيع خارجية بينها موضوع "طالبان" و"القاعدة". وتحت عنوان "نتائج مناقشات بعض قضايا الأمن القومي الحساسة"، تروي هذه الصفحات حكاية المساعدة المالية التي قدمها الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السابق والسفير الحالي للسعودية في لندن، لـ"طالبان"، أي المساعدة التي بلغت 11 مليون دولار دفعت لشراء أجهزة اتصالات متطورة من اليابان. والملاحظ ان التقرير اهمل ذكر تاريخ تقديم المساعدة لكي لا يحرج الادارة الأميركية السابقة، التي ساهمت سياسياً وعملياً ومادياً في خلق "طالبان" وتوفير أفضل الظروف الديبلوماسية الملائمة للاعتراف بها. وكان واضحاً من طريقة عرض المعلومات ان لجنة الصياغة تجاهلت ذكر التوقيت لكي توحي للرأي العام الأميركي ان المساعدة قدمت عقب انفجار الخلاف بين واشنطن و"طالبان". وفي جزء آخر من الصفحات المحذوفة يدعي مصدر مسؤول في الادارة الأميركية ان الحكومة السعودية رفضت التعاون منذ سنة 1996 بشأن أمور تتعلق بأسامة بن لادن.
في حديث شامل مع القناة التلفزيونية البريطانية الرابعة، أجاب السفير الأمير تركي الفيصل على الأسئلة المتعلقة بدوره ودور المملكة، فقال: "نحن جميعاً في المملكة غاضبون من هذا التقرير. ذلك ان مضمونه يتعارض مع موقف الرئيس بوش الذي أعرب مراراً عن امتنانه لتعاون المملكة مع الولايات المتحدة في مواجهة الارهاب. من هنا نطالب بضرورة نشر الأجزاء المحذوفة كي يتسنى لنا الاطلاع عليها ومناقشتها". وفي حديث آخر مع الاذاعة الايرلندية اعترف الأمير السفير تركي الفيصل ان بلاده تعاونت مع واشنطن في موضوع مكافحة الارهاب، حتى قبل احداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001. وأعلن انه انتقل الى كابول آخر مرة ليجتمع بالمسؤولين في حركة "طالبان" ويدعوهم الى تسليم أسامة بن لادن بحيث تتم محاكمته في السعودية.
في الجزء الأخير من الصفحات الـ28 تتناول لجنة وضع التقرير مسألة تمويل الحركات الدينية، متهمة المملكة باستخدام الجمعيات الانسانية والخيرية للتسلل الى المواقع الحساسة بحيث أصبحت التبرعات السخية مصدر تهديد جدي للأمن القومي الأميركي. وتشير بعض المقاطع الى المساعدات الخيرية التي قدمتها حرم السفير السعودي في واشنطن، وكيف وجدت هذه التبرعات طريقها الى بعض منفذي هجمات 11 أيلول. وتزامن نشر هذا التقرير مع حادث اعتقال سبعة أشخاص اتهمهم مكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) بتمويل الارهاب لكونهم قدموا دعماً لمنظمة "العسكر الطيبة" التي تضم متشددين مسلمين من كشمير الهندية. وقبل التأكد من هوياتهم سارع رئيس قسم الشؤون القانونية في وزارة الخزانة الأميركية ديفيد اوفهاوسر، الى اتهام السعودية "بتمويل حركات وهابية ببلايين الدولارات، الأمر الذي يؤدي الى نقل تأثيرها ونفوذها الى الولايات المتحدة". ودعمه في هذا المنطق عدد من شيوخ الكونغرس وخبراء في القطاع الخاص اعلنوا بلسان رئيس اللجنة القضائية السناتور الجمهوري جون كيل، "ان المشكلة التي تواجهها أميركا تتمثل في قيام دولة ترعى ارهابيي الايديولوجيات المتطرفة، وتمولهم، وتؤمن لهم مكان التجنيد والبنى التحتية".
وأخذ التقرير على ادارتي بوش وسلفه كلينتون أنهما لم تحاولا عرقلة الشبكة المالية لتنظيم "القاعدة" عندما قررت اجهزة الاستخبارات ضربها عام 1997. وحملت اللجنة أيضاً مكتب التحقيقات الفيديرالي المسؤولية لعدم متابعة الاتهامات ضد الأفراد السعوديين، بما في ذلك مجموعة من رجال الأعمال والشخصيات الدينية.
وواضح من الايحاءات السياسية ان لجنة الصياغة تعمدت الاشارة الى الرئيسين بوش وكلينتون، واعتبرت تصرفهما محابياً للسعودية، الأمر الذي أوقع الأذى لاحقاً. ويبدو أن قرار البيت الأبيض بحذف الصفحات المسيئة للمملكة، نابع من حاجة الرئيس بوش الى الحفاظ على خيط الثقة والتعاون مع المملكة، اضافة الى الشعور بأن لجنة الكونغرس تريد توظيف مواقفه المترددة لشن حملة تشهير ضده. وخشية أن يستغل معارضو التقارب الأميركي ـ السعودي هذه الثغرات من أجل توسيع هوة الاختلاف، وصف وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل اتهامات الكونغرس بأنها "خطيرة... وخطيرة جداً لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها". والسبب ان تدخل البيت الأبيض لحذف 28 صفحة يعتبرها مسيئة للأمن القومي، لا يعني ان هذه الصفحات ستحذف من التقرير الأصلي. ومعنى هذا ان اتهاماتها ستظل معلقة فوق رؤوس المسؤولين السعوديين مثل سيف ديموكليس، وان الكونغرس يستطيع اعتمادها كمعلومات ثابتة ما لم تعمل المملكة على توضيحها وازالتها. والمعروف ان هناك دعوى جماعية رفعت باسم مئتي رجل أعمال سعودي قامت السلطات الأميركية بتجميد أموالهم من دون سند قانوني أو تهمة مباشرة. ويتوقع محامون أميركيون من أصول عربية، أن يستخدم القضاء تقرير الكونغرس لكي يكرر ما فعله ضد الايرانيين بعد احتجاز رهائن السفارة في طهران، أو ما فعله ضد ليبيا إثر حادثة لوكربي.
ولقد اعترف أكثر من مسؤول ليبي ان بلاده اضطرت الى اجراء تسوية مع واشنطن، ارتضت بموجبها لأن تدفع تعويضات تقدر قيمتها بثلاثة بلايين دولار كثمن لرفع الحظر والحصار. وفي السنة الماضية رفع ستمئة شخص من ذوي ضحايا هجمات 11 أيلول، دعوى جماعية ضد شخصيات ومصارف سعودية ودولة السودان، مطالبين بتعويضات خيالية وأرقام فلكية وصلت الى 113 تريليون دولار. واستناداً الى دراسة طبية نشرها هذا الاسبوع الباحث فيليب لاندريغان، فإن دعوى جماعية يجري اعدادها في مكتب أحد محامي واشنطن ضد السعودية. وتظهر الدراسة ان النساء الحوامل (182) اللواتي كن في محيط مبنى التجارة العالمية لدى وقوع الهجوم، تعرضن لانجاب أطفال أصغر حجماً مرتين أكثر من اللواتي كن في مانهاتن الشمالية. كل ذلك بسبب الغبار والدخان الكثيف.
ولا يستبعد أن تضم هذه الدراسة الى تقرير الكونغرس بعدما ثبت ان الدعاوى الجماعية أصبحت عملاً مربحاً في الولايات المتحدة. والشاهد على ذلك ان القضية المرفوعة ضد شركات التبغ انتهت بتسوية قدرت بـ145 بليون دولار للمدعين في ولاية فلوريدا وحدها.
ما هي العبرة المستقاة من كل ما تقدم؟
وهل صحيح ان الادارة الأميركية تتحرك في فراغ، أم ان هناك خطة مرسومة لدفع الأمور الى زاوية الاختلاف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؟
يؤكد خبراء الدفاع ان السرعة التي حُسمت بها حرب العراق، أعطت فريق الصقور في البيت الأبيض قوة اضافية استغلها لتحقيق استراتيجيته. ويتمثل هذا الفريق بديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز وكوندوليزا رايس. أي الفريق الذي تطلق عليه الصحافة لقب "المحافظون الجدد". ويلتقي هؤلاء في نظرة متشابهة لدور أميركا، مع ايديولوجية اليمين الليكودي الاسرائيلي المطالب بتغيير خريطة الشرق الأوسط. ويرى هذا الفريق ان المجتمع العراقي ـ وليس السعودي ـ مرشح لأن يكون قاعدة واسعة لنشر القيم الديموقراطية والحرية والثقافة الغربية. وهو يتطلع الى المملكة العربية السعودية، كما يتطلع الى الفاتيكان، أي كمصدر لنشر دعوة دينية يصعب تغيير قواعدها الراسخة ومنطلقاتها الثابتة بحيث تصبح يابان عربية. وبناء على هذه النظرة شجع الليكوديون عملية ضرب العراق من خلال منظور أميركي ـ اسرائيلي مشترك يتحرك تحت شعار "بناك"، أي "المشروع لقرن اميركي جديد". ويستثني هذا المشروع دولتين من التغيير هما تركيا واسرائيل، بسبب ارتباطهما الاستراتيجي بواشنطن ونجاحهما المتواصل في استئصال شأفة الارهاب!
وباتجاه هذا المنحى كتبت مجلة "لونوفيل اوبزرفاتور" الفرنسية تحليلاً قالت فيه ان احتلال العراق هدفه تطويق السعودية. ذلك انه البلد العربي الضامن لاستئناف الصادرات النفطية الضرورية في حال توقف الضخ من آبار المملكة. ومن المؤكد ان نشر قواعـــد عسكرية فوق أرضه سيضــــع ايران والسعودية وسورية والأردن تحت مظلة التهديد المتواصل. لهذه الأسباب وسواهـــــا شجعـــــت اسرائيل بواسطة "المحافظين الجدد" قرار ضرب العراق لكي تقربه منها وتبعد السعوديــــة عن الولايـــات المتحـــدة!